الشيعة في الاسلام

الشيعة في الاسلام0%

الشيعة في الاسلام مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 206

الشيعة في الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 206
المشاهدات: 83991
تحميل: 5179

توضيحات:

الشيعة في الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 83991 / تحميل: 5179
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في الاسلام

الشيعة في الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

حيث مستقرّ يزيد.

وقد فَضَحت (واقعة كربلاء) - وكذا ما قام به هؤلاء الأسرى من خُطَب، وهم يُنقلون من بلدٍ إلى بلد، في الكوفة والشام منهم: بنت الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، والإمام الرابع اللذان كانا من جملة الأسرى - نوايا بني أُميّة، وكشَفت النقاب عمّا كان يقوم به معاوية طوال سنوات عدّة، حتّى أدّى الأمر بيزيد أن يَستنكر من عُمّاله وأعوانه في الملأ العالَم من هذه الواقعة المُفجعة.

كانت واقعةُ كربلاء عاملاً مؤثّراً عجّلَ في إبادة حكومة بني أُمّية، وساعَدت على ترسيخ مبادئ الشيعة، وكان من نتائجها: الحروب الدامية طوال اثني عشر عاماً، وما لازَمتها من ثورات وانتفاضات، ولم يَخلص أحد ممّن ساهمَ وشاركَ في مقتل الحسين وأصحابه من الانتقام والأخذ بالثأر.

وليس هناك أدنى شكّ لِمَن يُطالع تأريخ حياة الإمام الحسين (عليه السلام) ويزيد، والأوضاع في ذلك الوقت، ويُدقّق النظر فيها بأنّه لم يكن هناك سوى طريق واحد، وهو مقتل الحسين (عليه السلام)، وما كانت نتيجة البيعة مع يزيد إلاّ هتكاً لحُرمات الإسلام، وهذا ما لم يرضَ به الإمام؛ لأنّ يزيد لم يحترم الإسلام، ولم يتّصف بصفات تجعلهُ يتقيّد أو يراعي شيئاً منه، ولا يأبى من سحق وإبادة جميع المقدّسات والقوانين الإسلاميّة.

إلاّ أنّ أسلافهُ كانوا يحترمون الشعائر الدينيّة، ولم يُخالفوها في الظاهر، وما كانوا يقومون به من أعمالٍ كانت تصطبغ بصبغة دينيّة، وكانوا يحافظون على المظاهر الدينيّة، ويفتخرون بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) وسائر القادة والزعماء الدينيين الذين كانت لهم منزلة لدى الناس.

ومن هنا يتّضح ما يعتقدهُ بعض مُفسّري الحوادث والوقائع التاريخيّة: بأنّ الحسن والحسين كانا يتّصفان بصفات متباينة، فالحسنُ يُحبِّذ الصُلح على خلاف الحسين الذي كان يُرجِّح الحرب والقتال، في حين أنّ الأوّل اتّخذ جانب الصُلح مع معاوية، مع ما كان يُلازمه من جيش تُقدّر عدّتهم بأربعين ألفاً،

١٨١

والثاني نهضَ بجيشه الذي يترواح عددهُ الأربعين في القتال مع يزيد.

ومن هنا يتّضح سُقم هذا التفسير؛ لأنّنا نرى الحسين (عليه السلام) الذي لم يرضَخ تحت حكم يزيد يوماً واحداً، كان يعيش مع أخيه الحسن (عليه السلام) (في حدود العشر سنوات في حكم معاوية) ولم يُعلن الحرب على معاوية، وممّا لا شكّ فيه، أنّ الحسن أو الحسين إذا كانا يريدان الحرب مع معاوية لكانَ القتل نصيبهما، فضلاً من أنّ هذا القتل لا ينفع الإسلام والمسلمين بشيء، ولم يُجْدِ أيّ نفعٍ أمام سياسة معاوية، الذي كان يصف نفسه بالصحابي وكاتب الوحي وخال المؤمنين، وما شابه ذلك ممّا اتّخذهُ كوسيلة وذريعة.

هذا، وكان بإمكانه أن يقتلهم بأيادي مقرّبيهم، ويُبدي حزنه، والانتقام ممّن قامَ بهذا العمل كما فعلهُ مع الخليفة الثالث.

الإمامُ الرابع

الإمام السجّاد (عليّ بن الحسين، الملقّب بزين العابدين والسجّاد).

ولِدَ الإمام الرابع، من شاه زنان بنت (يزدجرد مَلك إيران) ، وهو الولد الوحيد الذي بقى للإمام الثالث بعد واقعة كربلاء، إذ إنّ أخوته الثلاثة استشهدوا فيها، وقد شهدَ الواقعة، ولكنّه لم يُشارك فيها لمرضه، ولم يكن قادراً على حمل السلاح، فحُملَ مع الأسرى (الحَرَم) إلى الشام.

وبعد أن قضى فترةَ الأسر، أُرجِع مع سائر الأسرى إلى المدينة، وما ذلك إلاّ لجلب رضى عامّة الناس.

عندما رجعَ الإمام الرابع إلى المدينة، اعتزلَ الناس في بيته، وتفرّغَ للعبادة، ولم يتّصل بأحدٍ سوى الخواصّ من الصحابة مثل: (أبي حمزة الثُمالي) ، و (أبي خالد الكابلي) وأمثالهم، ولا يخفى أنّ هؤلاء الخاصّة كانوا يوصِلون ما يصلهم من الإمام من معارف إسلاميّة إلى الشيعة، واتّسع نطاق ثقافة الشيعة عن هذا الطريق، فنرى ثمارهُ في زمن الإمام الخامس.

١٨٢

وممّا ألّفهُ وصنّفه الإمام الرابع كتاب يحتوي على أدعية تُعرَف بـ (الصحيفةُ السجّاديّة) ، وتشتمل على سبعة وخمسين دعاء، والتي تتضمّن أدقّ المعارف الإلهيّة ويقال عنها: (زبورُ آل محمّد) .

كانت مدّة إمامته (عليه السلام) خمساً وثلاثين سنة حسب بعض الروايات الشيعيّة، ودُسّ إليه السمّ (1) على يد (الوليد بن عبد الملك) ، وذلك بتحريض من هشام، الخليفة الأموي، سنة 95 للهجرة.

الإمامُ الخامس

الإمامُ محمّد بن علي الباقر، ولفظُ باقر يدلّ على تبحّره في العلم، وقد منحهُ اللقب هذا، النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) (2).

هو ابن الإمام الرابع، ولِد سنة 57 للهجرة، وكان عمرهُ في واقعة كربلاء أربع سنوات، وكان ممّن حَضَرها، نال مقام الإمامة بعد والده، بأمرٍ من الله تعالى، ووصيّة أجداده.

وفي سنة 114 أو 117 للهجرة (حسب بعض الروايات الشيعيّة)، أصبحَ مسموماً بواسطة إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك، ابن أخ هشام الخليفة الأموي، قَضت هذه الحادثة على حياته، فمضى شهيداً.

في عهد الإمام الخامس، وعلى أثر ظلم بني أُميّة، كانت تبرز ثورات متعاقبة في كلّ قطر من الأقطار الإسلاميّة، وحَدثت الحروب، وكان الاختلاف في حكومة بني أُميّة ظاهراً، هذا ما كان يشغل الحكومة آنذاك، فكانت نتيجتها أن يُخفّف من التعرّض لأهل البيت، هذا من جهة.

ومن جهةٍ أخرى، ما حدثَ من واقعة كربلاء، وما أحدثت من مظلوميّة أهل البيت،

____________________

(1) مناقبُ ابن شهرآشوب ج4: 176، دلائل الإمامة: ص80، الفصول المهمّة: ص190.

(2) الإرشادُ للشيخ المفيد: ص246، الفصول المهمّة: ص193، مناقب ابن شهرآشوب.

١٨٣

متمثّلة في الإمام الرابع، جَعلت المسلمين يتّجهون إلى أهل البيت، ويُبدون حبّهم لهم، وإخلاصهم إليهم.

فإنّ هذه العوامل مُجتمعة ساعدت على أن ينصرف ذهن العامّة إلى أهل البيت، فصاروا يتّجهون إلى المدينة حيث الإمام الخامس، وكانت العوامل مساعدة في انتشار الحقائق الإسلاميّة، علوم أهل البيت على يد الإمام الباقر، إذ لم يتحقّق لأحدٍ من أجداده، وممّا يؤيِّد هذا الادّعاء: هو كثرةُ الأحاديث التي نُقلت عن الإمام الخامس، وكذا رجال الشيعة الذين تخصّصوا في شتّى العلوم الإسلاميّة على يد إمامهم، ولا تزال أسماؤهم في كُتب الرجال مُدرَجة (1) .

الإمامُ السادس

الإمامُ جعفر بن محمّد الصادق ابنُ الإمام الخامس، ولِد سنة 83 للهجرة، واستشهدَ بعد أن دُسّ إليه السمّ سنة 148 للهجرة، وذلك بتحريضٍ من المنصور الخليفة العبّاسي (وفقَ الروايات الشيعيّة) (2) .

وفي عهد الإمام السادس، وعلى أثر الانتفاضات التي حدثت في الدول الإسلاميّة، وخاصّة قيام (مسعدة) ضدّ دولة بني أُميّة للإطاحة بها، والحروب المُدمّرة التي أدّت إلى سقوط الدولة الأمويّة وانقراضها، وعلى أثر كلّ هذا كانت الظروف مواتية ومساعدة لنشر حقائق الإسلام وعلوم أهل البيت، التي طالما ساهمَ في نشرها الإمام الخامس طوال عشرين سنة من زمن

____________________

(1) إرشاد المفيد: ص245 - 253، يُراجع: كتاب رجال الكشّي: تأليف محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي، وكتاب رجال الطوسي: تأليف محمّد بن حسن الطوسي، وكتاب الفهرست للطوسي، وسائر كُتب الرجال.

(2) أصول الكافي ج1: 472، دلائل الإمامة 111، إرشاد المفيد: ص254، تاريخ اليعقوبي ج3: 119، الفصول المهمّة 212، تذكرة الخواص: 346، مناقب ابن شهرآشوب ج4: 280.

١٨٤

إمامته، وقد تابعَ الإمام السادس عَملهُ في ظروف أكثر مُلائمة وتفهّماً.

فاستطاعَ الإمام السادس حتّى أواخر زمن إمامته - والتي كانت معاصرة لآخر زمن خلافة بني أُميّة وأوائل خلافة بني العبّاس - أن ينتهز هذه الفرصة، لبثّ التعاليم الدينيّة وتربية العديد من الشخصيّات العلميّة الفذّة في مختلف العلوم والفنون، سواء في العلوم العقليّة أو العلوم النقليّة.

ومن أشهر أولئك الذين تتلمَذوا عند الإمام هم: زرارة، ومحمّد بن مسلم، ومؤمن الطاق، وهشام بن الحَكَم، وأبان بن تغلب، وهشام بن سالم، وحريز، وهشام الكلبي النسابة، وجابر بن حيّان الصوفي الكيميائي وغيرهم.

وقد حضرَ درسهُ رجال من علماء إخواننا السُنّة، مثل: سُفيان الثوري، وأبي حنيفة (مؤسِّس المذهب الحنفي)، والقاضي المسكوني، والقاضي أبي البختري وغيرهم، والمعروف أنّ عدد الذين حضروا مجلس الإمام وانتفعوا بما كان يُمليه عليهم الإمام أربعة آلاف مُحدِّث وعالِم (1) .

وتُعتبر الأحاديث المتواترة عن الإمامين الباقر والصادق، أكثر ممّا رُويت عن النبيّ الأكرم والعَشرة من الأئمّة الهُداة.

لكنّ الأمر قد تغيّر في أُخريات حياته، حيث الاختناق والتشديد من قِبَل المنصور الخليفة العبّاسي، فقامَ بإيذاء السادة العَلويين وعرضهم لأعنف أنواع التعذيب وأقساها وقَتلِ بعضهم، ممّا لم يُشاهَد نظيره في زمن الأمويين مع ما كانوا يتّصفون به من قساوة وتهوّر.

مارسَ العبّاسيون القتلَ الجماعي للعلويين، وذلك بسجنهم في سجون مظلمة، وتعذيبهم والقضاء على حياتهم.

كما أنّهم قاموا بدفنهم وهم أحياء، في أُسس الأبنية والجدران (2).

أصدرَ المنصور أمراً طلبَ فيه جلبَ الإمام السادس من المدينة (وكان

____________________

(1) إرشاد المفيد: ص254، الفصول المهمّة: ص204، مناقب ابن شهرآشوب ج4: 247.

(2) الفصول المهمّة: ص212، دلائل الإمامة: ص111، إثبات الوصيّة: ص142.

١٨٥

الإمام قد أُحضِر إلى العراق مرّة بأمرٍ من السفّاح الخليفة العبّاسي، وقبلَ ذلك قد أُحضِر إلى دمشق بأمرٍ من هشام الخليفة الأموي، مع الإمام الخامس).

بقيَ الإمام مدّة من الزمن تحت المراقبة، وقد عزموا على قتله عدّة مرّات، وتعرّضوا لأذاه، وفي نهاية الأمر سَمحوا لهُ بالعودة إلى المدينة، فرجعَ، وقضى بقيّة عُمره هناك، مُراعياً التقيّة، مُنعزلاً في داره، حتّى استُشهدَ على يد المنصور بدسّه السمّ إليه.

وبعد وصول نبأ استشهاد الإمام إلى المنصور، أمرَ واليه في المدينة أن يذهب إلى دار الإمام بحُجة تفقّده لأهل بيته، طالباً وصيّة الإمام ليطّلع على ما وصّى الإمام ومَن هو خليفتهُ من بعده، ليقضي عليه ويقتله في الحال أيضاً.

وكان المنصور يهدف من وراء ذلك القضاء تماماً على موضوع ومسألة الإمامة والتشيّع معاً.

ولكنّ الأمر كان خلافاً لتآمر المنصور، وعندما حضرَ الوالي وفقاً للأوامر المرسَلة إليه، قَرأ الوصيّة، رأى أنّ الإمام قد أوصى لخمس: الخليفة نفسه، ووالي المدينة، وعبد الله الأفطح ابنُ الإمام الأكبر، وموسى ولدهُ الأصغر وحميدة ابنته، وبهذا باءت مؤامرة المنصور بالفشل (1).

الإمامُ السابع

الإمامُ موسى بن جعفر الكاظم ابنُ الإمام السادس، ولِد سنة 128 للهجرة، وتوفيَ سنة 183، إِثر إعطائه السمّ في السجن (2) ، تولّى منصب الإمامة بعد أبيه بأمرٍ من الله ووصيّة أجداده.

____________________

(1) أصول الكافي ج1: 31.

(2) أصول الكافي ج1: 476، إرشاد المفيد: 270، الفصول المهمّة: 214 - 223، دلائل الإمامة: 146 - 148، تذكرةُ الخواص: 348 - 350، مناقب ابن شهرآشوب ج4: 324، تاريخ اليعقوبي ج3: 150.

١٨٦

عاصرَ الإمام السابع من الخلفاء العبّاسيين: المنصور، والهادي، والمهدي، وهارون، عاشَ في عهدٍ مُظلم مقرون بالصعوبات، بما كان يُبديه من تقيّة، حتّى سافرَ هارون إلى الحجّ، وتوجّه إلى المدينة، ألقى القبض على الإمام في الوقت الذي كان مشغولاً بالصلاة في مسجد جدّه النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، نُقلَ إلى السجن بعد أن قُيّد بالأغلال، ثُمّ نُقل إلى البصرة ومنها إلى بغداد، وظلّ يُنقل به من سجنٍ لآخر سنوات عدّة، وفي نهاية الأمر قضى عليه بالسمّ في سجن سِندي بن شاهك (1) ، ودُفن في مقابر قريش، والتي تُسمّى اليوم بمدينة الكاظميّة.

الإمامُ الثامن

الإمامُ علي بن موسى الرضا ابنُ الإمام السابع، ولِد سنة 148 للهجرة (على أشهر التواريخ) (2) ، وتوفيَ سنة 203 هجري.

نالَ منصب الإمامة بعد أبيه الإمام السابع بأمرٍ من الله ونصّ أجداده، وقد عاصرَ زمناً هارون الرشيد الخليفة العبّاسي وبعده ابنه الأمين ثُمّ المأمون.

بعد وفاة هارون الرشيد، حَدثَ خلاف بين المأمون والأمين، أدّى إلى حروبٍ بينهما، وكان نتيجتها مقتل الأمين واستيلاء المأمون على عرش الخلافة (3).

وحتّى ذلك الوقت كانت سياسة بني العبّاس بالنسبة إلى السادة العلويين سياسة قاسية، يُلازمها القتل والإبادة، وكانت تزداد شدّة وعَنفاً، و

____________________

(1) إرشاد المفيد: 279 - 283، دلائل الإمامة: 148 - 154، الفصول المهمّة: 222، مناقب ابن شهرآشوب ج4: 323 - 327، تاريخ اليعقوبي ج3: 150.

(2) أصول الكافي ج1: 488، الفصول المهمّة: 237.

(3) أصول الكافي ج1: 486، إرشاد المفيد: 284 - 296، دلائل الإمامة: 175 - 177، الفصول المهمّة: 225 - 246، تاريخ اليعقوبي ج3: 188.

١٨٧

بين فترةٍ وأخرى كان يثور ثائر من العَلويين، بما فيها الحروب الدامية، وهذا ما كان يُحدث اضطراباً ومشاكل للدولة والخلافة آنذاك.

ومع أنّ أئمّة الشيعة من أهل البيت، لم يكونوا على اتّصال بالثائرين، لكنْ الشيعة - مع قلّة عددهم في ذلك اليوم - كانوا يَعتبرون الأئمّة هم الهداة إلى الدين ومُفترضو الطاعة والخلفاء الحقيقيون للنبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، وكانوا ينظرون إلى الدولة والخلافة العبّاسيّة أنّها تمتاز بما كان يمتاز به كسرى وقيصر، وأنّها تُساس بيد فئةٍ لا صلة لها بالإسلام، وأنّ هذه الأجهزة التي تَسوس البلاد بعيدة كلّ البُعد عمّا يتّصف به زعماؤهم الدينيّون، هذا ممّا كان يُشكّل خطراً على الخلافة، ويهدِّدها بالسقوط والزوال.

فكّر المأمون في هذه المشاكل والفتن، ورأى أن يُبدي سياسة جديدة، بعد أن كانت سياسة أسلافه طوال سبعين سنة سياسة عقيمة لا جدوى فيها، فأظهرَ سياسته الخادعة بأن يَجعل الإمام الثامن وليّ عهدٍ له، وبهذه الطريقة سوف يقضي على كلّ فتنة ومشكلة، والسادة من العَلويين إذا وجَدوا لهم مقاماً في الدولة فإنّهم لم يحاولوا الثورة أو القيام ضدّهم، والشيعة أيضاً عندما يشاهدون دُنو إمامهم من الخلافة - التي طالما كانوا يَعتبرونها رجساً، والقائمين بأمور الخلافة فاسقين - عندئذٍ سيفقدون ذلك التقدير والاحترام المعنوي لأئمّتهم الذين هم أهل البيت، وسرعان ما يسقط حزبهم الديني، ولا يواجِه الخلفاء خطراً من هذه الجهة (1) .

ومن البديهي بعد أن يحصل المأمون على ما كان يهدف إليه، فإنّ قَتل الإمام لم يكن بالأمر الصعب، ولغرض تحقّق هذه المؤامرة أحضرَ الإمام من المدينة إلى مرو، اقترحَ عليه الخلافة أوّلاً ثُمّ ولاية العهد ثانياً، فاعتذرَ الإمام، ولكنّه استخدمَ شتّى الوسائل لإقناع الإمام، وافقَ الإمام بشرط ألاّ يتدخّل في شؤون الدولة،

____________________

(1) دلائل الإمامة: 197، مناقب ابن شهرآشوب ج4: 363.

١٨٨

وكذا في عزل أو نصب أحد من المسؤولين (1).

هذا ما حدثَ سنة 200 للهجرة، ولم تمضِ فترة حتّى شاهدَ المأمون التقدّم السريع للشيعة، وتزايد ارتباطهم وعلاقتهم بالنسبة للإمام، وحتّى العامّة من الناس والجيش والمسؤولين مسؤولي شؤون الدولة، عندئذٍ التفتَ المأمون إلى خطورة اشتباهه، وحاولَ أن يقف أمام هذا التيار، فقتلَ الإمام بعد أن دسّ إليه السمّ.

دُفن الإمام الثامن بعد استشهاده في مدينة (طوس) في إيران، وتُعرَف اليوم بمدينة مشهد.

كان المأمون يُبدي عنايته ورعايته لترجمة العلوم العقليّة إلى اللغة العربيّة، وكان يُقيم المجالس العلميّة، يحضرهُ علماء الأديان والمذاهب، وتجري فيها المناظرات العلميّة، والمأمون أيضاً كان يشارك في هذه المجالس، ويشترك في مناظرة علماء الأديان والمذاهب، وقد دوِّنت العديد منها في كُتب أحاديث الشيعة (2).

الإمامُ التاسع

الإمامُ محمّد بن علي التقي، ويُلقّب بالإمام الجواد أو ابن الرضا أحياناً، ابن الإمام الثامن، ولِدَ في المدينة سنة 195 هجري، واستشهد سنة 220، بتحريضٍ من المعتصم الخليفة العبّاسي على يد زوجته بنت المأمون، ودُفن إلى جوار جدّه الإمام السابع في مدينة الكاظميّة.

حازَ درجة الإمامة الرفيعة بأمرٍ من الله ووصيّة أجداده.

____________________

(1) أصول الكافي ج1: 489، إرشاد المفيد: 290، الفصول المهمّة: 237، تذكرة الخواص: 352، مناقب ابن شهرآشوب ج4: 363.

(2) مناقب ابن شهر آشوب ج4: 351، كتاب الاحتجاج لأحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، طبع النجف سنة 1385 هجري، ج2: 170 - 230.

١٨٩

كان الإمام التاسع في المدينة عندما توفيَ أبوه الإمام الثامن، أحضرهُ المأمون إلى بغداد عاصمة خلافته آنذاك، والظاهر أنّ المأمون أبدى احترامه وعطفه للجواد، وزوّجهُ ابنته، وأبقاهُ عنده في بغداد، وفي الحقيقة أراد أن يُراقب الإمام من الخارج والداخل مراقبة كاملة.

مكثَ الإمام التاسع زمناً في بغداد، ثُمّ طلبَ من المأمون الرحيل إلى المدينة، وبقيَ فيها (المدينة) حتّى أواخر عهد المأمون، وفي زمن المعتصم الذي استخلفَ المأمون، أحضرَ الإمام الجواد إلى بغداد مرّتين، وكان تحت المراقبة الشديدة، وفي النهاية - كما ذُكر - استشهد بدسّ السمّ إليه بتحريضٍ من المعتصم على يد زوجة الإمام (1) .

الإمامُ العاشر

الإمامُ عليّ بن محمّد التقي، ويلقّب بالهادي أيضاً، ابن الإمام التاسع، ولِد سنة 212 هجري في المدينة، واستشهد سنة 254 هجري (وفقاً للروايات الشيعيّة) بأمرٍ من المعتزّ الخليفة العبّاسي (2).

عاصرَ الإمام سبعاً من خلفاء بني العبّاس: المأمون، والمعتصم، والواثق، والمتوكّل، والمنتصر، والمستعين، والمعتز.

وفي عهد المعتصم سنة 220 هجري، عندما استشهدَ أبوه في بغداد بواسطة السمّ الذي دُسّ إليه، كان الإمام العاشر في المدينة، نالَ منصب الإمامة بأمرٍ من الله تعالى ووصيّة أجداده، فقامَ بنشر التعاليم الإسلاميّة حتّى زمن المتوكّل.

أرسلَ المتوكّل أحد الأُمراء إلى المدينة لجلب الإمام من هناك إلى سامراء،

____________________

(1) إرشاد المفيد: 297، أصول الكافي ج1: 492 - 497، دلائل الإمامة: 201 - 209، مناقب ابن شهرآشوب ج4: 377 - 399، الفصول المهمّة: 247 - 258، تذكرة الخواص: 358.

(2) أصول الكافي ج1: 497 - 502، إرشاد المفيد: 307، دلائل الإمامة: 216 - 222، الفصول المهمّة: 259 - 265، تذكرةُ الخواص: 362، مناقب ابن شهرآشوب ج4: 401 - 420.

١٩٠

حاضرة حكومته، وذلك سنة 243 إِثر سعاية بعض الأعداء، وكتبَ إلى الإمام رسالة يُظهر فيها احترامهُ وتقديره له، مطالباً فيها التوجّه إلى العاصمة (1) .

وبعد وصول الإمام إلى سامراء لم يكن هناك ما يجلب النظر من تضييق على الإمام في بداية الأمر، إلاّ أنّ الخليفة سعى في اتّخاذ شتّى الطُرق والوسائل لإيذاء الإمام، وهتك حُرمته، فقامَ رجال الشرطة بتفتيش دار الإمام بأمرٍ من الخليفة.

كان المتوكّل أشدّ عداءً لأهل البيت من سائر خلفاء بني العبّاس، وخاصّة بالنسبة للإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وكان يُعلن عداءهُ وتنفّره لعليّ، فضلاً عن الكلام البذيء الذي كان يتفوّه به أحياناً، وكان قد عيّن شخصاً يُقلّد أعمال الإمام علي (عليه السلام) في مجالسه ومحافله، ويستهزئ وينال من تلك الشخصيّة العظيمة.

وأمرَ بتخريب قُبّة الإمام الحسين وضريحه والكثير من الدُور المجاورة له، وأمرَ بفتح المياه على حَرَم الإمام وقبره، وأُبدِلت أرضها إلى أرض زراعيّة كي يقضوا على جميع معالم هذا المرقد الشريف (2) .

وفي زمن المتوكّل أصبحت حالة السادة العَلويين في الحجاز متدهورة يُرثى لها، كانت نساؤهم تفتقر إلى ما يسترها، والأغلبيّة منها كانت تحتفظ بعباءة بالية، يتبادلنها في أوقات الصلاة لأجل إقامتها (3) ، وكان الوضع لا يقلّ عن هذا في مصر بالنسبة إلى السادة العَلَويين.

كان الإمام العاشر متحمّلاً صابراً لكلّ أنواع هذا الاضطهاد والأذى.

____________________

(1) إرشاد المفيد: 307 - 313، أصول الكافي ج1: 501، الفصول المهمّة: 261، تذكرةُ الخواص: 359، مناقب ابن شهرآشوب ج4: 417، إثبات الوصيّة: ص 176، تاريخ اليعقوبي ج3: 217.

(2) مقاتل الطالبيين: 395.

(3) مقاتل الطالبيين: 395 - 396.

١٩١

وبعد وفاة المتوكّل جاء كلّ من: المنتصر، والمستعين، والمعتزّ إلى منصّة الخلافة، واستشهدَ الإمام بأمرٍ من المعتزّ الخليفة العبّاسي.

الإمامُ الحادي عشر

الإمام الحسن بن علي العسكري، ابن الإمام العاشر، ولِد سنة 232 هجري، وفي سنة 260 هجري (وفقاً لبعض الروايات الشيعيّة) دسّ إليه السمّ بإيعازٍ من المعتمد الخليفة العبّاسي، وقضى نحبهُ مسموماً (1).

الإمامُ الحادي عشر جاء إلى مقام الإمامة بعد أبيه بأمرٍ من الله تعالى، وحسب ما أوصى به أجداده الكرام، وطوال مدّة خلافته التي لا تتجاوز السبع سنين كان مُلازماً التقيّة، وكان مُنعزلاً عن الناس حتّى الشيعة، ولم يَسمح إلاّ للخواصّ من أصحابه بالاتّصال به، مع كلّ هذا فقد قضى زمناً طويلاً في السجون (2).

والسببُ في كلّ هذا الاضطهاد هو:

أوّلاً: كان قد وصلَ عدد الشيعة إلى حدٍّ يُلفت الأنظار، وأنّ الشيعة تعترف بالإمامة، وكان هذا الأمر واضحاً جليّاً للعيان، وأنّ أئمّة الشيعة كانوا معروفين، فعلى هذا كانت الحكومة آنذاك تتعرّض للأئمّة أكثر من ذي قَبل وتراقبهم، وكانت تسعى للإطاحة بهم وإبادتهم بكلّ الوسائل الخفيّة.

ثانياً: قد اطّلعَت الدولة العبّاسيّة، أنّ الخواصّ من الشيعة تعتقد أنّ هناك ولداً للإمام الحادي عشر، وطبقاً للروايات التي تُنقل عن الإمام الهادي، وكذا من أجداده، يُعرِّفونه بـ (المهدي الموعود) ، وقد أخبرَ عنه النبيّ

____________________

(1) إرشاد المفيد: 315، دلائل الإمامة: 223، الفصول المهمّة: 266 - 272، مناقب ابن شهرآشوب ج4: 422، أصول الكافي ج1: 503.

(2) إرشاد المفيد: 324، أصول الكافي ج1: 512، مناقب ابن شهرآشوب ج4: 429 و 430.

١٩٢

الأكرم (صلّى الله عليه وآله) (1) بموجب الروايات المتواترة عن الطريقين العامّة والخاصّة، ويعتبرونه الإمام الثاني عشر لهم.

ولهذا السبب كان الإمام الحادي عشر أكثر مراقبة من ساير الأمّة، فصمّم خليفة الوقت أن يقضي على موضوع الإمامة عند الشيعة بكلّ وسيلة تقتضي الضرورة لذلك، وبهذا يُغلق هذا البحث الذي طالما كان مثاراً لإزعاجهم.

ولمّا سمعَ المُعتمد الخليفة العبّاسي بمرض الإمام الحادي عشر، أرسلَ إليه الأطبّاء مع عددٍ من القضاة ومَن يَعتمد عليهم؛ كي يُراقبوا الإمام عن كَثَب و ما يجري في داره، وبعد استشهاد الإمام ووفاته، فتّشوا البيت بدقّة، وفحصوا الجاريات اللواتي كُنّ يخدمنَ في بيت الإمام بواسطة الممرّضات (القابلات)، وبَقوا يبحثون عن خَلَفٍ للإمام لمدّة سنتين حتّى استولى عليهم اليأس (2).

دُفن الإمام الحادي عشر بعد وفاته في داره في مدينة سامراء، بجوار مدفن أبيه.

ولا يخفى أنّ أئمّة أهل البيت طوال حياتهم عَلّموا ورَبّوا العديد من العلماء والمحدّثين، إذ يصل عددهم المئات، ومراعاة للاختصار لم نستعرض فهرست أسماء هؤلاء ومؤلّفاتهم والآثار العلميّة التي تركوها، وشرحاً لأحوالهم (3).

____________________

(1) يُراجع: صحيح الترمذي ج9، باب ما جاء في المهدي، صحيح أبي داود: ج2 كتاب المهدي، صحيح ابن ماجة: ج2 باب خروج المهدي، كتاب ينابيع المودّة، كتاب البيان في أخبار صاحب الزمان: لمؤلّفه محمد بن يوسف الشافعي، كتاب نور الأبصار: لمؤلّفه الشبلنجي، كتاب مشكاة المصابيح: لمؤلّفه محمّد بن عبد الله الخطيب، كتاب الصواعق المُحرقة: تأليف ابن حجر، كتاب إسعاف الراغبين: لمؤلّفه محمد الصبّان، كتاب الفصول المهمّة، صحيح مسلم، كتاب الغيبة: تأليف محمد بن إبراهيم النعماني، كمال الدين: تأليف الشيخ الصدوق، إثبات الهداة: لمؤلّفه محمّد بن حسن الحرّ العاملي، بحار الأنوار: لمؤلّفه العلاّمة المجلسي ج 51، 52.

(2) أصول الكافي ج1: 505، إرشاد المفيد 319.

(3) يُراجع: كتاب رجال الكشّي، ورجال الطوسي، وفهرست الطوسي، وسائر كُتب الرجال.

١٩٣

الإمامُ الثاني عشر

الإمامُ المهدي الموعود، ويُذكر بإمام العصر وصاحب الزمان غالباً، ابن الإمام الحادي عشر، اسمهُ يطابق النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، ولِدَ في سامراء سنة 255 أو 256هجري.

وكان يعيش تحت رعاية والده حتّى سنة 260 هجري، حيث استشهاد والده، وكان مُختفياً عن أنظار العامّة، ولم يُفلح أحد بلقائه والاتّصال به إلاّ الخواصّ من الشيعة.

وبعد استشهاد والده، أُنيطت به مهمّة الإمامة، وبأمرٍ من الله تعالى اختارَ الغيبة، ولم يَظهر للعيان إلاّ مع نوّابه الخواصّ وفي موارد استثنائيّة (1).

النوّاب الخواص

عَيّن الإمام المهدي عثمان بن سعيد العُمري نائباً خاصّاً لهُ، والذي كان من أصحاب جدّه وأبيه وكان ثقةً أميناً، وكان الإمام يُجيب على أسئلة الشيعة عن طريق هذا النائب الخاصّ.

وبعد عثمان بن سعيد استخلفَ ابنه محمّد بن عثمان، وبعد وفاة محمّد بن عثمان العمري، استنابَ أبو القاسم حُسين بن رَوح النَوبختي.

وبعد وفاة حسين بن رَوح النوبختي، أصبحَ عليّ بن محمّد السمري نائباً خاصّاً للإمام المهدي، وفي أُخريات حياة عليّ بن محمّد السَمَري، إذ لم يبقَ من حياته سوى أيّام قلائل (سنة 329 هجري) صدرَ توقيع من الناحية المقدّسة، فيه

____________________

(1) بحار الأنوار: ج51 صفحة 2 - 34 و343 - 366، كتاب الغَيبة: تأليف محمّد بن حسن الطوسي، الطبعة الثانية صفحة 214 - 243، كتاب إثبات الهداة: ج6 و7.

١٩٤

إبلاغ لعليّ بن محمّد السمَري بأنّه سيموت ويودِّع هذه الحياة بعد ستّة أيّام، وبعدها تنتهي النيابة الخاصّة، وتقع الغيبة الكبرى، وستستمرّ حتّى يأذنَ الله تعالى بالظهور (1).

وحسب هذا التوقيع تنقسم غيبة الإمام إلى قسمين:

الأوّل: الغيبةُ الصغرى، بدأت سنة 260 هجري، وانتهت في سنة 329، واستمرّت حوالي سبعين عاماً.

الثاني: الغيبةُ الكبرى، والتي بدأت سنة 329، وستستمرّ حتّى يأذن الله تعالى، ويُروى عن النبيّ الكريم (صلّى الله عليه وآله) في حديثٍ متّفق عليه: (لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يُبعث فيه رجلاً من أمّتي ومن أهل بيتي، يواطئ اسمهُ اسمي يَملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً) (2).

9. بحثٌ في ظهور المهدي (عجّل الله فرجه) من وِجهة نظر العامّة

وكما أشرنا في بحث النبوّة والإمامة، وفقاً لقانون الهداية العامّة الجارية في جميع أنواع الكائنات، فالنوع الإنساني منه مجهّز بحُكم الضرورة بقوّة (قوّة الوحي والنبوّة) ترشدهُ إلى الكمال الإنساني والسعادة النوعيّة، وبديهي أنّ الكمال والسعادة لو لم يكونا أمرين ممكنين للإنسان الذي تُعتبر حياته حياة اجتماعيّة، لكانَ أصل التجهيز لغواً وباطلاً، ولا يوجد لغو في الخلقة مطلقاً.

وبعبارةٍ أخرى: إنّ البشر منذ أن وجِدَ على ظهر البسيطة كان يهدف إلى حياة اجتماعيّة مقرونة بالسعادة، وكان يعيش لغرض الوصول إلى هذه المرحلة،

____________________

(1) بحار الأنوار: ج51، ص 360 - 361، الغَيبة: تأليف الشيخ الطوسي، ص242.

(2) الفصول المهمّة: صفحة271.

١٩٥

ولم لم تتحقّق هذه الأُمنية في الخارج، لمَا منّى الإنسان نفسه بهذه الأُمنية، فلو لم يكن هناك غذاء لم يكن هناك جوع، وإذا لم يكن هناك ماء لم يكن عطش، وإذا لم يكن تناسل لم تكن علاقة جنسيّة.

فعلى هذا وبحكم الضرورة (الجبر)، فإنّ مستقبل العالَم سيَكشف عن يومٍ، يُهيمن فيه العدل والقسط على المجتمع البشري، ويتعايش أبناء العالَم في صُلح وصفاء ومودّة ومحبّة، تسودَهم الفضيلة والكمال.

وطبيعي أنّ استقرار مثل هذه الحالة بيد الإنسان نفسه، والقائد لمثل هذا المجتمع سيكون مُنجي العالَم البشري، وعلى حدّ تعبير الروايات سيكون (المهدي) .

ونجدُ الأديان والمذاهب المختلفة القائمة في العالَم مثل: الوثنيّة، واليهوديّة، والمسيحيّة، والمجوسيّة، والإسلام، تُبشّر بمُصلح ومُنجٍ للبشريّة، وإن اختلفتْ في تصوّره، وما حديثُ النبيّ الكريم (صلّى الله عليه وآله) المتّفق عليه (المهديُّ من وِلدي) إلاّ إشارة إلى هذا المعنى.

10. بحثٌ في ظهور المهدي (عجّل الله فرجهُ) من وِجهة نظر الخاصّة

فضلاً عن الروايات المتزايدة عن طريق العامّة والخاصّة، والتي تُروى عن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وأئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، في ظهور المهديّ (عليه السلام) وأنّه من سلالة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ومع ظهوره سيؤدّي بالمجتمع البشري إلى كماله الواقعي والحقيقي، وسيمنحهُ الحياة المعنويّة (1)، فإنّ هناك روايات متضافرة

____________________

(1) وعلى سبيل المثال: قال أبو جعفر (عليه السلام): (إذا قامَ قائمنا، وضَعَ الله يده على رؤوس العباد، فجمعَ به عقولهم وكمُلَت به أحلامهم) بحار الأنوار: ج52، صفحة 328 و 326.

قال أبو عبد الله (عليه السلام): (العِلمُ سبعة وعشرون حرفاً، فجميعُ ما جاءت به الرُسل حرفان، فلم يَعرف الناس حتّى اليوم غير الحرفين، فإذا قامَ قائمنا أخرجَ الخمسة والعشرين حرفاً فبثّها في الناس، وضمّ إليها الحرفين حتّى يبثّها سبعة وعشرين حرفاً) بحار الأنوار: ج52، صفحة 336.

١٩٦

أخرى تشير إلى أنّ المهدي هو ابن الإمام الحسن العسكري (الإمام الحادي عشر) بلا فصل (1) ، وبعد الغيبة الكبرى سيظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدَما مُلئت ظُلماً وجوراً.

____________________

(1) وعلى سبيل المثال أيضاً: قال علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في حديثٍ، إلى أن قال: (الإمامُ بعدي محمّد ابني، وبعد محمّد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحُجّة القائم المنتظر في غيبته، المُطاع في ظهوره، لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً، وأمّا متى؟ فقد حدّثني أبي عن أبيه عن آبائه عن علي، أنّه قيل يا رسول الله، متى يخرج القائم من ذريّتك؟ فقال: مَثَلهُ مِثلَ الساعة لا يُجلّيها لوقتها إلاّ هو ثَقُلت في السموات والأرض لا يأتيكم إلاّ بغتة) بحار الأنوار: ج51، صفحة 154.

صفر بن أبي دلف قال: سمعتُ أبا جعفر محمّد بن الرضا (عليه السلام) يقول: (الإمامُ بعدي ابني علي، أمرهُ أمري، وقولهُ قولي، وطاعتهُ طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمرهُ أمر أبيه، وقولهُ قول أبيه، وطاعتهُ طاعة أبيه، ثُمّ سكتَ، فقلتُ لهُ: يا بن رسول الله، فمَن الإمام بعد الحسن؟ فبكى بكاءً شديداً، ثُمّ قال: (إنّ من بعد الحسن ابنهُ القائم بالحقّ المنتظر) بحار الأنوار: ج51، صفحة 158.

قال موسى بن جعفر البغدادي: سمعتُ أبا محمّد الحسن بن علي يقول: (كأنّي بكم وقد اختلَفتم بعدي في الخَلَف منّي، أمَا إنّ المُقرّ بالأئمّة بعد رسول الله والمُنكر لولَدي، كمَن أقرّ بجميع أنبياء الله ورُسله ثُمّ أنكرَ نبوّة محمّد رسول الله، والمُنكِر لرسول الله كمَن أنكرَ جميع الأنبياء؛ لأنّ طاعة آخرنا كطاعة أوّلنا، والمُنكِر لآخرنا كالمُنكِر لأوّلنا، أمَا إنّ لولدي غيبة يرتابُ فيها الناس إلاّ مَن عَصَمهُ الله) بحار الأنوار: ج51، صفحة 160.

١٩٧

ردٌّ على الشُبهات

يعترض مُخالفو الشيعة بأنّه وفقاً لاعتقاد هذه الطائفة، يجب أن يكون عُمر الإمام الغائب ما يقرُب من اثني عشر قرناً، في حين أنّ الإنسان لا يستطيع أن يُعمّر هكذا.

الجواب: الاعتراضُ هذا مبنيٌ على الاستبعاد، وإنّ العمر الطويل كهذا يُستبعد، لكنْ الذي يُطالع الأخبار الواردة عن الرسول الأعظم في خصوص الإمام الغائب، وكذا سائر أئمّة أهل البيت (عليه السلام)، سيُلاحِظ أنّ نوع الحياة للإمام الغائب تتّصف بالمعجزة خرقاً للعادة، وطبيعي أنّ خرق العادة ليس بالأمر المستحيل، ولا يمكن نفي خرق العادة عن طريق العلم مطلقاً.

لذا لا تنحصر العوامل والأسباب التي تعمل في الكون في حدود مشاهدتنا والتي تعرّفنا عليها، ولا نستطيع نفي عوامل أخرى وهي بعيدة كلّ البُعد عنّا ولا علم لنا بها، أو إنّنا لا نرى آثارها وأعمالها، أو نجهلها، من هذا يتّضح إمكان إيجاد عوامل في فردٍ أو أفراد من البشر، بحيث تستطيع تلك العوامل أن تجعل الإنسان يتمتّع بعمرٍ طويل جدّاً قد يصل إلى الألف أو آلاف من السنوات،

١٩٨

فعلى هذا، فإنّ عالَم الطِب لم ييأس حتّى الآن من كشف طُرق لإطالة عُمر الإنسان.

وهذا الاعتراض من الذين يعتقدون بالكتب السماويّة: كاليهوديّة، والمسيحيّة، والإسلام، وفقاً لكتبهم السماويّة، ويَقرّون المعجزات وخَرق العادات التي كانت تتحقّق بواسطة أنبياء الله تعالى، بشكلٍ يُثير الإعجاب والاستغراب.

يعترض مُخالفو الشيعة: من أنّ الشيعة تَعتبر لزوم وجود الإمام لبيان أحكام الدين وحقائقه، وإرشاد الناس وهدايتهم، فإنّ غيبة الإمام تُناقض هذا الغرض؛ لأنّ الإمام الذي قد غابَ عن الأنظار ولا توجد أيّة وسيلة للوصول إليه، لا يترتّب على وجوده أيّ نفعٍ أو فائدة، وإذا كان الله سبحانه يريد إصلاح البشريّة بواسطة شخص، فإنّه لقادرٌ على خلقه عند اقتضاء الضرورة لذلك، ولا حاجة إلى خلقه قبل وقته وقبل الاحتياج إليه بآلاف السنوات.

الجواب: إنّ مثل هؤلاء لم يُدركوا حقيقة معنى الإمامة، واتّضح في مبحث الإمامة، أنّ وظيفة الإمام ومسؤوليّته لم تنحصر في بيان المعارف الإلهيّة بشكلها الصوري، ولم يَقتصر على إرشاد الناس من الناحية الظاهريّة، فالإمام فضلاً عن تولّيه إرشاد الناس الظاهري، يتّصف بالولاية والإرشاد الباطني للأعمال أيضاً، وهو الذي يُنظّم الحياة المعنويّة للناس، ويتقدّم بحقائق الأعمال إلى الله جلّ شأنه.

بديهي أنّ حضور أو غيبة الإمام الجسماني في هذا المضمار ليس لهُ أيّ تأثير، والإمام عن طريق الباطن يتّصل بالنفوس ويُشرف عليها، وإن بعُدَ عن الأنظار وخَفيَ عن الأبصار، فإنّ وجودهُ لازم دائماً، وإن تأخّر وقت ظهوره وإصلاحه للعالَم.

١٩٩

الخاتمةُ: البلاغُ المعنوي للشيعة

البلاغُ المعنوي للشيعة الموجّه للناس كافّة، لا يزيد على جملة وهي: (اعرفوا الله) وبتعبيرٍ آخر: اسلُكوا طريق معرفة الله كي تسعدوا وتفلحوا، وهذه هي العبارة التي قالها النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في بداية دعوته: (قولوا: لا إله إلاّ الله تفلحوا).

كي يتّضح هذا البلاغ نقول مُجملاً:

نحنُ البشر بحسب الطبع، نهوى الكثير من مناحي الحياة ولذائذها الماديّة: كالأكل، والشرب، والألبسة الفاخرة، والقصور، والمناظر الخلاّبة، والزوجات الحسناوات، والأصدقاء المخلِصين، والثروات الطائلة، إمّا عن طريق القدرة والسياسة والمقام واتّساع السلطة والحكومة، أو القضاء على كلّ ما يُخالف مأربنا الذي نطمح الوصول إليه.

ولكنّنا نُدرك جيّداً مع ما أوتينا من فطرة إلهيّة، أنّ هذه الأمور واللذائذ كلّها خُلِقت لأجل الإنسان، لا أنّ الإنسان خُلق لها، ويجب أن تكون هذه في طلب الإنسان، لا الإنسان يسعى في طلبها، وإذا ما كان الهدف الغائي هو الغريزة والشهوات، فهذا هو منطق الحيوانات والأنعام، وما القتلُ والفتكُ والإطاحة بسعادة الآخرين إلاّ منطق الذئاب،

٢٠٠