إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق13%

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق مؤلف:
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 434

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219840 / تحميل: 6909
الحجم الحجم الحجم
إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

مؤلف:
العربية

العقائد الإسلامية

عرض مقارن لأهمّ موضوعاتها من مصادر السنّة والشيعة

المجلّد الثاني

قام بإعداده

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

١

٢

مقدّمة المجلّد الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين

وبعد، فهذا هو المجلد الثاني من العقائد الإسلامية وقد اشتمل على مجموعة مسائل: الرؤية والتشبيه والتجسيم، وعدد من البحوث النافعة فيها.

وقد حرصنا فيه على استقصاء الأحاديث والآراء من مصادرها الأساسية في التفسير، والحديث، والفقه، واللغة، والتاريخ، وغيرها.. لأن غرضنا أن يكون مرجعاً لكل باحث في هذا الموضوع، يجد فيه بغيته بدون تعب، وله بعد ذلك أن يوافقنا في الفهم والإستنتاج أو يخالفنا.

إن توفير المادة العلمية للباحث عمل محترم.. خاصة إذا كانت تعجز عنها قدرة الشخص الواحد؛ لأنها موزعة في المصادر الكثيرة، ومبثوثة في المتون الطويلة، كما ترى في مسائل هذا المجلّد.

وبهذا المناسبة ندعو القائمين على مراكز البحوث الإسلامية لأن يهتموا بهذا المنهج، ويوجهوا طاقاتهم إلى هذا الهدف.. ففي ذلك خدمة كبيرة للبحث المقارن، وعونٌ على فهم حقائق العقيدة والشريعة المقدسة،وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ .

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

علي الكوراني العاملي

٣

٤

الباب الثاني

في التوحيد

٥

٦

الفصل الأوّل

جذور مسألة الرؤية والتشبيه والتجسيم

اعتقاد إخواننا السنّة أن الله تعالى يرى بالعين

المقصود بمسألة الرؤية: إمكان أن يرى الإنسان الله تعالى بحاسة العين في الدنيا أو في الآخرة.

والمقصود بالتشبيه والتجسيم: تشبيه ذات الله تعالى بشيء من مخلوقاته.

وقد نفى كل ذلك نفياً مطلقاً أهل البيتعليهم‌السلام وأم المؤمنين عائشة وجمهور الصحابة، وبه قال الفلاسفة والمعتزلة وغيرهم، واستدلوا على ذلك بالقرآن بمثل قوله تعالى( ليس كمثله شيء ) وقوله تعالى( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ) .. إلخ. واستدلوا أيضاً بالعقل فقالوا إن القول بإمكان رؤيته سبحانه بالعين يستلزم تشبيهه وتجسيمه لا محالة، لأن ما يرى بالعين لا يكون إلا وجوداً مادياً يشبه غيره بأنه محدود بالمكان والزمان.

بينما تبنى الحنابلة وأتباع المذاهب الأشعرية وهم أكثر الحنفية والمالكية والشافعية، القول برؤية الله تعالى بالعين في الدنيا أو في الآخرة بسبب روايات

٧

رووها، وبعض الآيات المتشابهة التي يبدو منها ذلك، وحاولوا أن يؤولوا الآيات المحكمة والأحاديث الصحيحة النافية لإمكان الرؤية بالعين.

وبسبب الإرتباط بين مسائل الرؤية والتشبيه والتجسيم والاشتراك في بحوثها ونصوصها جعلناها تحت عنوان واحد.

متى ظهرت أحاديث الرؤية والتشبيه

تدل نصوص الحديث والتاريخ على أن الجو الذي كان سائداً في صحابة النبي في عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعهد الخليفة أبي بكر هو الإنسجام مع آيات القرآن النافية لإمكان الرؤية، وأن الله تعالى ليس من نوع الأشياء التي ترى بالعين أو تحس بالحواس الخمس.. لأنه وجود أعلى من الأشياء المادية، فهو يدرك بالعقل ويحس بالقلب والبصيرة لا بالبصر.

ويبدو أن أفكار التشبيه والرؤية ظهرت بين المسلمين في عهد الخليفة عمر وما بعده، فنهض أهل البيتعليهم‌السلام وبعض الصحابة لردها وتكذيبها.

وتدل أحاديث التكذيب التي رويت عن أم المؤمنين عائشة أنها كغيرها فوجئت وصدمت بهذه المقولات الغريبة عن عقائد الإسلام، المناقضة لما بَلَّغه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ربه تعالى، سواء في آيات القرآن أو في أحاديثه الشريفة! ولذلك أعلنت أم المؤمنين أن هذه الأحاديث مكذوبة، بل هي فرية عظيمة على الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن واجب المسلمين ردها وتكذيبها!!

عائشة تكذب أحاديث الرؤية والتشبيه

- صحيح البخاري ج ٦ ص ٥٠

... عن عامر عن مسروق قال قلت لعائشةرضي‌الله‌عنها : يا أمتاه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ فقالت لقد قَفَّ شعري مما قلت! أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب: من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب

٨

ثم قرأت:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب ، ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت: وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، ومن حدثك أنه كتم فقد كذب ثم قرأت:يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل اليك من ربك الآية، ولكنه رأى جبرئيلعليه‌السلام في صورته مرتين.

- صحيح البخاري ج ٨ ص ١٦٦

... عن الشعبي عن مسروق عن عائشةرضي‌الله‌عنها قالت: من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب، وهو يقول:لا تدركه الأبصار ، ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب، وهو يقول: لا يعلم الغيب إلا الله. انتهى. وروى نحوه في ج ٢ جزء ٤ ص ٨٣ وج ٣ جزء ٦ ص ٥٠ وج ٤ ص ٨٣ وقد استوفينا بقية مصادره في كتاب (الوهابية والتوحيد).

موج الفرية جاء من الشام

مع أن الخليفة عمر أخذ من ثقافة كعب الأحبار وجماعته وأجاز لهم رسمياً أن يحدثوا المسلمين في مساجدهم، وأن يكتب المسلمون عنهم، ولكن روايات الرؤية واجهت سداً من الصحابة فبقي انتشارها محدوداً في زمن الخليفة عمر، ولكن الدولة الأموية تبنت نشرها بقوة فارتفعت موجتها من الشام، ووصلت إلى المدينة فاستنكرها أهل البيت وعائشة والصحابة!

تدل الرواية التالية على أن الشام كانت مركز القول بالتشبيه والتجسيم، وسبب ذلك أن كعب الأحبار وجماعته اتخذوا الشام قاعدة لهم وكانوا مقربين من معاوية، وقد أطلق يدهم ليملوا أفكارهم وثقافتهم على المسلمين، ويظهر أن أول من تأثر بهم وتبعهم أهل الشام حتى تأصلت أفكارهم فيهم.

ومن الظواهر الملفتة أن الشام في تاريخنا الإسلامي كانت موطناً للتشبيه

٩

والتجسيم أكثر من أي قطر إسلامي آخر! فلا توجد في العالم الإسلامي منطقة يعتبر فيها تأويل صفات الله تعالى التي يتوهم منها التشبيه والتجسيم جريمةً وخروجاً عن الدين إلا الشام، فقد صارت كلمة (متاولة) تساوي كلمة كفار أو أسوأ منها، وكم من مسلم قتل في بلاد الشام بجرم أنه (متوالي) أي متأوّل! وما زالت هذه الكلمة إرثاً عند العوام ينبزون بها شيعة أهل البيتعليهم‌السلام وهي في فهم عوامهم أسوأ من الكفر أو مساوقة له!

- قال الصدوق في التوحيد ص ١٧٩

حدثنا أبو طالب المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقنديرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه محمد بن مسعود العياشي قال: حدثنا الحسين بن أشكيب قال: أخبرني هارون بن عقبة الخزاعي، عن أسد بن سعيد النخعي قال: أخبرني عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قال محمد بن علي الباقرعليهما‌السلام :يا جابر ما أعظم فرية أهل الشام على الله عز وجل، يزعمون أن الله تبارك وتعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على صخرة بيت المقدس، ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه على حجر فأمرنا الله تبارك وتعالى أن نتخذه مصلى، يا جابر إن الله تبارك وتعالى لا نظير له ولا شبيه، تعالى عن صفة الواصفين، وجلَّ عن أوهام المتوهمين، واحتجب عن أعين الناظرين، لا يزول مع الزائلين، ولا يأفل مع الآفلين، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم.

- ورواه العياشي في تفسيره ج ١ ص ٥٩، ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج ١٠٢ ص٢٧٠ وقال: بيان: الظاهر أن المراد بالعبد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث وضع قدمه الشريف عليه ليلة المعراج وعرج منه كما هو المشهور ويحتمل غيره من الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام وعلى أي حال يدل على استحباب الصلاة عليه. انتهى. ولكن الصحيح ما قاله الرباني في هامش بحار الأنوار:

١٠

بل الظاهر من الحجر أن المراد به مقام إبراهيم وبه أثر قدمه الشريف، وقد أمرنا الله عز وجل بقوله:واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى ، أن نتخذه مصلى. انتهى.

ولا يبعد أن يكون مقصود الإمام الباقرعليه‌السلام بتعبيره (أهل الشام) بني أمية، وهو تعبير يستعمله عنهم أهل البيتعليهم‌السلام وهذا يدعونا إلى القول بأن سبب عدم نجاح أفكار كعب في المدينة المنورة أو في الكوفة أو محدودية نجاحها في القرن الأول، الخليفة عمر رغم أنه أعطى كعباً مكانة عظيمة في دولة الخلافة وكان يقبل أفكاره، ولكن كان يوجد في عهده صحابة كثيرون يجابهون كعباً ويردون إسرائيلياته كما شاهدنا في موقف عائشة، وكما نرى في الموقف التالي لعليعليه‌السلام حيث غضب من كلام كعب ونهض ليخرج من مجلس الخليفة عمر محتجاً على أفكاره التجسيمية اليهودية!

- فقد روى المجلسي في بحار الأنوار ج ٤٤ ص ١٩٤

عن ابن عباس أنه حضر مجلس عمر بن الخطاب يوماً وعنده كعب الحبر إذ قال: يا كعب أحافظ أنت للتوراة.

قال كعب: إني لأحفظ منها كثيراً.

فقال رجل من جنبة المجلس: يا أمير المؤمنين سله أين كان الله جل ثناؤه قبل أن يخلق عرشه، ومم خلق الماء الذي جعل عليه عرشه. فقال عمر: يا كعب هل عندك من هذا علم؟

فقال كعب: نعم يا أمير المؤمنين نجد في الأصل الحكيم أن الله تبارك وتعالى كان قديماً قبل خلق العرش وكان على صخرة بيت المقدس في الهواء، فلما أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة كانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة، فهناك خلق عرشه من بعض الصخرة التي كانت تحته، وآخر ما بقي منها لمسجد قدسه!

قال ابن عباس: وكان علي بن أبي طالبعليه‌السلام حاضراً فعظم على ربه وقام على قدميه ونفض ثيابه فأقسم عليه عمر لما عاد إلى مجلسه ففعله.

١١

قال عمر: غص عليها يا غواص، ما تقول يا أبا الحسن فما علمتك إلا مفرجاً للغم.

فالتفت عليعليه‌السلام إلى كعب فقال:

غلط أصحابك وحرفوا كتب الله وفتحوا الفرية عليه! يا كعب ويحك إن الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله ولا تسع عظمته، والهواء الذي ذكرت لا يحوز أقطاره، ولو كانت الصخرة والهواء قديمين معه لكان لهما قدمته، وعز الله وجل أن يقال له مكان يومى إليه، والله ليس كما يقول الملحدون ولا كما يظن الجاهلون، ولكن كان ولا مكان بحيث لا تبلغه الأذهان، وقولي (كان) عجز عن كونه وهو مما علم من البيان يقول الله عز وجل (خلق الإنسان علمه البيان) فقولي له (كان) ما علمني من البيان لأنطق بحججه وعظمته، وكان ولم يزل ربنا مقتدراً على ما يشاء محيطاً بكل الأشياء، ثم كوَّن ما أراد بلا فكرة حادثة له أصاب، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد، وإنه عز وجل خلق نوراً ابتدعه من غير شيء، ثم خلق منه ظلمة، وكان قديراً أن يخلق الظلمة لا من شيء كما خلق النور من غير شيء، ثم خلق من الظلمة نوراً وخلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين، ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماء مرتعداً ولا يزال مرتعداً إلى يوم القيامة، ثم خلق عرشه من نوره وجعله على الماء، وللعرش عشرة آلاف لسان يسبح الله كل لسان منها بعشرة آلاف لغة ليس فيها لغة تشبه الأخرى، وكان العرش على الماء من دونه حجب الضباب، وذلك قوله: وكان عرشه على الماء ليبلوكم.

يا كعب ويحك، إن من كانت البحار تفلته على قولك، كان أعظم من أن تحويه صخرة بيت المقدس أو يحويه الهواء الذي أشرت إليه أنه حل فيه . فضحك عمر بن الخطاب وقال: هذا هو الأمر وهكذا يكون العلم لا كعلمك يا كعب، لاعشت إلى زمان لا أرى فيه أبا حسن. انتهى.

وفي هذه الرواية مادة غنية للبحث نكتفي منها بأن كعب الأحبار طرح التجسيم رسمياً في دار الخلافة ومجلس الخليفة ولم يرده إلا عليعليه‌السلام وقد قبل الخليفة تنزيه

١٢

عليّ لله تعالى ووبخ كعب الأحبار في ذلك المجلس، ولكن يظهر أنه قبل منه التجسيم بعد ذلك كما سيأتي في أحاديث الخليفة عن تجسيم الله تعالى، وأنه يجلس على عرشه ويطقطق العرش من ثقله.. إلخ.

وابن عباس يحكم بشرك من يشبّه الله تعالى بغيره

- قال الديلمي في فردوس الأخبار ج ٤ ص ٢٠٦

ابن عباس: من شبه الله عز وجل بشيء أو ظن أن الله عز وجل يشبهه شيء، فهو من المشركين.

- وروى الطبري في تفسيره ج ٩ ص ٣٨

عن ابن عباس قوله تعالى: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين يقول: أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شيء من خلقك.

- وقال النويري في نهاية الإرب ج ٧ جزء ١٣ ص ٢١١

قال وهب: واختلف العلماء في معنى التجلّي، قال ابن عباس: ظهر نوره للجبل.

- وقال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد ج ٣ ص ٢٩ - ٣٠

واختلف الصحابةرضي‌الله‌عنهم هل رأى ربه تلك الليلة أم لا؟ فصح عن ابن عباس أنه رأى ربه، وصح عنه أنه قال: رآه بفؤاده. انتهى.

وقال ناشر الكتاب الشيخ عبد القادر عرفان في هامشه:

لم أقف على هذه الرواية في الصحيح بل الذي صح عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه ما جاء عند مسلم في الإيمان ١٧٦/٢٨٥ في قوله تعالى:مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى وقوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قال: رآه بفؤاده مرتين. وأخرجه الترمذي في التفسير. (٣٢٨٠).

ثم قال ابن قيم الجوزية: وصح عن عائشة وابن مسعود إنكار ذلك وقالا: إن قولهولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى إنما هو جبريل. وصح عن أبي ذر أنه سأله هل رأيت ربك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نور، أنى أراه! أي: حال بيني وبين

١٣

رؤيته النور، كما قال في لفظ آخر: رأيت نوراً. وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على أنه لم يره.

ثم قال ابن قيم الجوزية: قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: وليس قول ابن عباس: إنه رآه مناقضاً لهذا ولا قوله رآه بفؤاده وقد صح عنه أنه قال: رأيت ربي تبارك وتعالى ولكن لم يكن هذا في الإسراء ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالى تلك الليلة في منامه، وعلى هذا بنى الإمام أحمدقدس‌سره وقال: نعم رآه حقاً فإن رؤيا الأنبياء حق ولا بد، ولكن لم يقل أحمدقدس‌سره أنه رآه بعيني رأسه يقظة، ومن حكى عنه ذلك فقد وهم عليه، ولكن قال مرة رآه، ومرة قال رآه بفؤاده، فحكيت عنه روايتان، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه أنه رآه بعيني رأسه، وهذه نصوص أحمد موجودة ليس فيها ذلك. انتهى.

وقد كفانا ناشر الكتاب الجواب على كلام ابن تيمية أيضاً حيث قال في هامشه:

(٦) جزء من حديث ضعيف أخرجه أحمد في مسنده ٣٤٨٤/١ من طريق أبي قلابة عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه . وأبو قلابة - واسمه عبد الله بن زيد الجرمي - لم يسمع من ابن عباس - التهذيب ٥ - ١٩٧ ومن طريقه أخرجه الترمذي ٣٢٣٣ وقال: وقد ذكر بين أبي قلابة وبين ابن عباس في هذا الحديث رجلاً. وقد رواه قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس اهـ. أقول: لم يسمع قتادة من أبي قلابة. تهذيب الكمال ٣٢٦٦/١٠ ط. دار الفكر وأخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية رقم ١٢ و١٣ و١٤ وتعقبه بقوله: أصل هذا الحديث وطرقه مضطربة قال الدار قطني: كل أسانيده مضطربة ليس فيها صحيح... وقال أبو بكر البيهقي: قد روي من أوجه كلها ضعاف... وقال أبو زرعة فيما نقله عنه المزي في تحفة الأشراف ٤/٣٨٣ عن أحمد بن حنبل: حديث قتادة هنا ليس بشيء... وأخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص ٣١٩ - ٣٢٠ والآجري في الشريعة ص ٤٩٦ والترمذي بنحوه ٣٢٣٤ وابن أبي عاصم في السنة ٤٦٩ وأبو يعلى ٢٦٠٨ من طرق عن ابن عباس.

١٤

وتعقبه الحافظ ابن حجر في (النكت الظراف ٤/٣٨٢ نقلاً عن محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة قوله: هذا حديث اضطرب الرواة في إسناده وليس يثبت عند أهل المعرفة. وفي الباب عن جابر بن سمرةرضي‌الله‌عنه عند ابن أبي عاصم في السنة ٤٦٥ وعن أبي أمامةرضي‌الله‌عنه في المصدر المذكور ٤٦٦ وعن ثوبانرضي‌الله‌عنه أيضاً برقم ٤٧٠ وعند البزار ٢١٢٨ وعن أم الطفيل عن ابن أبي عاصم ٤٧١ وعن أبي رافع عند الطبراني في الكبير ٩٣٨ وعن ابن عمر عند البزار ٢١٢٩ من طرق ضعيفة أو واهية لا يعتد بها ولا تصح للإحتجاج بها، والله تعالى أعلم. وقد تقدم القول في هذا الحديث في أول الكتاب. راجع الفهرس أخي الكريم رحمك الله تعالى. انتهى.

- وروى المجلسي في بحار الأنوار ج ٣ ص ٣٦

٢٥ - لي يد: ابن المتوكل عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن أحمد ابن النضر، عن محمد بن مروان، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن عبد الله بن عباس في قوله عز وجل: فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ، قال يقول: سبحانك تبت إليك من أن أسألك رؤية، وأنا أول المؤمنين بأنك لا ترى. انتهى.

والظاهر أن قصد ابن عباس من إنكار التشبيه والرؤية هو ما ادعوه في زمانه وردت عليه عائشة وأكدت أنه افتراء. وهذه الرواية وغيرها تعارض ما رووه عن ابن عباس من القول بأن الله تعالى يرى بالعين أو أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه بعينه.

وأبو هريرة يوافق عائشة وابن عباس وابن مسعود

يظهر أن أبا هريرة كان يوافق عائشة وابن عباس ويروي أحاديث نفي التشبيه والرؤية.. إلى أن غلب الجو القائل بالرؤية فرويت عنه أحاديثها! قال ابن ماجة في سننه ج ٢ ص ١٤٢٦: عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت يصير إلى القبر فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ولا

١٥

مشعوف، ثم يقال له فيم كنت؟ فيقول: كنت في الإسلام فيقال له: ما هذا الرجل فيقول: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه فيقال له: هل رأيت الله فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضاً فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله، ثم يفرج له قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له: هذا مقعدك، ويقال له: على اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله.

وكان الجمهور يرون رأي عائشة ويكذبون أحاديث الرؤية بالعين

- قال الثعالبي في الجواهر الحسان ج ٣ ص ٢٥٣

ولقد رآه... فقالت عائشة والجمهور هو عائد على جبرئيل.

- وقال الشاطبي في الإعتصام ج ٢ ص ١٧٦

الأولون ردوا كثيراً من الأحاديث الصحيحه بعقولهم وأساؤوا الظن (...) بما صح عن النبي (ص) حتى ردوا كثيراً من الأمور الأخرى... وأنكروا رؤية الباري.

- وقال في الإعتصام ج ٢ ص ١٩٧

بعض علماء الكلام.. عدوا من البدعة قول من يصف الباري تعالى بالعلو وبأنه على عرشه... وهذا هو عين السنة المأثورة عن الصحابة.

- وقال في الإعتصام ج ٢ ص ٣٣٤

وذهب جماعة من العلماء إلى أن المراد بالرأي المذموم في هذه الأخبار البدع المحدثة كرأي أبي جهم وغيره.. فقالوا لا يجوز أن يرى الله في الآخرة لأنه تعالى يقول:لا تدركه الأبصار..

- وقال الذهبي في تاريخ الإسلام ج ٢٠ ص ١٥٣

محمد بن أحمد بن حفص بن الزبرقان: أبو عبد الله البخاري عالم أهل بخارى وشيخهم وكان فقيها ورعاً زاهداً، ويكفر من قال بخلق القرآن ويثبت أحاديث الرؤية

١٦

والنزول، ويحرم المسكر توفي سنة ٢٦٤ ه- في رمضان. انتهى. ومدحه للبخاري بأنه يثبت أحاديث الرؤية والنزول يدل على أنه يوجد كثيرون ينفونها.

- وقال الطوسي في تفسير التبيان ج ٤ ص ٢٢٦

روى مسروق عن عائشة أنها قالت: من حدثك أن رسول الله رأى ربه فقد كذب:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار .وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب ولكن رأى جبرئيل في صورته مرتين. وفي رواية أخرى أن مسروقاً لما قال لها: هل رأى محمد ربه قالت: سبحان الله لقد قف شعري مما قلت! ثم قرأت الآية. وقال الشعبي: قالت عائشة: من قال إن أحداً رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله، وقرأت الآية، وهو قول السدي وجماعة أهل العدل من المفسرين كالحسن والبلخي والجبائي والرماني وغيرهم. وقال أهل الحشو والمجبرة بجواز الرؤية على الله تعالى في الآخرة، وتأولوا الآية على الإحاطة، وقد بينا فساد ذلك.

عليعليه‌السلام يوضح ما لم توضحه عائشة

- نهج البلاغة ج ١ ص ١٤

الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعمه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون.

الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود.

فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور ميدان أرضه.

أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله،

١٧

ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلى منه.

كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كل شيء لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد إذ لا سكن يستأنس به ولا يستوحش لفقده . انتهى.

وسيأتي في الفصل الرابع المزيد من جواهر النبي وآله في التوحيد ونفيهم المطلق للرؤية والتشبيه والتجسيم عن الله تبارك وتعالى.

وأصل روايات الرؤية بالعين لا تتجاوز العشرة

- قال الذهبي في سيره ج ١٠ ص ٤٥٥

قال أحمد بن حنبل: أخبرني رجل من أصحاب الحديث أن يحيى بن صالح قال: لو ترك أصحاب الحديث عشرة أحاديث يعني هذه التي في الرؤية، ثم قال أحمد: كأنه نزع إلى رأي جهم... قلت: والمعتزلة تقول لو أن المحدثين تركوا ألف حديث في الصفات والأسماء والرؤية والنزول لأصابوا. والقدرية تقول أنهم تركوا سبعين حديثاً في إثبات القدر. والرافضة تقول لو أن الجمهور تركوا من الأحاديث التي يدعون صحتها ألف حديث لأصابوا، وكثير من ذوي الرأي يردون أحاديث شافه بها الحافظ المفتي المجتهد أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزعمون أنه ما كان فقيهاً ويأتوننا بأحاديث ساقطة أو لا يعرف لها إسناد أصلاً محتجين بها.

قلنا: وللكل موقف بين يدي الله تعالى، يا سبحان الله أحاديث رؤية الله في الآخرة متواترة والقرآن مصدق لها، فأين الإنصاف. انتهى.

نقول: الإنصاف أن في القرآن آيات تنفي الرؤية بالعين بشكل قاطع فهي محكمة، وفيه آيات يفهم من ظاهرها الرؤية بالعين فيجب تأويلها لأنها متشابه يحمل على المحكم، أما أحاديث الرؤية بالعين فهي مهما كثرت مخالفة للقرآن، مضافاً إلى أن

١٨

بعضها كذبه الصحابة، وجميعها كذبها أهل بيت النبي الذين أمر النبي أمته أن تأخذ معالم دينها منهم صلوات الله عليه وعليهم، وكذبتها عائشة وغيرها من الصحابة. فهذا هو الإنصاف! جعلنا الله جميعاً من المنصفين في الأمور العلمية والعملية.

- الأحاديث القدسية من الصحاح ج ١ ص ١٤٧

اختلف العلماء في الحديث أعلاه لأنه حديث من أحاديث الصفات، قال الإمام أبو بكر بن فورك: إنها غير ثابته عند أهل النقل ولكن قد رواها مسلم وغيره فهي صحيحة.. وقول أهل السلف إنه حق ولا يتكلم في تأويلها. انتهى.

ولا بد أن المقصود بقوله أهل النقل الذين لم تثبت عندهم: علماء الجرح والتعديل وأئمة الحديث النقاد، بينما هي ثابتة عند المتساهلين، وعند الذين يميلون إلى ما تريده الدولة. كما أن شهادة ابن فورك بأن مسلماً روى في صحيحه ما لم يثبت عند أهل النقل يجب أن تفتح الباب لإعادة تقييم روايات مسلم.

وغلبت موجة كعب ودخلت الرؤية والتشبيه في عقائد المسلمين

كانت موجة التشبيه التي ساندتها الدولة أقوى من مواجهة الراوين فقد استطاع الخليفة عمر ومن سار على خطه أن يحدثوا موجة من القول بالرؤية كما ستعرف، وقد غلبت هذه الموجة رأي عائشة وكل الصحابة ورجحت عليهم، وصارت الرؤية بالعين جزءً من عقيدة جمهور المسلمين إلى يومنا هذا، وتبرع علماء إخواننا السنة بتأويل كلام عائشة رغم صراحته، بل تجرؤوا على رد كلامها رغم ثقتهم بها ومكانتها في عقائدهم، وقالوا إنها قالت ذلك باجتهادها!! مع أن الطبري وغيره رووا أنها لم تنف الرؤية من اجتهادها بل روت ذلك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

- قال الدميري في حياة الحيوان ج ٢ ص ٧٢

واختلف العلماء من السلف والخلف في أنه هل رأى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ربه تعالى أم لا، فأنكرته عائشة وأبو هريرة وابن مسعود وجماعة من السلف،

١٩

وبه قال جماعة من المتكلمين والمحدثين، وأجازه جماعة من السلف وأنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة الإسراء بعيني رأسه، وهو قول ابن عباس وأبي ذر وكعب الأحبار والحسن البصري والشافعي وأحمد بن حنبل، وحكي أيضاً عن ابن مسعود وأبي هريرة، والمشهور عنهما الأول، وبهذا القول الثاني قال أبو الحسن وجماعة من أصحابه، وهو الأصح، وهو مذهب المحققين من السادة الصوفية... قلت: رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة جائزة بالأدلة العقلية والنقلية... وأما استدلال عائشةرضي‌الله‌عنها على عدم الرؤية بقوله تعالى:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، ففيه بُعْدٌ، إذ يقال بين الإدراك والإبصار فرق، فيكون معنى لا تدركه الأبصار أي لا تحيط به مع أنها تبصره، قاله سعيد بن المسيب وغيره. وقد نفى الإدراك مع وجود الرؤية في قوله تعالى:فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاّ ، أي لا يدركونكم. وأيضاً فإن الأبصار عموم وهو قابل للتخصيص فيختص المنع بالكافرين كما قال تعالى عنهم:كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ، ويكرم المؤمنين أو من شاء الله منهم بالرؤية كما قال تعالى:وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة . وبالجملة فالآية ليست نصاً ولا من الظواهر الجلية في عدم جواز الرؤية، فلا حجة فيها والله أعلم. انتهى.

وقد لاحظت كيف صاغ صاحب حياة الحيوان الموضوع، وجعله مسألة ذات وجهين وكثَّر القائلين بالرؤية من السلف والخلف، ثم خلط الإدراك بمعنى اللحوق بالإدراك بمعنى الرؤية، وجعل إمكان تخصيص الله تعالى لعموم آية تخصيصاً بالفعل، ثم كابر في إنكار الظاهر.. ثم جعل رواية عائشة استدلالاً من زميلة له.. كل ذلك لأنه يريد مذهب كعب الأحبار في الرؤية بالعين بأي ثمن!!

- وقال في عارضة الأحوذي ج ٦ جزء ١١ هامش ص ١٨٨

عن ابن عربي إن الله أنزل هذه الآية لا لنفي الرؤية لله ولا قالت به عائشة، فإنه يرى في الدنيا والآخرة جوازاً ووقوعاً!!

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أنّهم يتزوّجون من مسيحيات ، ممّا يجعلهم يختلطون معهم في حفلات مختلطة ، وغناء ورقص وغير ذلك.

وأنا ـ كسنّي ـ فهمت بأنّ زواج المتعة حلال ، وله أدلّته كالزواج الدائم ، كما ذكر السيّد السيستاني وغيره من العلماء والمراجع ، يحفظهم الله أجمعين ، ولكن لماذا يحلّل بعض العلماء الزواج المؤقت من الزانية والمشهورة بالزنى؟ أو ليس هناك آية صريحة يقول فيها الله :( وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ ) (١) ، أو ليس هذا اجتهاد صريح مقابل النصّ؟! أرجو التوضيح.

آسف على الإطالة ، ولكنّي أبحث عن الحقّ ، وقد أُعجبت بمذهب أهل البيت ، ولكن رأيت من يمثّل أهل البيت لهم فتاوى غريبة ، كالتي ذكرتها ، وأنا أُريد أن أسير في طريق أهل البيت ، ولكن يوجد فتاوى كالتي ذكرتها ، والمزيد ما لم اذكره أجد فيه غرابة ، واجتهاد مقابل النصّ القرآني.

على العموم أنا إنسان في طريق الاستبصار ، فقد فهمت كُلّ عقائد أهل البيت ، ولكنّي أعجب من فتاوى العلماء الذين سوف يكون واحد منهم مرجعي ، فأرجو منكم التوضيح التامّ للأمر الذي ذكرته ، وسوف يكون بيننا تواصل إنشاء الله تعالى.

ج : مسألة التمتّع بالزانية محلّ خلاف عند فقهاء الشيعة ، فمنهم من يرى الكراهة ، ومنهم من لا يجوّزها خصوصاً في المشهورة بالزنا ، ويعتمد كُلّ منهم على نصوص وأحاديث ـ كما هو مقرّر في محلّه ـ ولكن بنحو الإجمال نشير إلى أنّ الآية التي ذكرتموها( وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ ) ، قد يحتمل فيها وجه آخر وهو : أنّ الزاني والزانية بعد توبتهما يصبحان كمن لا ذنب له ، والآية ـ على هذا الاحتمال ـ في مجال ذكر حكمهما قبل التوبة.

وعلى فرض التنزّل ، فالمسألة محلّ خلاف حتّى عند السنّة أيضاً ، وفي هذا المجال لابأس أن يراجع إلى المجموع للنووي(٢) ، اعتماداً على حديث «لا يحرّم

__________________

١ ـ النور : ٣.

٢ ـ المجموع ١٦ / ٢١٩.

٢٢١

الحرام الحلال »(١) ؛ فالمسألة هي محلّ بحث ونقاش عند الفريقين ، وليس بالأمر المسلّم حتّى يعتمد عليه.

وأخيراً : لابأس أن نشير إلى نقطة هامّة في المقام ، وهو أنّه في طريق البحث عن العقيدة والمذهب الصحيح لا ينبغي أن نتحقّق في المواضيع الهامشية ، بل يجب علينا أن نبحث في الأُسس والأركان ، ثمّ إنّ رضينا وقنعنا بها ، نقبل بالتفاصيل بصورة عامّة.

ولا يعقل أن نتساءل في كُلّ مورد عن الأدلّة والتفاصيل ، بل نرجع فيها إلى ذوي الخبرة والاختصاص ، فالمسائل والفروع الفقهية هي محلّ بحث ونقاش حتّى الآن ، وهذا لا يخدش في أصل العقيدة والمذهب بعد ما أثبتنا صحّته بالدلائل العقلية والنقلية.

( عبد الله ـ الكويت ـ سنّي ـ ٢٥ سنة ـ دبلوم تجارة )

تعليق على الجواب السابق :

س : السلام عليكم يا اتباع الحقّ.

في الحقيقة أنّني استلمت ردّكم على سؤالي ، وأنا أشكركم جدّاً على جهدكم المتواصل ، لتوصيل مذهب أهل البيت للناس ، ولكن للأسف قليل من الناس من يعرف قدر أهل بيت رسول الله ، المهمّ أنّني قرأت الإجابات ، وإنّني أصارحكم بأنّني لم اقتنع بشكل كامل ، ولكن أصبحت الصورة أوضح والحمد لله.

( حسام ـ ـ سنّي )

التطبيق العملي لها :

السؤال : الإخوة الأفاضل في مركز الأبحاث العقائدية.

__________________

١ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ١٦٨ ، سنن الدارقطني ٣ / ١٨٨ ، سنن ابن ماجة ١ / ٦٤٩.

٢٢٢

أُحبّ أن أشكركم على الكتب التي أرسلتموها لي في الفترة الماضية ، والحقيقة تقال : أنّ لديكم علماء ذوي أقدام راسخة في العلم ، وللأسف نحن أهل السنّة لا نعرفهم ، وهذا من باب إغلاق العقول وللأسف ، ولكنّني لست ممّن يغلق عقله ، بل على العكس أُحبّ الانفتاح على الفرق المخالفة لأهل السنّة ، بل لي كثير من الأفكار التي تخالفهم ، والحقيقة أنّني أقرأ كتبكم بحبّ وشوق ، وأنا حريص على الحقيقة.

ولكن عندي تساؤل وهو : إذا قلنا بالمتعة وجوازها بناء على الأدلّة ، كيف سيتمّ تطبيق ذلك عملياً ، ومقصدي : أنّ المرأة حينما تتزوّج بطريق المتعة عدّة مرّات ، ألا يعتبر ذلك عيباً في حقّها ، حتّى أنّ الأمر قد يصل إلى أن تفتح النساء مجالاً لأن تتزوّج بالمتعة ، فهل هذه التطبيقات العملية تكون مجدية أم لا يعتبر ذلك من العيوب؟ فيصير الأمر كأنّه شبيه ببيوت الدعارة؟ أرجو الإفادة في هذه النقطة.

ج : نسأل الله تعالى أن يوفّقكم لكُلّ خير ، ويبارك في جهودكم ويسدّد خطاكم ، ونلفت انتباهكم إلى عدّة أُمور :

١ ـ المتعة كالزواج الدائم في وجوب العدّة ، فكما يجب على المرأة المطلّقة في الزواج الدائم أن تعتدّ ، فكذا يجب على المرأة في المتعة أن تعتدّ بعد أن تنقضي المدّة المقرّرة ، وبناء على هذا الأصل لا يرد ما ذكرتموه.

ويكون حال المتمتعة كحال المرأة التي تطلّق عدّة مرّات ثمّ تتزوّج ، وما أكثر أمثال هذه الموارد في عصرنا الحاضر ، بالأخص في الخليج ، حيث أنّ الطلاق عندهم كثير جدّاً ، والمرأة تطلّق وتتزوّج عدّة مرّات.

٢ ـ أنّ المتعة بُنيت على الكتمان ، كما ورد في الحديث.

٣ ـ أنّ المتعة من المسائل التي جعلها الإسلام لحلّ المسألة الجنسية والاحتياج الجنسي في المجتمع ، وذلك بصورة منتظمة ، وذلك لئلاّ يقع الناس في حرج

٢٢٣

ويرتكبوا المحرّم ، حتّى أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام صرّح : «لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي »(١) .

وعن ابن عباس : « ما كانت المتعة إلاّ رحمة رحم الله بها هذه الأُمّة ، ولولا نهي عمر بن الخطّاب عنها ما زنى إلاّ شقي »(٢) .

وكُلّ ما ذكرتموه من اشكالات وتصوّرات ترتابها الشكوك عن الواقع العملي للمتعة ، إنّما ينشأ لعدم أُلفة مجتمعاتنا لهذه المسألة ، ولم يكن تحريماً بسيطاً كسائر التحريمات ، وإنّما تحريم وعقاب ، تحريم مع تهديد بالرجم ، مع التشديد في العقوبة.

ففي المبسوط للسرخسي قال عمر : « لا أُوتي برجل تزوّج امرأة إلى أجل إلاّ رجمته ، ولو أدركته ميّتاً لرجمتُ قبره »(٣) .

وإنّ تحريم عمر للمتعة وتغليظه في التحريم ، ممّا جعل هذه المسألة تكون غير مألوفة في المجتمعات الإسلامية ، وإلاّ فإنّها كانت في غاية البساطة ، حتّى أنّ عبد الله بن مسعود قال : كنّا نغزو مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس لنا نساء ، فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثمّ قرأ عبد الله :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (٤) .

وروي عن ابنة أبي خثيمة : « أنّ رجلاً قدم من الشام فنزل عليها ، فمكث معها ما شاء الله أن يمكث ، ثمّ إنّه خرج ، فأخبر عن ذلك عمر بن الخطّاب ،

__________________

١ ـ المصنّف للصنعاني ٧ / ٥٠٠ ، جامع البيان ٥ / ١٩ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٤٠ ، التفسير الكبير ٤ / ٤١ ، تفسير البحر المحيط ٣ / ٢٢٥.

٢ ـ شرح معاني الآثار ٣ / ٢٦ ، الاستذكار ٥ / ٥٠٦ ، التمهيد ١٠ / ١١٤ ، أحكام القرآن للجصّاص ٢ / ١٨٦ ، الجامع لأحكام القرآن ٥ / ١٣٠ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٤١.

٣ ـ المبسوط للسرخي ٥ / ١٥٣.

٤ ـ المائدة : ٨٧ ، وأُنظر : مسند أحمد ١ / ٤٣٢ ، صحيح البخاري ٦ / ١١٩ ، صحيح مسلم ٤ / ١٣٠ ، السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ٧٩ و ٢٠٠ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٣ / ٢٧١ و ٣٩١ ، السنن الكبرى للنسائي ٦ / ٣٣٧ ، مسند أبي يعلى ٩ / ٢٦٠ ، صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٤٩.

٢٢٤

فأرسل إليّ فسألني : أحقّ ما حدّثت؟ قلت : نعم ، قال : ما حملك على الذي فعلته؟

قال : فعلته مع رسول الله ثمّ لم ينهاها عنه حتّى قبضه الله ، ثمّ مع أبي بكر فلم ينهاها عنه حتّى قبضه الله ، ثمّ معك فلم تحدث لنا فيه نهياً ، فقال عمر : أما والذي نفسي بيده ، لو كنت تقدّمت في نهي لرجمتك »(١) .

فمن هذا يتبيّن : أنّ المسألة كانت في غاية السهولة من ناحية الدافع العملي ، ولو كانت مجتمعاتنا قد رضيت بهذه المسألة وطبّقتها عملياً ، لكانت مجتمعاتنا مجتمعات صالحة يسودها كُلّ خير ، ولما اضطرّت إلى اختراع زواج المسيار!!

هذا ، وإنّ الأحكام الشرعية تعبّدية ، ليس لنا أن نرفضها لمجرّد بعض الفرضيات ، ولو فتحنا هكذا باب لرفضنا الكثير من الأحكام الشرعية ، أمثال مسألة الرضاع التي ربما سبّبت بعض المشاكل.

( إبراهيم عبد الكريم ـ النيجر ـ سنّي )

الشيعة تحلّلها :

س : بعد التحية الطيّبة ، أسأل الله أن يهدينا إلى الحقّ ، ويثبّتنا عليه بفضله وكرمه ، سؤالي هو : إنّ الشيعة يحلّلون زواج أكثر من أربع نساء.

ج : إنّ طلب الحقّ أمر ممدوح ، وعدم الاعتماد على الخصم في فهم التشيّع ، والاعتماد على كتب علماء الشيعة ، هو الطريق الوحيد لفهم مذهب أهل البيتعليهم‌السلام .

الشيعة لا تحلّل الزواج أكثر من أربع نساء ، نعم تحلّل الزواج المؤقت ، وله شروط منها : أن لا تكون البنت بكراً ، فلو كانت بكراً توقّف الجواز على إذن أبيها ، وتعيين الوقت والمهر ، والعدّة بعد انقضاء المدّة.

__________________

١ ـ كنز العمّال ١٦ / ٥٢٢.

٢٢٥

وزواج المتعة اتفق المسلمون على أنّه كان حلالاً زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبي بكر ، وبعض خلافة عمر ، حتّى حرّمه عمر بقوله : « مُتعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما ، وأُعاقب عليهما »(١) .

( أحمد منصور ـ البحرين )

التمتّع بالصغيرة ليست من مختصّات الشيعة :

س : أودّ في بداية هذه الرسالة أن أشكركم على جهودكم لتبيين كلمة الحقّ ، ودحض الحجج الواهية لأعداء مذهب الحقّ ، ممّا يأخذه بعضهم علينا مسألة التمتّع بالصغيرة أو الرضيعة ، وضّحوا لنا هذه المسألة ، جزاكم الله خيراً ، وكتبه في ميزان أعمالكم.

ج : أكثر علمائنا يشترط في التمتّع بالبنت بلوغها سنّاً يصدق عليه عرفاً إمكان التمتّع بها ، وهذا غير العقد على الصغيرة ، فالعقد شيء والتمتّع شيء آخر.

وهذه الشبهة ممّا أُثيرت مؤخّراً ضدّ الشيعة ، مع أنّها ليست من مختصّات فقه الشيعة ، بل يشترك فيها الكثير من علماء مذاهب أهل السنّة ، فهذا النووي يذكر في كتابه المجموع الكثير من الآراء لفقهاء المذاهب الإسلامية ، وفي أبواب مختلفة من كتابه تصبّ مصبّ التمتّع بالصغيرة(٢) .

__________________

١ ـ أُنظر : السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ٢٠٦ ، معرفة السنن والآثار ٥ / ٣٤٥ ، الاستذكار ٤ / ٦٥ و ٥ / ٥٠٥ ، التمهيد ٨ / ٣٥٥ و ١٠ / ١١٣ و ٢٣ / ٣٥٧ و ٣٦٥ ، المحلّى ٧ / ١٠٧ ، المبسوط للسرخي ٤ / ٢٧ ، المغني لابن قدامة ٧ / ٥٧٢ ، الشرح الكبير ٧ / ٥٣٧ ، شرح معاني الآثار ٢ / ١٤٦ ، أحكام القرآن للجصّاص ١ / ٣٣٨ و ٣٥٤ و ٣ / ٣١٢ ، التفسير الكبير ٤ / ٤٢ ، الجامع لأحكام القرآن ٢ / ٣٩٢ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٤١.

٢ ـ المجموع ١٦ / ٢٧ و ٤٠ و ١٦٨ و ١٧٢ و ١٩٦ و ٣٣٠ و ٣٤٠ و ٣٧٤ و ٤٠٨ و ١٧ / ٩ و ٥١ و ٧٤ و ١٥٤ و ١٦٩ و ٣٠٨ و ٣٩٥.

٢٢٦

( ـ الجزائر ـ )

حلّ من الحلول للزانية :

س : في اعتقادنا أنّ الزانية أصلح ما يكون لها هو زواج المتعة بعد استتابتها ، لأنّه أحفظ لها من الضياع المطلق ، والفساد الأكيد الذي يحرق الأخضر واليابس ، فالزانية أخطر على الأُمّة من الأسلحة الفتّاكة ، لأنّ الزنا يفسد الحرث والنسل ، ولو دقّقتم في الأمر ، وتتبّعتم التسلسل القرآني لوجدتم ما أشرنا له.

ج : نعم ، الزانية يمكن أن يكون زواج المتعة حلّ من الحلول لها بعد استتابتها ، ولكن لا يمكن لنا أن نحصر فلسفة زواج المتعة بهذا المنظار الضيّق ، ولا أنّ الحلّ للزانية التائبة بزواج المتعة.

وعلى كُلّ حال ، فما ذكرتموه بعمومه جيّد.

( ـ السعودية ـ سنّي )

تعتبر من الحلول الأساسية للمجتمع :

س : بالنسبة لزواج المتعة لدي سؤال واحد فقط : هل ترضى أن تزوّج أُختك أو ابنتك زواج متعة؟ يتمتّع بها الرجال بين الحين والآخر ، هذا هو البلاء وعدم الاستقرار ، وهضم كامل لحقوق المرأة ، وبه أصبحت المرأة مجرّد سلعة رخيصة يلهو بها الرجال بين الحين والآخر ، يأكلون منها يوماً ويتركونها يوماً ، وبزواج المتعة ليس هناك حفظ للنسل ، ولا لحقوق المرأة ، فأيّ زواج هذا الذي تصبح به المرأة مجرّد شهوة وقتية يقضي به الرجل شهوته ثمّ يتركها؟ وألا تعتقد أنّ هذا الزواج قريب جدّاً من الزنا؟

ج : تارة نبحث عن أصل المشروعية له ، وما ذكر حوله في القرآن والسنّة ، وأنّه كان ثابتاً قطعاً ، فهل نسخ؟! وكما هو المعلوم النسخ لابدّ أن يأتي متواتراً ، وإذا كان قد نسخ ، لماذا قال عمر بن الخطّاب : « مُتعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما ، وأُعاقب عليهما »؟! ولماذا كان ابن عباس

٢٢٧

يفتي بالمتعة إلى آخر حياته؟! وهل يصدّق بأنّ ابن عباس لم يصل إليه النسخ؟! تساؤلات علينا أن نبحث فيها.

وتارة نبحث أترضى كذا وكذا ، فهل هذا بحث علمي ، أم هو من كلام العاجزين عن الدليل الذين يهذون بهذه الترهات.

فإذا استطعنا أن نثبت أصل الحكم الشرعي ، لا يمكن أن نورد هكذا خزعبلات ، وإذا فتحنا الباب أمام هذه المغالطات ، فإنّها ستجري على جميع الأحكام الشرعية.

فلو كانت أُختك أو ابنتك قد طلّقت ، وتزوّجت ثانية ، وطلّقت ، وأرادت الزواج مرّة أُخرى ، فكيف ترضى أن يتمتّع بها الرجال بين الحين والآخر؟!

وكما هو معلوم لدى أهل التحقيق : أنّ المتعة لها شروط منها : أن لا تكون بكراً ، فإذا كانت بكراً يشترط في زواجها متعة إذن الولي ، ومنها : العدّة ، فإذا انقضت المدّة وأرادت أن تتمتّع بآخر لا يمكن لها إلاّ بعد العدّة.

فالمتعة حقيقة ثابتة ، تعتبر من الحلول الأساسية للمجتمع ، وذلك إذا طبّقت بشرطها وشروطها.

( كنان حداد ـ ـ )

تساؤلات حول المتعة :

س : وجزاكم الله كُلّ خير ، أرجو إجابتكم المفصّلة عن هذه الأسئلة التي طالما أرقتني وأضاقت صدري ، وأشعلت الشكوك في نفسي :

١ ـ هل تمتّع الأئمّةعليهم‌السلام أو نساء أهل البيت؟ ـ مع الدليل ـ وإذا لم يفعلوها ، فلماذا نفعل ما لم يفعلوه؟

٢ ـ لماذا لم يعد الإمام عليعليه‌السلام العمل بالمتعة عند خلافته ، وإذا أعادها فما الدليل؟

٣ ـ كيف يمكن التوفيق بين شرط العدل بين الزوجات وبين زواج المتعة؟

٤ ـ كيف يمكن التوفيق بين أبغض الحلال عند الله الطلاق ، وبين استحباب التمتّع ، بل وأكثر من مرّة؟

٢٢٨

٥ ـ كيف تكون المستمتع بها مستأجرة وهو عقد بين طرفين؟

ج : نجيب على أسئلتكم بالترتيب كما يلي :

١ ـ إنّ الكلام في موضوع المتعة هو الكلام في جوازه لا في وجوبه حتّى يلتزم كُلّ مسلم بإتيانه ، فنحن نثبت جواز هذا العمل في السنّة النبوية ، ومن ثمّ تفسيق من حرّمه.

هذا ، وقد يستفاد من بعض النصوص أنّ المعصومينعليهم‌السلام قد أتوا بهذه السنّة في بعض الأحيان(١) .

ثمّ إنّ هذا العمل أساسه على الكتمان والتستّر ، خصوصاً بعد أن عرفنا أنّ السلطات آنذاك كانت تطارد المجوّزين ، وتصرّ على الحرمة.

٢ ـ من الطبيعي أن لا تكون الإعادة بالإشهار ، فهل يعقل أنّ الإمامعليه‌السلام يعلن الجواز على رؤوس الإشهاد؟ وما هي المصلحة من وراء ذلك؟ بل الطريق المتعارف هو عدم الردع عن العمل من جهة ، والإشارة إلى شناعة اجتهاد عمر في المسألة من جهة أُخرى ، وهذا ما صدر عنهعليه‌السلام إذ قال : «لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي »(٢) .

٣ ـ لا علاقة بين المسألتين ، فإنّ المتعة لا تعارض حقوق الزوجات ، فللرجل أن يجمع بين الجهات المذكورة ، وأمّا إن فرضنا أنّ رجلاً لا يتمكّن من الجمع المذكور ، فهذا أمر يخصّه ، ولا يرتبط بمبدأ تشريع الحكم.

٤ ـ الفرق واضح بين المقامين : فإنّ حكمة الزواج الدائم تأسيس كيان في المجتمع ـ العائلة ـ بناؤه على الدوام والاستمرار ، وحينئذٍ فانقطاعه في الحقيقة يحدث تضعضعاً في نظام المجتمع والأُسرة ، فهو حدث غير مرغوب فيه على شذوذه وندرته بخلاف زواج المتعة ، إذ هو عقد منقطع ومؤقت إلى أجل معلوم ، فلم يؤخذ فيه الاستمرارية حتّى نصطدم بانقضاء المدّة ، أي أن انتهاء الأجل في

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ٢١ / ١٠ و ١٣.

٢ ـ المصنّف للصنعاني ٧ / ٥٠٠ ، جامع البيان ٥ / ١٩ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٤٠ ، التفسير الكبير ٤ / ٤١ ، تفسير البحر المحيط ٣ / ٢٢٥.

٢٢٩

الزواج المنقطع هو فرض قد أُخذ في العقد ، والطرفان على علم مسبق به ، ولكنّ الطلاق في الزواج الدائم هو أمر غير متوقّع في الأصل ، بل هو حلّ لحالات استثنائية وطارئة.

٥ ـ نعم ، زواج المتعة عقد بين الطرفين ، ولا ينافي ذلك أن يكون عقد إجارة ، والمقصود من عقد الإجارة في المقام هو التنظير بين المسألتين في الحكم من حيث اعتبار المدّة والأجل والأجرة في مشروعية العمل في كلا الموردين.

( أبو هادي ـ فلسطين ـ سنّي ـ بكالوريوس تجارة )

صحيحة عقلاً وشرعاً :

س : أودّ أن أسأل عن زواج المتعة وحكمه؟ مع الاسترشاد بالأحاديث أو الآيات القرآنية الكريمة.

ج : هو حلّ معقول وجذري للمشكلة الجنسية في ظروف عدم التمكّن من الزواج الدائم ، أو موارد حرجة أُخرى ، هذا بحسب العقل.

وأمّا من جهة النصوص ، فلا خلاف في ثبوت تشريع المتعة عند علماء المذاهب الإسلامية بأجمعهم ، معتمدين في ذلك على آية( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (١) ، حتّى أن بعضهم قد قرأها بالشكل التالي :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمّى ) (٢) ، وهذا صريح في إرادة الزواج المؤقت.

وعلى أيّ حال ، فالكُلّ متّفقون على إباحة المتعة بالكتاب والسنّة(٣) .

__________________

١ ـ النساء : ٢٤.

٢ ـ المستدرك ٢ / ٣٠٥ ، السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ٢٠٦ ، المعجم الكبير ١٠ / ٣٢٠ ، الاستذكار ٥ / ٥٠٥ ، التمهيد ١٠ / ١١٣ ، جامع البيان ٥ / ١٨ ، معاني القرآن ٢ / ٦١ ، أحكام القرآن للجصّاص ، الكشف والبيان ٣ / ٢٨٦ ، معالم التنزيل ١ / ٤١٤ ، الجامع لأحكام القرآن ٥ / ١٣٠ ، تفسير البحر المحيط ٣ / ٢٢٥ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٤٨٦ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٤٠.

٣ ـ أُنظر : جامع البيان ٥ / ١٨ ، الجامع لأحكام القرآن ٥ / ١٣٠ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٤٠ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٤٨٦.

٢٣٠

ثمّ إنّ المخالفين للجواز يدّعون ورود النسخ لهذه الآية بآيات أظهرها من حيث الدلالة هي :( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) (١) بتوهّم حصر الزواج الشرعي في الدائم ، وملك اليمين ، ولكن من الواضح أنّ هذه الآية مكّية ، وآية المتعة مدنية ، ولا يعقل تقدّم الناسخ على المنسوخ ، على أنّ الآية المذكورة لا تنفي مشروعية المتعة ، إذ أنّها زواج شرعي ـ استناداً إلى الأدلّة التي ذكرناها ـ فتدخل ضمن( أَزْوَاجِهِمْ ) في الآية.

وأيضاً قد اعتمدوا في إثبات الناسخ بروايات وأحاديث قد يوهم بعضها النسخ ، ولكن يردّه ـ مع غضّ النظر عن أسانيدها ـ بأنّها مختلفة فيما بينها في محلّ ورود النسخ ، حتّى أُشير إلى ستّة مواطن : خيبر ، عمرة القضاء ، عام الفتح ، أوطاس ، تبوك ، حجّة الوداع ، حنين(٢) ، ممّا يوجب الاضطراب في مفادها ومضامينها ، ومن ثمّ عدم الركون إليها ، خصوصاً أنّها أخبار آحاد ، لا تصلح لنسخ الكتاب ـ على مبناهم ـ.

ومع التنزّل فإنّ هذه الأخبار متعارضة مع الأحاديث الدالّة على الجواز ، والتي هي صحاح تصل إلى حدّ الاستفاضة ، فإن قلنا بتساقط الطرفين في المعارضة ، أو ترجيح طرف الجواز لموافقتها لآية المتعة ـ كما هو المقرّر في علم الأُصول في حلّ التعارض بين الأخبار ـ تثبت نظرية الشيعة في التمسّك بالجواز في المقام.

وهنا لابأس أن نشير بورود بعض الروايات التي تدلّ بصراحة على أنّ المنع لم يشرّع في عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل أنّه كان باجتهاد خاصّ من قبل عمر!(٣) حتّى أنّ بعضهم صرّح بأنّ عمر أسند النهي والمنع عن المتعة إلى نفسه ، لا إلى تشريع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) .

__________________

١ ـ المؤمنون : ٥ ـ ٦ ، المعارج : ٢٩ ـ ٣٠.

٢ ـ فتح الباري ٩ / ١٣٨.

٣ ـ فتح الباري ٣ / ٣٣٩ و ٩ / ١٤١ ، كنز العمّال ١٦ / ٥٢٣ ، جامع البيان ٥ / ١٩ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٤٠ ، مسند أحمد ٣ / ٣٨٠.

٤ ـ شرح تجريد العقائد : ٣٧٤.

٢٣١

( محمود أحمد عباس ـ العراق )

النهي عنها محمول على التقية :

س : وجدت حديثاً في كتاب وسائل الشيعة عن المتعة ، والحديث يقول : عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه عن علي عليه‌السلام قال : « حرّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة » (١) ، فهذا الحديث يدلّ على أنّ النبيّ قد حرّم المتعة؟

ج : عند مراجعة سند الحديث نجد فيه : الحسين بن علوان : لم ينصّ على توثيقه ، بعكس أخيه ، ونسبه البعض إلى العامّة أو الزيدية ، وهو إلى الزيدية أقرب ، بدلالة من يروي عنهم.

وعمرو بن خالد : نُسب إلى العامّية ، وذكروا أنّه بتري زيدي ، بل من رؤسائهم ، وهو الأقرب(٢) .

وعلّق على الحديث الحرّ العاملي في الوسائل : حمله الشيخ وغيره على التقية ـ يعني في الرواية ـ لأنّ إباحة المتعة من ضروريات مذهب الإمامية.

فهذه الرواية لا تنهض حجّة على تحريم المتعة ، وذلك : لما مرّ آنفاً ما في سندها من وهن ، مع معارضتها لظاهر القرآن ، والروايات الصحيحة الكثيرة في حلّية المتعة ، وبعدها فهي محمولة على التقية.

( عبد السلام ـ المغرب ـ )

التمتّع بملك اليمين :

س : الإخوة الأفاضل القائمين على هذا الموقع : حكم التمتّع بالأمة ملك اليمين؟ هل لازال هذا الحكم قائماً؟ وجزاكم الله خيراً.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ٢١ / ١٢.

٢ ـ أُنظر : منتهى المطلب ٤ / ٢٥٥ ، رجال الطوسي : ١٤٢ ، رجال ابن داود : ٢٦٤ ، نقد الرجال ٣ / ٣٣١ ، طرائف المقال ٢ / ٣٣ ، معجم رجال الحديث ١٤ / ١٠٢ ، وغيرها.

٢٣٢

ج : ملك اليمين والعبيد والإماء في عصرنا الحاضر ليس لهم وجود ، وفي زمان وجودهم كُلّ من كان يملك أمة فيحقّ له أن يتمتّع بها بملكها ، وهذا ممّا لا خلاف فيه بين جميع المسلمين.

( محمّد ـ السعودية ـ ١٦ سنة ـ طالب ثانوية )

تكره مع المشهورة بالزنا :

س : لا أعرف ردّ هذه الشبهة ، فالرجاء المساعدة ـ وجدتها في بعض المنتديات ـ الخميني يجيز التمتّع بالزانية ، يقول في كتابه « تحرير الوسيلة » : مسألة ١٨ : يجوز التمتّع بالزانية على كراهية ، خصوصاً لو كانت من العواهر والمشهورات بالزنا ، وإن فعل فليمنعها من الفجور. تحرير الوسيلة ٢ / ٢٩٢.

ج : هذه الفتوى لم ينفرد بها السيّد الخميني ، بل هي قول الكثير من علمائنا ، بل المشهور جوازه بلا كراهة ما لم تكن مشهورة بالزنا ، فيكون السيّد أشدّ من غيره ، وأكثر احتياطاً بقوله بالكراهة مع وجوب منعها حينئذ من الزنا فلا مؤاخذة عليه.

وأمّا الآية الكريمة :( الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (٢) .

فسوف لن أقول لك راجع التفاسير وكتب الفقه لمذهبك ، وأُنظر الاختلاف في فهمها منذ الرعيل الأوّل من الصحابة ، وثمّ التابعين ، ثمّ المذاهب الفقهية الأربعة وغيرها ، ولكنّني سوف أردّ ردّاً واحداً وبسيطاً وهو : لو كانت الآية على ظاهرها للزم جواز زواج الزاني المسلم من المشركة ، والزانية المسلمة من المشرك ، وهذا لا يقول به مسلم ، وانعقد الإجماع على خلاف ذلك وعدم جوازه ، وبالتالي نقول : أنّ الآية صحيح أنّ ظاهرها يقتضي تحريم الزواج من الزانية ، ولكنّ الظاهر إذا اصطدم بإجماع أو نصّ ـ كما قدّمنا آنفاً ـ فحينئذ لا يكون الظاهر حجّة.

__________________

١ ـ النور : ٣.

٢٣٣

( أحمد ـ الإمارات ـ ١٩ سنة ـ طالب حوزة )

ليست مسألة سائبة لا ضوابط فيها :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع : لو سألت هذا السؤال : هل يجوز لأيّ رجل أن يدخل أيّة أُنثى أيّ مكان ليفعل بها ما يشاء متى شاء ، ثمّ يدعها لينصرف إلى غيرها بمجرّد أن يتبادلا التلفّظ ببضع كلمات عن الثمن والمدّة أو عدد المرّات ، ومتّعتك نفسي وبلا حاجة إلى ولي أو شهود؟ ولا داعي للسؤال عمّا إذا كانت المرأة ذات زوج أو أنّها من الزانيات؟

لجاء الجواب ومن أوثق المصادر : بسمه تعالى يجوز ذلك!! أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.

ج : إنّ النكاح المنقطع ـ أو زواج المتعة كما يسمّى ـ هو زواج شرعي دلّت عليه النصوص القرآنية والنبوية الشريفة بما لا غبار عليه ، ودعوى نسخه دعوى باطلة لم يرد بها كتاب أو سنّة ، ومن أجل الوقوف التفصيلي على أدلّة هذا الزواج ومشروعيته وضوابطه انصح السائل أو المستشكل بالعودة إلى بعض البحوث المهمّة التي تناولت هذا الزواج بالشرح والتحقيق ككتاب « مسائل فقهية » للسيّد عبد الحسين شرف الدينقدس‌سره .

وكذلك كتاب « المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي » للأستاذ توفيق الفكيكي ، ليقف المرء على شروط وضوابط هذا الزواج الشرعي الصحيح ، وأنّه متى تحتاج المرأة إلى إذن وليّها في هذا الزواج ومتى لا تحتاجه ، وأيضاً ليتعرّف على الصفات التي يحثّ الشرع على توفّرها في المرأة المتمتّع بها.

فالمسألة ليست كما يتوهّم البعض أنّها مسألة سائبة لا ضوابط فيها ، كي تكون محلاً للترهات والأقوال الجاهلة ، وبالعودة إلى تلك المصادر وقراءتها بتمعّن وتدبّر يزداد المرء فهماً وعلماً بدينه وأحكام شريعته.

٢٣٤

المسح على الرجلين :

( سارة حسين ـ الكويت ـ )

في قوله( وَأَرْجُلَكُمْ ) ثلاث قراءات :

س : بالنسبة لآية الوضوء الواردة في سورة المائدة ، هل صحيح أنّ ( وَأَرْجُلَكُمْ ) معطوفة على اغسلوا ، حيث أنّ الآية تقول : ( وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) (١) ، ولستُ ضالعة بقواعد اللغة العربية ، فهي معطوفة على من؟ أرجو إفادتي بأقرب وقت ممكن ، وجزاكم الله خيراً.

ج : في قوله تعالى :( وَأَرْجُلَكُمْ ) ثلاث قراءات :

القراءة بالرفع ، ووصفت هذه القراءة بالشذوذ ، والوجه بالرفع قالوا : بأنّ الرفع هذا على الابتداء ، وكُلّ مبتدأ يحتاج إلى خبر ، فقال بعضهم : الخبر مغسولة ، يعني : وأرجلكم مغسولة.

قال الآلوسي : « وأمّا قراءة الرفع فلا تصلح للاستدلال للفريقين ، إذ لكُلّ أن يقدّر ما شاء ، ومن هنا قال الزمخشري فيها : إنّها على معنى وأرجلكم مغسولة أو ممسوحة »(٢) .

وأمّا القراءة بالجر ، ووجه هذه القراءة واضح ، لأنّ الواو عاطفة : تعطف الأرجل على الرؤوس ، والرؤوس ممسوحة فتكون الأرجل أيضاً ممسوحة.

__________________

١ ـ المائدة : ٦.

٢ ـ روح المعاني ٣ / ٢٥١.

٢٣٥

وأمّا القراءة بالنصب ، ووجه هذه القراءة واضح ، لأنّ الواو عاطفة على محلّ الجار والمجرور ، يعني : على محلّ كلمة :( بِرُؤُوسِكُمْ ) ، ومحلّ( بِرُؤُوسِكُمْ ) منصوب ، والعطف على المحلّ مذهب مشهور في النحو ، ولا خلاف في هذا على المشهور بين علماء النحو ، فيكون حكم الأرجل المسح كما هو في الرأس ، بناءً على العطف على محلّ( بِرُؤُوسِكُمْ ) .

وتجدون الاعتراف من كبار علماء أهل السنّة على أنّ قراءة الجر والنصب على وجوب المسح دون الغسل(١) .

( محمّد السعيد ـ البحرين ـ )

القرآن صريح في وجوبه :

س : دخلت بعض المنتديات ووجدت بعض هذه الشبهات ، فهل من إجابة وبالدليل؟ الشيعة يمسحون على أرجلهم ولا يغسلونها ، مع أنّه هناك من هو كثير العرق ، والذي رائحة رجله مؤذية

ج : إنّ الأحكام الشرعية توقيفية ، بمعنى أنّ الشارع يحدّدها ، فإذا ثبت حكم ما أنّ الشارع أثبته ، فلا يحقّ لنا إعمال ما تشتهيه أنفسنا ، ولماذا كذا؟ أو هل إذا كان كذا كان كذا.

فالقرآن صريح في وجوب المسح على الرجلين ، لأنّ قوله تعالى :( وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) (٢) إذا قرأت بالنصب أو الجرّ فإنّها معطوفة على برؤوسكم ، أو على محلّ برؤوسكم ، فيكون حكم الأرجل المسح ، فالشارع يوجب المسح ، ومن شاء بعد المسح أن يغسل فإنّه ليس من الوضوء ، بل أمر آخر خارج عن الوضوء.

__________________

١ ـ أُنظر : المبسوط للسرخي ١ / ٨ ، المغني لابن قدامة ١ / ١٢٠ ، التفسير الكبير ٤ / ٣٠٥.

٢ ـ المائدة : ٦.

٢٣٦

( عبد الله ـ الكويت ـ ٢٨ سنة ـ خرّيج ثانوية )

معنى الكعب في قوله( إِلَى الْكَعْبَينِ ) :

س : إنّ سؤالي بسيط جدّاً ، وهو عن موضوع مسح الرجلين في الوضوء : إنّي قرأت الكثير من الكتب في هذا المجال من السنّة والشيعة ، وكُلّ له دلائله ، ولكن سؤالي هو : لماذا ذكرت الآية القرآنية( إِلَى الْكَعْبَينِ ) ، ونحن كشيعة لا نصل إلى الكعبين مطلقاً؟

نعم ، نحن نمسح كما في الآية المباركة ، ولكنّنا كما قلت أنّنا لا نصل إلى الكعبين ، وهم ـ أي أهل السنّة ـ يصلون إلى الكعبين ولكنّهم يغسلون ، لماذا توجد كلمة في القرآن ونحن لا نطبّقها ، أعني بذلك كلمة الكعبين؟

أرجو المعذرة ، ولكنّي فعلاً لا أستطيع أن أُجيب أيّ أحد ، وهل هي مجرّد زيادة في القرآن والعياذ بالله؟ عندما يقول لي : إنّ الآية قالت : إلى الكعبين ، فلماذا لا نصل للكعبين؟

ج : إنّ الكعبين لا تعنيان أسفل القدم كما ربما يتوهّمه البعض ، بل المقصود من الكعبين هو قبّة القدم ، أي : أعلاه ، بمعنى : الارتفاع الظاهر فوق القدم ، هذا هو تعريف الكعبين.

ولا يمكن الاعتماد على قول أهل اللغة هنا لتحديد مفهوم الكعبين ، لاختلافهم في تعريفهما ، والرجوع إلى روايات أهل البيتعليهم‌السلام في تحديد مفهوم الكعبين هو الأهم في هذا المقام.

ففي صحيحة أحمد بن محمّد البزنطي عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال : « سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم »(١) .

وهذا ظاهر أنّ المراد من الكعبين هو : العظم الناتي من قبّة القدم ، وليس شيئاً آخر ، وذلك بقرينة قولهعليه‌السلام : «إلى الكعبين إلى ظاهر القدم » ، وقوله : «ظاهر القدم » بيان لمعنى الكعبين.

__________________

١ ـ الكافي ٣ / ٣٠ ، الاستبصار ١ / ٦٢.

٢٣٧

وما ورد عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام قال : «ألا أحكي لكم وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله »؟ ثمّ أخذ كفّاً من ماء فصبّها على وجهه ثمّ مسح رأسه وقدميه ، ثمّ وضع يده على ظهر القدم ، ثمّ قال : «هذا هو الكعب » ، وأومأ بيده إلى أسفل العرقوب ، ثمّ قال : «إنّ هذا هو الظنبوب »(١) .

فالظنبوب هو : منتهى العرقوب إلى أسفل ، أي سفل القدم من مؤخّره ، وقد اشتبه على أهل السنّة بأنّ هذا هو الكعب ، لذا فقوله تعالى :( إِلَى الْكَعْبَينِ ) ليس كلاماً زائداً بل حكيماً ، ولا اشتباه فيما التزمه الشيعة من المسح على هذه المنطقة ، فالمسح أوفق في تحديدنا هذا بالكعب.

ولا يصلح الغسل بعد ذلك ، إذ كيف يمكنك غسل هذه المنطقة دون التعدّي إلى ما خلف الكعبين ، لذا فمسح الكعبين هو ما ذهب إليه الشيعة وهو ما ذكرناه لك.

__________________

١ ـ تهذيب الأحكام ١ / ٧٥.

٢٣٨

مصحف فاطمة عليها‌السلام :

( أحمد الخاجة ـ البحرين ـ ١٥ سنة ـ طالب ثانوية )

عند الإمام المهدي :

س : هل ينزل الوحي بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وما صحّة الرواية أنّ الوحي نزل على فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، ليوحي لها بمصحف فاطمة؟ وهل مصحف فاطمة لا يزال موجوداً؟ وهل هو نفس المصحف الذي نراه عند بعض الإيرانيين في البقيع ، والذي يكتب عليه مصحف فاطمة؟

ج : وردت أحاديث ـ فيهّن صحاح ـ على وجود مصحف لفاطمةعليها‌السلام ، من إملائها أو إملاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخطّ عليعليه‌السلام ، وفي بعضها أنّ ملكاً أو جبرائيل كان يحدثّها ، ثمّ هي تملي على أمير المؤمنينعليه‌السلام ليخطّه(١) ، ولكن هذا ليس بمعنى نزول الوحي بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل أنّ الوحي هو نزول جبرائيل بالرسالة النبوية ومتطلّباتها.

والحال أنّ المصادر التي أثبتت وجود المصحف المذكور أكّدت في نفس الوقت بعدم علاقته بالتشريع ، بل فيه إخبارات عن التكوين ، وإنباءات عن المستقبل ، وبين المقامين بون شاسع كما ترى.

ثمّ الذي ينبغي أن يقال هو : إنّ هذا المصحف لم يكن موجوداً في متناول أيدينا ، بل هو عند إمام العصر المهديعليه‌السلام ، وعليه لا معنى للظفر عليه عند بعض الشيعة!!

__________________

١ ـ الكافي ١ / ٢٤٠ ، بصائر الدرجات : ١٧٣.

٢٣٩

( عبد الله ـ السعودية )

ليس هو قرآن الشيعة :

س : أُريد أن أعرف هل صحيح أنّ للشيعة قرآناً غير هذا القرآن الموجود في البلاد الإسلامية؟ ويسمّونه بمصحف فاطمة.

ج : لقد أثار مصحف فاطمةعليها‌السلام حفيظة العديد من الكتّاب ، واتخذوا منه وسيلة للطعن والتشنيع على أتباع أهل البيتعليهم‌السلام ، باستغلال اسمه باعتبار أنّه يطلق عليه مصحف ، وجعله باباً لاتهام الشيعة بأنّهم لا يعترفون بالقرآن الموجود بين الدفتين ، والمتداول بين المسلمين قاطبة ، فيوقعون الناس في وهم : بأنّ مصحف فاطمة المذكور هو القرآن الذي يعتقده الشيعة.

وهنا لابدّ من معالجة هذه الشبهة التي أُثيرت حول مصحف فاطمةعليها‌السلام ، والضجّة المفتعلة التي يطلقها هؤلاء الكتّاب ، الذين ينقصهم الاطلاع الكافي والدقّة العلمية إن أحسنّا الظنّ بهم ، أو تنقصهم الأمانة والإنصاف ، فنقول :

أنّ الشيعة تعتقد بأنّ مصحف فاطمةعليها‌السلام ليس قرآناً ، بل القرآن هو ذلك الكتاب المنزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمتداول الآن بين يدي المسلمين.

وأمّا مصحف فاطمةعليها‌السلام فهو مجرّد كتاب كتبه الإمام عليعليه‌السلام ، ذكر فيه أخبار ما كان وما يكون التي نقلتها له فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وليس فيه آية من آيات القرآن الكريم ، كما صرّحت بذلك الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، نذكر منها :

١ ـ عن أبي عبيدة عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة وسبعين يوماً ، وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبرائيل يأتيها فيحسن عزاها على أبيها ، ويطيب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها ، وكان علي عليه‌السلام يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة عليها‌السلام »(١) .

__________________

١ ـ بصائر الدرجات : ١٧٣.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434