الشيعة في الاسلام

الشيعة في الاسلام0%

الشيعة في الاسلام مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 206

الشيعة في الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 206
المشاهدات: 84053
تحميل: 5180

توضيحات:

الشيعة في الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84053 / تحميل: 5180
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في الاسلام

الشيعة في الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وأقرباء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعشيرته وصحابته إلاّ أن يروا أنفسهم قبال أمر واقع (1) ، وبعد أن فرغَ الإمام علي (عليه السلام)، ومَن معهُ من الصحابة: (كابن عبّاس، والزبير، وسلمان، وأبي ذر، والمقداد، وعمّار) من دَفن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أُعلِموا بالذي حدث، رَفعوا عَلم المعارضة، فانتقدوا القائمين بهذا الأمر، وأبدَوا اعتراضهم للخلافة الانتخابيّة بإقامتهم جَلَسات متعدّدة، والجواب الذي سمعوه هو: أنّ صَلاح المسلمين كان في الذي حَدث (2).

فالانتقاد هذا والاعتراف، أدّى إلى انفصال الأقليّة عن الأكثريّة، واشتهرَ أصحاب الإمام علي (عليه السلام) باسم (شيعة علي)، فالقائمون بأمور الخلافة كانوا يَسعون - وفقاً للسياسة آنذاك - ألاّ يشتهر هؤلاء الأقليّة بهذا الاسم، وألاّ ينقسم المجتمع إلى أقليّة وأكثريّة، فكانوا يعتبرون الخلافة إجماعاً، ويُطلق على المُعارض لها متخلّفاً عن البيعة، ومتخلّفاً عن جماعة المسلمين، وأحياناً كان يوصف بصفات بذيئة أخرى (3).

وفي الحقيقة أنّ الشيعة قد حُكمَ عليها بالتخلّف منذ الأيّام الأولى، ولم تستطع أن تكسب شيئاً منذ أن أبدَت معارضتها، والإمام علي (عليه السلام) لم يُعلنها ثورة وحرباً، رعايةً لمصلحة الإسلام والمسلمين، ولفقدانه للأشياع بالقدر المطلوب، إلاّ أنّ هؤلاء المُعارضين لم يستسلموا للأكثريّة من حيث العقيدة، وكانوا يرونَ أنّ الخلافة والمرجعيّة العلميّة هي حقّ مطلق للإمام علي (عليه السلام) (4)، فكان رجوعهم في القضايا العلميّة والمعنويّة إليه وحده، وكانوا يدعون إلى هذا الأمر (5) .

____________________

(1) شرحُ ابن أبي الحديد ج1: 58 و 123 - 135، تاريخ اليعقوبي ج2: 102، تاريخ الطبري ج2: 445 - 460.

(2) تاريخ اليعقوبي ج2: 10 - 106، تاريخ أبي الفداء ج1: 156 و 166.

مُروج الذهب ج2: 307 و 352، ابن أبي الحديد ج1: 17 و 134.

(3) قال عمر بن حريث لسعد بن زيد… قال: فخالفَ عليه أحد؟ قال: لا، إلاّ مرتد، أو مَن قد كاد أن يرتد، تاريخ الطبري ج2: 447.

(4) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّي قد تركتُ فيكم الثَقَلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي، أحدَهما أكبر من الآخر: كتابُ الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يَردا عَليّ الحوض)، وقد روى هذا الحديث أكثر من 100 طريق، عن 35 شخصاً من صحابة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يُراجع العَبَقات: مجلّد الثقلين، غايةُ المرام: صفحة 211. قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أنا مدينةُ العلم وعليّ بابها، فمَن أراد العلم فليأتها من بابها) البداية والنهاية ج7: 359.

(5) تاريخ اليعقوبي ج2: 105 - 150.

٢١

3. موضوعا الخلافة والمرجعيّة العلميّة

كان الشيعة يعتقدون أنّ ما يهمّ المجتمع أوّلاً وقبلَ كلّ شيء هو: وضوح وتبيان التعاليم الإسلاميّة (1) ، ومن ثُمّ نَشرها في المجتمع، وبعبارةٍ أخرى: هي نظرة المجتمع إلى العالَم والإنسان نظرة واقعيّة، والوقوف على الواجبات والوظائف الإنسانيّة (بالشكل الذي يكون فيه الصلاح الواقعي) والقيام بها، وإن كانت مخالفة لأهوائهم وميولهم.

هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى، فإنّ قيام حكومة دينيّة ما هي إلاّ لتنفيذ الأحكام الإسلاميّة في المجتمع، والحفاظ عليه، بحيث لا يَعبد الناس إلاّ الله جلّ وعلا، وأن يَحظوا بحريّة تامّة وعدالة فرديّة واجتماعيّة، وهاتان المهمّتان يجب أن تُناط إلى شخص يتّسم بالعصمة والصيانة الإلهيّة، إذ من المحتمل أن يتعهّد هذه المسؤوليّة أُناس لم يَسلَموا من الانحراف الفكري والعقائدي، ولم يُنزّهوا من الخيانة،

____________________

(1) كتاب الله، والسُنّة النبويّة، وأئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، خيرُ دليلٍ على تحريضهم لاكتساب العلم، وقول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خيرُ شاهد، إذ يقول: (طلبُ العلم فريضةٌ على كلّ مسلم) البحار ج1: 55.

٢٢

وتتحوّل العدالة التي تَمنح الحريّة الإسلاميّة إلى ملوكيّة موروثة مستبدّة، كملوكيّة كِسرى وقيصر، وتتعرّض التعاليم الإسلاميّة المنزّهة إلى تحريف، كتعاليم الأديان السماويّة الأخرى، ولا تكون بمأمن من العلماء الذين قد ركبوا أهواءهم، فالشخصُ الوحيد الذي قد نهجَ نهج الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أعماله وأفعاله، وكان سديداً في سيرته، مُتّبعاً لكتاب الله تعالى وسنّة نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إتّباعاً كاملاً، هو الإمام علي (1) (عليه السلام).

وإذا كانت الأكثريّة تدّعي أنّ قريشاً تُعارض حكومة علي (عليه السلام) الحقّة وخلافته، كان لزاماً عليهم أن يوجّهوا المُخالفين التوجيه الحسن، وأن يُرشدوهم إلى طريق الحقّ والصواب، كما صَنعوا مع مُمتنعي الزكاة، فحاربوهم، ولم يتوانوا عن أخذ الزكاة منهم، لا أن يُدحضوا الحقّ خوفاً من مخالفة قريش.

نعم، إنّ الدافع الذي دفعَ الشيعة للمعارضة أمامَ الخلافة الانتخابيّة هو: الخوف من عواقبه الوخيمة، ألا وهو فساد وسقم الطريقة التي ستتّخذها الحكومة الإسلاميّة، وما يلازمها من انهدام الأُسس العالية للدين، وقد أوضَحت الحوادث المتتالية صحّة هذه العقيدة بمرور الزمان والأيّام أكثر فأكثر، ممّا أدّى بالشيعة إلى أن تكون ثابتة في عقيدتها، مؤمنة بأهدافها، عِلماً بأنّها قد كانت أقلّيّة، إلاّ أنّ هذه الأقلّيّة قد ذابت في الأكثريّة ظاهراً، ولكنّها بَقيت تَستلهم التعاليم الإسلاميّة من أهل البيت باطناً، وكانت متفانية في نهجها وطريقها، وفي الوقت ذاته كانت تسعى في التقدّم والرُقيّ، والحفاظ على قدرة الإسلام وعظمته، فلم تُبدِ مخالفتها عَلَناً وجهاراً، وكانت الشيعة تذهب إلى الجهاد سيراً مع الأكثريّة، ولم يتدخّلوا في الأمور العامّة، والإمام علي (عليه السلام) كان يرشد الأكثريّة لمَا فيه نفع الإسلام (2) ومصلحة المسلمين.

____________________

(1) البداية والنهاية ج7: 360.

(2) تاريخ اليعقوبي: صفحة 111، و 126، و 129.

٢٣

4. الطريقةُ السياسيّة للخلافة الانتخابيّة، ومُخالفتها للفكر الشيعي

كان الشيعة يعتقدون أنّ شريعة الإسلام السماويّة - التي قد تعيّنت مضامينها في كتاب الله وسُنّة نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - ستبقى خالدة إلى يوم القيامة، دون أن يصيبها تغيير أو تحريف (1).

والحكومةُ الإسلاميّة لا يحقّ لها بأيّ عذرٍ أن تتهاون في إجراء الأحكام إجراءً كاملاً، فواجب الحكومة الإسلاميّة هو أن تتخذ الشورى في نطاق الشريعة ووفقاً للمصلحة آنذاك، ما يجب اتّخاذه من قرارات، ولكنّ ما حدثَ من واقعة البيعة السياسيّة، وكذا حادث الدواة والقرطاس - والذي حدثَ في أُخريات أيّام مرض النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - لدليلٌ واضح على أنّ المدافعين عن الخلافة الانتخابيّة كانوا يعتقدون أنّ كتاب الله وحده يجب أن يُحفظ ويُحتفظ به كقانون، أمّا السُنّة وأقوال النبي الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فليس لها ذلك الاعتبار، وهم على اعتقاد أنّ الحكومة الإسلاميّة تستطيع أن تضع السُنّة جانباً إذا اقتضت المصلحة ذلك.

وهذه العقيدة تؤيّدها الكثير من الروايات التي نُقلت في خصوص الصحابة بعدئذٍ (الصحابةُ ذو اجتهاد، فإذا ما أصابوا في اجتهادهم، فإنّهم

____________________

1) قوله تعالى في كتابه العزيز: ( وَإنّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ ) ، سورة حم السجدة: الآية 42.

ويقول في سورة يوسف: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ) أي أنّ الشريعة هي شريعة الله والتي تصل إلى الناس عن طريق النبوّة، إذ يقول: ( وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) الأحزاب: الآية 40، وهو القائل أيضاً: ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) سورة المائدة: الآية 44.

٢٤

مأجورون، وإذا ما أخطأوا فهم معذورون)، وخيرُ دليل على ذلك: ما حدثَ لخالد بن الوليد، وهو أحد القوّاد للخليفة، إذ دخلَ ضيفاً على أحد مشاهير المسلمين (مالِك بن نويرة) ليلاً، وتربّص له فقتلهُ، ووضعَ رأسه في التنور وأحرقهُ، وفي الليلة ذاتها واقَعَ زوجة مالِك، وبعد هذه الجناية التي تَعرق لها الجباه، لم يُجرِ الخليفة الحدّ عليه، متذرِّعاً بعذرٍ ألا وهو: أنّ حكومته بحاجة إليه (1) .

وكذا الامتناع من إعطاء الخُمس لأهل البيت وأقرباء النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (2) ، ومَنعُ كتابة أحاديث النبي الكريم منعاً باتاً، وإذا ما عُثرَ على حديث مكتوب عند شخص كان يُحرق (3) ، وكانت هذه السُنّة قائمة طوال خلافة الخلفاء الراشدين، وحتّى زمن خلافة عمر بن عبد العزيز (4) الخليفة الأموي (99 - 102).

وقد تجلّت هذه السياسة في خلافة الخليفة الثاني (13 - 25) للهجرة، إذ ألغى بعض أحكام الشريعة مثل: حجّ التمتع، ونكاح المُتعة، وذِكر (حيّ على خير العمل) (5) في الأذان، وجَعلَ الطلاق الثلاث نافذ الحُكم،

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي ج2: 110، تاريخ أبي الفداء ج1: 158.

(2) الدرّ المنثور ج3: 186، تاريخ اليعقوبي ج3: 48، وفضلاً عن هذا كلّه، فإنّ وجوب الخُمس صريح في القرآن الكريم: ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) سورة الأنفال: الآية 41.

(3) جَمعَ أبو بكر في زمن خلافته خمسمائة حديث، تقول عائشة: وجدتُ أبي مضطرباً ذات ليلة حتّى الصباح، فقال لي في الصباح: آتيني الأحاديث، فأحرَقَها جميعاً.

كنز العمّال ج5: 237، كُتب عمر إلى البلدان.

كنز العمّال ج5: 237، يقول محمّد بن أبي بكر: إنّ الأحاديث كثُرت على عهد عمر بن الخطّاب، فأنشدَ الناس أن يأتوه بها، فلمّا أتوهُ بها أمرَ بحرقها، طبقات ابن سعد ج5: 140.

(4) تاريخ أبي الفداء ج1: 151 وغيره.

(5) شرّعَ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حجّة الوداع، فَعملَ الحجّ للحجّاج القادمين من مكانٍ بعيد وفقاً للآية: ( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ ) بشكل خاص، فمنعَ ذلك عمر في زمن خلافته، وكذلك المتعة كانت قائمة في زمن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَمنعها عمر في أيّام خلافته، وأمرَ بإقامة الحدّ على المخالفين.

وأمّا ذِكر (حيّ على خير العمل): فكان يُذكر في عهد الرسول العظيم في أذان الصلاة، ولكنّ عمر في خلافته قال: إنّ هذه العبارة تُقعد الناس عن الجهاد، فأبدَلها بأخرى، وكذا موضوع الطلاق فما كان على عهد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّ الطلاق إذا تعدّد في مجلس واحد، فليس له اعتبار، ويُعد طلاقاً واحداً، ولكنّ عمر أجازَ الطلاق الثلاث في مجلس واحد، فالمسائل هذه ونظائرها قد وردت في كتب الحديث، والفقه، والكلام، لدى الفريقين السُنّة والشيعة.

٢٥

وغيرها (1) .

وفي زمن خلافته، كان بيت المال يوزّع بين الناس مع تباين (2) ، والذي أدّى إلى ظهور طبقات مختلفة بين المسلمين، تثير الدهشة والقلق، وكان من نتائجها وقوع حوادث دامية مُفزعة، وفي زمنه كان معاوية في الشام يتمتّع بسلطانٍ لا يختلف عن سلطنة كِسرى وقيصر، وقد أسماهُ الخليفة بكِسرى العرب، ولم يتعرّض له بقول، ولم يُردعه عن أعماله.

وبعد أن قُتل الخليفة الثاني على يد غلامٍ فارسي - ووفقاً لأكثريّة آراء الشورى البالغ عددهم ستّة أعضاء، والذي تمّ تشكيلهُ بأمرٍ من الخليفة - عُيّن الخليفة الثالث، فعيّن أقرباءه الأمويين ولاة وأُمراء، فجعلَ منهم الولاة في كلّ من: الحجاز، والعراق، ومصر، وسائر البلدان الإسلاميّة، فكانوا جائرين في حُكمهم، عُرِفوا بشقاوتهم وظلمهم وفسقهم وفجورهم، نقضوا القوانين الإسلاميّة الجارية، فالشكاوى كانت تنهال على دار الخلافة، ولكنّ الخليفة الثالث كان متأثّراً لمَا تربطهم به من صلة القربى، وخاصّة مروان بن الحَكم (3) ولم يهتمّ بشكاوى الناس، وكان أحياناً يُعاقب الشُكاة (4) ، فثارَ الناس عليه سنة 35 للهجرة، وبعد محاصرة منزله وصراع شديد، قتلوه.

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي ج2: 131، تاريخ أبي الفداء ج1: 160.

(2) أُسد الغابة ج4: 386، الإصابة: المجلّد الثالث.

(3) تاريخ اليعقوبي ج2: 150، تاريخ الطبري ج3: 397، تاريخ أبي الفداء ج1: 168.

(4) ثارَ جماعة من أهل مصر على عثمان، فأحسّ بالخطر فندمَ، وطلبَ من عليّ بن أبي طالب العون والمساعدة، فقال علي لأهل مصر: (إنّ مُعارضتكم هذه لم تكن إلاّ لإحياء الحق)، وقد ندمَ عثمان وتابَ وهو القائل: إنّني تائب ممّا مضى، وسأُنجز لهم ما طلبوه خلال مدّة أقصاها ثلاثة أيّام، من عزل الولاة الجائرين، فكتب الإمام علي (عليه السلام) معاهدة من جانب عثمان، فعادَ الجمع إلى بلادهم.                                   

٢٦

كان الخليفة يؤيّد واليهُ على الشام تأييداً مطلقاً، وهو أحد أقاربه الأمويين (معاوية)، وكان يدعم موقفه بتأييده المستمرّ له، وفي الحقيقة كان ثقلُ الخلافة في الشام، ولم يكن مركز الخلافة (المدينة) إلاّ شكلاً ظاهراً (1) .

فخلافةُ الخليفة الأوّل قد استقرّت بانتخاب أكثريّة الصحابة، والخليفة الثاني عُيّن من قِبَل الخليفة الأوّل، والخليفة الثالث انتُخب من الأعضاء الستّة للشورى الذين عيّنهم الخليفة الثاني.

فكانت سياسة هؤلاء الثلاثة في الأمور وشؤون الناس، أن ينفِّذوا القوانين الإسلاميّة في المجتمع وفقاً للاجتهاد والمصلحة آنذاك، ووفقاً لمَا يرتأيه مقام الخلافة، فالقرآن يُقرأ دون تفسير أو تدبّر، وأقوال الرسول العظيم (الحديث) تُروى دون أن تُكتب على قرطاس، ولا تتجاوز حدّ الأُذن واللسان، فكانت الكتابة مختصّة بالقرآن الكريم، والحديث لا يُكتب على الإطلاق (2) .

____________________

وفي أثناء الطريق شاهدوا غلام عثمان، وهو راكب جَمل عثمان متّجهاً إلى مصر فأساءوا الظنّ به، ففتّشوه، فوجدوا لديه رسالة من عثمان لواليه على مصر، وقد حُرِّرت فيها ما مضمونه: عند وصول عبد الرحمان بن عديس إليك - وهو أحد المُعارضين لعثمان - اجلِدهُ مئة جلدة، واحلُق شعر رأسه ولحيته، واحكُم عليه بالسجن لمدّة مديدة، واعمل مثل هذا مع كلّ من: عمرو بن حمق، وسودان بن حمران، وعروة بن نباع.

أُخذت الرسالة من الغلام، وعادوا إلى عثمان ساخطين، فقالوا له: أنت أبطنتَ لنا الخيانة، فعُرِضت عليه الرسالة، فأنكرَها عثمان، قالوا له: إنّ غلامك كان يحملها، أجابَ: قد قامَ بهذا العمل دون إذن مني، قالوا له: كان راكباً جَملك، قال عثمان: قد سرقَ جملي، قالوا له: الرسالة بخط كاتبك، أجاب: كُتِبت دون عِلمي، قالوا: فعلى أيّة حال، الخلافة لا تُليق بك، ويجب أن تستقيل من مقامك؛ لأنّ الأمر هذا لو كان على علمٍ منك، فإنّك خائن، وإن لم يكن على علمٍ منك، فلستَ جديراً بالخلافة، وبهذا يثبت عدم صلاحيّتك لهذه المهمّة، فإمّا أن تتخلّى عن الخلافة وتستقيل، وإمّا أن تَعزل الولاة الظالمين، فأجاب عثمان: لو أردتم أن أكون كما تريدون، إذاً فمَن الخليفة وصاحب الأمر؟! أنا أم أنتم؟! فَنهضوا من مجلسه ساخطين عليه.

جاءت هذه الواقعة في كتاب تاريخ الطبري: المجلّد الثالث في صفحة 402، وحتّى 409، ووردت ملخّصة هنا من قِبَل المؤلّف (كلمة المُترجم).

(1) تاريخ الطبري ج3: 377.

(2) صحيح البخاري ج6: 98، تاريخ اليعقوبي ج2: 113.

٢٧

وبعد معركة اليمامة - والتي انتهت في سنة 12 للهجرة، بمقتل جَمعٍ من الصحابة كانوا من حَفَظة القرآن - يقترح عمر بن الخطّاب على الخليفة الأوّل أن يُجمع القرآن في مصحف، ويُبيّن الهدف والغرض في اقتراحه بقوله: إذا ما حَدثت معركة أخرى، واشتركَ فيها بقيّة حَمَلة القرآن وحَفَظته، فسوف يذهب القرآن من بين أظهُرنا، إذاً يسلتزم جَمعُ آيات القرآن في مصحف، تُكتب آياته (1) ، فنفّذوا هذا الاقتراح بالنسبة للقرآن الكريم.

ومع أنّ الأحاديث النبويّة هي التالية للقرآن، وكانت تواجه نفس الخطر، ولم تكن بمأمنٍ من خطر نَقل الحديث معنى، دون الالتفات إلى النص، وكذا الزيادة والنقصان، والتحريف والنسيان، وما إلى ذلك من الأخطار التي كان يواجهه الحديث، فلم توجّه عناية أو رعاية لحفظه وصيانته، بل كان كتابة الحديث ممنوعة، وإذا ما حَصلوا على شيء منه فكان يُلقى في النار.

ولم تمضِ فترة من الزمن حتّى ظهرَ التضادّ في المسائل الإسلاميّة الضروريّة كالصلاة، ولم يَطرأ تقدّم في بقيّة الفروع العلميّة في هذه الفترة، في حين نرى القرآن الكريم يُشجِّع المشتغلين بالعلم، وأحاديث النبي الكريم تؤيّد ذلك، فلم يُرَ لتلك الآيات والأحاديث مصداقاً في الخارج، وانصرفَ أكثر الناس بالفتوحات المتعاقِبة، وأُعجبوا بالغنائم المتزايدة، والتي كانت تتدفّق إلى الجزيرة العربيّة من كلّ صوب وحَدب، ولم يكن هناك اهتمام بعلوم سُلالة الرسالة ومعدن الوحي، وفي مقدّمتهم عليّ (عليه السلام)، والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد صرّح مُعلناً أنّ عليّاً أعرف الناس بالعلوم الإسلاميّة، والمفاهيم القرآنيّة، ولم يسمحوا له بالمشاركة في جَمع القرآن (وهم على علمٍ من أنّ عليّاً بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي ج2: 111، الطبري ج3: 129 - 132.

٢٨

كان جليس داره يَجمع القرآن)، ولم يُذكر اسمهُ في أنديتهم واجتماعاتهم (1) .

فإنّ هذه الأمور ونظائرها، أدّت بشيعة علي إلى أن يقفوا موقفاً أكثر وعياً وأرسخ عقيدة، وأشدّ نشاطاً، ولمّا كان علي (عليه السلام) بعيداً عن ذلك المقام - الذي يجعلهُ مُشرفاً على التربية العامّة للناس - انصرفَ إلى تربية الخاصّة من شيعته وأنصاره.

5. انتهاءُ الخلافة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وسيرته

بدأت خلافة علي (عليه السلام) في أواخر سنة خمس وثلاثين للهجرة، واستمرّت حوالي أربع سنوات وتسعة أشهر، وكان في سيرته مُماثلاً لسيرة النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (2) ، وأعاد مُعظم المسائل التي وجِدت في زمن الخلفاء السابقين إلى حالتها الأولى، وعَزلَ الولاة غير الكفوئين (3) ، وفي الحقيقة أحدثَ انتفاضة ثوريّة كانت تنطوي على مشاكل متعدّدة.

والإمام علي (عليه السلام) في الأيّام الأولى من خلافته وقفَ مخاطباً الناس قائلاً:

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي ج2: 113، ابن أبي الحديد ج1: 9.

وقد ورد في روايات كثيرة أنّه أرسلَ على علي (عليه السلام) بعد انعقاد البيعة لأبي بكر، وطلبَ منه البيعة، فأجابهُ بـ: (إنّني عاهدتُ نفسي ألاّ أخرُج من داري سوى وقت الصلاة، حتّى أُكمل جَمع القرآن)، ويُروى أيضاً: أنّ عليّاً بايعَ أبا بكر بعد ستّة أشهر، وهذا دليل على جَمعه للقرآن، ويُروى أيضاً: أنّ عليّاً بعد انتهائه من جَمع القرآن، حَملَ القرآن على ناقة وجاء به إلى الناس، ويروى أيضاً: أنّ معركة اليمامة كانت في السنة الثانية من خلافة أبي بكر، وبعد انتهاء المعركة جَمع القرآن، كلّ هذه تشير إليها كُتب التاريخ والحديث التي تعرّضت لموضوع جَمع القرآن.

(2) تاريخ اليعقوبي ج2: 154.

(3) تاريخ اليعقوبي ج2: 155، مُروج الذهب ج2: 364.

٢٩

(ألا وإنّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعثَ الله نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والذي بعثهُ بالحقّ لتُبلبِلنّ بَلبلة، ولتُغربلنّ غَربلة، ولتُساطنّ سوط القدر، حتّى يعود أسفلكم أعلاكم، وليسبقنّ سابقون كانوا قصّروا، وليَقصّرنّ سبّاقون كانوا سبقوا (1) ).

استمرّ الإمام علي (عليه السلام) في حكومته الثوريّة، فُرفعت أعلام المعارضة من قِبَل المخالفين، كما هي طبيعة الحال لكلّ ثورة، إذ لابدّ من مُناوئين، يرونَ مصالحهم في خطر، فأحدَثوا حرباً داخليّة دامية، بحجّة الأخذ بثأر دم عثمان، والتي استمرّت طوال خلافة الإمام علي (عليه السلام) تقريباً.

ويعتقد الشيعة أنّ المسبّبين لهذه الحروب لم يريدوا سوى منافعهم الخاصّة، ولم يكن الثأر بدم عثمان إلاّ ذريعة يتمسّكون بها؛ ليُحرِّضوا عوام الناس للمعارضة والنهوض أمامَ إمام الأمّة وخليفتها، إذ إنّ هذه المعارضة لم تَحدث عن سوء تفاهم (2) .

وما الأسبابُ والدوافع التي خَلقت معركة الجَمل إلاّ غائلة الاختلاف الطبقي، والتي وُجدت في زمن الخليفة الثاني إثرَ توزيع الأموال من بيت المال بطُرق متباينة،

____________________

(1) نهج البلاغة: خطبة رقم (15).

(2) بعد وفاة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) امتنعَ جمعٌ قليل من شيعة علي من البيعة، وكان في مقدّمتهم من الصحابة: سلمان، وأبو ذر، والمقداد، وعمّار، وفي أوائل خلافة علي (عليه السلام) امتنعَ من البيعة جماعة، مثل: سعيد بن العاص، والوليد بن عقبة، ومروان بن الحَكم، وعمرو بن العاص، وبُسر بن أرطاة، وسَمَرة بن جُندب، والمغيرة بن شعبة، وغيرهم.

وعند دراسة حياة هذين الفريقين، والتأمّل في أعمالهم طوال حياتهم، وما احتفظ به التاريخ من قصص، يتّضح جليّاً كُنه شخصيّتهم وأهدافهم، فالفريق الأوّل كان من أصحاب النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المقرّبين، واشتهروا بزُهدهم وعبادتهم وتضحيتهم للإسلام، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّ الله أمَرَني بحبّ أربعة وأخبرني أنّهُ يُحبّهم، قيل يا رسول الله، مَن هم؟ قال: منهم علي، وأبو ذر، وسلمان، والمقداد).

سُنن ابن ماجة ج1: 53.

عن عائشة قالت: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ما عُرِض على عمّار أمران إلاّ اختارَ الأرشد منهما) سُنن ابن ماجة ج1: 52.

٣٠

وبعد خلافة علي (عليه السلام) كانت الأموال توزّع بين الناس بالسويّة (1) .

كما كان يفعله النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حياته، والطريقة هذه أثارت غضب الزبير وطلحة فَمَردا على النفاق، فخرجا من المدينة إلى مكّة بحُجّة الحج، فاتّفقا مع أم المؤمنين (عائشة) - والتي كانت في مكّة، ولم يكن بينها وبين علي صفاء ومودّة - أن يطالبوا بدم عثمان، فأضرموا نار الحرب (2) .

عِلماً بأنّ طلحة والزبير كانا في المدينة عندما حوصِرت دار الخليفة الثالث، فلم يدافعا عنه، ولم ينصراه (3)، وبعد مقتله كانا من الأوائل الذين بايعوا عليّاً أصالة عن أنفسهم ونيابة عن المهاجرين (4) .

وأمّا أُمّ المؤمنين (عائشة) فقد كانت ممّن حرّضوا الناس لقتل الخليفة الثالث (5) ، وعندما سَمعت نبأ مقتله لأوّل مرّة قالت: بُعداً وسُحقاً، وفي الحقيقة أنّ المسبّبين الأصليين لمقتل الخليفة كانوا من الصحابة، وذلك بإرسال الرسائل إلى البلدان لغرض إثارة الناس على الخليفة.

وأمّا السبب الذي أحدَثَ حرب صفّين - والتي استمرّت سنة ونصف السنة - فهو طمع معاوية في الخلافة، فأجّج نارها متذرِّعاً بدم عثمان، فأُريقت الدماء، وقُتل ما يُقارب من مائة ألف، وكان موقف معاوية من هذه الحرب موقف المُهاجم، وليس موقف المُدافع؛ لأنّ الثأر يكون دفاعاً.

وكان شعار هذه الحرب: المطالبة بدم عثمان، عِلماً بأنّ الخليفة الثالث قد طلبَ المساعدة والعون من معاوية لردّ الهجوم، وتحرّك جيش معاوية من الشام متّجهاً إلى المدينة، ولكنّه تَباطأ في سَيره حتّى قُتل عثمان، وعندئذٍ

____________________

(1) مُروج الذهب ج2: 362، نهج البلاغة: خطبة رقم 122، اليعقوبي 2: 160، ابن أبي الحديد ج1: 180.

(2) اليعقوبي: ج2، أبي الفداء ج1: 172، مرُوج الذهب ج2: 366.

(3) اليعقوبي ج2: 152.

(4) تاريخ اليعقوبي ج2: 154، تاريخ أبي الفداء ج1: 171.

(5) تاريخ اليعقوبي ج2: 152.

٣١

رجعَ إلى الشام يُطالب بدم عثمان (1) .

وبعد أن استشهدَ الإمام علي (عليه السلام)، تناسى معاوية قَتَلة الخليفة ولم يُعاقبهم.

وبعد حرب (صفّين) اندلعت نار حرب (النهروان) فثارَ جمعٌ من الناس - وفيهم بعض الصحابة - بإيعاز من معاوية ممّن كان في حرب صفّين، فثاروا على علي (عليه السلام)، فرحلوا إلى البلدان الإسلاميّة، فقتلوا كلّ مَن كان يُدافع عن علي (عليه السلام) ففتكوا بالنساء الحوامل، ومثّلوا بهنّ وبأجنّتهنّ (2) .

والإمام علي (عليه السلام) قد أخمدَ هذه الغائلة، ولكن بعد فترة استشهد في مسجد الكوفة أثناء الصلاة على يد الخوارج.

6. ما حَصَلت عليه الشيعة طوال خلافة الإمام علي (عليه السلام) في خمس سنوات

الإمامُ عليّ (عليه السلام) طوال خلافته الأربع سنوات وتسعة أشهر، وإن لم يوفّق من إعادة الأوضاع المضطربة إلى حالتها الطبيعيّة، إلاّ أنّه قد وفِّق من ثلاث جهات أساسيّة:

1) استطاع أن يُظهر شخصيّة النبي الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المضيئة بسيرته العادلة للناس، وخاصّة الشباب، فقد كان يواسي أفقر الناس في عيشه، أمامَ تلك العظمة التي كان يتّصف بها معاوية، إذ كان لا يقل عن كِسرى وقيصر،

____________________

(1) … فكتب إلى معاوية يسأل تعجيل القدوم عليه، فتوجّه إليه في اثني عشر ألفاً، ثُمّ قال: كونوا بمكانكم في أوائل الشام، حتّى آتي أمير المؤمنين لأعرف صحّة أمره، فأتى عثمان فسألهُ عن المدّة؟ فقال: قد قدمتُ لأعرف رأيك وأعود إليهم فأجيئك بهم، قال: لا والله، ولكنّك أردتَ أن أُقتَل فتقول: أنا وليّ الثأر، ارجع فجئني بالناس، فرجعَ فلم يعُد إليه حتّى قُتل. تاريخ اليعقوبي ج2: 152، مُروج الذهب ج3: 25، الطبري: ص 402.

(2) مُروج الذهب ج2: 415.

٣٢

فالإمام علي لم يُقدِّم أحداً من أصدقائه وأقربائه وعشيرته على الآخرين، ولم يُرجِّح الغني على الفقير، ولا القويّ على الضعيف.

2) مع كثرة المشاكل المُنهِكة للقوى، فقد استطاع أن يضع في متناول أيدي المسلمين الذخائر القيّمة من المعارف الإلهيّة والعلوم الإسلاميّة الحقّة.

وأمّا ما يقوله المخالفون لعلي (عليه السلام): إنّه كان رجلاً شجاعاً، ليس له علم بالسياسة، إذ كان يستطيع في بداية خلافته أن يُرضي مخالفيه مؤقّتاً عن طريق المُداهنة، وبعد أن يستتبّ له الأمر كان باستطاعته أن يحاربهم ويقضي عليهم.

ولكنّ هؤلاء قد غفلوا عن ملاحظة هامّة وهي: أنّ خلافة علي كانت نهضة ثوريّة، وجدير بالنهضات الثوريّة، أن تكون بعيدة كلّ البُعد عن المُداهنة والرياء، وقد حدثَ مثيله في زمن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أوائل بعثته، فطلبَ الكفّار والمشركون منه الصلح عدّة مرّات وطلبوا منه ألاّ يتعرّض لآلهتهم، وهم مُلزمون بعدم التعرّض لدعوته أيضاً، ولكنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) رفضَ هذا الاقتراح، في حين أنّه كان يستطيع أن يقيم معهم الصلح، ويُحكِم موقفهُ، ثُمّ ينهض بوجه أعدائه، وفي الحقيقة أنّ الدعوة الإسلاميّة لن تسمح بإضاعة حقٍ لإقامة حق آخر، أو أن تُزيل باطلاً بباطل آخر، وفي القرآن آيات كثيرة في هذا الخصوص (1) .

عِلماً بأنّ أعداء علي (عليه السلام) ومخالفيه، لم يرتدعوا عن القيام بأيّ جُرم وجناية، ونقضٍ للقوانين الإسلاميّة الصريحة (دون استثناء) بُغية الوصول إلى أهدافهم، فكانوا يبرِّرون مواقفهم وأعمالهم بأنّهم من صحابة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومن مُجتهدي الأمّة، ولكنّ الإمام علي (عليه السلام) كان ملتزماً بالأحكام الإسلاميّة.

ويُروى عن عليّ (عليه السلام) ما يُقارب من إحدى عشر ألف كلمة قصيرة في

____________________

(1) شأن نزول الآية: ( وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ ) سورة ص: الآية 5، والآية: ( وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ) سورة الإسراء: الآية 73، والآية: ( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) سورة القلم: الآية 9، ويراجَع المباحث الروائيّة في التفاسير.

٣٣

المسائل العقليّة والاجتماعيّة والدينيّة (1) ، وخُطبه وكلماته البليغة (2) مَليئة بالمعارف الإسلاميّة (3) ، وهو الذي أسّس قواعد اللغة العربيّة، ووضعَ الأُسس والمقوّمات للأدب العربي، وهو أوّل مَن تبّحرَ في الفلسفة الإلهيّة (4) ، وتكلّم وفقاً لطريقة الاستدلال الحُر والبرهان المنطقي، وتعرّض لمسائل فلسفيّة لم يتعرّض لها فلاسفة العالَم حتّى ذلك الوقت، فاهتمّ بهذا الشأن اهتماماً بالغاً، وحتّى في أحرج ساعات الحرب (5) .

3) هذّب وربّى العديد من رجال الدين وعلماء الإسلام (6)، وكان من بينهم جمعٌ من الزُهّاد وأهل المعرفة مثل: أويس القَرَني، وكُميل بن زياد، وميثم التمّار، ورشيد الهَجَري، ويُعتبر هؤلاء من المنابع الأصيلة للعرفان من بين العرفاء الإسلاميّين، ويُعتبر البعض الآخر منهم المصادر الرئيسيّة والأوّليّة لعلم الفقه، والكلام، والتفسير، وقراءه القرآن وغيرها.

____________________

(1) كتاب الغُرر والدُرر للآمدي، وكُتب الحديث.

(2) مٍُروج الذهب ج2: 431، ابن أبي الحديد ج1: 181.

(3) الأشباه والنظائر للسيوطي في النحو: ج2، ابن أبي الحديد ج1: 6.

(4) يُراجع نهج البلاغة.

(5) يُروى أنّ إعرابيّاً قامَ يوم الجَمل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، أتقول إنّ الله واحد، فَحَمل الناس عليه وقالوا: يا إعرابي، أمَا ترى ما في أمير المؤمنين من تقسّم القلب، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (دعوه، فإنّ الذي يريده الإعرابي هو الذي نريده من القوم، ثُمّ قال: يا إعرابي، إنّ القول في أنّ الله واحد على أربعة أقسام: فوجهان منها لا يجوزان على الله عزّ وجل، ووجهان يَثبتان فيه، فأمّا اللذان لا يجوزان عليه:

فقول القائل واحد يقصد به باب الأعداد، فهذا لا يجوز؛ لأنّ ما لا ثانيَ له لا يدخل في باب الأعداد، أمّا ترى أنّه كفرَ مَن قال إنّه ثالث ثلاثة، وقول القائل هو واحد من الناس يريد به النوع والجنس، فهذا ما لا يجوز؛ لأنّه تشبيه وجلّ ربّنا وتعالى عن ذلك.

وأمّا الوجهان اللذان يَثبتان فيه: فقول القائل هو واحد ليس له في الأشياء شَبه كذلك ربّنا، وقول القائل إنّه عزّ وجل أحَدي المعنى يعني به أنّه لا ينقسم في وجود، ولا عقل، ولا وَهم كذلك ربّنا عزّ وجل).

بحار الأنوار 2: 65 (كمباني).

(6) ابن أبي الحديد ج1: 6 - 9.

٣٤

7. انتقالُ الخلافة إلى معاوية وتحوّلها إلى ملوكيّة موروثة

بعد استشهاد أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، تصدّى لمنصب الإمامة الحسن بن علي (عليه السلام)؛ وذلك وفقاً لوصيّة الإمام علي (عليه السلام) ومبايعة الناس له، ويُعتبر الإمام الثاني للشيعة الاثنى عشريّة، ولكنّ معاوية لم يستقرّ ويهدأ لهذا الأمر، فجّهز جيشهُ واتّجه به إلى العراق مقرّ الخلافة، مُعلناً الحرب مع الحسن بن علي (عليه السلام).

أفسَدَ معاوية رأي أصحاب الحسن (عليه السلام) بمختلف الطُرق والدسائس، ومَنحَ الأموال الطائلة لهم، وأجبرَ الإمام الحسن (عليه السلام) على الصُلح معه، وأن تصير الخلافة إليه، على شرط أن تكون للحسن (عليه السلام) بعد وفاة معاوية، وألاّ يتعرّض إلى شيعته، فصارت الخلافة لمعاوية وفقاً لشروط (1) .

استولى معاوية على الخلافة سنة 40 للهجرة، فاتّجه إلى العراق، فخطبَ فيهم قائلاً: (يا أهل الكوفة، أترونَني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج! وقد علمتُ أنّكم تُصلّون وتُزكّون وتحجّون، ولكنّي قاتلتُكم لأتأمّرُ عليكم وقد آتاني الله ذلك، وأنتم كارهون) (2) .

وقال أيضاً: (ألا إنّ كلّ دمٍ أُصيبَ في هذه مطلول، وكلّ شرطٍ شَرَطتهُ فتحتُ قدمّي هاتين) (3) .

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي ج2: 190 وسائر كُتب التاريخ.

(2) ابن أبي الحديد ج4: 160، الطبري ج4: 124، ابن الأثير ج3: 203.

(3) المصادر السابقة.

٣٥

ومعاوية بكلماته هذه يشير إلى أنّه يريد أن يفصل السياسة عن الدين، فهو لا يريد إلزام أحد بأحكام الدين، وإنّما كان اهتمامه بالحكومة فحسب واستحكام مقوّماتها، وبديهي أنّ مثل هذه الحكومة ملوكيّة وليست خلافة واستخلافاً لمنصب الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقد حضرَ البعض مجلسه فسلّموا عليه بسلام الملوك (1) ، وكان يُعبِّر في بعض مجالسه الخاصّة عن حكومته بالملوكيّة (2) ، عِلماً بأنّه كان يُعرِّف نفسه خليفة في خُطبه، والملوكيّة التي تُقام على القوّة تتبعها الوراثة، وفي النتيجة كان الأمر كما أراد ونوى، فاستخلفَ ابنه يزيد، وجعلهُ خليفة له من بعده، وكان شابّاً لا يتّصف بشخصيّة دينيّة، إذ قام بأعمال وجرائم يندى لها الجبين (3) .

فمعاوية مع بيانه السالف، كان يعني أنّه لم يَرغب في أن يصل الحسن (عليه السلام) إلى الخلافة بعده، أي أنّه كان يفكر في موضوع الخلافة بشيء آخر، وهو دسّ السُم إلى الحسن (عليه السلام) (4) ، فهو بهذا الأمر قد مهّد السبيل إلى ابنه يزيد، ومع إلغائه معاهدة الصلح كان يهدف إلى اضطهاد الشيعة، ولن يسمح لهم بالحياة المطمئنة، أو أن يستمرّوا كما في السابق في نشاطهم الديني، ووفِّقَ في هذا المضمار أيضاً (5) .

وصرّح معاوية في خصوص مناقب أهل البيت، بأنّ كلّ ناقلٍ لحديث في هذا الشأن، لم يكن بمأمنٍ في حياته، وماله، وعرضه (6) ، وأمرَ أن تُعطى الهدايا

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي ج2: 193.

(2) تاريخ اليعقوبي ج2: 201.

(3) كان يزيد صاحب طرَب، وجوارٍ، وكِلاب، وقرود، ومنادمة على الشراب، وكان له قرد يكنّى بأبي قيس يُحضره مجلس منادمته ويطرَح له متّكأ، فجاء في بعض الأيّام مسابقاً فتناول القصبة ودخلَ الحجرة قبل الخيل، وعلى أبي قيس قباء من الحرير الأحمر … مُروج الذهب ج3: 67.

(4) مُروج الذهب ج3: 5، أبي الفداء ج1: 183.

(5) النصائح الكافية: ص 72 نقلاً عن كتاب الأحداث.

(6) روى أبو الحسن المدائني في كتاب الأحداث قال: كتبَ معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة جاء فيها: إنّه برئتُ الذمّة ممّن روى شيئاً في فضل أبي تراب وأهل بيته، كتاب النصائح الكافية، تأليف محمّد بن عقيل، طبع النجف سنة 1386 هجري، ص 77، وأيضاً النصائح الكافية: ص 194.

٣٦

والجوائز لكل مَن يأتي بحديثٍ في مناقب سائر الصحابة والخلفاء، وكانت النتيجة أن توضَع أخبار كثيرة في مناقب الصحابة (1) ، وأمرَ أن يُسبّ الإمام علي (عليه السلام) في جميع الأقطار الإسلاميّة من على المنابر (وهذا الأمر كان سارياً حتّى زمن عُمر بن عبد العزيز، الخليفة الأموي سنة 99 - 110 هجري).

فَقتلَ جماعة من خاصّة شيعة علي (عليه السلام) بمساعدة عمّاله، وكان بعضهم من الصحابة، ورُفعت رؤوسهم على الرِماح، تُنقل من بلدٍ لآخر، وكلّف عامّة الشيعة بسبّ علي (عليه السلام) والتبرّي منه، فكان القتلُ حليف مَن خالفَ وأَبى (2) .

8. الأيّامُ العصيبة التي مرّت بالشيعة

من أَشدّ الأيّام التي مرّت بها الشيعة قساوة، هو زمن حكومة معاوية بن أبي سفيان، والتي استمرّت زَهاء عشرين عاماً، ولم تكن الشيعة بمأمن، وكان أغلب رجال الشيعة يُشار إليهم بالبنان، ولم تكن لدى الحسن والحسين (عليهما السلام) - اللذَين عاصرا معاوية - أدنى وسائل تُمكّنهم من القيام، والقضاء على الأوضاع المؤلمة.

والإمام الحسين (عليه السلام) عندما نهض في الأشهر الأولى من حكومة يزيد، استُشهدَ ومَن كان معه من أولاد وأصحاب، عِلماً بأنّه لم يَجرأ على القيام طوال السنوات العشر التي عاشها في زمن معاوية.

____________________

(1) النصائح الكافية: ص 72 - 73.

(2) النصائح الكافية: صفحة 58، 64، 77، 78.

٣٧

فبعض إخواننا أهل السُنّة يذهبون إلى التوجيه والتأويل في سَفك الدماء هذه، وما شابهها من أعمال إجراميّة كان يقوم بها بعض الصحابة، وخاصّة معاوية، مبرّرين أعمالهم ومواقفهم هذه، بأنّهم من صحابة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ووفقاً للأحاديث المرويّة عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أنّ الصحابة مجتهدون معذورون، وأنّ الله جلّ وعَلا راضٍ عنهم، لكنّ الشيعة ترفض هذا بأدلّة:

أوّلاً: يستحيلُ على قائدٍ كالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، الذي نهضَ لإحياء الحقّ والحريّة والعدالة الاجتماعيّة - واتّبعه جَمع من الناس، فَضحّوا بما لديهم - في سبيل تحقّق هذا الهدف المنشود، وعند تحقّقه يترك العنان لهم، ويمنحهم الحريّة المطلقة أمام الأحكام المقدّسة، كي يقوموا بأيّ عمل شاؤوا، وهذا يعني أن ينهار البناء الشامخ بتلك الأيدي التي ساهمت في إقامته وتشييده.

ثانياً: إنّ الروايات التي تُقدِّس الصحابة وتُنزّههم - وتُصحِّح أعمالهم غير المشروعة وتوجّهها، وتَعتبرهم من الذين قد كفّرَ الله عنهم سيّئاتهم، وإنّهم مصونون وما إلى ذلك - قد وُضِعت من قِبَل هؤلاء الصحابة أنفسهم، والتاريخ يشهد أنّ الصحابة لم يكن أحدهم ليحترم الآخر، ولم يغضّ النظر عن أعماله القبيحة، وإنّما كان يُشهّر به ويُعرِّفه للملأ، فقد قام بعضهم بالقتل الجماعي واللعن والسب وفضح الآخرين، ولم تكن هناك أيّة مسامحة أو إغماض فيما بينهم.

ووفقاً لمَا ذكرنا، فإنّ الصحابة يشهدون أنّ هذه الروايات غير صحيحة، وإذا ما تحقّقت صحّتها، فإنّ المراد منها معنىً آخر، غير التنزيه والتقديس القانوني للصحابة.

ولو قُدِّر أنّ الله سبحانه وتعالى قد مَدحهم ورفع شأنهم في بعض آياته (1) ، فإنّ هذا يدلّ على ما قدّموه من خَدمات في سابق حياتهم، وتنفيذاً لأوامر الله تعالى، فطبيعي أن يتحقّق رضى الله تعالى، ولم يكن المراد من أنّهم يستطيعون أن يقوموا بكلّ ما تراودهم نفوسهم في المستقبل، وإن كان خلافاً لأحكام الله تعالى.

____________________

(1) سورة التوبة: الآية 100.

٣٨

9. استقرارُ ملوكيّة بني أميّة

توفي معاوية سنة 60 للهجرة، واستولى على عرش الخلافة ابنه يزيد وفقاً للبيعة التي أخذها أبوه من الناس، وأصبحَ زعيماً لحكومة إسلاميّة.

والتأريخ يشهد بأنّ يزيد لم يكن ليتّصف بأيّة شخصيّة إسلاميّة، فقد كان شابّاً لا يُبالي بأحكام الإسلام حتّى في زمن أبيه، كان فاسقاً فاجراً، لا يتناهى عن شرب الخمر، مُتّبعاً لأهوائه وشهواته، قامَ بأعمال إجراميّة طوال السنوات الثلاث التي حَكم فيها، لم يسبق لها مثيل منذ ظهور الإسلام، مع ما انطوت عليه من أحداث وفتن.

ففي السنة الأولى: قَتلَ الحسين بن علي (عليه السلام) سبط النبي المرسل (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومَن كان معه من أولاده وأقربائه وأصحابه، قتلة مُفجعة، وطافَ بالنساء والأطفال لأهل بيت العصمة والطهارة مع رؤوس الشهداء في البلدان (1) .

وفي السنة الثانية: أمرَ جيشهُ بالإبادة الجماعيّة للناس في مدينة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأباحَ دماءهم وأموالهم وأعراضهم لثلاثة أيّام (2) .

وفي السنة الثالثة: أمرَ بهدم الكعبة المقدّسة وأحرَقها (3) ، وبعد وفاة يزيد،

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي ج2: 216، أبي الفداء ج1: 190، مُروج الذهب ج3: 64، وكُتب التاريخ الأخرى.

(2) اليعقوبي ج2: 243، أبي الفداء ج1: 192، مُروج الذهب ج3: 78.

(3) اليعقوبي ج2: 224، أبي الفداء ج1: 192، مُروج الذهب ج3: 81.

٣٩

تسلّط على رقاب الناس آلُ مروان من بني أُميّة، هذا ما تتناقلهُ كُتب التأريخ، وكانت لحكومة هذه الزمرة والتي شملت أحد عشر شخصاً، واستمرّت مدّة سبعين عاماً، أيّام عصيبة على الإسلام والمسلمين، فلم تكن سوى إمبراطوريّة عربيّة مستبدّة في مجتمع إسلامي، وكانت تُدعى بالخلافة الإسلاميّة، حتّى آلَ الأمر بالخليفة آنذاك - خليفة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويُعتبر المُدافع الوحيد عن الدين - أن يقرِّر بناء غرفة على الكعبة، كي يتسنّى له الجلوس فيها للنُزهة وفي أيّام الحجّ خاصّة (1) .

والخليفة آنذاك قد رمى القرآن بالسهام، وقال في شِعرٍ له مُخاطباً القرآن: في اليوم الذي تَحضر فيه أمامَ الربّ، أنبِئهُ أنّ الخليفة مزّقكَ تمزيقاً (2).

من الطبيعي أنّ الشيعة كانوا يختلفون اختلافاً أساسيّاً مع أكثريّة أهل السُنّة حول مسألتين: الخلافة الإسلاميّة، والمرجعيّة الدينيّة، كانت تعاني أيّاماً قاسية في هذه المرحلة المظلمة، ولكنّ الظلم والجور من قِبَل حُكّام الوقت، والمظلوميّة والتقوى والورع الذي كان يتّصف به أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) كانت تجعلهم أكثر رسوخاً في عقائدهم، وخاصّة بعد استشهاد الحسين (عليه السلام) الإمام الثالث للشيعة، ممّا ساعد في انتشار الفكر الشيعي في المناطق البعيدة عن مركز الخلافة مثل: العراق، واليمن، وإيران.

وممّا يشهد على صحّة هذا الادّعاء: ما حدثَ في زمن الإمام الخامس للشيعة، والقرن الأوّل الهجري لم يكتمل بعد، ولم تمضِ على مقتل الحسين فترة لا تزيد على الأربعين سنة، ولاضطراب الأوضاع وظهور الاختلال في حكومة بني أُميّة، اتّجه الشيعة من جميع الأقطار الإسلاميّة إلى الإمام الخامس

____________________

(1) الوليد بن يزيد: اليعقوبي ج3: 73.

(2) الوليد بن يزيد: مُروج الذهب ج3: 228.

أتوعِدُ كــلّ جبّارٍ عنيـد  فهـا أنا ذاك جبّار عَنيد

إذا ما جئتَ ربّك يوم حشرٍ  فقُل يا ربِّ مزّقني الوليد

٤٠