إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق13%

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق مؤلف:
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 434

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219938 / تحميل: 6913
الحجم الحجم الحجم
إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

وورد عن إسحاق أن بعض المتكلمين قال له: كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء. فقال: آمنت برب يفعل ما يشاء....

- وقال في سيره ج ١٤ ص ٣٩٦

أخبرنا إسماعيل بن إسماعيل في كتابه، أخبرنا أحمد بن تميم اللبلي ببعلبك، أخبرنا أبو روح بهراة، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليجي، أخبرنا أحمد بن محمد الخفاف، حدثنا أبو العباس السراج إملاء قال: من لم يقر بأن الله تعالى يعجب ويضحك وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول من يسألني فأعطيه، فهو زنديق كافر، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين....

وصار ابن عقيل شيخ الحنابلة

- سير أعلام النبلاء ج ١٩ ص ٤٤٣

ابن عقيل. الإمام العلامة البحر شيخ الحنابلة، أبوالوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن عبد الله البغدادي الظفري الحنبلي المتكلم، صاحب التصانيف، كان يسكن الظفرية، ومسجده بها مشهور.

ولد سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة وسمع أبا بكر بن بشران، وأبا الفتح بن شيطا، وأبا محمد الجوهري، والحسن بن غالب المقريء، والقاضي أبا يعلى بن الفراء، وتفقه عليه، وتلا بالعشر على أبي الفتح بن شيطا، وأخذ العربية عن أبي القاسم بن برهان، وأخذ علم العقليات عن شيخي الإعتزال أبي علي بن الوليد، وأبي القاسم بن التبان صاحبي أبوالحسين البصري، فانحرف عن السنة.

وكان يتوقد ذكاء، وكان بحر معارف وكنز فضائل، لم يكن له في زمانه نظير على بدعته، وعلق كتاب الفنون، وهو أزيد من أربع مئة مجلد، حشد فيه كل ما كان

٢٦١

يجري له مع الفضلاء والتلامذة، وما يسنح له من الدقائق والغوامض، وما يسمعه من العجائب والحوادث....

قال المبارك بن كامل: صلى على شيخنا بجامع القصر فأمهم ابن شافع، وكان الجمع ما لا يحصى، وحمل إلى جامع المنصور فصلي عليه، وجرت فتنة وتجارحوا، ونال الشيخ تقطيع كفن، ودفن قريباً من الإمام أحمد....

وفي تاريخ ابن الأثير قال: كان قد اشتغل بمذهب المعتزلة في حداثته على ابن الوليد، فأراد الحنابلة قتله فاستجار بباب المراتب عدة سنين، ثم أظهر التوبة.

وقال ابن عقيل في الفنون: الأصلح لإعتقاد العوام ظواهر الآي لأنهم يأنسون بالإثبات، فمتى محونا ذلك من قلوبهم زالت الحشمة. قال: فتهافتهم في التشبيه أحب إلينا من إغراقهم في التنزيه، لأن التشبيه يغمسهم في الإثبات فيخافون ويرجون، والتنزيه يرمي بهم إلى النفي فلا طمع ولا مخافة في النفي. ومن تدبر الشريعة رآها غامسة للمكلفين في التشبيه بالألفاظ الظاهرة التي لا يعطي ظاهرها سواه، كقول الأعرابي: أو يضحك ربنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم. فلم يكفهر لقوله، وتركه وما وقع له....

من عقائد الدولة: إطاعة الحاكم الجائر والتجسيم والرؤية

- سير أعلام النبلاء ج ١٢ ص ٦٧

وعن يحيى بن عون: قال: دخلت مع سحنون على ابن القصار وهو مريض فقال: ما هذا القلق؟ قال له: الموت والقدوم على الله. قال له سحنون: ألست مصدقاً بالرسل والبعث والحساب، والجنة والنار، وأن أفضل هذه الأمة أبو بكر، ثم عمر، والقرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يرى يوم القيامة، وأنه على العرش استوى، ولا تخرج على الأئمة بالسيف وإن جاروا؟ قال: إي والله، فقال: مت إذا شئت، مت إذا شئت!!

٢٦٢

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢٩ ص ٧٣

محمود السلطان كان صادق النية في إعلاء كلمة الله.. وقبره بغزنة يدعى عنده.. دخل ابن فورك على السلطان محمود فقال: لا يجوز أن يوصف الله بالفوقيه لأنه يلزمك أن تصفه بالتحتيه.. فقال السلطان: هو وصف نفسه!

هجمة الحنابلة على الطبري

- قال الحموي في معجم الأدباء ج ٩ جزء ١٨ ص ٥٧ في ترجمة الطبري:

فلما قدم إلى بغداد من طبرستان بعد رجوعه إليها تعصب عليه أبو عبد الله الجصاص وجعفر بن عرفة والبياضي. وقصده الحنابلة فسألوه عن أحمد بن حنبل في الجامع يوم الجمعة، وعن حديث الجلوس على العرش، فقال أبو جعفر: أما أحمد بن حنبل فلا يعد خلافه. فقالوا له: فقد ذكره العلماء في الإختلاف، فقال: ما رأيته روي عنه ولا رأيت له أصحاباً يعول عليهم. وأما حديث الجلوس على العرش فمحال ثم أنشد:

سبحان من ليس له أنيس

ولا له في عرشه جليس

فلما سمع ذلك الحنابلة منه وأصحاب الحديث وثبوا ورموه بمحابرهم وقيل كانت ألوفاً، فقام أبو جعفر بنفسه ودخل داره فرموا داره بالحجارة حتى صار على بابه كالتل العظيم! وركب نازوك صاحب الشرطة في ألوف من الجند يمنع عنه العامة ، ووقف على بابه يوماً إلى الليل وأمر برفع الحجارة عنه. وكان قد كتب على بابه: سبحان من ليس له أنيس ولا له في عرشه جليس، فأمر نازوك بمحو ذلك، وكتب مكانه بعض أصحاب الحديث:

لأحمد منزل لا شك عالٍ

إذا وافى إلى الرحمن وافد

فيدنيه ويقعده كريماً

على رغم لهم في أنف حاسد

على عرشٍ يغلفه بطيبٍ

على الأكباد من باغ وعاند

له هذا المقام الفرد حقّاً

كذاك رواه ليثٌ عن مجاهد

٢٦٣

فخلا في داره وعمل كتابه المشهور في الإعتذار إليهم، وذكر مذهبه واعتقاده وجرح من ظن فيه غير ذلك، وقرأ الكتاب عليهم وفضل أحمد بن حنبل، وذكر مذهبه وتصويب اعتقاده ولم يزل في ذكره إلى أن مات، ولم يخرج كتابه في الإختلاف حتى مات فوجدوه مدفوناً في التراب، فأخرجوه ونسخوه أعني اختلاف الفقهاء، هكذا سمعت من جماعة منهم أبيرحمه‌الله !

- وقال ابن قيم الجوزية في بدائع الفوائد ج ٤ ص ٣٩

قال القاضي: صنف المروزي كتاباً في فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه إقعاده على العرش، وهو قول أبي داود وأحمد بن أصرم.... وعبد الله بن الإمام أحمد.... إلخ. ثم قال ابن قيم: قلت وهو قول ابن جرير الطبري، وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير. انتهى.

ولم يذكر ابن القيم عمن أخذه مجاهد، ولم يذكر تهديد الحنابلة للطبري وإجبارهم إياه على القول بذلك حتى صار ليناً هينا مع التجسيم وأهله.

ولكن جولد تسيهر اليهودي قال في مذاهب التفسير الاسلامي ص ١١٨:

وهو (الطبري) يعارض أشد صرامة وعنفاً فهم التجسيد في عبارات التشبيه المضافة الى الله والذهاب إلى أن مثل هذه العبارات دالة على صفات الله الحقيقية.. فقد اختلف أهل الجدل.. في تأويل قوله (بل يداه مبسوطتان) فقال بعضهم.. عنى باليد النعمة أو القدرة أو الملك. وقال آخرون: بل يد الله صفة من صفاته، هي يد غير أنها ليست بجارحة.. والطبري يجزم بالرأي الثاني..

هجمة الحنابلة على ابن حبّان

- المجروحين لابن حبان ج ١ مقدمة

قال أبو إسماعيل عبد الله بن محمد.... قال سألت يحيى بن عمار عن ابن حبان، قلت رأيته؟ قال: وكيف لم أره ونحن أخرجناه من سجستان، لأنه أنكر الحد لله!

٢٦٤

وقال السبكي تعليقاً على ذلك: من أحق بالإخراج من يجعل ربه محدوداً، أو من ينزهه عن الجسمية....

- وقال ابن حجر في لسان الميزان ج ٥ ص ١١٣

وقد بدت من ابن حبان هفوة فطعنوا فيه بها. قال أبو إسمعيل الأنصاري شيخ الإسلام: سألت يحيى بن عمار عن أبي حاتم بن حبان فقال: رأيته ونحن أخرجناه من سجستان، كان له علم كثير ولم يكن له كبير دين، قدم علينا فأنكر الحد لله فأخرجناه.

قلت: إنكاره الحد وإثباتكم للحد نوع من فضول الكلام، والسكوت من الطرفين أولى إذ لم يأت نص بنفي ذلك ولا إثباته، والله تعالى ليس كمثله شيء، فمن أثبته قال له خصمه جعلت لله حداً برأيك ولا نص معك بالحد، والمحدود مخلوق تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. وقال هو للنافي ساويت ربك بالشيء المعدوم، إذ المعدوم لا حد له. فمن نزه الله وسكت سلم وتابع السلف.

- وقال الذهبي في سيره ج ١٦ ص ٩٤

وقال أبو بكر الخطيب: كان ابن حبان ثقة نبيلاً فهماً. وقال أبو عمرو بن الصلاح في طبقات الشافعية: غلط ابن حبان الغلط الفاحش في تصرفاته. قال ابن حبان في أثناء كتاب الأنواع: لعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ.

قلت: كذا فلتكن الهمم، هذا مع ما كان عليه من الفقه والعربية والفضائل الباهرة وكثرة التصانيف....

وقال أبو إسماعيل الأنصاري: سمعت يحيى بن عمار الواعظ، وقد سألته عن ابن حبان، فقال: نحن أخرجناه من سجستان، كان له علم كثير، ولم يكن له كبير دين، قدم علينا، فأنكر الحد لله، فأخرجناه!

قلت: إنكاركم عليه بدعة أيضاً، والخوض في ذلك مما لم يأذن به الله، ولا أتى

٢٦٥

نص بإثبات ذلك ولا بنفيه. ومن حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه. وتعالى الله أن يحد أو يوصف إلا بما وصف به نفسه، أو علمه رسله بالمعنى الذي أراد بلا مثل ولا كيف: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. انتهى.

وهكذا مدح الذهبي ابن حبان وأظهر إعجابه بعلو همته، ولكنه خطَّأه في إنكاره الحد لله تعالى وحكم بأنه صاحب بدعة، فهو يستحق الطرد من سجستان، بل قد يستحق الإعدام إن لم يتب!

ومن عجب الزمان أن يكون الجو الحاكم في بعض مناطق المسلمين في أواخر القرن الثالث أن الذي يقول إن الله تعالى غير محدود بمكان ولا زمان، يعتبر مبدعاً في الإسلام، وكأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بلغ الأمة بأن ربكم محدود بالمكان والزمان، ومن أنكر ذلك فقد أبدع!

ولا تغتر بتخطئة الذهبي للذين طردوا ابن حبان من سجستان، فإنه لم يخطئهم لطرده على بدعته، بل خطَّأهم لمجادلته حتى أظهر بدعته، ولأنه كان الواجب عليهم أن يسكتوا عن لوازم التجسيم في نزول الله تعالى وجلوسه على العرش، كما هو مذهبه!!

من تكفيرات المجسّمين لمن خالفهم

- سير أعلام النبلاء ج ١١ ص ٧٠

قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبا معمر الهذلي يقول: من زعم أن الله لا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر ولا يرضى ولا يغضب، فهو كافر، إن رأيتموه واقفاً على بئر فألقوه فيها، بهذا أدين الله عز وجل!

- سير أعلام النبلاء ج ١١ ص ٣٠٢

حدثنا أحمد بن جعفر الإصطخري قال: قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: هذا مذهب أهل العلم والأثر، فمن خالف شيئاً من ذلك أو عاب قائلها، فهو مبتدع.

٢٦٦

وكان قولهم: إن الإيمان قول وعمل ونية وتمسك بالسنة، والإيمان يزيد وينقص، ومن زعم أن الإيمان قول والأعمال شرائع فهو جهمي، ومن لم ير الإستثناء في الإيمان فهو مرجيء، والزنى والسرقة وقتل النفس والشرك كلها بقضاء وقدر من غير أن يكون لأحد على الله حجة. إلى أن قال: والجنة والنار خلقتنا ثم خلق الخلق لهما لا تفنيان، ولا يفنى ما فيهما أبداً. إلى أن قال: والله تعالى على العرش، والكرسي موضع قدميه. إلى أن قال: وللعرش حملة. ومن زعم أن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله، فهو جهمي. ومن لم يكفره فهو مثله. وكلم الله موسى تكليماً من فيه! إلى أن ذكر أشياء من هذا الأنموذج المنكر، والأشياء التي والله ما قالها الإمام. فقاتل الله واضعها. ومن أسمج مافيها قوله: ومن زعم أنه لا يرى التقليد ولا يقلد دينه أحداً فهذا قول فاسق عدو لله. فانظر إلى جهل المحدثين كيف يروون هذه الخرافة ويسكتون عنها. انتهى.

ومع أن الذهبي وصف الأنموذج بأنه منكر وخرافة، فهو يتبنى أكثر عقائده!

- التحفة اللطيفة للسخاوي ج ٢ ص ٢٨٥

علي بن عبد الله.. قال قبل أن يموت بشهرين.. من زعم أن الله لا يرى فهو كافر، ومن زعم أن الله لم يكلم موسى على الحقيقة فهو كافر. انتهى.

وقصدهم أن الله تعالى كلم موسى من فمه، ولم يخلق الصوت في شيء مخلوق، وقد نصت على ذلك أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام وقال به أكثر المسلمين.

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ١٧ ص ٣٨٦

هارون بن معروف.... وقال هارون الجبال: سمعت هارون بن معروف يقول: من زعم أن القرآن مخلوق فكأنما عبد اللات والعزى! وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل عن هارون بن معروف قال: من زعم أن الله لا يتكلم فهو يعبد الأصنام! انتهى. وقصده أن الله تعالى يتكلم من فمه! وأن الذي يعتقد بأن الله لافم له فقد جعله صنماً! والذي يقول له فم، فقد نزهه عن الصنمية!!

٢٦٧

- سير أعلام النبلاء ج ١٧ ص ٢٥٥

قال الإمام تقي الدين ابن الصلاح في فتاوىه: وجدت عن الإمام أبي الحسن الواحدي المفسررحمه‌الله أنه قال: صنف أبو عبد الرحمن السلمي حقائق التفسير، فإن كان اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر. قلت: واغوثاه! واغربتاه!.

- سير أعلام النبلاء ج ٨ ص ٤٠٣

حدثنا أحمد بن يونس، سمعت ابن المبارك قرأ شيئاً من القرآن، ثم قال: من زعم أن هذا مخلوق، فقد كفر بالله العظيم.

- سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ١٨

الحاكم: سمعت أبا سعيد بن أبي عثمان، سمعت الحسن ابن صاحب الشاشي، سمعت الربيع، سمعت الشافعي وسئل عن القرآن فقال: أف أف، القرآن كلام الله، من قال: مخلوق، فقد كفر. هذا إسناد صحيح.

- سير أعلام النبلاء ج ١١ ص ٥٨

ابن مخلد العطار: حدثنا محمد بن عثمان، سمعت علي بن المديني، يقول قبل أن يموت بشهرين: القرآن كلام الله غير مخلوق. ومن قال مخلوق، فهو كافر. وقال عثمان بن سعيد الدارمي، سمعت علي بن المديني يقول: هو كفر، يعني من قال: القرآن مخلوق.

ملحد (سنّي) يحبّه المجسّمة لأنّه يلعن من خالفهم

- مروج الذهب للمسعودي ج ٣ ص ٤٣،٤٤

كان رجل في أيام هارون الرشيد ببغداد، وإنه كان دهرياً من أهل السنة والجماعة! ويلعن أهل البدع.... ويعرف بالسني، تنقاد له العامة فكان يجتمع إليه خلق من الناس، وإذا اجتمعوا وثب قائماً على قدمه فقال: يا معشر المسلمين قلتم لا ضار ولا نافع إلا الله، فلأي شيء مصيركم إليَّ تسألوني عن مضاركم ومنافعكم؟ إلجؤوا الى ربكم وتوكلوا على بارئكم..

٢٦٨

من الفتن التي حدثت بسبب التجسيم

في القرن الثاني انتقل ثقل التشبيه والتجسيم من الشام إلى بغداد، وأرخ المؤرخون لفتن متعددة حدثت في بغداد ذكرنا بعضها في الفصل الخامس، ونشير منها هنا إلى الفتنة التي ذكرها الذهبي في تاريخ الإسلام ج ٢٣ ص ٣٨٤ بسبب تفسير آية: عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً، قالت الحنابلة معناه أن يقعده على عرشه كما فسره مجاهد. وقال غيرهم: بل هي الشفاعة العظمى. وقد تقدم أن ابن خلدون يرى أن الفتن بين الحنابلة ومخالفيهم كانت أحد الأسباب في خراب بغداد.

- سير أعلام النبلاء ج ١٨ ص ٨٩

القاضي أبو يعلى الإمام العلامة، شيخ الحنابلة، القاضي أبويعلى، محمد بن الحسين ابن محمد بن خلف بن أحمد البغدادي، الحنبلي، ابن الفراء، صاحب التعليقة الكبرى، والتصانيف المفيدة في المذهب. ولد في أول سنة ثمانين وثلاث مئة.... أفتى ودرس، وتخرج من الأصحاب، وانتهت إليه الإمامة في الفقه، وكان عالم العراق في زمانه، مع معرفة بعلوم القرآن وتفسيره، والنظر والأصول، وكان أبوه من أعيان الحنفية، ومن شهود الحضرة، فمات ولأبي يعلى عشرة أعوام، فلقنه مقرئه العبادات من مختصر الخرقي، فلذ له الفقه، وتحول إلى حلقة أبي عبد الله بن حامد، شيخ الحنابلة، فصحبه أعواماً، وبرع في الفقه عنده، وتصدر بأمره للإفادة سنة اثنتين وأربع مئة، وأول سماعه من علي بن معروف في سنة ٣٨٥.

وقد سمع بمكة ودمشق من عبد الرحمن بن أبي نصر، وبحلب، وجمع كتاب إبطال تأويل الصفات، فقاموا عليه لما فيه من الواهي والموضوع، فخرج إلى العلماء من القادر بالله المعتقد الذي جمعه، وحمل إلى القادر كتاب إبطال التأويل، فأعجبه، وجرت أمور وفتن نسأل الله العافية ثم أصلح بين الفريقين الوزير علي بن المسلمة، وقال في الملا: القرآن كلام الله، وأخبار الصفات تمر كما جاءت. ثم ولي أبو يعلى القضاء بدار الخلافة والحريم، مع قضاء حران حلوان..

٢٦٩

وواجه بعض الخلفاء تطرّف المجسّمين

- نشوار المحاضرة للتنوخي ج ٣ ص ١٤٤

وكانت العامة قد هاجت في أيام وزارته وعظمت الفتنة وكثر كلام القصاص في المساجد ورؤساء الصوفية.... فاتفق أن بديء برجل من رؤساء الصوفية يعرف بإسحاق بن ثابت أحد الربانيين عند أصحابه، فقال له: بلغني أنك تقول في دعائك: يا واحدي بالتحقيق يا جاري اللصيق، فمن لا يعلم بأن الله لا يجوز أن يوصف أنه لصيق على الحقيقة فهو كافر، لأن الملاصقة من صفات الأجسام. إنكم تهذون وتوهمون الناس على أنكم ربانيين.... وكتب إليه أن لا يتكلم على الناس.

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ٣٢ ص ١٧١،١٧٢

أبو بكر الواعظ البكري.... قدم إلى بغداد وجلس للوعظ وذكر ما يلطخ به الحنابلة من التجسيم.... وضربه جماعة من الهاشميين (يقصد العبّاسيين) بالحصى وهم من أصحاب أحمد، فأخذهم النقيب وعاقبهم.

وقتل خلفاء شرعيّون إماماً مجسّماً طمع بالحكم

- تهذيب الكمال ج ١ ص ٥٠٧

... حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال: وقُتِل أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي سنة إحدى وثلاثين ومئتين. قال الحافظ أبو بكر: وكان قتله في خلافة الواثق لامتناعه عن القول بخلق القرآن. وبه حدثني القاضي أبوعبد الله الصيمري، حدثنا محمد ابن عمران المرزباني، أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال: كان أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي من أهل الحديث، وكان جده من رؤساء نقباء بني العباس، وكان أحمد وسهل بن سلامة، حين كان المأمون بخراسان، بايعا الناس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى أن دخل المأمون بغداد، فرفق بسهل حتى لبس السواد، وأخذ الأرزاق ولزم أحمد بيته، ثم إن أمره تحرك ببغداد

٢٧٠

في آخر أيام الواثق، واجتمع إليه خلق من الناس، يأمرون بالمعروف، إلى أن ملكوا بغداد، وتعدى رجلان من أصحابه يقال لأحدهما: طالب في الجانب الغربي، ويقال للآخر أبو هارون في الجانب الشرقي، وكانا موسرين فبذلا مالاً، وعزما على الوثوب ببغداد في شعبان سنة إحدى وثلاثين ومئتين، فنم عليهم قوم إلى إسحاق بن إبراهيم فأخذ جماعة فيهم أحمد بن نصر، وأخذ صاحبيه طالباً وأبا هارون فقيدهما، ووجد في منزل أحدهما أعلاماً، وضرب خادماً لأحمد بن نصر فأقر أن هؤلاء كانوا يصيرون إليه ليلاً فيعرفونه ما عملوا، فحملهم إسحاق مقيدين إلى سر من رأى، فجلس لهم الواثق وقال لأحمد بن نصر: دع ما أخذت له، ما تقول في القرآن قال: كلام الله. قال: أفمخلوق هو قال: كلام الله. قال: أفترى ربك في القيامة قال: كذا جاءت الرواية، قال: ويحك، يرى كما يرى المحدود المتجسم ويحويه مكان ويحصره الناظر، أنا أكفر برب هذه صفته، ما تقولون فيه؟ فقال عبدالرحمان بن إسحاق، وكان قاضياً على الجانب الغربي ببغداد فعزل: هو حلال الدم، وقال جماعة من الفقهاء كما قال، فأظهر ابن أبي دؤاد أنه كاره لقتله، فقال للواثق: يا أميرالمؤمنين شيخ مختل لعل به عاهة أو تغير عقله يؤخر أمره ويستتاب. فقال الواثق: ما أراه إلا مؤدياً لكفره قائماً بما يعتقده منه. ودعا الواثق بالصمصامة وقال: إذا قمت إليه فلا يقومن أحد معي، فإني أحتسب خطاي إلى هذا الكافر الذي يعبد رباً لا نعبده ولا نعرفه بالصفة التي وصفه بها، ثم أمر بالنطع فأجلس عليه وهو مقيد وأمر بشد رأسه بحبل، وأمرهم أن يمدوه، ومشى إليه حتى ضرب عنقه، وأمر بحمل رأسه إلى بغداد فنصب بالجانب الشرقي أياماً، وفي الجانب الغربي أياماً، وتتبع رؤساء أصحابه فوضعوا في الحبوس!. انتهى. ورواه الذهبي أيضاً في ج ١٧ ص ٥٦

- سير أعلام النبلاء ج ١١ ص ١٦٥

قال الحسن بن محمد الحربي: سمعت جعفر بن محمد الصائغ، يقول: رأيت أحمد بن نصر حين قتل قال رأسه: لا إله إلا الله. قال المروذي: سمعت أحمد ذكر

٢٧١

أحمد بن نصر فقالرحمه‌الله : لقد جاد بنفسه. وعلق في أذن أحمد بن نصر ورقة فيها: هذا رأس أحمد بن نصر، دعاه الإمام هارون إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه، فأبى إلا المعاندة فعجله الله إلى ناره. وكتب محمد بن عبد الملك.

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ١٧ ص ٥٨

قال: رأى بعض أصحابنا أحمد بن نصر في النوم فقال: ما فعل ربك؟ قال: ما كانت إلا غفوه حتى لقيت الله فضحك لي.... وقال غضبت له فأباحني النظر إلى وجهه!

وكان التجسيم منتشراً في عصر ابن الجوزي والسبكي

- كشف الظنون ج ١ ص ٢١٨

للشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي الحنبلي المتوفى سنة ٥٩٧ سبع وتسعين وخمسمائة، مختصر صنف في تأييد مذهبه والرد على الحنابلة المجسمة. انتهى.

وله ايضاً كتاب دفع شبهة التشبيه بأكف التنزيه، حققه في عصرنا ونشره الباحث السيد حسن السقاف، وتجد في ترجمة ابن الجوزي وكتبه قصة محنته مع الحناابلة المجسمين في عصره!

- كشف الظنون ج ١ ص ٨٧٩

رسالة الغفران من المكث بحران، مختصر لبعض العلماء، أولها الحمد لله على كل حال الخ. ألفها سنة ٦٢٧ سبع وعشرين وستمائة رد فيها على حنبلي مجسم منكر، على قواعد علم الكلام.

- وقد ذكر السبكي في طبقات الشافعية وغيره نماذج عديدة للمجسّمة العلنيين والسرّيين، قال في ج ٢ ص ١٩: وقد وصل حال بعض المجسمه في زماننا إلى أن كتب شرح صحيح مسلم للشيخ محي الدين النووي وحذف من كلام النووي ما تكلم به على أحاديث الصفات، فإن النووي أشعري العقيدة، فلم تحمل قوى هذا الكاتب أن

٢٧٢

يكتب الكتاب على الوضع الذي صنفه مصنفه! انتهى.

ووصل الحال في عصرنا إلى أن بعض الوهابيين ينشرون كتب النووي وغيره ويحذفون منها كل مايخالف مذهبهم حتى أنهم حذفوا فضل زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من أحد كتبه. وهذا غيض من فيض فإن دور نشرهم في عدة بلدان تعمل مناشيرها وسكاكينها في كتب الثراث الاسلامي، ومستأجريهم ينفذون تعليماتهم بحذف كل ما لا يليق لهم!

هذا مضافاً الى نشرهم كتب المشبهة والمجسمة وتكبير شخصياتهم وإشاعة تعظيمهم وتقدسيهم، وتكفير مخالفيهم من سلف الأمة ومعاصريها!

وانتقل التجسيم من بغداد إلى مصر

- سير أعلام النبلاء ج ١٥ ص ٤٢٩

أبو إسحاق المروزي الإمام الكبير، شيخ الشافعية وفقيه بغداد، أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي، صاحب أبي العباس بن سريج وأكبر تلامذته، اشتغل ببغداد دهراً وصنف التصانيف وتخرج به أئمة كأبي زيد المروزي، والقاضي أبي حامد أحمد بن بشر المروروذي مفتي البصرة، وعدة.

شرح المذهب ولخصه، وانتهت إليه رئاسة المذهب. ثم إنه في أواخر عمره تحول إلى مصر فتوفي بها في رجب في تاسعه، وقيل في حادي عشرة سنة أربعين وثلاث مئة، ودفن عند ضريح الإمام الشافعي ولعله قارب سبعين سنة..... صنف المروزي كتاباً في السنة، وقرأه بجامع مصر، وحضره آلاف فجرت فتنة، فطلبه كافور فاختفى، ثم أدخل إلى كافور، فقال: أما أرسلت إليك أن لا تشهر هذا الكتاب فلا تظهره. وكان فيه ذكر الإستواء، فأنكرته المعتزلة. انتهى. يقصد أنه كان في الكتاب ذكر القعود الحسي لله تعالى على عرشه، فأنكره علماء مصر. ولكن الحاكم كافوراً الإخشيدي كان يميل إلى التجسيم فطلب منه أن لا ينشر كتابه فقط!

٢٧٣

الإمام العبدري المغربي المجسّم

- تذكرة الحفّاظ ج ٤ ص ٧٢

العبدري: الإمام الحافظ العلاّمة أبو عامر محمد بن سعدون بن مرجي القرشي العبدري الميورقي الأندلسي نزيل بغداد، وكان من أعيان الحفاظ ومن فقهاء الظاهرية، سمع أبا عبد الله مالك بن أحمد البانياسي ورزق الله التميمي وأبا الفضل ابن خيرون وطراد بن محمد الزينبي ويحيى بن أحمد السيبي وأبا عبد الله الحميدي وطبقتهم، قال القاضي أبو بكر بن العربي في معجمه: أبوعامر العبدري هو أنبل من لقيته. وقال ابن ناصر: كان فهماً عالماً متعففاً وكان يذهب إلى أن المناولة كالسماع. وقال السلفي في معجمه: كان من أعيان علماء الإسلام بمدينة السلام، متصرفاً في فنون من العلوم أدباً ونحواً ومعرفة بالأنساب، وكان داودي المذهب قرشي النسب، كتب عني وكتبت عنه، مولده بقرطبة. وقال أحمد بن أبي بكر البندنيجي: لما دفنوا أبا عامر العبدري قال ابن ناصر: خلا لك الجو فبيضي واصفري. مات أبوعامر حافظ حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من شاء فليقل ما شاء.

قال الحافظ ابن عساكر: كان أبو عامر داودياً وكان أحفظ شيخ لقيته.... ذكر أنه دخل دمشق، سمعته يقول جرى ذكر الإمام مالك فقال: جلف جاف ضرب هشام بالدرة.... بلغني أنه قال في: يوم يكشف عن ساق، وضرب على ساقه فقال: ساق كساقي هذه. قلت: هذه حكاية منقطعة، وهذا قول الضلال المجسمة، وما أعتقد أن بلغ بالعبدري هذا. ثم قال: وبلغني أنه قال إن أهل البدع يحتجون بقوله تعالى: ليس كمثله شيء، أي في الإلهية أما في الصورة فهو مثلي ومثلك.... قال ثم تلا قوله تعالى: يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن، أي في الحرمة!!

- وترجم له ترجمة مفصلة في تاريخ الإسلام ج ٣٦ ص ١٠٣

٢٧٤

التجسيم ينتشر في المغرب فيقاومه المهدي بن تومرت

- تاريخ ابن خلدون ج ٧ ص ٢٢٥

الخبر عن مبدأ أمر المهدي ودعوته وما كان للموحدين القائمين بها على يدى بني عبد المؤمن من السلطان والدولة بالعدوتين وإفريقية.... وكانت وفاة المهدي لأربعة أشهر بعدها، وكان يسمى أصحابه بالموحدين، تعريضاً بلمتونة في أخذهم بالعدول عن التأويل وميلهم إلى التجسيم. وكان حصوراً لا يأتي النساء، وكان يلبس العباءة المرقعة، وله قدم في التقشف والعبادة، ولم تحفظ عنه فلتة في البدعة، إلا ما كان من وفاقه الإمامية من الشيعة في القول بالإمام المعصوم، والله تعالى أعلم. انتهى. يستكثر علينا إخواننا السنة أن نقول بعصمة أهل البيت وهم الأئمة الإثني عشر والصديقة الزهراءعليهم‌السلام اللذين نص عليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ونص الله تعالى على طهارتهم، وأوجب محبتهم وجعل بغضهم نفاقاً، وجعل الصلاة عليهم فى صلاة المسلمين اليومية.. ثم نراهم يقولون بعصمة الخليفة عمر وأبي بكر وعثمان، بل وعصمة كل الصحابة وعدالتهم. فهل يريدون بذلك استثناء أهل البيت فقط من عشرة آلاف صحابي. واذا أجابوا بأنا لانقول بعصمة الصحابة طالبناهم بأن يذكروا أخطاء الذين يقدسونهم منهم.

- تاريخ ابن خلدون ج ٧ ص ٢٦٦

هذا العهد لما دعا المهدي إلى أمره في قومه من المصامدة بجبال درن، وكان أصل دعوته نفي التجسيم الذى آل إليه مذهب أهل المغرب باعتمادهم ترك التأويل في المتشابه من الشريعة، وصرح بتكفير من أبى ذلك، أخذاً بمذهب التكفير بالمآل، فسمى لذلك دعوته بدعوة التوحيد وأتباعه بالموحدين، نعياً على الملثمين فإن مذاهبهم إلى اعتقاد الجسمية.

٢٧٥

- وقال الدكتور حسن إبراهيم في تاريخ الإسلام ج ٤ ص ٣٦٨

صرف ابن تومرت الناس عن اتباع مذهب السلف الذي قد يجر معتنقيه إلى التشبيه والتجسيم. وابن تومرت في هذا الميدان العلمي يعتبر من الشخصيات العلمية البارزة في التاريخ الإسلامي.

وكثر الحشوية والْمُخَلِّطُونَ في العالم الإسلامي

قال العلامة الأرموي في منهاج الكرامة ص ٦: وقالت جماعة الحشوية والمشبهة: إن الله تعالى جسم له طول وعرض وعمق، وإنه يجوز عليه المصافحة، وإن الصالحين من المسلمين يعانقونه في الدنيا، وحكى الكعبي عن بعضهم أنه كان يجوز رؤيته في الدنيا وأنه يزورهم ويزورونه، وحكى عن داود الظاهري أنه قال: أعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك، وقال: إن معبودهم له جسم ولحم ودم وله جوارح وأعضاء كيد ورجل ولسان وعينين وأذنين، وحكى أنه قال: هو أجوف من أعلاه إلى صدره مصمت ما سوى ذلك، وله شعر قطط. حتى قالوا: اشتكت عيناه فعادته الملائكة، وبكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه، وأنه يفضل من العرش من كل جانب أربع أصابع. وذهب بعضهم إلى أنه تعالى ينزل في كل ليلة جمعة على شكل أمرد حسن الوجه راكباً على حمار، حتى أن بعضهم ببغداد وضع على سطح داره معلفاً يضع كل ليلة جمعة فيه شعيراً وتبناً لتجويز أن ينزل الله على حماره على ذلك السطح فيشتغل الحمار بالأكل ويشتغل الرب بالنداء، ويقول: هل من تائب هل من مستغفر، تعالى الله عن مثل ذلك.

... وحكى عن بعض المنقطعين التاركين من شيوخ الحشوية أنه اجتاز عليه في بعض الأيام نفاط ومعه أمرد حسن الوجه قطط الشعر على الصفات التي يصفون ربهم بها، فألح الشيخ بالنظر إليه وكرره وأكثر تصويبه إليه، فتوهم فيه النفاط فجاء إليه ليلاً فقال: أيها الشيخ رأيتك تلح بالنظر إلى هذا الغلام وقد أتيتك به فإن كان لك فيه

٢٧٦

نية فأنت الحاكم، فرد الشيخ عليه وقال: إنما كررت النظر إليه لأن مذهبي أن الله تعالى ينزل على صورة هذا الغلام، فتوهمت أنه الله تعالى! فقال له النفاط: ما أنا عليه من النفاطة أجود مما أنت عليه من الزهد مع هذه المقالة....

وأضاف الأرموي: أقول: لا يسع المقام أكثر من ذلك وإلا لنقلنا أضعاف ما ذكرنا. وقال الطبراني: حدثنا على بن سعيد الرازي حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج عن الضحاك عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه عز وجل في صورة شاب أمرد وبه قال ابن جريج.. عن صفوان بن سليم عن عائشة قالت: رأى النبي ربه على صورة شاب جالس على كرسي رجله في خضرة من لؤلؤ يتلألأ!

* *

٢٧٧

الفصل السابع

كلّ الناس مبرّؤون.... والشيعة متّهمون

المنطق الحاكم في كتب العقائد عند إخواننا، هو منطق الدولة الذي يصدر الأحكام ولا يقبل الإعتراض، وأحكامه هنا تقول:

أولاً: السنة هم المسلمون الموحدون، حتى لو كانت مصادرهم تنادي بالتشبيه والتجسيم بأحاديث صحيحة عندهم!

والشيعة هم المجسمون والمعطلون، وإن كانت مصادرهم تنادي بالتنزيه ونفي التشبيه بأحاديث صحيحة عندهم!

ثانياً: يحرم قراءة أي كلام والخوض في أي بحث يوجب اتهام السنة بالتجسيم! كما يحرم قراءة كتب الشيعة وأحاديثهم في العقائد، لأنهم يجسمون الله تعالى ويؤلهون الأئمة من ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

هذا هو حكم أكثر الكتاب والمؤلفين في العقائد، ودليلهم أن التاريخ عامل الشيعة بهذه الأحكام، فصارت هي الجو العام الذي نشأوا فيه، فكتبوا كما قرؤوا وكما سمعوا.

٢٧٨

لقد استطاع كثير من المظلومين في التاريخ، أن يرفعوا أيديهم أو أصواتهم ويسجلوا (آخهم) من ظالميهم. أما نحن الشيعة فلم نستطع إلى الآن أن نسجل ( آخنا) من التاريخ.

يكفيك أن تلقي نظرة على مصادر التاريخ والعقائد وما كتبوه عن الفرق والملل والنحل، وما يكتبه خصوم الشيعة وأهل البيت في عصرنا.. لتراها تكرر ادعاء أن الشيعة أخذوا عقائدهم من اليهود والفرس والهندوس، فهم المجسمون الذين يعبدون إلهاً مادياً له طول وعرض وأعضاء، ولذا فهم يعبدون صنماً ولا يعبدون الله تعالى!

أما السنة فهم المسلمون الأصيلون الذين أخذوا عقائدهم من منبع الإسلام الصافي، من الكتاب والسنة، عن طريق الصحابة الأبرار بدون أي تأثر باليهود ولا بغيرهم، فهم الموحدون المنزهون لله تعالى عما افتراه عليه اليهود والنصارى والمجوس والشيعة!

إن مشكلتنا نحن شيعة أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن الكتب التي اتهمتنا قد كتبت بحبر حكام الجور وأقلام موظفيهم! وأن الذين أنصفونا ومدحونا، كتبوا ذلك وهم على وجل من غضب السلاطين!

ولكن ذلك من مفاخرنا أيضاً!

محاولات الدولة والمشبّهين إلصاق التشبيه بالنبي وآله

يدل النص التالي على أن تهمة التشبيه والتجسيم للشيعة كانت موجودة في القرن الثاني، أي منذ أن راج التشبيه والتجسيم وطفح كيله فمجه الناس، فاتهمت به السلطة معارضيها من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

وفي نفس الوقت عمد المشبهون والمجسمون إلى نسبة مذهبهم إلى النبي وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم، ليثبتوا شرعية فريتهم! وهو اسلوب مزدوج في ترويج التهمة في الناس، بنسبتها الى أهل البيتعليهم‌السلام ، ثم رمي أهل البيت وشيعتهم بها!!

٢٧٩

- روى النيسابوري في روضة الواعظين ص ٣٣

قال الحسن بن خالد: قلت للرضاعليه‌السلام : يابن رسول الله إن الناس ينسبونا إلى القول بالتشبيه والجبر لما روي في الأخبار في ذلك عن آبائكعليهم‌السلام !

فقال: يابن خالد أخبرني عن الأخبار التي رويت عن آبائيعليهم‌السلام في التشبيه أكثر، أم الأخبار التي رويت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك؟

فقلت: بل ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر.

فقال: فليقولوا إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول بالتشبيه إذن!!

فقلت له: إنهم يقولون إن رسول الله لم يقل من ذلك شيئاً، وإنما روي عليه.

قال: قولوا في آبائيعليهم‌السلام إنهم لم يقولوا من ذلك شيئاً وإنما روي عليهم.

ثم قالعليه‌السلام : من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك، ونحن منه براء في الدنيا والآخرة. يابن خالد: إنما وضع الأخبار عنا في التشبيه الغلاة الذين صغروا عظمة الله جل جلاله، فمن أحبهم فقد أبغضنا.. إلى آخر الخبر.

- وقال الشيخ الصدوق المتوفى سنة ٣٨١ في مقدمة كتابه التوحيد ص ١٧:

إن الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا أني وجدت قوماً من المخالفين لنا ينسبون عصابتنا إلى القول بالتشبيه والجبر، لما وجدوا في كتبهم من الأخبار التي جهلوا تفسيرها ولم يعرفوا معانيها ووضعوها في غير موضعها، ولم يقابلوا بألفاظها ألفاظ القرآن، فقبحوا بذلك عند الجهال صورة مذهبنا، ولبسوا عليهم طريقتنا، وصدوا الناس عن دين الله، وحملوهم على جحود حجج الله، فتقربت إلى الله تعالى ذكره بتصنيف هذا الكتاب في التوحيد ونفي التشبيه والجبر، مستعيناً به ومتوكلاً عليه.

بغض أهل البيت وشيعتهم إرث غير شرعي

إن التهم لأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وشيعتهم موروثة إرثاً (غير شرعي) وقد كانت بدايتها يوم فارق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الحياة وتركوا جنازته لأهل بيته، وأعلنوا ولادة حكومة

٢٨٠

السقيفة، فعارضها أهل البيت وجماعة من الأنصار والمهاجرين، واعتصموا في بيت فاطمة الزهراءعليها‌السلام فكان الهجوم على بيت فاطمة بالحطب والنار!

ولم يهدأ الهجوم علينا بالحطب والنار إلى يومنا هذا!

نحن لا ننتظر من تاريخنا الإسلامي الذي لم يتحمل كلمة معارضة من بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فهاجم بيتها وبدأ بإحراقه بمن فيه، أن يتحمل معارضتنا في بحوث وكتب!

ولا ننتظر من دول اضطهدتنا وطاردتنا وشردتنا وقتلتنا، أن تمدحنا وتمدح عقائدنا، أو تترك تهمة أو سبة تخطر بالبال أو لا تخطر، دون أن ترمينا بها!

لكن يحق لنا أن ننتظر من علماء إخواننا المنصفين بعد قرون وقرون، أن لا يرثوا بغض أهل بيت نبيهم وشيعتهم، وأن يقرؤوا عقائدهم وفقههم من مصادر مذهبهم لا من مصادر الذين اضطهدوهم وأبغضوهم.

- قال السيد شرف الدين في الفصول المهمة ص ١٨٠

فهنا مقصدان: المقصد الأول، في الأمور التي ينفر منها الشيعي ولا يكاد يمتزج بسببها مع السني، وأهمها شيئان: الأول، ما سمعته في الفصول السابقة من التكفير والتحقير والشتم والتزوير.

الثاني، إعراض إخواننا أهل السنة عن مذهب الأئمة من أهل البيت، وعدم الإعتناء بأقوالهم في أصول الدين وفروعه بالمرة، وعدم الرجوع إليهم في تفسير القرآن العزيز (وهو شقيقهم) إلا دون ما يرجعون فيه إلى مقاتل بن سليمان المجسم المرجيء الدجال، وعدم الإحتجاج بحديثهم إلا دون ما يحتجون بدعاة الخوارج والمشبهة والمرجئة والقدرية! ولو أحصيت جميع ما في كتبهم من حديث ذرية المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان إلا دون ما أخرجه البخاري وحده عن عكرمة البربري الخارجي المكذب. انتهى.

وإنى لأعجب من علماء إخواننا السنة القدماء والجدد، الذين بحثوا في توحيد الله تعالى وصفاته، ورووا حتى عن أقل الصحابة والتابعين، برهم وفاجرهم، وعن

٢٨١

اليهود والنصارى، معتدلهم ومتطرفهم.. كيف لم يطلعوا على الخطب الغنية لعلي أمير المؤمنينعليه‌السلام وكلمات أهل البيت البليغة في حقائق التوحيد، التي تشهد بأنهم باب مدينة علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد كانت هذه الخطب والأحاديث وما تزال في متناولهم، مودعة في المصادر المختلفة، ومجموعة في نهج البلاغة وأمثاله..! فلو أنهم اطلعوا عليها لفتحت لهم أبواباً جديدة، وحلت لهم مشكلات مستعصية ولظهر شيء من آثارها وأنوارها في مؤلفاتهم!

إن مقتضى قاعدة (إحمل أخاك المسلم على الأحسن) أن نقول إنهم لم يقرؤوا شيئاً من أحاديث الشيعة ومؤلفاتهم وبحوثهم في التوحيد والصفات، لأنا إذا اتهمناهم بأنهم قرؤوها وتجاهلوها، فذلك يعني وجود كارثة في بحوث العقائد عندهم.

وتعجبي الأكبر من جرأة بعض إخواننا على تبرئة مصادرهم من التشبيه والتجسيم، واتهام الشيعة ومذهبهم بذلك!

وتواصلت علينا الإفتراءات عبر العصور

- قال السمعاني المتوفى ٥٦٢ في كتابه الأنساب ج ٥ ص ٦٤٣

والهشامية جماعة من غلاة الشيعة، وهم الهشامية الأولى والأخرى. أما الأولى فهم أصحاب هشام بن الحكم الرافضي المفرط في التشبيه والتجسيم، وكان يقول إن معبوده جسم ذو حد ونهاية وإنه طويل عريض عميق وطوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه، وله مقالات في هذا الفن حكيت عنه.

وأما الهشامية الأخرى فهم أصحاب هشام بن سالم الجواليقي، وكان يزعم أن معبوده جسم، وأنه على صورة الإنسان ولكنه ليس بلحم ولا دم، بل هو نور ساطع يتلألأ بياضاً، وله حواس خمس كحواس الإنسان ويد ورجل وسائر الأعضاء، وأن نصفه الأعلى مجوف، إلا الفرج واللحية. وزعم هشام بن الحكم أنه كسبيكة

٢٨٢

الفضة، وأنه بشبر نفسه سبعة أشبار. وكل واحد منهما يكفر صاحبه، ويكفرهما غيرهما. انتهى.

وقد وصل الأمر بالسمعاني وأمثاله أن ادعوا أن تجسيم الكرامية جاءهم من تأثرهم بالشيعة وغيرهم، وإلا فشيخهم الكرام عالم متقشف زاهد وإن كان في مذهبه شيء من التشبيه والتجسيم! قال السمعاني في الأنساب ج ٥ ص ٤٣: الكرامي: بفتح الكاف وتشديد الراء المهملة. هذه النسبة إلى أبي عبد الله محمد بن كرام النيسابوري.... من أهل نيسابور، ثم أزعج عنها وانتقل إلى بيت المقدس وسكنها ومات بها. يروي عن مالك بن سليمان الهروي. روى عنه محمد بن إسماعيل بن إسحاق وحكى عنه من الزهد والتقشف أشياء، وفي المذهب أشياء من التشبيه والتجسيم، وذكر في كتاب له سماه (عذاب القبر) في وصف الرب عز وجل، أنه أحدي الذات أحدي الجوهر، فشارك النصارى في وصفه إياه بالجوهر، وشارك اليهود والهشامية والجوالقية من مشبهة الروافض في وصفه إياه بأنه جسم. وناقض أصحابه في امتناعهم عن وصفهم إياه أنه جوهر، مع إطلاقهم وصفه بأنه جسم، إطلاق الجسم أفحش من إطلاق الجوهر. وذكر في هذا الكتاب أنه معبود في مكان مخصوص، وأنه مماس لعرشه من فوقه، وهكذا حكي عنه. انتهى. ولكن من حكي عنه، ومن أين أخذ ما نقله عنه.. هذا ليس مهماً عند من يريد الاتهام.

- وقال المسعودي في مروج الذهب ج ٤ ص ١٠٣، ١٠٤

وكان أبو الهذيل محمد بن الهذيل اجتمع مع هشام بن الحكم الكوفي، وكان هشام شيخ المجسمه والرافضة في وقته ممن وافقه على مذهبه، وكان أبو الهذيل يذهب إلى نفي التجسيم ورفض التشبيه.

- وقال الأميني في الغدير ج ٣ ص ١٤٢

الملل والنحل، هذا الكتاب وإن لم يكن يضاهي (الفصل) في بذاءة المنطق غير أن في غضونه نسباً مفتعلة وآراء مختلقة وأكاذيب جمة، لا يجد القارئ ملتحداً عن

٢٨٣

تفنيدها، فإليك نماذج منها:

١ - قال: قال هشام بن الحكم متكلم الشيعة: إن الله جسم ذو أبعاض في سبعة أشبار بشبر نفسه، في مكان مخصوص وجهة مخصوصة.

٢ - قال في حق علي: إنه إله واجب الطاعة..

٣ - وقال هشام بن سالم: إن الله على صورة إنسان أعلاه مجوف وأسفله مصمت، وهو نور ساطع يتلألأ، وله حواس خمس ويد ورجل وأنف وأذن وعين وفم، وله وفرة سوداء، وهو نور أسود لكنه ليس بلحم ولا دم، وإن هشام هذا أجاز المعصية على الأنبياء مع قوله بعصمة الأئمة.

٤ - وقال زرارة بن أعين: لم يكن الله قبل خلق الصفات عالماً ولا قادراً ولا حياً ولا بصيراً ولا مريداً ولا متكلماً.

٥ - قال أبوجعفر محمد بن النعمان: إن الله نور على صورة إنسان، ويأبى أن يكون جسماً.

٦ - وزعم يونس بن عبد الرحمن القمي أن الملائكة تحمل العرش والعرش تحمل الرب، وهو من مشبهة الشيعة، وصنف لهم في ذلك كتباً.

- وقال الأميني في الغدير ج ٣ ص ٨٩

وذكر ابن تيمية في منهاج السنة هذه النسب والإضافات المفتعلة، وراقه أن يري المجتمع أنه أقدر في تنسيق الأكاذيب من سلفه، وأنه أبعد منه عن أدب الصدق والأمانة فزاد عليها:

اليهود لا يخلصون السلام على المؤمنين إنما يقولون السام عليكم (السام: الموت) وكذلك الرافضة.

اليهود لا يرون المسح على الخفين، وكذلك الرافضة.

اليهود يستحلون أموال الناس كلهم، وكذلك الرافضة.

اليهود تسجد على قرونها في الصلاة، وكذلك الرافضة.

٢٨٤

اليهود لا تسجد حتى تخفق برؤسها مراراً تشبيهاً بالركوع، وكذلك الرافضة.

اليهود يرون غش الناس، وكذلك الرافضة.

وأمثال هذه من الخرافات والسفاسف، وحسبك في تكذيب هذه التقولات المعزوة إلى الشيعة شعورك الحر، وحيطتك بفقههم وكتبهم وعقائدهم وأعمالهم، وما عرف منهم قديماً وحديثاً. فإلى الله المشتكى.

- وقال الأميني في الغدير ج ٣ هامش ص ٩٠ واصفاً كتاب الإنتصار لعبد الرحيم الخياط:

إنك غير مائن لو سميته بمصدر الأكاذيب، ولو عزى إليه على عدد صفحاته ١٧٣ الصفحة لما كذب القائل، ولو جست خلال صحايفه لأوقفك الفحص على العجب العجاب، من كذب شائن وتحكم بارد وتهكم ممض ونسب مفتعلة، وإنا نرجىَ إيقافك عليها إلى ظفرك بالكتاب نفسه، فإنه مطبوع بمصر منشور، ولا نسود جبهات صحائف كتابنا بنقل هاتيلك الأساطير كلها، وإنما نذكر لك نماذج منها لتعرف مقدار توغله في القذائف وتهالكه دون الطامات، وتغلغل الحقد في ضميره الدافع له إلى تشويه سمعة أمة كبيرة كريمة نزيهة عن كل ما تقوله عليها قال:

١ - الرافضة تعتقد أن ربها ذو هيئة وصورة يتحرك ويسكن ويزول وينتقل، وأنه كان غير عالم فعلم.... إلى أن قال: هذا توحيد الرافضة بأسرها إلا نفراً منهم يسيراً صحبوا المعتزلة واعتقدوا التوحيد، فنفتهم الرافضة عنهم وتبرأت منهم، فأما جملتهم ومشا يخهم مثل هشام بن سالم، وشيطان الطاق، وعلي بن ميثم، وهشام بن الحكم بن منور، والسكاك، فقولهم ما حكيت عنهم.

٢ - الرافضة تقول وهي معتقدة: إن ربها جسم ذو هيئة وصورة يتحرك ويسكن ويزول وينتقل وأنه كان غير عالم ثم علم.

٣ - فهل على وجه الأرض رافضي إلا وهو يقول: إن الله صورة ويروي في ذلك الروايات، ويحتج فيه بالأحاديث عن أئمتهم! إلا من صحب المعتزلة منهم قديماً فقال بالتوحيد فنفته الرافضة عنها ولم تقر به!!

٢٨٥

وتضاعفت التهم في عصرنا عصر العلم وحرّية الفكر

- قال الدكتور حسن إبراهيم في تاريخ الإسلام ج ١ ص ٤٢٤

- الرافضة قالوا: إن الله له قد وصورة وإنه جسم ذو أعضاء. هشام بن الحكم وهشام بن سالم وشيطان الطاق من معتقدي الرافضة.

- وقال في تاريخ الإسلام ج ٢ ص ١٥٨

الشيعة انقسمت حسب اعتقادها إلى ثلاثة أقسام: غالية ورافضة وزيدية، والشيعة الغالية هم الذين غلوا في علي وقالوا فيه قولاً عظيماً.. والشيعة الرافضة هم الذين قالوا إن الله قد وصورة وإنه جسم ذو أعضاء!

- فتاوى الألباني ص ٤٤١

إن الإسلام كفكر لا يمكن أن يصور أنه مصفى.. كيف وهناك فرق كثيرة جداً كالمعتزلة... والشيعة والرافضة، كل هؤلاء يدعون الإسلام فلا بد أن يقوم العلماء بواجب تصفية هذا الإسلام وتقديمه للناس.

- وقال الدكتور القفاري في كتابه أصول مذهب الشيعة ، الذي منحته السعودية درجة دكتوراه برتبة الشرف الأولى، وأوصت بجعله مصدراً (أكاديمياً) في جامعات المملكة، علماً أن نسبة كبيرة من سكان المملكة من الشيعة!

قال القفاري في ج١ ص ٨٧:

المذهب الشيعي مباءة للعقائد الآسيوية القديمة. ويضيف البعض أن مذهب الشيعة كان مباءة ومستقراً للعقائد الآسيوية القديمة كالبوذية وغيرها. يقول الأستاذ أحمد أمين: وتحت التشيع ظهر القول بتناسخ الأرواح وتجسيم الله والحلول، ونحو ذلك من الأقوال التي كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس قبل الإسلام. ويشير بعض المستشرقين إلى تسرب الكثير من العقائد غير الإسلامية إلى الشيعة ويقول: إن تلك العقائد انتقلت إليها من المجوسية والمانوية والبوذية، وغيرها من الديانات التي كانت سائدة في آسيا قبل ظهور الإسلام. انتهى.

٢٨٦

وكأن هذا (الباحث) لا يعرف أن الفرس المجوس صاروا سنيين أولاً، وألفوا أهم مصادر إخواننا السنة وصحاحهم، ونظّروا لعقائدهم ومذاهبهم بل أسسوا مذاهبهم، وبعد قرون طويلة صار أبناؤهم شيعة! فإن كانوا متأثرين بعقائدهم المجوسية والآسيوية فقد نقلوها معهم إلى التسنن الذي صاروا أئمة مذاهبه ثم أئمة مصادره قروناً طويلة، وما زالوا، فالعلامة المجلسي الشيعي مثلاً صاحب موسوعة (بحار الأنوار) المتوفى سنة ١١١١ هجرية هو من أولاد الحافظ أبي نعيم الإصفهاني السني المتوفى سنة ٤٣٥ هجرية! وهكذا العشرات بل المئات غيره من الفرس الذين صاروا أئمة المذاهب السنية أولاً، ثم صار أبناؤهم شيعة بعد قرون قد تطول أو تقصر، حتى أنك تجد الكثير من أبنائهم اليوم ما زالوا يحملون أسماء أجدادهم من أئمة السنة!

فمن أولى بتهتة التأثر بالعقائد المجوسية والآسيوية، الأجداد السنيون أم الأبناء الشيعيون!

على أن الباحث علمياً لا يمكنه أن يرسل أحكامه هكذا جزافاً، ولابد له أن يفحص الأفكار والعقائد واحدة واحدة، ويرى من أين جاءت ومن تبناها، ومن وقف ضدها.. الخ.

وقد رأيت أن أفكار الرؤية والتشبيه والتجسيم وأحاديثها ولدت في بيوت الدولة، ودرجت في قصورها ومساجدها، وتربت على يد كبار شخصياتها، وأن أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم وقفوا ضدها، وأفتوا بأنها دخيلة، وأن آباءها يهوداً!!

* *

٢٨٧

الفصل الثامن

تفسير مقارن للآيات المتعلّقة بالموضوع

الآيات المحكمة النافية لإمكان الرؤية

ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ . الأنعام ١٠٢ - ١٠٣

فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ . الشورى - ١١

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا . طه - ١١٠

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ . البقرة - ٢٢

وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ . الأعراف - ١٤٣

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ .. البقرة - ٥٥

٢٨٨

يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا . النساء - ١٥٣

وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا * يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا . الفرقان ٢١ - ٢٢

قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ . الإخلاص ١ - ٤

الآيات المتشابهة التي استدلّوا بها على الرؤية

كَلاّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ . القيامة ٢٠ - ٢٥

وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى . النجم ١ - ١٨

أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ * يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُون * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ . القلم ٣٩ - ٤٣

آيات: استوى على العرش

إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ

٢٨٩

يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ . الأعراف - ٥٤

إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ . يونس - ٣

اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ . الرعد - ٢

طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى . طه ١ - ٦

الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا . الفرقان - ٥٩

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ . السجدة - ٤

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ . الحديد - ٤ - ٥

وقد أوردنا عدداً من الأحاديث الشريفة ومن كلمات العلماء في تفسير هذه الآيات، ونورد هنا ما بقي من تفسيرها، وفيها أحاديث وآراء مشتركة بين أكثر من آية، لأنها وردت في موضوع الرؤية ككل.

* *

٢٩٠

تفسير آية: لا تدركه الأبصار

ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ .الأنعام. ١٠٢ - ١٠٣

النبي وآله يقولون: لا تدركه الأبصار ولا.. الأوهام

- روى الصدوق في التوحيد ص ٣٩٨

حدثنا محمد بن موسى بن المتوكلرضي‌الله‌عنه قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال حدثني محمد بن أبي بشير، قال حدثني الحسين بن أبي الهيثم، قال حدثنا سليمان بن داود، عن حفص بن غياث، قال حدثني خير الجعافر جعفر بن محمد، قال حدثني باقر علوم الأولين والآخرين محمد بن علي، قال حدثني سيد العابدين علي بن الحسين، قال حدثني سيد الشهداء الحسين بن علي، قال حدثني سيد الأوصياء علي بن أبي طالبعليهم‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم جالساً في مسجده إذ دخل عليه رجل من اليهود فقال: يا محمد إلى ما تدعو؟

قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله.

قال: يا محمد أخبرني عن هذا الرب الذي تدعو إلى وحدانيته وتزعم أنك رسوله، كيف هو؟

قال: يا يهودي إن ربي لا يوصف بالكيف، لأن الكيف مخلوق وهو مكيفه.

قال: فأين هو؟

قال: إن ربي لا يوصف بالأين، لأن الأين مخلوق وهو أينه.

قال: فهل رأيته يا محمد؟

قال: إنه لا يرى بالأبصار ولا يدرك بالأوهام.

قال: فبأي شيء نعلم أنه موجود؟

قال: بآياته وأعلامه.

٢٩١

قال: فهل يحمل العرش أم العرش يحمله؟

فقال: يا يهودي إن ربي ليس بحال ولا محل.

قال: فكيف خروج الأمر منه؟

قال: بإحداث الخطاب في المحال.

قال: يا محمد أليس الخلق كله له؟

قال: بلى.

قال: فبأي شيء اصطفى منهم قوماً لرسالته؟

قال: بسبقهم إلى الإقرار بربوبيته.

قال: فلم زعمت أنك أفضلهم

قال: لأني أسبقهم إلى الإقرار بربي عز وجل؟

قال: فأخبرني عن ربك هل يفعل الظلم؟

قال: لا.

قال: ولم؟

قال: لعلمه بقبحه واستغنائه عنه.

قال: فهل أنزل عليك في ذلك قرآناً يتلى؟

قال: نعم إنه يقول عز وجل: وما ربك بظلام للعبيد، ويقول:إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ، ويقول:وما الله يريد ظلماً للعالمين ، ويقول:وما الله يريد ظلماً للعباد .

قال اليهودي: يا محمد فإن زعمت أن ربك لا يظلم فكيف أغرق قوم نوحعليه‌السلام وفيهم الأطفال؟

فقال: يا يهودي إن الله عز وجل أعقم أرحام نساء قوم نوح أربعين عاماً فأغرقهم حين أغرقهم ولا طفل فيهم، وما كان الله ليهلك الذرية بذنوب آبائهم، تعالى عن الظلم والجور علواً كبيراً.

٢٩٢

قال اليهودي: فإن كان ربك لا يظلم فكيف يخلد في النار أبد الآبدين من لم يعصه إلا أياماً معدودة؟

قال: يخلده على نيته، فمن علم الله نيته أنه لو بقي في الدنيا إلى انقضائها كان يعصي الله عز وجل خلده في ناره على نيته، ونيته في ذلك شر من عمله، وكذلك يخلد من يخلد في الجنة بأنه ينوي أنه لو بقي في الدنيا أيامها لأطاع الله أبداً، ونيته خير من عمله، فبالنيات يخلد أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، والله عز وجل يقول: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً .

قال اليهودي: يا محمد إني أجد في التوراة أنه لم يكن لله عز وجل نبي إلا كان له وصي من أمته فمن وصيك؟

قال: يا يهودي وصيي علي بن أبي طالب، واسمه في التوراة إليا وفي الإنجيل حيدار، وهو أفضل أمتي وأعلمهم بربي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وإنه لسيد الأوصياء كما أني سيد الأنبياء.

فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وأن علي بن أبي طالب وصيك حقاً، والله إني لأجد في التوراة كل ما ذكرت في جواب مسائلي، وإني لأجد فيها صفتك وصفة وصيك، وإنه المظلوم ومحتوم له بالشهادة، وإنه أبو سبطيك وولديك شبراً وشبيراً سيدي شباب أهل الجنة.

- وروى الكليني في الكافي ج ١ ص ٩٨

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله:لا تدركه الأبصار ، قال: إحاطة الوهم، ألا ترى إلى قوله:قد جاءكم بصائر من ربكم ، ليس يعني بصر العيون. فمن أبصر فلنفسه، ليس يعني من البصر بعينه. ومن عمي فعليها، ليس يعني عمى العيون إنما عنى إحاطة الوهم، كما يقال فلان بصير بالشعر، وفلان بصير بالفقه، وفلان بصير بالدراهم، وفلان بصير بالثياب. الله أعظم من أن يرى بالعين....

٢٩٣

محمد بن أبي عبد الله، عمن ذكره، عن محمد بن عيسى، عن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار فقال: يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها، ولا تدركها ببصرك وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون!

يد: ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن أبي هاشم الجعفري، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: سألته عن الله عز وجل هل يوصف؟ فقال: أما تقرأ القرآن قلت بلى، قال أما تقرأ قوله عز وجل:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار قلت بلى، قال: فتعرفون الأبصار قلت: بلى، قال: وما هي قلت: أبصار العيون فقال: إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهو لا تدركه الأوهام، وهو يدرك الأوهام.

- وروى النيسابوري في روضة الواعظين ص ٣٣

عن الإمام الرضاعليه‌السلام في قول الله عز وجل:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، قال: لا تدركه أوهام القلوب، فكيف تدركه أبصار العيون.

وسئل الصادقعليه‌السلام هل يرى الله في المعاد؟ فقال: سبحان الله تبارك وتعالى عن ذلك علواً كبيرا، إن الأبصار لا تدرك إلا ماله لون وكيفية، والله خالق الألوان والكيفية.

وقال محمد بن أبي عمير: دخلت على سيدي موسى بن جعفرعليهما‌السلام فقلت له: يابن رسول الله علمني التوحيد فقال: يا أبا أحمد لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تبارك وتعالى في كتابه فتهلك، واعلم أن الله تعالى واحد أحد صمد لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولا شريكاً، وأنه الحي الذي لا يموت، والقادر الذي لا يعجز، والقاهر الذي لا يغلب، والحليم الذي لا يعجل، والدائم الذي لا يبيد، والباقي الذي لا يفنى، والثابت الذي لا يزول، والغني الذي لا يفتقر، والعزيز الذي لا يذل، والعالم الذي لا يجهل، والعدل الذي لا يجور، والجواد الذي

٢٩٤

لا يبخل. وأنه لا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، ولا تحيط به الأقطار، ولا يحويه مكان،و لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ، وهو الأول الذي لا شيء قبله، والآخر الذي لا شيء بعده، وهو القديم وما سواه محدث، تعالى عن صفات المخلوقين علواً كبيرا.

وسئل الصادقعليه‌السلام هل لله تعالى رضى وسخط؟ فقال: نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، ولكن غضب الله عقابه ورضاه ثوابه.

وقال أيضاًعليه‌السلام : إن الله تعالى لا يوصف بزمان ولا مكان ولا حركة ولا انتقال ولا سكون، بل هو خالق الزمان والمكان، والحركة والسكون والإنتقال، تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيرا.

- وروى المجلسي في بحار الأنوار ج ٤ ص ٤٦

نص: الحسين بن علي، عن هارون بن موسى، عن محمد بن الحسن، عن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمدعليه‌السلام إذ دخل عليه معاوية بن وهب و عبدالملك بن أعين، فقال له معاوية بن وهب: يابن رسول الله ما تقول في الخبر الذي روي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه، على أي صورة رآه، وعن الحديث الذي رووه أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة، على أي صورة يرونه؟ فتبسمعليه‌السلام ثم قال: يا معاوية ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في ملك الله ويأكل من نعمه، ثم لا يعرف الله حق معرفته.

ثم قالعليه‌السلام : يا معاوية إن محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله لم ير الرب تبارك وتعالى بمشاهدة العيان، وإن الرؤية على وجهين: رؤية القلب، ورؤية البصر، فمن عني برؤية القلب فهو

٢٩٥

مصيب ومن عنى برؤية البصر فقد كفر بالله وبآياته، لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من شبه الله بخلقه فقد كفر. ولقد حدثني أبي، عن أبيه، عن الحسين بن علي قال: سئل أمير المؤمنينعليه‌السلام فقيل: يا أخا رسول الله هل رأيت ربك فقال: وكيف أعبد من لم أره لم تره العيون بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان. فإذا كان المؤمن يرى ربه بمشاهدة البصر فإن كل من جاز عليه البصر والرؤية فهو مخلوق، ولابد للمخلوق من الخالق، فقد جعلته إذا محدثاً مخلوقاً، ومن شبهه بخلقه فقد اتخذ مع الله شريكاً، ويلهم أولم يسمعوا يقول الله تعالى: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير. وقوله: لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً، وإنما طلع من نوره على الجبل كضوء يخرج من سم الخياط فدكدكت الأرض وصعقت الجبال فخر موسى صعقاً، أي ميتاً، فلما أفاق ورد عليه روحه، قال سبحانك تبت إليك من قول من زعم أنك ترى، ورجعت إلى معرفتي بك أن الأبصار لا تدركك، وأنا أول المؤمنين، وأول المقرين بأنك ترى ولا ترى، وأنت بالمنظر الأعلى.

ثم قالعليه‌السلام : إن أفضل الفرائض وأوجبها على الإنسان معرفة الرب والإقرار له بالعبودية، وحد المعرفة أن يعرف أنه لا إله غيره، ولا شبيه له ولا نظير، وأن يعرف أنه قديم مثبت موجود غير فقيد، موصوف من غير شبيه ولا مبطل، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

وبعده معرفة الرسول والشهادة بالنبوة.

وأدنى معرفة الرسول الإقرار بنبوته، وأن ما أتى به من كتاب أو أمر أو نهي فذلك من الله عز وجل، وبعده معرفة الإمام الذي به تأتم بنعته وصفته واسمه في حال العسر واليسر....

ثم قال: يا معاوية جعلت لك أصلاً في هذا فاعمل عليه، فلو كنت تموت على ما كنت عليه لكان حالك أسوأ الأحوال، فلا يغرنك قول من زعم أن الله تعالى يرى بالبصر.

٢٩٦

قال: وقد قالوا أعجب من هذا، أولم ينسبوا آدمعليه‌السلام إلى المكروه!

أو لم ينسبوا إبراهيمعليه‌السلام إلى ما نسبوه!

أو لم ينسبوا داودعليه‌السلام إلى ما نسبوه من حديث الطير!

أو لم ينسبوا يوسف الصديق إلى ما نسبوه من حديث زليخا!

أو لم ينسبوا موسىعليه‌السلام إلى ما نسبوه من القتل!

أو لم ينسبوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ما نسبوه من حديث زيد!

أولم ينسبوا علي بن أبي طالبعليه‌السلام إلى ما نسبوه من حديث القطيفة!

إنهم أرادوا بذلك توبيخ الإسلام ليرجعوا على أعقابهم، أعمى الله أبصارهم كما أعمى قلوبهم، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.

- وروى نحوه في بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٣ وص ٣٩ وفيه (إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهي لا تدركه، وهو يدرك الأوهام).

- وروى نحوه في بحار الأنوار ج ٤ ص ٢٩ وفيه (لا تدركه أوهام القلوب فكيف تدركه أبصار العيون! وقال المجلسيرحمه‌الله :

بيان: هذه الآية إحدى الدلالات التي استدل بها النافون للرؤية وقرروها بوجهين:

أحدهما: أن إدراك البصر عبارة شائعة في الإدراك بالبصر إسناداً للفعل إلى الآلة، والإدراك بالبصر هو الرؤية بمعنى اتحاد المفهومين أو تلازمهما، والجمع المعرف باللام عند عدم قرينة العهدية والبعضية للعموم والإستغراق بإجماع أهل العربية والأصول وأئمة التفسير، وبشهادة استعمال الفصحاء، وصحة الإستثناء، فالله سبحانه قد أخبر بأنه لا يراه أحد في المستقبل، فلو رآه المؤمنون في الجنة لزم كذبه تعالى وهو محال.

واعترض عليه: بأن اللام في الجمع لو كان للعموم والإستغراق كما ذكرتم كان قوله تدركه الأبصار موجبة كلية، وقد دخل عليها النفي، فرفعها وهو رفع الإيجاب الكلي، ورفع الإيجاب الكلي سلب جزئي. ولو لم يكن للعموم كان قوله لا تدركه الأبصار

٢٩٧

سالبة مهملة في قوة الجزئية، فكان المعنى لا تدركه بعض الأبصار، ونحن نقول بموجبه حيث لا يراه الكافرون، ولو سلم فلا نسلم عمومه في الأحوال والأوقات فيحمل على نفي الرؤية في الدنيا جمعاً بين الأدلة.

والجواب: أنه قد تقرر في موضعه أن الجمع المحلى باللام عام نفياً وإثباتاً في المنفي والمثبت كقوله تعالى: وما الله يريد ظلماً للعباد، وما على المحسنين من سبيل، حتى أنه لم يرد في سياق النفي في شيء من الكتاب الكريم إلا بمعنى عموم النفي، ولم يرد لنفي العموم أصلاً، نعم قد اختلف في النفي الداخل على لفظة كل لكنه في القرآن المجيد أيضاً بالمعنى الذي ذكرنا كقوله تعالى: والله لا يحب كل مختال فخور، إلى غير ذلك، وقد اعترف بما ذكرنا في شرح المقاصد وبالغ فيه.

وأما منع عموم الأحوال والأوقات فلا يخفى فساده، فإن النفي المطلق الغير المقيد لا وجه لتخصيصه ببعض الأوقات إذ لا ترجيح لبعضها على بعض، وهو أحد الأدلة على العموم عند علماء الأصول.

وأيضاً صحة الإستثناء دليل عليه، وهل يمنع أحد صحة قولنا: ما كلمت زيداً إلا يوم الجمعة، ولا أكلمه إلا يوم العيد، وقال تعالى: ولا تعضلوهن، إلى قوله: إلا أن يأتين. وقال: ولا تخرجوهن، إلى قوله إلا أن يأتين.

وأيضاً كل نفي ورد في القرآن بالنسبة إلى ذاته تعالى فهو للتأبيد وعموم الأوقات لا سيما فيما قبل هذه الآية.

وأيضاً عدم إدراك الأبصار جميعاً لشيء لا يختص بشيء من الموجودات، خصوصاً مع اعتبار شمول الأحوال والأوقات، فلا يختص به تعالى، فتعين أن يكون التمدح بعدم إدراك شيء من الأبصار له في شيء من الأوقات.

وثانيهما: أنه تعالى تمدح بكونه لا يرى فإنه ذكره في أثناء المدائح، وما كان من الصفات عدمه مدحاً كان وجوده نقصاً يجب تنزيه الله تعالى عنه، وإنما قلنا من الصفات احترازاً عن الأفعال كالعفو والإنتقام فإن الأول تفضل، والثاني عدل، وكلاهما كمال.

٢٩٨

- الإقتصاد للشيخ الطوسي ص ٣٩

ولا يجوز عليه تعالى الرؤية بالبصر، لأن من شرط صحة الرؤية أن يكون المرئي نفسه أو محله مقابلاً للرائي بحاسة، أو في حكم المقابل، والمقابلة يستحيل عليه لأنه ليس بجسم، ومقابلة محله أيضاً يستحيل عليه لأنه ليس بعرض على ما بيناه.

ولأنه لو كان مرئياً لرأيناه مع صحة حواسنا وارتفاع الموانع المعقولة ووجوده، لأن المرئي إذا وجد وارتفعت الموانع المعقولة وجب أن نراه، وإنما لا نراه إما لبعد مفرط أو قرب مفرط أو لحائل بيننا وبينه أو للطافة أو صغر، وكل ذلك لا يجوز عليه تعالى لأنه من صفات الأجسام والجواهر.

وبمثل ذلك بعينه يعلم أنه لا يدرك بشيء من الحواس الباقية، فلا وجه للتطويل بذكره، والحاسة السادسة غير معقولة، ولو كانت معقولة لكان حكمها حكم هذه الحواس مع اختلافها واتفاقها في هذا الحكم.

وأيضاً قوله تعالى: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، دليل على استحالة رؤيته، لأنه تمدح بنفي الإدراك عن نفسه، وكل تمدح تعلق بنفي فإثباته لا يكون إلا نقصاً، كقوله: لا تأخذه سنة ولا نوم، وقوله تعالى: ما اتخذ الله من ولد، وقوله تعالى: ولم تكن له صاحبة ولا ولداً، وقوله تعالى: لا يظلم الناس شيئاً، وغير ذلك مما تعلق المدح بالنفي، فكان إثباته نقصاً. والآية فيها مدح بلا خلاف وإن اختلفوا في جهة المدح، والإدراك في الآية بمعنى الرؤية، لأنه نفى عن نفسه ما أثبته لنفسه بقوله: وهو يدرك الأبصار.

وقوله: وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة، لا يعارض هذه الآية، لأن النظر المذكور في الآية معناه الإنتظار، فكأنه قال: لثواب ربها منتظرة.

ومثله قوله: وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة، أي منتظرة. وليس النظر بمعنى الرؤية في شيء من كلام العرب، ألا ترى أنهم يقولون: نظرت إلى الهلال فلم أره،

٢٩٩

فيثبتون النظر وينفون الرؤية، ولو كان معناه الرؤية لكان ذلك مناقضة، ويقولون: ما زلت أنظر إليه حتى رأيته، ولا يقولون: ما زلت أراه حتى رأيته. ولو سلم أن النظر بمعنى الرؤية لجاز أن يكون معناه: إلى ثواب ربها رائية، وثواب الله يصح رؤيته.

ويحتمل أن تكون إلى في الآية واحد الآلاء، لأنه يقال إلى وإلي وألي، وإنما لم تنون لمكان الإضافة، فتكون إلى في الآية إسماً لا حرفاً، فتسقط بذلك شبهة المخالف.

وقول موسىعليه‌السلام : رب أرني أنظر اليك، يحتمل أن يكون سأل الرؤية لقومه على ما حكاه الله عز وجل في قوله: فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة، فسأل الله تعالى ذلك ليرد الجواب من جهته فيكون أبلغ.

ويحتمل أن يكون سأل العلم الضروري الذي تزول معه الخواطر والشبهات، أو إظهار آية من آيات الساعة التي يحصل عندها العلم الذي لا شك فيه، وللأنبياء أن يسألوا تخفيف البلوى في التكليف، كما سأل ابراهيمعليه‌السلام فقال: رب أرني كيف تحيي الموتى، قال أو لم تؤمن، قال بلى ولكن ليطمئن قلبي، وكل ذلك لا ينافي الآية التي ذكرناها. انتهى. ويؤيد الوجه الأخير الذى ذكره الشيخ الطوسيرحمه‌الله تركيب الآية: أرني أنظر اليك، ولم يقل أنظرك، فهو يريد أن يريه شيئاً يجعله كأنه يشاهد اللّه تعالى.

- تفسير التبيان ج ٤ ص ٢٢٣

قوله تعالى:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير . الأنعام ١٠٣

في هذه الآية دلالة واضحة على أنه تعالى لا يرى بالأبصار، لأنه تمدح بنفي الإدراك عن نفسه، وكلما كان نفيه مدحاً غير متفضل به فإثباته لا يكون إلا نقصاً، والنقص لا يليق به تعالى. فإذا ثبت أنه لا يجوز إدراكه ولا رؤيته.

وهذه الجملة تحتاج إلى بيان أشياء: أحدها، أنه تعالى تمدح بالآية. والثاني أن الإدراك هو الرؤية. والثالث أن كلما كان نفيه مدحاً لا يكون إثباته إلا نقصاً.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434