إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق13%

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق مؤلف:
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 434

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219839 / تحميل: 6909
الحجم الحجم الحجم
إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

من لحم وعظم وعصب، واللحم والعظم والعصب جسم مخصوص وصفات مخصوصة، أعني بالجسم عبارة عن مقدار له طول وعرض وعمق يمنع غيره من أن يوجد بحيث هو إلا بأن يتنحى عن ذلك المكان. وقد يستعار هذا اللفظ أعني اليد لمعنى آخر ليس ذلك المعنى بجسم أصلاً كما يقال البلدة في يد الأمير فإن ذلك مفهوم وإن كان الأمير مقطوع اليد مثلاً.

فعلى العامي وغير العامي أن يتحقق قطعاً ويقيناً أن الرسولعليه‌السلام لم يرد بذلك جسماً هو عضو مركب من لحم ودم وعظم وأن ذلك في حق الله تعالى محال وهو عنه مقدس، فإن خطر بباله أن الله جسم مركب من أعضاء فهو عابد صنم! فإن كل جسم فهو مخلوق وعبادة المخلوق كفر وعبادة الصنم كان كفراً لأنه مخلوق وكان مخلوقاً لأنه جسم، فمن عبد جسماً فهو كافر بإجماع الأئمة، السلف منهم والخلف، سواء كان ذلك الجسم كثيفاً كالجبال الصم الصلاب أو لطيفاً كالهواء والماء، وسواء كان مظلماً كالأرض أو مشرقاً كالشمس والقمر والكواكب، أو مشفاً لا لون له كالهواء، أو عظيماً كالعرش والكرسي والسماء، أو صغيراً كالذرة والهباء، أو جماداً كالحجارة، أو حيواناً كالإنسان.

فالجسم صنم، فبأن يقدر حسنه وجماله أو عظمه أو صغره أو صلابته وبقاؤه لا يخرج عن كونه صنماً.

ومن نفى الجسمية عنه وعن يده وإصبعه، فقد نفى العضوية واللحم والعصب وقدس الرب جل جلاله عما يوجب الحدوث ليعتقد بعده أنه عبارة عن معنى من المعاني ليس بجسم ولا عرض في جسم يليق ذلك المعنى بالله تعالى، فإن كان لا يدري ذلك المعنى ولا يفهم كنه حقيقته فليس عليه في ذلك تكليف أصلاً، فمعرفة تأويله ومعناه ليس بواجب عليه، بل واجب عليه أن لا يخوض فيه. انتهى. وبذلك وافق الغزالي ورشيد رضا مذهبنا ومذهب المتأولين، وخالف المفوضة وأهل الظاهر!

٦١

وكل علماء السنّة حتى المجسّمة يصيرون متأوّلة عند الحاجة

كل المجسمة من الأشاعرة والحنابلة والوهابيين الذين حرموا التأويل، وأنكروا وجود المجاز في القرآن، وأوجبوا حمل ألفاظه وألفاظ أحاديث الصفات على معانيها الظاهرة الحقيقية، بل حتى أولئك الذين حكموا بأن المتأولة أهل ضلالة وبدعة وكفر وحذروا منهم.. كلهم يصيرون متأولة من الدرجة الأولى عندما يقعون في مأزق الآيات والأحاديث التي تخالف مذهبهم وتنفي إمكان الرؤية بالعين والتشبيه والتجسيم كقوله تعالى:لا تدركه الأبصار ...ليس كمثله شيء ...لا يحيطون به علماً ...لن تراني .. إلخ.

وهكذا نجد أن إخواننا الذين نبزونا بألفاظ (متاولة، متوالي، بني متوال) يقومون هم بتأويل جميع الآيات والأحاديث المخالفة لمذهبهم جهاراً نهاراً، وجوباً قربة إلى الله تعالى، من أجل الدفاع عن أحاديث الرؤية بالعين وظاهر الآيات المتشابهة فيها!

وهكذا يسقط منهجهم العلمي بتحريمهم التأويل في بعض الآيات والأحاديث وتحليله في بعضها! وكان الأولى بهم أن لا يلقوا أنفسهم في هذا المأزق ويتأولوا الآيات التي يوهم ظاهرها الرؤية من أول الأمر من أجل الجمع المنطقي بينها وبين الآيات النافية للرؤية.

وإذا سألتهم: لماذا أوجبتم الأخذ بظاهر هذه المجموعة من الآيات والأحاديث وحرمتم تأويلها، وأوجبتم تأويل تلك المجموعة وحرمتم الأخذ بظاهرها! فليس عندهم جواب، إلا أنهم أرادوا المحافظة على ظواهر آيات الرؤية بالعين وأحاديث الآحاد، مهما كلفهم ذلك من تناقض في المنهج العلمي، فالمهم عندهم أن لا تنخدش روايات الرؤية بالعين عن كعب الأحبار ومن قلده من الخلفاء!

٦٢

- قال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص ١٤٨

ومن ذلك قول الحافظ ابن حجر في الفتح ١٣ - ٤٣٢: فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الأمر إلى التجسيم، ومن لم يتضح له وعلم أن الله منزه عن الذي يقتضيه ظاهرها إما أن يكذب نقلتها وإما أن يؤولها. انتهى.

وقد تبنى ابن تيمية والوهابيون هذا الحل (الشرعي) فحكموا بوجوب تصديق هذه الروايات وتحريم تأويلها حتى لو أدت إلى التجسيم، ثم هجموا على روايات التنزيه ونفي التجسيم بمعول التأويل!

- وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص ١٥٦ - ١٥٩

وقد نقل الحافظ ابن جرير في تفسيره ٢٧ - ٧ تأويل لفظة (أيد) الواردة في قوله تعالى:وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ، بالقوة أيضاً عن جماعة من أئمة السلف منهم: مجاهد وقتادة ومنصور وابن زيد وسفيان... ومما يجدر التنبيه عليه هنا ولا يجوز إغفاله أن هؤلاء القوم الذين يحاربون التأويل ويزعمون أنه ضلال وبدعة وتحريف للقرآن والسنة هم أنفسهم يؤولون ما لا يوافق آراءهم من نصوص الكتاب والسنة في مسائل الصفات! فنراهم يؤولون مثل قوله تعالى: وهو معكم وقوله تعالى: ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون، وقوله تعالى: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم، وقوله تعالى: إنني معكما أسمع وأرى، وقوله تعالى:وهو معكم ، إلى غير ذلك من نصوص واضحة!

فإذا كان هذا قرآن وذاك قرآن فما الذي أوجب اعتقاد ظاهر هذا دون ظاهر ذاك وكله قرآن! ولماذا جوزوا تأويل ظاهر هذا دون ذلك!

... روى الخلال بسنده عن حنبل عن عمه الإمام أحمد بن حنبل أنه سمعه يقول: احتجوا عليّ يوم المناظرة فقالوا: تجيء يوم القيامة سورة البقرة... الحديث قال فقلت لهم: إنما هو الثواب. اهـ. فتأمل في هذا التأويل الصريح... نقل الحافظ

٦٣

البيهقي في الأسماء والصفات ص ٤٧٠ عن البخاري أنه قال: معنى الضحك: الرحمة اهـ. وقال الحافظ البيهقي ص ٢٩٨: روى الفربري عن محمد بن إسماعيل البخاري أنه قال: معنى الضحك فيه - أي الحديث - الرحمة اه- فتأمل. وقد نقل هذا التأويل أيضاً الحافظ ابن حجر في فتح الباري ٦ - ٤٠.

- وقال التلمساني في نفح الطيب ج ٨ ص ٣٤

حكاية أبي بكر بن الطيب مع رؤساء بعض المعتزله. وذلك أنه اجتمع معه في مجلس الخليفه فناظره في مسألة رؤية الباري فقال رئيسهم: ما الدليل أيها القاضي على جواز رؤية الله تعالى قال قوله تعالى:لا تدركه الأبصار فنظر بعض المعتزله إلى بعض وقالوا: جن القاضي! وذلك أن هذه الآية هي معظم ما احتجوا على مذهبهم وهو ساكت ثم قال لهم: أتقولون إن من لسان العرب قولك الحائط لا يبصر قالوا: لا... قال فلا يصح إذا نفي الصفة عما من شأنه صحة إثباتها له؟ قالوا: نعم، قال فكذلك قوله تعالى:لا تدركه الأبصار ، لو لا جواز إدراك الأبصار له لم يصح نفيه عنه! انتهى.

وهكذا نرى أن الذين حرموا التأويل وكفروا المسلمين بسببه، أفرطوا في ارتكابه ووصلوا به إلى حد السفسطة، فأولوا النفي الصريح بالإثبات، ولم يبق عليهم إلا أن يؤلوا(لا إله إلا الله) بوجود عدة آلهة مع الله سبحانه وتعالى عما يصفون. وسوف ترى مزيداً من فنونهم في تأويل آيات نفي الرؤية والتنزيه، عند استعراض تفسيرها، إن شاء الله تعالى.

- ونختم بما قاله الشيخ محمد رضا جعفري في بحث الكلام عند الإمامية ص ١٥١ من مجلة تراثنا عدد ٣٠

قال أبو الفرج ابن الجوزي: «واعلم أن عموم المحدثين حملوا ظاهر ما تعلق من صفات الباري سبحانه على مقتضى الحس فشبهوا، لأنهم لم يخالطوا الفقهاء فيعرفوا حمل المتشابه على مقتضى الحكم..» (١)

وقال أيضاً: «واعلم أن الناس في أخبار الصفات على ثلاث مراتب: إحداها،

٦٤

إمرارها على ما جاءت من غير تفسير ولا تأويل، إلا أن تقع ضرورة كقوله تعالى(وجاء ربّك) (٢) أي: جاء أمره، وهذا مذهب السلف.

والمرتبة الثانية، التأويل، وهو مقام خطر.

والمرتبة الثالثة، القول فيها بمقتضى الحس، وقد عمَّ جهلة الناقلين(٣)، إذ ليس لهم حظ من علوم المعقولات التي يعرف بها ما يجوز على الله تعالى وما يستحيل، فإن علم المعقولات يصرف ظواهر المنقولات عن التشبيه، فإذا عدموا تصرفوا في النقل بمقتضى الحس» (٤).

وقال تقي الدين ابن تيمية، راداً على من قال: إن أكثر الحنابلة مجسمة ومشبهة:

«المشبهة والمجسمة في غير أصحاب الإمام أحمد أكثر منهم فيهم، فهؤلاء أصناف الأكراد، كلهم شافعية، وفيهم من التشبيه والتجسيم ما لا يوجد في صنف آخر، وأهل جيلان فيهم شافعية وحنبلية، وأما الحنبلية المحضة فليس فيهم من ذلك ما في غيرهم، والكرامية كلهم حنفية»(٥).  ولست أقر ابن تيمية على دفاعه عن أهل مذهبه ولكني أسكت عنه....

٤ - نماذج مختارة: وكنموذج لما أشار إليه ابن الجوزي في كلامه عن المحدثين أختار ثلاثة لم يكونوا من الحنابلة الصرحاء، وأقدم لكل منهم بعض الترجمة كي لا يتهمني متهم بأني عثرت على مغمورين خاملين لم يكونوا ذوي شأن عند المحدثين:

١ - إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم، أبو يعقوب الحنظلي المروزي، ابن راهويه النيسابوري (١٦١/٧٧٨ ت ٢٣٨/٨٥٣.

قال الخطيب: كان أحد أئمة المسلمين، وعلماً من أعلام الدين، اجتمع له الحديث والفقه، والحفظ والصدق، والورع والزهد، ورحل إلى العراق، والحجاز، واليمن، والشام... وورد بغداد وجالس حفاظ أهلها، وذاكرهم، وعاد إلى خراسان فاستوطن نيسابور إلى أن توفي بها، وانتشر علمه عند الخراسانيين. وهكذا قال المزي والسبكي. وهو شيخ البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبوداود، والنسائي، وبقية بن الوليد، ويحيى بن آدم - وهما من شيوخه - وأحمد بن حنبل، وإسحاق

٦٥

الكوسج، ومحمد بن رافع، ويحيى بن معين - هؤلاء من أقرانه - وجماعة.

قال نعيم بن حماد: إذا رأيت العراقي يتكلم في أحمد بن حنبل فاتهمه في دينه، وإذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق بن راهويه فاتهمه في دينه.

وقال النسائي: أحد الأئمة، ثقة مأمون. وقال أحمد بن حنبل: إذا حدثك أبو يعقوب أمير المؤمنين فتمسك به. وقال أبو حاتم: إمام من أئمة المسلمين. وقال ابن حبان: وكان إسحاق من سادات زمانه فقهاً، وعلماً، وحفظاً، ونظراً، ممن صنف الكتب، وفرع السنن، وذب عنها، وقمع من خالفها، وقبره مشهور يزار. وقال أبو عبد الله الحاكم: إمام عصره في الحفظ والفتوى. وقال أبو نعيم الأصبهاني: كان إسحاق قرين أحمد [ بن حنبل ] وكان للآثار مثيراً، ولأهل الزيغ مبيراً.

وقال الذهبي: الإمام الكبير، شيخ المشرق، سيد الحفاظ، قد كان مع حفظه إماماً في التفسير، رأساً في الفقه، من أئمة الإجتهاد(٦).

أبو عيسى الترمذي - بعد أن أخرج الروايات التي تقول: إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه... الحديث - قال: وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، قالوا: قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم، ولا يقال: كيف؟

هكذا روي عن مالك، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف. وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة. وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه. وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه: اليد، والسمع، والبصر، فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إن معنى اليد ها هنا القوة.

وقال إسحاق بن إبراهيم(٧): إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيد، أو مثل يد، أو سمع كسمع، أو مثل سمع، فإذا قال: سمع كسمع أو مثل سمع، فهذا التشبيه. وأما

٦٦

إذا قال - كما قال الله تعالى -: يد، وسمع، وبصر، ولا يقول: كيف، ولا يقول مثل سمع، ولا كسمع، فهذا لا يكون تشبيهاً، وهو كما قال الله تعالى:(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) (٨).

٢ - أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (٢٢٣/٨٣٨ - ٣١١/٩٢٤) قالوا عنه: إنه كان إمام نيسابور في عصره، فقيهاً، مجتهداً، بحراً من بحور العلم، اتفق أهل عصره على تقدمه في العلم، ولقبه الصفدي، واليافعي، والذهبي، والسبكي، وابن الجزري، والسيوطي، وابن عبدالحي بإمام الأئمة. وقال الدار قطني: كان إماماً معدوم النظير. وقال ابن كثير: هو من المجتهدين في دين الإسلام. وذكروا له الكرامات. وقال السمعاني: وجماعة [ من المحدثين ] ينسبون إليه، يقال لكل واحد منهم خزيمي [ فهو إمام مدرسة حدثية ]. وهذا بعض ما قيل فيه(٩):

أثبت ابن خزيمة الوجه لله سبحانه، وقال: (ليس معناه أن يشبه وجهه وجه الآدميين، وإلا لكان كل قائل إن لبني آدم وجهاً، وللخنازير، والقردة، والكلاب... - إلى آخر ما عدد من الحيوانات - وجوهاً، قد شبه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة والكلاب...)(١٠).

وذكر مثل هذا في العين، واليد، والكف، واليمين، وقال: إن عيني الله لا تشبهان أي عين لغيره، وأضاف: نحن نقول: لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى وتحت الأرض السابعة السفلى وما في السماوات العلى وما بينهما ونزيد شرحاً وبياناً ونقول: عين الله عز وجل قديمة لم تزل باقية، ولا يزال محكوم لها بالبقاء منفي عنها الهلاك والفناء، وعيون بني آدم محدثة، كانت عدماً غير مكونة فكونها الله وخلقها بكلامه الذي هو صفة من صفات ذاته...»(١١).

وقال: إن لله يدين ويداه قديمتان لم تزالا باقيتين، وأيدي المخلوقين محدثة فأي تشبيه!...(١٢) ونفى التأويل عن كل هذا، خاصة تأويل اليد بالنعمة أو القوة(١٣).

وذكر «أن كلام ربنا عز وجل لا يشبه كلام المخلوقين، لأن كلام الله كلام متواصل

٦٧

لا سكت بينه ولا سمت، لا ككلام الآدميين الذي يكون بين كلامه سكت وسمت لانقطاع النفس، أو التذاكر، أو العي...»(١٤).

٣ - عثمان بن سعيد، أبو سعيد الدارمي، التميمي، السجستاني (ح ١٩٩/٨١٥ - ٢٨٠/٨٩٤) الإمام العلامة الحافظ، الناقد الحجة، وكان جذعاً وقذئ في أعين المبتدعة، قائماً بالسنة، ثقة، حجة، ثبتاً. وقيل فيه: كان إماماً يقتدى به في حياته وبعد مماته. ذكره الشافعية في طبقاتهم، وعده الحنابلة من أصحاب ابن حنبل(١٥).

قال الدارمي بأن لله مكاناً حده، وهو العرش(١٦) و(هو بائن من خلقه فوق عرشه بفرجة بينه في هواء الآخرة، حيث لا خلق معه هناك غيره، ولا فوقه سماء)(١٧) وقال (قد أيّنّا له مكاناً واحداً، أعلى مكان، وأطهر مكان، وأشرف مكان: عرشه العظيم فوق السماء السابعة العليا، حيث ليس معه هناك إنس ولا جان، ولا بجنبه حش، ولا مرحاض، ولا شيطان. وزعمت أنت(١٨) والمضلون من زعمائك أنه في كل مكان، وكل حش ومرحاض، وبجنب كل إنسان وجان! أفأنتم تشبهونه إذ قلتم بالحلول في الأماكن أم نحن؟!)(١٩)

وقال (ولو لم يكن لله يدان بهما خلق آدم ومسه مسيساً كما ادعيت، لم يجز أن يقال (لله): بيدك الخير...)(٢٠) وأحال في ذلك كل معنى أو تأويل من نعمة أو قوة إلا اليدين(٢١) (بما لهما من المعنى، وهو العضو الخاص المحسوس)، (وأن لله إصبعين، من غير تأويل بمعنى آخر)(٢٢) (والقدمان قدمان من غير تأويل)(٢٣) (غير أنا نقول، كما قال الله(ويبقى وجه ربّك) (٢٤) إنه عنى به الوجه الذي هو الوجه عند المؤمنين، لا الأعمال الصالحة، ولا القبلة...)(٢٥) وإن نفي التشبيه إنما هو بأن يكون لله كل هذا، ولكن لا يشبه شيء منه شيئاً مما في المخلوقين)(٢٦).

وقال الجعفري في هوامشه:

(١) تلبيس إبليس: ط ادارة الطباعة المنيرية، القاهرة: ١٣٦٨/١١٦.

(٢) الفجر ٨٩: ٢٢.

(٣) ويقصد بهم المحدثين.

٦٨

(٤) دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه، المكتبة التوفيقية، القاهرة: ١٩٧٦/٧٣ - ٧٤.

(٥) المناظرة في العقيدة الواسطية، مجموعة الرسائل الكبرى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط ٢:١٣٩٢/١٩٧٢، ١/٤١٨.

(٦) التاريخ الكبير ١ - ٣٧٩ - ٣٨٠ = ١٢٠٩، التاريخ الصغير ٢/٣٦٨، الجرح والتعديل ١ - ١ (٢) ٢٠٩ - ٢١٠= ٧١٤، ابن حبان، الثقات ٨/١١٥ - ١١٦، طبقات الحنابلة ١/١٠٩ = ١٢٢، المنهج الأحمد ١/١٠٨ - ١٠٩ = ٤٣،تاريخ بغداد ٦/٣٤٥ - ٣٣٥ = ٣٣٨١، حلية الأولياء ٩/٢٣٤ - ٢٣٨ ابن خلكان ١/١٩٩ - ٢٠١، الأنساب ٦/٥٦ -٥٧، السبكي، طبقات الشافعية ٢/٨٣ - ٩٣، ميزان الإعتدال ١/١٨٢ - ١٨٣ = ٧٣٣، سير أعلام النبلاء ١١/٣٥٨ -٣٨٢، تذكرة الحفّاظ ٢/٤٣٣ - ٤٣٥، العبر ١/٤٢٦، الوافي بالوفيات ٨/٣٨٦ - ٣٨٨ = ٣٨٢٥، طبقات الحفاظ /١٨٨ - ١٨٩ = ٤١٩، ابن كثير ١٠/٣١٧، تهذيب التهذيب ١/٢١٦ - ٢١٩ = ٤٠٨ ، تهذيب الكمال ٢/٣٧٣ - ٣٨٨ -٣٣٢، طبقات المفسرين ١/١٠٢ - ١٠٣، شذرات الذهب ٢/٨٩.

(٧) هو إسحاق بن راهويه - عارضة الأحوذي: ٣/٣٣٢.

(٨) الجامع الصحيح، الزكاة (ما جاء في فضل الصدقة) ٣/٥٠ - ٥١ أي ٦٦٢.

(٩) الذهبي سير أعلام النبلاء: ١٤/٣٦٥ - ٣٨٢، تذكرة الحفاظ: ٢/٧٢٠ - ٧٣١، العبر: ٢/١٤٩، السمعاني، الأنساب: ٥/١٢٤، ابن الأثير، اللباب: ١/٤٤٢، ابن الجوزي، المنتظم: ٦/١٨٤ - ١٨٦، ابن كثير، البداية والنهاية،١١/١٤٩، السبكي، طبقات الشافعية: ٣/١٠٩ - ١١٩، الصفدي، الوافي بالوفيات: ٢/١٩٦، اليافعي، مرآة الجنان:٢/٢٦٤، ابن عبد الحي، شذرات الذهب: ٢/٢٦٢ - ٢٦٣، السيوطي، طبقات الحفاظ: ٣١٠ - ٣١١، ابن الجزري،طبقات القراء: ٢/٩٧ - ٩٨.

(١٠) التوحيد واثبات صفات الرب، راجعه وعلق عليه محمد خليل هراس، المدرس بكلية أصول الدين (بالأزهر)، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة: ١٣٨٧/١٩٦٨، /٢٣.

(١١) المصدر / ٥٠ -٥٢.

(١٢) المصدر / ٨٢ - ٨٥.

(١٣) المصدر / ٨٥ - ٨٧.

(١٤) المصدر / ١٤٥.

(١٥) سير أعلام النبلاء: ١٣/٣١٩ - ٣٢٦، تذكرة الحفاظ: ٢/٦٢١ - ٦٢٢، العبر: ٢/٦٤، مرآة الجنان:

٦٩

٢/١٩٣، ابن كثير ١١/٦٩، طبقات الشافعية: ٢/٣٠٢ - ٣٠٦، طبقات الحفاظ: ٢٧٤، طبقات الحنابلة: ١/٢٢١، شذرات الذهب: ٢/١٧٦.

(١٦) الرد على بشر المريسي، عقائد السلف، نشر: دكتور علي سامي النشار، عمار جمعي الطالبي، منشأة المعارف الإسكندرية، مصر: ١٩٧١/٣٨٢.

(١٧) المصدر / ٤٣٩.

(١٨) يخاطب به بشر المريسي، الذي يرد عليه الدارمي، وهو بشر بن غياب المريسي، البغدادي، الحنفي (ح ١٣٨/٧٥٥ - ٢١٨ / ٨٣٣) من أعلام الحنيفة، وممن نادى بخلق القرآن ودافع عنه، وعن كثير من آراء المعتزلة.

(١٩) المصدر/ ٤٥٤

(٢٠) المصدر/ ٣٨٧

(٢١) (بما لهما من المعنى، وهو العضو الخاص المحسوس) المصدر / ٣٩٨.

(٢٢) المصدر / ٤٢٠.

(٢٣) المصدر / ٤٢٣ - ٤٢٤، ٤٢٧ - ٤٢٨.

(٢٤) الرحمن ٥٥/٢٧.

(٢٥) المصدر / ٥١٦.

(٢٦) المصدر / ٤٣٢ - ٤٣٣، ٥٠٨.. انتهى.

٧٠

الفصل الثالث

بازار الأحاديث في الرؤية والتشبيه والتجسيم

قالوا إن الله تعالى على صورة بشر!

- صحيح مسلم ج ٨ ص ٣٢

- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص) إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته..

- فردوس الأخبار للديلمي ج ٢ ص ٢٩٩

أبو هريرة: خلق الله عز وجل آدم على صورته وطوله ستون ذراعاً... فكل من يدخل الجنة على صورة آدم ستون ذراعاً فلم تزل تنقص بعده حتى الآن. انتهى. ونحوه في ج ٥ ص ١٦٥ ونحوه في مصابيحه ج ٣ ص ٢٦٦

- مختصر تاريخ دمشق ج ٣ جزء ٥ ص ١٢٥

عن أبي هريرة، عن النبي (ص) قال: خلق الله آدم على صورته طوله سبعون ذراعاً... الى آخره. وقد تقدم تكذيب الإمام مالك لهذا الحديث وغيره من أحاديث رؤية الله تعالى بالعين، من سير أعلام النبلاء ج ٨ ص ١٠٣

٧١

- وروى ابن حجر في لسان الميزان ج ٣ ص ٢٩٩ صيغة معقولة لهذا الحديث قال:... العلاء بن مسلمة، حدثنا عبد الله بن سيف، ثنا إسماعيل بن رافع، عن المقبري، عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه مرفوعاً: لا يضربن أحدكم وجه خادمه ولا يقول لعن الله من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورة وجهه. انتهى. فهل يقبلها اخواننا ويخلصون أنفسهم من ورطة التجسيم.

- لجنة الإفتاء الوهابية ج ٤ ص ٣٦٨ فتوى رقم ٢٣٣١

س ١: عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خلق الله آدم على صورته ستون ذراعاً، فهل هذا الحديث صحيح؟

ج: نص الحديث: خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً ثم قال: إذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع فما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فذهب فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعاً، فلم يزل الخلق تنقص بعده إلى الآن. رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم. وهو حديث صحيح ولا غرابة في متنه فإن له معنيان:

الأول: أن الله لم يخلف آدم صغيراً قصيراً كالأطفال من ذريته ثم نما وطال حتى بلغ ستين ذراعاً، بل جعله يوم خلقه طويلاً على صورة نفسه النهائية طوله ستون ذراعاً.

والثاني: أن الضمير في قوله (على صورته) يعود على الله بدليل ما جاء في رواية أخرى صحيحة: على صورة الرحمن وهو ظاهر السياق ولا يلزم على ذلك التشبيه، فإن الله سمى نفسه بأسماء سمى بها خلقه، ووصف نفسه بصفات وصف بها خلقه، ولم يلزم من ذلك التشبيه وكذا الصورة، ولا يلزم من إتيانها لله تشبيهه بخلقه لأن الاشتراك في الإسم وفي المعنى الكلي لا يلزم منه التشبيه فيما يخص كلا منهما، لقوله تعالى:لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .

٧٢

وقالوا له سمع وبصر كسمع الإنسان وبصره

- سنن أبي داود ج ٢ ص ٤١٩

... مولى أبي هريرة قال سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية:إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها .. إلى قوله تعالى سميعاً بصيراً، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه، قال أبو هريرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ويضع إصبعيه، قال ابن يونس قال المقرىء: يعني أن الله سميع بصير، يعني أن لله سمعاً وبصراً، قال أبو داود: وهذا رد على الجهمية. انتهى. ورواه في ج ٢ ص ٢٣٣، وكأن قصد أبي داود أن الجهمية أفرطوا في التنزيه، فيجب أن نرد عليهم بالتجسيم!

وقالوا له عينان مثل الإنسان وهما سالمتان

- صحيح البخاري ج ٢ جزء ٤ ص ١٤١

قال عبد الله (يعني ابن عمر) ذكر النبي (ص) يوماً بين ظهري الناس المسيح الدجال فقال: إن الله ليس بأعور، إلا أن المسيح الدجال أعور العين. انتهى. وقد فسرها الوهابيون وأسلافهم، بأن الله تعالى له عينان سالمتان! ورواه البغوي في مصابيحه ج ٣ ص ٤٩٧، ٥٠٧ عن ابن عمر أنه قال: قام رسول الله (ص) ثم ذكر الدجال: تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور. عن عباده ابن الصامت عن رسول الله (ص): إن المسيح الدجال رجلٌ قصير أفجح جعد أعور، وإن ربكم ليس بأعور.

وقالوا له أيدي وأعين ورجلان

- قال ابن حزم في المحلى ج ١ ص ٣٣

مسألة: وإن لله عز وجل عزاً وعزة وجلالاً وإكراماً، ويداً ويدين وأيدياً (كذا) ووجهاً وعيناً وأعيناً، وكبرياء، وكل ذلك حق لا يرجع منه ولا من علمه تعالى وقدره وقوته إلا إلى الله تعالى لا إلى شيء غير الله عز وجل أصلاً، نقر من ذلك مما في القرآن

٧٣

وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يحل أن يزاد في ذلك ما لم يأت به نص من قرآن أو سنة صحيحة.

قال عز وجل:ذو الجلال والإكرام وقال تعالى:يد الله فوق أيديهم ، لما خلقت بيدي، ومما عملت أيدينا أنعاماً، إنما نطعمكم لوجه الله، ولتصنع على عيني، إنك بأعيننا. ولا يحل أن يقال عينين لأنه لم يأت بذلك نص، ولا أن يقال سمع وبصر ولا حياة، لأنه لم يأت بذلك نص لكنه تعالى سميع بصير حي قيوم. انتهى.

ولعل ابن حزم لم يطلع على نص العينين وحديث السمع والبصر وغيرها، وإلا لقال بها!

وقالوا قد يكون له أُذن وقد يكون بلا أُذن

- فتاوى الألباني ص ٣٤٤

- سؤال السائل: صفة الأذن لله، موقف أهل السنة والجماعة منها؟

جواب: لا يثبتون ولا ينفون بالرأي، أما ما أثبته النص فهم يثبتونه بدون تكييف السلفيون مستريحون من هذه الكيفية يعني استراحوا من التشبيه عملاً بالتنزيه... وأن العين: صفة من صفاته تليق بعظمته وجلاله.

وقالوا له جنب وحقو

- تفسير الطبري ج ٢٦ ص ٣٦

- عن أبي هريرة عن رسول الله (ص) أنه قال خلق الله الخلق فلما فرغ منهم تعلقت الرحم بحقو الرحمن فقال مه! فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة... ورواه البغوي في مصابيحه ج ٣ ص ٣٥٠

- وقال الشاطبي في الإعتصام ج ٢ ص ٣٠٣

قول من زعم: أن لله سبحانه وتعالى جنباً مستدلاً بقوله: أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت من جنب الله.

٧٤

وقالوا إنّه يمشي وقد يركض ويهرول

- فتاوى الألباني ص ٥٠٦

سؤال: حول الهرولة، وهل أنكم تثبتون صفة الهرولة لله تعالى؟

جواب: الهرولة كالمجيء والنزول صفات ليس يوجد عندنا ما ينفيها.

- فتاوى ابن باز ج ٥ ص ٣٧٤

... ومن ذلك الحديث القدسي وهو قول الله سبحانه: من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة... أما التأويل للصفات وصرفها عن ظاهرها فهو مذهب أهل البدع من الجهمية والمعتزلة... انتهى.

وقالوا إنّه تعالى يرى بالعين في الدنيا

- الفرق بين الفرق للنوبختي ص ٢٩٤

وأجمع أهل السنة على أن الله تعالى يكون مرئياً للمؤمنين في الآخرة، وقالوا بجواز رؤيته في كل حال ولكل حي من طريق العقل ووجوب رؤيته للمؤمنين خاصة في الآخرة، من طريق الخبر..

- مسند أحمد ج ٤ ص ٦٦

... عن خالد بن اللجلاج عن عبد الرحمن بن عائش عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم ذات غداة وهو طيب النفس مسفر الوجه أو مشرق الوجه فقلنا: يا رسول الله إنا نراك طيب النفس مسفر الوجه أو مشرق الوجه، فقال: وما يمنعي وأتاني ربي عز وجل الليلة في أحسن صورة، قال يا محمد، قلت لبيك ربي وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت لا أدري أي رب! قال ذلك مرتين أو ثلاثاً، قال فوضع كفيه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي حتى تجلى لي ما في السموات وما في الأرض، ثم تلا هذه

٧٥

الآية:وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . انتهى. ورواه في ج ٥ ص ٣٧٨، وستأتي بقية رواياته في تفسير قوله تعالى(ما كذب الفؤاد ما رأى) .

وقالوا إنه يلبس قباء وجبة ويركب على جمل

- لسان الميزان ج ٢ ص ٢٣٨

ومما في الصفات له (حدثنا) أبو حفص بن سلمون ثنا عمرو بن عثمان ثنا أحمد بن محمد بن يوسف الإصبهاني ثنا شعيب بن بيان الصفار ثنا عمران القطان عن قتادة عن أنسرضي‌الله‌عنه مرفوعاً: إذا كان يوم الجمعة ينزل الله بين الأذان والإقامة عليه رداء مكتوب عليه إنني أنا الله لا إله إلا أنا، يقف في قبلة كل مؤمن مقبلاً عليه، فإذا سلم الإمام صعد إلى السماء. وروى عن ابن سلمون بإسناد له: رأيت ربي بعرفات على جمل أحمر عليه إزار! انتهى. ورواه في ميزان الإعتدال ج ١ ص ٥١٢

وقالوا إنّه فتى أمرد جعد الشعر

- ميزان الإعتدال ج ١ ص ٥٩٣

... عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: فلما تجلى ربه للجبل، قال: أخرج طرف خنصره وضرب على إبهامه فساخ الجبل، فقال حميد الطويل لثابت: تحدث بمثل هذا! قال فضرب في صدر حميد وقال: يقوله أنس ويقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكتمه أنا! رواه جماعة عن حماد وصححه الترمذي. إبراهيم بن أبي سويد وأسود بن عامر، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً: رأيت ربي جعداً أمرد، عليه حلة خضراء.

وقال ابن عدي: حدثنا عبد الله بن عبد الحميد الواسطي، حدثنا النضر بن سلمة شاذان، حدثنا الأسود بن عامر، عن حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أن محمداً رأى ربه في صورة شاب أمرد دونه ستر من لؤلؤ قدميه أو رجليه في خضرة.

٧٦

... قال المرودي: قلت لأحمد: يقولون لم يسمع قتادة عن عكرمة فغضب وأخرج كتابه بسماع قتادة عن عكرمة في ستة أحاديث. ورواه الحكم بن أبان عن زيرك عن عكرمة. وهو غريب جداً.

وقالوا إنّه يضحك في الدنيا والآخرة

- صحيح البخاري ج ٢ جزء ٣ ص ٢١٠

عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد.

- صحيح البخاري ج ٤ ص ٢٢٦

... فباتا طاويين، فلما أصبح غد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما، فأنزل الله:وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .

- سنن النسائي ج ٦ ص ٣٨

... عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يعجب من رجلين يقتل أحدهما صاحبه، وقال مرة أخرى: ليضحك من رجلين يقتل أحدهما صاحبه ثم يدخلان الجنة. تفسير ذلك أخبرنا محمد بن سلمة... عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد. انتهى. ورواه ابن ماجة في ج ١ ص ٦٨

- وروى أحمد في مسنده ج ١ ص ٣٩٢

عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن آخر من يدخل الجنة رجل يمشي على الصراط فينكب مرة ويمشي مرة وتسفعه النار مرة، فإذا جاوز

٧٧

الصراط التفت إليها فقال: تبارك الذي نجاني منك لقد أعطاني الله ما لم يعط أحداً من الأولين والآخرين، قال فترفع له شجرة فينظر إليها فيقول: يا رب أدنني من هذه الشجرة فأستظل بظلها وأشرب من مائها، فيقول: أي عبدي فلعلي إن أدنيتك منها سألتني غيرها، فيقول: لا يا رب، ويعاهد الله أن لا يسأله غيرها والرب عز وجل يعلم أنه سيسأله لأنه يرى ما لا صبر له يعني عليه، فيدنيه منها ثم ترفع له شجرة وهي أحسن منها فيقول: يا رب أدنني من هذه الشجرة فأستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول: أي عبدي ألم تعاهدني أنك لا تسألني غيرها، فيقول: يا رب هذه لا أسألك غيرها ويعاهده والرب يعلم أنه سيسأله غيرها فيدنيه منها، فترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن منها فيقول: رب أدنني من هذه الشجرة أستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول: أي عبدي ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها، فيقول: يا رب هذه الشجرة لا أسألك غيرها ويعاهده والرب يعلم أنه سيسأله غيرها لأنه يرى ما لا صبر له عليها فيدنيه منها فيسمع أصوات أهل الجنة فيقول: يا رب الجنة الجنة، فيقول: عبدي ألم تعاهدني أنك لا تسألني غيرها، فيقول: يا رب أدخلني الجنة.

قال فيقول عز وجل: ما يصريني منك أي عبدي أيرضيك أن أعطيك من الجنة الدنيا ومثلها معها؟

قال فيقول: أتهزؤ بي وأنت رب العزة!

قال فضحك عبد الله حتى بدت نواجذه ثم قال: ألا تسألوني لم ضحكت؟

قالوا له لم ضحكت؟

قال: لضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تسألوني لم ضحكت؟

قالوا: لم ضحكت يا رسول الله؟

قال: لضحك الرب حين قال أتهزأ بي وأنت رب العزة!! انتهى. ورواه في ج ١ ص٤١١ وج ٢ ص ٣١٨ وص ٤٦٤ وص ٥١١ وروى نحوه في ج ٢ ص ٢٧٦ وص ٢٩٤

٧٨

وص٥٣٤ وج ٣ ص ٨٠ وابن ماجة في سننه ج ١ ص ٦٤ والديلمي في فردوس الأخبار ج ٣ ص ٩ ح ٣٧٠٣ والبغوي في مصابيحه ج ١ ص ٤٣٣ وص ٥٤٤ وج ٣ ص ٥٤٦ والبيهقي في شعب الإيمان ج ١ ص ٢٤٩ وفي دلائل النبوة ج ٦ ص ١٤٣ والهيثمي في مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٦١٥ والشوكاني في نيل الأوطار ج ٣ ص ٥٧ وغيرهم.. وغيرهم..

وسيأتي عدد آخر من روايات ضحك الله المزعوم على هذا الرجل في روايات رؤيته بالعين في الآخرة.

- وقال ابن تيمية في الإيمان ص ٤٢٤

وفي الصحيحين في حديث الشفاعة يقول كل من الرسل إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله... وكذلك ضحكه إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة وضحكه إلى الذي يدخل الجنة آخر الناس ويقول: أتسخر بي وأنت رب العالمين! وكل هذا في الصحيح.

وقالوا إنه يضحك لمن يستلقي على دابّته

- وروى أحمد في ج ١ ص ٣٣٠ رواية غريبة نسب فيها تصرفاً غير معقول للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونسب فيها إلى الله تعالى أنه يضحك لمن يذكره على دابته ثم يستلقي! قال الإمام أحمد:

عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه على دابته فلما استوى عليها كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، وحمد الله ثلاثاً، وسبح الله ثلاثاً، وهلل الله واحدة ثم استلقى عليه فضحك، ثم أقبل عليَّ فقال: ما من إمريء يركب دابته فيصنع كما صنعت إلا أقبل الله تبارك وتعالى فضحك إليه كما ضحكت إليك!

وقالوا مادام الله يضحك فأملنا فيه كبير

- روى أحمد في مسنده ج ٤ ص ١١ وص ١٢ وص ١٣ رواية تعطي الناس الأمل بالله

٧٩

تعالى لأنه يضحك! قال:... عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، قال قلت: يا رسول الله أو يضحك الرب عز وجل! قال نعم، قال: لن نعدم من رب يضحك خيراً!

- وروى الديلمي في فردوس الأخبار ج ٣ ص ١٠

أبوذر الغفاري: ضحك الله ربنا عز وجل من قنوط عباده وقرب غيره ولن نعدم من رب يضحك خيراً. وستأتي روايته عن النويري وغيره.

وقالوا إنّه يضحك.. ويظل يضحك

- قال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد ج ٣ ص ٥٦٦ - ٥٦٧

- قوله (ص): فيضل يضحك، هو من صفات أفعاله سبحانه وتعالى التي لا يشبهه فيها شيء من مخلوقاته كصفات ذاته.. وكذلك: فأصبح ربك يطوف في الأرض، هو من صفات فعله كقوله تعالى:وجاء ربّك والملك ، وينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا، ويدنو عشية عرفة فيباهي بأهل الموقف الملائكة. والكلام في الجميع صراط واحد مستقيم إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تحريف ولا تعطيل.

- وقال النويري في نهاية الإرب ج ٧ جزء ١٤ ص ٢٩٢

عن لقيط بن عامر العقيلي قال... أتينا رسول الله (ص) حين انصرف من صلاة الغداة فقام خطيباً فقال أيها الناس... يشرف عليكم أزلين فيظل يضحك، قد علم أن غوثكم قريب. قال لقيط له: لن نعدم من رب يضحك خيراً.. انتهى. وروى نحوه المنذري في الترغيب والترهيب ج ١ ص ٤٣٤ وص ٤٣٦ وج ٤ ص ٥٠٣

وقالوا إنّه ضحك لطلحة وسعد

- أُسد الغابة ج ٣ ص ٨٣

روي أنه (طلحة بن البراء) توفي ليلاً فقال أدفنوني.. ولا تدعوا رسول الله (ص)

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

مع انّهم عليهم السلام قد بيّنوا ذلك في أحاديث كثيرة عامّة وخاصّة صريحة
في المعارضة، وقد تقدّم بعضها.

التاسع: أن يكون صلّى الله عليه وآله صلّى في الواقع ركعتين نافلة،
فظنّوها فريضة، فاقتدوا به، فلمّا فرغ قالوا ما قالوا، وظنّوا ما ظنّوا، فلم
يرخص له في إظهار الحال.

ثمّ قام فصلّى ركعتين اُخرى نافلة، وكان ذلك من نافلة الظهر أو غيرها،
فلم يكلّمهم بكنه عقله، لأنّه مأمور بأن يكلّم الناس على قدر عقولهم كما
مضى، ولدفع المفسدة فعل ما فعل، وسجد سجدتين شكراً فظنّوا انّه سها، وأتمّ
صلاته وسجد للسهو.

ونقلها العامّة بناء على اعتقاد أهل النفاق، ورواها الأئمّة عليهم السلام
لملاحظة التقيّة، ولا ينكر من المنافقين مثل هذا الجهل، بل العمد فيها يقتضي
سوء الظن بالنبيّ صلّى الله عليه وآله ووجوب بيان الحقّ عليه صلّى الله عليه
وآله لا ينافي ما قلناه، لأنّه قد يستلزم مفسدة، وقد يعلم عدم قبوله، وليس
ذلك من باب التقيّة، بل يكون مأموراً بما قال وما فعل في أقواله وأفعاله عليه
السلام من هذا القبيل ما لا يعدّ ولا يحصى.

وقد روى الكليني في باب الروضة بسنده عن رسول الله صلّى الله عليه
وآله انّه قال: والله لولا أن يقول الناس إنّ محمداً استعان بقوم فلمّا ظفر بعدوّه
قتلهم، لقدّمت كثيراً من أصحابي فضربت أعناقهم(١) .

وقد روى العامّة والخاصّة عنه صلّى الله عليه وآله انّه قال لعلي عليه

__________________

(١) الكافي ٨: ٣٤٥ ح ٥٤٢، عنه بحار الأنوار ٢٢: ١٤١ ح ١٢٣.

١٦١

السلام: يا علي، والله لولا انّي أخاف أن تقول فيك طوائف من اُمّتي ما قالت
النصارى في المسيح، لقلت فيك اليوم قولاً لا تمرّ بملأ إلاّ أخذوا التراب من
تحت قدميك يتبرّكون به(١) ومثل ذلك كثير جداً.

العاشر: أن تكون الركعتان الأخيرتان لم تكن واجبة على النبيّ صلّى الله
عليه وآله أصلاً، فإنّه هو الّذي زادها وأوجبها على الاُمّة، فأجاز الله له ذلك كما
مرّ، ويحتمل كونها غير واجبة عليه، ويكون ذلك من خواصّه، وإن لم ينقل إلينا
تصريح بذلك، فليس كلّ خواصّه قد نقلت.

وإذا لم تكن الأخيرتان واجبة عليه، فلا يبعد في تركهما عمداً، ثمّ
الإتيان بهما لأجل الحكمة والمصلحة السابقة وغيرها.

الحادي عشر: أن يكون حديث ذي الشمالين لا أصل له، ويكون
من مخترعات العامّة وممّا نسبوه إلى الرسول صلّى الله عليه وآله بغير
أصل، وتكون رواية الأئمّة عليهم السلام له، ونقلهم ايّاه لأجل تعليم
الشيعة الاحتجاج به على العامّة فيما تضمّنه من الأحكام الشريعة الّتي
خالف فيها كثير منهم، والاحتجاج على العامّة بما يعتقدونه حجّة من
أحاديثهم الموضوعة، وأكاذيبهم المخترعة، قد وقع من الأئمة عليهم السلام
ومن خواصّ أصحابهم على وجه الإلتزام(٢) والمعارضة في أحاديث كثيرة
جداً، ولا يأبي هذا الوجه من أحاديث السهو شيء، فقد أشاروا عليهم
السلام لأصحابهم إشارات بمثل ذلك، بل صرّحوا في بعض الروايات،

__________________

(١) الكافي ٨: ٥٧ ح ١٨، تفسير البرهان للبحراني ٤: ١٥٠ - ١٥١، نور الثقلين ٤: ٦٠٩.

(٢) في ج: الإلزام.

١٦٢

فإن كان ذلك بعيداً في بعض أحاديث السهو فلعلّه من باب الرواية
بالمعنى.

واعلم انّي كنت أنكر على بعض علمائنا في كتب الاستدلال أنّهم
يستدلّون على ما يختارونه أوّلاً ببعض الاستنباطات الظنّيّة حتى بالقياس، ثمّ
يقولون ويؤيّده صحيحة زرارة مثلاً، وربّما يستدلّون أوّلاً بما رواه العامّة عن
عائشة وعمر وأبي هريرة وأمثالهم، ثمّ بأحاديث الخاصّة ويوردونها على وجه
التأييد، ومعلوم انّه ينبغي أن يكون الأمر بالعكس، ثمّ تفطّنت انّ فعلهم هذا
لأجل الاحتجاج على العامّة لأنّهم يقولون أقوالهم وأقوال الشيعة، ثمّ يختارون
قولاً ويحتجّون عليه.

ثمّ وجدت للسيّد المرتضىرضي‌الله‌عنه تصريحاً بمثل ذلك في بعض
رسائله، فقال ما ملخّصه: إنّا نستدلّ في الظاهر بطريقة العامّة، وربّما
نستدلّ بأحاديثهم، وإنّما دليلنا في الواقع، ونفس الأمر هو إجماع الطائفة
المحقّة.

أقول: ومراده كما يفهم من مواضع من كلامه بالإجماع هنا أعمّ من
الاجماع على الفتوى بحيث لا يخالف أحد منهم، والإجماع على النقل بأن
يرووا الحديث في بعض الاُصول الأربعة الّتي أجمعوا على صحّتها وثبوتها
عنهم عليهم السلام، وقد سرى الوهم من هنا إلى بعض المتأخّرين فظنّوا إنّ
استدلالهم بتلك الاستنباطات الظنّيّة واقعي تحقيقي، مع أنّ الشيخ في كتاب
العدّة(١) والسيّد المرتضى في مواضع من كلامه وغيرهما من المحقّقين

__________________

(١) عدّة الاُصول ١: ٢٧٦.

١٦٣

يصرّحون بخلافه.

الثاني عشر: أن يكون حديث ذي الشمالين وأحاديث السهو من
المتشابهات التي تعارضها المحكمات، ويكون لها معنى آخر لم نطّلع عليه ولم
يخطر لنا ببال، فإنّ كثيراً من المتشابهات بهذه الصورة، ويجب علينا التوقّف
فيها وردّ أمرها إلى الله وإليهم عليهم السلام، وإنّما نذكر ما نذكر على وجه
الاحتمال وبذل الجهد في ردّ المتشابه إلى المحكم بحسب الإمكان كما أمرنا به
الأئمّة عليهم السلام.

ومن المعلوم أنّه مع وجود المعارضات الكثيرة الّتي تقدّم بعضها،
وأشرنا إلى باقيها، وترتّب المفاسد الكثيرة كما مرّ لا سبيل إلى حمل
أحاديث السهو على ظاهرها، والجزم بإمكان السهو من المعصوم ووقوعه
منه، والتطرّق إلى سوء الظنّ بأقواله وأفعاله، معاذ الله من أن نشكّ
في ذلك.

١٦٤

الفصل الحادي عشر

في الجواب عن استدلال ابن بابويه في الكلام السابق،
وعن أحاديث السهو بالتفصيل

وقد صار ذلك واضحاً، لكنّا نزيده توضيحاً فنقول:

أمّا الخبر الّذي أورده عن سعيد الأعرج فلا يفهم وقوع سهو حقيقي
واقعي من الرسول صلّى الله عليه وآله، بل يظهر منه إنّ تلك الواقعة لم تكن من
قسم السهو الواقع منه، بل هي من الله، وحينئذٍ فهو دالّ على مطلبنا، لا
على مطلبكم، لأن فيه تنزيهاً للرسول عن السهو، ونسبته إلى الله، ومعلوم انّ
وقوع هذا الفعل من الله؛ أمّا أن يكون بطريق الأمر به، أو الجبر عليه( وَمَا كَانَ
رَبُّكَ نَسِيًّا
) (١) .

وعلى كلّ حال لا سهو، وكذلك النوم، بل ذكر لفظ أنام رسوله أوّلاً، ثمّ
لفظ أسهاه ثانياً يدلّ على إنّ الحكم في المقامين واحد، وانّه لا اختيار له في

__________________

(١) سورة مريم: ٦٤.

١٦٥

شيء منهما، ولا فعل فعلاً حقيقيّاً، وهذه قرينة قويّة جداً.

وأمّا نسبة إنكار السهو المذكور إلى الغلاة والمفوّضة، فلا يدلّ
على بطلانه، فقد عرفت أنّه لا يختصّ بهم لذهاب عظماء علماء الإماميّة إليه،
ولعلّ الغلاة والمفوّضة يذكرون وقوع هذه الصورة بالكلّيّة.

أمّا الغلاة فلاعتقادهم أنّه لا يقدر أحد على منع الرسول صلّى الله عليه
وآله والأئمّة عليهم السلام من شيء، ولا يأمرهم أحد بشيء.

وأمّا المفوّضة فبعضهم يقولون: إنّ الله فوض أمر الخلق والرزق إلى النبيّ
والأئمّة عليهم السلام، وبعضهم يقولون: إنّ للعبد قدرة لا يقدر الله أن يسلبه
إيّاها، ولا يمنعه من شيء من أفعاله وحينئذٍ يستقيم الردّ عليهم بهذه الواقعة،
لأنّها على تقدير تسليمها، أمّا أمر من الله، أو جبر منه، وهو ينافي اعتقاد
الفريقين، وإذا حمل على السهو المجازي الظاهري استقام كلام ابن بابويه
أيضاً، وصار النزاع لفظياً في مجرّد التسمية بالسهو، فإنّه لا يظهر من كلامه
تجويز سهو حقيقي أصلاً، وهذا توجيه غير بعيد.

وأمّا الفرق بين العبادة المشتركة والتبليغ الّذي هو عبادة مختصّة، فممّا
لا يوافقه عليه أحد، وأكثر الناس لا يفهمون الفرق، بل كلّ من ثبت عنده سهوه
عليه السلام يتطرّق إلى تجويزه في التبليغ.

وأمّا على التفسير الّذي فسّرنا به كلامه، فيستقيم في ذلك، لأنّ(١) فرض
الجبر على تبليغ الباطل، والأمر به محال قطعاً ظاهر البطلان، مناف للكحمة،
ناقض الغرض.

__________________

(١) في ب: إلى أنّ.

١٦٦

وأمّا قوله: إنّ سهوه من الله، وسهو غيره من الشيطان، فهو يقرّب ما قلناه،
لأن نسبة السهو هنا إلى الله والى الرسول لابدّ فيها من ارتكاب تجويز، بأن
يكون أحدهما فاعلاً حقيقياً، والآخر مجازياً، فإن كان الفاعل الحقيقي هو
الرسول صلّى الله عليه وآله من غير أمر من الله، فلا فرق بين سهونا وسهوه، إلاّ
بأنّ سهوه من نفسه من غير مدخلية الشيطان، وتبطل النسبة إلى الله حينئذٍ لأنّ
معناها على هذا التقدير التخلية والتمكين وعدم المنع، وذلك حاصل في سهونا
أيضاً، فانتفت المزيّة بالكليّة، وبطل الفرق كما لا يخفى، لأنّ ما ذكر غير صالح
للفرق، ولا موجب لنسبة الفعل إلى الله حقيقة، بل يوجب أن يكون النبيّ أسوء
حالاً منّا في السهو، لأنّ لنا عذرين، وله عذر واحد.

وإن كان الفاعل الحقيقي هو الله؛ أمّا بالخبر الخاص على تقدير تسليمه،
أو بالأمر له بما فعله، ففيه تصريح بنفي السهو عن المعصوم، وهو عين المدّعي،
وإنّما نفينا عنه السهو الحقيقي، ولا حرج في إطلاق المجازي، مع انّ
الأولى ترك إطلاقه أيضاً في غير الضرورة، كرواية هذه الأخبار وتأويلها.

هذا ولا يخفى إنّ الحمل على وقوع الأمر يستلزم الإسناد المجازي
أيضاً، ولا تصوّر فيه، وقرينة قول ابن بابويه: إنّ سهوه من الله وسهونا
من الشيطان.

ومعلوم إنّ الشيطان لا يجبر الإنسان على السهو ولا على غيره، بل يأمره
بما يريد ويوسوس إليه به، لكن النسبة إلى الله مع أمره به أقرب من النسبة إليه
مع التخلية بمراتب، وإلاّ جاز إسناد جميع أفعال المعصوم وغيره إلى الله تعالى.

وأمّا ما نقله عن محمد بن الحسن بن الوليد، فقبوله للتوجيه الّذي قلناه،

١٦٧

والمحمل الصحيح الّذي ذكرناه أوضح، وكذلك دليلهما، فتزول المخافة.

وأمّا الكتاب الّذي وعد بتأليفه فلم يصل إلينا، فإن كان صرّح فيه بتجويز
السهو الحقيقي أو وقوعه، بطل حمل كلامه على المحمل الصحيح، ولم يبطل
حمل الأخبار عليه لوجود معارضاتها، وكثرة اجمالاتها(١) .

وأمّا حديث(٢) أبي بكر الحضرمي ففيه مع الإغماض عن سنده أنّه نسب
السهو إلى الرسول صلّى الله عليه وآله، فينافي إجماع الفريقين، لأنّ من جوّز
السهو عليه قال: انّه من الله، فلابد له من تأويله بالحمل على المجاز، أو
الاعتراف ببطلان الفرق الّذي ذكره، والقول بالمساواة بين سهونا وسهوه.

وأمّا حديث الحارث فليس فيه تصريح بالسهو أصلاً، بل ظاهره العمد
لإطلاق اسناد الفعل، وهو يتمّ على جملة من الوجوه السابقة.

وأمّا حديث الحسن بن صدقة ففيه مع ضعف سنده جداً أنّه تضمّن منه
الفعل إلى الرسول صلّى الله عليه وآله من غير تصريح [ بالسهو، ثمّ نسب الفعل
الى إرادة الله من غير تصريح به أيضاً ](٣) ، وظاهر الحال كون الإسنادين
على وجه الحقيقة، وهو لا يتمّ كما مرّ فالأقرب أن يكون الفعل من الرسول
صلّى الله عليه وآله عمداً، والأمر بذلك من الله كما تقدّم.

وحديث سعيد الأعرج قد عرفت حاله، وهذه الرواية أخفّ إشكالاً من
السابقة، ولفظ أسهاه يمكن حمله على الترك من غير بعد بأن يكون أمره به.

__________________

(١) في ب: اجمالاتنا.

(٢) في د: وأحاديث.

(٣) ليس في ب.

١٦٨

وأما حديث جميل فلا تصريح فيه بشيء، وانّما قال: فذكر حديث
ذي الشمالين، ووجهه ما تقدّم في مثله، بل أقرب الوجوه ممّا مضى، ويأتي
ممكن فيه.

وأمّا حديث أبي بصير ففيه مع(١) الاغماض عن سنده، وفساد مذهب
راويه، ومذهب غيره من الرواة انّه لم يصرّح بالسهو ولا فيه إشعار به.

وأمّا حديث سماعة فسنده كذلك، ويستقيم في متنه أكثر ما مرّ من
الوجوه إن لم يكن كلّها، مع أنّ قوله: من حفظ سهوه فأتمّه، ثمّ إيراده حديث
ذي الشمالين يدلّ على انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان حافظاً لعدد
صلاته وأتمّها، فليس عليه سجدتا السهو وحينئذٍ لم يكن منه سهو حقيقي،
بل هو مجازي بقرينة قوله: حفظ، وقرينة ما تقدّم من المعارضات العقليّة
والنقليّة على انّه ينافي كثيراً من أحاديث السهو الّتي تضمّنت انّه صلّى الله عليه
وآله سجد للسهو، وهذا التناقض يضعف الاحتجاج بها، بل أوّله يناقض
آخره.

والتعليل الّذي تضمّنه قوله: فإنّ الخ، لا يخفى ما فيه من المنافرة
لأوّله، والإجمال والاشكال من امارات التقيّة، وقد تقدّم حديث عبد الله بن
بكير المتضمّن لنفي سجود السهو عنه عليه السلام، وانّه ما سجدهما قط، ولا
يسجدهما فقيه، أي حافظ لعدد صلاته، متيقّظ من الفقه - أي الفهم - أو فقيه
كامل الفقه والعلم - أعني المعصوم كما حمله عليه بعض المحقّقين -.

وأمّا حديث زيد بن علي فهو أضعف سنداً ودلالة لمخالفته للإجماع

__________________

(١) في ب: من.

١٦٩

وشذوذه، وعدم عمل أحد بمضمونه، وعدم موافقته لاعتقاد علي عليه السلام
وأكثر شيعته بل كلّهم، ولاختصاص رواة(١) الزيدية بنقله، ولاشتماله على لفظ
المرغمتين، وانّما سمّيت سجدتا السهو بهما لأنّهما ترغمان أنف الشيطان.

وإذا كان سهوه عليه السلام على تقدير تسليمه من الله لا من الشيطان،
لا يجوز إطلاق هذا اللفظ سلّمنا، لكن؛ من أين ثبت إنّ بعض القوم أصاب،
وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أخطأ؟ بل يجب الجزم بالعكس، وإلاّ لكان
أمير المؤمنين عليه السلام أحقّ باستدراك ذلك من كلّ أحد، فتكون صلاتهم
في الواقع تامّة، والسجود المذكور محمولاً على بعض الوجوه السابقة،
والمرغمتان إرغاماً للمنافقين الّذين أرادوا إبطال صلاته وإعادتها.

وأمّا حديث زيد الشحّام فوجهه ما تقدّم مع ضعف سنده جداً.

وأمّا حديث العزرمي فقد عرفت عبارة الشيخ فيه، وفيها كفاية.

ويزيده وضوحاً: الأوجه السابقة من التقيّة وغيرها، وأقوى من جميع
ذلك، الحمل على كذب المنادي وغلطه، فهو أحقّ بالسهو والغلط، بل الافتراء
وتعمّد الكذب، فلعلّه كان من بعض الأعداء والمنافقين الّذين يريدون تغطية
قبائح المتقدّمين(٢) ، فقد نقلوا ذلك عن الثاني.

وأمّا حديث أبي بصير فليس فيه تصريح بوقوع سهو أصلاً، بل نقله
لذلك بلفظ قيل، يدلّ على عدم صحّته، وإلاّ لحكم به أوّلاً.

وأوضح من ذلك قوله: ما كان عليك لو سكت ولو كان صادقاً لما قال له

__________________

(١) في ب: برواية.

(٢) في هامش ب: الخلفاء الثلاثة الغاصبة للخلافة لعنهم الله. « منه رحمه الله ».

١٧٠

ذلك، لأنّه كان عليه استحقاق العقاب لو كان القول واجباً، وفوت الثواب إن
كان راجحاً، ولا يكاد يتصوّر المساواة والمرجوحية، لأنّه من المعاونة
على البرّ والتقوى، ونصيحة المؤمن للمؤمن.

وأمّا حديث سماعة، فلا إشكال فيه، فليس ذلك بفعل اختياري،
ولو لم يرد(١) التصريح بذلك لمنعناه، أو حملناه على ما قلناه لما
تقدّم من انّه تنام عينيه ولا ينام قلبه، ولكن النادر لا ينافي ذلك النص
لما يأتي.

وأمّا حديث سعيد الأعرج فلا اشكال فيه أيضاً، لأنّه صريح في انّ الله
جبره على ذلك، والزمه به، وجعل نومه غالباً، ولم يقع منه صلّى الله عليه وآله
تقصير ولا شيء، ولا ينافي العصمة، وفيه ردّ على الغلاة والمفوّضة معاً كما مرّ،
وفيه أيضاً اشارة إلى أنّ السهو على تقدير وقوعه كان كذلك، لكن الأقرب
هناك الحمل على الأمر دون الجبر.

وأمّا حديث عبد السلام بن صالح ففيه مع ضعف سنده جداً أنّه لا ينافي
ما قلنا، بل يؤيّده لانّه لم يقل يقع منه سهو، بل قال يقع عليه السهو، فدلّ
على أنّه مجبور أو مأمور.

والظاهر أنّهم كانوا ينكرون وقوع هذه القضيّة بالكلّيّة، ويعدونها محالاً
لاعتقادهم الغلو والتفويض، فلا يجوّزون ذلك على وجه الحقيقة ولا المجاز
ولا الأمر والمنع والإكراه، فورد الردّ عليهم وتكذيبهم، ولا أقل من الاحتمال
المانع من الاستدلال.

__________________

(١) في ج: يروي.

١٧١

وقد ورد في الخصال عن أبي جعفر عليه السلام إنّ أمير المؤمنين عليه
السلام علّم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة كلمة ممّا يصلح للمسلم في
دينه ودنياه.

فمن ذلك أنّه قال: إيّاكم والغلو فينا، قولوا إنّا عبيد مربوبون، [ وكذا
قوله: ](١) وقولوا(٢) في فضلنا ما شئتم(٣) .

ويفهم من هذا الحديث: إنّ نفي السهو عن المعصوم ليس من الغلو، وإنّما
الغلو نفي الحقيقي والمجازي معاً لمنافاته للعبودية.

وروى الطبرسي في الاحتجاج في احتجاج الرضا عليه السلام
على الغلاة والمفوّضة قال: لا تتجاوزوا بنا العبودية، ثمّ قولوا فينا ما شئتم، ولن
تبلغوا(٤) .

وأمّا الحديثان الأخيران فقد عرفت الوجه فيهما، والله تعالى أعلم.

__________________

(١) ليس في ج.

(٢) في د: وقوله.

(٣) الخصال: ٦١١ ح١٠، عنه بحار الأنوار ١٠: ٨٩ - ١١٦ ح١، وج٢٥: ٢٧٠ ح١٥، وج٧٠: ٣٦
ح ٣٠، وج ٧٥: ٣٩٥ ح ١١.

(٤) الاحتجاج ٢: ٤٣٨، عنه بحار الأنوار ٢٥: ٢٧٣ ح ٢٠.

وقال العلاّمة المجلسي في البحار ما نصّه: اعلم أن أصل هذا الخبر في غاية الوثاقة والاعتبار على
طريقة القدماء، وإن لم يكن صحيحاً بزعم المتأخّرين، واعتمد عليه الكليني وذكر أكثر أجزائه
متفرقة في أبواب الكافي، وكذا في غيره من أكابر المحدّثين.

١٧٢

الفصل الثاني عشر

في ذكر بعض النظائر والأشباه لأحاديث السهو الّتي يجب
تأويلها، ولا يجوز إبقائها على ظاهرها

وذلك كثير جداً، ولنقتصر من هذا القسم على اثني عشر:

الأوّل: ما رواه الشيخ أبو جعفر ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه
في باب ما يصلّى فيه قال:

قال الصادق عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ لموسى عليه السلام
( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى ) (١) قال: كانتا من جلد حمار ميّت(٢) .

وقد روى ابن بابويه في كتاب كمال الدين(٣) والشيخ الطبرسي في كتاب
الاحتجاج(٤) وغيرهما(٥) عن سعد بن عبد الله، عن صاحب الزمان عليه السلام

__________________

(١) سورة طه: ١٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١: ٢٤٨.

(٣) كمال الدين ٢: ٤٦٠.

(٤) الاحتجاج ٢: ٤٦٣.

(٥) بحار الأنوار ١٣: ٦٥ ح ٤.

١٧٣

ما هو صريح في إنكار هذه الرواية، وإنّ موسى عليه السلام أجلّ قدراً من أن
يجهل ذلك، أو يخفى عليه مثله، وبالغ عليه السلام في ردّها وإبطالها وقال: من
قال ذلك، فقد افترى على موسى واستجهله في نبوّته، ثمّ ذكر انّ معنى:
( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ) ؛ أي اخلع من قلبك حبّ أهلك. الحديث.

فانظر إلى أنّهم عليهم السلام تارة كانوا يروون ما يوافق التقيّة، وينقلون
عن الأنبياء خلاف الواقع، لأجل موافقة العامّة، ورعاية المصلحة، ودفع
المفسدة، ويفسّرون القرآن بذلك، لأجل ما ذكر فلا ينكر روايتهم لحديث
السهو، وإن لم يكن واقعاً على وجه الحقيقة لما فيه من الحكم والمصالح
السابقة.

الثاني: ما رواه الشيخ الجليل الثقة علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي في
تفسيره من قصة هاروت وماروت نقلاً عن الأئمّة عليهم السلام انّهم رووها كما
يرويها العامّة، والقصّة طويلة موجودة هناك(١) .

وقد أنكرها الامام الحسن العسكري عليه السلام كما رواه رئيس
المحدّثين أبو جعفر بن بابويه في كتاب عيون الأخبار(٢) في باب ما جاء عن
الرضا عليه السلام في هاروت وماروت، قال: حدّثنا محمد بن القاسم المفسّر،
عن يوسف بن محمد بن زياد؛ وعلي بن محمد بن سيّار، عن أبويهما، عن
الحسن بن علي، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام في قوله تعالى:( وَمَا أُنزِلَ
عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ
) (٣) - إلى ان قال: - وكان بعد نوح عليه

__________________

(١) تفسير القمّي ١: ٥٦ - ٥٧.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٦٩.

(٣) سورة البقرة: ١٠٢.

١٧٤

السلام قد كثر السحرة والمموّهون(١) ، فبعث الله ملكين إلى نبي ذلك الزمان
بذكر ما يسحر به السحرة وما يبطل به سحرهم، ويردّ به كيدهم، فتلقّاه النبي
عن الملكين وأدّاه إلى عباد الله بأمر الله، وأمرهم أن يقفوا به على السحر، وأن
يبطلوه، ونهاهم أن يسحروا به الناس، وهذا كما يدلّ على السمّ ما هو [ وعلى ما
يدفع به غائلة السمّ ](٢) ، ثمّ قال عزّ وجلّ:( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولا إِنَّمَا
نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ
) (٣) .

يعني: إنّ ذلك النبيّ عليه السلام أمر ملكين أن يظهرا للناس بصورة
بشرين، ويعلّماهم ما علّمهم الله من ذلك، وذكر الحديث - إلى أن قال: - يوسف
ابن محمد بن زياد؛ وعلي بن محمد بن سيّار، فقلنا للحسن أبي القاسم(٤) عليه
السلام: فإنّ عندنا قوماً يزعمون إنّ هاروت وماروت ملكان اختارتهما(٥)
الملائكة لما كثر عصيان بني آدم، [ وأنزلهما مع ثالث لهما ](٦) ، وأنّهما افتتنا
بالزهرة، وأراد الزنا بها، وشربا الخمر، وقتلا النفس المحرّمة، وإن الله عزّ وجلّ
يعذّبهما ببابل، وإنّ السحرة منها يتعلّمون السحر، وإنّ الله مسخ تلك المرأة هذا
الكوكب الّذي هو الزهرة.

فقال الإمام عليه السلام: معاذ الله من ذلك، إن ملائكة الله معصومون
محفوظون من الكفر والقبائح بالطاف الله تعالى، قال الله عزّ وجلّ:( لاَّ يَعْصُونَ

____ ______________

(١) في هامش ج: التمويه: التدليس. « منه رحمه الله ».

(٢) من المصدر.

(٣) سورة البقرة: ١٠٢.

(٤) كذا في « ب، ج »، وفي « د » والمصدر: القائم.

(٥) كذا في النسخ، وفي المصدر: اختارهما الله من.

(٦) من المصدر.

١٧٥

اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) (١) .

وقال تعالى:( [وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ](٢) وَمَنْ عِندَهُ - يعني
الملائكة -لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ ) (٣) وذكر آيات اُخر، ثمّ
قال عليه السلام: لو كان كما يقولون، كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاء
على الأرض، وكانوا كالأنبياء في الدنيا أو كالأئمّة، فيكون من الأنبياء والأئمّة
قتل النفس والزنا؟

ثمّ [ قال عليه السلام ](٤) : أو لست تعلم إنّ الله لم يخل الأرض من نبيّ أو
إمام من البشر أوليس الله يقول:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ [مِن رَّسُولٍ ](٥) ) (٦) يعني إلى
الخلق( إِلاَّ رِجَالاً ) (٧) ، فأخبر انّه لم يبعث الملائكة إلى الأرض ليكونوا أئمّة
وحكّاماً، وإنّما اُرسلوا إلى أنبياء الله. الحديث.

أقول: فظهر انّ رواية علي بن إبراهيم محمولة على التقيّة، وموافقة
للعامّة لدفع الضرر كما يقتضيه الحال، وهو نظير وقريب لحديث السهو.

الثالث: ما رواه ابن بابويه في عيون الأخبار(٨) من جملة الأحاديث
الدالّة على مدح زيد بن علي وأصحابه في باب مفرد، قال: حدّثنا علي بن

__________________

(١) سورة التحريم: ٦.

(٢ و ٥) من المصدر.

(٣) سورة الأنبياء: ١٩.

(٤) ليس في ب.

(٦) سورة الأنبياء: ٢٥، الحج: ٥٢.

(٧) سورة يوسف: ١٠٩،( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم ) .

(٨) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٥١.

١٧٦

أحمد بن محمد بن عمران(١) الدقّاق، قال: حدّثنا علي بن الحسين القاضي،
قال: حدّثنا الحسن(٢) بن علي الناصري، عن أحمد بن رشيد، عن عمّه أبي
معمّر [ سعيد ](٣) بن خيثم، عن أخيه معمّر، عن الصادق عليه السلام، عن آبائه،
عن علي عليه السلام قال: يخرج من ولدي رجل يقال له زيد يُقتل بالكوفة،
ويصلب بالكناسة(٤) ، يخرج من قبره حين ينشر، تفتح لروحه أبواب السماء،
ويبتهج به أهل السمارات [ والأرض ](٥) ، تجعل روحه في حوصلة طير أخضر،
ليسرح في الجنّة حيث يشاء.

أقول: هذا محمول على التقيّة في الرواية، كما جوّزناه في أحاديث
السهو.

لما رواه الكليني في باب أرواح المؤمنين عن علي بن إبراهيم، عن أبيه
عن ابن محبوب، عن أبي ولاّد الحنّاط، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت
له: جعلت فداك يروون أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش
فقال: لا، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير، ولكن في
أبدان كأبدانهم(٦) .

وفي الباب المذكور وغيره عدّة أحاديث بهذا المعنى.

الرابع: ما رواه الشيخ في الاستبصار في باب وجوب المسح

__________________

(١) في ج: عمروان. والظاهر انّه تصحيف.

(٢) في ب: الحسين.

(٣) ليس في ب.

(٤) في ج: الكناسية.

(٥) من المصدر.

(٦) الكافي ٣: ٢٤٤ ح ١ و ٢٤٥ ح ٦ و ٧.

١٧٧

على الرجلين، بإسناده عن محمد بن الحسن الصفّار، عن عبد الله بن منبّه، عن
الحسين بن علوان، عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي
عليه السلام، قال: جلست أتوضّأ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
تمضمض واستنشق واستن(١) ثمّ غسلت وجهي ثلاثاً، فقال: يا علي، قد
تجزيك [ من ذلك ](٢) المرّتان، قال: فغسلت ذراعي، ومسحت برأسي مرّتين،
فقال: قد يجزيك من ذلك المرّة، وغسلت قدمي، فقال لي: يا علي، خلّل بين
الأصابع لا تخلّل بالنار(٣) .

قال الشيخ: هذا خبر موافق للعامّة، وقد ورد مورد التقيّة، لانّ المعلوم
الذي لا يتخالج فيه الشكّ من مذاهب أئمّتنا عليهم السلام القول بالمسح
على الرجلين، وذلك أشهر من أن يدخل فيه شكّ أو ارتياب. انتهى.

أقول: فانظر إلى انّه حمله على التقيّة مع عدم جوازها على الرسول
صلّى الله عليه وآله عند الشيخ، لا عند غيره من الشيعة إلاّ النادر، ولا عند
أحد من المسلمين، ولا وجه لها إلاّ أن يكون أمير المؤمنين والحسين وعلي بن
الحسين عليهم السلام قد رووا تلك الرواية كما يرويها العامّة للتقيّة، فكذلك
أحاديث السهو من باب التقيّة في الرواية.

الخامس: ما رواه الشيخ أيضاً في الاستبصار في باب أكثر أيّام النفاس
بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن العلاء، عن محمد بن مسلم
قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن النفساء كم تقعد؟

__________________

(١) استن: استنان: استعمال السواك.

(٢) من المصدر.

(٣) الاستبصار ١: ٦٥ ح ٨.

١٧٨

فقال: إنّ أسماء بنت عميس أمرها رسول الله صلّى الله عليه وآله أن
تغتسل لثمان عشر، ولا بأس بان تستظهر ليوم أو يومين(١) .

أقول: ذكر الشيخ لهذا الحديث وأمثاله ثلاثة أوجه من وجوه الجمع بينها
وبين ما عارضها. أحدها: الحمل على ضرب من التقيّة، لأنها موافقة لمذاهب
العامّة. انتهى.

وإذا جاز حمل الحديث الصحيح المنقول من كتب الحسين بن سعيد،
عن الثقات الأثبات، عن محمد بن مسلم الّذي أجمعت الطائفة على تصحيح ما
يصحّ عنه على التقيّة مع عدم جوازها على الرسول صلّى الله عليه وآله
فأحاديث السهو أولى بالحمل على التقيّة لمعارضته الأدلّة العقليّة والنقليّة كما
عرفت.

السادس: ما رواه الشيخ في الاستبصار أيضاً في باب حكم من أصبح
جنباً في شهر رمضان بعد ذكر أحاديث كثيرة في عدم الجواز بإسناده عن
سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين؛ ومحمد بن علي، عن محمد بن
عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان، عن حبيب
الخثعمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله
يصلّي صلاة الليل في شهر رمضان، ثمّ يجنب، ثمّ يؤخّر الغسل متعمّداً
حتى يطلع الفجر(٢) .

قال الشيخ بعد ذكر حديث آخر مثله: الوجه في هذين الخبرين أن

__________________

(١) الاستبصار ١: ١٥٥ ح ٢.

(٢) الاستبصار ٢: ٩ ح ٣ و ٤، وص ٨٨ ح ٦.

١٧٩

نحملهما على ضرب من التقيّة وعلى ما بيّناه، لانّه(١) رواية العامّة عن
النبيّ صلّى الله عليه وآله، ويحتمل أنّه أخّر الغسل عمداّ لعذر من برد أو
غيره. انتهى.

والكلام فيه كالّذي قبله، بل هذا أوضح في تجويزه وقوع التقيّة
في الرواية ولا يخفى انّه يمكن حمل الفجر على الفجر الأوّل وهو
قريب جدّاً.

السابع: ما رواه أيضاً في الاستبصار في باب تحليل المتعة بعد ذكر
أحاديث كثيرة في الإباحة، بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أبي
الجوزاء، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن
آبائه، عن على عليه السلام قال: حرّم رسول الله صلّى الله عليه وآله لحوم حمر
الأهلية ونكاح المتعة(٢) .

قال الشيخ: الوجه في هذه الرواية أن نحملها على التقيّة لأنّها موافقة
لمذهب العامّة والأخبار الاُولى موافقة لظاهر الكتاب، وإجماع الطائفة
المحقّة(٣) . انتهى.

وجميع ما قاله متّجه في أحاديث السهو لما عرفت.

الثامن: ما رواه أيضاً في الاستبصار في باب حكم لحم الحمار الأهلية

__________________

(١) كذا في النسخ، وفي المصدر: لأنّ ذلك.

(٢) الاستبصار ٣: ١٢٤ ح ٥.

(٣) في هامش ج: العجب انّ الشيخ زين الدين في شرح اللمعة ذكر أنّ أخبارنا دالّة على اباحة المتعة
ولا معارض لها أصلاً وتعجّب من ذلك. وفيه غفلة عن هذا المعارض وغيره. « منه رحمه الله ».

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434