إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق13%

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق مؤلف:
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 434

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219825 / تحميل: 6909
الحجم الحجم الحجم
إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

( محمّد إبراهيم الإبراهيم ـ الكويت ـ ٢٣ سنة ـ ثانوية عامّة )

من التزم منهم بوصية الرسول فهو ممدوح :

س : يرجى تزويدي بأسماء جميع معاصرين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الصحابة ، مع ذكر الموالي منهم لأهل البيت والمعادي لهم؟ دون الحاجة لذكر الموقف الذي حصل له.

مع خالص شكري وتقديري لجهودكم المبذولة في خدمة الدين والمسلمين ، ودمتم موفّقين إن شاء الله.

ج : فكما روى علماء المذاهب الإسلامية : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، قالهصلى‌الله‌عليه‌وآله في عدّة مواطن ، آخرها قبيل وفاته ، ويعتبر هذا الحديث وصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أُمّته.

وكذا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم غدير خم : «من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه »(١) ، فجمع المسلمين ، وأخذ منهم البيعة لعليعليه‌السلام .

فالصحابة الذين عملوا بوصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتزموا بالبيعة التي أخذها منهم لعليعليه‌السلام يوم غدير خم ، فهؤلاء هم الصحابة الذين استقاموا على الطريق السوي.

نعم ، ربما كان بعض الصحابة ، ولظروف قاسية لم يلتزموا بوصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فترة ، ثمّ عادوا إلى الحقّ ، فهؤلاء أيضاً من الممدوحين.

وما ورد على لسان الروايات بالارتداد بالنسبة إلى الصحابة الذين لم يلتزموا بوصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو ارتداد عن الولاية والإمامة لا ارتداد عن الإسلام.

وكُلّ متفحّص في كتب الحديث والسير والتاريخ سيشخص الصالح من الصحابة من الطالح.

____________

١ ـ الدرّ المنثور ٢ / ٢٩٣.

١٤١

( أحمد ـ ـ سنّي )

حديث لا تسبّوا أصحابي :

س : قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تسبّوا أصحابي ، فإنّ أحدكم لو أنفق مثل أُحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه » (١) ، ما صحّة هذا الحديث؟ ومن هو الذي رواه من الصحابة؟

ج : قد روى هذا الحديث أبو هريرة ، وأبو سعيد الخدري ، وآخرون.

وعلى فرض صحّة الحديث ، فليس المقصود هو أنّه لا تسبّوا كُلّ الصحابة ، حتّى ولو كان منافقاً ، أو فاسقاً ، أو مرتدّاً ، أو ، بل المقصود : لا تسبّوا الصحابة الذين آمنوا ، وعملوا الصالحات ، وأطاعوا الله ورسوله ، ويؤيّد هذا قوله تعالى :( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم ـ أي من الصحابة ـمَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (٢) ، وأمّا غير المؤمنين من الصحابة لا يغفر لهم.

إذاً فمجرّد اسم الصحابي لا ينفع ، بل لابدّ أن يكون مؤمناً ، وعاملاً للصالحات ، ومطيعاً لله ورسوله.

( أبو أيمن علي ـ الجزائر ـ سنّي )

تساؤلات؟

س : أنا من المداومين على قراءة كتب إخواننا الشيعة وأشرطتهم ، خصوصاً المستبصرين منهم ، وأحاول جهدي الاقتناع بمحصّلاتهم العقائدية ، لكنّني ألاحظ عليهم الكثير من التحفّظات ، وهي كالتالي : مواقفهم المبدئية من بعض الصحابة ، تجعلهم يرمونهم بأيّ كان من النقائص ، كتفسيرهم مثلاً لحادثة الإفك ، والغار ، وغيرها كثير.

____________

١ ـ مسند أحمد ٣ / ١١ و ٦٤ و ٦ / ٦ ، صحيح البخاري ٤ / ١٩٥ ، سنن أبي داود ٢ / ٤٠٤ ، السنن الكبرى للبيهقي ١٠ / ٢٠٩.

٢ ـ الفتح : ٢٩.

١٤٢

ألا تعتقدون أنّ ما تقومون به في هذا الموقع يعمّق فجوة الخلاف بين المسلمين؟

ألا تعتقدون الإخوّة في قناة المنار قدوة لكم في حرصهم على الوئام الإسلامي؟ وهناك أسئلة كثيرة أتمنّى أن يتّسع صدركم لها ، ودمتم في رعاية الله.

ج : نحيّي فيكم هذه الروح الشفّافة ، والتطلّع والبحث في كتب الشيعة والمستبصرين منهم ، وهذا كُلّه إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على وجود روح البحث والتحقيق عندكم ، والتجرّد عن تقليد الموروث بلا دليل ، وهذه صفة قلّ من يتّصف بها في عصرنا الحاضر.

وأمّا تحفّظاتكم في مسألة الصحابة ، فإنّ البحث في هذا الموضوع لابدّ وأن يبحث فيه بحثاً مبنائياً ، نشرع فيه من بداية الهرم وحتّى منتهاه ، وبداية الهرم هو مسألة كون الصحابة جميعاً عدول ، وهنا عندنا بعض التحفّظات والأسئلة :

١ ـ هل الصحابة معصومون؟

٢ ـ إذا قلنا : لا ، فكيف نثبت عدالتهم ككُلّ؟!

٣ ـ هل فيهم من قتل بعضهم بعضاً؟

٤ ـ هل فيهم مَن كفّر بعضهم بعضاً؟

٥ ـ هل فيهم من لعن وسبّ وشتم بعضهم بعضاً؟

٦ ـ إذا كان كُلّ هذا موجود ، فكيف نقول بعدالتهم جميعاً؟!

٧ ـ مَن هم المنافقون؟

٨ ـ هل المنافق كافر؟

٩ ـ أم المنافق مَن أظهر الإسلام وأبطن الكفر؟

١٠ ـ هل الآيات الواردة في المنافقين تقصد بعض الصحابة؟

١١ ـ إذاً مَن هم المنافقون من الصحابة؟!

١٢ ـ ألم يضعّف علماء الحديث : « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» ورموه بالوضع؟!(١) .

____________

١ ـ لسان الميزان ٢ / ١٣٧ و ٣١٢.

١٤٣

١٣ ـ هل أنّ ما استدلّ من آيات على عدالة الصحابة ، هل هو صريح أو يدلّ على عدالة جميعهم ، إذ بحثنا في الكُلّ؟

وبعد كُلّ هذا ، فإذا لم نستطع أن نثبت عدالة جميع الصحابة ، يحقّ لنا بل يجب أن نبحث في حالاتهم وخصوصياتهم ، فمن ثبتت عدالته فهو الصحابي الذي يقتدى به ، ونطمئن بما ينقله من أحاديث ، ومن لم تثبت عدالته وغيّر وبدّل ، فإنّه ليس فقط لا يستحقّ الاقتداء به ، وأخذ معالم الدين منه ، بل يستحقّ لعنة الله والرسول والمؤمنين.

وفي الختام : كما أنّنا نقدّر ما تقوم به قناة المنار من الحفاظ على الوحدة الإسلامية ، والتقريب بين المذاهب ، وهذا فرض على الجميع ، عقيدة نعتقد بها ، ولكن لا ينافي هذا الجلوس على طاولة الحوار الهادئ الهادف ، الحوار الأخوي ، وذلك للوصول إلى نتيجة فيما اختلفنا فيه ، فإن توصّلنا إلى نتيجة فهو المطلوب ، وإلاّ فإنّ اختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضية.

هذا ، وإنّ وحدتنا وتقاربنا الظاهري مع الاعتراف بوجود اختلافات أساسية ، ومن دون أن نوجد الجوّ الهادئ للحوار الهادف قربة إلى الله ، فإنّ هكذا وحدة سوف لن تستمرّ ، لأنّ الاختلافات ستظهر وستؤثّر ، وربما لو ظهرت ستكون شديدة بعض الشيء ، لأنّ الإخفاء سيولد الكبت ، والكبت يولد الانفجار.

( علي ـ السعودية ـ )

حديث خير القرون قرني :

س : ما مدى صحّة الحديث : « خير القرون قرني ، ثمّ الذين يلونهم ، ثمّ الذين يلونهم »؟ (١) وما هي دلالته؟ جزاكم الله خيراً ، ونفعنا بكم.

____________

١ ـ أحكام القرآن للجصّاص ١ / ٦١٥ ، تفسير القرآن العظيم ٣ / ٣٣١ و ٤ / ٣٠٥ ، الإصابة ١ / ٢١ ، البداية والنهاية ٦ / ٢٨٣.

١٤٤

ج : في الجواب نشير إلى نقاط :

١ ـ إنّ هذا الحديث وأمثاله لم يرد من طرق الشيعة ، وإنّما ورد من طرق أهل السنّة ، وهو لا يمكن أن يكون حجّة علينا ، لأنّ قانون المناظرة والمحاججة أن تذكر المسائل المتّفق عليها بين الطرفين ، أو أن يحتجّ بما وافق عليه الطرف الآخر ، «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم »(١) .

٢ ـ بعد الإغماض عمّا في سند هذا الحديث عند أهل السنّة ، فإنّه لا دلالة لهذا الحديث على ما يقصده أهل السنّة منه ، وذلك بادعائهم خيرية جميع الناس الموجودين في قرن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ قولنا : إنّ قريش أفصح العرب وأكرمهم ، لا يقتضي لغة وعرفاً أن يكون كُلّ واحد من آحاده كذلك ، لظهور وجود الآحاد المتّصفة بأضداد ذلك.

٣ ـ هذا الحديث معارض بما رواه أهل السنّة عن عمر ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أتدرون أيّ الخلق أفضل إيماناً »؟ قالوا : الملائكة ، قال : « وحقّ لهم بل غيرهم » ، قالوا : الأنبياء ، قال : « وحقّ لهم بل غيرهم » ، ثمّ قال : « أفضل الخلق إيماناً قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني ، فهم أفضل الخلق إيماناً »(٢) .

٤ ـ وكذلك هذا الحديث معارض بأحاديث أُخرى مثل : « مثل أُمّتي مثل المطر ، لا يدرى أوّله خير أم آخره »(٣) ، وقوله : « ليدركن المسيح أقواماً ، إنّهم لمثلكم أو خير ثلاثاً »(٤) .

٥ ـ إن مظلومية أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر متسالم عليه ، وكُلّ ما ذكرته كتب الحديث والتاريخ ممّا جرى على فاطمةعليها‌السلام ، وعلي أمير المؤمنين

____________

١ ـ تهذيب الأحكام ٩ / ٣٢٢.

٢ ـ فيض القدير ٤ / ٣٦٩ ، كنز العمّال ١٢ / ١٨٢ ، الجامع لأحكام القرآن ٤ / ١٧٢.

٣ ـ مسند أحمد ٣ / ١٣٠ و ١٤٣ و ٤ / ٣١٩ ، مجمع الزوائد ١٠ / ٦٨ ، مسند أبي داود : ٩٠ و ٢٧٠ ، مسند أبي يعلى ٦ / ٣٨٠.

٤ ـ فتح الباري ٧ / ٥ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٤ / ٥٦٧ و ٨ / ٥٤٨.

١٤٥

والحسنينعليهم‌السلام ، كُلّ هذا كان في تلك البرهة من الزمن ، وكُلّ الفتن كانت في تلك البرهة من الزمن!!

فكيف يعبّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن تلك الفترة بأنّها ، وفيها سفكت دماء أهل بيتهعليهم‌السلام ، وظلمت ابنته ، وقتل الحسن والحسينعليهما‌السلام ؟!

كُلّ ذلك ، وقد أخبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ما يجري على أهل بيته بأحاديث كثيرة.

ولا تنس عزيزي القارئ فترة بني أُمية التي كانوا يسبّون فيها أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، ويلعنونه على المنابر.

٦ ـ كُلّ ما جرى من محن على أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذلك ما جرى من فتن عمياء ، كُلّ ذلك جرى من أناس شاهدوا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو شاهدوا من شاهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتكون الحجّة عليهم أكمل ، والعقاب أشدّ بكثير ممّن لم تتمّ عليهم الحجّة.

وأخيراً : فإنّ هذا الحديث وأمثاله لا يمكن أن يستند عليه باحث متجرّد عن أيّ تعصّب ، هدفه إصابة الحقّ.

إضافة إلى أنّ اختلاف الأئمة نشأ نتيجة اختلاف القرن الأوّل الذي وقعت فيه الحروب ، وسفكت الدماء وقتل بعضهم بعضاً.

( ـ ـ سنّي )

الرسول لم يصلحهم :

س : لقد قرأت الكثير عن الشيعة أو الرافضة ، ولكن عندي ملاحظة على موضوع الصحابة ، واتهامكم لهم ، ألم يستطع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يصلح الصحابة؟ ألم يستطع أن يحذّرنا منهم؟ وهم من حملوا لنا رسالة الإسلام والقرآن ، وأوصلوه لنا بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ألم يستطع علي رضی‌الله‌عنه أن يخلّصنا منهم؟ وهو أشجع الرجال وأقواهم.

١٤٦

ج : إنّ الشيعة ليس لها عداء شخصي وخصومة مع الصحابة ، بل وبعبارة واضحة : لا تعتقد ولا تلتزم بما سمّوه الآخرين بـ « عدالة الصحابة» ، أي لم تر أصلاً موضوعياً ـ من الكتاب والسنّة والعقل والإجماع ـ في المقام يطهّر الصحابة بأجمعهم عن الخطأ والزلل ، وهذا لم يكن اتهاماً منّا لهم ، بل هو نتيجة متابعة الدليل والعقل.

وأمّا الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو وإن كان يستطيع أن يصلح المنحرف منهم بالقدرة الإلهية والمعجزة ، ولكن ليس هذا دأب الرسل ، ولم تكن وظيفته تفرض عليه أن يعالج كافّة الانحرافات بالقهر والغلبة :( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ) (١) ، وإلاّ فأين دور الامتحان والاختبار؟!

وهكذا كان معاملة الإمام عليعليه‌السلام معهم ، فكان يداريهم ما لم يقفوا في وجه الحكومة ، ثمّ عندما أقدموا على محاربته تصدّى لهم.

وأمّا أنّ رسالة الإسلام والقرآن قد وصلت إلينا بواسطة المنحرفين من الصحابة ، فهذا بهتان عظيم ، بل أنّ المعارف والأحكام كانت لها حملة لا تأخذهم في الله لومة لائم ، وهم أهل البيتعليهم‌السلام ، والخطّ الموالي لهم في مختلف العصور والفترات دون انقطاع ، وحاش للإسلام أن يحتاج لبعض المنحرفين والمنافقين والظلمة ـ وإن تلبّسوا بزيّ الصحابة ـ في نقل ثقافته وفكره إلى الأجيال.

وهنا نشير إلى نكتة مهمّة في مقام النقض وهي : إنّ الكثير من الأنبياء والرسل السابقين على نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم يستطيعوا أن يبلّغوا رسالات ربّهم ، بل قُتلوا وشرّدوا ، فهل يصحّ لنا أن نعترض ونقول : ألم يستطيعوا أن يصلحوا أُمّتهم؟!

القضية ليست قضية استطاعة وعدمها ، وإنّما اختبار وامتحان ، فالأنبياء والرسل بعثوا ليوضّحوا للناس البينات ،( وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ

____________

١ ـ الغاشية : ٢١ ـ ٢٢.

١٤٧

اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ ) (١) ،( وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ ) (٢) ، وذلك :( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (٣) .

وثمّة مسألة أُخرى وهي : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نوّه إلى مسألة ما سيحدث بعده من الاختلاف بين الصحابة ، وأن بعضهم سيضرب رقاب بعض ، وأنّهم سيرجعون بعدّه مرتدّين.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّكم محشورون إلى الله تعالى ، ويؤخذ بقوم منكم ذات الشمال ، فأقول : يا ربّ أصحابي! فيقال لي : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم مذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح :( كُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا توفّيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) (٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليردن عليّ الحوض رجال ممّن صحبني ورآني ، حتّى إذا رفعوا إليّ ورأيتهم اختلجوا دوني ، فلأقولن : ربّ أصحابي أصحابي؟ فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك »(٥) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « بينا أنا قائم فإذا زمرة ، حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلمّ ، فقلتُ : أين؟ قال : إلى النار والله ، قلتُ : ما شأنهم؟ قال : إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقري ، ثمّ إذا زمرة فلا أراهم يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم ، فأقول : أصحابي أصحابي ، فقيل : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : بُعداً بُعداً ـ أو : سحقاً سحقاً ـ لمن بدّل بعدي »(٦) .

____________

١ ـ البقرة : ٩٢.

٢ ـ البقرة : ٩٩.

٣ ـ الأنفال : ٤٢.

٤ ـ المائدة : ١١٧ ، مسند أحمد ١ / ٢٣٥ و ٢٥٣ ، صحيح البخاري ٤ / ١١٠ و ١٤٣ و ٥ / ١٩٢ و ٢٤٠ و ٧ / ١٩٥ ، صحيح مسلم ٨ / ١٥٧.

٥ ـ مسند أحمد ٥ / ٤٨ ، صحيح البخاري ٧ / ٢٠٨ ، صحيح مسلم ٧ / ٧٠ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤١٥ ، مسند ابن راهويه ١ / ٣٧٩.

٦ ـ صحيح البخاري ٧ / ٢٠٨ ، كنز العمّال ١١ / ١٣٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٨ / ١٠٨.

١٤٨

( السيّد يوسف البيومي ـ لبنان ـ ٢٥ سنة ـ طالب جامعة وحوزة )

تفسير آية( محمّد رَّسُولُ اللهِ )

س : إنّ هناك آية في القرآن الكريم تتكلّم عن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والسنّة يستدلّون بها على عدالتهم ، وهذه الآية هي : ( محمّد رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء ) (١) ، فما هو التفسير الحقيقي لهذه الآية؟ وكيف يمكن أن ندحض زعمهم؟ ولكم الأجر والثواب.

ج : ننقل لكم نصّ ما قاله الشيخ المفيدقدس‌سره حول الآية في كتابه « الإفصاح » : « فإن قال : أفليس الله تعالى يقول في سورة الفتح :( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ) ، وقد علمت الكافّة أنّ أبا بكر وعمر وعثمان من وجوه أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورؤساء من كان معه ، وإذا كانوا كذلك فهم أحقّ الخلق ، بما تضمّنه القرآن من وصف أهل الإيمان ، ومدحهم بالظاهر من البيان ، وذلك مانع من الحكم عليهم بالخطأ والعصيان؟!

قيل لهم : إنّ أوّل ما نقول في هذا الباب : أنّ أبا بكر وعمر وعثمان ، ومن تضيفه الناصبة إليهم في الفضل ـ كطلحة والزبير ، وسعد وسعيد ، وأبي عبيدة ، وعبد الرحمن ـ لا يتخصّصون من هذه المدحة بما خرج عنه أبو هريرة وأبو الدرداء ، بل لا يتخصّصون بشيء لا يعمّ عمرو بن العاص ، وأبا موسى الأشعري ، والمغيرة بن شعبة ، وأبا الأعور السلمي ، ويزيد ومعاوية بن أبي سفيان ، بل لا يختصّون منه بشيء دون أبي سفيان صخر بن حرب ، وعبد الله ابن أبي سرح ، والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، والحكم بن أبي العاص ،

____________

١ ـ الفتح : ٢٩.

١٤٩

ومروان بن الحكم ، وأشباههم من الناس ، لأنّ كُلّ شيء أوجب دخول من سمّيتهم في مدحة القرآن ، فهو موجب دخول من سمّيناه ، وعبد الله بن أبي سلول ، ومالك بن نويرة ، وفلان وفلان ، إذ إنّ جميع هؤلاء أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن كان معه ، ولأكثرهم من النصرة للإسلام ، والجهاد بين يدي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والآثار الجميلة والمقامات المحمودة ما ليس لأبي بكر وعمر وعثمان ، فأين موضع الحجّة لخصومنا في فضل من ذكره على غيره؟ من جملة من سمّيناه ، وما وجه دلالتهم منه على إمامتهم ، فإنا لا نتوهّمه ، بل لا يصحّ أن يدّعيه أحد من العقلاء؟!

ثمّ يقال لهم : خبّرونا عمّا وصف الله تعالى به من كان مع نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما تضمّنه القرآن ، أهو شامل لكُلّ من كان معهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الزمان ، أم في الصقع والمكان ، أم في ظاهر الإسلام ، أم في ظاهره وباطنه على كُلّ حال ، أم الوصف به علامة تخصيص مستحقّه بالمدح دون من عداه ، أم لقسم آخر غير ما ذكرناه؟

فإن قالوا : هو شامل لكُلّ من كان مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الزمان أو المكان أو ظاهر الإسلام.

ظهر سقوطهم وبان جهلهم ، وصرّحوا بمدح الكفّار وأهل النفاق ، وهذا ما لا يرتكبه عاقل.

وإن قالوا : إنّه يشمل كُلّ من كان معه على ظاهر الديانة وباطنها معاً ، دون من عددتموه من الأقسام.

قيل لهم : فدلّوا على أئمّتكم وأصحابكم ، ومن تسمّون من أوليائكم ، أنّهم كانوا في باطنهم على مثل ما أظهروه من الإيمان ، ثمّ ابنوا حينئذ على هذا الكلام ، وإلاّ فأنتم مدعون ومتحكّمون بما لا تثبت معه حجّة ، ولا لكم عليه دليل ، وهيهات أن تجدوا دليلاً يقطع به على سلامة بواطن القوم من الضلال ، إذ ليس به قرآن ولا خبر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن اعتمد فيه على غير هذين ، فإنّما اعتمد على الظنّ والحسبان.

١٥٠

وإن قالوا : إنّ متضمّن القرآن من الصفات المخصوصة ، إنّما هي علامة على مستحقّي المدحة من جماعة مظهري الإسلام ، دون أن تكون منتظمة لسائرهم على ما ظنّه الجهّال.

قيل لهم : فدلّوا الآن على من سمّيتموه كان مستحقّاً لتلك الصفات ، لتتوجّه إليه المدحة ، ويتمّ لكم فيه المراد ، وهذا ما لا سبيل إليه حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط.

ثمّ يقال لهم : تأمّلوا معنى الآية ، وحصّلوا فائدة لفظها ، وعلى أيّ وجه تخصص متضمّنها من المدح ، وكيف مخرج القول فيها؟ تجدوا أئمّتكم أصفاراً ممّا ادعيتموه لهم منها ، وتعلموا أنّهم باستحقاق الذمّ وسلب الفضل بدلالتها منهم بالتعظيم والتبجيل من مفهومها ، وذلك أنّ الله تعالى ميّز مثل قوم من أصحاب نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتبه الأُولى ، وثبوت صفاتهم بالخير والتقى في صحف إبراهيم وموسى وعيسىعليهم‌السلام ، ثمّ كشف عنهم بما ميّزهم به من الصفات التي تفرّدوا بها من جملة المسلمين ، وبانوا بحقيقتها عن سائر المقرّبين.

فقال سبحانه :( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ ) وكأنّ تقدير الكلام : إنّ الذين بينت أمثالهم في التوراة والإنجيل من جملة أصحابك ومن معك ـ يا محمّد ـ هم أشدّاء على الكفّار ، والرحماء بينهم الذين تراهم ركّعاً سجّداً ، يبتغون فضلاً من الله ورضواناً.

وجرى هذا في الكلام مجرى من قال : زيد بن عبد الله إمام عدل ، والذين معه يطيعون الله ، ويجاهدون في سبيل الله ، ولا يرتكبون شيئاً ممّا حرّم الله ، وهم المؤمنون حقّاً دون من سواهم ، إذ هم أولياء الله الذين تجب مودّتهم دون من معه ممّن عداهم ، وإذا كان الأمر على ما وصفناه ، فالواجب أن تستقرئ الجماعة في طلب هذه الصفات ، فمن كان عليها منهم فقد توجّه إليه المدح

١٥١

وحصل له التعظيم ، ومن كان على خلافها ، فالقرآن إذاً منبّه على ذمّه ، وكاشف عن نقصه ، ودالّ على موجب لومه ، ومخرج له عن منازل التعظيم.

فنظرنا في ذلك واعتبرناه ، فوجدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وجعفر بن أبي طالب ، وحمزة بن عبد المطلب ، وعبيدة بن الحارث ، وعمّار بن ياسر ، والمقداد ابن الأسود ، وأبا دجانة ـ وهو سمّاك بن خرشة الأنصاري ـ وأمثالهم من المهاجرين والأنصار ( رضي الله عنهم ) ، قد انتظموا صفات الممدوحين من الصحابة في متضمّن القرآن.

وذلك أنّهم بارزوا من أعداء الملّة الأقران ، وكافحوا منهما الشجعان ، وقتلوا منهم الأبطال ، وسفكوا في طاعة الله سبحانه دماء الكفّار ، وبنوا بسيوفهم قواعد الإيمان ، وجلوا عن نبيّهمصلى‌الله‌عليه‌وآله الكرب والأحزان ، وظهر بذلك شدّتهم على الكفّار ، كما وصفهم الله تعالى في محكم القرآن ، وكانوا من التواصل على أهل الإسلام ، والرحمة بينهم على ما ندبوا إليه ، فاستحقّوا الوصف في الذكر والبيان.

فأمّا إقامتهم الصلاة وابتغاؤهم من فضل الله تعالى القربات ، فلم يدفعهم عن علو الرتبة في ذلك أحد من الناس ، فثبت لهم حقيقة المدح لحصول مثلهم فيما أخبر الله تعالى عنهم في متقدّم الكتب ، واستغنينا بما عرفنا لهم ممّا شرحناه في استقراء غيرهم ، ممّن قد ارتفع في حاله الخلاف ، وسقط الغرض بطلبه على الاتفاق.

ثمّ نظرنا فيما ادعاه الخصوم لأجل أئمّتهم ، وأعظمهم قدراً عندهم من مشاركة من سمّيناه فيما ذكرنا من الصفات وبيّناه ، فوجدناهم على ما قدّمناه من الخروج عنها ، واستحقاق أضدادها على ما رسمناه.

وذلك أنّه لم يكن لأحد منهم مقام في الجهاد ، ولا عرف لهم قتيل من الكفّار ، ولا كلّم كلاماً في نصرة الإسلام ، بل ظهر منه الجزع في مواطن القتال ، وفرّ في يوم خيبر وأُحد وحنين ، وقد نهاهم الله تعالى عن الفرار ، وولّوا

١٥٢

الأدبار ، مع الوعيد لهم على ذلك في جلي البيان ، وأسلموا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للحتوف في مقام بعد مقام ، فخرجوا بذلك عن الشدّة على الكفّار ، وهان أمرهم على أهل الشرك والضلال ، وبطل أن يكونوا من جملة المعنيين بالمدحة في القرآن ، ولو كانوا على سائر ما عدا ما ذكرناه من باقي الصفات ، وكيف وأنّى يثبت لهم شيء منها بضرورة ولا استدلال ، لأنّ المدح إنّما توجّه إلى من حصل له مجموع الخصال في الآية دون بعضها ، وفي خروج القوم من البعض بما ذكرناه ، ممّا لا يمكن دفعه إلاّ بالعناد ، ووجوب الحكم عليهم بالذمّ بما وصفناه؟! وهذا بيّن جلي والحمد لله.

ثمّ يقال لهم : قد روى مخالفوكم عن علماء التفسير من آل محمّدعليهم‌السلام : أنّ هذه الآية إنّما نزلت في أمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمّةعليهم‌السلام من بعدهم خاصّة دون سائر الناس ، وروايتهم لما ذكرنا عمّن سمّينا أولى بالحقّ والصواب ، ممّا ادعيتموه بالتأويل والظنّ الحسبان والرأي ، لإسنادهم مقالتهم في ذلك إلى من ندب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الرجوع إليه عند الاختلاف ، وأمر باتباعه في الدين ، وأمن متبعه من الضلال.

ثمّ إنّ دليل القرآن يعضده البيان ، وذلك أنّ الله تعالى أخبر عمّن ذكره بالشدّة على الكفّار ، والرحمة لأهل الإيمان ، والصلاة له ، والاجتهاد في الطاعات ، بثبوت صفته في التوراة والإنجيل ، وبالسجود لله تعالى وخلع الأنداد ، ومحال وجود صفة ذلك لمن سجوده للأوثان ، وتقرّبه لللات والعزّى دون الله الواحد القهّار ، لأنّه يوجب الكذب في المقال ، أو المدحة بما يوجب الذمّ من الكفر والعصيان.

وقد اتفقت الكافّة على أنّ أبا بكر وعمر وعثمان ، وطلحة والزبير ، وسعداً وسعيداً ، وأبا عبيدة وعبد الرحمن ، قد عبدوا قبل بعثة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الأصنام ، وكانوا دهراً طويلاً يسجدون للأوثان من دون الله تعالى ، ويشركون به الأنداد ، فبطل أن تكون أسماؤهم ثابتة في التوراة والإنجيل ، بذكر السجود على ما نطق به القرآن ، وثبت لأمير المؤمنين والأئمّة من ذرّيتهعليهم‌السلام ذلك ، للاتفاق على أنّهم لم يعبدوا قط غير الله تعالى ، ولا سجدوا لأحد سواه ، وكان

١٥٣

مثلهم في التوراة والإنجيل واقعاً موقعه على ما وصفناه ، مستحقّاً به المدحة قبل كونه ، لما فيه من الإخلاص لله سبحانه على ما بيّناه.

ووافق دليل ذلك برهان الخبر عمّن ذكرناه ، من علماء آل محمّدعليهم‌السلام ، بما دلّ به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من مقاله الذي اتفق العلماء عليه ، وهذا أيضاً ممّا لا يمكن التخلّص منه مع الإنصاف.

ثمّ يقال لهم : خبّرونا عن طلحة والزبير ، أهما داخلان في جملة الممدوحين بقوله تعالى :( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ ) إلى آخره ، أم غير داخلين في ذلك؟

فإن قالوا : لم يدخل طلحة والزبير ونحوهما في جملة القوم.

خرجوا من مذاهبهم ، وقيل لهم : ما الذي أخرجهم من ذلك ، وأدخل أبا بكر وعمر وعثمان ، فكُلّ شيء تدعونه في استحقاق الصفات ، فطلحة والزبير أشبه أن يكونا عليها منهم ، لما ظهر من مقاماتهم في الجهاد ، الذي لم يكن لأبي بكر وعمر وعثمان فيه ذكر على جميع الأحوال؟!

فلا يجدون شيئاً يعتمدون عليه في الفرق بين القوم ، أكثر من الدعوى الظاهرة الفساد.

وإن قالوا : إنّ طلحة والزبير في جملة القوم الممدوحين بما في الآية.

قيل لهم : فهلاّ عصمهما المدح الذي ادعيتموه لهم ، من دفع أمير المؤمنينعليه‌السلام عن حقّه ، وإنكار إمامته ، واستحلال حربه ، وسفك دمه ، والتديّن بعداوته على أيّ جهة شئتم : كان ذلك من تعمّد ، أو خطأ ، أو شبهة ، أو عناد ، أو نظر ، أو اجتهاد!

فإن قالوا : إنّ مدح القرآن ـ على ما يزعمون ـ لم يعصمهما من ذلك ، ولابدّ من الاعتراف بما ذكرناه ، لأنّ منع دفعه جحد الاضطرار.

قيل لهم : فبما تدفعون أنّ أبا بكر وعمر وعثمان ، قد دفعوا أمير المؤمنينعليه‌السلام عن حقّه ، وتقدّموا عليه وكان أولى بالتقدّم عليهم ، وأنكروا إمامته وقد كانت ثابتة ، ودفعوا النصوص عليه وهي له واجبة ، ولم يعصمهم

١٥٤

ذلك ، ثمّ توجّه المدح لهم من الآية ، كما لم يعصم طلحة والزبير ممّا وصفناه ، ووقع منهم في إنكار حقّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما وقع من الرجلين المشاركين لهم فيما ادعيتموه من مدح القرآن ، وعلى الوجه الذي كان منهما ذلك ، من تعمّد أو خطأ أو شبهة أو اجتهاد أو عناد؟ وهذا ما لا سبيل لهم إلى دفعه ، وهو مبطل لتعلّقهم بالآية ، ودفع أئمّتهم عن الضلالة ، وإن سلم لهم منها ما تمنّوه تسليم جدل للاستظهار.

ويؤكّد ذلك : أنّ الله تعالى مدح من وصف بالآية ، بما كان عليه في الحال ، ولم يقض بمدحه له على صلاح العواقب ، ولا أوجب العصمة له من الضلال ، ولا استدامة لما استحقّ به المدحة في الاستقبال.

ألا ترى أنّه سبحانه قد اشترط في المغفرة لهم والرضوان ، الإيمان في الخاتمة ، ودلّ بالتخصيص لمن اشترط له ذلك ، على أنّ في جملتهم من يتغيّر حاله ، فيخرج عن المدح إلى الذمّ واستحقاق العقاب ، فقال تعالى فيما اتصل به من وصفهم ومدحهم بما ذكرناه من مستحقّهم في الحال :( كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (١) .

فبعضهم في الوعد ولم يعمهم به ، وجعل الأجر مشترطاً لهم بالأعمال الصالحة ، ولم يقطع على الثبات ، ولو كان الوصف لهم بما تقدّم موجباً لهم الثواب ، ومبيّناً لهم المغفرة والرضوان ، لاستحال الشرط فيهم بعده وتناقض الكلام ، وكان التخصيص لهم موجباً بعد العموم ظاهر التضاد ، وهذا ما لا يذهب إليه ناظر ، فبطل ما تعلّق به الخصم من جميع الجهات ، وبان تهافته على اختلاف المذاهب في الأجوبة والإسقاطات ، والمنّة لله »(٢) .

____________

١ ـ الفتح : ٢٩.

٢ ـ الإفصاح : ١٣٩.

١٥٥

( عبد الله النمر ـ السعودية ـ )

حقيقة الخلاف حولهم بين الشيعة والسنّة :

س : أُريد معرفة حقيقة الخلاف بين الشيعة وأهل السنّة في مسألة الصحابة؟

ج : الكلام حول عدالة الصحابة عنوان وتعبير لا يرسم حقيقة الخلاف بين الشيعة الإمامية وأهل السنّة ، لأنّ الخلاف ليس في كُلّ الصحابة ، فانّ الإمامية تعدل الصحابة ممّن تابع ووالى علياًعليه‌السلام ـ كسلمان والمقداد وعمّار وأبي ذر ، وخالد بن سعيد بن العاص وأخيه ، وابن التيّهان وذي الشهادتين ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وأبي بردة الأسلمي ، وغيرهم جمع غفير ممّن والى علياًعليه‌السلام ـ وكذلك غالب وجلّ الأنصار فإنّهم ممدوحون عندهم.

وإنّما الخلاف حقيقة هو في أصحاب السقيفة ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإنّ القرآن الكريم قد نطق بوجود المنافقين ، والذين في قلوبهم مرض ، والمرجفون ، ومنهم الذين يلمزون رسول الله في الصدقات ، ومنهم الذين يؤذون النبيّ ، ويقولون : هو أُذن ، ومنهم من عاهد الله ونكث ، ومنهم الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين ، ومنهم المخلّفون بمقعدهم ، ومنهم الخوالف ، ومنهم المعذرون ، ومنهم الذين مردوا على النفاق ، ومنهم المرجون ، ومنهم الذين ارتابت قلوبهم ، ومنهم الذين ابتغوا الفتنة ، ومنهم أهل الإفك ، وغيرهم من الطوائف التي نصّ عليها القرآن ، فكما قد مدح طائفة منهم ، فقد ذمّ طوائف عديدة كثيرة ، أفتؤمنون ببعض وتكفرون ببعض؟!

وفي سورة المدّثر ـ وهي رابع سورة من البعثة ، نزلت على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يشير القرآن إلى اندساس مجموعة في صفوف المسلمين الأوائل ، ويطلق عليهم اسم( الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ) (١) ، أي ممّن يظهر الإسلام ويبطن المرض في قلبه ، وقد فسّرت سورة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله معنى المرض ، وهو الظغينة والعداء للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________

١ ـ المائدة : ٥٢.

١٥٦

وخاصّته ، وقد ذمّ القرآن بعض أهل بدر في سورة الأنفال ، كما ذمّ بعض أهل أُحد في سورة آل عمران ، كما ذمّ طوائف من الصحابة في واقعة الأحزاب في سورة الأحزاب وسورة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذمّ جماعة منهم في واقعة حنين.

بل في واقعة أُحد قال تعالى :( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (١) .

وقد اشترط القرآن الكريم لنجاة الصحابي وكُلّ مسلم شرائط ، إن وفى بها نجى وسلم وفاز ، وإلاّ فيهلك ويخسر ، لقوله تعالى مخاطباً أصحاب بيعة الرضوان :( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) (٢) ، فالناكث هالك منهم بحكم القرآن الكريم ، ومن ثمّ اصطلح بين الصحابة اشتراط أن لا يبدّل الواحد منهم في الدين ، ولا يحدث حدث.

وفي ذيل سورة الفتح ، وعد القرآن بعض الذين مع الرسول بالنجاة فقال :( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (٣) ، فقال تعالى :( مِنْهُم ) أي بعضهم لا كُلّهم.

وقد روى البخاري ومسلم في كتاب الفتن والعلم : إنّ جمع من الصحابة يرتدّون على أدبارهم القهقري بعد رسول الله ، ويبعدون عن حوض الكوثر ، ويختلسون دون رسول الله ، فيقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ربّ أصحابي أصحابي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً »(٤) .

____________

١ ـ آل عمران : ١٤٤.

٢ ـ الفتح : ١٠.

٣ ـ الفتح : ٢٩.

٤ ـ مسند أحمد ٢ / ٣٠٠ و ٣ / ٢٨ و ٥ / ٣٣٣ ، صحيح البخاري ٧ / ٢٠٨ و ٨ / ٨٧ ، صحيح مسلم ١ / ١٥١ و ٧ / ٦٦ ، السنن الكبرى للبيهقي ٤ / ٧٨.

١٥٧

( خالد ـ الجزائر ـ ٢٧ سنة ـ التاسعة أساسي )

عدم ثبوت توبة طلحة والزبير :

س : هل ثبتت توبة الزبير ابن العوام بعد محاربته للإمام عليعليه‌السلام ؟

إذ إنّ كثيراً من المصادر التاريخية تذكر أنّ الزبير انسحب من المعركة بعد أن ذكّره أمير المؤمنينعليه‌السلام بكلام ، فتبعه ابن جرموز فقتله ، وهو يصلّي ، وأصبح ابن جرموز فيما بعد من كبار الخوارج.

وهل صحّت توبة طلحة ، إذ إنّ المصادر تذكر أن مروان بن الحكم قتله أثناء المعركة؟ حتّى يختلط الحابل بالنابل ، فهل أراد طلحة الانسحاب من المعركة ـ كالزبير ـ فقتله مروان حتّى لا يتمّ الصلح؟

ج : إنّ طلحة والزبير قد ضلاّ وأضلاّ الكثير بنكثهما البيعة مع أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وبهذا أصبحا جاحدين لإمام زمانهما ، وشملهما الحديث : «من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية »(١) .

وأيضاً قد فقدا إيمانهما بخروجهما على إمام زمانهما ، فاعتُبرا من الغاوين المنحرفين.

وأمّا توبتهما فلم تثبت بطريق صحيح ، لأنّهما قُتلا وهما مصمّمان على الحرب مقيمان على الفسق ، ولو كانا تائبين للزمهما أن يصرّحا بخطئهما ، وظلمهما واعتداءاتهما ، ثمّ كان يجب عليهما الحضور في معسكر الإمامعليه‌السلام ، وإطاعة أوامره ونواهيه ، لا الانسحاب والفرار من المعركة ؛ إذ قد يحتمل أن انسحاب الزبير كان بسبب بدو العجز والانكسار في معسكر الضلال.

وأمّا قضية طلحة فهي أوضح ، لأنّه كان عازماً على الاستمرار في القتال إلى أن غدر به صاحبه.

____________

١ ـ كتاب السنّة : ٤٨٩ ، مجمع الزوائد ٥ / ٢٢٥ ، مسند أبي يعلى ١٣ / ٣٦٦ ، المعجم الأوسط ٦ / ٧٠.

١٥٨

وبالجملة : فهما إلى النار ، ولا سبيل إلى فرض صحّة توبتهما ؛ وهذا ما عليه أعلام الشيعة ، كالشيخ المفيد وغيره من وجوه الطائفة.

( فراس العبدواني ـ ـ )

لا يصحّ الترضي على جميعهم :

س : هل صحيح أنّه يستحبّ الترضي للصحابة ، ولا يصحّ أن يقال بعد ذكر اسم الإمام علي بقول عليه‌السلام أو ( كرّم الله وجهه ) ، والصحيح أن يقال : رضی‌الله‌عنه .

ج : هذه دعوى بلا دليل ، إذ إنّ من الصحابة :

١ ـ يسار بن سبع ـ المعروف بأبي الغادية الجهني ـ وهو من الصحابة بإجماع أهل السنّة ، وهو قاتل عمّار بن ياسررضی‌الله‌عنه ، وقد صحّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : « قاتل عمّار وسالبه في النار »(١) ، فهذا الشخص في النار بشهادة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما اعترف شيخ الوهّابية ناصر الدين الألباني ، فكيف ترضى على أهل النار؟!

٢ ـ مسلم بن عقبة المري ، ذكره ابن عساكر وابن حجر من الصحابة(٢) ، وهو الذي غزا المدينة ، واستباح بنات الصحابة والتابعين ، وقد صحّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : «من آذى أهل المدينة آذاه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة »(٣) ، واعترف النووي بأنّه من أهل النار ، فكيف تترضى عليه؟!

٣ ـ بسر بن أرطاة ، قد أوقع بأهل المدينة ومكّة أفعال قبيحة ، وآذى الصحابة ، وارتكب الأُمور العظام منها ما نقله أهل الأخبار والحديث : من ذبحه عبد الرحمن وقثم ابني عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب ، وهما

____________

١ ـ المستدرك ٣ / ٣٨٧ ، مجمع الزوائد ٧ / ٢٤٤ و ٩ / ٢٩٧ ، الآحاد والمثاني ٢ / ١٠٢ ، الجامع الصغير ٢ / ٢٣٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٣ / ٤٧٤.

٢ ـ تاريخ مدينة دمشق ٥٨ / ١٠٢ ، الإصابة ٦ / ٢٣٢.

٣ ـ مجمع الزوائد ٣ / ٣٠٧ ، الجامع الصغير ٢ / ٥٤٧ ، كنز العمّال ١٢ / ٢٣٧ ، فيض القدير ٦ / ٢٥.

١٥٩

صغيران بين يدي أُمّهما ، وكان معاوية سيّره إلى الحجاز واليمن ليقتل شيعة علي ، ويأخذ البيعة له ، فسار إلى المدينة ففعل بها أفعالاً شنيعة ، وسار إلى اليمن ففعل فيها كذلك.

وقال الدارقطني : « بسر بن أرطاة له صحبة ، ولم تكن له استقامة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودخل المدينة فهرب منه كثير من أهلها ، وقتل فيها كثيراً ، وأغار على همدان باليمن ، وسبى نساءهم ، فكنّ أوّل مسلمات سُبين في الإسلام »(١) .

فكيف ترضى على القتلة المستبيحين للنفس المحرّمة ، وللزنا؟!

٤ ـ معاوية بن خديج أو حديج ، ذكروا في ترجمته أنّه كان صحابياً ، وكان من أسبّ الناس لعليعليه‌السلام ، وقد صحّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : « من سبّ علياً فقد سبّني »(٢) ، فكيف تترضى على رجل يسبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

٥ ـ المغيرة بن شعبة ، ولي لمعاوية الكوفة ، وكان ينال من عليعليه‌السلام ، ولم يكتفِ بذلك ، بل أمر الولاة بالنيل منه ، وقد صحّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : «ولا يحبّه إلاّ مؤمن ، ولا يبغضه إلاّ منافق »(٣) ، فكيف تترضى على المنافقين؟!

٦ ـ مروان بن الحكم ، كان يسبّ علياًعليه‌السلام ، فكيف تترضى عليه؟!

٧ ـ معاوية بن أبي سفيان ، كان يسبّ علياً ، ويأمر الولاة بسبّه ، فكيف تترضى عليه؟!

____________

١ ـ أُسد الغابة ١ / ١٨٠ ، تهذيب ٤ / ٦٢.

٢ ـ مسند أحمد ٦ / ٣٢٣ ، ذخائر العقبى : ٦٦ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢١ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٣٣ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٩ ، نظم درر السمطين : ١٠٥ ، الجامع الصغير ٢ / ٦٠٨ ، كنز العمّال ١١ / ٥٧٣ و ٦٠٢ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٣٢ و ٣٠ / ١٧٩ و ٤٢ / ٢٦٦ و ٥٣٣ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩١ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٥٠ و ٢٩٤ ، ينابيع المودّة ١ / ١٥٢ و ٢ / ١٠٢ و ١٥٦ و ٢٧٤ و ٣٩٥ ، جواهر المطالب ١ / ٦٥.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ٨ / ١١٩ و ٩ / ١٧٢ و ١٨ / ٢٤ ، كنز العمّال ١٤ / ٨١ ، تاريخ مدينة دمشق ١٢ / ٣٩٨ و ٤٢ / ١٣٤ و ٢٧٩ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٤١١ ، جواهر المطالب ١ / ٢٥٠ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٧٩ و ٤٩٢.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

معتزلي قدري جهمي لما كان يظهر من السنن الصحيحة التي ينكرها المعتزلة، وأنى يبلغ أبو بكر بن عياش حماد ابن سلمة في إتقانه أم في جمعه أم في ضبطه. هذا كله كلام أبي حاتم بن حبان البستي.

.... واعتذر أبوالفضل بن طاهر عن ذلك لما ذكر أن مسلماً أخرج أحاديث أقوام ترك البخاري حديثهم، قال: وكذلك حماد بن سلمة إمام كبير لمدحه الائمة وأطنبوا لما تكلم بعض منتحلي المعرفة أن بعض الكذبة أدخل في حديثه ما ليس منه. لم يخرج عنه البخاري معتمداً عليه، بل استشهد به في مواضع ليبين أنه ثقة، وأخرج أحاديثه التي يرويها من حديث أقرانه كشعبة وحماد بن زيد وأبي عوانة وغيرهم.

ومسلم اعتمد عليه لأنه رأى جماعة من أصحابه القدماء والمتأخرين لم يختلفوا وشاهد مسلم منهم جماعة وأخذ عنهم. ثم عدالة الرجل في نفسه وإجماع أئمة أهل النقل على ثقته وأمانته!!

نعيم بن حمّاد

- التاريخ الكبير ج ٨ ص ١٠٠

نعيم بن حماد المروزي سكن مصر كنيته أبو عبد الله سمع ابن المبارك وابن عيينة والفضل بن موسى، هو الفارض....

- الجرح والتعديل ج ٨ ص ٤٦٣

نعيم بن حماد وكنيته أبو عبد الله المروزي الخزاعي الاعور المعروف بالفارض سكن مصر روى عن عبد الموَمن بن خالد... مات سنة ثمان وعشرين ومئتين...

بعض مناكيره ورواياته في التجسيم

- ميزان الإعتدال ج ٢ ص ١٠٢

نعيم بن حماد، حدثنا عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، عن سعيد بن

٢٤١

المسيب، عن عمر - مرفوعاً: سألت ربي فيما اختلف فيه أصحابي من بعدي، فأوحى الله إليّ: يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم بعضهم أضوأ من بعض، فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى. فهذا باطل، وعبد الرحيم تركوه، ونعيم صاحب مناكير.

- ميزان الإعتدال ج ٤ ص ٢٦٨

قال أبو داود: كان عند نعيم بن حماد نحو عشرين حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ليس لها أصل. وقال النسائي: هو ضعيف.

وقال أبو زرعة الدمشقي: عرضت على دحيم حديثاً حدثناه نعيم بن حماد، عن الوليد بن مسلم، عن ابن جابر، عن ابن أبي زكريا، عن رجاء بن حياة، عن النواس بن سمعان: إذا تكلم الله بالوحي.... فقال دحيم: لا أصل له.

نعيم بن حماد، حدثنا ابن وهب، حدثنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن مروان بن عثمان، عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل أنها سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت ربي في أحسن صورة شابا موقرا رجلاه في خضرة عليه نعلان من ذهب. قال أبو عبد الرحمن النسائي: ومن مروان حتى يصدق على الله تعالى! وقد سرد ابن عدي في الكامل جملة أحاديث انفرد بها نعيم...

- سير أعلام النبلاء ج ١٣ ص ٢٩٩

عن ابن قتيبة: وما أحسن قول نعيم بن حماد، الذي سمعناه بأصح إسناد عن محمد ابن إسماعيل الترمذي، أنه سمعه يقول: من شبه الله بخلقه، فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه، فقد كفر، وليس ما وصف به نفسه ولا رسوله تشبيهاً.

قلت: أراد أن الصفات تابعة للموصوف، فإذا كان الموصوف تعالى: صفاته لا مثل لها، إذ لا فرق بين القول في الذات والقول في الصفات، وهذا هو مذهب السلف. انتهى.

٢٤٢

وهكذا يدافع الذهبي عن تشبيه ابن حماد وتجسيمه، وقد صحح خبر أم الطفيل كما سترى!

- تهذيب التهذيب ج ١٠ ص ٤٠٩

وقال صالح بن محمد الاسدي في حديث شعيب عن الزهري كان محمد بن جبير يحدث عن معاوية في: الأمراء من قريش، والزهري إذا قال كان فلان يحدث فليس هو سماع. قال: وقد روى هذا الحديث نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن محمد بن جبير عن معاوية نحوه، وليس لهذا الحديث أصل من ابن المبارك! ولا أدري من أين جاء به نعيم! وكان نعيم يحدث من حفظه وعنده مناكير كثيرة لايتابع عليها. قال: وسمعت يحيى بن معين سئل عنه فقال ليس في الحديث بشيء ولكنه صاحب سنة.

وقال الآجري عن أبي داود عند نعيم نحو عشرين حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس لها أصل. وقال النسائي نعيم ضعيف، وقال في موضع آخر ليس بثقة... وقال غيره: كان يضع الحديث في تقوية السنة!! وحكايات في ثلب أبي حنيفة كلها كذب....

وقال أبو الفتح الأزدي: قالوا كان يضع الحديث في تقوية السنة!! وحكايات مزورة في ثلب أبي حنيفة كلها كذب... قال النسائي ضعيف...

- سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ٥٩٥

قال عبد الخالق بن منصور: رأيت يحيى بن معين كأنه يهجن نعيم بن حماد في خبر أم الطفيل في الرؤية ويقول: ما كان ينبغي له أن يحدث بمثل هذا....

فأما خبر أم الطفيل، فرواه محمد بن إسماعيل الترمذي وغيره، حدثنا نعيم، حدثنا ابن وهب، أخبرنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال أن مروان بن عثمان حدثه عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل امرأة أُبي بن كعب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أنه رأى ربه في صورة كذا. فهذا خبر منكر جدا،

٢٤٣

أحسن النسائي حيث يقول: ومن مروان بن عثمان حتى يصدق على الله!

وهذا لم ينفرد به نعيم، فقد رواه أحمد بن صالح المصري الحافظ، وأحمد بن عيسى التستري، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب، عن ابن وهب. قال أبو زرعة النصري: رجاله معروفون.

قلت: بلا ريب قد حدث به ابن وهب وشيخه وابن أبي هلال وهم معروفون عدول، فأما مروان، وما أدراك ما مروان، فهو حفيد أبي سعيد بن المعلى الانصاري، وشيخه هو عمارة بن عامر بن عمرو بن حزم الانصاري. ولئن جوزنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، فهو أدرى بما قال!! ولرؤياه في المنام تعبير لم يذكرهعليه‌السلام ، ولا نحن نحسن أن نعبره، فأما أن نحمله على ظاهره الحسي، فمعاذ الله أن نعتقد الخوض(!) في ذلك بحيث إن بعض الفضلاء قال: تصحف الحديث، وإنما هو: رأى رئية، بياء مشددة. وقد قال عليرضي‌الله‌عنه : حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون. وقد صح أن أبا هريرة كتم حديثا كثيرا مما لا يحتاجه المسلم في دينه، وكان يقول: لو بثثته فيكم لقطع هذا البلعوم، وليس هذا من باب كتمان العلم في شيء، فإن العلم الواجب يجب بثه ونشره ويجب على الامة حفظه، والعلم الذي في فضائل الاعمال مما يصح إسناده يتعين نقله ويتأكد نشره، وينبغي للامة نقله، والعلم المباح لا يجب بثه ولا ينبغي أن يدخل فيه إلا خواص العلماء.!! انتهى.

فقد صحح الذهبي حديث أم الطفيل وفسره بالظاهر الحسي المادي، ثم حبذ عدم الخوض فيه! وهذا هو مذهبه ومذهب ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، كما بينا في كتاب الوهابية والتوحيد.

- وقال ابن كثير في تفسيره، في قوله تعالى: ثم استوى على العرش - الأعراف٥٤: بل الأمر كما قال الأئمة، منهم نعيم بن حمادالخزاعي شيخ البخاري: من شبه الله بخلقه فقد كفر. ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر. وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه!

٢٤٤

- قال السبكي الكبير في السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل - ومعه تكملة الرد على نونية ابن القيم للكوثري - مكتبة زهران بمصر. وابن زفيل هو ابن القيم وزفيل اسم أبيه الذي كان قيما للمدرسة الجوزية وهي مدرسة للحنابلة بدمشق فعرف باسم ابن قيم الجوزية.

- قال في ص ٢٠٥:

ومما يزيدك بصيرة في هذا الباب اجتراء الذهبي على حذف لفظ (إن صحت الحكاية عنه) من كلام البيهقى في الأسماء والصفات (ص ٣٠٣) عندما نقل كلامه في كتاب العلو (ص ١٢٦) في صدد نسبة القول بأن الله في السماء الى أبي حنيفة ليخيل الى السامع أن سند هذه الرواية لا مغمز فيه!

مع أن نوحاً الجامع ربيب مقاتل بن سليمان المجسم في السند هالك مثل زوج أمه، وكذلك نعيم بن حماد ربيب نوح وقد ذكره كثير من أئمة أصول الدين في عداد المجسمة! فأين التعويل على رواية مجسم فيما يحتج به لمذهبه؟! وليس بقليل ما ذكره الذهبي في حقهما في ميزان الاعتدال..

ومع ذلك وثّقوا نعيماً لأنه صلب في السنة!!

- سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ٥٩٥

نعيم بن حماد بن معاوية ابن الحارث بن همام بن سلمة بن مالك، الامام العلامة الحافظ، أبو عبد الله الخزاعي المروزي الفرضي الأعور... روى عنه: البخاري مقرونا بآخر، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة بواسطة، ويحيى بن معين، والحسن بن علي الحلواني، وأحمد بن يوسف السلمي، ومحمد بن يحيى الذهلي،ومحمد بن عوف، والرمادي، وأبومحمد الدارمي، وسمويه، وأ بوالدرداء عبد العزيز بن منيب، وعبيد بن شريك البزار، وأبو حاتم، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، ويعقوب الفسوي، و أبو الأحوص العكبري، وبكر بن سهل الدمياطي، وخلقٌ...

٢٤٥

- تهذيب التهذيب ج ١٠ ص ٤٠٩

روى عنه البخاري مقروناً وروى له الباقون سوى النسائي بواسطة... وقال الميموني عن أحمد: أول من عرفناه يكتب المسند نعيم. وقال الخطيب يقال إنه أول من جمع المسند.

وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: كان نعيم كاتباً لابي عصمة وهو شديد الرد على الجهمية وأهل الاهواء ومنه تعلم نعيم بن حماد....

وقال أيضاً: ثنا الحسن بن سفيان ثنا عبد العزيز بن سلام حدثني أحمد بن ثابت أبويحيى سمعت أحمد ويحيى بن معين يقولان: نعيم معروف بالطلب، ثم ذمه بأنه يروي عن غير الثقات....

قال ابن عدي وابن حماد متهم فيما يقوله عن نعيم لصلابته في أهل الرأي وأورد له ابن عدي أحاديث مناكير وقال: وليعلم غير ما ذكرت. وقد أثنى عليه قوم وضعفه قوم وكان أحد من يتصلب في السنة.

- تهذيب التهذيب ج ١٠ ص ٤١١

قال عبد الغني بن سعيد المصري: كل من حدث به عن عيسى بن يونس غير نعيم بن حماد فإنما أخذه من نعيم. وبهذا الحديث سقط نعيم عند كثير من أهل العلم بالحديث إلا أن يحيى ابن معين لم يكن ينسبه إلى الكذب بل كان ينسبه إلى الوهم.... وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ ووهم.... أما نعيم فقد ثبتت عدالته وصدقه ولكن في حديثه أوهام معروفة... قال فيه الدارقطني إمام في السنة كثير الوهم. وقال أبو أحمد الحاكم ربما يخالف في بعض حديثه وقد مضى أن ابن عدي يتتبع ما وهم فيه، فهذا فصل القول فيه.

- هامش سير أعلام النبلاء ج ١٩ ص ٥٠٥

هو نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي نزيل مصر، مشهور من الحفاظ، لقيه البخاري ولكنه لم يخرج عنه في الصحيح سوى موضع أو

٢٤٦

موضعين، وعلق له أشياء أخر، وروى له مسلم في المقدمة موضعاً واحداً، وأصحاب السنن إلا النسائي، وكان أحمد يوثقه، وكذا في رواية عن ابن معين، وسئل عنه ابن معين فقال: ليس في الحديث بشيء ولكنه صاحب سنة، وقال الآجري عن أبي داود: عند نعيم نحو عشرين حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس لها أصل، وقال النسائي: نعيم ضعيف، وقال في موضع آخر: ليس بثقة، وقال الحافظ أبوعلي النيسابوري: سمعت النسائي يذكر فضل نعيم بن حماد وتقدمه في العلم والمعرفة بالسنن، فقيل له في قبول حديثه، فقال: قد كثر تفرده عن الائمة فصار في حد من لا يحتج به. وقال ابن قاسم: كان صدوقاً وهو كثير الخطأ، وله أحاديث منكرة (في الملاحم) انفرد بها. وقال الدارقطني: إمام في السنة كثير الوهم.

**

٢٤٧

الفصل السادس

مكانة المشبّهين والمجسّمين في مصادر إخواننا

لا نحتاج إلى إثبات احترام مصادر إخواننا السنة لأهل التشبيه والتجسيم، بعد أن كشفنا أن التشبيه والتجسيم دخل إلى المسلمين من كعب الأحبار وجماعته، عن طريق أكبر شخصيات الدولة الإسلامية، وبذلك شقت أحاديثه طريقها إلى مصادرهم، فصارت جزء من عقائد الأمة وتاريخها، وتأثر بها علماء وجماهير! وتحقق قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن تقليد المسلمين لليهود والنصارى: حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل!

إنه بحث مفيد أن يتتبع الباحث مجرى هذه الأحاديث وتأثيرها على حياة الأمة الفكرية والإجتماعية والسياسية، ويؤرخ لقصة التجسيم والمجسمين ابتداء من كعب الأحبار.. إلى.. عصرنا، وما سببته من انقسامات في الأمة وصراعات، وحروب وخسارات..

ونكتفي هنا بلقطات من عصور مختلفة يظهر منها احترام أكثر المصادر وأكثر الحكام للتجسيم والمجسمين.

٢٤٨

وهب بن منبّه: فارسي، يهودي، مجسّم محترم وشيخ للمحدّثين

- روى عنه الصنعاني في تفسيره كثيراً من أفكار التوراة والتلمود في التجسيم، منها في ج ١ ص ٢١٦: عن وهب بن منبه.... لما أكل آدم وحواء من الشجرة بدت لهما سوآتهما دخل آدم في جوف الشجرة فناداه ربه أين أنت يا آدم؟

قال: ها هنا يا رب.

قال: ألا تخرج؟

قال: أستحي منك يا رب!

فقال: ملعونة الأرض التي خلقت منها!

- ورواه الطبري مفصلاً في تاريخه ج ١ ص ٧٢ ، وروى عنه أنواعاً من الإسرائيليات تكفي للتدليل على أن ثقافة وهب يهودية تلمودية، فمما رواه في تاريخه ج ١ ص٣٣٧: عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه قال: لما سلمت بنو إسرائيل الملك لطالوت أوحى الله إلى نبي بني إسرائيل أن قل لطالوت فليغز أهل مدين فلا يترك فيها حياً إلا قتله، فإني سأظهره عليهم، فخرج بالناس حتى أتى مدين فقتل من كان فيها إلا ملكهم فإنه أسره وساق مواشيهم.

فأوحى الله إلى أشمويل: ألا تعجب من طالوت إذ أمرته بأمري فأختل فيه فجاء بملكهم أسيراً وساق مواشيهم، فالقه فقل له لأنزعن الملك من بيته ثم لا يعود فيه إلى يوم القيامة، فإني إنما أكرم من أطاعني وأهين من هان عليه أمري.

فلقيه فقال له: ما صنعت لم جئت بملكهم أسيراً، ولم سقت مواشيهم!

قال: إنما سقت المواشي لأقربها.

قال له أشمويل: إن الله قد نزع من بيتك الملك ثم لا يعود فيه إلى يوم القيامة!

فأوحى الله إلى أشمويل إنطلق إلى إيشي فيعرض عليك بنيه فادهن الذي آمرك بدهن القدس يكن ملكاً على بني إسرائيل! فانطلق حتى أتى إيشي فقال: إعرض عليَّ بنيك.

٢٤٩

فدعا إيشي بأكبر ولده فأقبل رجل جسيم حسن المنظر، فلما نظر إليه أشمويل أعجبه، فقال الحمد لله إن الله بصير بالعباد، فأوحى الله إليه: إن عينيك تبصران ما ظهر، وإني أطلع على ما في القلوب ليس بهذا.

فقال ليس بهذا، إعرض عليّ غيره فعرض عليه ستة، في كل ذلك يقول ليس بهذا إعرض عليَّ غيره، فقال هل لك من ولد غيرهم؟

فقال بلى لي غلام أمغر وهو راع في الغنم.

قال أرسل إليه، فلما أن جاء داود جاء غلام أمغر فدهنه بدهن القدس، وقال لأبيه: أكتم هذا فإن طالوت لو يطلع عليه قتله!

فسار جالوت في قومه إلى بني إسرائيل فعسكر، وسار طالوت ببني إسرائيل وعسكر وتهيؤوا للقتال فأرسل جالوت إلى طالوت: لم يقتل قومي وقومك؟ أبرز لي أو أبرز لي من شئت، فإن قتلتك كان الملك لي وإن قتلتني كان لك، فأرسل طالوت في عسكره صائحاً من يبرز لجالوت.. ثم ذكر قصة طالوت وجالوت وقتل داود إياه وما كان من طالوت إلى داود. انتهى.

وقد قبل الطبري هذه الرواية فقال: قال أبو جعفر: وفي هذا الخبر بيان أن داود قد كان الله حول الملك له قبل قتله جالوت وقبل أن يكون من طالوت إليه ما كان من محاولته قتله، وأما سائر من روينا عنه قولاً في ذلك فإنهم قالوا إنما ملك داود بعد ما قتل طالوت وولده.

- وروى الطبري في تاريخه عن وهب أيضاً ج ١ ص ٣٤٣

ابن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول: إن داود أراد أن يعلم عدد بني إسرائيل كم هم، فبعث لذلك عرفاء ونقباء وأمرهم أن يرفعوا إليه ما بلغ عددهم، فعتب الله عليه ذلك وقال:

قد علمت أني وعدت إبراهيم أن أبارك فيه وفي ذريته حتى أجعلهم كعدد نجوم السماء وأجعلهم لا يحصى عددهم، فأردت أن تعلم عدد ما قلت إنه لا يحصى

٢٥٠

عددهم، فاختاروا بين أن أبتليكم بالجوع ثلاث سنين أو أسلط عليكم العدو ثلاثة أشهر أو الموت ثلاثة أيام!

فاستشار داود في ذلك بني إسرائيل فقالوا ما لنا بالجوع ثلاث سنين صبر، ولا بالعدو ثلاثة أشهر، فليس لهم بقية، فإن كان لابد فالموت بيده لا بيد غيره.

فذكر وهب بن منبه أنه مات منهم في ساعة من نهار ألوف كبيرة لا يدرى ما عددهم!

فلما رأى ذلك داود شق عليه ما بلغه من كثرة الموت فتبتل إلى الله ودعاه فقال:

يا رب أنا آكل الحماض وبنو إسرائيل يضرسون! أنا طلبت ذلك فأمرت به بني إسرائيل فما كان من شيء فبي واعف عن بني إسرائيل.

فاستجاب الله له ورفع عنهم الموت، فرأى داود الملائكة سالين سيوفهم يغمدونها يرتقون في سلم من ذهب من الصخرة إلى السماء، فقال داود: هذا مكان ينبغي أن يبنى فيه مسجد.

فأراد داود أن يأخذ في بنائه فأوحى الله إليه أن هذا بيت مقدس وأنك قد صبغت يدك في الدماء فلست ببانيه، ولكن ابن لك أملكه بعدك أسميه سليمان أسلمه من الدماء، فلما ملك سليمان بناه وشرفه!

- وروى عنه المزي في تهذيب الكمال ج ٢٠ ص ٣٣

وقال حنظلة بن أبي سفيان، عن عروة بن محمد: لما استعملت على اليمن قال لي أبي: أوليت اليمن قلت: نعم. قال: إذا غضبت فانظر إلى السماء فوقك وإلى الأرض أسفل منك ثم أعظم خالقهما. وقال سماك بن الفضل: كنت عند عروة بن محمد جالساً وعنده وهب بن منبه فأتي بعامل لعروة فشكي، فأكثروا عليه فقالوا: فعل وفعل وثبتت عليه البينة. قال: فلم يملك وهب نفسه فضربه على قرنه بعصا فإذا دماؤه تشخب وقال: أفي زمن عمر بن عبد العزيز تصنع مثل هذا! قال: فاشتهاها عروة وكان حليماً واستلقى على قفاه وضحك، وقال: يعيب علينا أبو عبد الله

٢٥١

الغضب في حكمته وهو يغضب! فقال وهب: وما لي لا أغضب وقد غضب خالق الأحلام! إن الله تعالى يقول: فلما آسفونا انتقمنا منهم، يقول: أغضبونا. انتهى.

أقول: حاول وهب أن يستدل على نسبة الغضب إلى الله تعالى بالآية ففسر (آسفونا) بأن الله تعالى يغضب كغضب البشر، ولكن أصل الغضب الإلهي في رأس وهب هو الغضب التلمودي الذي قال عنه الدكتور أحمد شلبي في مقارنة الأديان ج ١ ص ٢٦٧:

يروي التلمود أن الله ندم لما أنزله باليهود وبالهيكل، ومما يرويه التلمود على لسان الله قوله: تب لي لأني صرحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي. وليست العصمة من صفات الله في رأي التلمود، لأنه غضب مرة على بني إسرائيل فاستولى عليه الطيش، فحلف بحرمانهم من الحياة الأبدية، ولكنه ندم على ذلك بعد أن هدأ غضبه، ولم ينفذ قسمه لأنه عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة.

- وترجم السمعاني لوهب في الأنساب بكل احترام فقال في ج ٣ ص ١١

وأبو عبد الله وهب بن منبه بن كامل بن سيج بن سبسجان الذماري من أبناء فارس، كان ينزل ذمار، يروي عن جابر بن عبد الله وابن عباسرضي‌الله‌عنهم وأخيه همام بن منبه، وكان عابداً فاضلاً، قرأ الكتب ومكث أربعين سنة يصلي الصبح بوضوء العشاء الآخرة، وهم أخوة خمسة: وهب وهمام وغيلان وعقيل ومعقل والد عقيل بن معقل، روى عنه عمرو بن دينار والمغيرة بن حكيم وعوف الأعرابي وسماك بن الفضل والمنذر بن النعمان وبكار وعبدالصمد بن معقل، وسئل أبو زرعة عن وهب بن منبه فقال: يماني ثقة.... الخ.

- وترجم له الذهبي في ميزان الإعتدال كما يترجم لثقاة الرواة فقال في ج ٤ ص ٣٥٢:

وهب بن منبه أبو عبد الله اليماني، صاحب القصص، من أحبار علماء التابعين، ولد في آخر خلافة عثمان، حديثه عن أخيه همام في الصحيحين. وروى عن ابن عباس، وعبد الله بن عمرو، وروى عنه عمرو بن دينار وعوف الأعرابي وأقاربه.

٢٥٢

وكان ثقة صادقاً، كثير النقل من كتب الإسرائيليات. قال العجلي: ثقة تابعي، كان على قضاء صنعاء. انتهى. وماذا يقول الباحث أمام حقيقة: حديثه في الصحيحين... كثير النقل من كتب الاسرائيليات!

- وترجم له كذلك في سيره ج ٤ ص ١ فقال:

وهب بن منبه بن كامل بن سيج بن ذي كبار، وهو الأسوار، الإمام العلامة الأخباري القصصي، أبوعبد الله الأبناوي اليماني الذماري الصنعاني، أخو همام بن منبه، ومعقل بن منبه، وغيلان بن منبه. مولده في زمن عثمان سنة أربع وثلاثين، ورحل وحج، وأخذ عن ابن عباس، وأبي هريرة إن صح وأبي سعيد، والنعمان بن بشير، وجابر، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص على خلاف فيه وطاووس. حتى إنه ينزل ويروي عن عمرو بن دينار، وأخيه همام، وعمرو بن شعيب وفنج اليماني ولا يدري من فنج.

حدث عنه ولداه: عبد الله وعبد الرحمن، وعمرو بن دينار، وسماك بن الفضل، وعوف الأعرابي، وعاصم بن رجاء بن حيوة، ويزيد بن يزيد بن جابر، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، وإسرائيل أبو موسى، وهمام بن نافع أبو عبد الرزاق، والمغيرة بن حكيم، والمنذر بن النعمان، وابن أخيه عقيل بن معقل، وابن أخيه عبدالصمد بن معقل، وسبطه إدريس بن سنان، وصالح بن عبيد، وعبد الكريم بن حوران، وعبدالملك بن خلج، وداود بن قيس، وعمران بن هربذ أبو الهذيل، وعمران بن خالد الصنعانيون، وخلق سواهم.

وروايته للمسند قليلة، وإنما غزارة علمه في الإسرائيليات، ومن صحائف أهل الكتاب.

قال أحمد: كان من أبناء فارس له شرف، قال: وكل من كان من أهل اليمن له ذي هو شريف، يقال: فلان له ذي، وفلان لا ذي له. قال العجلي: تابعي ثقة، كان على قضاء صنعاء.. وقال أبو زرعة والنسائي: ثقة.

٢٥٣

قال أحمد بن محمد بن الأزهر: سمعت سلمة بن همام بن مسلمة بن همام يذكر عن آبائه: أن هماماً ووهبا وعبد الله ومعقلاً ومسلمة بنو منبه أصلهم من خراسان، من هراة، فمنبه من أهل هراة، خرج أيام كسرى، وكسرى أخرجه من هراة، ثم إنه أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فحسن إسلامه. ومسكنهم باليمن، وكان وهب بن منبه يختلف إلى هراة، ويتفقد أمر هراة.

حسان بن إبراهيم: حدثنا يحيى بن زبان، أنبأنا عبد الله بن راشد، عن مولى لسعيد بن عبدالملك: سمعت خالد بن معدان يحدث عن عبادة بن الصامت، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في أمتي رجلان: أحدهما يقال له وهب، يؤتيه الله الحكم، والآخر يقال له غيلان، هو أشد على أمتي من إبليس. سئل ابن معين عن ابن زبان وشيخه فقال: لا أعرفهما.....

وعن عبدالرزاق، عن أبيه، عن وهب قال: يقولون عبد الله بن سلام كان أعلم أهل زمانه، وإن كعباً أعلم أهل زمانه، أفرأيت من جمع علمهما، أهو أعلم أم هما، إسنادها مظلم.

وعن كثير، أنه سار مع وهب، فباتوا بصعدة عند رجل، فخرجت بنت الرجل فرأت مصباحاً، فاطلع صاحب المنزل فنظر إليه صافا قدميه....

- وقال ابن كثير كلاماً ناعماً حول اسرائيليات كعب ووهب كما في سير أعلام النبلاء في ترجمة وهب:

قال الحافظ ابن كثير في تفسيره، فيه (كعب الأحبار) وفي وهب بن منبه: سامحهما الله تعالى فيما نقلاه إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب، مما كان ومما لم يكن، ومما حرف وبدل ونسخ. انتهى. والدعاء لهما بالمسامحة والمغفرة شيء، ومعالجة آثار عدوانهما من مصادر المسلمين شيء آخر.

٢٥٤

مقاتل بن سليمان البلخي، مجسّم وشيخ ابن حمّاد وأستاذ للمفسّرين

- قال ابن حبان في المجروحين ج ٣ ص ١٤

مقاتل بن سليمان الخراساني مولى الأزد، أصله من بلخ وانتقل إلى البصرة وبها مات بعد خروج الهاشمية، كنيته أبو الحسن، كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم، وكان شَبَهياً يشبه الرب بالمخلوقين، وكان يكذب مع ذلك في الحديث.

أخبرنا عمرو بن محمد قال: حدثنا محمد بن حبال قال: حدثنا عمر بن عبدالغفار: سمعت سفيان بن عيينة وذكر عنده مقاتل بن سليمان فقال: كنت أتيته سراً فقلت له: إن الناس يزعمون أنك لم تسمع من الضحاك، فقال: لقد كان يغلق عليّ وعليه باب واحد.

سمعت إبراهيم بن محمد بن يوسف قال: سمعت الخضر بن حيان سمعت يحيى بن نصر بن حاجب: سمعت أبا حنيفة يقول: يا أبا يوسف إحذر صنفين من خراسان: الجهمية والمقاتلية.

سمعت ابن خزيمة يقول سمعت علي بن خشرم يقول سمعت وكيعاً يقول: لقينا مقاتل بن سليمان كان كذاباً....

أخبرنا عمرو بن محمد قال: حدثنا محمد بن عبد بن حميد قال: حدثنا ابن أبي شيبة وهو عثمان قال: حدثنا جرير عن مغيرة بن عبد الرحمن قال: العجب لقوم يكون ذلك فيهم رأساً يعني مقاتل بن سليمان. أخبرناه الحسين بن صالح بن حمويه بهمدان قال: حدثنا عبد العزيز بن منيب قال: حدثنا أبومعاوية النحوي قال: حدثنا خارجة قال: سمعت الكلبي يقول: ما قتلت مسلماً ولا معاهداً ولو رأيت مقاتل بن سليمان حيث لا يكون بيني وبينه أحد لتقربت بدمه إلى الله عز وجل.

- وقال الرازي في الجرح والتعديل ج ٨ ص ٣٥٤

ثنا عبد الرحمن قال ذكره أبي نا محمود بن غيلان قال سئل وكيع عن مقاتل بن سليمان فقال: سمعنا منه والله المستعان.

٢٥٥

نا عبد الرحمن انا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي سمعت بعض مشيختنا يقول: جلس مقاتل بن سليمان في مسجد بيروت فقال: لا تسألوني عن شيء ما دون العرش إلا أنبأتكم عنه، فقال الأوزاعي لرجل: قم إليه فسله ما ميراثه من جدتيه، فحار ولم يكن عنده جواب، فما بات فيها إلا ليلة ثم خرج بالغداة.

نا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن حنبل قال قال أبي: مقاتل بن سليمان صاحب التفسير ما يعجبني أن أروي عنه شيئاً.

نا عبد الرحمن نا محمد بن سعيد المقرئ قال: سئل عبد الرحمن يعني بن الحكم بن بشير عن مقاتل بن سليمان فقال: كان قاصاً، ترك الناس حديثه.

- وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج ١٠ ص ٢٤٩

وروي عن الشافعي أن وجوه الناس عيال على مقاتل في التفسير!

وقال نعيم بن حماد: رأيت عند ابن عيينة كتاباً لمقاتل فقلت: يا أبا محمد تروي لمقاتل في التفسير! قال لا، ولكن أستدل به وأستعين....

وقال مكي بن إبراهيم عن يحيى بن شبل قال لي عباد بن كثير: ما يمنعك من مقاتل؟ قلت: إن أهل بلادنا كرهوه، فقال: لا تكرهه فما بقي أحد أعلم بكتاب الله تعالى منه.

وقال القاسم بن أحمد الصفار: قلت لإبراهيم الحربي ما بال الناس يطعنون على مقاتل؟ قال: حسداً منهم له....

وكان يقص في الجامع فوقعت العصبية بينه وبين جهم فوضع كل واحد منهما كتاباً على الآخر ينقض عليه....

وقال محمد بن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: أفرط جهم في النفي حتى قال إنه ليس بشيء، وأفرط مقاتل في الإثبات حتى جعل الله تعالى مثل خلقه... وقال عبد الله ابن أبي القاضي الخوارزمي سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: أخرجت خراسان ثلاثة لم يكن لهم في الدنيا نظير يعني في البدعة والكذب، جهم ومقاتل وعمر بن صبح.

٢٥٦

- وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج ١٠ ص ٢٥١

وقال أبو إسماعيل الترمذي عن عبد العزيز بن عبد الله الأوسي قال: حدثنا مالك بن أنس أنه بلغه أن مقاتل بن سليمان جاءه إنسان فقال له: إن إنساناً جاءني فسألني عن لون كلب أصحاب الكهف فلم أدر ما أقول له، فقال له: ألا قلت أبقع، فلو قلته لم تجد أحداً يرد عليك!!....

وقال أحمد بن سيار المروزي: كان من أهل بلخ وتحول إلى مرو وخرج إلى العراق فمات بها، وهو متهم متروك الحديث مهجور القول، وكان يتكلم في الصفات بما لا يحل ذكره....

وقال العباس بن الوليد بن مزيد عن أبيه: سألت مقاتل بن سليمان عن أشياء فكان يحدثني بأحاديث كل واحد ينقض الآخر! فقلت: بأيها؟ قال: بأيها شئت!

- الذهبي في ميزان الإعتدال ج ٤ ص ١٧٣

مقاتل بن سليمان البلخي المفسر أبو الحسن. روى عن مجاهد، والضحاك، وابن بريدة. وعنه حرمى بن عمارة، وعلي بن الجعد، وخلق.

قال ابن المبارك: ما أحسن تفسيره لو كان ثقة....

- وترجم له الذهبي في سيره باحترام أكثر فقال في ج ٧ ص ٢٠١

مقاتل كبير المفسرين أبو الحسن مقاتل بن سليمان البلخي. يروي عن مجاهد والضحاك وابن بريدة وعطاء وابن سيرين وعمرو بن شعيب وشرحبيل بن سعد والمقبري والزهري، وعدة. وعنه: سعد بن الصلت، وبقية، وعبدالرزاق، وحرمي بن عمارة، وشبابة، والوليد بن مزيد، وخلق آخرهم علي بن الجعد.

قال ابن المبارك وأحسن: ما أحسن تفسيره لو كان ثقة....! انتهى.

ويبدو للباحث من مراجعة كتب إخواننا في الجرح والتعديل أن كفة تكذيب مقاتل هي الراجحة عندهم، ولكن جرح الجارحين ليس هو المقياس العملي، بل المقياس هو مصادرهم التفسيرية وغيرها المليئة بآراء مقاتل، والمؤلم أنهم ينقلونها كأنها مسلمات السلف الصالح، بل كأنها أحاديث نبوية شريفة!

٢٥٧

يزيد بن هارون من شيوخ الإمام أحمد

- سير أعلام النبلاء ج ٩ ص ٣٥٨،٣٦٢

يزيد بن هارون بن زاذي، الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو خالد السلمي مولاهم الواسطي الحافظ. مولده في سنة ثمان عشرة ومئة....

وكان رأساً في العلم والعمل، ثقة حجة، كبير الشأن.

حدث عنه: بقية بن الوليد مع تقدمه، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل....

يقال: إن أصله من بخارى.

قال علي بن المديني: ما رأيت أحفظ من يزيد بن هارون.

وقال زياد بن أيوب: ما رأيت ليزيد كتاباً قط، ولا حدثنا إلا حفظاً.

قال أبو حاتم الرازي: يزيد ثقة إمام، لا يسأل عن مثله.

وقال مؤمل بن يهاب: سمعت يزيد بن هارون يقول: ما دلست حديثاً قط إلا حديثاً واحداً عن عوف الأعرابي، فما بورك لي فيه.

عن عاصم بن علي قال: كنت أنا ويزيد بن هارون عند قيس بن الربيع، فأما يزيد، فكان إذا صلى العتمة، لا يزال قائماً حتى يصلي الغداة بذلك الوضوء نيفاً وأربعين سنة....

قلت: احتفل محدثو بغداد وأهلها لقدوم يزيد، وازدحموا عليه لجلالته وعلو إسناده.... العباس بن عبد العظيم، وأحمد بن سنان، عن شاذ بن يحيى، سمع يزيد بن هارون يقول: من قال القرآن مخلوق، فهو زنديق.... وقد كان يزيد رأساً في السنة معادياً للجهمية، منكراً تأويلهم في مسألة الإستواء. انتهى.

ومعناه أنه كان يرفض تفسير الآية بالاستواء المعنوي، ويفسرها بالقعود الحسي لله تعالى على العرش!!

٢٥٨

السمناني المجسّم رئيس الأشعرية

- قال الذهبي في سيره ج ١٧ ص ٥٤٠

السمناني العلامة قاضي الموصل، أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد السمناني الحنفي. حدث عن نصر المرجي وعلي بن عمر الحربي وأبي الحسن الدارقطني، وجماعة. ولازم ابن الباقلاني حتى برع في علم الكلام.

قال الخطيب: كتبت عنه، وكان صدوقاً فاضلاً حنفياً، يعتقد مذهب الأشعري، وله تصانيف.

قلت: كان من أذكياء العالم وقد ذكره ابن حزم فقال: هو أبو جعفر السمناني المكفوف، هو أكبر أصحاب أبي بكر الباقلاني ومقدم الأشعرية في وقتنا، ومن مقالته قال: من سمى الله جسماً من أجل أنه حامل لصفاته في ذاته فقد أصاب المعنى وأخطأ في التسمية فقط....

توفي أبو جعفر بالموصل سنة أربع وأربعين وأربع مئة وله ثلاث وثمانون سنة. تخرج به في العقليات القاضي أبو الوليد الباجي، وغيره. انتهى.

ومن العجيب أن الأشاعرة والمجسمة يتهمون الشيعة بالتجسيم لمجرد أن هشاماً بن الحكم قال للمعتزلة تقولون إنه شيء لا كالأشياء فلماذا لاتقولون إنه جسم لا كالأجسام!

الإمام الدارمي المجسم

- سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ١٩٩

المريسي المتكلم المناظر البارع أبو عبد الرحمن بشر بن غياث بن أبي كريمة العدوي مولاهم البغدادي المريسي، من موالي آل زيد بن الخطابرضي‌الله‌عنه كان بشر من كبار الفقهاء، أخذ عن القاضي أبي يوسف، وروى عن حماد بن سلمة وسفيان بن عيينة. ونظر في الكلام فغلب عليه وانسلخ من الورع والتقوى، وجرد القول بخلق

٢٥٩

القرآن ودعا إليه حتى كان عين الجهمية في عصره وعالمهم فمقته أهل العلم، وكفره عدة.... ذكره النديم وأطنب في تعظيمه وقال: كان دينا ورعاً متكلما. ثم حكى أن البلخي قال: بلغ من ورعه أنه كان لا يطأ أهله ليلاً مخافة الشبهة، ولا يتزوج إلا من هي أصغر منه بعشر سنين مخافة أن تكون رضيعته.

وكان جهمياً له قدر عند الدولة، وكان يشرب النبيذ.... وصنف كتاباً في التوحيد وكتاب الرد على الرافضة في الإمامة....

قلت: وقع كلامه إلى عثمان بن سعيد الدارمي الحافظ، فصنف مجلداً في الرد عليه.... فيه بحوث عجيبة مع المريسي، يبالغ فيها في الإثبات والسكوت عنها، أشبه بمنهج السلف في القديم والحديث.

وقال الشيخ محمد حامد الفقي: إنه أتى فيه ببعض ألفاظ دعاه إليها عنف الرد وشدة الحرص على إثبات صفات الله وأسمائه التي كان يبالغ بشر المريسي وشيعته في نفيها، وكان الأولى والأحسن أن لا يأتي بها، وأن يقتصر على الثابت من الكتاب والسنة الصحيحة كمثل الجسم والمكان والحيز، فإنني لا أوافقه عليها ولا أستجيز إطلاقها، لأنها لم تأت في كتاب الله ولا في سنة صحيحة.

أبو العبّاس السّرّاج وإسحاق الحنظلي إمامان مجسّمان

- قال الذهبي في سيره ج ١١ ص ٣٧٥

قال أبو العباس السراج: سمعت إسحاق الحنظلي يقول: دخلت على طاهر بن عبد الله بن طاهر وعنده منصور بن طلحة، فقال لي منصور: يا أبا يعقوب تقول: إن الله ينزل كل ليلة قلت: نؤمن به، إذا أنت لا تؤمن أن لك في السماء رباً لا تحتاج أن تسألني عن هذا. فقال له طاهر الأمير: ألم أنهك عن هذا الشيخ: قال أبو داود السجستاني: سمعت ابن راهويه يقول: من قال لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق، فهو جهمي.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434