كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٨

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 307

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 307
المشاهدات: 18823
تحميل: 4755


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 307 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18823 / تحميل: 4755
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 8

مؤلف:
العربية

إذا أخرجوك منه قلت آخذ سيفي فأضربهم به فقال أ لا أدلك على خير من ذلك انسق معهم حيث ساقوك و تسمع و تطيع فسمعت و أطعت و أنا أسمع و أطيع و الله ليلقين الله عثمان و هو آثم في جنبي.و اعلم أن أصحابنا رحمهم الله قد رووا أخبارا كثيرة معناها أنه أخرج إلى الربذة باختياره.و حكى قاضي القضاةرحمه‌الله في المغني عن شيخنا أبي عليرحمه‌الله أن الناس اختلفوا في أمر أبي ذر و أن الرواية وردت بأنه قيل له أ عثمان أنزلك الربذة فقال لا بل أنا اخترت لنفسي ذلك.و روى أبو علي أيضا : أن معاوية كتب يشكوه و هو بالشام فكتب إليه عثمان أن صر إلى المدينة فلما صار إليها قال له ما أخرجك إلى الشام قال

إني سمعت رسول الله ص يقول إذا بلغت عمارة المدينة موضع كذا فاخرج منها فلذلك خرجت فقال أي البلاد أحب إليك بعد الشام قال الربذة فقال صر إليها.و روى الشيخ أبو علي أيضا عن زيد بن وهب قال قلت لأبي ذر و هو بالربذة ما أنزلك هذا المنزل قال أخبرك أني كنت بالشام فذكرت قوله تعالى( وَ اَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ اَلذَّهَبَ وَ اَلْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها ) فقال لي معاوية هذه نزلت في أهل الكتاب فقلت فيهم و فينا فكتب معاوية إلى عثمان في ذلك فكتب إلى أن أقدم فقدمت عليه فانثال الناس إلي كأنهم لم يعرفوني فشكوت ذلك إلى عثمان فخيرني و قال انزل حيث شئت فنزلت الربذة.و نحن نقول هذه الأخبار و إن كانت قد رويت لكنها ليست في الاشتهار

٢٦١

و الكثرة كتلك الأخبار و الوجه أن يقال في الاعتذار عن عثمان و حسن الظن بفعله أنه خاف الفتنة و اختلاف كلمة المسلمين فغلب على ظنه أن إخراج أبي ذر إلى الربذة أحسم للشغب و أقطع لأطماع من يشرئب إلى شق العصا فأخرجه مراعاة للمصلحة و مثل ذلك يجوز للإمام هكذا يقول أصحابنا المعتزلة و هو الأليق بمكارم الأخلاق فقد قال الشاعر:

إذا ما أتت من صاحب لك زلة

فكن أنت محتالا لزلته عذرا

و إنما يتأول أصابنا لمن يحتمل حاله التأويل كعثمان فأما من لم يحتمل حاله التأويل و إن كانت له صحبة سالفة كمعاوية و أضرابه فإنهم لا يتأولون لهم إذا كانت أفعالهم و أحوالهم لا وجه لتأويلها و لا تقبل العلاج و الإصلاح

٢٦٢

131 و من كلام له ع

أَيَّتُهَا اَلنُّفُوسُ اَلْمُخْتَلِفَةُ وَ اَلْقُلُوبُ اَلْمُتَشَتِّتَةُ اَلشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ وَ اَلْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ أَظْأَرُكُمْ عَلَى اَلْحَقِّ وَ أَنْتُمْ تَنْفِرُونَ عَنْهُ نُفُورَ اَلْمِعْزَى مِنْ وَعْوَعَةِ اَلْأَسَدِ هَيْهَاتَ أَنْ أُطْلِعَ بِكُمْ سِرَارَ اَلْعَدْلِ أَوْ أُقِيمَ اِعْوِجَاجَ اَلْحَقِّ اَللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ اَلَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ وَ لاَ اِلْتِمَاسَ شَيْ‏ءٍ مِنْ فُضُولِ اَلْحُطَامِ وَ لَكِنْ لِنَرِدَ اَلْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ وَ نُظْهِرَ اَلْإِصْلاَحَ فِي بِلاَدِكَ فَيَأْمَنَ اَلْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ وَ تُقَامَ اَلْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ اَللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَنَابَ وَ سَمِعَ وَ أَجَابَ لَمْ يَسْبِقْنِي إِلاَّ رَسُولُ اَللَّهِ ص بِالصَّلاَةِ وَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اَلْوَالِي عَلَى اَلْفُرُوجِ وَ اَلدِّمَاءِ وَ اَلْمَغَانِمِ وَ اَلْأَحْكَامِ وَ إِمَامَةِ اَلْمُسْلِمِينَ اَلْبَخِيلُ فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ وَ لاَ اَلْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ وَ لاَ اَلْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ وَ لاَ اَلْحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ وَ لاَ اَلْمُرْتَشِي فِي اَلْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ وَ يَقِفَ بِهَا دُونَ اَلْمَقَاطِعِ وَ لاَ اَلْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ اَلْأُمَّةَ أظأركم أعطفكم ظأرت الناقة ظأرا و هي ناقة مظئورة إذا عطفتها علي ولد غيرها

٢٦٣

و في المثل الطعن يظأر أي يعطف علي الصلح و ظأرت الناقة أيضا إذا عطفت على البو يتعدى و لا يتعدى فهي ظئور.و الوعوعة الصوت و الوعواع مثله.و قوله هيهات أن أطلع بكم سرار العدل يفسره الناس بمعنى هيهات أن أطلعكم مضيئين و منورين لسرار العدل و السرار آخر ليلة في الشهر و تكون مظلمة و يمكن عندي أن يفسر على وجه آخر و هو أن يكون السرار هاهنا بمعنى السرور و هي خطوط مضيئة في الجبهة و قد نص أهل اللغة على أنه يجوز سرر و سرار و قالوا و يجمع سرار على أسرة مثل حمار و أحمرة قال عنترة:

بزجاجة صفراء ذات أسرة

قرنت بأزهر في الشمال مفدم

يصف الكأس و يقول إن فيها خطوطا بيضا و هي زجاج أصفر و يقولون برقت أسرة وجهه و أسارير وجهه فيكون معنى كلامه ع هيهات أن تلمع بكم لوامع العدل و تنجلي أوضاحه و يبرق وجهه و يمكن فيه أيضا وجه آخر و هو أن ينصب سرار هاهنا على الظرفية و يكون التقدير هيهات أن أطلع بكم الحق زمان استسرار العدل و استخفائه فيكون قد حذف المفعول و حذفه كثير.ثم ذكر أن الحروب التي كانت منه لم تكن طلبا للملك و لا منافسة على الدنيا و لكن لتقام حدود الله على وجهها و يجري أمر الشريعة و الرعية على ما كان يجري عليه أيام النبوة.ثم ذكر أنه سبق المسلمين كلهم إلى التوحيد و المعرفة و لم يسبقه بالصلاة أحد إلا رسول الله ص و هكذا روى جمهور المحدثين و قد تقدم ذكر ذلك.

٢٦٤

فإن قلت أي وجه لإدخال هذا الكلام في غضون مقصده في هذه الخطبة فإنها مبنية على ذم أصحابه و تقرير قاعدة الإمامة و أنه لا يجوز أن يليها الفاسق و أنه لا بد للإمام من صفات مخصوصة عددها ع و كل هذا لا تعلق لسبقه إلى الإسلام قلت بل الكلام متعلق بعضه ببعض من وجهين أحدهما أنه لما قال اللهم إنك تعلم أني ما سللت السيف طلبا للملك أراد أن يؤكد هذا القول في نفوس السامعين فقال أنا أول من أسلم و لم يكن الإسلام حينئذ معروفا أصلا و من يكون إسلامه هكذا لا يكون قد قصد بإسلامه إلا وجه الله تعالى و القربة إليه فمن تكون هذه حاله في مبدإ أمره كيف يخطر ببال عاقل أنه يطلب الدنيا و حطامها و يجرد عليها السيف في آخر عمره و وقت انقضاء مدة عمره.و الوجه الثاني أنه إذا كان أول السابقين وجب أن يكون أقرب المقربين لأنه تعالى قال( وَ اَلسَّابِقُونَ اَلسَّابِقُونَ أُولئِكَ اَلْمُقَرَّبُونَ ) أ لا ترى أنه إذا قال الملك العالمون العاملون هم المختصون بنا وجب أن يكون أعلمهم أشدهم به اختصاصا و إذا كان ع أقرب المقربين وجب أن تنتفي عنه الموانع الستة التي جعل كل واحد منها صادا عن الإمامة و قاطعا عن استحقاقها و هي البخل و الجهل و الجفاء أي الغلظة العصبية في دولته أي تقديم قوم على قوم و الارتشاء في الحكم و التعطيل للسنة و إذا انتفت عنه هذه الموانع الستة تعين أن يكون هو الإمام لأن شروط الإمامة موجودة فيه بالاتفاق فإذا كانت موانعها عنه منتفية و لم يحصل لغيره اجتماع الشروط و ارتفاع الموانع وجب أن يكون هو الإمام لأنه لا يجوز خلو العصر من إمام سواء كانت هذه القضية عقلية أو سمعية.

٢٦٥

فإن قلت أ فتراه عني بهذا قوما بأعيانهم قلت الإمامية تزعم أنه رمز في الجفاء و العصبية لقوم دون قوم إلى عمر و رمز بالجهل إلى من كان قبله و رمز بتعطيل السنة إلى عثمان و معاوية و أما نحن فنقول إنه ع لم يعن ذلك و إنما قال قولا كليا غير مخصوص و هذا هو اللائق بشرفه ع و قول الإمامية دعوى لا دليل عليها و لا يعدم كل أحد أن يستنبط من كل كلام ما يوافق غرضه و إن غمض و لا يجوز أن تبنى العقائد على مثل هذه الاستنباطات الدقيقة.و النهمة الهمة الشديدة بالأمر قد نهم بكذا بالضم فهو منهوم أي مولع به حريص عليه يقول إذا كان الإمام بخيلا كان حرصه و جشعه على أموال رعيته و من رواها نهمته بالتحريك فهي إفراط الشهوة في الطعام و الماضي نهم بالكسر.قوله ع فيقطعهم بجفائه أي يقطعهم عن حاجاتهم لغلظته عليهم لأن الوالي إذا كان غليظا جافيا أتعب الرعية و قطعهم عن مراجعته في حاجاتهم خوفا من بادرته و معرته.قوله و لا الحائف للدول أي الظالم لها و الجائر عليها و الدول جمع دولة بالضم و هي اسم المال المتداول به و يقال هذا الفي‏ء دولة بينهم أي يتداولونه و المعنى أنه يجب أن يكون الإمام يقسم بالسوية و لا يخص قوما دون قوم على وجه العصبية لقبيلة دون قبيلة أو لإنسان من المسلمين دون غيره فيتخذ بذلك بطانة.قوله فيقف بها دون المقاطع المقاطع جمع مقطع و هو ما ينتهي الحق إليه أي لا تصل الحقوق إلى أربابها لأجل ما أخذ من الرشوة عليها.

٢٦٦

فإن قلت فما باله قال في المانع السادس فيهلك الأمة و كل واحد من الموانع قبله يفضي إلى هلاك الأمة.قلت كل واحد من الموانع الخمسة يفضي إلى هلاك بعض الأمة و أما من يعطل السنة أصلا فإنه لا محالة مهلك للأمة كلها لأنه إذا عطل السنة مطلقا عادت الجاهلية الجهلاء كما كانت.و قد روي و لا الخائف الدول بالخاء المعجمة و نصب الدول أي من يخاف دول الأيام و تقلبات الدهر فيتخذ قوما دون قوم ظهريا و هذا معنى لا بأس به

٢٦٧

132 و من خطبة له ع

نَحْمَدُهُ عَلَى مَا أَخَذَ وَ أَعْطَى وَ عَلَى مَا أَبْلَى وَ اِبْتَلَى اَلْبَاطِنُ لِكُلِّ خَفِيَّةٍ وَ اَلْحَاضِرُ لِكُلِّ سَرِيرَةٍ اَلْعَالِمُ بِمَا تُكِنُّ اَلصُّدُورُ وَ مَا تَخُونُ اَلْعُيُونُ وَ نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً ص نَجِيبُهُ وَ بَعِيثُهُ شَهَادَةً يُوَافِقُ فِيهَا اَلسِّرُّ اَلْإِعْلاَنَ وَ اَلْقَلْبُ اَللِّسَانَ على ما أبلى أي ما أعطى يقال قد أبلاه الله بلاء حسنا أي أعطاه قال زهير:

جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم

و أبلاهما خير البلاء الذي يبلو

و أما قوله و ابتلى فالابتلاء إنزال مضرة بالإنسان على سبيل الاختبار كالمرض و الفقر و المصيبة و قد يكون الابتلاء بمعنى الاختبار في الخير إلا أنه أكثر ما يستعمل في الشر.و الباطن العالم يقال بطنت الأمر أي خبرته و تكن الصدور تستر و ما تخون العيون ما تسترق من اللحظات و الرمزات على غير الوجه الشرعي.و النجيب المنجب و البعيث المبعوث

٢٦٨

وَ مِنْهَا فَإِنَّهُ وَ اَللَّهِ اَلْجِدُّ لاَ اَللَّعِبُ وَ اَلْحَقُّ لاَ اَلْكَذِبُ وَ مَا هُوَ إِلاَّ اَلْمَوْتُ أَسْمَعَ دَاعِيهِ وَ أَعْجَلَ حَادِيهِ فَلاَ يَغُرَّنَّكَ سَوَادُ اَلنَّاسِ مِنْ نَفْسِكَ وَ قَدْ رَأَيْتَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِمَّنْ جَمَعَ اَلْمَالَ وَ حَذِرَ اَلْإِقْلاَلَ وَ أَمِنَ اَلْعَوَاقِبَ طُولَ أَمَلٍ وَ اِسْتِبْعَادَ أَجَلٍ كَيْفَ نَزَلَ بِهِ اَلْمَوْتُ فَأَزْعَجَهُ عَنْ وَطَنِهِ وَ أَخَذَهُ مِنْ مَأْمَنِهِ مَحْمُولاً عَلَى أَعْوَادِ اَلْمَنَايَا يَتَعَاطَى بِهِ اَلرِّجَالُ اَلرِّجَالَ حَمْلاً عَلَى اَلْمَنَاكِبِ وَ إِمْسَاكاً بِالْأَنَامِلِ أَ مَا رَأَيْتُمُ اَلَّذِينَ يَأْمُلُونَ بَعِيداً وَ يَبْنُونَ مَشِيداً وَ يَجْمَعُونَ كَثِيراً كَيْفَ أَصْبَحَتْ بُيُوتُهُمْ قُبُوراً وَ مَا جَمَعُوا بُوراً وَ صَارَتْ أَمْوَالُهُمْ لِلْوَارِثِينَ وَ أَزْوَاجُهُمْ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لاَ فِي حَسَنَةٍ يَزِيدُونَ وَ لاَ مِنْ سَيِّئَةٍ يَسْتَعْتِبُونَ يُسْتَعْتَبُونَ فَمَنْ أَشْعَرَ اَلتَّقْوَى قَلْبَهُ بَرَزَ مَهَلُهُ وَ فَازَ عَمَلُهُ فَاهْتَبِلُوا هَبَلَهَا وَ اِعْمَلُوا لِلْجَنَّةِ عَمَلَهَا فَإِنَّ اَلدُّنْيَا لَمْ تُخْلَقْ لَكُمْ دَارَ مُقَامٍ بَلْ خُلِقَتْ لَكُمْ مَجَازاً لِتَزَوَّدُوا مِنْهَا اَلْأَعْمَالَ إِلَى دَارِ اَلْقَرَارِ فَكُونُوا مِنْهَا عَلَى أَوْفَازٍ وَ قَرِّبُوا اَلظُّهُورَ لِلزِّيَالِ قوله ع فإنه و الله الجد الضمير للأمر و الشأن الذي خاض معهم في ذكره و وعظهم بنزوله ثم أوضحه بعد إجماله فقال إنه الموت الذي دعا فأسمع و حدا فأعجل.

٢٦٩

و سواد الناس عامتهم.و من هاهنا إما بمعنى الباء أي لا يغرنك الناس بنفسك و صحتك و شبابك فتستبعد الموت اغترارا بذلك فتكون متعلقة بالظاهر و إما أن تكون متعلقة بمحذوف تقديره متمكنا من نفسك و راكنا إليها.و الإقلال الفقر و طول أمل منصوب على أنه مفعول.فإن قلت المفعول له ينبغي أن يكون الفعل علة في المصدر و هاهنا ليس الأمن علة طول الأمل بل طول الأمل علة الأمن قلت كما يجوز أن يكون طول الأمل علة الأمن يجوز أن يكون الأمن علة طول الأمل أ لا ترى أن الإنسان قد يأمن المصائب فيطول أمله في البقاء و وجوه المكاسب لأجل ما عنده من الأمن و يجوز أن ينصب طول أمل على البدل من المفعول المنصوب برأيت و هو من و يكون التقدير قد رأيت طول أمل من كان و هذا بدل الاشتمال و قد حذف منه الضمير العائد كما حذف من قوله تعالى( قُتِلَ أَصْحابُ اَلْأُخْدُودِ اَلنَّارِ.... ) و أعواد المنايا النعش و يتعاطى به الرجال الرجال يتداولونه تارة على أكتاف هؤلاء و تارة على أكتاف هؤلاء و قد فسر ذلك بقوله حملا على المناكب و إمساكا بالأنامل.و المشيد المبني بالشيد و هو الجص.البور الفاسد الهالك و قوم بور أي هلكى قال سبحانه( وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً ) و هو جمع واحدة بائر كحائل و حول.

٢٧٠

و يستعتبون هاهنا يفسر بتفسيرين على اختلاف الروايتين فمن رواه بالضم على فعل ما لم يسم فاعله فمعناه لا يعاتبون على فعل سيئة صدرت منهم كما كانوا في أيام حياتهم أي لا يعاتبهم الناس أو لا يستطيعون و هم موتى أن يسيئوا إلى أحد إساءة عليها و من رواه يستعتبون بفتح حرف المضارعة فهو من استعتب فلان أي طلب أن يعتب أي يرضى تقول استعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني.و أشعر فلان التقوى قلبه جعله كالشعار له أي يلازمه ملازمة شعار الجسد.و برز مهله و يروى بالرفع و النصب فمن رواه بالرفع جعله فاعل برز أي من فاق شوطه برز الرجل على أقرانه أي فاقهم و المهل شوط الفرس و من رواه بالنصب جعل برز بمعنى أبرز أي أظهر و أبان فنصب حينئذ على المفعولية.و اهتبلت غرة زيد أي اغتنمتها و الهبال الصياد الذي يهتبل الصيد أن يغره و ذئب هبل أي محتال هبلها منصوب على المصدر كأنه من هبل مثل غضب غضبا أي اغتنموا و انتهزوا الفرصة الانتهاز الذي يصلح لهذه الحال أي ليكن هذا الاهتبال بجد و همة عظيمة فإن هذه الحال حال عظيمة لا يليق بها إلا الاجتهاد العظيم.و كذا قوله و اعملوا للجنة عملها أي العمل الذي يصلح أن يكون ثمرته الجنة.و دار مقام أي دار إقامة و المجاز الطريق يجاز عليه إلى المقصد.و الأوفاز جمع وفز بسكون الفاء و هو العجلة و الظهور الركاب جمع ظهر و بنو فلان مظهرون أي لهم ظهور ينقلون عليها الأثقال كما يقال منجبون إذا كانوا أصحاب نجائب و الزيال المفارقة زايله مزايلة و زيالا أي فارقه

٢٧١

133 و من كلام له ع

وَ اِنْقَادَتْ لَهُ اَلدُّنْيَا وَ اَلآْخِرَةُ بِأَزِمَّتِهَا وَ قَذَفَتْ إِلَيْهِ اَلسَّمَاوَاتُ وَ اَلْأَرَضُونَ مَقَالِيدَهَا وَ سَجَدَتْ لَهُ بِالْغُدُوِّ وَ اَلآْصَالِ اَلْأَشْجَارُ اَلنَّاضِرَةُ وَ قَدَحَتْ لَهُ مِنْ قُضْبَانِهَا اَلنِّيرَانُ اَلْمُضِيئَةُ وَ آتَتْ أُكُلَهَا بِكَلِمَاتِهِ اَلثِّمَارُ اَلْيَانِعَةُ الضمير في له يرجع إلى الله تعالى و قد كان تقدم ذكر سبحانه في أول الخطبة و إن لم يذكره الرضيرحمه‌الله و معنى انقياد الدنيا و الآخرة له نفوذ حكمه فيهما و شياع قدرته و عمومها.و أزمتها لفظة مستعارة من انقياد الإبل بأزمتها مع قائدها و المقاليد المفاتيح.و معنى سجود الأشجار الناضرة له تصرفها حسب إرادته و كونها مسخرة له محكوما عليها بنفوذ قدرته فيها فجعل ع ذلك خضوعا منها لمشيئته و استعار لها ما هو أدل على خضوع الإنسان من جمع أفعاله و هو السجود و منه قوله تعالى( أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اَللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي اَلسَّماواتِ وَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ وَ اَلشَّمْسُ وَ اَلْقَمَرُ وَ اَلنُّجُومُ وَ اَلْجِبالُ وَ اَلشَّجَرُ وَ اَلدَّوَابُّ وَ كَثِيرٌ مِنَ اَلنَّاسِ ) .

٢٧٢

قوله و قدحت له من قضبانها بالضم جمع قضيب و هو الغصن و المعنى أنه بقدرته أخرج من الشجر الأخضر نارا و النار ضد هذا الجسم المخصوص و هذا هو قوله تعالى( اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ اَلشَّجَرِ اَلْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ) بعينه.و آتت أكلها أعطت ما يؤكل منها و هو أيضا من الألفاظ القرآنية.و اليانعة الناضجة و بكلماته أي بقدرته و مشيئته و هذه اللفظة من الألفاظ المنقولة على أحد الأقسام الأربعة المذكورة في كتبنا في أصول الفقه و هو استعمال لفظة متعارفة في اللغة العربية في معنى لم يستعملها أهل اللغة فيه كنقل لفظة الصلاة الذي هو في أصل اللغة للدعاء إلى هيئات و أوضاع مخصوصة و لم تستعمل العرب تلك اللفظة فيها و لا يصح قول من قال المراد بذلك قوله كن لأنه تعالى لا يجوز أن يخاطب المعدوم و قوله تعالى( إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ‏ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) من باب التوسع و الاستعارة المملوء منهما القرآن و المراد سرعة المؤاتاة و عجلة الإيجاد و أنه إذا أراد من أفعاله أمرا كان : مِنْهَا:وَ كِتَابُ اَللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نَاطِقٌ لاَ يَعْيَا لِسَانُهُ وَ بَيْتٌ لاَ تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ وَ عِزٌّ لاَ تُهْزَمُ أَعْوَانُهُ

٢٧٣

يقال هو نازل بين أظهرهم و بين ظهريهم و بين ظهرانيهم بفتح النون أي نازل بينهم فإن قلت لما ذا قالت العرب بين أظهرهم و لم تقل بين صدورهم قلت أرادت بذلك الإشعار بشدة المحاماة عنه و المراماة من دونه لأن النزيل إذا حامى القوم عنه استقبلوا شبا الأسنة و أطراف السيوف عنه بصدورهم و كان هو محروسا مصونا عن مباشرة ذلك وراء ظهورهم.و لا يعيا لسانه لا يكل عييت بالمنطق فأنا عيي على فعيل و يجوز عي الرجل في منطقه بالتشديد فهو عي على فعل : مِنْهَا أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ وَ تَنَازُعٍ مِنَ اَلْأَلْسُنِ فَقَفَّى بِهِ اَلرُّسُلَ وَ خَتَمَ بِهِ اَلْوَحْيَ فَجَاهَدَ فِي اَللَّهِ اَلْمُدْبِرِينَ عَنْهُ وَ اَلْعَادِلِينَ بِهِ الضمير في أرسله راجع إلى النبي ص و هو مذكور في كلام لم يحكه جامع الكتاب.و الفترة زمان انقطاع الوحي و التنازع من الألسن أن قوما في الجاهلية كانوا يعبدون

٢٧٤

الصنم و قوما يعبدون الشمس و قوما يعبدون الشيطان و قوما يعبدون المسيح فكل طائفة تجادل مخالفيها بألسنتها لتقودها إلى معتقدها.و قفى به الرسل أتبعها به قال سبحانه( ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى‏ آثارِهِمْ بِرُسُلِنا ) و منه الكلام المقفى و سميت قوافي الشعر لأن بعضها يتبع بعضا.و العادلين به الجاعلين له عديلا أي مثلا و هو من الألفاظ القرآنية أيضا قال الله تعالى( بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) : مِنْهَا وَ إِنَّمَا اَلدُّنْيَا مُنْتَهَى بَصَرِ اَلْأَعْمَى لاَ يُبْصِرُ مِمَّا وَرَاءَهَا شَيْئاً وَ اَلْبَصِيرُ يَنْفُذُهَا بَصَرُهُ وَ يَعْلَمُ أَنَّ اَلدَّارَ وَرَاءَهَا فَالْبَصِيرُ مِنْهَا شَاخِصٌ وَ اَلْأَعْمَى إِلَيْهَا شَاخِصٌ وَ اَلْبَصِيرُ مِنْهَا مُتَزَوِّدٌ وَ اَلْأَعْمَى لَهَا مُتَزَوِّدٌ شبه الدنيا و ما بعدها بما يتصوره الأعمى من الظلمة التي يتخيلها و كأنها محسوسة له و ليست بمحسوسة على الحقيقة و إنما هي عدم الضوء كمن يطلع في جب ضيق فيتخيل ظلاما فإنه لم ير شيئا و لكن لما عدم الضوء فلم ينفذ البصر تخيل أنه يرى الظلمة فأما من يرى المبصرات في الضياء فإن بصره ينفذ فيشاهد المحسوسات يقينا و هذه حال

٢٧٥

الدنيا و الآخرة أهل الدنيا منتهى بصرهم دنياهم و يظنون أنهم يبصرون شيئا و ليسوا بمبصرين على الحقيقة و لا حواسهم نافذة في شي‏ء و أهل الآخرة قد نفذت أبصارهم فرأوا الآخرة و لم يقف إحساسهم على الدنيا خاصة فأولئك هم أصحاب الأبصار على الحقيقة و هذا معنى شريف من معاني أصحاب الطريقة و الحقيقة و إليه الإشارة بقوله سبحانه أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها فأما قوله فالبصير منها شاخص و الأعمى إليها شاخص فمن مستحسن التجنيس و هذا هو الذي يسميه أرباب الصناعة الجناس التام فالشاخص الأول الراحل و الشاخص الثاني من شخص بصره بالفتح إذا فتح عينه نحو الشي‏ء مقابلا له و جعل لا يطرف

فصل في الجناس و أنواعه

و اعلم أن الجناس على سبعة أضرب أولها الجناس التام كهذا اللفظ و حده أن تتساوى حروف ألفاظ الكلمتين في تركيبها و في وزنها قالوا و لم يرد في القرآن العزيز منه إلا موضع واحد و هو قوله( وَ يَوْمَ تَقُومُ اَلسَّاعَةُ يُقْسِمُ اَلْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ ) .و عندي أن هذا ليس بتجنيس أصلا و قد ذكرته في كتابي المسمى بالفلك الدائر على المثل السائر و قلت إن الساعة في الموضعين بمعنى واحد و التجنيس أن يتفق اللفظ و يختلف المعنى و لا يكون أحدهما حقيقة و الآخر مجازا بل يكونان حقيقتين و إن

٢٧٦

زمان القيامة و إن طال لكنه عند الله في حكم الساعة الواحدة لأن قدرته لا يعجزها أمر و لا يطول عندها زمان فيكون إطلاق لفظ الساعة على أحد الموضعين حقيقة و على الآخر مجازا و ذلك يخرج الكلام عن حد التجنيس كما لو قلت ركبت حمارا و لقيت حمارا و أردت بالثاني البليد.و أيضا فلم لا يجوز أن يكون أراد بقوله وَ يَوْمَ تَقُومُ اَلسَّاعَةُ الأولى خاصة من زمان البعث فيكون لفظ الساعة مستعملا في الموضعين حقيقة بمعنى واحد فيخرج عن التجنيس و عن مشابهة التجنيس بالكلية.قالوا و ورد في السنة من التجنيس التام خبر واحد وهو قوله ص لقوم من الصحابة كانوا يتنازعون جرير بن عبد الله البجلي في زمام ناقته خلوا بين جرير و الجرير فالجرير الثاني الحبل.و جاء من ذلك في الشعر لأبي تمام قوله:

فأصبحت غرر الإسلام مشرقة

بالنصر تضحك عن أيامك الغرر

فالغرر الأولى مستعارة من غرة الوجه و الغرر الثانية من غرة الشي‏ء و هي أكرمه و كذلك قوله:

من القوم جعد أبيض الوجه و الندى

و ليس بنان يجتدى منه بالجعد

فالجعد الأول السيد و الثاني ضد السبط و هو من صفات البخيل.و كذلك قوله:

بكل فتى ضرب يعرض للقنا

محيا محلى حلية الطعن و الضرب

٢٧٧

فالضرب الأول الرجل الخفيف و الثاني مصدر ضرب.و كذلك قوله:

عداك حر الثغور المستضامة عن

برد الثغور و عن سلسالها الحصب

فأحدهما جمع ثغر و هو ما يتاخم العدو من بلاد الحرب و الثاني للأسنان.و من هذه القصيدة:

كم أحرزت قضب الهندي مصلته

تهتز من قضب تهتز في كثب

بيض إذا انتضيت من حجبها رجعت

أحق بالبيض أبدانا من الحجب

و قد أكثر الناس في استحسان هذا التجنيس و أطنبوا و عندي أنه ليس بتجنيس أصلا لأن تسمية السيوف قضبا و تسمية الأغصان قضبا كله بمعنى واحد و هو القطع فلا تجنيس إذا و كذلك البيض للسيوف و البيض للنساء كله بمعنى البياض فبطل معنى التجنيس و أظنني ذكرت هذا أيضا في كتاب الفلك الدائر.قالوا و من هذا القسم قوله أيضا:

إذا الخيل جابت قسطل الخيل صدعوا

صدور العوالي في صدور الكتائب

و هذا عندي أيضا ليس بتجنيس لأن الصدور في الموضعين بمعنى واحد و هو جزء الشي‏ء المتقدم البارز عن سائره فأما قوله أيضا:

عامي و عام العيس بين وديقة

مسجورة و تنوفة صيخود

٢٧٨

حتى أغادر كل يوم بالفلا

للطير عيدا من بنات العيد

فإنه من التجنيس التام لا شبهة في ذلك لاختلاف المعنى فالعيد الأول هو اليوم المعروف من الأعياد و العيد الثاني فحل من فحول الإبل.و نحو هذا قول أبي نواس:

عباس عباس إذا احتدم الوغى

و الفضل فضل و الربيع ربيع

و قول البحتري:

إذا العين راحت و هي عين على الهوى

فليس بسر ما تسر الأضالع

فالعين الثانية الجاسوس و الأولى العين المبصرة و للغزى المتأخر قصيدة أكثر من التجنيس التام فيها أولها:

لو زارنا طيف ذات الخال أحيانا

و نحن في حفر الأجداث أحيانا

و قال في أثنائها:

تقول أنت امرؤ جاف مغالطة

فقلت لا هومت أجفان أجفانا

و قال في مديحها:

لم يبق غيرك إنسان يلاذ به

فلا برحت لعين الدهر إنسانا

و قد ذكر الغانمي في كتابه من صناعة الشعر بابا سماه رد الأعجاز على الصدور ذكر أنه خارج عن باب التجنيس قال مثل قول الشاعر:

و نشري بجميل الصنع

ذكرا طيب النشر

و نفري بسيوف الهند

من أسرف في النفر

٢٧٩

و بحري في شرى الحمد

على شاكلة البحر

و هذا من التجنيس و ليس بخارج عنه و لكنه تجنيس مخصوص و هو الإتيان به في طرفي البيت.و عد ابن الأثير الموصلي في كتابه من التجنيس قول الشاعر في الشيب:

يا بياضا أذرى دموعي حتى

عاد منها سواد عيني بياضا

و كذلك قول البحتري:

و أغر في الزمن البهيم محجل

قد رحت منه على أغر محجل

و هذا عندي ليس بتجنيس لاتفاق المعنى و العجب منه أنه بعد إيراده هذا أنكر على من قال إن قول أبي تمام:

أظن الدمع في خدي سيبقى

رسوما من بكائي في الرسوم

من التجنيس و قال أي تجنيس هاهنا و المعنى متفق و لو أمعن النظر لرأى هذا مثل البيتين السابقين.قالوا فأما الأجناس الستة الباقية فإنها خارجة عن التجنيس التام و مشبهة به.فمنها أن تكون الحروف متساوية في تركيبها مختلفة في وزنها فمن ذلك قول النبي ص اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي و قول بعضهم لن تنالوا غرر المعالي إلا بركوب الغرر و اهتبال الغرر و قول البحتري:

و فر الحائن المغرور يرجو

أمانا أي ساعة ما أمان

٢٨٠