الشيعة في الاسلام

الشيعة في الاسلام0%

الشيعة في الاسلام مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 206

الشيعة في الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 206
المشاهدات: 84044
تحميل: 5180

توضيحات:

الشيعة في الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84044 / تحميل: 5180
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في الاسلام

الشيعة في الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والإنسان أيضاً أحد أنواع هذه الكائنات لا يُستثنى من القانون العام، و يجب أن يُرشَد إلى طريق خاصّ في حياته، تَضمن له سعادته في الدنيا والآخرة، وذلك عن طريق الغريزة المتّصفة بالنظرة الواقعيّة للحياة، والتأمّل في حياته الاجتماعيّة، وبعبارةٍ أخرى: يجب أن يُدرِك مجموعة من معتقدات ووظائف عمليّة، كي يجعلها أساساً له في حياته ليصل بها إلى السعادة والكمال المنشود، وقلنا: إنّ المنهاج للحياة - وهو ما يسمّى بالدين - لا يتأتّى عن طريق العقل، بل هو طريق آخر يُدعى الوحي والنبوّة، والتي تظهر في بعضٍ من أولياء الله الصالحين وهم: الأنبياء، ورُسل السماء .

فالأنبياءُ قد أُنيطت بهم مسؤوليّة هداية الناس عن طريق الوحي من الله تعالى، فإذا ما التزموا بتلك الأوامر والنواهي، ضَمنوا السعادة لهم.

يتّضح أنّ هذا الدليل، فضلاً عن أنّه يُثبت ولزوم مثل هذا الإدراك بين أبناء البشر، يُثبت أيضاً لزوم وضرورة وجود أفراد حَفَظة على هذا البرنامج، وإيصاله إلى الناس إذا اقتضت الضرورة ذلك.

وكذا يستلزم وجود أشخاص قد أدركوا الواجبات الإنسانيّة، وذلك عن طريق الوحي، وهم بدورهم ينهضون بتعليم المجتمع، كما يجب أن تبقى هذه الواجبات السماويّة مادام الإنسان حيّاً، وتُعرض عليه عند الضرورة.

فالذي يتحمّل عِبء هذه المسؤوليّة يُعتبر حامياً للدين الإلهي، ويُعيّن من قِبَل الله تعالى، وهو مَن يُسمّى بـ (الإمام) ، كما يُدعى حامل الوحي الإلهي والشرائع السماويّة بـ (النبي) ، وهو من قِبَل الله تعالى أيضاً.

يَتّفق أن تكون النبوّة والإمامة في شخصٍ واحد، وقد لا يتحقّق ذلك، فكما أنّ الدليل المتقدِّم يُثبت عصمة الأنبياء، يُثبت عصمة الأئمّة أيضاً.

إذ تقتضي رحمة الله وعطفه، أن يضع الدين الحقيقي غير المحرّف في متناول أيدي البشر دوماً، ولا يتحقّق هذا الأمر دون أن تكون هناك عصمة.

١٦١

5. الفرقُ بين النبيّ والإمام

إنّ تسلّم الأحكام والشرائع السماويّة، والتي تتمّ بواسطة الأنبياء، إنّما يُثبت لنا موضوع (الوحي)، وهذا ما مرّ علينا في الفصل المتقدّم، وليس فيه ما يؤيّد استمراريّتهُ وبقاءه على خلاف الحافظ والحامي الذي يُعتبر أمراً مستمرّاً، ومن هنا نصل إلى نتيجة أنّ ليس هناك ضرورة أن يكون نبيّ بين الناس بصورة مستمرّة، لكن يستلزم أن يكون إمام بينهم، ويستحيل على مجتمع بشري أن يخلو من وجود إمام سواء عرفوه أم لم يعرفوه، وقد أشار الحكيم في كتابه: ( فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ ) (1).

فكما أشرنا، يتّفق أن تجتمع النبوّة والإمامة في شخصٍ واحد، فيمتاز بالمقامين: النبوّة، والإمامة (تَسلُّم الشريعة والاحتفاظ بها والسعي في نشرها) وقد لا تجتمع في واحد، وهناك أدوار من الزمن خَلت من وجود الأنبياء، إلاّ أنّ هناك إمام حقّ في كلّ عصر، ومن البديهي أنّ عدد الأنبياء محدود، ولم يظهروا في جميع الأدوار التي مرّت بها البشريّة.

يُشير الحكيم في كتابه المُبين إلى بعض الأنبياء الذين امتازوا بصفة الإمامة أيضاً، كما في إبراهيم (عليه السلام) إذ يقول: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (2).

وكذا قوله تعالى: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (3) .

____________________

(1) سورة الأنعام: الآية 89.

(2) سورة البقرة: الآية 124.

(3) سورة الأنبياء: الآية 73.

١٦٢

6. الإمامةُ في باطن الأعمال

كما أنّ الإمام قائد وزعيم للأُمّة بالنسبة للظاهر من الأعمال، فهو قائد وزعيم بالنسبة للباطن من الأعمال أيضاً، فهو المُسيّر والقائد للإنسانيّة من الناحية المعنويّة نحو خالق الكون وموجِده.

لكي تتّضح هذه الحقيقة لابدّ من مراعاة المقدّمتين التاليتين:

أوّلاً: ليس هناك من شكّ أو تردّد في أنّ الإسلام وسائر الأديان السماويّة، تُصرِّح بأنّ الطريق الوحيد لسعادة الإنسان أو شقائه هو: ما يقوم به من أعمال حَسنة أو سيّئة، فالدين يُرشده، كما أنّ فطرتهُ وهي الفطرة الإلهيّة تهديه إلى إدراك الحَسن والقبيح.

فالله سبحانه يُبيّن هذه الأعمال عن طريق الوحي والنبوّة، ووفقاً لسعة فكرنا نحن البشر، وبلُغة نفهمها ونَعيها، بصورة الأمر والنهي والتحسين والتقبيح في قبال الطاعة أو التمرّد والعصيان، يُبشّر الصالحين والمطيعين بحياة سعيدة خالدة، وقد احتوت على كلّ ما تصبو إليه البشريّة من حيث الكمال والسعادة، ويُنذر المسيئين والظالمين بحياة شقيّة خالدة، وقد انطوت على البؤس والحرمان.

وليس هناك أدنى شكّ من أنّ الله تعالى يفوق تصوّرنا وما يجول في أذهاننا، ولكنّه لم يتّصف بصفة البشر من حيث التفكير.

١٦٣

وليس لهذه الاتّفاقيّة أن يكون هناك سيّد ومَسود، وقائد ومَقود، وأمر ونهي، وثواب وعقاب، واقع خارجي سوى في حياتنا الاجتماعيّة، أمّا الجهاز الإلهي فهو الجهاز الكوني الذي يربط حياة كلّ مخلوقٍ وكائن بالله الخالق ربطاً وثيقاً.

وممّا يستفاد من القرآن الكريم (1) ، وأقوال النبي العظيم (صلّى الله عليه وآله)، الدين يشتمل على حقائق ومعارف تفوق فهمنا وإدراكنا الاعتيادي، وأنّ الله جلّ شأنه قد أنزَلها إلينا بتعبيرٍ بسيط يلائم تفكيرنا، كي يتسنّى لنا فهمها وإدراكها.

يُستنتج ممّا تقدّم: أنّ هناك ارتباطاً بين الأعمال الحَسنة والسيّئة من جهة، والحياة الأخرى بما تمتاز به من خصائص وصفات من جهةٍ أخرى، ارتباطاً واقعيّاً، تكشف عن سعادة أو شقاء.

وبعبارةٍ أوضح: إنّ كلّ عملٍ من الأعمال الحسنة والسيّئة تُولِّد في الإنسان واقعيّة، والحياة الأخرويّة ترتبط بهذه الواقعيّة ارتباطاً وثيقاً.

إنّ الإنسان في حياته يشبه الطفل، سواء شَعرَ بهذا الأمر أو لم يشعر، حيث تُلازمه شؤون تربويّة، فهو يُدرك ما يُملي عليه مربّيه بألفاظ الأمر والنهي، لكنّه كلّما تقدّم في العمر استطاع أن يُدرك ما قالهُ مربّيه، فينال بذلك الحياة السعيدة، وما ذلك إلاّ بما اتّصف به من مَلَكات، وإذا ما رفضَ وعصى معلِّمه الذي كان يسعى له بالصلاح، نجد حياته مليئة بالمآسي والآلام.

فالإنسانُ يشبه المريض الذي دأبَ على تطبيق أوامر الطبيب في الدواء والغذاء، أو رياضة خاصّة، فهو لم يُبالِ إلاّ بما أملاهُ عليه طبيبه، فعندئذٍ يجد الراحة والصحّة ويحسّ بتحسّن صحّته.

____________________

(1) ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) سورة الزُخرف: الآية 4.

١٦٤

وصفوةُ القول: إنّ الإنسان يتّصف بحياة باطنيّة غير الحياة الظاهريّة التي يعيشها، والتي تنبع من أعماله، وترتبط حياته الأخرويّة بهذه الأعمال والأفعال التي يمارسها في حياته هنا.

إنّ القرآن الكريم يُثبت هذا البيان العقلي، ويُثبت في الكثير من آياته (1) ، بأنّ هناك حياة أسمى وروحاً أرفع من هذه الحياة للصالحين والمؤمنين، ويؤكِّد على أنّ نتائج الأعمال الباطنيّة تُلازم الإنسان دوماً، والنبيّ العظيم قد أشار إلى هذا المعنى أيضاً في الكثير من أقواله (2) .

____________________

(1) مثل هذه الآية: ( وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) سورة ق: الآية 21.

والآية: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) سورة النحل: الآية 97.

( اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ) سورة الأنفال: الآية 34.

وفي سورة آل عمران الآية 30: ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ ) .

والآية: ( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) سورة يس: الآية 12.

(2) على سبيل المثال: يقول تعالى في حديث المعراج لنبيّه (صلّى الله عليه وآله): (فمَن عملَ برضائي أمنَحهُ ثلاث خِصال: أُعرِّفهُ شكراً لا يُخالطه الجهل، وذِكراً لا يُخالطه النسيان، ومحبّةً لا يُؤثِر على محبّتي محبّة المخلوقين، فإذا أحبّني، أحبَبتهُ، وأفتحُ عين قلبه إلى جلالي، ولا أُخفي عليه خاصّة خَلقي، وأُناجيه في ظُلم الليل ونور النهار حتّى ينقطع حديثهُ مع المخلوقين ومجالسته معهم، وأُسمعهُ كلامي وكلام ملائكتي، وأُعرِّفهُ السرّ الذي سترتهُ عن خَلقي، وأُلبِسهُ الحياء حتّى يستحي منه الخلق، ويمشي على الأرض مغفوراً لهُ، وأجعلُ قلبهُ واعياً وبصيراً، ولا أُخفي عليه شيئاً من جنّة ولا نار، وأُعرِّفهُ ما يمرّ على الناس في القيامة من الهول والشدّة)، بحار الأنوار ج17: 9.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (استقبلَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حارثة بن مالك بن النعمان الأنصاري فقال له: كيف أنتَ يا حارثة بن مالك؟ فقال: يا رسول الله، مؤمن حقّاً. فقال لهُ رسول الله: لكلّ شيء حقيقة فما حقيقة قولك؟ فقال: يا رسول الله، عَزَفت نفسي عن الدنيا فأسهرتُ ليلي، وأظمأتُ هواجري، فكأنّي أنظر إلى عرش ربّي وقد وضِعَ الحساب، وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتزاورونَ في الجنّة، وكأنّي أسمعُ عواء أهل النار في النار، فقال رسول الله: عبدٌ نوّر الله قلبه) الوافي: الجزء الثالث، صفحة 33.

١٦٥

ثانياً: كثيراً ما يحدُث أن يَرشد شخصٌ أحداً بعملٍ حَسن دون أن يلتزم هو بذلك العمل، في حين أنّ الأنبياء والأئمّة الأطهار ترتبط هدايتهم للبشر بالله جلّ وعَلا، ويستحيل أن يُشاهَد عندهم هذه الحالة، وهو عدم الالتزام بالقول أو العمل به، فهم العاملون بمبادئ الدين الذي هم قادتهُ وأئمّته، وإنّهم متّصفون بروح معنويّة سامية، يُرشدون بها الناس، ويهدونهم إلى الطريق القويم.

فلو أراد الله سبحانه أن يَجعل هداية أُمّة على يد فردٍ من أفرادها، أن يُربّي ذلك الفرد تربية صالحة تؤهّله للقيادة والإمامة، ولن تجد لسُنّة الله تبديلاً.

ممّا تقدّم نستطيع أن نحصل على النتائج التالية:

1) إنّ النبيّ أو الإمام لكلّ أُمّة، يمتاز بسموّ روحي وحياة معنويّة رفيعة، وهو يروم هداية الناس إلى هذه الحياة.

2) بما أنّهم قادة وأئمّة لجميع أفراد ذلك المجتمع، فهم أفضل من سواهم.

3) إنّ الذي يَصبح قائداً للأُمّة بأمرٍ من الله تعالى، فهو قائد للحياة الظاهريّة والحياة المعنويّة معاً، وما يتعلّق بهما من أعمال تسير مع سيره ونهجه (1) .

____________________

(1) ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ) سورة الأنبياء: الآية 73.

( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ) سورة السجدة: الآية 24.

ويُستفاد من الآيات المتقدّمة وما شابهها: أنّ الإمام - فضلاً عن الإرشاد والهداية الظاهريّة - يختصّ بنوعٍ من الهداية المعنويّة، ويُعتبر من سِنخ عالَم الأمر والتجرّد، فهو بواسطة الحقيقة والنور الباطني الذي يتّصف به، يستطيع أن يؤثِّر في القلوب المهيّأة، وأن يتصرّف بها كيفما شاء، ويُسيّرها نحو مراتب الكمال والغاية المتوخّاة، فتأمّل.

١٦٦

7. أئمّةُ الإسلام وقادتهُ

وممّا تقدّم يُستنتج: أنّ بعد وفاة الرسول العظيم (صلّى الله عليه وآله)، ما زال ولا يزال إمام مُعيّن من قِبَل الله تعالى في الأُمّة الإسلاميّة.

وهناك مزيدٌ من الأحاديث النبويّة (1) في وصف الأئمّة وعددهم، وأنّهم من قريش ومن أهل بيته (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنّ منهم الإمام المهدي وهو آخرهم.

وهناك نصوص صريحة (2) أيضاً من الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله) في إمامة علي (عليه السلام)، وأنّه الإمام الأوّل، وهكذا روايات وأحاديث أخرى عنه (صلّى الله عليه وآله) وعن

____________________

(1) على سبيل المثال: عن جابر بن سَمَرة قال: سمعتُ رسول الله يقول: (لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، قال: فكبّرَ الناس وضجّوا، ثُمّ قال كلمة خفيّة، قلتُ لأبي: يا أبه، ما قال؟ قال، قال: كلّهم من قريش…) صحيح أبي داود ج2: 207، مسند أحمد ج5: 92 وأحاديث أخرى بهذا المضمون.

عن سلمان الفارسي قال: دخلتُ على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فإذا الحسين على فخذيه، وهو يُقبِّل عينهُ ويقبِّل فاه ويقول: (أنت سيّد ابن سيّد، وأنتَ إمام ابن إمام، وأنت حُجّة ابن حُجّة، وأنت أبو حُجج تسعة، تاسعهم قائمهم) ينابيع المودّة: الطبعة السابعة، صفحة 308.

(2) يُراجع: كتاب الغدير: تأليف العلاّمة الأميني، وكتاب غايةُ المرام: تأليف السيّد هاشم البحراني، وكتاب الهداة: تأليف محمّد بن حسن الحرّ العاملي، وكتاب ذخائر العقبى: تأليف مُحبّ الدين أحمد بن عبد الله الطبري، وكتاب المناقب للخوارزمي، وكتاب تذكرة الخواص لابن الجوزي، وكتاب ينابيع المودّة لسليمان بن إبراهيم الحنفي، وكتاب الفصول المهمّة لابن الصبّاغ، وكتاب دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري، وكتاب النصّ والاجتهاد لشرف الدين الموسوي، وكتاب أصول الكافي، الجزء الأوّل لمؤلّفه محمد بن يعقوب الكليني، وكتاب الإرشاد للشيخ المفيد.

١٦٧

الإمام علي (عليه السلام) بشأن الإمام الثاني، وهكذا كلّ إمام يُنبئ بالإمام الذي يليه ويأتي بعده.

وبمقتضى هذه النصوص، فإنّ أئمّة الإسلام اثنا عشر بالترتيب التالي:

1 - عليُّ بن أبي طالب.

2 - الحسنُ بن علي.

3 - الحسينُ بن علي.

4 - عليُّ بن الحسين.

5 - محمّد بن علي.

6 - جعفرُ بن محمّد.

7 - موسى بن جعفر.

8 - عليُّ بن موسى.

9 - محمّد بن علي.

10 - عليُّ بن محمّد.

11 - الحسنُ بن علي.

12 - المهديُّ (عليهم السلام أجمعين).

8. موجزٌ عن حياة الأئمّة الاثني عشر:

الإمامُ الأوّل

أميرُ المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وأبو طالب: شيخ بني هاشم وعمّ النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقد ربّى محمّداً في حِجره، وبعد أن بُعث بالرسالة، كان مُدافعاً عنه، يصونهُ من شرّ المشركين وخاصّة قريش.

١٦٨

ولِدَ عليٌّ - على أشهر الروايات - قبل البعثة النبويّة بعشر سنوات، وعندما أصاب مكّة وأطرافها الجَدب، كان عمرهُ آنذاك ست سنوات، فاقترحَ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن ينتقل من بيت أبيه (أبي طالب) إلى بيت ابن عمّه الرسول العظيم، ليُصبح في كَنَف مُرسل السماء وتحت رعايته (1) .

نالَ محمّد بعد سنواتٍ عدّة مقامَ النبوّة، وقد أوحيَ إليه لأوّل مرّة وهو في غار (حِرَاء) فرجعَ إلى بيته، وأخبرَ عليّاً بما جرى عليه، فآمنَ عليٌ به (2) .

وقد دعا النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عشيرته الأقربين إلى دينه الجديد، قائلاً: (مَن يؤازرني على هذا الأمر، يكن وصيّي، ووزيري، ووارثي، وخليفتي من بعدي).

فلم يستجب أحد لهذه الدعوة إلاّ علي، حيث قامَ وقال: (أنا يا رسول الله)، فَقبلَ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إيمانه، وأقرّ بما وعدهُ إيّاه (3)، فهو أوّل مَن أسلمَ وقَبِل الإسلام من الرجال وآمنَ به، وهو لم يَعبد إلاّ الله سبحانه.

كان عليٌّ يُرافق النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دوماً، إلى أن هاجرَ من مكّة إلى المدينة، وفي ليلة الهجرة، عندما حوصرَ بيت النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكانوا قد جهّزوا الحَملة للهجوم على بيت النبوّة والرسالة، وقَتل النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في فراشه، استقرّ عليٌّ في فراش الرسول، وخرجَ الرسول مهاجراً إلى يثرب (4) ، فردّ عليّ الأمانات إلى أهلها حسبَ ما أوصى به النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وتوجّه إلى يثرب مع أُمّه، وزوجَتي الرسول مع ابنته (5) .

كان عليُّ بن أبي طالب مُلازماً للرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يُفارقه، وزوّجهُ

____________________

(1) الفصول المهمّة: الطبعة الثانية، صفحة 14، المناقب للخوارزمي: صفحة 17.

(2) ذخائر العقبى: طبعة القاهرة سنة 1356، صفحة 58، المناقب للخوارزمي: طبعة النجف سنة 1385، صفحة 16 - 22، ينابيع المودّة: الطبعة السابعة.

(3) الإرشاد للشيخ المفيد: طبع طهران 1377، صفحة 4، ينابيع المودّة: ص122.

(4) الفصول المهمّة: صفحة 28 - 30، تذكرة الخواص: طبع النجف 1383، صفحة 34، ينابيع المودّة: ص 105، المناقب للخوارزمي: ص 73 - 74.

(5) الفصول المهمّة: صفحة 34.

١٦٩

النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ابنته فاطمة سلام الله عليها.

لمّا أقامَ النبيّ عَقد الأخوّة وأنشأها بين أصحابه، جَعل عليّاً أخاً له (1) .

كان عليٌّ (عليه السلام) يحضر جميع غَزوات النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عدا غزوة تبوك، إذ استخلفهُ الرسول في المدينة (2) ، فلم يتراجع في جميع تلك الغزوات من مواجهة الخصم، ولم يُخالف النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أمر، وقد قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حقّه (عليه السلام): (عليٌّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ) (3) .

كان عمرهُ الشريف يوم توفيَ الرسول العظيم ثلاثاً وثلاثين سنة، فنُحّي عن منصب الخلافة، عِلماً بأنّه كان مناراً لجميع المُثل الإنسانيّة، يمتاز على أقرانه وصحابة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

وقد تمسّك المخالفون بأعذارٍ منها: أنّه شاب لا تجربة له في الحياة، وأنّه قد قَتلَ صناديد العرب عند محاربة الكفّار وهو في ركاب الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فاستطاعوا بهذه الحُجج الواهية أن يجعلوه بمنأى وبمعزلٍ عن الخلافة، وقيادة شؤون المسلمين العامّة، فانعزلَ عن المجتمع، وأصبحَ جليس داره، وشرعَ بتربية الخاصّة من أصحابه، وبعد مُضي خمس وعشرين سنة، وهي الفترة التي حَكمَ فيها الخلفاء الثلاثة بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وبعد مقتل الخليفة الثالث، اتّجهت الأُمّة الإسلاميّة إلى عليّ (عليه السلام) وبايعوه بالخلافة.

كان عليٌّ (عليه السلام) طوال حكومته - والتي لم تدُم أكثر من أربع سنوات وتسعة أشهر - يسير على نهج الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واتّصفت خلافته بلونٍ من الثوريّة، إذ قام

____________________

(1) الفصول المهمّة: صفحة 20، تذكرة الخواص: صفحة 20 - 24، ينابيع المودّة: ص 63 - 65.

(2) تذكرة الخواص: صفحة 18، الفصول المهمّة: صفحة 21، المناقب للخوارزمي: صفحة 74.

(3) مناقب آل أبي طالب: تأليف محمّد بن علي بن شهرآشوب، طبع قم، ج3: 62، 218.

غايةُ المرام: صفحة 539، ينابيع المودّة: صفحة 104.

١٧٠

بإصلاحاتٍ أدّت بالإضرار إلى بعض المُنتفعين، فنجد أعلامَ المعارَضة ترتفع، وسيوف المعارِضين تُشهر، يتقدّمهم: طلحة، والزبير، ومعاوية، وعائشة، فجعلوا مقتل عثمان ذريعة لنواياهم السيّئة، فقاموا بأعمال مُضلِّلة.

والإمام عليّ (عليه السلام) استعدّ للحرب للقضاء على هذه الفتنة، وقد جَهّزت أُمّ المؤمنين جيشاً، وكان طلحة والزبير خيرَ مَن يُعينها وينهض معها بالأمر، وقعَ القتال بين الطرفين على مقربة من البصرة، اشتهرت الواقعة بـ (حرب الجَمل) .

وقامَ الإمام أيضاً بحرب مع معاوية في الحدود العراقيّة الشاميّة، عُرفت بـ (حرب صفّين) ، واستغرَقت سنة ونصف السنة، وقامَ بحربٍ مع الخوارج في النهروان، اشتهرت بـ (حرب النهروان) .

ويمكن القول: بأنّ معظم تلك الفترة التي حَكمَ فيها الإمام علي (عليه السلام) قد صُرفت لرفع الاختلافات الداخليّة، وبعدها أُصيبَ بضربةٍ على يد أحد الخوارج في مسجد الكوفة، وذلك صبيحة يوم التاسع عشر من رمضان المبارك لسنة 40 للهجرة، واستشهدَ يوم الواحد والعشرين من الشهر نفسه (1) .

والتأريخ يشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين (عليه السلام) لم تكن تنقصهُ صفة من الكمالات الإنسانيّة، ويؤيِّد هذا الإدّعاء كلّ عدوّ وصديق، فكان مَثلاً رائعاً في الفضائل والمُثل الإسلاميّة، ونموذجاً حيّاً كاملاً لتربية الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا إنّ الكتب التي تناولت هذه الشخصيّة الفذّة، سواء لدى الشيعة أو السُنّة وغيرهم من المحقّقين، لم تتناول أيّة شخصيّة أخرى بهذا القدر في الحياة البشريّة.

كان عليّ (عليه السلام) أعلمُ الصحابة، بل أعلم المسلمين، وهو أوّل مَن فتحَ باب الاستدلال الحرّ في المسائل العلميّة، واستعانَ بالبحوث الفلسفيّة في المعارف الإلهيّة،

____________________

(1) مناقب آل أبي طالب ج3: 312، الفصول المهمّة: ص 113، تذكرة الخواص: ص 172 - 183.

١٧١

وتكلّم عن باطن القرآن، ووضعَ قواعد اللغة العربيّة حفاظاً على ألفاظ القرآن الحكيم، وكان أفصحُ العرب بياناً، وأبلَغهم خطاباً (كما أشرنا في الفصل الأوّل من الكتاب)، وكان يُضرب به المَثل في شجاعته، ولم يَدع للقلق أو الخوف طريقاً إلى قلبه، في كلّ الغزوات والحروب التي مارسها واشترك فيها.

والتاريخ الإسلامي لا يزال يَحمل في طيّاته خبر الصحابة والمقاتلين في الغزوات، وقد انتابَهم الفزع والخوف، وقد تكرّرت هذه الحالة في أكثر من واقعة، كحرب: (حُنين) ، و (خيبر) ، و (الخندق) ، إذ انهزمَ الجيش أمام الأعداء، ولكنّ الإمام كان يتصدّى لحَملات العدو، ولم يَسلم كلّ مَن نازلَ الإمام من أبطال العرب ومحاربيهم، فكان على العاجز عطوفاً، يترك قتلهُ، ولم يُعقِّب على الفارّ من ساحة الحرب، ولم يُغافل العدو ساعة الهجوم عليه، ولم يقطع الماء على الأعداء.

وممّا اتّفقت عليه كُتب التأريخ: أنّه (عليه السلام) في معركة خيبر، تناولَ حلقة الباب، واقتلعَ الباب وهزّه هزّة، ثُمّ رَمى به جانباً (1) .

وممّا يُنقل أيضاً: يوم فتح مكّة، عندما أمرَ الرسول العظيم تحطيم الأصنام، كان هناك صنم يُدعى (هُبل) أكبر الأصنام وزناً، وأشدّها ضخامة، كان قد وضِع فوق الكعبة، صعدَ عليٌّ على أكتاف النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأمرٍ منه، ورمى بهُبل إلى الأرض (2) .

لم يكن له نِدٌّ في تقواه وعبادته، وكان الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَردّ على الذين يحاولون النيل منه بقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا تسبّوا عليّاً؛ فإنّه ممسوس في ذات الله) (3) .

وذات يوم، رأى الصحابي الجليل أبو الدرداء عليّاً (عليه السلام) في إحدى ضَيعات المدينة،

____________________

(1) تذكرة الخواص: صفحة 27.

(2) تذكرة الخواص: 27، المناقب للخوارزمي: 71.

(3) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: ج3: 221.

١٧٢

فظنّ أنّه ميّت لمّا رأى من عدم الحركة وسكون الجسم، فرجعَ مُسرعاً إلى دار فاطمة، أنبأها بالحَدث، وعزّاها بوفاة زوجها، فأجابتهُ فاطمة (عليها السلام) أنّه لم يمُت، بل إنّه مُغشى عليه من شدّة خوفه من الله سبحانه في عبادته وطاعته، وما أكثر ما كانت تنتابهُ هذه الحالة.

وما أكثر القصص والروايات التي تشير إلى رأفته وعطفه بالفقراء والمساكين والمستضعفين، فكان يُنفق ممّا يَحصِل على المحتاجين في سبيل الله تعالى، وهو يعيش عيشة خشنة.

كان يرغب في الزراعة، وغالباً ما كان يهتمّ بحفر الآبار، وعمران الأراضي الموات بتشجيرها، وكان يجعلها وقفاً للفقراء والبائسين.

فكانت تُطلق على هذه الموقوفات (صَدقاتُ عليّ) وكانت لها عوائد جمّة، وكانت تُقدّر هذه الموقوفات بـ(أربعة وعشرين رطلاً ذهباً) في السنوات الأخيرة من عهده (عليه السلام ) (1) .

الإمامُ الثاني

الإمام الحسن المجتبى وأخوه الحسين (عليهما السلام)، وَلَدا أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، من فاطمة الزهراء سلام الله عليها، بنت الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله).

وقد قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) مراراً: (الحسنُ والحسين وَلَداي)، واحتراماً لهذا القول كان علي (عليه السلام) يقول لوِلده: (أنتم أولادي، والحسنُ والحسين وَلَدا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)) (2) .

ولِدَ الحسن (عليه السلام) في المدينة السنة الثالثة من الهجرة، عاصرَ جدّهُ الرسول (صلّى الله عليه وآله)

____________________

(1) نهج البلاغة: الجزء الثالث، الكتاب 24.

(2) مناقب ابن شهر آشوب ج4: 21ـ 25، ذخائر العقبى: صفحة 67، 121.

١٧٣

مدّة تزيد على سبع سنوات، كان يتمتّع برعاية جدّه وعطوفته، وقد توفيت أُمّه فاطمة سيّدة النساء بعد وفاة جدّه، بثلاثة أو ستّة أشهر، فتعهّد والدهُ بتربيته.

وبعد استشهاد أبيه علي (عليه السلام)، نالَ مقام الإمامة الشامخ، وما ذلك إلاّ بأمرٍ من الله العليّ العليم، وعملاً بوصيّة الإمام عليّ (عليه السلام)، فاحتلّ مقام الخلافة ظاهراً، وعملَ في إدارة المسلمين طوال ستّة أشهر.

جهّزَ معاوية الجيش لمحاربة الحسن، بعد أن قضى فترةً في الحرب مع أبيه الإمام علي (عليه السلام)، وكان من ألدّ أعداء آل علي بعد استشهاد الإمام علي (فحاربَ بحُجّة الثأر بدم عثمان ابتداءً، وبعد ذلك صرّح بالخلافة)، وجّه الجيش إلى الكوفة، حيث مقرّ الخلافة للإمام الحسن (عليه السلام)، واستطاعَ أن يكسب قُوّاد الإمام بالتطميع بالمال، أو الوعد بالمقام والجاه، فأغوَى بهذا عدداً من رؤساء وقوّاد الجيش، تاركينَ خَلفهم إمامهم، مُتّجهين نحو معاوية وثرواته.

وفي نهاية الأمر أُجبرَ الإمام الحسن (عليه السلام) على الصُلح (1) ، وأحالَ الخلافة الظاهريّة - بالشروط التي اشترطها - إلى معاوية، منها: أن تكون الخلافة للحسن بعد وفاة معاوية، وأن يُصان شيعته وعشيرته من أيّ تعرّضٍ أو اعتداء.

وبهذا استطاع معاوية أن يأخذ بزمام الأمور، ثُمّ دَخلَ العراق، وأعلنَ إلغاءه لشروط الصُلح التي أبرَمها بالأمس مع الإمام الحسن، وذلك في اجتماعٍ عام للمسلمين، وأباحَ أقسى أنواع الاضطهاد والشدّة لأهل بيت النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والشيعة خاصّة.

عاشَ الإمام الحسن طوال مدّة إمامته (عشر سنوات)، حياةً مِلؤها الشدّة والاختناق،

____________________

(1) إرشاد المفيد: 172، مناقب ابن شهرآشوب ج4: 133، الإمامة والسياسة: تأليف عبد الله بن مسلم بن قتيبة ج1: 163، الفصول المهمّة: 145، تذكرة الخواص: 197.

١٧٤

ولم يكن بمأمنٍ حتّى في بيته مع عائلته وأهل بيته، فاستشهدَ على يد زوجته إذ دسّت إليه السمّ بإيعازٍ من معاوية، وذلك سنة 50 للهجرة النبويّة.

كان الحسن مثالاً فذّاً لجدّه (صلّى الله عليه وآله)، ونموذجاً كاملاً للخُلق الأبيّة لأبيه، فكان وأخوهُ الحسين مُلازمين للنبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وكان يَحملهما على كتفه أحياناً.

وممّا يُروى عن العامّة والخاصّة: أنّ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) قال: (الحسنُ والحسين إمامان قاما أو قعدا) (إشارة إلى تصدّي الخلافة أو التخلّي عنها)، والروايات عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) متوافرة بإمامة الحسن بعد أبيه (عليهما السلام).

الإمامُ الثالث

الإمامُ الحُسين (سيّد الشهداء): ثاني وِلد علي (عليه السلام)، من فاطمة بنت النبيّ الكريم (صلّى الله عليه وآله).

ولِدَ في السنة الرابعة الهجريّة، وبعد استشهاد أخيه الحسن المجتبى، وصَلت إليه الإمامة بأمرٍ من الله جلّ شأنهُ، ووفقاً للوصيّة (1) .

تُعتبر مدّة إمامة الإمام الحسين (عليه السلام) عشر سنوات، عاشها مُضطهداً، سوى الستّة أشهر الأخيرة من عهد معاوية، فأعطت الشعائر الدينيّة محلّها إلى ما كانت تتمنّاه الحكومات من ظلمٍ وجورٍ وفسقٍ وفجور، خلافاً لمَا يريدهُ الله ورسوله، ومعاوية قد استخدمَ شتّى الطُرق والوسائل لتصفية أهل البيت، وكان يستعين بأعوانٍ وأنصار له في تحقّق هذا الأمر، فحاولَ طمس اسم علي وآل علي، ومهّدَ السُبل لخلافة ابنه يزيد، فهيّأ المقدّمات اللازمة التي لابدّ من اتّخاذها لتحكيم الموقف، وإن كانت هناك فئة معارِضة لمَا شاهدوهُ من فجور يزيد وفسقه،

____________________

(1) إرشاد المفيد: 179، إثبات الهداة ج5: 168 - 212، إثبات الوصيّة للمسعودي: طبعة طهران 1320، صفحة 125.

١٧٥

إلاّ أنّهم لم يَسلموا من غضب معاوية وسخطه، فوجّه إليهم ضَرَبات قاصِمة.

فالحسين عاصرَ هذه الظروف الحالكة، وتحمّلَ كلّ أذىً من قِبَل معاوية وأتباعه، حتّى جاء منتصف سنة ستّين للهجرة، التي مات فيها معاوية مُخلِّفاً ابنه يزيد (1) .

كانت البيعة سُنّة عربيّة تجري في أمور هامّة كالملوكيّة والإمارة وما شابه، فيتقدّم السادة وكبار القوم بمدّ يد البيعة والطاعة للمَلِك أو الأمير، وكان يُعتَبر التخلّف عن البيعة عاراً، وتخلّفاً عن معاهدة رسميّة، والبيعة كانت معتبرة في زمن النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وسيرتهُ تؤيِّد ذلك، هذا إذا كانت تتّصف بصفة الاختيار دون الإجبار والإكراه.

لقد أخذَ معاوية البيعة من شرفاء القوم ورؤسائهم، إلاّ أنّه لم يتعرّض للحسين (عليه السلام)، ولم يُحمِّله بيعة يزيد، وقد أوصى يزيد بعدم التعرّض للحسين بن علي، إذا امتنعَ من البيعة له، فكان معاوية أكثر حنكاً في الأمور، وكان يرى العَقَبات التي تترتّب على هذا الأمر.

ولكنّ يزيد لمّا كان يتّصف بالأنانيّة، نسيَ وصيّة أبيه، فأمرَ والي المدينة - بعد وفاة أبيه معاوية - أن يأخذ البيعة من الحسين، أو يُرسل برأسه إليه (2) .

وبعد أن أُبلِغ والي المدينة بأمر يزيد، ونَقلهِ إلى الإمام الحسين (عليه السلام)، طلبَ الحسين (عليه السلام) مُهلة لدراسة الموضوع، فخرجَ من المدينة في تلك الليلة، مُتّجهاً إلى مكّة، والتجأ بالكعبة التي هي مأمن المسلمين.

هذا ما حدثَ أواخر شهر رجب وأوائل شهر شعبان من سنة ستّين للهجرة، والحُسين قد قضى ما يقارب الأربعة أشهر في مكّة في حالة اللجوء، انتشرَ النبأ هذا شيئاً فشيئاً،

____________________

(1) إرشاد المفيد: 182، تاريخ اليعقوبي ج2: 226 - 228، الفصول المهمّة: 163.

(2) مناقب ابن شهرآشوب: ج 88، إرشاد المفيد: صفحة 182، الإمامة والسياسة ج1: 203، تاريخ اليعقوبي ج2: 229، الفصول المهمّة: 163، تذكرة الخواص: صفحة 235.

١٧٦

حتّى عمّ جميع البلدان الإسلاميّة، فأيّد الحُسينَ جمعٌ من الأُمّة الإسلاميّة، لِمَا شاهدوهُ من ظلمٍ وتعسّفٍ في زمن معاوية وابنه يزيد.

هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى، فقد انهالت الرسائل الواردة من العراق، وخاصّة الكوفة على الحسين بن علي، تطلب منه أن يتّجه إلى العراق، ليصبح قائداً لهم، وتتمّ على يده إزالة معالم الظلم والجور، ومن الطبيعي أن يشعر يزيد بخطورة الموقف.

مكثَ الحسين في مكّة حتّى موسم الحجّ، فكانت تفِد جماعات من المسلمين لأداء الفريضة.

عَلِم الحسين بأنّ هناك من أعوان يزيد وعُملائه قد وصلوا مكّة وهم يرتدون رداء الإحرام، وقد أخفوا تحته السلاح، لقتلهِ حين قيامه بأداء فريضة الحج ّ (1) .

قرّر الحسين مغادرة مكّة متّجهاً إلى العراق، فوقفَ خطيباً (2) بين جمعٍ غَفير من المسلمين، فأوجزَ في خُطبته وأعلَمهم بسفرهِ إلى العراق، وأشار باستشهاده في هذا الطريق، وطلبَ العون منهم في سبيل أهدافه المقدّسة، وألاّ يتَوانوا عن نصرته ونصرة الإسلام، دين الله الحنيف.

وغَداة ذاك اليوم، سلكَ طريق العراق مع أهله وعياله، ونفر من شيعته وأصحابه.

لقد صمّم الحسين على عدم البيعة ليزيد، وهو على علمٍ بأنّ الطريق هذا سينتهي به إلى الاستشهاد، وكان يعلم أنّ الجيش الأموي يتّصف بالعدّة والعدد، وأنّه مؤيّد من قِبَل عامّة الناس وخاصّة أهل العراق.

جاءت إليه جماعة ممّن لهم صلة به، فذكروا لهُ خطورة الموقف والسفر الذي هو عازمٌ عليه،

____________________

(1) إرشاد المفيد: 201.

(2) مناقب ابن شهرآشوب ج4: 89.

١٧٧

والنهضة التي هو قائدها، فأجابهم الحسين (عليه السلام): (إنّني لن أُبايع يزيداً، ولا أقرّ بحكومة جائرة، وإنّي على علمٍ بأنّهم يريدون قتلي أينما أقمتُ، وما تَركي لهذه البقعة المكرّمة إلاّ حُرمة لهذا المكان المقدّس (بيت الله الحرام)، وألاّ تُهلك حُرَمُ الله تعالى، بإهراق دمي) (1) .

سارَ الحسين إلى العراق، وفي طريقه وصَلهُ نبأ مقتل رسوله ومبعوثه إلى الكوفة، مع أحدٍ من شيعته، على يد والي يزيد، وقد أمرَ الوالي بعد قتلهم، أن تُربط أرجلهم بالحبال، ويُدار بها شوارع الكوفة وأزقّتها (2) .

فكانت الكوفة وضواحيها تحت مراقبة شديدة من قِبَل الأعداء، تنتظر قدوم الحسين، والأمارت دالّة على قتله لا محالة، وهنا أعلنَ الحسين مُصرِّحاً بنبأ قتله دون تردّد، واستمرّ في سيره (3) .

حوصرَ الحسين (عليه السلام) ومَن معه من قِبَل الجيش الأموي، على مسافة سبعين كيلومتراً من مدينة الكوفة، في منطقة تسمّى (كربلاء) ، فكانت تضيق دائرة الحصار على هؤلاء، ويزداد الجيش الأموي عدداً وعُدّةً، وآلَ الأمر إلى أن يستقرّ الإمام مع القلّة من أصحابه في محاصرة من قِبَلِ ثلاثين ألفاً من الأعداء (4) .

حاولَ الإمام في هذه الأيّام أن يُحكّم موقفه، فأخرجَ من جُنده مَن أُخرج، وأمرَ بأن يجتمع الأصحاب، فاجتمعوا، فقال الإمام (عليه السلام) في خطابٍ بهم: (إنّ القوم لم يريدوا إلاّ قتلي، وأنا رافعٌ بيعتي عنكم، فمَن أراد منكم الفرار، فليتّخذ الليل له ستراً، وينجو بنفسه من الفاجعة الموحِشة التي تتربّص بنا).

____________________

(1) إرشاد المفيد: 201، الفصول المهمّة: 168.

(2) إرشاد المفيد: 204، الفصول المهمّة: 170، مقاتل الطالبيين: الطبعة الثانية، ص 73.

(3) إرشاد المفيد: 205، الفصول المهمّة: 171، مقاتل الطالبيين: ص73.

(4) مناقب ابن شهرآشوب ج4: 98.

١٧٨

فأمرَ بإطفاء الضياء، وتفرّق جمعٌ كثير ممّن كان معهُ، الذين لم تكن أهدافهم سوى المادّة والقضايا الماديّة، ولم يبقَ معه إلاّ رائدو الحقّ ومُتّبعو الحقيقة، وهُم ما يقارب من أربعين شخصاً، وعدد من بني هاشم، وللمرّة الثانية، جَمع الإمام الحسين (عليه السلام) أصحابه، فخطبَ فيهم قائلاً:

(اللهمّ إنّي أحمِدكَ على أن كرّمتنا بالنبوّة، وعلّمتنا القرآن، وفقّهتنا في الدين، وجَعلتَ لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدةً، فاجعلنا من الشاكرين.

أمّا بعد، فإنّي لا أعلمُ أصحاباً أوفَى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيتٍ أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي خيراً، ألا وإنّي لا أظُنّ يوماً لنا من هؤلاء، ألا وإنّي قد أذنتُ لكم فانطلقوا جميعاً في حِلٍّ ليس عليكم منّي زِمام، هذا الليل قد غَشيَكم فاتّخذوه جَمَلاً).

فقال له إخوته، وأبناؤه، وبنو أخيه، وابنا عبد الله بن جعفر: لم نفعل ذلك، لنبقى بعدك!؟

قال بعضهم: ما نفعل ذلك، ولكن نُفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتّى نَرِد موردك، فقبّح الله العيشَ بعدك.

فقام مسلم بن عوسجة خطيباً قال: أنحنُ نُخلّي عنك وبما نعتذرُ إلى الله في أداء حقّك، أمَا والله، حتّى أطعن في صدورهم برُمحي وأضربهم بسيفي ما ثبتَ قائمهُ في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أُقاتلهم به، لقَذَفتهم بالحجارة، والله، لا نُخلّيك حتّى يَعلم الله أنّا قد حَفظنا غيبة رسولهُ فيك، أمَا والله، لو قد عَلمتُ أنّي أُقتَل ثُم أُحيى ثُمّ أُحرَق ثُمّ أُحيى، ثُمّ أُذرى، يُفعلُ ذلك بي سبعين مرّة، ما فارَقتُك حتّى ألقى حِمامي (الموت) دونك، وكيف لا أفعلُ ذلك، وإنّما هي قتلةٌ واحدة، ثُمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً (1) .

وصلَ الإنذار إلى الإمام في عصر يوم التاسع من محرّم (إمّا البيعة أو القتال) من جانب العدو،

____________________

(1) مناقب ابن شهرآشوب ج4: 99، إرشاد المفيد: ص 214.

١٧٩

فطلبَ الإمام المُهلة لتلك الليلة لغرض العبادة، وقرّر القتال ليوم غد (1) .

وفي اليوم العاشر من المحرّم سنة 61 هجري قمري، استعدّ الإمام مع جَمعه القليل (لا يتجاوز عددهم تسعين شخصاً، أربعون ممّن جاءوا معه، ونيّف وثلاثون التحقوا بالإمام في ليلة الحرب ونهارها من جيش الأعداء، والبقيّة كانوا من الهاشميين، بما فيه وِلده وإخوته وأبناء إخوته وأبناء أخواته وأبناء عمومته) في معسكرٍ واحد أمام العدد الغفير من جيش الأعداء، فاشتعلت نار الحرب.

حاربَ هؤلاء من الصباح الباكر حتّى الظهيرة، واستشهدَ الإمام مع سائر الفتية الهاشميين، فلم يبقَ منهم أحد (وكان بين القتلى طفلان للإمام الحسن، وطفل ورضيع للإمام الحسين).

أغارَ الجيش بعد انتهاء الحرب على حَرَم الإمام، وأشعَلوا النيران في مخيّماتهم، وحزّوا رؤوس الشهداء وسَلَبوا ما على أبدانهم من رداء وملابس، وتركوا الأجساد عارية على الأرض، دون أن يواروهم في التراب، ثُمّ ساروا بأهل بيت الإمام (حَرَمه) زوجاته وبناته - اللواتي لم يكن لهم مأوى - مع رؤوس الشهداء إلى جانب الكوفة (ولم يكن في الأسرى من الرجال سوى القليل، منهم: ابن الإمام وهو السجّاد، شابٌ في سِنّ الثانية والعشرين، وقد اشتدّ عليه المرض، ووَلَدهُ في سنّ الرابعة (محمّد بن علي) الإمام الخامس، وكان باقياً أيضاً الحسن المثنّى ابن الإمام الثاني، والذي كان صِهراً للإمام الحسين (عليه السلام)، وكان قد أُصيبَ بجُراح كثيفة في جسمه، وكان طريحاً بين القتلى، وقد عثروا عليه وهو في آخر رمقٍ من حياته، ولم يُقتل بسبب تشفّع أحد الأمراء، وكان من جملة الأسرى الذين جاؤا بهم إلى الكوفة)، ونقلوهم من الكوفة إلى دمشق،

____________________

(1) مناقب ابن شهرآشوب ج4: 98، إرشاد المفيد: ص214.

١٨٠