الشيعة في الاسلام

الشيعة في الاسلام0%

الشيعة في الاسلام مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 206

الشيعة في الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 206
المشاهدات: 84019
تحميل: 5180

توضيحات:

الشيعة في الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84019 / تحميل: 5180
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في الاسلام

الشيعة في الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الكتاب والسُنّة (الفقه الاستدلالي)، وهذا ما لا يتيسر للجميع، فهناك مَن يستطيع أن يقوم بهذه المهمّة.

والإسلام لا يُشرِّع حُكماً فيه حرج، فعلى هذا فإنّ تحصيل العلم للأحكام والشرائع الدينيّة عن طريق الدليل، يُعتبر واجباً كفائيّاً، يختصّ بالبعض الذي له الكفاءة والقدرة، أمّا عامّة الناس، فيجب عليهم الرجوع وفقاً للقاعدة العامّة (وجوب رجوع الجاهل إلى العالِم، قاعدة الرجوع إلى أهل الخِبرة)، وهو مراجعة مَن يُسمّون بـ (المجتهدين الفقهاء)، ويُطلق على هذه المراجعة كلمة (التقليد)، ولكنّ هذا الرجوع والتقليد ليس في أصول الدين (1).

وممّا تجدرُ الإشارة إليه: أنّ الشيعة لا تُجيز التقليد الابتدائي من المجتهد الميّت، والشخص الذي لا يَعلم مسألة ما عن طريق الاجتهاد، فإنّه وفقاً لوظيفته الدينيّة يجب أن يُقلّد المجتهد، ولا يستطيع الرجوع إلى فتوى المجتهد المتوفّى، ما لم يكن قد قلّد في هذه المسألة مجتهداً حيّاً، وبعد وفاة المرجِع والمقلَّد بقيَ على تقليده، وهذه المسألة هي إحدى العوامل المهمّة التي تجعل الفقه الإسلامي الشيعي يمتاز بالحيويّة، فيسعى جماعة للحصول على درجة الاجتهاد، والتحقيق في المسائل الفقهيّة.

ولكنّ إخواننا أهل السُنّة إِثرَ الإجماع الذي حصلَ في القرن الخامس الهجري، الداعي بلزوم إتّباع مذهب من الفقهاء الأربعة وهم: (أبو حنيفة، والمالكي، والشافعي، وأحمد بن حنبل) فهم لا يُجيزون الاجتهاد الحرّ، وكذا التقليد من غير هؤلاء الأربعة، وفي النتيجة بقى فقههم كما كان عليه قَبل حوالي ألف ومائتي سنة، وأخيراً انعزلَ جماعة من المنفردين عن الإجماع المذكور، واتّجه نحو الاجتهاد الحرّ.

____________________

(1) يُراجع في هذا الموضوع: مبحثُ الاجتهاد والتقليد من علم الأصول.

٨١

13. الشيعةُ والعلوم النقليّة

العلومُ الإسلاميّة التي دوّنها علماء الإسلام تنقسم إلى قسمين: عقليّة، ونقليّة .

فالعلوم النقليّة: هي التي يُعتمد عليها في النقل، مثل: اللغة، والحديث، والتأريخ وما شابهها، والعلوم العقليّة مثل: الفلسفة، والرياضيات.

ولا شكّ أنّ الدافع الأصلي لظهور العلوم النقليّة في الإسلام هو: القرآن الكريم، عدا عِلمين مثل: علم التأريخ والأنساب، وعلم العروض، أمّا سائر العلوم فهي وليدة هذا الكتاب الإلهي.

دوّنَ المسلمون هذه العلوم بتتبّعهم الديني، وأهمّ ما فيها هو: الأدب العربي، وعلم النحو والصرف، وعلم البلاغة، وعلم اللغة، وما يتعلّق بالظواهر الدينيّة، مثل: فنّ علم القراءة، والتفسير، والحديث، والرجال، والدراية، والأصول، والفقه.

والشيعةُ لهم دورهم ومشاركتهم المهمّة في تأسيس وتنقيح هذه العلوم، ويمكن القول: بأنّ المؤسّس والمُبتكر لكثيرٍ منها هم الشيعة، كما نجد ذلك في علم النحو، فقد صنّفه (أبو الأسود الدؤلي) وهو أحد صحابة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعلي (عليه السلام)، بعد أن أملاه عليه الإمام علي (عليه السلام).

ويُعتبر الصاحب بن عبّاد الشيعي، من كبار مؤسّسي (1) علم الفصاحة والبلاغة، وكان من وزراء آل بويه.

وأوّل كتاب صُنِّف في علم اللغة هو: (كتاب العين) (2) لمؤلّفه العالِم المعروف (الخليلُ بن أحمد البصري الشيعي)،

____________________

(1) الوَفَيات لابن خلّكان: ص 78، أعيان الشيعة ج11: 231.

(2) الوَفَيات: ص 190، وأعيان الشيعة وسائر الكُتب والتراجم.

٨٢

وهو واضع عِلم العُروض، وأُستاذ (سيبويه النحوي) في علم النحو.

وتنتهي قراءة (عاصم) للقرآن إلى علي (عليه السلام) بواسطة، وأمّا عبد الله بن عبّاس والذي يُعتبر من أفضل الصحابة في التفسير، فتلميذٌ للإمام علي (عليه السلام)، ولا يَنكر أحد ما بذلهُ أهل البيت وشيعتهم من جهدٍ في علم الحديث والفقه، وإنّ اتصال الفقهاء الأربعة وغيرهم بالإمام الخامس والسادس للشيعة فمعروف، وما حصلَ عليه الشيعة من تقدُّم في أصول الفقه في زمن (الوحيد البهبهاني) - المتوفّى سنة 1205 هجري قمري، وبالأخص على يد الشيخ (مرتضى الأنصاري) ، المتوفّى سنة 1281 هجري قمري - يُثير الإعجاب، ولا يُقارن بأصول الفقه لدى إخواننا أهل السُنّة.

٨٣

الطريقُ الثاني للمباحث العقليّة

1) التفكّرُ العقلي والفلسفي والكلامي.

2) مَدى قِدَم الشيعة في التفكير الفلسفي والكلامي في الإسلام.

3) الشيعةُ تسعى دائماً في الفلسفة وسائر العلوم العقليّة.

4) لماذا استقرّت الفلسفة عند الشيعة؟

5) خمسةٌ من نوابغ علماء الشيعة.

1. التفكّرُ العقلي والفلسفي والكلامي

قد أشرنا سابقاً (1)، أنّ القرآن الكريم يؤيِّد التفكّر العقلي، ويَعتبره جزءاً من التفكّر الديني، والتفكّر العقلي بعد أن يُصادِق على صدق نبوّة النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يَجعل الظواهر القرآنيّة بما فيها الوحي السماوي، وأقوال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل البيت (عليهم السلام) من موارد الحُجج العقليّة،

____________________

(1) الفصلُ الأوّل من الكتاب.

٨٤

والحُجج العقليّة التي يُثبت بها الإنسان نظريّاته، مع ما لديه من فطرة إلهيّة تنقسم إلى قسمين: البرهان، والجَدل.

والبرهانُ: حُجّة، ومقدّماته الواقعيّات وإن لم تكن مشهودة أو مسلّمة، وبعبارةٍ أخرى: أمور يدركها الانسان اضطراراً مع ما عنده من فطرة إلهيّة، ويُصادِق عليها، كما نعلم أنّ (عدد الثلاثة أصغر من عدد الأربعة)، فهذا النوع من التفكّر يُدعى التفكّر العقلي، وإذا تحقّق وحصلَ ذلك في الكلّيات من العالَم والكون: كالتفكّر في بدء الخلقة، وعاقبة العالَم والعالَمين، فهو ما يُسمّى بالتفكّر الفلسفي.

والجدلُ: حجّة، إذا حَصَلت مقوّماته من المشهودات والمسلّمات، كما هو متعارف بين مُعتنقي الأديان والمذاهب، إذ إنّهم يُثبتون آراء ونظريّات مذهب مع الأصول المسلّمة لذلك المذهب.

والقرآنُ الكريم يستفيد من الطريقتين، وهناك آيات كثيرة في هذا الكتاب السماوي لكلّ من هاتين الطريقتين.

أوّلاً: يأمر بالتدبّر والتفكّر المطلق في الكلّيات لعالَم الطبيعة وفي النظام العام للعالَم، وكذا في النظام الخاص، مثل: نظام السماء، والنجوم، والليل، والنهار، والأرض، والنبات، والحيوان، والإنسان وغيرها، ويُثني على التتبّعات العقليّة الحرّة ثناءً جميلاً.

ثانياً: يأمر بالتفكّر العقلي الجَدلي، ويسمّى عادةً بالمباحث الكلاميّة، بشرط أن يتمّ ذلك بأحسن وجه ممكن؛ وذلك لإظهار الحقّ بدون لجاجة وأن يكون مقروناً بالأخلاق الحَسَنة، كما في قوله تعالى: ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (1) .

____________________

(1) سورة النحل: الآية 125.

٨٥

2. مَدى قِدَم الشيعة في التفكير الفلسفي والكلامي في الإسلام

منذُ اليوم الذي انفصلت الأقلّيّة الشيعيّة عن الأكثريّة السُنيّة، كانت الشيعة تُقيم الاحتجاج مع مخالفيها في النظريّات التي كانت تتبنّاها والخاصّة بها.

صحيح إنّ الاحتجاج ذو طرفين، والمتخاصمان شريكان في دعواهم، ولكنّ الشيعة كانت تقف موقف الهجوم، والآخرون كانوا في موقف الدفاع، فالذي يقف موقف الهجوم يجب أن يكون قد هيّأ الوسائل الكافية للمخاصمة، ومن ثُمّ الحَملة والهجوم.

وكذا في التقدّم الذي حَظت به المباحث الكلاميّة بصورة تدريجيّة في القرن الثاني وأوائل القرن الثالث، فقد وصلَ في رُقيّه إلى القمّة مع انتشار مذهب الاعتزال، فعلماء الشيعة ومحقّقوهم، والذين هم تلاميذ مدرسة أهل البيت عق، كانوا في المقدّمة من المتكلّمين، فضلاً من أنّ متكلّمي أهل السُنّة (1) ، من الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم، يصلون في تدرّجهم هذا إلى الإمام الأوّل للشيعة، وهو الإمام علي عس.

وأمّا أولئك الذين عَرفوا آثار الصحابة، واطّلعوا عليها، يعلمون جيّداً أنّ من بين جميع هذه الآثار التي تُنسب إلى الصحابة (وقد دوِّنت أسماء اثني عشر ألفاً)، لم نجد أثراً واحداً يشتمل على التفكّر الفلسفي.

وينفرد الإمام علي عس بخطابه وبيانه المُبهر في معرفة الله تعالى، بأنّه يتّصف بالتفكيرات الفلسفيّة العميقة جدّاً.

____________________

(1) شرحُ ابن أبي الحديد: أوائل المجلّد الأوّل.

٨٦

لم تكن للصحابة ولا التابعين الذين جاؤوا بعد الصحابة، والعرب بصورة عامّة في ذلك اليوم، أيّة معرفة بالتفكّر الفلسفي الحرّ، ولم نجد في أقوال العلماء في القرنين الأوّلين للهجرة، نماذج من التدقيق والتتبّع، بينما نجد الأقوال الرصينة لأئمّة الشيعة - وخاصّة الإمام الأوّل والثامن - تحتوي على كنوز من الأفكار الفلسفيّة، كما علّموا تلاميذهم هذا اللون من التفكير.

نعم، كان العرب بعيدين عن التفكّر الفلسفي، حتّى شاهدتُ نموذجاً منها في ترجمة بعض الكُتب الفلسفيّة اليونانيّة، المترجَمة إلى العربيّة في أوائل القرن الثاني للهجرة، وبعدها تُرجِمت كُتب متعدّدة في أوائل القرن الثالث الهجري من اليونانيّة والسريانيّة وغيرها إلى العربيّة، وآنذاك أصبحت طريقة التفكّر الفلسفي في متناول أيدي العموم.

ومع هذا الوصف، فإنّ الكثيرين من الفقهاء والمتكلّمين، لم يُبدوا اهتماماً بالفلسفة وسائر العلوم العقليّة، والتي وردت إليهم حديثاً، وإن كانت هذه المخالفة في بداية الأمر ذات أهميّة، بفضل الالتفات الخاص الذي كانت تُبديه السلطة الحاكمة آنذاك لمثل هذه العلوم.

ولكنْ بعد زمنٍ تغيّرت الأوضاع والأحوال، فمُنِعت دراسة هذه العلوم، وأُلقيَ في البحر بعض الكتب الفلسفيّة، وما كتابُ رسائل (إخوان الصفا) وهو من نتاج فكري لعديد من مؤلّفين، إلاّ مُذّكر بتلك الفترة، فهو خيرُ دليل على كيفيّة الأوضاع المضطربة في ذلك الزمن.

وبعد هذه الفترة، أي في أوائل القرن الرابع الهجري، ظهرت الفلسفة ونَمَت على يد (أبي نصر الفارابي) .

وفي أوائل القرن الخامس للهجرة، وإثر مساعي الفيلسوف المشهور (أبي علي سينا) اتّسعت الفلسفة اتّساعاً بالغاً.

وفي القرن السادس أيضاً، نقّح الشيخ السهروردي فلسفة الإشراق، وقد قُتل بهذه التهمة، وبأمرٍ من الحاكم (صلاح الدين الأيّوبي) ، وبعدها ارتحلت قصّة الفلسفة من بين الكثيرين، ولم يَنبُغ فيلسوف شهير، حتّى جاء القرن السابع الهجري، فظهرَ في الأندلس أطراف الممالك الإسلاميّة (ابن رشد الأندلسي) ، وسعى في تنقيح الفلسفة.

٨٧

3. الشيعةُ يسعونَ دائماً بحقل الفلسفة وسائر العلوم العقليّة

الشيعة - كما أشرنا - كانوا عاملاً مؤثراً في إيجاد الفكر الفلسفي، ويُعتبرون عاملاً مهمّاً في تقدّم هذا الفكر، وكانوا يسعونَ دوماً في نشر العلوم العقليّة، ومع وفاة (ابن رُشد) ذَهبت الفلسفة من بين الأكثريّة من أهل السُنّة، ولكنّه لم يرحل من بين الشيعة، وبعدها اشتهر فلاسفة كبار مثل: (الخواجة نصير الدين الطوسي، وميرداماد، وصدر المتألهين) ، وسعى كلّ من هؤلاء الواحد بعد الآخر في تحصيل العلوم الفلسفيّة وتدوينها.

وكذلك في سائر العلوم العقليّة ظهرَ كلّ من: (الخواجة الطوسي) و (البيرجندي) وغيرهم، كلّ هذه العلوم وخاصّة الفلسفة الإلهيّة، تقدّمت تقدّماً باهراً إثرَ المساعي الدائبة لعلماء الشيعة ومفكّريهم، ويتّضح ذلك بمقارنة آثار كلّ من: (الخواجة الطوسي، وشمس الدين تَركه، وميرداماد، وصدر المتألّهين) مع مؤلّفات القدماء.

4. لماذا استقرّت الفلسفة عند الشيعة؟

فكما أنّ العامل المؤثر في وجود ونشأة الفكر الفلسفي والعقلي بين الشيعة، هو آثار أئمّة الشيعة وعلمائهم، والتي بواسطتهم أصبحت من الذخائر العلميّة الشيعيّة لدى الآخرين،

٨٨

فإنّ بقاء واستقرار هذه اللون من الفكر، يرجع إلى وجود تلك الذخائر العلميّة، التي يهتمّ بها الشيعة ويُبدون لها احتراماً وتقديساً، ولكي يتّضح الأمر، يكفينا مقارنة الذخائر العلميّة لأهل البيت (عليهم السلام) مع الكُتب الفلسفيّة التي صُنّفت مع مرور الزمن، فإنّنا سنرى بوضوح، أنّ الفلسفة كانت تقترب من الذخائر العلميّة في أكثر الموارد، وحتّى مجيء القرن الحادي عشر، فإنّها كانت متقاربة جدّاً، بل منطبقة ولم يكن هناك فارق سوى اختلاف في التعبير.

5. خمسةٌ من نوابغ الشيعة

1) ثقةُ الإسلام محمّد بن يعقوب الكُليني، المتوفّى سنة 329 للهجرة.

هو أوّل عالِم شيعي، استخرجَ ورتّبَ الموضوعات الفقهيّة والاعتقاديّة من الروايات الشيعيّة التي كانت مدوّنة في الأصول، (الأصل: هو ما جمعهُ المحدِّث من روايات أهل البيت (عليهم السلام) في مصنّفٍ خاص) فسمّى كتابهُ (الكافي) وينقسم على أقسام ثلاثة:

الأصول، والفروع، والروضة (المتفرّقات)، ويشتمل على 16199 حديثاً، ويُعتبر هذا الكتاب من أشهر كُتب الحديث التي عُرفت في عالَم التشيّع، وهناك ثلاثة كُتب تأتي بعد (الكافي) من حيث الأهميّة وهي:

كتاب (مَن لا يحضرهُ الفقيه) للشيخ الصدوق محمّد بن بابويه القمّي، المتوفّى سنة 381 للهجرة، وكتاب (التهذيب) وكتاب (الاستبصار) لمؤلّفهما الشيخ الطوسي، المتوفّى سنة 460 للهجرة.

٨٩

2) أبو القاسم جعفر بن حسن بن يحيى الحلّي المعروف بالمحقّق، المتوفّى سنة 676 للهجرة.

يُعتبر من نوابغ علم الفقه، ومن أشهر مشاهير فقهاء الشيعة، وما كتاب (المختصر النافع) (1) ، وكتاب (الشرائع) إلاّ من أروع ما حرّرهُ في الفقه، ومنذ 700 سنة وحتّى الآن لا يزال مورد إعجاب وتقدير الفقهاء، وفي متناول أيديهم.

ومن الكتب التي تأتي بعد الكافي هو كتاب (اللمعة الدمشقيّة) ، لمؤلّفه المحقّق الشهيد الأوّل (شمس الدين محمّد بن مكّي) استشهدَ سنة 786 للهجرة بتهمة تشيّعه، وقد دَوّن كتابهُ هذا بمستوى رفيع في السجن، خلال سبعة أيّام.

ويُعتبر كتاب (كشف الغطاء) للشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي، من أجود مؤلّفاته.

3) الشيخ مرتضى الأنصاري التستري، المتوفّى سنة 1281 للهجرة.

نقّح علم أصول الفقه، وحرّر طُرق الأصول العمليّة، والتي تُعتبر من أهم أقسام هذا الفن، ولا تزال مدرسته (طريقته) قائمة، وموضع تقدير العلماء منذ 100 عام.

4) الخواجة نصير الدين الطوسي، المتوفّى سنة 676 للهجرة.

وهو أوّل مَن أظهرَ علم الكلام بصيغته الفنيّة الكاملة، ومن أشهر مؤلّفاته وأجودها كتاب (تجريد الكلام) ، ولا يزال ومنذ أكثر من 700 سنة، لم يَفقد اعتباره بين روّاد هذا الفن، وقد طُبع الكتاب مع شروح وحواشٍ عديدة من قِبَل العامّة والخاصّة.

فهو فضلاً عن نبوغه في علم الكلام، يُعتبر من نوابغ عصره في علم

____________________

(1) وقد نَشَرت هذا الكتاب مؤسّسة البعثة في طبعتها الأخيرة.

٩٠

الفلسفة والرياضيات أيضاً، وخيرُ شاهد على ذلك: هو الكثير من مؤلّفاته المهمّة في مختلف العلوم العقليّة، وقد قامَ بإنشاء مرصد أيضاً.

5) صدرُ الدين محمّد الشيرازي، المولود سنة 979، والمتوفّى سنة 1050 للهجرة.

هو أوّل فيلسوف قامَ بتصنيف وترتيب المسائل الفلسفيّة، كالمسائل الرياضيّة (بعد سيرها قروناً متمادية في العصر الإسلامي) بعد أن كانت مبعثرة، فَحَصلت النتائج التالية:

أوّلاً: فُسِح المجال للفلسفة بأن تُطرح وتُحلّ فيها مئات من المسائل الفلسفيّة، والتي لم يكن لها المجال أن تُطرح في السابق.

ثانياً: أُتيحَ المجال لعرض مجموعة من المسائل العرفانيّة (والتي كانت حتّى ذلك الوقت تُعتبر مواضيع خارجة عن نطاق العقل، وفوق مستوى الفكر الإنساني)، وبحثها وتمحيصها بأيسر السُبل.

ثالثاً: اتّضحَت كثير من الظواهر الدينيّة، والعبارات الفلسفيّة العميقة لأئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، والتي بقيت لقرون متتالية تتّصف باللغز الذي لا يُحلّ، وكانت تُعتبر من المتشابهات غالباً، وبهذا اتّصلت الظواهر الدينيّة بالعرفان والفلسفة في أكثر الموارد، وسَلكت سويّاً طريقاً واحداً.

وهناك مَن قامَ بهذه المهمّة قبل (صدر المتألّهين) أيضاً، مثل: الشيخ (السهروردي) مؤلّف كتاب (حكمة الإشراق) من فلاسفة القرن السادس، و(شمس الدين محمّد تَركه) من فلاسفة القرن السادس الهجري، حيث قاما بدراسات مثمرة، إلاّ أنّهما لم يوفّقا كاملاً، وقد حظيَ بهذه الموفقيّة (صدر المتألّهين).

وفِّقَ صدر المتألّهين إثرَ اتّخاذ هذه الطريقة أن يُثبت نظريّة الحركة الجوهريّة، واكتشفَ البُعد الرابع والنظريّة النسبيّة (خارج عن نطاق الذهن والفكر)، وصنّفَ ما يزيد على خمسين كتاباً ورسالة، ومن أهمّ كُتبه في الفلسفة كتاب (الأسفار) في أربعة مجلّدات.

٩١

الطريقُ الثالث: الكشف

1) الإنسانُ وإدراكه للعرفان.

2) ظهور العرفان في الإسلام.

3) إرشادُ الكتاب والسُنّة إلى معرفة النفس ومناهجها.

1. الإنسانُ وإدراكه للعرفان

في الوقت الذي تسعى الأكثريّة من الناس في أمور معاشهم، ورفع احتياجاتهم اليوميّة للحياة، غير مُبالين بالمعنويات، إلاّ أنّ هناك غريزة في وجودهم تُدعى غريزة حُبّ الذات، نراها تنمو عندهم، تجبرهم على إدراك مجموعة من القضايا المعنويّة.

كلّ إنسان (على الرغم من أنّ السوفسطائيين والشكّالين يسمّون كلّ حقيقة وواقعيّة خُرافة) يؤمِن بواقعيّات ثابتة، ونراه أحياناً ينظر بفطرته وضميره المنزّه إلى الواقعيات الثابتة في الكون، هذا من جهة.

٩٢

ومن جهةٍ أخرى، يَحسّ بفناء أجزاء هذا العالَم، فإنّه يرى العالَم وظواهره كالمرآة التي تعكس الواقعيّات الثابتة الخلاّبة، وعند إحساس لذّاتها، تُجعل اللذائذ الأخرى حقيرة في نظره، وبالتالي تَجعله ينصرف عن الحياة الفتّانة الفانية.

هذا هو مدى جاذبيّة العرفان التي تسلُك بالمؤمن إلى العالَم العُلوي، وتُقرّ في قلبه عظمة الله وجلاله، فينسى كلّ شيء ويغفل عنه، وتُحرِّضهُ على أن ينبذ كلّ ما يتمنّاه ويرجوه في هذه الحياة، وتدعوه إلى عبادة الله الذي لا يُرى، وهو أوضح من كلّ ما يُرى ويُسمع.

وفي الحقيقة أنّ هذه الجاذبيّة الباطنيّة، هي التي أوجدت في عالَم الإنسان سُبل عبادة الله تعالى، والعارف هو الذي يَعبد الله سبحانه عن حُبٍّ وإخلاص، لا عن أملٍ وثواب، ولا عن خوفٍ وعذاب.

من هنا يتّضح: أنّ العرفان ليس مذهباً في قِبال المذاهب الأخرى، بل العرفان طريق من طُرق العبادة (عبادة للحُب والإخلاص، لا للخوف والرجاء)، وهو طريق لدرك وفهم حقائق الأديان، في قِبال طريق الظواهر الدينيّة وطريق التفكّر العقلي.

كلّ الأديان الإلهيّة وحتّى الوثنيّة، لها أتباعها، فهم يسلكون هذا الطريق أيضاً، فلكلّ من: الوثنيّة، واليهوديّة، والمسيحيّة، والمجوسيّة، والإسلام، لها أُناس عارفون وغير عارفين.

2. ظهورُ العرفان في الإسلام

من بين صحابة النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (وقد جاء ذِكر ما يقارب من اثني عشر ألفاً من كُتب الرجال) ينفرد الإمام علي (عليه السلام) ببيانه البليغ عن حقائق العرفان، ومراحل الحياة المعنويّة، إذ يحتوي على ذخائر جمّة، ولم نجد مثيله في الآثار التي بأيدينا من بقيّة الصحابة،

٩٣

وأشهر أصحاب الإمام علي (عليه السلام) وتلاميذه: (سلمان الفارسي) ، و (أويس القَرَني) ، و (كميل بن زياد) ، و (رَشيد الهَجَري) ، و (ميثم التمّار) ، والعُرفاء عامّة في الإسلام يجعلون هؤلاء أئمّة وهداة لهم.

وهناك طائفة أخرى تأتي في الدرجة الثانية وهم: (طاووس اليماني) ، و (مالك بن دينار) ، و (إبراهيم الأدهم) ، و (شقيق البلخي) ، الذين ظهروا في القرن الثاني الهجري، وكانوا يُعرَفون بالزُهّاد وأولياء الله الصالحين، دون أن يتظاهروا بالعرفان والتصوّف، وعلى أيّة حال، فإنّهم لم ينكروا ارتباطهم ومدى تأثّرهم بالطائفة الأولى.

وهناك طائفة ثالثة ظَهرت في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث للهجرة مثل: (أبو يزيد البسطامي) ، و (المعروف الكرخي) ، و (جنيد البغدادي) وغيرهم، الذين سَلكوا طريق العرفان، وتظاهروا بالعرفان والتصوّف، ولهم أقوال تدلّ على مدى المكاشفة والمشاهدة لديهم، وإن كانت هذه الأقوال تتّصف بظاهرها اللاذع، إلاّ أنّها قد أثارت عليهم الفقهاء والمتكلّمين في ذلك العصر، وسبّبت المشاكل والفتن، فأدّت إلى أن يُزجّ بعضهم في السجون، والبعض الآخر يُقدّم إلى أعواد المشانق.

مع هذا الوصف، أبدَوا التعصّب لطريقتهم أمام المخالفين، فبهذا كانت الطريقة تتّسع وتنتشر يوماً بعد يوم، ونجدها قد وصلت إلى ذروتها في القدرة والانتشار في القرنين السابع والثامن الهجريين، حيث كانت تتّسم بالرفعة والعلوّ تارةً، والسقوط والانحطاط تارةً أخرى، ولا تزال تُمارس حياتها حتّى اليوم (1).

والظاهر أنّ أكثر مشايخ العرفان الذين جاء ذكرهم في كُتب العرفان،

____________________

(1) يُراجع: كُتب التراجم، وتذكرة الأولياء، والطرائق وغيرها.

٩٤

كانوا على مذهب أهل التسنّن، والطريقة التي نشاهدها اليوم (والتي تشتمل على مجموعة من عادات وتقاليد، لم نجد في الكتاب والسُنّة أساساً لها) تُذكّرنا بتلك الأيّام، وإن كان البعض من تلك العادات والتقاليد انتقلت إلى الشيعة.

وكما يقال: إنّ هؤلاء كانوا يعتقدون أنّ الإسلام يعوزهُ منهج للسير والسلوك، والمسلمون استطاعوا أن يصلوا إلى طريقة معرفة النفس، وهي مقبولة لدى الباري عزّ وجل، مثلَ ما في الرهبانيّة عند المسيحيين، إذ لم يوجد أساس له في الدعوة المسيحيّة، فأوجَدها النصارى وحبّذها جَمع وانتهجها (1).

ويُستنتج ممّا ذُكر: أنّ كُلاًّ من مشايخ الطريقة، جَعلَ كلّ ما رآهُ صلاحاً من عاداتٍ وتقاليد، في منهج سيره وسلوكه، وأمَرَ مُتّبعيه بذلك، وبمرور الزمن أصبحَ منهاجاً وسيعاً مستقلاً، مثل: مراسم الخضوع والخشوع، وتلقينُ الذِكر والخرقة، والاستفادة من الموسيقى والغناء عند إقامة مراسم الذِكر، حتّى آلَ الأمر في بعض الفِرَق منها أن تَجعل الشريعة في جانب، والطريقة في جانب آخر، والتحقّ متّبعو هذه الطريقة بنهج الباطنيّة، ولكنّ المعايير للنظريّة الشيعيّة، استناداً على مصادر أساسيّة للإسلام (الكتاب والسُنّة) تقرّ خلاف ذلك، ومن المستحيل أنّ النصوص الدينيّة قد تغافلت عن هذه الحقيقة، أو إن أهمَلَت جانباً من جوانب هذا النهج والطريق، ويستحيل عليها أيضاً أن تغضّ النظر عن شخصٍ (أيّاً كان) من واجبات أو محرّمات.

____________________

(1) قولهُ تعالى في سورة الحديد، الآية 27: ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ ) .

٩٥

3. إرشاد الكتاب والسُنّة إلى معرفة النفس ومناهجها

إنّ الله تعالى جلّ شأنه، يأمر الناس في آيات متعدّدة في كتابه المجيد، أن يتدبّروا القرآن، ويعملوا به، ولا يقنعوا أنفسهم بالفهم والإدراك السطحي للقرآن، وبيّنَ في كثيرٍ من آياته أنّ عالَم الطبيعة بما فيها (دون استثناء) آيات ودلالات، لهُ جلّ جلالهُ.

فلو تأمّلنا وتدبّرنا معنى الآية والدلالة، يتّضح أنّ الآية والدلالة هي التي تشير إلى شيء آخر لا إلى نفسها، فعلى سبيل المثال: إنّ الذي يرى الضوء الأحمر المُشعِر بالخطر، فإنّه مع مشاهدته للضوء يتبادر إلى ذهنه الخطر ذاته، ولا يلتفت إلى الضوء نفسه، وإذا ما فكّر في الضوء نفسه، أو ماهيّة الزُجاج أو لونه، فذهنه يُصوِّر له الضوء أو الزجاج أو اللون، ولا يُصوّر له مفهوم الخطر.

إذاً، إذا كان العالَم وظواهره، آيات ودلالات لخالق العالَم، فإنّ وجودها ليست مستقلّة، ولو شوهِدت بأيّ شكلٍ أو أيّة صورة، فإنّما تَرشد إلى وجوده سبحانه، والذي ينظر إلى العالَم والعالَمين بهذا المنظار، ووفقاً لتعاليم القرآن الكريم وهدايته، لا يرى إلاّ الله سبحانه، وبَدلاً من أن يرى جمال العالَم، فإنّه يرى جمالاً أزليّاً غير متناهٍ، والذي يتجلّى من هذه الزاوية (زاوية العالَم)، وعندئذٍ يهب حياته، وينسى ذاته، ويفنى في حُبّ الله جلّ شأنه.

وهذا الإدراك - كما يتّضح - لا يحصل عن طريق الحواسّ: كالعين، والأُذن، ولا عن طريق الخيال والعقل؛ لأنّ هذه لم تكن سوى آيات ودلالات، فهي في غفلةٍ عن هذه الدلالة والهداية.

وهذا الطريق، الذي لابدّ لسالكه أن ينسى كلّ شيء سوى الله تعالى، عندما يستمع إلى قوله في كتابه المجيد:

٩٦

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (1) .

سيعلم أنّ الطريق الرئيسي الذي ينتهي به إلى الهداية الواقعيّة والكاملة: هو طريق النفس الإنسانيّة، والمُرشد الحقيقي له هو الله تعالى، فقد كلّفهُ بمعرفة نفسه، وأن يسير في هذا السبيل، بتركه للسُبل الأخرى ليرى الله من هذه الطريق، فإنّه سيدرك مطلوبه الحقيقي.

والنبيّ الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: (مَن عرفَ نفسهُ، فقد عَرف ربّهُ).

ويقول أيضاً: (أعرَفكم بنفسهِ، أعرَفكم بربّه).

وأمّا طريقة السير والسلوك - وهي طريقة الكثير من الآيات القرآنيّة التي تأمر بذكر الله تعالى، كقوله: ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) (2) وغيرها من الآيات في الكتاب، والأقوال في السُنّة - فقد جاءت مفصّلة، ويختتمها بقوله: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (3) .

وهل من الممكن أن يُتصوّر أنّ الإسلام يُعرِّف لنا الطريق إلى الله تعالى، ولا يحثّ الناس على تتبّعه، أو أن يُعرِّفه ويغفل عن تبيان نهجه أو أن يهمله، في حين نجده يقول عزّ مَن قائل:

( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) (4) .

____________________

(1) سورة المائدة: الآية 105.

(2) سورة البقرة: الآية 152.

(3) سورة الأحزاب: الآية 21.

(4) سورة النحل: الآية 89.

٩٧

٩٨

الفصلُ الثالث: المُعتقدات الإسلاميّة من وِجهة نظر الشيعة الإماميّة

٩٩

1) النظر إلى الكون عن طريق المخلوقات والواقعيّات، ضرورة وجود الله تعالى.

2) نظرةٌ أخرى عن طريق ارتباط الإنسان بالمعالِم.

3) الذاتُ والصفات.

4) معاني صفات الله تعالى.

5) مزيدٌ من التوضيح في معاني الصفات.

6) صفاتُ الفعل.

7) القضاءُ والقدر.

8) الإنسان والاختيار.

١٠٠