إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق9%

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق مؤلف:
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 434

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219742 / تحميل: 6908
الحجم الحجم الحجم
إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الله عز وجل نفسه شيئاً حيث يقول: قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم، فأقول: إنه شيء لا كالأشياء، إذ في نفي الشيئية عنه إبطاله ونفيه.

قال لي: صدقت وأصبت.

ثم قال لي الرضاعليه‌السلام : للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب: نفي، وتشبيه، وإثبات بغير تشبيه، فمذهب النفي لا يجوز، ومذهب التشبيه لا يجوز، لأن الله تبارك وتعالى لا يشبهه شيء، والسبيل في الطريقة الثالثة: إثبات بلا تشبيه.

- توحيد الصدوق ص ٩٨

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن سهل بن زياد، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمد ابن زيد قال: جئت إلى الرضاعليه‌السلام أسأله عن التوحيد فأملى عليّ:

الحمد لله فاطر الأشياء إنشاء، ومبتدعها ابتداء بقدرته وحكمته، لا من شيء فيبطل الإختراع، ولا لعلة فلا يصح الإبتداع. خلق ما شاء كيف شاء، متوحداً بذلك لإظهار حكمته وحقيقة ربوبيته، لا تضبطه العقول، ولا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأبصار، ولا يحيط به مقدار، عجزت دونه العبارة، وكلت دونه الأبصار، وضل فيه تصاريف الصفات، احتجب بغير حجاب محجوب، واستتر بغير ستر مستور، عرف بغير رؤية، ووصف بغير صورة، ونعت بغير جسم، لا إله إلا الله الكبير المتعال.

ورواه في علل الشرائع ج ١ ص ٩

ويكشف حقيقة جديدة في الإسراء والمعراج

- التوحيد للصدوق ص ١١٣

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاقرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن محمد الخزاز، ومحمد بن

١٦١

الحسين، قالا: دخلنا على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فحكينا له ما روي أن محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه في هيئة الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة، رجلاه في خضرة، وقلت: إن هشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي يقولون: إنه أجوف إلى السرة والباقي صمد، فخر ساجداً ثم قال: سبحانك ما عرفوك ولا وحدوك، فمن أجل ذلك وصفوك، سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك، سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن شبهوك بغيرك. إلهي لا أصفك إلا بما وصفت به نفسك، ولا أشبهك بخلقك، أنت أهل لكل خير، فلا تجعلني من القوم الظالمين.

ثم التفت إلينا فقال: ما توهمتم من شيء فتوهموا الله غيره، ثم قال: نحن آل محمد النمط الأوسط، الذي لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي. يا محمد إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين نظر إلى عظمة ربه كان في هيئة الشاب الموفق وسن أبناء ثلاثين سنة..

يا محمد عظم ربي وجل أن يكون في صفة المخلوقين.

قال قلت: جعلت فداك من كانت رجلاه في خضرة؟ قال: ذاك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا نظر إلى ربه بقلبه جعله في نور مثل نور الحجب حتى يستبين له ما في الحجب! إن نور الله منه اخضرَّ ما اخضر، ومنه احمرَّ ما احمر، ومنه أبيضَّ ما أبيض، ومنه غير ذلك. يا محمد ما شهد به الكتاب والسنة فنحن القائلون به.

- ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج ٤ ص ٤١ وقال:

بيان: قولهعليه‌السلام : النمط الوسطى وفي الكافي الأوسط قال الجزري: في حديث علي: خير هذه الأمة النمط الأوسط، النمط: الطريقة من الطرائق والضروب، يقال: ليس هذا من ذلك النمط أي من ذلك الضرب، والنمط: الجماعة من الناس أمرهم واحد. انتهى.

قولهعليه‌السلام : لا يدركنا الغالي في أكثر النسخ بالغين المعجمة، وفي بعضها بالعين المهملة، وعلى التقديرين المراد به من يتجاوز الحد في الأمور، أي لا يدركنا ولا يلحقنا في سلوك طريق النجاة من يغلو فينا أوفي كل شيء، والتالي أي التابع لنا لا

١٦٢

يصل إلى النجاة إلا بالأخذ عنا، فلا يسبقنا بأن يصل إلى المطلوب لا بالتوصل بنا.

وفي الكافي: إن نور الله منه أخضر، ومنه أحمر، ومنه أبيض، ومنه غير ذلك. وسيأتي في باب العرش في خبر أبي الطفيل إن الله خلق العرش من أنوار مختلفة، فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة، ونور أصفر اصفرت منه الصفرة، ونور أحمر احمرت منه الحمرة، ونور أبيض وهو نور الأنوار ومنه ضوء النهار.

ثم اعلم أنه يمكن إبقاء الحجب والأنوار على ظواهرها بأن يكون المراد بالحجب أجساماً لطيفة مثل العرش والكرسي يسكنها الملائكة الروحانيون، كما يظهر من بعض الدعوات والأخبار، أي أفاض عليه شبيه نور الحجب ليمكن له رؤية الحجب كنور الشمس بالنسبة إلى عالمنا.

ويحتمل التأويل أيضاً بأن يكون المراد بها الوجوه التي يمكن الوصول إليها في معرفة ذاته تعالى وصفاته إذ لا سبيل لأحد إلى الكنه، وهي تختلف باختلاف درجات العارفين قرباً وبعداً، فالمراد بنور الحجب قابلية تلك المعارف وتسميتها بالحجب، إما لأنها وسائط بين العارف والرب تعالى كالحجاب، أو لأنها موانع عن أن يسند إليه تعالى ما لا يليق به، أو لأنها لما لم تكن موصلة إلى الكنه فكأنها حجب، إذ الناظر خلف الحجاب لا تتبين له حقيقة الشيء كما هي.

وقيل: إن المراد بها العقول فإنها حجب نور الأنوار، ووسائط النفوس الكاملة، والنفس إذا استكملت ناسبت نوريتها نورية تلك الأنوار، فاستحقت الإتصال بها والإستفادة منها، فالمراد بجعله في نور الحجب جعله في نور العلم والكمال مثل نور الحجب، حتى يناسب جوهر ذاته جوهر ذاتهم فيستبين له ما في ذواتهم، ولا يخفى فساده على أصولنا بوجوه شتى.

وأما تأويل ألوان الأنوار فقد قيل فيه وجوه:

الأول: أنها كناية عن تفاوت مراتب تلك الأنوار بحسب القرب والبعد من نور الأنوار، فالأبيض هو الأقرب، والأخضر هو الأبعد، كأنه ممزوج بضرب من الظلمة،

١٦٣

والأحمر هو المتوسط بينهما، ثم ما بين كل اثنين ألوان أخرى كألوان الصبح والشفق المختلفة في الألوان لقربها وبعدها من نور الشمس.

الثاني: أنها كناية عن صفاته المقدسة، فالأخضر قدرته على إيجاد الممكنات وإفاضة الأرواح التي هي عيون الحياة ومنابع الخضرة، والأحمر غضبه وقهره على الجميع بالإعدام والتعذيب، والأبيض رحمته ولطفه على عباده كما قال تعالى: وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله.

الثالث: ما استفدته من الوالد العلامة قدس الله روحه وذكر أنه مما أفيض عليه من أنوار الكشف واليقين، وبيانه يتوقف على تمهيد مقدمة وهي: أن لكل شيء مثالاً في عالم الرؤيا والمكاشفة، وتظهر تلك الصور والأمثال على النفوس مختلفة باختلاف مراتبها في النقص والكمال، فبعضها أقرب إلى ذي الصورة، وبعضها أبعد، وشأن المعبر أن ينتقل منها إلى ذواتها، فإذا عرفت هذا فالنور الأصفر عبارة عن العبادة ونورها كما هو المجرب في الرؤيا، فإنه كثيراً ما يرى الرائي الصفرة في المنام فيتيسر له بعد ذلك عبادة يفرح بها، وكما هو المعاين في جباه المتهجدين، وقد ورد في الخبر في شأنهم أنه ألبسهم الله من نوره لما خلوا به. والنور الأبيض العلم لأنه منشأ للظهور، وقد جرب في المنام أيضاً. والنور الأحمر المحبة كما هو المشاهد في وجوه المحبين عند طغيان المحبة، وقد جرب في الأحلام أيضاً. والنور الأخضر المعرفة، كما تشهد به الرؤيا ويناسبه هذا الخبر، لأنهعليه‌السلام في مقام غاية العرفان كانت رجلاه في خضرة.

ولعلهمعليهم‌السلام إنما عبروا عن تلك المعاني على تقدير كونها مرادة بهذه التعبيرات، لقصور أفهامنا عن محض الحقيقة كما تعرض على النفوس الناقصة في الرؤيا هذه الصور، ولأنا في منام طويل من الغفلة عن الحقائق، كما قالعليه‌السلام : الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا.

وهذه التأويلات غاية ما تصل إليه أفهامنا القاصرة، والله أعلم بمراد حججه وأوليائهعليهم‌السلام . انتهى.

١٦٤

ملاحظة: إذا شرح لنا عالم الفيزياء مثلاً بعض قوانين الضوء وتحدث عن تغير تركيب الأجسام وطاقاتها إذا تحركت بسرعة الضوء أو بأسرع منه، فإننا نتعجب لذلك ونحترم آراءه..

أما النبي والإمام المعصوم فإن حديثهما أولى بالإحترام والثقة من عالم الفيزياء، ومن كل علماء الأرض، لأنهما يتحدثان عن الفيزياء كما أخبرهما عنها خالقها تبارك وتعالى. فحديث الإمام الرضاعليه‌السلام عن المعراج وعن أصل الأنوار والألوان إنما هو عن جده المصطفى سيد البشرصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أوحى إليه الله تعالى وعرج به مرات متعددة كما في الأحاديث الشريفة، فأراه ملكوت السماوات والأرض.

وأحاديث المعراج فيها أحاديث صحيحة ومهمة، وهي تحتاج إلى دراسة من علماء الطبيعة، لعلهم يكتشفون منها حقائق جديدة عن الكون والطبيعة.

ولا نعني بذلك رفض التفسيرات العقلية والإشراقية كالتي أوردها المجلسي رحمه‌الله ولكنها تبقى تفسيراً لجانب، أو احتمالات.. ونعم ما ختم به المحدث المجلسي رحمه‌الله كلامه فقال (وهذه التأويلات غاية ما تصل إليه أفهامنا القاصرة، والله أعلم بمراد حججه وأوليائهعليهم‌السلام ).

الإمام الرضاعليه‌السلام يعلّم بني العباس التوحيد

- توحيد الصدوق ص ٣٤

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا محمد بن عمر والكاتب، عن محمد بن زياد القلزمي، عن محمد بن أبي زياد الجدي صاحب الصلاة بجدة قال: حدثني محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال: سمعت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام يتكلم بهذا الكلام عند المأمون في التوحيد، قال ابن أبي زياد: ورواه لي أيضاً أحمد بن عبد الله العلوي مولى لهم وخالاً لبعضهم، عن القاسم بن أيوب العلوي، أن المأمون لما أراد أن يستعمل الرضاعليه‌السلام على هذا الأمر

١٦٥

جمع بني هاشم فقال: إني أريد أن أستعمل الرضا على هذا الأمر من بعدي، فحسده بنو هاشم وقالوا: أتولي رجلاً جاهلاً ليس له بصر بتدبير الخلافة، فابعث إليه رجلاً يأتنا فترى من جهله ما يستدل به عليه، فبعث إليه فأتاه فقال له بنو هاشم: يا أبا الحسن إصعد المنبر وانصب لنا علماً نعبد الله عليه، فصعدعليه‌السلام المنبر، فقعد ملياً لا يتكلم مطرقاً، ثم انتفض انتفاضة واستوى قائماً، وحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه وأهل بيته. ثم قال:

أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله توحيده، ونظام توحيد الله نفي الصفات عنه، لشهادة العقول أن كل موصوف مخلوق، وشهادة كل مخلوق أن له خالقاً ليس بصفة ولا موصوف، وشهادة كل صفة وموصوف بالإقتران، وشهادة الإقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالإمتناع من الأزل الممتنع من الحدث، فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته، ولا إياه وحد من اكتنهه، ولا حقيقة أصاب من مثله، ولا به صدق من نهاه، ولا صمد صمده من أشار إليه، ولا إياه عنى من شبهه، ولا له تذلل من بعضه، ولا إياه أراد من توهمه.

كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول، بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول تعتقد معرفته، وبالفطرة تثبت حجته. خلق الله حجاباً بينه وبينهم، ومباينته إياهم مفارقته إنيتهم، وابتداؤه إياهم دليلهم على أن لا ابتداء له، لعجز كل مبتدأ عن ابتداء غيره، وأَدْوه إياهم دليل على أن لا أداة فيه، لشهادة الأدوات بفاقة المتأدين، وأسماؤه تعبير، وأفعاله تفهيم، وذاته حقيقة، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه، وغبوره تحديد لما سواه.

فقد جهل الله من استوصفه، وقد تعداه من اشتمله، وقد أخطأه من اكتنهه، ومن قال كيف فقد شبهه، و من قال لم فقد علله، ومن قال متى فقد وقته، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال إلى م فقد نهاه، ومن قال حتى م فقد غياه، ومن غياه فقد غاياه، ومن غاياه فقد جزأه، ومن جزأه فقد وصفه، ومن وصفه فقد ألحد فيه، لا

١٦٦

يتغير الله بانغيار المخلوق، كما لا يتحدد بتحديد المحدود، أحد لا بتأويل عدد، ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجل لا باستهلال رؤية، باطن لا بمزايلة، مبائن لا بمسافة، قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسم، موجود لا بعد عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بجول فكرة، مدبر لا بحركة، مريد لا بهمامة، شاء لا بهمة، مدرك لا بمجسة، سميع لا بآلة، بصير لا بأداة.

لا تصحبه الأوقات، ولا تضمنه الأماكن، ولا تأخذه السنات، ولا تحده الصفات، ولا تقيده الأدوات.

سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده، والإبتداء أزله.

بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له، وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأمور عرف أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والجلاية بالبهم، والجسو بالبلل، والصرد بالحرور، مؤلف بين متعادياتها، مفرق بين متدانياتها، دالة بتفريقها على مفرقها، وبتأليفها على مؤلفها، ذلك قوله عز وجل: ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون، ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها، دالة بتفاوتها أن لا تفاوت لمفاوتها، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيرها، له معنى الربوبية إذ لا مربوب، وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه، ومعنى العالم ولا معلوم، ومعنى الخالق ولا مخلوق، وتأويل السمع ولا مسموع.

ليس منذ خلق استحق معنى الخالق، ولا بإحداثه البرايا استفاد معنى البارئية، كيف ولا تغيبه مذ، ولا تدنيه قد، ولا تحجبه لعل، ولا توقته متى، ولا تشمله حين، ولا تقارنه مع، إنما تحد الأدوات أنفسها، وتشير الآلة إلى نظائرها، وفي الأشياء يوجد فعالها، منعتها منذ القدمة، وحمتها قد الأزلية، وجبتها لولا التكملة، افترقت فدلت على مفرقها، وتباينت فأعربت من مباينها، لما تجلى صانعها للعقول، وبها

١٦٧

احتجب عن الرؤية، وإليها تحاكم الأوهام، وفيها أثبت غيره، ومنها أنيط الدليل، وبها عرفها الإقرار.

وبالعقول يعتقد التصديق بالله، وبالإقرار يكمل الإيمان به، ولا ديانة إلا بعد المعرفة، ولا معرفة إلا بالإخلاص، ولا إخلاص مع التشبيه، ولا نفي مع إثبات الصفات للتشبية، فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه، وكل ما يمكن فيه يمتنع من صانعه، لا تجري عليه الحركة والسكون، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، أو يعود إليه ما هو ابتداه، إذا لتفاوتت ذاته، ولتجزأ كنهه، ولامتنع من الأزل معناه، ولما كان للبارئ معنى غير المبروء.

ولو حد له وراء إذاً حد له أمام، ولو التمس له التمام إذاً لزمه النقصان، كيف يستحق الأزل من لا يمتنع من الحدث، وكيف ينشئ الأشياء من لا يمتنع من الإنشاء، إذاً لقامت فيه آية المصنوع، ولتحول دليلاً بعدما كان مدلولاً عليه.

ليس في محال القول حجة، ولا في المسألة عنه جواب، ولا في معناه له تعظيم، ولا في إبانته عن الخلق ضيم، إلا بامتناع الأزلي أن يثنى، وما لا بدأ له أن يبدى، لا إله إلا الله العلي العظيم، كذب العادلون بالله وضلوا ضلالاً بعيداً، وخسروا خسراناً مبينا. وصلى الله على محمد النبي وآله الطيبين الطاهرين.

نماذج من كلمات علماء مذهب أهل البيتعليهم‌السلام

- الإعتقادات ص ٣ ٩ للصدوق المتوفى سنة ٣٨١

إعلم أن اعتقادنا في التوحيد: أن الله تعالى واحد أحد ليس كمثله شيء، قديم لم يزل ولا يزال، سميعاً بصيراً عليماً حكمياً حياً قيوماً عزيزاً قدوساً عالماً قادراً غنياً، لا يوصف بجوهر ولا جسم ولا صورة ولا عرض ولا خط ولا سطح ولا ثقل ولا خفة ولا سكون ولا حركة ولا مكان ولا زمان، وأنه تعالى متعال من جميع صفات خلقه، خارج عن الحدين حد الإبطال وحد التشبيه. وأنه تعالى شيء لا كالأشياء، صمد، لم

١٦٨

يلد فيورث ولم يولد فيشارك ولم يكن له كفواً أحد، ولا نِدَّ له ولا ضد ولا شبه، ولا صاحبة ولا مثل ولا نظير ولا شريك له، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ولا الأوهام وهو يدركها، لا تأخذه سنة ولا نوم وهو اللطيف الخبير، خالق كل شيء، لا إله إلا هو، له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين.

ومن قال بالتشبيه فهو مشرك، ومن نسب إلى الإمامية غير ما وصف في التوحيد فهو كاذب، وكل خبر يخالف ما ذكرت في التوحيد فهو موضوع مخترع، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل، وإن وجد في كتب علمائنا فهو مدلس.

والأخبار التي يتوهمها الجهال تشبيهاً لله تعالى بخلقه فمعانيها محمولة على ما في القرآن من نظائرها، لأن ما في القرآن:كل شيء هالك إلا وجهه ، ومعنى الوجه الدين، والوجه الذي يؤتى الله منه ويتوجه به إليه.

وفي القرآن:يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود وهم سالمون ، والساق وجه الأمر وشدته.

وفي القرآن:أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله ، والجنب الطاعة.

وفي القرآن:ونفخت فيه من روحي ، وهو روح مخلوقة جعل الله منها في آدم وعيسى، وإنما قال روحي كما قال: نبيي وعبدي وجنتي أي: مخلوقي، وناري وسمائي وأرضي. وفي القرآن: بل يداه مبسوطتان، يعني نعمة الدنيا ونعمة الآخرة.

وفي القرآن:والسماء بنيناها بأيد ، والأيد القوة، ومنه قوله تعالى: واذكر عبدنا داوود ذا الأيد، يعني ذا القوة.

وفي القرآن:يا إبليس ما منعك أن تسجد لماخلقت بيدي ، يعني بقدرتي وقوتي.

وفي القرآن:والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة ، يعني ملكه ولايملكها معه أحد.

وفي القرآن:والسماوات مطويات بيمينه ، يعني بقدرته.

وفي القرآن:وجاء ربك والملك صفاً صفاً ، يعني وجاء أمر ربك.

١٦٩

وفي القرآن:كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ، يعني عن ثواب ربهم.

وفي القرآن:هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ، أي عذاب الله.

وفي القرآن:وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ، يعني مشرقة تنظر ثواب ربها.

وفي القرآن:ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ، وغضب الله عقابه، ورضاه ثوابه.

وفي القرآن:تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ، أي تعلم غيبي ولا أعلم غيبك.

وفي القرآن:ويحذّركم الله نفسه ، يعني إنتقامه.

وفي القرآن:إن الله وملائكته يصلّون على النبي .

وفيه:هو الذي يصلّي عليكم وملائكته ، والصلاة من الله رحمة ومن الملائكة استغفار وتذكية ومن الناس دعاء.

وفي القرآن:ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين .

وفي القرآن:يخادعون الله وهو خادعهم .

وفيه:الله يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ .

وفي القرآن:سخر الله منهم .

وفيه:نسوا الله فنسيهم .

ومعنى ذلك كله أنه عز وجل يجازيهم جزاء المكر وجزاء المخادعة وجزاء الإستهزاء وجزاء النسيان وهو أن ينسيهم أنفسهم كما قال عز وجل: ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، لأنه عز وجل في الحقيقة لا يمكر ولا يخادع ولا يستهزئ ولا يسخر ولا ينسى، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

وليس يرد في الأخبار التي يشنع بها أهل الخلاف والإلحاد إلا بمثل هذه الألفاظ ومعانيها معاني ألفاظ القرآن.

١٧٠

- الكافي ص ٣٨، لأبي الصلاح الحلبي المتوفى سنة ٤٤٧

... وثبوت كونه تعالى قديماً مقتض لكونه سبحانه غنياً تستحيل عليه الحاجة، (لأن) الحاجة لا تكون إلا لاجتلاب نفع أو دفع ضرر، من حيث علمنا استحالة الحاجة على من يستحيل عليه الضرر والنفع كالموات والجماد. والنفع والضرر لا يجوزان إلا على من يلذ ويألم، لأن الحي إنما ينتفع بما يلذ به أو يسر له، ويستضر بما يألم به أو يغتم لأجله، واللذة والألم لا يجوزان إلا على ذي شهوة ونفور، إذ معنى ملتذ أنه أدرك ما يشتهيه، ومعنى متألم أنه أدرك ما ينفر عنه، ومعنى مسرور أنه اعتقد أو ظن وصول نفع إليه أو إلى من يجري مجراه واندفاع ضرر، ومعنى مغتم أنه اعتقد أو ظن وصول ضرر اليه أو إلى من يجري مجراه أو فوت نفع، فعاد معنى السرور والغم إلى النفع والضرر.

إذا تقرر هذا وكانت الشهوة والنفار معاني تفتقر إلى محل استحال تخصيصها. وكونه تعالى لا يشبه شيئاً يحيل إدراكه سبحانه بشيء من الحواس، لاختصاص الإدراك المعقول بالجواهر وأجناس من الأعراض، وليس هو من الجنسين، فاستحال إدراكه تعالى.

ولأنه لو كان مما يصح أن يدرك بشيء من الحواس لوجب أن ندركه الآن، لأنا على الصفة التي معها يجب أن يدرك كلما يصح إدراكه بشرط ارتفاع الموانع، وهو سبحانه موجود والموانع مستحيلة عليه، لأنها اللطافة والرقة وتفاوت البعد والقرب والحجاب والكون في غير جهة المقابلة، وذلك أجمع من صفات المتحيزات، وقد دللنا على كونه سبحانه بخلافها، فلو كان مما يصح أن يدرك لأدركناه الآن، ولو أدركناه لعلمناه ضرورة، من حيث كان العلم بالمدرك من كمال العقل، وفي عدم العلم به سبحانه ضرورة دليل على عدم إدراكه....

وثبوت كونه تعالى لا يشبه شيئاً يحيل عليه التنقل والإختصاص بالحياة والمجاورة، لأن ذلك من أحكام المتحيزات وليس بمتحيز. ويحيل عليه سبحانه

١٧١

الحلول وإيجاب الأحوال والأحكام، لأن ذلك من خواص الأعراض، فتسقط لذلك مذاهب الثنوية والمجوس والصابئين وعباد الأصنام والمنجمين والنصارى والغلاة، لإثبات هؤلاء أجمع إلهية الأجسام، أو كونها مؤثرة ما يستحيل من الجسم تأثيره، على ما سلف بيانه.

- كشف المراد للعلامة الحلي ص٣٢٠: المتوفى سنة ٧٢٦

المسألة العشرون: في أنه تعالى ليس بمرئي.

أقول: وجوب الوجود يقتضي نفي الرؤية أيضاً. واعلم أن أكثر العقلاء ذهبوا إلى امتناع رؤيته تعالى، والمجسمة جوزوا رؤيته لاعتقادهم أنه تعالى جسم ولو اعتقدوا تجرده لم يجوزوا رؤيته عندهم. والأشاعرة خالفوا العقلاء كافة هنا وزعموا أنه تعالى مع تجرده يصح رؤيته.

والدليل على امتناع الرؤية أن وجوب الوجود يقتضي تجرده ونفي الجهة والحيز عنه، فتنتفي الرؤية عنه بالضرورة، لأن كل مرئي فهو في جهة يشار إليه بأنه هناك أو هنا، ويكون مقابلاً أو في حكم المقابل، ولما انتفى هذا المعنى عنه تعالى انتفت الرؤية.... أقول: لما استدل على نفي الرؤية شرع في الجواب عن الإحتجاج، والأشاعرة قد احتجوا بوجوه أجاب المصنف رحمه‌الله عنها.

الأول، إن موسىعليه‌السلام سئل الرؤية ولو كانت ممتنعة لم يصح عنه السؤال.

والجواب: أن السؤال كان من موسىعليه‌السلام لقومه ليبين لهم امتناع الرؤية لقوله تعالى: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة، وقوله: أفتهلكنا بما فعل السفهاء منا....

الوجه الثاني لهم، أنه تعالى حكى عن أهل الجنة النظر اليه فقال: إلى ربها ناظرة، والنظر المقرون بحرف إلى يفيد الرؤية، لأنه حقيقة في تقليب الحدقة نحو المطلوب التماساً للرؤية، وهذا متعذر في حقه تعالى لانتفاء الجهة، عنه فيتعين أن يكون

١٧٢

المراد منه المجاز، وهي الرؤية التي هي معلولة النظر الحقيقي، واستعمال لفظ السبب في المسبب من أحسن وجوه المجاز.

والجواب: المنع من إرادة هذا المجاز، فإن النظر وإن اقترن به حرف إلى لا يفيد الرؤية، ولهذا يقال نظرت إلى الهلال فلم أره، وإذا لم يتعين هذا المعنى للإرادة أمكن حمل الآية على غيره، وهو أن يقال إن إلى واحد إلاء ويكون معنى ناظرة أي منتظرة، أو نقول إن المضاف هنا محذوف وتقديره إلى ثواب ربها ناظرة.

لا يقال: الإنتظار سبب الغم والآية سيقت لبيان النعم.

لأنا نقول: سياق الآية يدل على تقدم حال أهل الثواب والعقاب على استقرارهم في الجنة والنار بقوله: وجوه يومئذ ناظرة، بدليل قوله تعالى: ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة، فإن في حال استقرار أهل النار في النار قد فعل بها فاقرة فلا يبقى للظن معنى. وإذا كان كذلك فانتظار النعمة بعد البشارة بها لا يكون سبباً للغم بل سبباً للفرح والسرور ونضارة الوجه كمن يعلم وصول نفع إليه يقيناً في وقت، فإنه يسر بذلك وإن لم يحضر الوقت، كما أن انتظار العقاب بعد الأنذار بوروده يوجب الغم ويقتضي بسارة الوجه.

قال: وتعليق الرؤية باستقرار المتحرك لا يدل على الإمكان.

أقول: هذا جواب عن الوجه الثالث للأشعرية وتقرير احتجاجهم أن الله سبحانه وتعالى علق الرؤية في سؤال موسىعليه‌السلام على استقرار الجبل، والإستقرار ممكن لأن كل جسم فسكونه ممكن، والمعلق على الممكن ممكن.

والجواب: أنه تعالى علق الرؤية على الإستقرار لا مطلقاً بل على استقرار الجبل حال حركته، واستقرار الجبل حال الحركة محال، فلا يدل على إمكان المعلق.

قال: واشتراك المعلولات لا يدل على اشتراك العلل مع منع التعليل والحصر.

أقول: هذا جواب عن شبهة الأشاعرة من طريق العقل استدلوا بها على جواز رؤيته تعالى، وتقريرها أن الجسم والعرض قد اشتركا في صحة الرؤية، وهذا حكم

١٧٣

مشترك يستدعي علة مشتركة، ولا مشترك بينهما إلا الحدوث أو الوجود، والحدوث لا يصلح للعلية لأنه مركب من قيد عدمي فيكون عدمياً، فلم يبق إلا الوجود فكل موجود يصح رؤيته وأنه تعالى موجود.

وهذا الدليل ضعيف جداً لوجوه:

الأول: المنع من رؤية الجسم، بل المرئي هو اللون أو الضوء لا غير.

الثاني: لا نسلم اشتراكهما في صحة الرؤية، فإن رؤية الجوهر مخالفة لرؤية العرض.

الثالث: لا نسلم أن الصحة ثبوتية بل هي أمر عدمي، لأن جنس صحة الرؤية وهو الإمكان عدمي، فلا يفتقر إلى العلة.

الرابع: لا نسلم أن المعلول المشترك يستدعي علة مشتركة، فإنه يجوز اشتراك العلل المختلفة في المعلولات المتساوية.

الخامس: لا نسلم الحصر في الحدوث والوجود، وعدم العلم لا يدل على العدم، مع أنا نتبرع قسماً آخر وهو الإمكان، وجاز التعليل به وإن كان عدمياً، لأن صحة الرؤية عدمية.

السادس: لا نسلم أن الحدوث لا يصلح للعلية، وقد بينا أن صحة الرؤية عدمية، على أنا نمنع من كون الحدوث عدمياً، لأنه عبارة عن الوجود المسبوق بالغير لا المسبوق بالعدم.

السابع: لم لا يجوز أن تكون العلة هي الوجود بشرط الإمكان أو بشرط الحدوث، والشروط يجوز أن تكون عدمية.

الثامن: المنع من كون الوجود مشتركاً، لأن وجود كل شيء نفس حقيقته، ولو سلم كون الوجود الممكن مشتركاً، لكن وجود الله تعالى مخالف لغيره من الوجودات، لأنه نفس حقيقته، ولا يلزم من كون وجود بعض الماهيات علة لشيء كون ما يخالفه علة لذلك الشيء.

١٧٤

التاسع: المنع من وجود الحكم عند وجود المقتضي، فإنه جاز وجود مانع في حقه تعالى، أما ذاته أو صفة من صفاته، أو نقول الحكم يتوقف على شرط كالمقابلة هنا وهي تمتنع في حقه تعالى، فلا يلزم وجود الحكم فيه.

- الرسالة السعدية للعلامة الحلي ص ٣٩

والدليل على المذهب الأول: العقل، والنقل.

أما العقل، فإن الضرورة قاضية: بأن كل مرئي، فإنه لابد وأن يكون مقابلاً للرائي، أو في حكم المقابل كالمرئي في المرايا. وكل مقابل أو في حكمه فهو في جهة، والله تعالى ليس في جهة فلا يكون مرئياً.

ولأنه لو كان مرئياً لرأيناه الآن، لوجود العلة المقتضية للرؤية وهي حصول الشرايط وانتفاء الموانع وسلامة الحاسة.

وأما النقل، فقوله تعالى:لن تراني ، ولو كانت صحيحة ويراه بعض المؤمنين، لكان موسىعليه‌السلام أولى بالرؤية.

وقوله تعالى: لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، تمدح بنفي الرؤية فيكون ثبوتها نقصاً، والنقص على الله تعالى محال.

ولأن الخصم يسلم أن معرفة الله تعالى ليست حاصلة إلا بصفاته وآثاره دون حقيقته، فكيف تصح رؤيته والإحاطة بكنه حقيقته، تعالى الله عن ذلك.

* *

١٧٥

الفصل الخامس

من أين نشأت المشكلة عند إخواننا السنّة

العامل الأول: ميل العوام إلى التشبيه والتجسيم

للذهن البشري حالة ابتدائية طفولية يتصور فيها كثيراً من الأمور تصوراً خاطئاً، حتى إذا تعمق في الفكر والتجربة.. تصححت نظرته! ولعل أكثر الناس يتصورون الله تعالى في طفولتهم بصور من محيطهم، فيتخيله أحدهم كأبيه مثلاً، أو كإنسان صاحب صفات حسنة.... وهذا أمر طبيعي، بل قد يكون فطرياً، فقد ورد أن النملة تتصور أن لربها قرنين كقرنيها (نحوه في بحار الأنوار ج ٦٩ ص ٢٩٣)

ولكن هذه الحالة الطفولية إذا استمرت مع الإنسان ولم تتطور، فإنها تتحول إلى حالة عامية مستعصية، ولذا ترى أصحابها يميلون إلى الإعتقاد بأن الله تعالى جسم، ويروون عنه القصص والخيالات!

وقد كانت هذه (العامية) سائدة في مجتمع اليهود الذي انحرف عن رسالات أنبيائه، وكذا في مجتمع العرب الوثني، وصارت أرضية لتقبل نظريات الرؤية والتشبيه والتجسيم من اليهود، وترويجها بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والتنظير لها! حتى أن بعض

١٧٦

الحنابلة والأشعريين كابن عقيل والذهبي ادعيا أن الإسلام دين عوامي يتبنى منهج العوامية!

قال الذهبي في سيره ج ١٩ ص ٤٤٨: قال ابن عقيل في الفنون: الأصلح لاعتقاد العوام ظواهر الآي، لأنهم يأنسون بالإثبات، فمتى محونا ذلك من قلوبهم زالت الحشمة. قال: فتهافتهم في التشبيه أحب إلينا من إغراقهم في التنزيه، لأن التشبيه يغمسهم في الإثبات فيخافون ويرجون، والتنزيه يرمي بهم إلى النفي، فلا طمع ولا مخافة في النفي. ومن تدبر الشريعة رآها غامسة للمكلفين في التشبيه بالألفاظ الظاهرة التي لا يعطي ظاهرها سواه كقول الأعرابي: أو يضحك ربنا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، فلم يكفهر لقوله وتركه وما وقع له! انتهى.

وقد تبنى الذهبي هذا الإتجاه الخطير وأشاد بأهله! وبلغ به الأمر أنه نقل كلام أبي حاتم بن خاموش الذي كفر فيه كل المسلمين ما عدا الحنابلة ولم يعلق عليه، قال في سيره ج ١٨ ص ٥٠٧:

قال ابن طاهر: وسمعت أبا إسماعيل يقول: قصدت أبا الحسن الخرقاني الصوفي، ثم عزمت على الرجوع، فوقع في نفسي أن أقصد أبا حاتم بن خاموش الحافظ بالري وألتقيه، وكان مقدم أهل السنة بالري، وذلك أن السلطان محمود بن سبكتكين لما دخل الري، وقتل بها الباطنية منع الكل من الوعظ غير أبي حاتم، وكان من دخل الري يعرض عليه اعتقاده فإن رضيه أذن له في الكلام على الناس وإلا فمنعه، قال: فلما قربت من الري كان معي رجل في الطريق من أهلها فسألني عن مذهبي فقلت: حنبلي، فقال: مذهب ما سمعت به وهذه بدعة وأخذ بثوبي، وقال: لا أفارقك إلى الشيخ أبي حاتم، فقلت خيرة، فذهب بي إلى داره، وكان له ذلك اليوم مجلس عظيم، فقال: هذا سألته عن مذهبه، فذكر مذهباً لم أسمع به قط. قال: وما قال؟ فقال قال: أنا حنبلي. فقال: دعه، فكل من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم. فقلت في نفسي: الرجل كما وصف لي، ولزمته أياماً وانصرفت. انتهى.

١٧٧

وقال الناشر عما وجده في المخطوطة: (في حاشية الأصل بخط مغاير ما نصه: أخطأ هذا القائل قطعاً والمقول له في تصويبه ذلك وكذلك المادح له، بل لو قيل: إن قائل هذه المقالة يكفر بها لم يبعد، لأنه نفى الإسلام عن عالم عظيم من هذه الأمة ليسوا بحنابلة، بل هم الجمهور الأعظم، ولقد بالغ المصنف في هذا الكتاب في تعظيم رؤوس التجسيم، وسياق مناقبهم، والتغافل عن بدعهم، بل يعدها سنة. ويهضم جانب أهل التنزيه، ويعرض بهم أو يصرح، ويتغافل عن محاسنهم العظيمة وآثارهم في الدين، كما فعل في ترجمة إمام الحرمين والغزالي، والله حسيبه، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). انتهى.

وقد كان العوام الرعاع في كل جيل يتعصبون للقول بالتشبيه ولمن يقول به، ويؤيدونه ضد خصومه بأساليب خشنة عدوانية! فقد روى ابن بطوطة في رحلته ج ١ ص ٩٠ إحدى مشاهداته فقال:

(وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية كبير الشام، يتكلم في الفنون إلا أن في عقله شيئاً.. وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعه وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم فكان من جملة كلامه أن قال: إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل ربعة من ربع المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر ما تكلم به، فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً، حتى سقطت عمامته وظهر على رأسه شاشية حرير) انتهى.

وبقى هذا السلوك العوامي لأصحاب الرؤية والتجسيم، إرثاً موروثاً من قرون الإسلام الأولى! بل زاد عليه الأشعريون والمجسمة والدولة في ابتكار أساليب القمع والإرهاب للذين يخالفونهم، كما عرفت في موقفهم من التأويل والمتأولة، وكما فعلوا مع الطبري المؤرخ لأنه لم يوافقهم على أن الله تعالى يجلس على عرشه، فيفضل منه أربع أصابع ليجلس عليها الأنبياء إلى جنبه! قال الحموي في معجم الأدباء ج ٩ جزء ١٨ ص ٥٧ في ترجمة الطبري:

١٧٨

فلما قدم إلى بغداد من طبرستان بعد رجوعه إليها تعصب عليه أبو عبد الله الجصاص وجعفر بن عرفة والبياضي. وقصده الحنابلة فسألوه عن أحمد بن حنبل في الجامع يوم الجمعة وعن حديث الجلوس على العرش. فقال أبو جعفر: أما أحمد بن حنبل فلا يعد خلافه. فقالوا له: فقد ذكره العلماء في الإختلاف، فقال: ما رأيته روي عنه، ولا رأيت له أصحاباً يعول عليهم. وأما حديث الجلوس على العرش فمحال ثم أنشد:

سبحان من ليس له أنيس

ولا له في عرشه جليس

فلما سمع ذلك الحنابلة منه وأصحاب الحديث وثبوا ورموه بمحابرهم، وقيل كانت ألوفاً فقام أبوجعفر بنفسه ودخل داره فرموا داره بالحجارة حتى صار على بابه كالتل العظيم.... إلى آخر القصة التي سنذكرها في مكانة المجسمين في مصادر إخواننا....

- وقال ابن قيم الجوزية في بدائع الفوائد ج ٤ ص ٣٩

قال القاضي: صنف المروزي كتاباً في فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه إقعاده على العرش وهو قول أبي داود وأحمد بن أصرم.... وعبد الله بن الإمام أحمد.... إلخ. ثم قال ابن القيم: قلت: وهو قول ابن جرير الطبري وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير. انتهى.

ولم يذكر ابن القيم عمن أخذه مجاهد، ولا ذكر إهانة الحنابلة للطبري وإجبارهم إياه على القول بذلك!

- وقال ابن خلدون في تاريخه ج ٤ ص ٤٧٧

كانت مدينة بغداد قد احتفلت في كثرة العمران بما لم تنته إليه مدينة في العالم منذ مبدأ الخليقة فيما علمناه، واضطربت آخر الدولة العباسية بالفتن وكثر فيها المفسدون والدعار والعيارون من الرها، وأعيا على الحكام أمرهم، وربما أركبوا العساكر لقتالهم ويثخنون فيهم، فلم يحسم ذلك من عللهم شيئاً، وربما حدثت

١٧٩

الفتن من أهل المذاهب ومن أهل السنة والشيعة من الخلاف في الإمامة ومذاهبها، وبين الحنابلة والشافعية وغيرهم من تصريح الحنابلة بالتشبية في الذات والصفات ونسبتهم ذلك إلى الإمام أحمد وحاشاه منه، فيقع الجدال والنكير ثم يفضي إلى الفتنة بين العوام، وتكرر ذلك منذ حُجِرَ الخلفاء، ولم يقدر بنو بويه ولا السلجوقية على حسم ذلك منها، لسكنى أولئك بفارس وهؤلاء بأصبهان وبُعْدِهِم عن بغداد، والشوكة التي تكون بها حسم العلل لاتفاقهم، وإنما تكون ببغداد شحنة (حامية عسكرية) تحسم ما خف من العلل ما لم ينته إلى عموم الفتنة.

....لم يحصل من ملوكهم اهتمام لحسم ذلك لاشتغالهم بما هو أعظم منه في الدولة والنواحي، وعامة بغداد أهون عليهم من أن يصرفوا همتهم عن العظائم إليهم، فاستمرت هذه العلة ببغداد ولم تقلع عنها، إلى أن اختلفت جدتها وتلاشى عمرانها، وبقي طراز في ردائها لم تذهبه الأيام!!

- وقال ابن كثير في البداية والنهاية ج ١٢ ص ١٤٣

ثم دخلت سنة سبعين وأربعمائة قال ابن الجوزي.... وفي شوال منها وقعت فتنة بين الحنابلة وبين فقهاء النظامية، وحمي لكل من الفريقين طائفة من العوام، وقتل بينهم نحو من عشرين قتيلاً، وجرح آخرون ثم سكنت الفتنة.

- وقال الصديق المغربي في فتح الملك العلي ص ٩٥

وقال ابن قتيبة في اختلاف الحديث: الحديث يدخله الفساد من وجوه ثلاثة: الزنادقة واحتيالهم للإسلام بدس الأحاديث المستبشعة والمستحيلة. والقصاص فإنهم يميلون وجوه العوام إليهم ويستدرون ما عندهم بالمناكير وغرائب الأحاديث، ومن شأن العوام ملازمة القصاص ما دام يأتي بالعجائب الخارجة عن نظر العقول.

وقال ابن الجوزي في الموضوعات: معظم البلاء في وضع الحديث إنما يجري من القصاص لأنهم يريدون أحاديث ترقق وتنفق، والصحيح فيها يقل.

ويحكى عن أبي عبد الله النهاوندي أنه قال: قلت لغلام خليل: هذه الأحاديث

١٨٠

التي تحدث بها في الرقاق قال: وضعناها لنقوي بها قلوب العامة، قال: وكان يتزهد ويهجر شهوات الدنيا ويتقوت الباقلاء صرفاً، وغلقت الأسواق ببغداد يوم موته!... وقد نص السلف على أن القصص بدعة، وأن التزهد والتقشف الخارج عن السنة بدعة أيضاً. انتهى.

لكن ذكرت مصادر إخواننا أن أول من فتح الباب للقصاصين وأعطاهم الشرعية هو الخليفة عمر.. قال أحمد في مسنده ج ٣ ص ٤٤٩: عن السائب بن يزيد: أنه لم يكن يقص على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر، وكان أول من قص تميماً الداري، استأذن عمر بن الخطاب أن يقص على الناس قائماً فأذن له عمر!

وقال في كنز العمّال ج ١٠ ص ٢٨٠: عن ثابت البناني قال: أول من قص عبيد بن عمير على عهد عمر بن الخطاب ابن سعد والعسكري في المواعظ.

العامل الثاني: الخوف من أن يؤدّي التنزيه إلى التعطيل

أفرط بعضهم في التأكيد على الصفات السلبية وتنزيه الله تعالى، فسبب ذلك عند الآخرين الخوف من سلب فاعليته تعالى وتأثيره في الوجود.

ولكن هؤلاء المتخوفين وقعوا في الإفراط من الجهة الأخرى في الصفات الثبوتية، فتصوروا أن فاعلية الله تعالى وتدبيره للكون يتوقف على أن يكون وجوداً محدوداً، يتجول في سماواته وينزل إلى أرضه ويتجسد في صورة إنسان.. إلخ. ونلاحظ أن هذين الخطين من الإفراط والتفريط موجودان عند المتكلمين والفلاسفة من الأمم السابقة كما هما في هذه الأمة!

وقد أخذ الأشاعرة موقع الدفاع عن التحميد ومقاومة التعطيل، وأخذ المعتزلة موقع الدفاع عن التنزيه ومقاومة التشبيه.

ونفس الكلام يرد أيضاً في أفعال الإنسان، أوالجبر والإختيار، أو القضاء والقدر، فقال الأشاعرة بالجبر للدفاع عن فاعلية الله تعالى في الوجود.. بينما قال المعتزلة بحرية الإنسان ومسؤوليته عن أعماله للدفاع عن عدل الله تعالى وتنزيهه عن الظلم.

١٨١

أما أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم فكان لهم موقف ثالث يمثل أصالة الدين الإلهي من آدمعليه‌السلام إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في تنزيه الله تعالى وتحميده في آن واحد، فنفوا عنه التشبيه والتجسيم والرؤية، كما نفوا عنه الظلم والإجبار، وأثبتوا فاعليته تعالى وهيمنته الشاملة على الوجود، ومسؤولية الإنسان عن عمله، كما سترى إن شاء الله تعالى.

وقد اشتبه الأمر على بعض الباحثين فتخيلوا أن موقف أهل البيتعليهم‌السلام حل وسط بين الإتجاهين، بينما هو مذهب ثالث أقدم من مذهبي الأشاعرة والمعتزلة، وهو يختلف عنهما في أساسه وعدد من تفاصيله، وإن أخذ منه الطرفان بعض الأسس والتفاصيل.

العامل الثالث: مضاهاة بعض المسلمين لليهود

كان الجدل بين المسلمين واليهود كثيراً في عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي صدر الإسلام، ومن أبرز مسائله المفاضلة بين نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين النبي موسىعليه‌السلام .

وقد حاول بعض المسلمين مضاهاة اليهود بمعارضة كل فضيلة يذكرونها لموسىعليه‌السلام بإثبات فضيلة مقابلها لنبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكأن المسألة مغالبة بين نبيين، وكأن أذهان البشر هي التي تزن فضائل الأنبياءوتعطي أحدهم درجة الأفضلية أو المساواة!

وقد عارض هؤلاء فضيلة تكليم الله تعالى لموسىعليه‌السلام التي نص عليها القرآن، باختراع حديث رؤية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لربه، لكي يتم بذلك تقسيم الفضائل بين الأنبياءعليهم‌السلام ، ويكون الترجيح لفضائل نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن ادعاء هذه الفضيلة المستحيلة بنص القرآن جاء على حساب تنزيه الله تعالى! وفيما يلي عدد من الأحاديث التي رووها في ذلك:

- روى النسائي في تفسيره ج ٢ ص ٣٤٨

عن ابن عباس: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد (ص).

١٨٢

- وقال النووي في شرح مسلم ج ٢ جزء ٣ ص ٥

... والحجج في هذه المسألة.... حديث ابن عباس (رض) أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد (ص)..

- وروى الحاكم في المستدرك ج ١ ص ٦٥

... عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما قال: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله . هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. وله شاهد صحيح عن ابن عباس في الرؤية.... قال رأى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه. وله شاهد ثالث صحيح الإسناد.... عن ابن عباس قال قد رأى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه.... وهذه الأخبار التي ذكرتها صحيحة كلها، والله اعلم. انتهى. ورواه الحاكم أيضاً في ج ٢ ص ٢٨٢، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.وروى نحوه في ج ٢ ص ٣١٦ وص ٤٦٩

- وروى الديلمي في فردوس الأخبار ج ١ ص ٢١٧

جابر: إن الله أعطى موسى الكلام فأعطاني الرؤية.. وفضلني بالمقام المحمود والحوض المورود. انتهى. وروى نحوه الدميري في حياة الحيوان ج ٢ ص ٧٢

- وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ١ ص ٧٨

وعن ابن عباس قال: نظر محمد صلى الله عليه وسلم إلى ربه تبارك وتعالى، قال عكرمة: فقلت لابن عباس نظر محمد إلى ربه! قال نعم، جعل الكلام لموسى والخلة لإبراهيم والنظر لمحمد صلى الله عليه وسلم. رواه الطبراني في الأوسط، وفيه حفص بن عمر العدني روى ابن أبي حاتم توثيقه عن أبي عبد الله الطهراني، وقد ضعفه النسائي وغيره.

- وروى الذهبي في سيره ج ١٤ ص ٤٥ عن عكرمة حديث ابن عباس، وقال الناشر في هامشه: أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص ١٩٩ من طريق عبد الوهاب بن الحكم

١٨٣

الوراق، حدثنا هاشم بن القاسم، عن قيس بن الربيع، عن عاصم الأحول، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إن الله.. الخ. وأخرجه أيضاً ص ١٩٧ من طريق محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس.... وهذا رأي لا دليل عليه، وهو مخالف للأدلة الكثيرة الوفيرة في أنه صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في تلك الليلة. وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على ذلك. أنظر التفصيل في زاد المعاد ج ٣ ص٣٦-٣٧. انتهى.

هذا، ولكن المعروف عن ابن عباس أنه كان ينفي التشبيه والرؤية كما تقدم، فلا يبعد أن يكون الحديث مكذوباً عليه من عكرمة غلامه، فقد كان عكرمة معروفاً بالكذب على ابن عباس في حياته وبعد وفاته، حتى ضربه ابن عباس وولده وحبسوه لهذا السبب في المرحاض، كما هو معروف في كتب الجرح والتعديل. وكان عكرمة يروي الإسرائيليات عن وهب وكعب وغيرهما من اليهود.

ويؤيد ذلك أن السهيلي روى هذا الحديث في الروض الأنف ج ٢ ص ١٥٦ عن كعب وليس عن ابن عباس. وغرض كعب من هذه الرواية أن يثبت تجسم الله تعالى ورؤيته بالعين، فقد كان ذلك مطلباً مهماً يسعى إليه، وكثرت عنه وعن جماعته نسبة ذلك إلى ابن عباس وبني هاشم! كالذي رواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص ٢٢٥ - ٢٣٠. عن الشعبي عن عبد الله بن الحرث قال: اجتمع ابن عباس وكعب فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم نزعم أو نقول: إن محمداً رأى ربه مرتين، قال فكبر كعب حتى جاوبته الجبال! فقال: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى صلى الله عليهما وسلم! انتهى. والمطلع على أحاديث ابن عباس وبني هاشم يعرف ان رأيهم يخالف كعباً وجماعته، ومن أجل هذا رووا تكبير كعب المزعوم!!

١٨٤

العامل الرابع: تأثير ثقافة اليهود

اعتقاد اليهود والنصارى بتشبيه الله تعالى ورؤيته بالعين

بلغ من تحريف اليهود لدينهم أنهم قالوا بتشبيه الله تعالى بخلقه وأنه محدود بشكل مادي، ثم جعلوا له ولداً فقالوا عزير ابن الله، بل قالوا إن كل اليهود أبناء الله وأحباؤه وشعبه المختار.. إلى آخر ما حكى الله تعالى عنهم في القرآن.

وفيما يلي نصوص ننقلها من توراتهم الموجودة المطبوعة باسم العهد القديم والجديد، طبعة مجمع الكنائس الشرقية في بيروت:

جاء في ص ٤: ٢٧ فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكراً وأنثى خلقهم.

وجاء في ص ٦: ٨ وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة. ٩ فنادى الرب الإله آدم وقال له أين أنت. ١٠ فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت. ١١ فقال من أعلمك أنك عريان. هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها. ١٢ فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت.

وجاء في ص ٢٤: ١ ولما كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب لأبرام وقال له أنا الله القدير. سر أمامي وكن كاملاً. ٢ فأجعل عهدي بيني وبينك وأكثرك كثيراً جداً. ٣ فسقط أبرام على وجهه وتكلم الله معه قائلاً. ٤ أما أنا فهو ذا عهدي معك وتكون أبا الجمهور من الأمم.

وجاء في ص ١٦٩: ٣ وكلم بني إسرائيل قائلاً خذواً تيساً من المعز لذبيحة خطية وعجلاً وخروفاً حوليين صحيحين لمحرقة ٤ وثوراً وكبشاً لذبيحة سلامة للذبح أمام الرب وتقدمة ملتوتة بزيت. لأن الرب اليوم يتراءى لكم. ٥ فأخذوا ما أمر به موسى إلى قدام خيمة الإجتماع وتقدم كل الجماعة ووقفوا أمام الرب.

١٨٥

وجاء في ص ١٨٣: ٢ وقال الرب لموسى كلم هرون أخاك أن لا يدخل كل وقت إلى القدس داخل الحجاب أمام الغطاء الذي على التابوت لئلا يموت، لأني في السحاب أتراءى على الغطاء.

وجاء في ص ٣٣٠: فانطلق موسى ويشوع ووقفا في خيمة الإجتماع ١٥ فتراءى الرب في الخيمة في عمود سحاب ووقف عمود السحاب على باب الخيمة. ١٦ وقال الرب لموسى ها أنت ترقد مع آبائك فيقوم هذا الشعب ويفجر وراء آلهة الأجنبيين في الأرض التي هو داخل إليها في ما بينهم، ويتركني وينكث عهدي الذي قطعته معه.

وجاء في ص ٤٠٤: ٢٢ فقال منوح لامرأته نموت موتاً لأننا قد رأينا الله. ٢٣ فقالت له امرأته لو أراد الرب أن يميتنا لما أخذ من يدنا محرقة وتقدمة، ولما أرانا كل هذه ولما كان في مثل هذا الوقت أسمعنا مثل هذه.

وجاء في ص ٥٤٩: ٢ إن الرب تراءى لسليمان ثانية كما تراءى له في جبعون. ٣ وقال له الرب قد سمعت صلاتك وتضرعك الذي تضرعت به أمامي.

وجاء في ص ٤٣١: ٢١ وعاد الرب يتراءى في شيلوه، لأن الرب استعلن لصموئيل في شيلوه بكلمة الرب. ٤ فأرسل الشعب إلى شيلوه وحملوا من هناك تابوت عهد رب الجنود الجالس على الكروبيم....

وجاء في ص ٤٩١: ٢ وقام داود وذهب هو وجميع الشعب الذي معه من بعلة يهوذا ليصعدوا من هناك تابوت الله الذي يدعى عليه بالإسم إسم رب الجنود الجالس على الكروبيم.

وجاء في ص ٥٣٤: ٥ في جبعون تراءى الرب لسليمان في حلم ليلاً، وقال الله إسأل ماذا أعطيك.

وجاء في ص ٥٥٤: ٩ فغضب الرب على سليمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل الذي تراءى له مرتين ١٠ وأوصاه في هذا الأمر أن لا يتبع آلهة أخرى فلم

١٨٦

يحفظ ما أوصى به الرب. ١١ فقال الرب لسليمان من أجل أن ذلك عندك ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها فإني أمزق المملكة عنك تمزيقاً وأعطيها لعبدك.

وجاء في ص ٥٦٩: ١٥ فقال إيليا حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه، إني اليوم أتراءى له.

وجاء في ص ٥٧٩: ١٧ فقال رأيت كل إسرائيل مشتتين على الجبال كخراف لا راعي لها. فقال الرب ليس لهؤلاء أصحاب فليرجعوا كل واحد إلى بيته بسلام. ١٨ فقال ملك إسرائيل ليهوشافاط أما قلت لك إنه لا يتنبأ علي خيراً بل شراً. ١٩ وقال فاسمع إذاً كلام الرب. قد رأيت الرب جالساً على كرسيه وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره. ٢٠ فقال الرب من يغوي أخآب فيصعد ويسقط في راموت جلعاد. فقال هذا هكذا وقال ذاك هكذا.

وجاء في ص ٥٨٦: ١٤ فقال أليشع حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه إنه لولا أني رافع وجه يهوشافاط ملك يهوذا لما كنت أنظر إليك ولا أراك. ١٥ والآن فأتوني بعواد. ولما ضرب العواد بالعود كانت عليه يد الرب ١٦ فقال هكذا قال الرب إجعلوا هذا الوادي جباباً جباباً.

وجاء في ص ٦٨٣: ١ وشرع سليمان في بناء بيت الرب في أورشليم في جبل المريا حيث تراءى لداود أبيه حيث هيأ داود مكاناً في بيدر أرنان اليبوسي.

وجاء في ص ٦٩٠: ١٢ وتراءى الرب لسليمان ليلاً وقال له. قد سمعت صلاتك واخترت هذا المكان لي بيت ذبيحة.

وجاء في ص ٨٤٨: ٨ من هو هذا ملك المجد. الرب القدير الجبار الرب الجبار في القتال. ٩ إرفعن أيتها الأرتاج رؤوسكن وارفعنها أيتها الأبواب الدهريات فيدخل ملك المجد. ١٠ من هو هذا ملك المجد رب الجنود هو ملك المجد.

وجاء في ص ٧٩٩: ١ يا راعي إسرائيل إصغ، يا قائد يوسف كالضأن، يا جالساً على الكروبيم أشرق. ٢ قدام أفرايم وبنيامين ومنسي أيقظ جبروتك وهلم لخلاصنا.

١٨٧

وجاء في ص ٨٤٠: ٤ الرب في هيكل قدسه، الرب في السماء كرسيه، عيناه تنظران، أجفانه تمتحن بني آدم. ٥ الرب يمتحن الصديق، أما الشرير ومحب الظلم فتبغضه نفسه. ٦ يمطر على الأشرار فخاخاً ناراً وكبريتا، وريح السموم نصيب كأسهم.

وجاء في ص ٩٩٨: ١ في سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد جالساً على كرسي عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل. ٢ السرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة. باثنين يغطي وجهه وباثنين يغطي رجليه وباثنين يطير. ٣ وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملأ كل الأرض. ٤ فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلأ البيت دخاناً ٥ فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود.

وجاء في ص ١١٨٦: ٨ وكان بينما هم يقتلون وأبقيت أنا أني خررت على وجهي وصرخت وقلت: آه يا سيد الرب. هل أنت مهلك بقية إسرائيل كلها بصب رجزك على أورشليم ٩ فقال لي: إن إثم بيت إسرائيل ويهوذا عظيم جداً جداً، وقد امتلأت الأرض دماء وامتلأت المدينة جنفاً. لأنهم يقولون الرب قد ترك الأرض والرب لا يرى.

وجاء في الإنجيل ص ٤٢: ٢٠ فإن من حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما عليه. ٢١ ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه. ٢٢ ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه.

وجاء في ص ٢٨٠: ٧ فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده. وأما المرأة فهي مجد الرجل. ٨ لأن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل. ٩ ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة، بل المرأة من أجل الرجل.

وجاء في ص ٣٢١: ٥ فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً ٦ الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله ٧ لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس.

١٨٨

وجاء في ص ٣٢٥: ١٤ الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا. ١٥ الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة.

وجاء في ص ٣٦٦: ٢ ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً، بالخزي، فجلس في يمين عرش الله.

وجاء في ص ٣٩٩: ٢١ من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا أيضاً وجلست مع أبي في عرشه. ٢٢ من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس.

وجاء في ص ٣٩٩ - ٤٠٠: ١ بعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح في السماء والصوت الأول الذي سمعته كبوق يتكلم معي قائلاً إصعد إلى هنا فأريك ما لابد أن يصير بعد هذا. ٢ وللوقت صرت في الروح وإذا عرش موضوع في السماء وعلى العرش جالس ٣ وكان الجالس في المنظر شبه حجر اليشب والعقيق وقوس قزح حول العرش في المنظر شبه الزمرد. ٤ وحول العرش أربعة وعشرون عرشاً. ورأيت على العروش أربعة وعشرين شيخاً جالسين متسربلين بثياب بيض وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب. ٥ ومن العرش يخرج بروق ورعود وأصوات. وأمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة هي سبعة أرواح الله.

وجاء في ص ٤٠٠: وشكراً للجالس على العرش الحي إلى أبد الآبدين.

وجاء في ص ٤٠١: ١١ ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات والشيوخ وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف.... ١٣ وكل خليقة مما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة: للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين.

وجاء في ص ٤٠٣: ١٥ من أجل ذلك هم أمام عرش الله ويخدمونه نهاراً وليلاً في هيكله، والجالس على العرش يحل فوقهم.

وجاء في ص ٤١٧: ٤ وخر الاربعة والعشرون شيخاً والأربعة الحيوانات وسجدوا لله الجالس على العرش.

١٨٩

وجاء في ص ٤١٩: ٥ وقال الجالس على العرش: ها أنا أصنع كل شيء جديداً. وقال لي: أكتب فإن هذه الأقوال صادقة وأمينة.

- وقال الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة الأديان ج ٢ ص ٢٤٣ طبعة مكتبة النهضة المصرية ١٩٧٣ تحت عنوان (الله عند اليهود):

لم يستطع بنو إسرائيل في أي فترة من فترات تاريخهم أن يستقروا على عبادة الله الواحد الذي دعا له الأنبياء، وكان اتجاههم إلى التجسيم والتعدد والنقيصة واضحاً في جميع مراحل تاريخهم، وعلى الرغم من ارتباط وجودهم بإبراهيم إلا أن البدائية الدينية كانت طابعهم، وكثرة أنبيائهم دليل على تجدد الشرك فيهم، وبالتالي تجدد الحاجة إلى أنبياء يجددون الدعوة إلى التوحيد، وكانت هذه الدعوات قليلة الجدوى على أي حال، فظهروا للتاريخ بدائيين يعبدون الأرواح والأحجار، وأحياناً مقلدين يعبدون معبودات الأمم المجاورة التي كانت لها حضارة وفكر قلدهما اليهود ويقول: إن اليهود كانوا في مطلع ظهورهم على مسرح التاريخ بدواً رحلاً تسيطر عليهم الأفكار البدائية كالخوف من الشياطين، والإعتقاد في الأرواح، وكانوا يعبدون الحجارة والأغنام والأشجار، ويقول: إن اليهود اتخذوا في بيوتهم أصناماً صغيرة كانوا يعبدونها ويتنقلون بها من مكان إلى مكان (١) وقد ظل بنو إسرائيل على هذا الإعتقاد حتى جاء موسى وخرج بهم من مصر.

ولكن بني إسرائيل كما يقول ول ديورانت (٢) لم يتخلوا قط عن عبادة العجل والكبش والحمل، ولم يستطع موسى أن يمنع قطيعه من عبادة العجل الذهبي. عبادة العجول كانت لا تزال حية في ذاكرتهم منذ كانوا في مصر، وظلوا زمناً طويلاً يتخذون هذا الحيوان القوي آكل العشب رمزاً لإلههم. وتقرر التوراة قصة العجل الذي عمله لهم هارون فعبدوه بعد أن تأخر موسى في العودة إليهم، وكيف خلعوا ملابسهم وأخذوا يرقصون عراة أمام هذا الرب، وقد أعدم موسى ثلاثة آلاف منهم عقاباً لهم على عبادة هذا الوثن (٣) وقد بقيت عبادة العجل تتجدد في حياة بني

١٩٠

إسرائيل من حين إلى حين، فقد عمل يربعام بن سليمان عجلي ذهب ليعبدهما أتباعه حتى لا يحتاجوا إلى الذهاب إلى الهيكل (٤) وقد عبد أهاب ملك إسرائيل الابقار بعد سليمان بقرن واحد (٥).

وقال في هوامشه: (١) ١٧٦. (٢) قصة الحضارة ج ٢ ص ٣٣٨. (٣) خروج ٣٢: ١٨ ٢٦ والقرآن الكريم يقرر أن السامري هو الذي عمل العجل. (٤) الملوك الأول ١٢: ٢٦ ٢٨. (٥) ول ديورانت ج ٢ ص ٣٣٩.

- وقال الدكتور شلبي في ج ١ ص ١٧٤:

وبعد موسى وفي عهد القضاة، تأثر بنو إسرائيل بمعبودات الكنعانيين تأثراً كبيراً، ويوضح أن إله الكنعانيين (بعل) أصبح معبوداً لبني اسرائيل في كثير من قراهم، وفي أحوال كثيرة أصبح للطائفتين معبد واحد به تمثال يهوه وتمثال بعل، بل أصبح يهوه ينادى بعل، وقد ظل ذلك إلى عهد يوشع(١).

وقال في هامشه: the heprew popel p. ٩٤ charles foster: histery of - (١)

- وقال الدكتور شلبي في ج ١ ص ١٨٧

ويوضح الكتاب المقدس أن بني اسرائيل عبدوا أنواعاً من هذه الآلهة، وقد ندد بها أرميا في سفره، ومنه نقتبس بعض النصوص:

اسمعوا كلمة الرب يا بنات يعقوب وكل عشائر بيت إسرائيل، هكذا قال الرب: ماذا وجد في آباؤكم من جور حتى ابتعدوا عني وساروا وراء الباطل وصاروا باطلاً (١).

وحين تقولون لماذا صنع الرب إلهنا كل هذه أقول لكم: كما أنكم تركتموني وعبدتم آلهة غريبة في أرضكم(٢).

يقول الرب أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذباً، وتبخرون للبعل وتسيرون وراء آلهة أخرى(٣)....

- يقول الرب: إن آباءكم قد تركوني وذهبوا وراء آلهة أخرى، وعبدوها وسجدوا لها، وإياي تركوا وشريعتي لم يحفظوها، وأنتم أسأتم في عملكم أكثر من آبائكم،

١٩١

وها أنتم ذاهبون كل واحد وراء عناد قلبه الشرير حتى لا تسمعوا لي(٤).

وعلى هذا فمع وجود الهيكل في عهد سليمان كانت عبادة آلهة الأجانب منتشرة، وينسب العهد القديم لسليمان نفسه أنه أقام مذابح للآلهة الخارجية التي كانت تعبدها زوجاته الأجنبيات، فبنى مذبحاً لعشتروت رجاسة الصيدونيين، ولكموش رجاسة المؤابيين، ولملكوم إلهة بني عمون(٥) وعقب موت سليمان انقسم ملكه بين ابنيه يربعام ورحبعام، وهذا التغيير في تاريخ العبرانيين صحبه تغير في عقيدتهم، فإسرائيل في الشمال كانت دولة غنية حظى سكانها بالإستقرار، وقبلوا عادات الكنعانيين وعبدوا آلهتهم (بعل) أما دولة يهوذا في الجنوب فكانت دولة فقيرة يشتغل سكانها بالزراعة والرعي وظلوا على تبعيتهم لإلهم يهوه، إله الفقراء، وإلى هذه الفترة ينسب الأنبياء(٦) وقد صنع يربعام عجلين من ذهب ووضع أحدهما في بيت إبل وثانيهما في دان، وبنى عندهما مذابح وقال لشعبه: هذه آلهتكم التي أصعدتكم من مصر، فاذبحوا وعيدوا عندها ولا تصعدوا إلى أورشليم، فاستجاب له الشعب(٧).

وقال في هامشه: ١ أرميا: ٢: ٤ ٥. ٢ أرميا ٥: ١٩ ٢٠. ٣ أرميا ٧: ٩ ١٠. ٤ أرميا: ١٦: ١١ ١٣. ٥ الملوك الثاني ٣٣: ١٢

.berry: relirins of the werled pp ٣٢ - ٣٣ إقرأ الصحاح الثالث والعشرين من سفر الملوك الثاني.

- وقال الدكتور شلبي في ج ١ ص ٢٦٧

يروى التلمود أن الله ندم لما أنزله باليهود وبالهيكل، ومما يرويه التلمود على لسان الله قوله: تب لي لأني صرحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي. وليست العصمة من صفات الله في رأي التلمود، لأنه غضب مرة على بني إسرائيل فاستولى عليه الطيش، فحلف بحرمانهم من الحياة الأبدية، ولكنه ندم على ذلك بعد أن هدأ غضبه، ولم ينفذ قسمه، لأنه عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة.

١٩٢

ويقرر التلمود أن الله هو مصدر الشر كما أنه مصدر الخير، وأنه أعطى الإنسان طبيعة رديئة وسن له شريعة لم يستطع بطبيعته الرديئة أن يسير على نهجها، فوقف الإنسان حائراً بين اتجاه الشر في نفسه، وبين الشريعة المرسومة إليه، وعلى هذا فإن داود الملك لم يرتكب خطيئة بقتله أوريا واتصاله بامرأته، لأن الله هو السبب في كل ذلك (التلمود شريعة إسرائيل ص ١٧ - ١٩).

- وقال في ص ١٩٢ تحت عنوان: اليهود والألوهية عموماً:

على أن مسألة الألوهية كلها، سواء اتجهت للوحدانية أو للتعدد، لم تكن عميقة الجذور في نفوس بني اسرائيل، فقد كانت المادية والتطلع إلى أسلوب نفعي في الحياة من أكثر ما يشغلهم، وإذا تخطينا عدة قرون فإننا نجد الفكر اليهودي الحديث يجعل لليهود رباً جديداً نفعياً كذلك، ذلك هو تربة فلسطين وزهر برتقالها، والذي يقرأ رواية (طوبى للخائفين) للكاتبة اليهودية يائيل ديان ابنة القائد الصهيوني العسكري موشى ديان، يجد أحد أبطالها (إيفرى) ينصح ابنه الطفل بأن يتخلى عن الذهاب للكنيسة، وأن يحول اهتمامه لإلهه الجديد: تراب فلسطين. ونقتبس فيما يلي سطوراً من هذه الرواية:

...الصبي يحب أن يذهب إلى الكنيس مع أمه، ولكنه عندما عاد مرة من المعبد الذي لا يذهب إليه إلا القليلون، ثار أبوه في وجهه بحديث له مغزى عميق قال له: أيام زمان حين كنا يهوداً في روسيا وغيرها كان من الضروري بالنسبة لنا أن نطيع التعليمات ونحافظ على ديننا، فقد كان الدين اليهودي لنا وسيلتنا لنتعاون ونتعاطف ونذود عنا الردى، أما الآن فقد أصبح لدينا شيء أهم هو الأرض، أنت الآن إسرائيلي ولست مجرد يهودي، إني قد تركت في روسيا كل شيء، ملابسي ومتاعي وأقاربي وإلهي، وعثرت هنا على رب جديد، هذا الرب الجديد هو خصب الأرض وزهر البرتقال، ألا تحس بذلك؟.... وأخذ إيفرى حفنة من تراب الأرض وسكبها في

١٩٣

كف ابنه، وقال له: إمسك هذا التراب، إقبض عليه، تحسسه، تذوقه، هذا هو ربك الوحيد، إذا أردت أن تصلي للسماء فلا تصل لها لكي تسكب الفضيلة في أرواحنا، ولكن قل لها أن تنزل المطر على أرضنا، هذا هو المهم، إياك أن تذهب مرة أخرى إلى المعبد.

- وقال ابن حزم في الفصل في الملل ج ١ جزء ١ ص ١٦

قال في التوراة: إن الله عز وجل قال لبني إسرائيل: لقد رأيتموني كلكم من السماء فلا تتخذوا معي آلهة الفضة، ثم قال بعد ذلك ثم صعد موسى وهارون.. ونظروا إلى إله إسرائيل.

- وقال في ص ١٤١

ذكر في هذا المكان (من التوراة) أن يعقوب صارع الله عز وجل.. حتى قالوا إن الله عز وجل عجز عن أن يصرع يعقوب.. وفيه أن يعقوب قال: رأيت الله مواجهة وسلمت عليه.

- وقال في ص ٢١٢

ونقل في توراتهم وكتب الأنبياء بأن رجلاً اسمه إسماعيل كان إثر خراب البيت المقدس سمع الله يئن كما تئن الحمامة ويبكي وهو يقول: الويل الويل لمن أخرب بيته.... ويلي على ما أخربت من بيتي ويلي على ما فرقت من بيتي، وبناتي.

- وقال في ص ٢١٨

وفي بعض كتبهم: إن الله تعالى قال لبني إسرائيل: من تعرض لكم فقد تعرض حدقة عيني.

- وقال في ص ٢٢١

وفي كتاب لهم يسمى شعر توما من كتاب التلمود.. ففي الكتاب المذكور أن تكسير جبهة خالقهم من أعلاها إلى أنفه خمسة آلاف ذراع.

١٩٤

محاولة بعض اليهود أن يتبرؤوا من التشبيه والتجسيم

جاء في هامش المطالب العالية ج جزء ٢ ص ٢٥:

في التوراة أن الله إله واحد. وفي التوراة أن الله ليس كمثله شيء. ففي الإصحاح السادس من سفر التثنية: إسمع يا إسرائيل. إن الرب إلهنا رب واحد. فأحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل قدرتك. ولتكن هذه الكلمات التي أنا آمرك بها اليوم في قلبك، وكررها على بنيك وكلمهم بها إذا جلست في بيتك وإذا مشيت في الطريق وإذا نمت وإذا قمت، واعقدها علامة على يدك، ولتكن عصائب بين عينيك واكتبها على عضائد أبواب بيتك وعلى أبوابك. تثنية ٦: ٤ ٩ ترجمة اليسوعيين. وفي الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية: لا كفء لله. وفي ترجمة البروتستانت: ليس مثل الله. تثنية ٣٣: ٢٦.

وقال موسى بن ميمون في دلالة الحائرين: إن ما ورد في التوراة مما يوحي بأن الله شبه إنسان بأعضائه وبصفاته، فذلك مؤول على معنى: أن الله يقرب ذاته إلى عقول الخلق، حديثه عن نفسه كأنه واحد منهم. أما هو فليس مثل إنسان وليس كمثله شيء، وذلك ليفهم الخلق ذات الله على نحو قريب من تصوراتهم. وما جاء عن مشبهة اليهود أن الله يبكي على خراب هيكل سليمان ويلعب مع الحيتان، فهو قول قال به سفهاء من اليهود لا وزن لهم عند الله ولا عند الناس. انتهى.

والمتأمل في التوراة يقبل مقولة هذا الباحث اليهودي القديم بأنها تشتمل على عبارات في التوحيد شبيهة بالتوحيد الخالص الذي يقدمه القرآن، ولكن نصوص التشبيه والتجسيم فيها أكثر من نصوص التوحيد. وهذا من الأدلة على وقوع التحريف فيها، وأن أيدي سفهاء اليهود الذين ذكرهم وصلت إلى نصوص التوراة وملؤوها من تجسيمهم وتشبيههم. وقد وجدنا في نسخة التوراة المذكورة النصوص التالية في التوحيد: جاء في العهد القديم ص ٩٨: ٩ فقال موسى لفرعون عين لي متى

١٩٥

أصلي لأجلك ولأجل عبيدك وشعبك لقطع الضفادع عنك وعن بيوتك، ولكنها تبقي في النهر. ١٠ فقال غداً فقال كقولك لكي تعرف أن ليس مثل الرب إلهنا. ١١ فترتفع الضفادع عنك وعن بيوتك وعبيدك وشعبك.

وجاء في ص ١٠٠: ١٤ لأني هذه المرة أرسل جميع ضرباتي إلى قلبك وعلى عبيدك وشعبك، لكي تعرف أن ليس مثلي في كل الأرض.

وجاء في ص ٤٩٣: ٢٢ لذلك قد عظمت أيها الرب الإله، لأنه ليس مثلك وليس إله غيرك حسب كل ما سمعناه بآذاننا....

وجاء في ص ٥٣٠: ٢٠ يا رب ليس مثلك، ولا إله غيرك، حسب كل ما سمعناه بآذاننا.

وجاء في ج ٢ ص ٤٣: ٩ أذكروا الأوليات منذ القديم، لأني أنا الله وليس آخر. الإله وليس مثلي.

وجاء في ج ٢ ص ٨٤: ٦ لا مثل لك يا رب، عظيم أنت، وعظيم اسمك في الجبروت. ٧ من لا يخافك ياملك الشعوب، لأنه بك يليق، لأنه في جميع حكماء الشعوب وفي كل ممالكهم ليس مثلك.

- العهد القديم والجديد ج ١ ص ٢٥٣-

الإصحاح الثاني ١ يا ابني إن قبلت كلامي وخبأت وصاياي عندك ٢ حتى تميل أذنك إلى الحكمة وتعطف قلبك على الفهم ٣ إن دعوت المعرفة ورفعت صوتك إلى الفهم ٤ إن طلبتها كالفضة وبحثت عنها كالكنوز ٥ فحينئذ تفهم مخافة الرب وتجد معرفة الله. ٦ لأن الرب يعطي حكمة من فمه المعرفة والفهم. ٧ يذخر معونة للمستقيمين. هو مجن السالكين بالكمال. ٨ لنصر مسالك الحق وحفظ طريق أتقيائه. ٩ حينئذ تفهم العدل والحق والإستقامة. كل سبيل صالح ١٠ إذا دخلت الحكمة قلبك ولذت المعرفة لنفسك.

١٩٦

لكن البابا في عصرنا يصر على التجسيم وينتقد التوحيد عند المسلمين

- كتاب العبور إلى الرجاء للبابا يوحنا بولس الثاني:

والعبور إلى الرجاء هو التسجيل الكامل لأول وأشمل حوار مع البابا للصحافي الإيطالي الكبير فيتوري ميسوري، لمناسبة ذكرى مرور خمس عشرة سنة على اعتلائه السدة البابوية.... كان الأول بين (خلفاء القديس بطرس) يظهر أمام آلات التصوير والتسجيل ليجيب على أسئلة ترك اختيارها لمبادرة حرة من قبل صحافي. وبعد ما حصر البث بالمحطة الأولى ليلة الذكرى، عرضت تلك المقابلة في كبريات المحطات العالمية.

ويروي فيتوري ميسوري قصة المقابلة التي تمت بعد ما قدم عشرين سؤالاً خطياً تشمل مختلف الموضوعات والقضايا الكبرى، وتلقى مخطوطة الأجوبة عليها من مكتب البابا في نهاية شهر نيسان ١٩٩٤. كما أن البابا وضع عنوان هذا الكتاب بنفسه من هذا الحوار الوثيقة نقتطف هنا جواب الحبر الأعظم على سؤالين، يتصل أولهما بالعلاقة مع الدين الإسلامي، في حين يتصل الثاني بعلاقة المسيحية بالدين اليهودي، وقد رأينا فيهما أكمل رأي للبابا في هذا المجال خصوصاً وأنه بقلمه مباشرة:

السؤال الأول: ما الفرق بين إله المسلمين وإله المسيحيين؟

الجواب: لا شك في أن القارية مختلفة عندما يتعلق الأمر بالكنيس والمسجد حيث مجتمع الذين يعبدون الإله الواحد. نعم، صحيح ما تقوله، فالأمر يختلف في ما يتعلق بهاتين الديانتين التوحيديتين، بدءً بإسلام. ففي الإعلان المجمعي (في عصرنا) الآنف الذكر، يمكننا أن نقرأ ما يأتي (وتنظر الكنيسة أيضاً بتقدير إلى المسلمين الذين يعبدون الله الواحد، الحي القيوم، الرحمن القدير، الذي خلق السماء والأرض) إن المؤمنين بالتوحيد هم بنوع خاص الأقرب إلينا. أتذكر حدثاً من أحداث شبابي يوم كنا نزور دير القديس مرقس في فلورنسا، فقد وقفنا مندهشين

١٩٧

معجبين أمام جدرانيات فردا انجليكو.. في تلك الأثناء انضم إلينا رجل راح يشاطرنا إعجابنا بأعمال ذلك الراهب والفنان العظيم، غير أنه ما لبث أن أضاف: ولكن ما من شيء هنا يبلغ مدى جمال توحيدنا الإسلامي! لم يمنعنا ذلك التصريح من أن نكمل زيارتنا برفقة ذلك الرجل، وأن نتابع معه نقاشاً ودياً. لقد تذوقت سلفاً في تلك المناسبة ما يمكن أن يكون عليه الحوار بين المسيحية والإسلام. والذي حاولنا أن نطوره منهجياً منذ المجمع.

من يطالع القرآن، وكان ملماً بالعهدين القديم والجديد يتبين له جلياً ما وقع فيه للوحي الإلهي من اختزال. ومن المستجبل ألا يلحظ عدم مقاربة ما قاله الله عن ذاته بلسان الأنبياء أولاً في العهد القديم، ثم وبشكل نهائي بواسطة ابنه في العهد الجديد. إن الغنى الذي يتجلى في كشف الله لذاته والذي يشكل تراث العهدين القديم والجديد، كل ذلك قد تغاضى عنه الإسلام بالفعل(!).

إن القرآن يصف الله بأجمل ما عرفه اللسان البشري من الأسماء الحسنى، ولكنه في النهاية، إله متعال عن العالم، ذو جلال، لا (إلهنا معنا) عمانوئيل.

ليس الإسلام دين فداء فلا مجال فيه للصلب! يذكر عيسى، ولكن ليس إلا بوصفه نبياً، يمهد لخاتمة جميع الأنبياء محمد. كذلك ورد ذكر السيدة مريم البتول، ولكن لا ذكر لمأساة الفداء.

لذلك تختلف نظرة الإسلام عن المسيحية، لا على الصعيد اللاهوتي فحسب، بل أيضاً على الصعيد الانتروبولوجي.

بيد أن التدين الإسلامي يستحق كل تقدير، فلا يمكننا مثلاً إلا نعجب بالأمانة على الصلاة. إذ أن الذي يسمي الرب (الله) يجثو على ركبته غير آبه بالزمان أو بالمكان، مستغرقاً في الصلاة مرات عديدة في النهار. هذه الصورة تبقى نموذجاً لمن يعترفون بالله الحق، وبخاصة لأولئك المسيحيين الذين يهجرون كاتدرائياتهم الرائعة ويصلون قليلاً أو لا يصلون مطلقاً....) انتهى.

١٩٨

أقول: السبب في تهمة البابا للدين الإسلامي بأنه اختزل التصور الذي قدمته كتب اليهود والنصارى عن الله تعالى، وبيت القصيد عنده وإشكاله الأساسي على الإسلام: أن القرآن يقرر أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وأنه غير متجسد في وجود مادي في السماء أو الأرض، وبتعبيره (لكنه في النهاية إله متعال عن العالم، ذو جلال، لا (إلهنا معنا عمانوئيل).

ولكن الظاهر أن البابا لم يقرأ الصحاح الستة ليرى أن ما يريده من نزول الله تعالى وصعوده وتجسده موجود فيها، وأن هذا البلاء الذي ابتلى به اليهود والنصارى قد سرى إلى إخواننا السنة وصحاحهم!!

كما أنه لو تأمل في تاريخ المسيحية لتوصل إلى أن دعوة المسيحعليه‌السلام كانت دعوة إلى التوحيد ولم يكن فيها تجسيم، وأن تجسم الله تعالى في المسيح إنما هو فكرة (بولسية) وليست مسيحية..

قال الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة بين الأديان ج ٢ ص٢٤٥ تحت عنوان: الله في التفكير المسيحي:

عندما نصل إلى الحديث عن الله في التفكير المسيحي نحتاج إلى مزيد من الصبر لنرى التحول الخطير الذي أصاب الفكر المسيحي في هذه القضية الهامة: تقرر الأناجيل المسيحية وأعمال الرسل ثلاث قضايا مهمة:

أولاها: أن الله واحد لا شريك له.

والثانية: أن عيسى رسول الله وليس أكثر من رسول.

والثالثة: أن عيسى رسول لبني إسرائيل فقط.

وعن القضية الأولى نورد النصوص التالية من هذه الأناجيل:

- يروي متى عن عيسى قوله: إن أباكم واحد الذي في السموات (إصحاح ٢٣ الفقرة ٨)

- ويروي مرقص قول عيسى: الرب إلهنا إله واحد وليس آخر سواء(١٢: ٣٠ ٣١).

- ويروي يوحنا عن عيسى قوله: إني أصمد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم (٢٠:١٨)

١٩٩

وعن القضية الثانية من الأناجيل النصوص التالية:

- جاء في إنجيل متى قوله: هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل (٢١: ١١).

- وجاء في لوقا: قد خرج نبي عظيم (٧: ١٦).

- ويروي يوحنا: إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم (٤: ١٤ و ٧: ٤٠).

- ويروي يوحنا كذلك عن عيسى قوله: وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله (٨: ٤٠).

- ويروي لوقا عن عيسى قوله عندما أحس بقرب نهايته بسبب مؤامرات اليهود عليه: ينبغي أن أسير اليوم وغداً وما يليه، لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارج أورشليم، يا أورشليم، يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين.

وعن القضية الثالثة نورد النصوص التالية:

- جاء في متى ما نصه: ثم خرج يسوع من هناك، وانصرف إلى نواحي صور وصيدا، وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت قائلة: إرحمني يا سيد يا ابن داود، ابنتي مجنونة جداً، فلم يجبها بكلمة، فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين: إصرفها لأنها تصيح وراءنا، فأجاب وقال: لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة (متى ١٥: ٢١ ٢٤).

- وفي متى كذلك أن عيسى عند ما حدد الحواريين الإثني عشر أوصاهم قائلاً: إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بني اسرائيل الضالة (١٠: ٥ ٦).

- وقد خاصم اليهود بطرس لأنه دخل على غير اليهود وتكلم معهم (أعمال الرسل ١١ الفقرة الأولى).

- وورد في عبارات بطرس قوله لغير اليهود: أنتم تعلمون كيف هو محرم على رجل يهودي أن يلتصق بأحد أجنبي أو يأتي إليه (أعمال الرسل ١٠: ٢٨).

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434