إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق13%

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق مؤلف:
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 434

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 220932 / تحميل: 6949
الحجم الحجم الحجم
إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

ولا يكون الاشتغال به من الاول إلا مقيدا بعدم عروضه فلا يقين باشتغال الذمة بالتكليف به إلا إلى هذا الحد فلا يجب رعايته فيما بعده ولا يكون إلا من باب

______________________________

من جهة قصور المكلف لا المكلف به كما في الاول، وشرطية وجود الموضوع راجعة إلى شرطية عدم المانع من اشتغال ذمة المكلف فان الاناء المفقود مما لا قصور في مفسدته ولا في تعلق الكراهة بشربه إلا ان العلم بكراهته لا يصلح ان يكون موجبا لاشتغال الذمة به فيمتنع ان يكون وجوده شرطا للتكليف الذي هو في الحقيقة شرط نفس الارادة والكراهة ذاتا كما في القدرة أو عرضا كما في عدم الاضطرار، فوجود الموضوع والابتلاء به نظير وجود الحجة على التكليف ليس شرطا للتكليف وان كان شرطا للاشتغال في نظر العقل، وهذا واضح لدى التأمل، إنما الاشكال فيما ذكره من كون تنجز الباقي بعد الفقد بقاعدة الاشتغال إذا من المعلوم ان القاعدة المذكورة إنما تجري في كل ما يحتمل انه المنجز والباقي بعد الفقدان مما لا يحتمل فيه ذلك إذ المنجز إن كان هو العلم حال الفقدان فبطلانه ظاهر لعدم صلاحيته لذلك من جهة الفقدان، وان كان هو العلم قبل الفقدان فذلك العلم طرفاه المفقود والباقي معا قبل زمان الفقدان لا مطلقا فليس الوجه في تنجز الباقي إلا انه طرف لعلم اجمالي قائم بين التدريجيين وهما المفقود قبل فقده والباقي بعد الفقدان كما اشار إليه في الحاشية، وحينئذ فلا فرق بين الاضطرار والفقدان من هذه الجهة فبالنظر إلى العلم الاجمالي بين الدفعيين لا تنجز للباقي في المقامين، والى العلم الاجمالي بين التدرجيين يتنجز الباقي في المقامين، وصحة التقييد في الاضطرار وعدمها في الفقدان إنما يوجبان الفرق في حصول العلم الاجمالي بالتكليف بعد الفقدان وحصوله بعد الاضطرار، وذلك لا يوجب فرقا في منجزية الباقي بعد الفقدان لأن العلم الحاصل حين الفقدان لا أثر له في المنجزية بعد خروج بعض اطرافه عن محل الابتلاء. وعليك بالتأمل وهو سبحانه المستعان (قوله: ولا يكون الاشتغال به) هذا الأثر مشترك بين الاضطرار والفقدان لما عرفت ان

٣٠١

* الاحتياط في الشبهة البدوية فافهم وتأمل فانه دقيق جدا (الثاني) انه لما كان (١) النهي عن الشئ إنما هو لأجل أن يصير داعيا للمكلف نحو تركه لو لم يكن له داع آخر ولا يكاد يكون ذلك إلا فيما يمكن عادة ابتلاؤه به وأما ما لا ابتلاء به بحسبها فليس للنهي عنه موقع أصلا ضرورة أنه بلا فائدة ولا طائل بل يكون من قبيل طلب الحاصل كان الابتلاء بجميع الأطراف مما لابد منه في تأثير العلم فانه بدونه لا علم بتكليف فعلي لاحتمال تعلق الخطاب بما لا ابتلاء ومنه قد انقدح

______________________________

الفقدان من موانع الاشتغال فلا يكون الاشتغال الا قبله فهو من حدود الاشتغال وان لم يكن من حدود نفس التكليف كالاضطرار (قوله: داعيا للمكلف) يعني داعيا عقليا بحيث يكون عدمه ارجح من وجوده في نظره لما يترتب على الوجود من استحقاق العقاب (قوله: يكون ذلك) يعني صيرورته داعيا (قوله: بحسبها) اي بحسب العادة (قوله: طلب الحاصل) لحصول الغرض وهو عدم المفسدة (قوله: كان الابتلاء بجميع الأطراف) هذا جواب (لما) في قوله: لما كان النهي. وحاصل المراد: انه يعتبر في صحة النهي عن شئ كونه في معرض ابتلاء المكلف إذ لو لم يكن كذلك كان تركه مستندا إلى عدم حصول الداعي إلى فعله فلا مجال للنهي عنه لأنه من قبيل تحصيل الحاصل، وحينئذ إذا كان بعض اطراف المعلوم بالاجمال خارجا عن محل الابتلاء لا يكون ذلك العلم الاجمالي منجزا وموجبا للاحتياط فيما هو محل الابتلاء من الأطراف لاحتمال كون المعلوم منطبقا على ما هو خارج عن محل الابتلاء فلا يكون التكليف به فعليا. وتوضيح الحال: ان موضوع التكليف (تارة) يكون في معرض الابتلاء للمكلف فيحسن ان يخاطب بالاجتناب عنه مطلقا كما في بعض اواني المكلف التي

______________

(١) كما انه إذا كان فعل الشئ الذي كان متعلقا لغرض المولى مما لا يكاد عادة ان يتركه العبد وان لا يكون له داع إليه لم يكن الامر به والبعث إليه موقع اصلا كما لا يخفى. منه قدس سره

٣٠٢

تكون تحت يده (واخرى) لا يكون كذلك فلا يحسن الخطاب به الا مشروطا بالابتلاء كما في الاواني التى قد تقتضي العادة نادرا ابتلاءه بها كأواني الملك بالنسبة إلى سواد الرعية فانه لا يصح ان تقول له: اجتنب عن اناء الملك مطلقا، وان صح ان تقول له: إن دخلت بيت الملك فاجتنب الاناء الفلاني (وثالثة) لا يصح الخطاب به لا مطلقا ولا مشروطا كالثوب يلبسه انسان معين من سواد الرعية وسكان البراري والقفار بالنسبة إلى الملك فلا يحسن خطاب الملك بالاجتناب عنه مطلقا لا مطلقا ولا مشروطا، وقد عرفت في الحاشية السابقة انه لا قصور في مفسدة الموضوع المذكور من حيث اقتضائها الكراهة حيث انها مفسدة بلا مزاحم ولا في تحقق الكراهة لقدرة المكلف على الارتكاب والاجتناب غاية الأمر أنه لا يحسن الخطاب به لحصول الصوارف العادية عنه بحيث يعد النهي عنه من قبيل تحصيل الحاصل لغوا ومن هنا وقع الاشكال في اعتبار هذا الشرط في منجزية العلم الاجمالي، فمنعه بعض زعما منه أن امتناع الخطاب لا يقدح في منجزية العلم بعد تعلقه بالارادة الكامنة في نفس المولى إذ الخطاب لا موضوعية له في المنجزية به هو ملحوظ طريقا إلى تلك الارادة وحاكيا عنها، ولذا لو علمت الارادة المذكورة مع العلم بعدم الخطاب لمانع وجب موافقتها، كما أنه لو علم بالخطاب وعلم بعدم الارادة لم تجب الموافقة في نظر العقل فإذا كان المنجز هو العلم بالارادة فهو حاصل، ولو كان بعض الاطراف خارجا عن محل الابتلاء ويترتب حينئذ وجوب الاحتياط فيما هو محل الابتلاء (والجواب): أن المانع من الخطاب في المقام ليس الا كونه بحيث لا يوجب تحميلا على المكلف والقاء له في كلفة التكليف، وهذا مما لا يمنع أن يكون العلم مما يترتب عليه الأثر أعني المنجزية واشتغال الذمة إذ لو ترتب عليه ذلك كان مترتبا بعينه على الخطاب ويكون به حسنا والمفروض خلافه. وبالجملة: العلم من قبيل الخطاب فالالتزام بقبح الخطاب ولغويته وعدم ترتب اثر عليه ملازم لالتزام ذلك في العلم بعينه وهو ينافي كونه منجزا وموجبا لاشتغال ذمة العبد كما هو

٣٠٣

* أن الملاك في الابتلاء المصحح لفعلية الزجر وانقداح طلب تركه في نفس المولى فعلا هو ما إذا صح انقداح الداعي إلى فعله في نفس العبد مع اطلاعه على ما هو عليه من الحال ولو شك في ذلك كان المرجع هو البراءة لعدم القطع بالاشتغال لا إطلاق الخطاب ضرورة أنه لا مجال للتشبث به إلا فيما إذا شك في التقييد بشئ بعد الفراغ عن صحة الاطلاق بدونه

______________________________

ظاهر بادنى تأمل (قوله: ان الملاك في الابتلاء المصحح) يعني أن الميزان الذي يعرف به كون الموضوع مبتلي به وغير مبتلى به هو كون العلم به موجبا لحدوث الداعي في نفس العبد إلى الترك أو غير موجب لذلك فان كان موجبا له فالموضوع مبتلي به إذ لا معنى لتحميل العبد وايقاعه في الكلفة الا التسبب إلى ايجاد ذلك الداعي العقلي إلى الفعل أو الترك فلو لم يكن موجبا لذلك الداعي فالموضوع غير مبتلي به (قوله: ولو شك في ذلك كان المرجع) يعني لو شك في الابتلاء للشك في صحة انقداح الداعي إلى ترك المعلوم بالاجمال فالمرجع فيما هو محل الابتلاء من الاطراف اصل البراءة لعدم القطع باشتغال الذمة بالمعلوم بالاجمال ليجب فيه الاحتياط من جهة الشك في الشرط، لكن لا يخفى أن الابتلاء ليس شرطا للاشتغال والتنجز العقلي بوجوده الواقعي حتى يكون الشك فيه شكا فيه بل هو شرط بوجوده العلمي فما لم يعلم الابتلاء يعلم بعدم حكم العقل بالاشتغال، فلا يخلو التعبير من مسامحة (قوله: لا اطلاق الخطاب) يعني ليس المرجع اطلاق الخطاب كما قد يظهر من كلام شيخنا الاعظم (ره) في رسائله لأن الاطلاق إنما يكون مرجعا فيما إذا احرزت صحته وشك في مطابقته للواقع وعدمها من جهة الشك في التقييد وعدمه لا ما إذا علم بمطابقته للواقع وشك في صحته وعدمها، والمقام من الثاني لما عرفت أن الموضوع الخارج عن محل الابتلاء لا قصور في ثبوت التكليف به لثبوت مقتضيه وعدم المزاحم له غاية الامر انه لا يحسن الخطاب به للغويته وعدم ترتب فائدة عليه وذلك إنما يوجب عدم صحته لانه في ظرف ثبوته لا يكون

٣٠٤

* لا فيما شك في اعتباره في حصته (١) تأمل لعلك تعرف انشاء الله تعالى (الثالث) انه قد عرفت أنه مع فعلية التكليف المعلوم لا تفاوت بين أن يكون أطرافه محصورة وأن يكون غير محصورة (نعم) ربما يكون كثرة الأطراف في مورد موجبة لعسر موافقته القطعية باجتناب كلها أو ارتكابه أو ضرر فيها أو غيرهما مما لا يكون معه التكليف فعليا بعثا أو زجرا فعلا وليس بموجبة لذلك في غيره كما أن نفسها ربما يكون موجبة لذلك ولو كانت قليلة في مورد آخر فلابد من ملاحظة ذاك الموجب لرفع فعلية التكليف المعلوم بالاجمال أنه يكون اولا يكون في هذا المورد أو يكون مع كثرة أطرافه وملاحظة أنه مع آية مرتبة من كثرتها كما لا يخفى ولو شك في عروض الموجب فالمتبع هو إطلاق دليل التكليف لو كان وإلا فالبراءة لأجل الشك في

______________________________

مطابقا للواقع بخلاف سائر المطلقات مثل اكرم العالم إذا شك في تقييده بالعدالة فان الشك في التقييد المذكور إنما يوجب الشك في مطابقة اطلاق العالم الشامل للفاسق والعادل للواقع مع القطع بصحته، ولو كان غير مطابق للواقع فضمير (به) راجع إلى الاطلاق و (بشئ) متعلق بالتقييد، و (بعد) ظرف لشك، وضمير (بدونه) راجع إلى التقييد (قوله: لا فيما شك) يعني لا يتشبث بالاطلاق إذا شك في وجود ما يعتبر في صحته كالابتلاء الذي هو شرط صحة اطلاق الخطاب (قوله: أو ضرر فيها) أي في الموافقة القطعية (قوله: أو غيرهما) أي غير العسر والضرر مثل خروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء (قوله: وليس بموجبة) معطوف على موجبة (قوله: ان نفسها) اي الموافقة القطعية (قوله: ولو كانت) يعني الاطراف (قوله: مع أية مرتبة) إذ قد تكون بعض مراتب الكثرة موجبة وبعض مراتبها غير موجبة (قوله: فالمتبع هو اطلاق دليل) من الواضح أن ادلة العسر والحرج والضرر مقيدة لأدلة

______________

(١) نعم لو كان الاطلاق في مقام يقتضي بيان التقييد بالابتلاء لو لم يكن هناك ابتلاء مصحح للتكليف كان الاطلاق وعدم بيان التقييد دالا على فعليته ووجود الابتلاء المصحح لها كما لا يخفى فافهم. منه قدس سره

٣٠٥

* التكليف الفعلي. هذا هو حق القول في المقام وما قيل في ضبط المحصور وغيره لا يخلو من الجزاف (الرابع) أنه إنما يجب عقلا رعاية الاحتياط في خصوص الاطراف مما يتوقف على اجتنابه أو ارتكابه حصول العلم باتيان الواجب أو ترك الحرام المعلومين في البين دون غيرها وان كان حاله حال بعضها في كونه محكوما بحكم واقعا. ومنه ينقدح الحال في مسألة ملاقاة شئ مع أحد أطراف النجس المعلوم بالاجمال وانه (تارة) يجب الاجتناب عن الملاقي دون ملاقيه فيما كانت الملاقاة بعد العلم إجمالا بالنجس بينها فانه إذا اجتنب عنه وطرفه اجتنب عن النجس في البين قطعا ولو لم يجتنب عما يلاقيه فانه على تقدير نجاسته لنجاسته كان فردا آخر من النجس قد شك في وجوده كشئ آخر شك في نجاسته بسب آخر.

______________________________

الاحكام الأولية وان كانت بلسان الحاكم فهي رافعة لنفس التكليف في ظرف ثبوته واقعا فمع الشك فيها يكون الشك في مطابقة الاطلاق للواقع فاصالة الاطلاق فيه حجة لولا أن الشبهة مصداقية، فالتمسك بها يتوقف على حجية اصالة العموم والاطلاق في الشبهات المصداقية. نعم تختص الشبهة في المقام بكون الأصل العقلائي فيها هو الاحتياط نظير الشك في القدرة لكون الشك في المزاحم مع احراز مقتضي التكليف وفي مثله يبني على عدم المزاحم، ومنه يظهر أنه لا يتضح الوجه في حكمه بالرجوع إلى اصالة الاطلاق ومع عدمه فالرجوع إلى البراءة إذ المرجع اصالة عدم المزاحم سواء كان هناك اطلاق أم لم يكن، وان هذا هو حق القول في المقام. فلاحظ (قوله: دون غيرها) إذ هو بعد ما لم يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه لا مقتضي للاحتياط فيه (قوله: فيما كانت الملاقاة بعد العلم) اعلم انه إذا علم اجمالا بنجاسة احد الاناءين مثلا ثم علم بملاقاة اناء ثالث لأحدهما فلا ريب في انه بعد العلم بالملاقاة يحدث علم اجمالي بنجاسة الملاقي - بالكسر - أو صاحب الملاقى - بالفتح - فيكون حينئذ علمان يشتركان في طرف واحد وهو صاحب الملاقى - بالفتح - ويختلفان بالمتلاقيين، ومقتضى حجية العلم الاجمالي وجوب الاحتياط في

٣٠٦

الملاقي - بالكسر - كما يجب في الملاقى - بالفتح - وصاحبه (وقد) يدفع وجوب الاحتياط فيه بان التكليف بالاجتناب عنه تكليف زائد على التكليف المعلوم بالاجمال والأصل فيه البراءة (وفيه) أنه يمكن دعوى ذلك بالنسبة إلى الملاقى - بالفتح - فانه يعلم اجمالا بوجوب الاجتناب إما عن الملاقي - بالكسر - أو عن صاحب الملاقى - بالفتح - والتكليف بالملاقى تكليف زائد يرجع فيه إلى أصل البراءة، ولا مرجح لملاحظة العلم بين الاصليين على ملاحظة هذا العلم الحادث بل التحقيق انه هنا علم واحد قائم بين المتلاقيين والطرف الآخر كما لو علم اجمالا اما بوجوب اكرام زيد وعمرو وإما بوجوب اكرام خالد الذي لا اشكال في وجوب الاحتياط التام فيه باكرام الجميع (وقد يدفع) كما قد يظهر من شيخنا الاعظم قدس سره في رسائله بان طهارة الملاقي - بالكسر - ونجاسته لما كانت من آثار طهارة الملاقى - بالفتح - ونجاسته، وكان ذلك موجبا لامتناع جريان الاصل في الأول في عرض جريانه في الثاني للسببية والمسببية الموجبة للترتب بينهما كما سيأتي انشاء الله بيانه في محله، كانت المعارضة بين اصالتي الطهارة أو استصحابهما في الاصليين لا غير، وبعد تساقطهما يرجع إلى اصالة الطهارة في الملاقي - بالكسر - بلا معارض (وفيه) أنه مبني على القول بأن المانع من جريان الأصل في طرف العلم الاجمالي هو المعارضة دون العلم الاجمالي المبتني على كون العلم الاجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية الحاصلة من جريان الأصل في تمام الأطراف دون وجوب الموافقة القطعية، وقد عرفت ان التحقيق هو الثاني وحينئذ لا مجال لجريان الأصل في بعض الاطراف وان لم يكن له معارض لأن اجراءه مخالفة احتمالية مضافا إلى أن أصالة الطهارة في الملاقي - بالكسر - معارضة باصالة الحل في الاصليين لانها فيهما اصل مسببي يرجع إليها بعد تعارض اصالة الطهارة فيهما وبعد التعارض يرجع إلى اصالة الحل في الملاقي - بالكسر - ولازم ذلك جواز شربه وعدم ترتيب آثار الطهارة عليه. نعم لو كان مسبوقا بالطهارة أمكن في بعض الصور معارضة أصالة الحل فيهما باستصحاب الطهارة فيه وبعد التعارض يرجع إلى اصل الطهارة فيه. لكن قد يكون الأصليان مسبوقين بالحل فيتعارض استصحاب الحل فيهما باستصحاب

٣٠٧

الطهارة فيه ثم يتعارض اصل الحل فيهما بقاعدة الطهارة فيه ويرجع فيه إلى اصل الحل لا غير. فتأمل جيدا (وقد يدفع) بما يظهر من المصنف (ره) من أن العلم القائم بين الملاقي - بالكسر - وصاحب الملاقى لما كان حادثا بعد العلم الاول لم يكن منجزا لأن احد طرفيه منجز بالعلم الأول وقد عرفت أنه إذا كان لبعض الأطراف منجز تعييني امتنع تنجيز العلم الاجمالي لمتعلقه ومن هنا لو انعكس الفرض بان تأخر العلم الاجمالي القائم بين الاصليين وجب الاحتياط في الملاقي - بالكسر - وصاحب الملاقى - بالفتح - ولم يجب الاحتياط فيه كما بينه في الصورة الثانية، ولو اقترن العلمان زمانا وجب الاحتياط في الجميع لحدوث العلمين في اطراف غير منجزة (وفيه) انك قد عرفت الاشارة سابقا إلى أن وجوب الاجتناب عن النجس إذا تعلق به العلم في زمان وبقي ممتدا بامتداد الزمان فتنجزه في كل آن يستند إلى العلم في ذلك الآن لا إلى العلم فيما قبله وحينئذ فوجوب الاجتناب عن أحد الأصليين في حال حدوث العلم الثاني يكون تنجزه مقارنا لتنجز وجوب الاجتناب إما عن الملاقي بالكسر أو عن الطرف الثالث ويكون الحال كما لو علم دفعة اما بنجاسة المتلاقيين أو بنجاسة الطرف الثالث في وجوب الاحتياط في الجميع (فان قلت): ما ذكرت من اناطة التنجز بالعلم حدوثا وبقاء هل يختص بالتكليف الممتد المنحل إلى تكاليف متعددة بتعدد الزمان كوجوب الاجتناب عن النجس أو يعم ما لم يكن كذلك كوجوب صوم أول يوم من الشهر ؟ وما الموجب لهذه الدعوى ؟ (قلت): لا فرق بين القسمين فإذا علم المكلف قبل الهلال بايام أنه يجب عليه صوم أول الشهر فمجرد حدوث العلم موجب لتنجز وجوب الصوم فإذا بقي العلم بقي التنجز. إذا انتفى العلم لحدوث شك سار ارتفع التنجز، والموجب لدعوى ذلك: أنه لو كان مجرد حدوث العلم موجبا لحدوث التنجز وبقائه كان اللازم حكم العقل بوجوب الامتثال ولو بعد ارتفاع العلم بوجوب الصوم وهو ظاهر البطلان (فان قلت): كيف يكون ظاهر البطلان مع انه لو تردد اليوم الواجب الصوم بين يومين وصام أحدهما فانه يرتفع العلم وجوب الصوم مع بقاء تنجز وجوب صوم اليوم المردد، ولذا نقول بوجوب صوم اليوم الثاني (قلت):

٣٠٨

لا نسلم أنه بعد صوم اليوم الاول من اليومين يرتفع العلم بوجوب صوم اليوم المردد بل هو بعد باق حتى لو صام الثاني منهما ايضا، غاية الامر يعلم بسقوط الوجوب للعلم بالامتثال وهو لا ينافى العلم بالثبوت فبعد صوم اليوم الاول يستند تنجز صوم اليوم المردد حينئذ إلى العلم في ذلك الزمان (فان قلت): كيف يكون العلم بوجوب صوم اليوم المردد منجزا بعد صوم أحدهما أو افطاره مع أن بعض أطرافه خارج عن محل الابتلاء فوجوب صوم اليوم الثاني إنما يكون لقاعدة الاشتغال التي هي عين وجوب دفع الضرر المحتمل لا لأجل العلم (قلت): لا يعتبر في بقاء التنجز لبقاء العلم بقاء تمام الأطراف تحت الابتلاء وانما يعتبر ذلك في حدوث التنجز وأما وجوب صوم اليوم الثاني لقاعدة الاشتغال فهو فرع منجزية العلم في تلك الحال واشغاله لذمة المكلف ولولاه لا معنى لقاعدة الاشتغال، فوجوب الاحتياط عقلا في كل واحد من الأطراف في كل آن لأجل احتمال كون الطرف هو الواجب المنجز في ذلك الآن وهو فرع تنجز المعلوم الاجمالي بالعلم في ذلك الآن، ولا فرق في ذلك بين ما قبل الشروع في واحد من الأطراف وما بعده وان حصل احتمال الموافقة في الثاني فقاعدة الاشتغال بما هي هي ليست منجزة بل هي فرع وجود منجز وشاغل لذمة المكلف يحتمل انطباقه على مجراها، فلابد من وجود ذلك المنجز وهو العلم وإن كان بعض أطرافه خارجا عن محل الابتلاء إذ لا يقدح ذلك عقلا إلا في حدوث التنجز. فتأمل (وقد يدفع) ايضا بان العلم بنجاسة الملاقي - بالكسر - أو طرف الملاقى ناشئ من العلم الاجمالي بنجاسة أحد الأصليين فيكون متأخرا عنه رتبة، وحينئذ فلا يصلح لأن ينجز متعلقه لأن أحد طرفيه متنجز بالعلم السابق رتبة، ولأجل ذلك تختلف الصور في وجوب الاجتناب عن الملاقي - بالكسر - دون الملاقى - بالفتح - أو العكس أو وجوب الاجتناب عنهما باختلاف كون العلم الذي أحد طرفيه الملاقي - بالكسر - ناشئا مما كان أحد طرفيه الملاقى (بالفتح) أو العكس أو كونهما ناشئين عن سبب ثالث (وفيه) أن العلم المذكور وإن كان ناشئا عن العلم بنجاسة أحد الأصليين إلا أن العلم بالنجاسة ليس منجزا حتى يمنع تنجيزه لطرفيه من تنجيز العلم

٣٠٩

ومنه ظهر أنه لا مجال لتوهم ان قضية تنجز الاجتناب عن المعلوم هو الاجتناب عنه ايضا، ضرورة ان العلم به إنما يوجب تنجز الاجتناب عنه لا تنجز الاجتناب عن فرد آخر لم يعلم حدوثه وإن احتمل

______________________________

الثاني لأنه علم بالموضوع وهو لا يصلح للمنجزية بل المنجز هو العلم بوجوب الاجتناب عن أحدهما الناشئ من العلم بالنجاسة وهو مما لا يكون علة للعلم بوجوب الاجتناب الذى طرفه الملاقي (بالكسر) أصلا بل هما معلولان لعلة واحدة فلا يصلح أن يكون احدهما مانعا عن منجزية الآخر، وعلى هذا فلم يتضح الوجه فيما هو المشهور من طهارة الملاقي لأحد أطراف الشبهة، وان كان هو الذي يقتضيه المذاق الفقهي. وكأن الوجه فيه: أن السبق الزماني لأحد العلمين موجب لاستناد التنجز إليه دون اللاحق وإن قلنا بأن التنجز يستند إلى العلم حدوثا وبقاء - كما ذكرناه آنفا - إذ غاية ما يقتضي اقتران العلمين حدوث احدهما مع بقاء الآخر، لكن ذلك لا ينافي استناد التنجز عند العقلاء إلى السابق، فان الانحلال الموجب لسقوط العلم المنحل عن التأثير ليس حقيقيا - كما عرفت - ولا عقليا ايضا - كما يقتضيه النظر الدقيق - بل هو عقلائي، والعقلاء مع اختلاف العلمين بالسبق واللحوق لا يرون للاحق أثرا في المنجزية، لا بنحو الاستقلال ولا بنحو الانضمام، وحينئذ يتعين التفصيل بين الصور - كما ذكره المصنف (ره) - ثم انه لا مجئ لشبهة معارضة أصل الطهارة في الملاقي (بالكسر) لاصل الحل في الاصليين على مسلك المصنف - رحمه الله - وما بعده لأن العلم الاجمالي بين الاصليين لما كان منجزا استند سقوط الاصول إليه فلا يرجع إلى الاصل في الملاقي بالكسر الا بعد تنجيز العلم القائم بين الاصليين المانع من جريان الاصول فيهما ففي رتبة جريان الاصل في الملاقي (بالكسر) لا مجال لجريان الاصول في الاصليين حتى تتوهم المعارضة بينهما بل تختص المعارضة على مسلك الشيخ - رحمه الله - لا غير كما ذكرنا (قوله: ومنه ظهر انه لا مجال لتوهم) يعني ما ذكره من قوله:

٣١٠

(واخرى) يجب الاجتناب عما لاقاه دونه فيما لو علم اجمالا نجاسته أو نجاسة شئ آخر ثم حدث العلم بالملاقات والعلم بنجاسة الملاقى أو ذاك الشئ ايضا فان حال (١) الملاقى في هذه الصورة بعينها حال ما لاقاه في الصورة السابقة في عدم كونه طرفا للعلم الاجمالي وانه فرد آخر على تقدير نجاسته واقعا غير معلوم النجاسة اصلا لا اجمالا ولا تفصيلا

______________________________

كان فردا آخر. وغرضه بهذا الكلام الاشارة إلى ما عن ظاهر ابن زهرة من أن المتنجس من شؤون نفس النجس فوجوب الاجتناب عن النجس يقتضي الاجتناب عنه وعما لاقاه نظير وجوب اكرام زيد المقتضي لاكرامه واكرام ولده وخادمه وسائر توابعه، فالخروج عن عهدة وجوب الاجتناب عن النجس المعلوم بالاجمال يتوقف على الاجتناب عن الملاقي لاحتمال انطباقه على الملاقى (بالفتح) المقتضي وجوب اجتنابه حينئذ لاجتناب ملاقية حينئذ، ويكون الحال كما لو قسم أحد الاناءين قسمين فانه يجب الاحتياط فيهما ولا يرجع في أحدهما إلى أصل الطهارة أو غيره من الاصول النافية. وحاصل دفع المصنف - رحمه الله - له: المنع عن ذلك وان الملاقاة للنجس تقتضي تنجس الملاقي له فيحدث فرد آخر للنجس يجب الاجتناب عنه كما يجب الاجتناب عن الملاقى غاية الأمر ان للنجس فردين ذاتيا وعرضيا، ولذلك لا تجري أحكام النجس على المتنجس به فان نجاسة البول تذهب بالغسل مرتين وليس كذلك المتنجس به بل إما أن تذهب بالغسل مرة لو كان اطلاق أو يحتاج إلى الغسل ثلاثا لو لم يكن اطلاق. فتأمل (قوله: واخرى يجب الاجتناب) معطوف على قوله: تارة يجب الاجتناب... الخ (قوله: عما لاقاه دونه) يعني عن الملاقى (بالكسر) دون الملاقى (بالفتح) (قوله: فان حال الملاقي) يعني الملاقى (بالفتح) ووجه كون حاله في هذه الصورة حال الملاقى (بالكسر) في الصورة السابقة أنه طرف لعلم اجمالي قائم بينه وبين شئ قد تنجز بعلم سابق على هذا العلم قائم به والملاقي بالكسر فصار كأنه مشكوك بدوا لانحلال العلم الذي هو طرفه بتنجز أحد طرفيه بالعلم السابق، وحيث أن المصنف - رحمه الله - يدعى الانحلال الحقيقي

______________

(١) وان لم يكن احتمال نجاسة ما لاقاه الا من قبل ملاقاته. منه قدس سره

٣١١

(وكذا) لو علم بالملاقات ثم حدث العلم الاجمالي ولكن كان الملاقي خارجا عن محل الابتلاء في حال حدوثه وصار مبتلي به بعده (وثالثة) يجب الاجتناب عنهما فيما لو حصل العلم الاجمالي بعد العلم بالملاقاة ضرورة انه حينئذ يعلم اجمالا اما بنجاسة الملاقي والملاقى أو بنجاسة الآخر كما لا يخفى فيتنجز التكليف بالاجتناب عن النجس في البين وهو الواحد أو الاثنان (المقام الثاني): في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين

______________________________

بتنجز أحد أطراف العلم قال غير معلوم النجاسة... الخ، ولو كان يرى الانحلال الحكمي لقال: ليس طرفا لعلم اجمالي منجز (قوله: وكذا لو علم) يعني يجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر ايضا دون الملاقى لو علم بملاقاة اناء مثلا لآخر ثم خرج الملاقى بالفتح عن محل الابتلاء ثم علم اجمالا بنجاسته قبل الملاقاة أو اناء ثالث فانه حينئذ يحدث علم اجمالي بنجاسة الملاقي بالكسر أو صاحب الملاقى بالفتح فيحدث بسببه علم بوجوب الاجتناب عن أحدهما فيجب الاحتياط فيهما والعلم الاجمالي بنجاسة الملاقى بالفتح أو صاحبه لا أثر له لخروجه عن محل الابتلاء فإذا اتفق ان صار في محل الابتلاء لا يجب الاجتناب عنه لما تقدم في الملاقي بالكسر في الصورة السابقة من أنه فرد آخر مشكوك بدوا وليس طرفا لعلم اجمالي منجز. هذا وقد عرفت في الصورة السابقة الاشكال الجاري في هذين الفرضين بعينه الموجب للاحتياط فلاحظ (قوله: عنهما) يعني المتلاقيين.

الأقل والأكثر الارتباطيان

(قوله: الارتباطيين) المراد من الأكثر الارتباطي هو المركب من أمرين أو أمور يترتب عليها غرض واحد أو أغراض متعددة متلازمة في مقام الثبوت والسقوط بحيث لا يترتب الأثر المقصود على بعضها الا في ظرف وجود الباقي ومن هنا لا يسقط الأمر ببعضها الا في ظرف سقوط الأمر بالباقي ويقابله الأكثر

٣١٢

(والحق) أن العلم الاجمالي بثبوت التكليف بينهما ايضا يوجب الاحتياط عقلا باتيان الأكثر لتنجزه به حيث تعلق بثبوته فعلا (وتوهم) انحلاله إلى العلم بوجوب الأقل تفصيلا والشك في وجوب الاكثر بدوا ضرورة لزوم الاتيان بالاقل لنفسه شرعا

______________________________

الاستقلالي فان كل واحد من أجزائه يترتب عليه الغرض مطلقا ولو في ظرف عدم الباقي كصوم شهر رمضان فان صوم كل يوم يترتب عليه الغرض ولو مع عدم صوم بقية أيامه، وعلى هذا فلا يعتبر في محلا الكلام أن يكون الأقل ارتباطيا بل لو كان الأقل بسيطا والأكثر المركب من ذلك الأقل وغيره ارتباطيا كان محلا للكلام من حيث البراءة والاشتغال (قوله: والحق أن العلم الاجمالي بثبوت) من الواضح أن الأقل لما كان داخلا في الاكثر وبعضا منه كان الوجوب النفسي على تقدير ثبوته للأكثر ثابتا للأقل أيضا غايته أنه لم يثبت له وحده بل ثبت له مع غيره، وحينئذ فلا اجمال في المعلوم حتى يسري الاجمال إلى العلم ويحكم بأن التكليف الثابت للأقل أو الأكثر معلوم بالاجمال، بل التكليف للأقل معلوم تفصيلا وللزائد على الأقل مشكوك بدوا، وحينئذ كان اللازم على المصنف - رحمه الله - التصدي لوجه منجزية العلم بالتكليف على النحو المذكور لوجوب الأكثر، مع أن الزائد على الأقل مما لم يعلم لا تفصيلا ولا إجمالا فهو لا معلوم ولا مما يحتمل انطباق المعلوم عليه، ولا يحسن قياس العلم المذكور بالعلم الاجمالي المردد بين المتباينين لوضوح الفرق بينهما فان المعلوم بالاجمال هناك محتمل الانطباق على كل واحد من الاطراف، والمعلوم هنا معلوم الانطباق على الاقل تفصيلا وعدم الانطباق على الاكثر كذلك، ولذا لا ريب في حصول مثل هذا العلم في الاقل والاكثر الاستقلالي، مع أنه لا مجال لتوهم وجوب الاحتياط فيه باتيان الأكثر وحيثية الارتباط والاستقلال لا دخل لها في وجود العلم الاجمالي وعدمه كما هو ظاهر بأدنى تأمل. نعم لو كان بناؤه على امكان ثبوت الوجوب الغيري للأجزاء المبتني على أخذ الحدود

٣١٣

أو لغيره كذلك أو عقلا ومعه لا يوجب تنجزه لو كان متعلقا بالاكثر (فاسد) قطعا لاستلزام الانحلال المحال بداهة توقف لزوم الاقل فعلا إما لنفسه أو لغيره على تنجز التكليف مطلقا ولو كان متعلقا بالاكثر فلو كان لزومه كذلك مستلزما لعدم تنجزه

______________________________

الذهنية في موضوع الوجوب الغيري كان اجمال المعلوم وتردده بين الاقل بشرط لا والاكثر محققا، إلا أن الذي صرح به في مقدمة الواجب خلافه وان كان قد يظهر منه هنا ارتضاؤه، كما سيأتي الاشارة إليه في وجه الانحلال. هذا ومما يمكن أن يوجه به اجمال العلم بنحو يقتضي الاحتياط أن الاقل وان كان معلوما وجوبه إلا أنه لا اطلاق له من حيث انفراده عن الزائد واجتماعه معه، بل هو مهمل من حيث الحالين، والاجمال الاحوالي كالاجمال الافرادي يقتضي عدم جواز الاقتصار على الاقل في حال الانفراد للشك في وجوبه في تلك الحال، وكأن المصنف - رحمه الله - اكتفى في وجه منجزية الاكثر بما سيأتي في نقض دعوى الانحلال. فتأمل وانتظر (قوله: أو لغيره كذلك) يعني شرعا بناء على وجوب المقدمة شرعا أو عقلا بناء على وجوبها عقلا لا غير، وهذا مبني على أخذ الحدود الذهنية في موضوع التكليف الغيري كما أشرنا إليه (قوله: فاسد قطعا) لان العلم تفصيلا بالوجوب المردد بنى النفسي والغيري للأقل ناشئ من العلم اجمالي بالوجوب النفسي اجمالا، وقد تقدم في مبحث الانحلال أن مثله لا يوجب الانحلال فراجع. نعم لو قرر الانحلال بالعلم التفصيلي بالوجوب النفسي للأقل بناء على ثبوت الوجوب النفسي للأجزاء - كما أشرنا إليه في الحاشية السابقة - لم يكن مجال لهذا الاشكال إذ ليس لنا الا علم واحد وهو هذا العلم كما عرفت لا علمان ينشأ أحدهما من الآخر (قوله: لاستلزام الانحلال المحال) يعني الخلف (قوله: لزوم الاقل فعلا) يعني تنجز الاقل والا فلزومه واقعا لا يتوقف على تنجز التكليف مطلقا ولو كان متعلقا بالاكثر بل يكفي فيه ثبوت التكليف واقعا إما للاقل أو للاكثر وهو معلوم فيكون لزوم الاقل إما لنفسه أو لغيره معلوما. نعم

٣١٤

الا إذا كان متعلقا بالاقل كان خلفا، مع انه يلزم من وجوده عدمه لاستلزامه عدم تنجز التكليف على كل حال المستلزم لعدم لزوم الاقل مطلقا المستلزم لعدم الانحلال وما يلزم من وجوده عدمه محال (نعم) انما ينحل إذا كان الاقل ذا مصلحة ملزمة فان وجوبه حينئذ يكون معلوما له وإنما كان الترديد لاحتمال ان يكون الاكثر

______________________________

تنجز التكليف بالأقل المردد بين النفسي والغيري يتوقف على تنجز التكليف النفسي مطلقا ولو كان قائما بالأكثر إذ لو لم يكن منجزا على تقدير قيامه بالاكثر امتنع تنجز التكليف بالاقل لو كان غيريا، لأن تنجز التكليف الغيري للأقل تابع لتنجز التكليف النفسي للاكثر، فلا يمكن الحكم بتنجز الاول على تقدير ثبوته إلا في فرض تنجز الثاني فلو كان تنجز الاول يستنتج منه عدم تنجز الثاني كان خلفا للفرض (قوله: مع انه يلزم من وجوده عدمه) الضمائر البارزة راجعة إلى الانحلال (قوله: لاستلزامه عدم) يعني ان الانحلال يقتضي عدم تنجز التكليف النفسي على تقدير كونه متعلقا بالاكثر، وهو يقتضي عدم تنجز الاقل مطلقا ولو كان واجبا غيريا لما عرفت من تبعية تنجز الوجوب الغيري لتنجز الوجوب النفسي، وإذا لم يتنجز وجوب الاقل لو كان غيريا امتنع الانحلال لانه يتوقف على تنجز وجوب الأقل مطلقا. فتأمل. ثم إنك عرفت الاشارة في تقرير الاشكالين إلى أنهما يتوقفان على التلازم بين الوجوب النفسي والغيري في مرتبة التنجز كما هما متلازمان في جميع مراتب الحكم السابقة على هذه المرتبة، ولو منع ذلك لم يتم كل من الاشكالين (أما) الاول فلمنع ما ذكر في تقريره من توقف لزوم الأقل مطلقا على تنجز التكليف مطلقا ولو كان متعلقا بالاكثر إذ لا موجب لهذا التوقف الا التلازم المذكور، فلو منع منع التوقف المذكور وجاز الالتزام بتنجيز الأقل مطلقا وعدم تنجز التكليف النفسي لو كان متعلقا بالأكثر (وأما) الثاني فلمنع قوله: المستلزم - يعني عدم تنجز التكليف على كل حال - لعدم لزوم الاقل، إذ لا موجب ايضا لهذا الاستلزام إلا ما ذكرنا من التلازم فلو منع منع الاستلزام. ثم ان نظير هذين الاشكالين يجري

٣١٥

على الانحلال الحقيقي بالعلم بالوجوب النفسي للأقل كما عرفت بيانه في الحاشية على قوله: والحق ان العلم الاجمالي... الخ، فيقال: يتوقف تنجز وجوب الأقل لنفسه على تنجز الاكثر لو كان هو الواجب فلا يمكن ان يترتب عدم الثاني على نفس الاول لأنه خلف كما يقال: الانحلال بالعلم التفصيلي يستلزم عدم تنجز الاكثر وهو يستلزم عدم تنجز الاقل مطلقا وهو يستلزم عدم الانحلال، وسند توقف في الاول والاستلزام في الثاني هو التلازم بين الوجوبات النفسية الضمنية في مرتبة التنجز بمعني أنه لو ثبت وجوب واحد لجملة اشياء بنحو الارتباط بينها فانه وان انحل إلى وجوبات ضمنية متعددة بتعدد تلك الاشياء إلا أنها لما كانت متلازمة في مقام الأثر والثبوت والسقوط امتنع التفكيك بينها في التنجز بحيث يتنجز بعضها ولا يتنجز البعض الآخر، فلو بني على جواز التكفيك بينها فيه جاز منع التوقف والاستلزام كما تقدم حرفا فحرفا فلاحظ. وحيث عرفت أن التحقيق والمختار للمصنف (ره) أن الأجزاء واجبة بالوجوب النفسي، فدعوى الانحلال ينبغي ان تكون بالعلم التفصيلي بوجوب الاقل لنفسه، وحينئذ يتوقف منع الانحلال على اثبات التلازم بين الوجوبات الضمنية النفسية. فنقول: لا تلازم بين تلازمها في مقام الثبوت والسقوط وتلازمها في مقام التنجز لاختلاف المناط في المقامين، فان المناط في تلازمها في مقام الثبوت والسقوط تلازمها في الغرض والمصلحة وجودا وعدما الذي هو الوجه في الثبوت والسقوط، والمناط في مقام التنجز هو البيان وهي غير متلازمة فيه فان العلم التفصيلي بوجوب الاقل لنفسه إنما يصلح بيانا على وجوب الأقل لنفسه ولا يصلح بيانا على وجوب الزائد، وكيف وقد عرفت انه مشكوك محضا بحيث لا يحتمل انطباق المعلوم عليه اصلا فكيف يمكن أن يتنجز ؟ وهل يمكن دعوى كون التنجز بلا بيان ؟ وبالجملة: لابد في المقام من الالتزام باحد امور: (الاول) تنجز وجوب الزائد على الاقل بمجرد العلم بوجوب الاقل (الثاني) عدم تنجز الاقل وعدم تنجز الزائد (الثالث) التفكيك بين الاقل والزائد في التنجز، وحيث أن الاول غير ممكن لانه تنجيز بلا بيان، وكذا

٣١٦

* الثاني للعلم بجوب الاقل الصالح لمنجزيته، فيتعين الثالث، والرجوع إلى طريقة العقلاء في الاحتجاج والاعتذار يلحق ما ذكرنا بالبديهيات إذ لا ريب في صحة الاحتجاج عند ترك الاقل بالعلم بوجوبه، وفى صحة الاعتذار عند ترك الجزء المشكوك بالجهل بوجوبه. فلاحظ، ولو، بنى على كون الاجزاء واجبة بالوجوب الغيري فان بنينا على أن العلم التفصيلي القائم على ثبوت التكليف في بعض الاطراف يقتضي انحلاله حقيقة كما هو ظاهر المصنف (ره) في مبحث الانحلال فالعلم الاجمالي بالوجوب النفسي لابد من انحلاله حقيقة حينئذ بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل لنفسه أو لغيره وبعد انحلاله حقيقة لا منجز لوجوب الزائد على الاقل فيدور الأمر حينئذ بين الاحتمالات الثلاثة المتقدمة، ولابد من تعين الثالث منها لعين الوجه المتقدم، وان بنينا على انحلاله حكما فلابد من الالتزام به هنا لعين الوجه السابق في مبحث الانحلال وليس معنى انحلاله حكما الا عدم صلاحيته لمنجزية المعلوم بالاجمال الصالح للانطباق على الأكثر، وحينئذ فلا منجز لوجوب الاكثر اجمالا ولا تفصيلا فتنتهي النوبة أيضا إلى التردد بين المحتملات الثلاثة ويتعين الاخير منها، وبذلك يتضح لك عدم تمامية نقض الانحلال بالنحو الذي ذكره المصنف (ره) على جميع المباني (نعم هنا) شبهة اخرى تقتضي الاحتياط وهي أن العلم التفصيلي بوجوب الاقل إذا نجزه واشتغلت به ذمة المكلف لابد من الاحتياط بالاكثر لان الاقتصار على اتيان الأقل بوجوب الشك في سقوط وجوب الأقل، ومن الواضح أن الشك في السقوط مجرى لقاعدة الاشتغال فما لم يأت بالاكثر يشك في سقوط وجوب الاقل، ولابد له من إحراز سقوطه (ويمكن) الجواب عنها بأن الشك في السقوط إنما يرجع فيه إلى قاعدة الاشتغال لو كان منشؤه الشك في اتيان المكلف به وليس في المقام كذلك للعلم باتيان الاقل وانما منشؤه الشك في كون وجوبه استقلاليا أو في ضمن الاكثر إذ على تقدير كونه ضمنيا لا يسقط الا في ظرف سقوط وجوب الزائد المتوقف على اتيانه لتلازم الوجوبات الضمنية في الثبوت والسقوط، وعلى تقدير كونه استقلاليا يسقط بمجرد إتيان الاقل، وحيث كان منشأ الشك في سقوط وجوب الاقل ذلك لا الشك في اتيان الاقل فالمرجح فيه

٣١٧

ذا مصلحتين

______________________________

اصل البراءة (ومن) هذا يظهر لك الجواب عن الشبهة التي ذكرناها في الحاشية على قوله: والحق ان العلم الاجمالي... الخ الراجعة إلى اجمال الاقل المعلوم من حيث الاحوال، وحاصل الجواب: ان الانفراد مما يعلم بعدم اخذه قيدا في الاقل والا فهو خارج حينئذ عما نحن فيه ويكون الواجب حينئذ مرددا بين اخذه بشرط لا واخذه بشرط شئ بل الشك إنما هو في أخذ الاقل موضوعا للوجوب لا بشرط واخذه بشرط شئ والاتيان به وحده وإن كان يوجب الشك في وجوبه في هذا الحال فيشك في سقوط وجوبه، إلا أن منشأ الشك في سقوطه الشك في ثبوت الوجوب الملازم له لغيره وفى مثله يرجع إلى البراءة (فان قلت): هذا بعينه جاء في التردد بين وجوبه بشرط لا ووجوبه بشرط شئ لو اقتصر على الاتيان به وحده إذ الشك في السقوط ناشئ من الشك في وجوب غيره معه فليرجع فيه إلى البراءة، مع أنه لا ريب في الرجوع إلى قاعدة الاشتغال (قلت) الرجوع إلى قاعدة الاشتغال ليس للشك في سقوط التكليف بذات الاقل بل للشك في سقوط التكليف بالامر المردد بين شرط لا وشرط شئ فانه يعلم اجمالا بوجوب احد الأمرين من شرط لا وشرط شئ فيتنجز المعلوم بالاجمال، فالاقتصار على ذات الاقل يوجب الشك في سقوط التكليف بذلك الأمر المردد في حصوله خارجا، فالشك في السقوط للشك في اتيان الموضوع الواجب لا لشئ آخر. فلاحظ (ثم إنه) يمكن أن يقرب الانحلال بالعلم التفصيلي بحرمة ترك الأقل بنحو لا يوقف على امكان التفكيك بين الوجوبات النفسية الضمنية أو بين الوجوب الغيري والنفسي كما كان يتوقف عليه انحلاله بالعلم التفصيلي بوجوب الاقل تركنا ذكره خوف الاطالة واعتمادا على ذكرنا له في الحاشية القديمة على الكتاب فليراجع وليتأمل فان المقام به حقيق واليه سبحانه نبتهل في فيض العناية والتوفيق (قوله: ذا مصلحتين) يعني غير متلازمتين بحيث يمكن انفكاك احدهما عن الاخرى فتترتب احداهما على الأقل لو اقتصر عليه وتترتبان معا على الاكثر، وهذا هو المسمى بالاكثر الاستقلالي، ولهذا كان خارجا عن محل الكلام في المقام إذ

٣١٨

أو مصلحة أقوي من مصلحة الأقل فالعقل في مثله وان استقل بالبراءة بلا كلام الا انه خارج عما هو محل النقض والابرام في المقام. هذا مع أن الغرض الداعي إلى الأمر لا يكاد يحرز الا بالأكثر بناء على ما ذهب إليه المشهور من العدلية من تبعيه الأوامر والنواهي للمصالح والمفساد في المأمور بها المنهي عنها وكون الواجبات الشرعية ألطافا في الواجبات العقلية وقد مر اعتبار موافقة الغرض وحصوله عقلا في إطاعة الأمر وسقوطه فلابد من إحرازه في إحرازها كما لا يخفى

______________________________

هو في الارتباطي (قوله: أو مصلحة أقوى) يعني غير متلازمة المراتب كما تقدم.

شبهة الغرض

(قوله: هذا مع أن الغرض الداعي) هذا وجه آخر لوجوب الاحتياط (وتوضيحه): أن المشهور بين العدلية أن الأمر بالشئ ناشئ عن غرض للآمر في ذلك الشئ فيكون الامر دائما معلو لذلك الغرض، فالعلم بالأمر يستلزم العلم بالغرض لأن العلم بالمعلول يستلزم العلم بالعلة، وحينئذ فيجب بحكم العقل العلم بحصول ذلك الغرض ومع الاقتصار على فعل الاقل يشك في حصوله فلابد من الاحتياط ليحصل العلم بحصوله، فالشك في المقام راجع إلى الشك في محصل الغرض بعد الجزم بثوبته لا في أصل ثبوته مع العلم بمحصله على تقدير ثبوته كما في الشبهة البدوية والشك في المحصل موضوع لقاعدة الاشتغال لا لاصالة البراءة (قوله: بناء على ما ذهب) أما بناء على ما ذهب إليه جماعة من كون الغرض يحصل بنفس الامر لا بفعل المأمور به فلا موجب للاحتياط حينئذ للعلم بحصول الغرض بمجرد الأمر (قوله: وكون الواجبات) الظاهر أن المراد أن الواجبات الشرعية مقربات للواجبات العقلية كما يشهد به قوله تعالى: (إن الصلاة

٣١٩

* ولا وجه للتفصي عنه (تارة) بعدم ابتناء مسألة البراءة والاحتياط على ما ذهب إليه مشهور العدلية وجريانها على ما ذهب إليه الأشاعرة المنكرين لذلك أو بعض العدلية المكتفين بكون المصلحة في نفس الامر دون المأمور به (وأخرى) بان حصول المصلحة واللطف في العبادات لا يكاد يكون الا باتيانها على وجه الامتثال وحينئذ كان لاحتمال اعتبار معرفة اجزائها تفصيلا ليؤتى بها مع قصد الوجه مجال ومعه لا يكاد يقطع بحصول اللطف والمصلحة الداعية إلى الامر فلم يبق الا التخلص عن تبعة مخالفته

______________________________

تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي... الآية) لا أن الواجبات الشرعية واجبات عقلية لو اطلع العقل على جهاتها، والامر سهل (قوله: ولا وجه للتفصي عنه تارة) المتفصي بذلك شيخنا المرتضى (قده) في رسائله، وحاصل ما ذكره أولا: ان النزاع في البراءة والاشتغال في هذه المسألة من حيث التردد في الوجوب بين الاقل والاكثر مع التغافل عن حيثية الشك في الغرض ومقتضاها، بشهادة أن النزاع في هذه المسالة لا يختص بمذهب دون غيره بل تجري على جميع المذاهب، (قوله: وأخرى بأن حصول) هذا هو الوجه الثاني، وحاصله: ان الشك في محصل الغرض وان كان موضوعا لقاعدة الاشتغال إلا أنه حيث يمكن القطع بحصوله وهو متعذر في العبادات لاحتمال توقف حصول الغرض فيها على الجزم بالنية وهو ممتنع مع الشك والتردد في الواجب بين الاقل والاكثر فيسقط حكم العقل بوجوب الجزم بحصول الغرض ويبقى حكمه من حيث تردد الوجوب بين الاقل والاكثر الذي هو وجوب فعل الاقل للعلم بوجوبه وجواز ترك الاكثر للجهل بوجوبه (قوله: على وجه الامتثال) يعني على وجه الاطاعة (قوله: كان لاحتمال) (كان) تامة فاعلها قوله: (مجال) و (لاحتمال) متعلق بها، (قوله: اعتبار معرفة) يعني اعتبار المعرفة في تحقق الامتثال المعتبر في صحة العبادة وحصول الغرض منها (قوله: ومعه) الضمير راجع إلى احتمال الاعتبار

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

النبي (ص) قلت: لا، قال النبي (ص): فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي.. فعلمت ما في السموات والأرض....!!

- وروى ابن حبان في المجروحين ج ٣ - ١٣٥

عن أنس أن الرسول (ص) قال: أتاه ربه في المنام في أحسن صورة، حتى وضع يده بين كتفه فوجد بردها بين ثديية.

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٣١٩

وأخرج ابن نصر والطبراني في السنة عن ثوبانرضي‌الله‌عنه .... وفي بعض روايات السيوطي أنه رآه بقلبه، وفي بعضها (فعلمت في منامي ذلك ما سألني عنه من أمر الدنيا والآخرة، فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى).

تفسير آية: وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربّها ناظرة

كَلاّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ . القيامة ٢٠ - ٢٥

تفسير أهل البيتعليهم‌السلام وفقهاء مذهبهم

- تفسير القمّي ج ٢ ص ٣٩٧

وجوه يومئذ ناضرة: أي مشرقة. إلى ربها ناظرة: قال ينظرون إلى وجه الله أي إلى رحمة الله ونعمته. ووجوه يومئذ باسرة: أي ذليلة. انتهى. ورواه في الإحتجاج ج ٢ ص١٩١ وفي تفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٤٦٤ وقال: وفي مجمع البيان، وقال: وروي ذلك عن مجاهد والحسن وسعيد بن جبير والضحاك، وهو المروي عن عليعليه‌السلام .

- أمالي المرتضى ج ١ ص ٢٨

مسألة: إعلم أن أصحابنا قد اعتمدوا في إبطال ما ظنه أصحاب الرؤية في قوله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، على وجوه معروفة، لأنهم بينوا أن النظر

٣٤١

ليس يفيد الرؤية ولا الرؤية من أحد محتملاته، ودلوا على أن النظر ينقسم إلى أقسام كثيرة، منها تقليب الحدقة الصحيحة في جهة المرئي طلباً لرؤيته، ومنها النظر الذي هو الإنتظار، ومنها النظر الذي هو التعطف والمرحمة، ومنها النظر الذي هو الفكر والتأمل، وقالوا إذا لم يكن قي أقسام النظر الرؤية لم يكن للقوم بظاهرها تعلق واحتجنا جميعاً إلى طلب تأويل الآية من غير جهة الرؤية.

وتأولها بعضهم على الإنتظار للثواب وإن كان المنتظر في الحقيقة محذوفاً والمنتظر منه مذكوراً، على عادة للعرب معروفة.

وسلم بعضهم أن النظر يكون الرؤية بالبصر وحمل الآية على رؤية أهل الجنة لنعم الله تعالى عليهم، على سبيل حذف المرئي في الحقيقة وهذا كلام مشروح في مواضعه، وقد بينا ما يرد عليه وما يجاب به عن الشبهة المعترضة في مواضع كثيرة. وهاهنا وجه غريب في الآية حكي عن بعض المتأخرين لا يفتقر معتمده إلى العدول عن الظاهر أو إلى تقدير محذوف ولا يحتاج إلى منازعتهم في أن النظر يحتمل الرؤية أو لا يحتملها، بل يصح الإعتماد عليه سواء كان النظر المذكور في الآية هو الإنتظار بالقلب أم الرؤية بالعين، وهو أن يحمل قوله تعالى إلى ربها إلى أنه أراد نعمة ربها لأن الآلاء النعم وفي واحدها أربع لغات: ألا مثل قفا، وألى مثل رمى، وألي مثل معي، وألَّى مثل حتَّى، قال أعشى بكر بن وائل:

أبيض لا يرهب الهزال ولا

يقطع رحماً ولا يخون إلى

أراد أنه لا يخون نعمة، وأراد تعالى إلى ربها فأسقط التنوين للإضافة.

فإن قيل: فأي فرق بين هذا الوجه وبين تأويل من حمل الآية على أنه أراد به إلى ثواب ربها ناظرة بمعنى رائية لنعمه وثوابه.

قلنا: ذلك الوجه يفتقر إلى محذوف لأنه إذا جعل إلى حرفاً ولم يعلقها بالرب تعالى فلا بد من تقدير محذوف، وفي الجواب الذي ذكرناه لا يفتقر إلى تقدير محذوف، لأن إلى فيه اسم يتعلق به الرؤية ولا يحتاج إلى تقدير غيره، والله أعلم بالصواب.

٣٤٢

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٢٨

لي: علي بن أحمد بن موسى، عن الصوفي، عن الروياني، عن عبد العظيم الحسني، عن إبراهيم بن أبي محمود قال قال علي بن موسى الرضاعليه‌السلام في قول الله عز وجل: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة: يعني مشرفة تنتظر ثواب ربها.

بيان: إعلم أن للفرقة المحقة في الجواب عن الإستدلال بتلك الآية على جواز الرؤية وجوها:

الأول: ما ذكرهعليه‌السلام في هذا الخبر من أن المراد بالناظرة المنتظرة كقوله تعالى: فناظرة بم يرجع المرسلون. روي ذلك عن مجاهد والحسن وسعيد بن جبير والضحاك، وهو المروي عن عليعليه‌السلام ، واعترض عليه بأن النظر بمعنى الإنتظار لا يتعدى بإلى، وأجيب بأن تعديته بهذا المعنى بإلى كثيرة، كما قال الشاعر:

إني إليك لما وعدت لناظر

نظرالفقير إلى الغني الموسر

وقال آخر:

ويوم بذي قار رأيت وجوههم

إلى الموت من وقع السيوف نواظر

والشواهد عليه كثيرة مذكورة في مظانه، ويحكى عن الخليل أنه قال: يقال: نظرت إلى فلان بمعنى انتظرته، وعن ابن عباس أنه قال: العرب تقول إنما أنظر إلى الله ثم إلى فلان، وهذا يعم الأعمى والبصير، فيقولون: عيني شاخصة إلى فلان وطامحة إليك، ونظري إلى الله وإليك....

الثاني: أن يكون فيه حذف مضاف أي إلى ثواب ربها، أي هي ناظرة إلى نعيم الجنة حالاً بعد حال، فيزداد بذلك سرورها، وذكر الوجوه والمراد به أصحاب الوجوه، روي ذلك عن جماعة من علماء المفسرين من الصحابة والتابعين وغيرهم.

الثالث: أن تكون إلى بمعنى عند، وهو معنى معروف عند النحاة وله شواهد، كقول الشاعر:

فهل لكم فيما إلي فإنني

طبيب أعيي النطاسي حذيما

أي فيما عندي، وعلى هذا يحتمل تعلق الظرف بناضرة وبناظرة. والأول أظهر.

٣٤٣

الرابع: أن يكون النظر إلى الرب كناية عن حصول غاية المعرفة بكشف العلائق الجسمانية، فكأنها ناظرة إليه تعالى كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أعبد الله كأنك تراه.

- وقال السيد شرف الدين في كتاب أبو هريرة ج ١ ص ٦١

اما رؤية الله عز وجل بالعين الباصرة فقد أجمع الجمهور على إمكانها في الدنيا والآخرة، وأجمعوا أيضاً على وقوعها في الآخرة وأن المؤمنين والمؤمنات سيرونه يوم القيامة بأبصارهم، وأن الكافرين والكافرات لا يرونه أبداً. وأكثر هؤلاء على أن الرؤية لا تقع في الدنيا، وربما قال بعضهم بوقوعها أيضاً.

ثم أن المجسمة يرونه ماثلاً أمامهم فينظرون إليه كما ينظر بعضهم إلى بعض، لا يمارون فيه كما لا يمارون في الشمس والقمر ليس دونهما سحاب، على ما يقتضيه حديث أبي هريرة. وقد خالف هؤلاء حكم العقل والنقل، وخرقوا إجماع الأمة بأسرها، وخرجوا عليها ومرقوا من الدين، وخالفوا ما علم منه بحكم الضرورة الإسلامية، فلا كلام لنا معهم.

وأما غيرهم من الجمهور وهم المنزهون من الأشعرية فقد قالوا بأن الرؤية قوة سيجعلها الله تعالى يوم القيامة بأبصار المؤمنين والمؤمنات خاصة، لا تكون باتصال الأشعة، ولا بمقابلة المرئي ولا بتحيزه ولا بتكيفه، ولا، ولا، فهي على غير الرؤية المعهودة للناس، بل هي رؤية خاصة تقع من أبصار المؤمنين والمؤمنات على الله عز وجل لا كيف فيها ولا جهة من الجهات الست.

وهذا محال لا يعقل، ولا يمكن أن يتصوره متصور إلا إذا اختص الله المؤمنين في الدار الآخرة ببصر آخر لا تكون فيه خواص الأبصار المعهودة في الحياة الدنيا على وجه تكون فيه الرؤية البصرية كالرؤية القلبية، وهذا خروج عن محل النزاع في ظاهر الحال. ولعل النزاع بيننا وبينهم في الواقع ونفس الأمر لفظي. انتهى.

وقد بيننا في تفسير لا تدركه الأبصار، أن محاولة جعل الرؤية بحاسة أخرى كالعين خروج عن الموضوع، وأن روايات إخواننا تأبى ذلك لأنها ظاهرة في الرؤية بالعين المتعارفة.

٣٤٤

رؤية العارفين بقلوبهم أرقى من الرؤية البصرية

- روى الصدوق في التوحيد ص ١١٧

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق؛ قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال: نعم، وقد رأوه قبل يوم القيامة، فقلت متى؟ قال: حين قال لهم: ألست بربكم قالوا بلى، ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألست تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير فقلت له: جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال لا، فإنك إذا حدثت به فأنكر منكر جاهل بمعنى ما تقوله، ثم قدَّر أن ذلك تشبيه كفر. وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون. ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج ٤ ص ٤٤

- التحفة السنية ص ٨٤

ومن ثمة كان العلم الحاصل من الرؤية ألذ من العلم الحاصل من غيرها لازدياد الكشف فيها بسبب حضور نفس المعلوم عند الحس وصورته عند الذهن، فاللذة الزايدة إنما هي باعتبار هذا الإنكشاف الزايد من تصور معشوقه في خياله، فإنه يلتذ بتصوره لا محالة.

لكن لا نسبة لهذه اللذة إلى اللذة الحاصلة من مشاهدته رأي العين، وحيث أنها أقوى طرق الإنكشاف ربما يعبر عن مطلق الإنكشاف التام بأي طريق حصل بالرؤية والنظر كما في قوله سبحانه: إلى ربها ناظرة، وما ورد من بعض الطرق: أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه ليلة المعراج ونحو ذلك، لتطابق العقل والنقل على امتناع الرؤية الحسية في حقه تعالى، لاشتراطها بالوضع والجهة وكثافة المرئي وغير ذلك.

٣٤٥

فالمراد بها أينما أطلقت في كلمات من يعتنى بتصحيح كلامهم: غاية الإنكشاف التام الذي لا يكون ما فوقه مجازاً مقبولاً لوجود العلاقة البينة، إن ثبت كون اللفظ حقيقة في خصوص البصرية، وإلا فمن استعمال المشترك في معناه الآخر حقيقة اعتماداً على وضوح القرينة وهي اشتراط الحسية بما يمتنع في حقه سبحانه.

وأحسن ما ينكشف به هذا المطلب ما سبقت روايته عن أمير المؤمنينعليه‌السلام من قوله: لم أعبد رباً لم أره، لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقايق الإيمان، حيث أثبتعليه‌السلام الرؤية أولاً، ثم استدرك ذلك بصرفها من العينية لأنها المتبادر، إلى القلبية.

- شرح الأسماء الحسنى ج ١ ص ١٨٥ - ١٩١

... ومنها قوله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، وجه الإحتجاج: أن النظر في اللغة جاء بمعنى الإنتظار ويتعدى بنفسه، وبمعنى التفكر ويستعمل بفي، وبمعنى الرأفة ويستعمل باللام، وبمعنى الرؤية ويستعمل بإلى كما في الآية، فوجب حمله على الرؤية كما قيل.

ويظهر من صاحب القاموس أن النظر المتعدي بنفسه يجيء بمعنى الرؤية أيضاً، وجعله من باب الحذف والإيصال خلاف الأصل، وأنه جاء بمعنى الحكم ويستعمل بكلمة بين فقال: نظره كضربه وسمعه، وإليه نظراً ومنظراً ونظراناً ومنظرة وتنظاراً: تأمله بعينه كتنظره، والأرض أرت العين نباتها، ولهم: أعانهم، وبينهم: حكم.انتهى.

واعترض على هذا الدليل أيضاً بأن النظر لا يدل على الرؤية، فإن النظر تقليب الحدقة نحو المرئي. بل ادعى بعضهم أن النظر المستعمل بإلى موضوع لذلك ولتحققه بدونها، يقال نظرت إلى الهلال فما رأيته، ولو كان بمعنى الرؤية لكان تناقضاً، ولم أزل أنظر إلى الهلال حتى رأيته، ولو حمل على الرؤية لكان الشيء غاية لنفسه.

٣٤٦

أقول: يمكن جعله من باب الإكتفاء بالمراد عن الإرادة، كقوله تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم، وهذا باب واسع كما في المغني وغيره، فمعنى قولهم نظرت إلى الهلال فما رأيته أردت رؤية الهلال فما رأيته، وهكذا في الآخر، بل في كل موضع يقال إنه لتقليب الحدقة، فالنظر محمول على معناه الحقيقي وهو الرؤية المرادة بتلك الإرادة، بل إذا نظرت المعاني المستعمل فيها النظر وجدت روح جلها لو لم يكن كلها، الرؤية. وأجيب أيضاً: بأن معنى قولهم نظرت إلى الهلال فما رأيته ونحوه، نظرت إلى مطلع الهلال.

واعترض أيضاً على هذا الدليل بأنا لا نسلم أن لفظة إلى صلة للنظر، بل واحدة الآلاء ومفعول به للنظر بمعنى الإنتظار، أي نعمة ربها منتظرة، ولو سلم فالنظر الموصول بإلى قد جاء للإنتظار قال الشاعر:

وشعث ينظرون إلى هلال

كما نظر الظما حب الغمام

والجواب: أما عن الثاني فبمثل ما ذكر عن حديث التقليب وكون النظر المستعمل بإلى بمعنى الإنتظار مما لم يثبت عند البلغاء، وأما عن الأول فبأن انتظار النعمة غم، بل قيل الإنتظار موت أحمر، والآية مسوقة لبيان النعم.

وهذا الجواب زيف، لأن الآية دالة على أن الحالة التى عبر عنها بقوله سبحانه: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، سابقة على حالة استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، بقرينة المقابلة لقوله تعالى: وجوه يومئذ باسره تظن أن يفعل بها فاقرة، أي تظن أن يفعل بها فعل هو في شدته وفظاعته داهية فاقرة تقصم فقار الظهر، ولم يفعل بها بعد، وحينئذ كان انتظار النعمة بعد البشارة بها سروراً يستتبع نضارة الوجه، كما أن انتظار إكرام الملك لا يكون موجباً للغم إذا تيقن وصوله إليه.

بل الحق في الجواب أن كون إلى في الآية بمعنى النعمة لا يخفى بعده وغرابته وإخلاله بالفهم عند تعلق النظر به، ولهذا لم يحمل الآية عليه أحد من أئمة التفسير.

٣٤٧

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

- أورد السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٩٠ - أكثر من ثلاثين رواية وقولاً في تفسير قوله تعالى: إلى ربها ناظرة، منها روايتان توافقان مذهبنا وهما:

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي صالحرضي‌الله‌عنه في قوله وجوه يومئذ ناضرة، قال: حسنة، إلى ربها ناظرة: قال: تنتظر الثواب من ربها.... وأخرج ابن جرير عن مجاهدرضي‌الله‌عنه في قوله: إلى ربها ناظرة، قال: تنتظر منه الثواب. انتهى.

وستأتي بقية رواياته التي فيها تجسيم. وقد تقدم عدد من رواياتهم النافية لإمكان الرؤية بالعين في تفسير لا تدركه الأبصار، كرواية أبي سعيد الخدري في الدر المنثور ج ٣ ص ٣٧ وغيرها.

- قال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص ٥٨٣

وأما في الآخرة فذهب جمهور أهل السنة إلى إثبات رؤية الله تعالى للمؤمنين في الجنة، واحتجوا بقوله تعالى:وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ، وبقوله تعالى عن الكافرين:كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ، وبحديث: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا البدر، وفي رواية: كما ترون الشمس في رابعة النهار ليس دونها سحاب، وهو في البخاري ومسلم.

وخالفهم في ذلك جماعة من أهل السنة والجماعة وغيرهم كالسيدة عائشةرضي‌الله‌عنها ومجاهد وأبي صالح السمان وعكرمة وغيرهم، وكذا المعتزلة والأباضية والزيدية، واحتجوا بقول الله تعالى:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، وأوَّلوا الآيات التي احتج بها جمهور أهل السنة بأن المراد بالآية هو: وجوه ناضرة مسرورة لأنها تنظر ثواب ربها وعطاءه وجنته وإنعامه، كما أنه هناك بالمقابل وجوه يومئذ باسرة عابسة تظن أن يفعل بها فاقرة أي مصابة بداهية كبيرة، وهذا الكلام هو بيان ما يكون في أرض المحشر، وحال المؤمنين والكافرين يومئذ، والرؤيا إنما تكون في الجنة.

٣٤٨

قالوا: فالمقام هنا مقام مقابلة بين وجوه تنتظر الثواب ووجوه تنتظر العقاب، ورؤية الله تعالى غير مرادة هنا وخصوصاً أن الكلام يتعلق بالموقف قبل الدخول للجنة والنار، وأنتم - يا جمهور أهل السنة والجماعة - تقولون بأن الرؤية إنما تتم في الجنة لا في أرض المحشر، وهذا الكلام يتعلق في أرض المحشر.

ورد هؤلاء على من قال من أهل السنة بأن لفظ (ناظرة) لا تأتي عربية بمعنى منتظرة، فقالوا: إن ذلك ليس صحيحاً، بل قد ورد القرآن الكريم بإثبات أن معنى ناظرة منتظرة! من ذلك قوله تعالى عن بلقيس:وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بهم يرجع المرسلون . النمل: ٣٥، أي منتظرة بم يرجع المرسلون، وهو واضح ظاهر.

كذلك قالوا بأن المراد بقوله تعالى:كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ، أي عن ثواب ربهم وإكرامه وإنعامه، والحجاب أيضاً هو عن كلامه لا عن رؤيته، لأن الله تعالى يقول وهو أصدق القائلين:ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم . البقرة: ١٧٤

- ثم قال في آخر بحثه ص ٥٩٠ فتبين من هذا كله أن هذه الآيات لا يصح الإستدلال بها في مسألة إثبات الرؤية، والله تعالى الموفق. انتهى.

ونؤكد هنا على ضرورة ملاحظة قوله تعالى(ووجوه يومئذ باسرة * تظن أن يفعل بها فاقرة) الذي يدل على أن هذا المشهد أحد مشاهد المحشر قبل دخول الجنة والنار كما روي عن عليعليه‌السلام . وهذا قرينة على أن (ناظرة) بمعنى منتظرة. ودليل على أن الذين فسروها بالنظر إلى الله تعالى في الجنة لم يلتفتوا إلى بقية الآيات!

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

- صحيح البخاري ج ٨ ص ١٧٨

باب قول الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة.... عن جرير قال كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا.

٣٤٩

- سنن الترمذي ج ٤ ص ٩٣

عن إسرائيل، عن ثوير، قال سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وزوجاته ونعيمه وخدمه وسرره مسير ألف سنة، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة . وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوعاً. ورواه عبدالملك بن أبجر عن ثوير، عن ابن عمر موقوفاً. ورواه عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر قوله ولم يرفعه.

- سنن الترمذي ج ٥ ص ١٠٣

عن إسرائيل عن ثوير قال سمعت ابن عمر يقول.... الخ. هذا حديث غريب، وقد روى غير واحد عن إسرائيل مثل هذا مرفوعاً، وروى عبد الملك بن الجبر عن ثوير، عن ابن عمر قوله ولم يرفعه. وروى الأشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر قوله ولم يرفعه، ولا نعلم أحداً ذكر فيه عن مجاهد غير الثوري. انتهى. ورواه أحمد في ج ٢ ص ٦٤ ورواه الحاكم في المستدرك ج ٢ ص ٥٠٩، ولكن فيه (ألفي سنة) بدل ألف سنة، قال: عن ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمررضي‌الله‌عنهما قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أدنى أهل الجنة منزلة لرجل ينظر في ملكه ألفي سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه، ينظر في أزواجه وخدمه وسرره.

- وقال السيوطي في الدرالمنثور ج ٣ ص ٣٧

وأخرج أبوالشيخ والبيهقي في كتاب الرؤية عن الحسن في قوله: لا تدركه الأبصار، قال: في الدنيا، وقال الحسن: يراه أهل الجنة في الجنة، يقول الله وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، قال ينظر إلى وجه الله.

- وقد استعرض السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٩٠ ، أكثر رواياتهم وأقوالهم في تفسير الآية، وقد تقدم منها ما يوافق مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، ونورد فيما يلي بقيتها،

٣٥٠

ونلاحظ أن أكثرها غير مسند إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل هو أقوال مفسرين، وأكثرهم علماء سلطة أو معادون لأهل البيتعليهم‌السلام .

قال السيوطي في ج ٦ ص ٢٩٠:

وأخرج ابن المنذر والآجري في الشريعة واللالكائي في السنة والبيهقي في الرؤية عن ابن عباس في قوله: وجوه يومئذ ناضرة، قال يعني حسنها، إلى ربها ناظرة، قال: نظرت إلى الخالق.

وأخرج ابن المنذر والآجري عن محمد بن كعب القرظي في قوله:وجوه يومئذ ناضرة ، قال نضر الله تلك الوجوه وحسنها للنظر إليه.

وأخرج ابن المنذر والآجري واللالكائي والبيهقي عن عكرمة:وجوه يومئذ ناضرة ، قال: ناضرة من النعيم،إلى ربها ناظرة ، قال: تنظر إلى الله نظراً.

وأخرج الدار قطني والآجري واللالكائي والبيهقي عن الحسن في الآية قال: النضرة الحسن، نظرت إلى ربها فنضرت بنوره.

وأخرج ابن جرير عن الحسن، وجوه يومئذ ناضرة: يقول حسنة، إلى ربها ناظرة، قال: تنظر إلى الخالق.

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله: وجوه يومئذ ناضرة، قال مسرورة. إلى ربها ناظرة، قال أنظر ماذا أعطى الله عبده من النور في عينيه أن لو جعل نور أعين جميع خلق الله من الإنس والجن والدواب وكل شيء خلق الله فجعل نور أعينهم في عينى عبد من عباده ثم كشف عن الشمس ستراً واحداً ودونها سبعون ستراً ما قدر على أن ينظر إلى الشمس، والشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش، والعرش جزء من سبعين جزء من نور الستر. قال عكرمة: أنظروا ماذا أعطى الله عبده من النور في عينيه أن نظر إلى وجه الرب الكريم عياناً.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله:وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ، قال: تنظر إلى وجه ربها.

٣٥١

وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله:وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة قال: ينظرون إلى ربهم بلا كيفية ولا حد محدود ولا صفة معلومة. (وهل لهذا معنى مفهوم غير النظر بالقلب؟!)

وأخرج الدارقطني والخطيب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه هذه الآية: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، قال: والله ما نسخها منذ أنزلها، يزورون ربهم تبارك وتعالى فيطعمون ويسقون ويتطيبون ويحلون، ويرفع الحجاب بينه وبينهم فينظرون إليه وينظر إليهم عز وجل، وذلك قوله عز وجل: لهم رزقهم فيها بكرة وعشيا.

وأخرج أبوالشيخ عن الحسنرضي‌الله‌عنه قال: أول من ينظر إلى الله تبارك وتعالى الأعمى.

وأخرج ابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن موسى بن صالح بن الصباح قال: إذا كان يوم القيامة يؤتى بأهل ولاية الله فيقومون بين يديه ثلاثة أصناف، فيؤتى برجل من الصنف الأول فيقول عبدي لماذا عملت؟ فيقول: يا رب خلقت الجنة وأشجارها وثمارها وأنهارها وحورها ونعيمها وما أعددت لأهل طاعتك فيها فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقاً إليها.... ثم يؤتى برجل من الصنف الثالث فيقول عبدي لماذا عملت؟ فيقول ربي حباً لك وشوقاً إليك وعزتك لقد أسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقاً إليك وحباً لك، فيقول الله عبدي إنما عملت شوقاً إلي وحباً لي، فيتجلى له الرب فيقول ها أنا ذا أنظر إليَّ! ثم يقول فضلي عليك أن أعتقك من النار وأبيحك جنتي وأزيرك ملائكتي وأسلم عليك بنفسي، فيدخل هو ومن معه الجنة.

- الجواهر الحسان للثعالبي ج ٣ ص ٤١٦

قوله تعالى:إلى ربها ناظرة ، حمل جميع أهل السنه هذه الآية على أنها متضمنة رؤية المؤمنين لله عز وجل بلا تكييف ولا تحديد.انتهى. ولكن هل ذلك نظراًبالعين!

٣٥٢

- تفسير الطبري ج ٢٩ ص ١١٩

عن مجاهد في:وجوه يومئذ ناضرة ، قال مسرورة.إلى ربها ناظرة ، قال: إلى ربها نظراً.

- وقال ابن حزم في المحلى ج ١ ص ٣٣

مسألة: وأن الله تعالى يراه المسلمون يوم القيامة بقوة غير هذه القوة. قال عز وجل: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة.... ولو كانت هذه القوة لكانت لا تقع إلا على الألوان، تعالى الله عن ذلك. وأما الكفار فإن الله عز وجل قال:إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون . انتهى. وقد اضطر ابن حزم أن يجعل الرؤية غير بصرية وأن يوافق أهل البيتعليهم‌السلام .

- وقال القسطلاني في إرشاد الساري ج ١٠ ص ٣٩٨

- قوله تعالى(إلى ربها ناظرة) بلا كيفية ولا جهة ولا ثبوت مسافة. وقال القاضي: تراه مستغرقة في مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه. انتهى. وهي رؤية غير بصرية كما ترى.

- وقال الألباني في فتاوىه ص ١٤٣

إن عقيدة رؤية الله لم ترد في السنة فقط حتى تشككوا فيها، إن هذه العقيدة أيضاً قد جاءت في القرآن الكريم المتواتر روايته عن رسول الله.... إن قوله تعالى:وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ، هي وجوه المؤمنين قطعاً إلى ربها ناظرة.... المعتزلة والشيعة جاءوا بفلسفه ففسروا: وجوه إلى ربها ناظرة، أي إلى نعيم ربها ناظرة، أعطوا دلالة الآية ورفضوا التفسير الثاني للذين أحسنوا، وهذه الفلسفة معول هدام للسنة الصحيحة. انتهى.

وبذلك كشف الشيخ الألباني حقيقة موقف القائلين بالرؤية، فقد اعترف بأن تفسير (ناظرة) بالنظر المعنوي يحقق الإنسجام والتوافق بين الآيات المحكمات

٣٥٣

مثل:لا تدركه الأبصار ، وبين هذه الآية. ولكن الخطر كل الخطر منه على (السنة الشريفة) أن يهدمها معول تأويل هذه الآية!

فلماذا يا ترى يهتمون بالمحافظة على روايات الرؤية ويخافون أن تهدم، ولا يهتمون بالآيات المحكمات النافية للرؤية ولايخافون أن تهدم!

ثم إن أحاديث السنة عند إخواننا منها ما ينفي الرؤية بالعين مطلقاً ومنها ما يثبتها صراحة، وجميعها في البخاري، الكتاب المعصوم بزعمهم من الجلد إلى الجلد، فكيف صار بعض البخاري سنة يجب أن يحفظ من خطر الهدم، وبعضه سنة لا مانع أن يهدم، وتهدم معه آيات محكمات!

لعل جوابهم: أن الذين رووا أحاديث نفي الرؤية عن النبي هم عائشة وعدد من الصحابة وأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بينما الذين رووا أحاديث الرؤية الخليفة عمر والمقربون منه، وعند التعارض يجب أن نحافظ على روايات عمر ولا نسمح لأحد أن يهدمها أو يمسها، ويجب أن نعمل معول التأويل أو الهدم في آيات نفي الرؤية وأحاديثها لكي تخضع لما قاله كعب الأحبار والخليفة عمر ومن وافقهما!

بل الظاهر أنه لا مانع عند إخواننا من أن ترد أقوال كل الصحابة وأن تهدم عصمة البخاري برد بعض أحاديثه، لأنهم إنما يريدون عصمة البخاري من أجل عصمة المولى عمر! إنهم يقولون: الخليفة قال برؤية الله بالعين، والقول ما قاله عمر، وانتهى الكلام.

وإذا وصل الأمر إلى هذا، فعلى المسلم أن يسكت كما سكت نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو على فراش الموت عندما صاحوا في وجهه (القول ما قاله عمر) عندما كرروا شعارهم في وجهه قال لهم: قوموا عني! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

* *

٣٥٤

تفسير آيات التجلّي لموسىعليه‌السلام

قال اللّه تعالى:وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ . الأعراف - ١٤٣

قال أهل البيتعليهم‌السلام : تجلّى بنوره الذي خلقه، لا بذاته

الإمام الرضا يدفع التهم عن الأنبياءعليهم‌السلام

- روى الصدوق في كتابه التوحيد ص ١١٨ - ١٢٢

حدثنا محمد بن موسى بن المتوكلرحمه‌الله قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه محمد بن خالد، عن أحمد بن النضر، عن محمد بن مروان، عن محمد بن السائب، عن أبي الصالح، عن عبد الله بن عباس في قوله عز وجل: فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين، قال يقول: سبحانك تبت إليك من أن أسألك الرؤية، وأنا أول المؤمنين بأنك لا ترى.

قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتابرضي‌الله‌عنه : إن موسىعليه‌السلام علم أن الله عز وجل لا يجوز عليه الرؤية، وإنما سأل الله عز وجل أن يريه ينظر إليه عن قومه حين ألحوا عليه في ذلك، فسأل موسى ربه ذلك من غير أن يستأذنه فقال: رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه، في حال تدكدكه فسوف تراني. ومعناه أنك لا تراني أبداً، لأن الجبل لا يكون ساكناً متحركاً في حال أبداً، وهذا مثل قوله عز وجل: ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، ومعناه أنهم لا يدخلون الجنة أبداً كما لا يلج الجمل في سم الخياط أبداً.

٣٥٥

فلما تجلى ربه للجبل: أي ظهر بآية من آياته، وتلك الآية نور من الأنوار التي خلقها ألقى منها على ذلك الجبل، فجعله دكا وخر موسى صعقا، من هول تدكدك ذلك الجبل على عظمه وكبره، فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك، أي رجعت إلى معرفتي بك عادلاً عما حملني عليه قومي من سؤالك الرؤية، ولم تكن هذه التوبة من ذنبه لأن الأنبياء لا يذنبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً، ولم يكن الإستيذان قبل السؤال بواجب عليه، لكنه كان أدباً أن يستعمله ويأخذ به نفسه متى أراد أن يسأله.

على أنه قد روى قوم أنه قد استأذن في ذلك فأذن له ليعلم قومه بذلك أن الرؤية لا تجوز على الله عز وجل.

وقوله: وأنا أول المؤمنين، يقول أنا أول المؤمنين من القوم الذين كانوا معه وسألوه أن يسأل ربه أن يريه ينظر إليه، بأنك لا ترى.

والأخبار التي رويت في هذا المعنى وأخرجها مشايخنارضي‌الله‌عنهم في مصنفاتهم عندي صحيحة، وإنما تركت إيرادها في هذا الباب خشية أن يقرأها جاهل بمعانيها فيكذب بها فيكفر بالله عز وجل وهو لا يعلم....

ومعنى الرؤية الواردة في الأخبار العلم، وذلك أن الدنيا دار شكوك وارتياب وخطرات، فإذا كان يوم القيامة كشف للعباد من آيات الله وأموره في ثوابه وعقابه ما تزول به الشكوك، وتعلم به حقيقة قدرة الله عز وجل.

وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد، فمعنى ما روي في الحديث أنه عز وجل يرى أي يعلم علماً يقينياً، كقوله عز وجل: ألم تر إلى ربك كيف مد الظل. وقوله: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه، وقوله: ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت: وقوله: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، وأشباه ذلك من رؤية القلب وليست من رؤية العين.

وأما قول الله عز وجل: فلما تجلى ربه للجبل، فمعناه: لما ظهر عز وجل للجبل

٣٥٦

بآية من آيات الآخرة التي تكون بها الجبال سراباً، والذي ينسف بها الجبال نسفاً، تدكدك الجبل فصار تراباً، لأنه لم يطق حمل تلك الآية، وقد قيل إنه بدا له نور العرش....

وتصديق ما ذكرته ما حدثنا به تميم القرشي، عن أبيه، عن حمدان بن سليمان، عن علي بن محمد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسىعليهما‌السلام فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك: إن الأنبياء معصومون قال: بلى، فسأله عن آيات من القرآن فكان فيما سأل أن قال له: فما معنى قول الله عز وجل: ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني، الآية كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمرانعليه‌السلام لا يعلم أن الله تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله عن هذا السؤال.

فقال الرضاعليه‌السلام : إن كليم الله موسى بن عمرانعليه‌السلام علم أن الله تعالى عن أن يرى بالأبصار، ولكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجياً رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت وكان القوم سبعمائة ألف رجل فاختار منهم سبعين ألفاً، ثم اختار منهم سبعة آلاف، ثم اختار منهم سبعمائة، ثم اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربه، فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل، وصعد موسىعليه‌السلام إلى الطور، وسأل الله تبارك وتعالى أن يكلمه ويسمعهم كلامه، فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام، لأن الله عز وجل أحدثه في الشجرة ثم جعله منبعثاً منها حتى سمعوه من جميع الوجوه، فقالوا: لن نؤمن لك بأن هذا الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عز وجل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا، فقال موسى: يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا: إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقاً فيما ادعيت من مناجاة الله، إياك فأحياهم الله وبعثهم معه فقالوا: إنك لو

٣٥٧

سألت الله أن يريك تنطر إليه لأجابك، وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته! فقال موسىعليه‌السلام : يا قوم إن الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له، وإنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه. فقالوا: لن نؤمن لك حتى تسأله فقال موسىعليه‌السلام : يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم فأوحى الله جل جلاله إليه: يا موسى اسألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم، فعند ذلك قال موسىعليه‌السلام : رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه، وهو يهوي، فسوف تراني، فلما تجلى ربه للجبل بآياته جعله دكاً وخر موسى صعقا، فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك، يقول: رجعت إلي معرفتي بك عن جهل قومي، وأنا أول المؤمنين، منهم بأنك لا ترى.

فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن.... الخبر....

ولو أوردت الأخبار التي رويت في معنى الرؤية لطال الكتاب بذكرها وشرحها وإثبات صحتها، ومن وفقه الله تعالى ذكره للرشاد آمن بجميع ما يرد عن الأئمةعليهم‌السلام بالأسانيد الصحيحة وسلم لهم، ورد الأمر فيما اشتبه عليه إليهم، إذ كان قولهم قول الله وأمرهم أمره، وهم أقرب الخلق إلى الله عز وجل وأعلمهم به، صلوات الله عليهم أجمعين.

- وقال في علل الشرائع ج ٢ ص ٤٩٧

حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى العلوي الحسينيرحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أسباط قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد القطان قال: حدثني أبوالطيب أحمد بن محمد بن عبد الله قال حدثني عيسى بن جعفر العلوي العمري عن آبائه عن عمر بن علي عن أبيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام أنه سئل مم خلق الله الذر الذي يدخل في كوة البيت؟ فقال: إن موسىعليه‌السلام : لما قال: ربي أرني أنظر إليك، قال الله تعالى: إن استقر الجبل لنوري فإنك ستقوى على أن تنظر إليّ، وإن لم يستقر فلا تطيق إبصاري لضعفك، فلما تجلى الله تبارك وتعالى للجبل تقطع ثلاث قطع،

٣٥٨

فقطعة ارتفعت في السماء، وقطعة غاصت تحت الأرض، وقطعة تفتت فهذا الذر من ذلك الغبار، غبار الجبل.

- تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٦

عن أبي بصير عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام قال: لما سأل موسى ربه تبارك وتعالى: قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني، قال: فلما صعد موسى على الجبل فتحت أبواب السماء وأقبلت الملائكة أفواجاً في أيديهم العمد وفي رأسها النور، يمرون به فوجاً بعد فوج يقولون: يابن عمران أثبت فقد سألت عظيماً، قال: فلم يزل موسى واقفاً حتى تجلى ربنا جل جلاله، فجعل الجبل دكاً وخر موسى صعقاً، فلما أن رد الله إليه روحه أفاق قال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين.

قال ابن أبي عمير: وحدثني عدة من أصحابنا أن النار أحاطت به، حتى لا يهرب من هول ما رأى.

- وقال الشريف المرتضى في أماليه ج ٤ ص ١٢٥

فإن قيل: كيف يجوز منه عليه الصلاة والسلام مع علمه باستحالة الرؤية عليه تعالى أن يسأل فيها لقومه، ولئن جاز ذلك ليجوزن أن يسأل لقومه سائر ما يستحيل عليه تعالى من كونه جسماً وما أشبهه متى شكوا فيه.

قلنا: إنما صح ما ذكرناه في الرؤية ولم يصح فيما سألت عنه لأنه مع الشك في جواز الرؤية التي لا يقتضي كونه جسماً يمكن معرفة السمع وأنه تعالى حكيم صادق في إخباره، فيصح أن يعرفوا بالجواب الوارد من جهته تعالى استحالة ما شكوا في صحته وجوازه، ومع الشك في كونه جسماً لا يصح معرفة السمع فلا يقع بجوابه انتفاع ولا علم..

وقد قال بعض من تكلم في هذه الآية قد كان جائزاً أن يسأل موسىعليه‌السلام لقومه ما يعلم استحالته وإن كانت دلالة السمع لا تثبت قبل معرفته متى كان المعلوم أن في

٣٥٩

ذلك صلاحاً للمكلفين في الدين، وإن ورود الجواب يكون لطفاً لهم في النظر في الأدلة وإصابة الحق منها، غير أن من أجاب بذلك شرط أن يتبين في مسألة علمه باستحالة ما سأل عنه وأن غرضه في السؤال ورود الجواب ليكون لطفاً..

والجواب الثاني في الآية أن يكون موسىعليه‌السلام إنما سأل ربه أن يعلمه نفسه ضرورةً بإظهار بعض أعلام الآخرة التي تضطره إلى المعرفة فتزول عنه الدواعي والشكوك والشبهات ويستغني عن الإستدلال فتخف المحنة عليه بذلك، كما سأل إبراهيمعليه‌السلام ربه تعالى أن يريه كيف يحيى الموتى طلباً للتخفيف عليه بذلك، وإن كان قد عرف ذلك قبل أن يراه، والسؤال إن وقع بلفظ الرؤية فإن الرؤية تفيد العلم كما تفيد الإدراك بالبصر، وذلك أظهر من أن يستدل عليه أو يستشهد به، فقال له جل وعز: لن تراني، أي لن تعلمني على هذا الوجه الذي التمسته مني، ثم أكد تعالى ذلك بأن أظهر في الجبل من آياته وعجائبه ما دل به على أن إظهار ما تقوم به المعرفة الضرورية في الدنيا مع التكليف وبيانه لا يجوز، وأن الحكمة تمنع منه.

والوجه الأول أولى لما ذكرناه من الوجوه ولأنه لا يخلو موسىعليه‌السلام من أن يكون شاكاً في أن المعرفة ضرورية لا يصح حصولها في الدنيا أو عالماً بذلك، فإن كان شاكاً فهذا مما لا يجوز على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأن الشك فيما يرجع إلى أصول الديانات وقواعد التكليف لا يجوز عليهم سلام الله عليهم، لا سيما وقد يجوز أن يعلم ذلك على الحقيقة بعض أمتهم فيزيد عليهم في المعرفة، وهذا أبلغ في التنفير عنهم من كل شيء يمنع منه فيهم. وإن كان عالماً فلا وجه لسؤاله إلا أن يقال إنه سأل لقومه، فيعود إلى معنى الجواب الأول.

والجواب الثالث في الآية، ما حكي عن بعض من تكلم في هذه الآية من أهل التوحيد وهو أن قال: يجوز أن يكون موسىعليه‌السلام في وقت مسألته ذلك كان شاكاً في جواز الرؤية على الله تعالى فسأل ذلك ليعلم هل يجوز عليه أم لا، قال وليس شكه في ذلك بمانع من أن يعرف الله تعالى بصفاته بل يجري مجرى شكه في جواز الرؤية على بعض ما لا يرى من الأعراض في أنه غير مخل بما يحتاج إليه في معرفته تعالى.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434