كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٠

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 290

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 290
المشاهدات: 45684
تحميل: 4361


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45684 / تحميل: 4361
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

معاوية على سواء قتل من أصحابه رؤساء و من أصحاب معاوية رؤساء و انصرف كل واحد من الفريقين عن صاحبه بعد الحرب على مكانه ثم حارب بعد صفين أهل النهروان فكان الظفر له.قال و من العجب أن أول حروب رسول الله ص كانت بدرا و كان هو المنصور فيها و أول حروب علي ع الجمل و كان هو المنصور فيها ثم كان من صحيفة الصلح و الحكومة يوم صفين نظير ما كان من صحيفة الصلح و الهدنة يوم الحديبية ثم دعا معاوية في آخر أيام علي ع إلى نفسه و تسمى بالخلافة كما أن مسيلمة و الأسود العنسي دعوا إلى أنفسهما في آخر أيام رسول الله ص و تسميا بالنبوة و اشتد على علي ع ذلك كما اشتد على رسول الله ص أمر الأسود و مسيلمة و أبطل الله أمرهما بعد وفاة النبي ص و كذلك أبطل أمر معاوية و بني أمية بعد وفاة علي ع و لم يحارب رسول الله ص أحد من العرب إلا قريش ما عدا يوم حنين و لم يحارب عليا ع من العرب أحد إلا قريش ما عدا يوم النهروان و مات علي ع شهيدا بالسيف و مات رسول الله ص شهيدا بالسم و هذا لم يتزوج على خديجة أم أولاده حتى ماتت و هذا لم يتزوج على فاطمة أم أشرف أولاده حتى ماتت و مات رسول الله ص عن ثلاث و ستين سنة و مات علي ع عن مثلها.و كان يقول انظروا إلى أخلاقهما و خصائصهما هذا شجاع و هذا شجاع و هذا فصيح و هذا فصيح و هذا سخي جواد و هذا سخي جواد و هذا عالم بالشرائع و الأمور الإلهية و هذا عالم بالفقه و الشريعة و الأمور الإلهية الدقيقة الغامضة و هذا زاهد في الدنيا غير نهم و لا مستكثر منها و هذا زاهد في الدنيا تارك لها غير متمتع بلذاتها و هذا مذيب نفسه في الصلاة و العبادة و هذا مثله و هذا غير محبب إليه شي‏ء من الأمور العاجلة

٢٢١

إلا النساء و هذا مثله و هذا ابن عبد المطلب بن هاشم و هذا في قعدده و أبواهما أخوان لأب و أم دون غيرهما من بني عبد المطلب و ربي محمد ص في حجر والد هذا و هذا أبو طالب فكان جاريا عنده مجرى أحد أولاده ثم لما شب ص و كبر استخلصه من بني أبي طالب و هو غلام فرباه في حجره مكافأة لصنيع أبي طالب به فامتزج الخلقان و تماثلت السجيتان و إذا كان القرين مقتديا بالقرين فما ظنك بالتربية و التثقيف الدهر الطويل فواجب أن تكون أخلاق محمد ص كأخلاق أبي طالب و تكون أخلاق علي ع كأخلاق أبي طالب أبيه و محمد ع مربيه و أن يكون الكل شيمة واحدة و سوسا واحدا و طينة مشتركة و نفسا غير منقسمة و لا متجزئة و ألا يكون بين بعض هؤلاء و بعض فرق و لا فضل لو لا أن الله تعالى اختص محمدا ص برسالته و اصطفاه لوحيه لما يعلمه من مصالح البرية في ذلك و من أن اللطف به أكمل و النفع بمكانه أتم و أعم فامتاز رسول الله ص بذلك عمن سواه و بقي ما عدا الرسالة على أمر الاتحاد و إلى هذا المعنى أشار ص بقوله أخصمك بالنبوة فلا نبوة بعدي و تخصم الناس بسبع و قال له أيضا أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فأبان نفسه منه بالنبوة و أثبت له ما عداها من جميع الفضائل و الخصائص مشتركا بينهما.و كان النقيب أبو جعفررحمه‌الله غزير العلم صحيح العقل منصفا في الجدال غير متعصب للمذهب و إن كان علويا و كان يعترف بفضائل الصحابة و يثني على الشيخين.و يقول إنهما مهدا دين الإسلام و أرسيا قواعده و لقد كان شديد الاضطراب في حياة رسول الله ص و إنما مهداه بما تيسر للعرب من الفتوح و الغنائم في دولتهما.و كان يقول في عثمان إن الدولة في أيامه كانت على إقبالها و علو جدها بل كانت الفتوح في أيامه أكثر و الغنائم أعظم لو لا أنه لم يراع ناموس الشيخين و لم يستطع أن يسلك

٢٢٢

مسلكهما و كان مضعفا في أصل القاعدة مغلوبا عليه و كثير الحب لأهله و أتيح له من مروان وزير سوء أفسد القلوب عليه و حمل الناس على خلعه و قتله

كلام أبي جعفر الحسني في الأسباب التي أوجبت محبة الناس لعلي

و كان أبو جعفررحمه‌الله لا يجحد الفاضل فضله و الحديث شجون.قلت له مرة ما سبب حب الناس لعلي بن أبي طالب ع و عشقهم له و تهالكهم في هواه و دعني في الجواب من حديث الشجاعة و العلم و الفصاحة و غير ذلك من الخصائص التي رزقه الله سبحانه الكثير الطيب منها.فضحك و قال لي كم تجمع جراميزك علي.ثم قال هاهنا مقدمة ينبغي أن تعلم و هي أن أكثر الناس موتورون من الدنيا أما المستحقون فلا ريب في أن أكثرهم محرومون نحو عالم يرى أنه لا حظ له في الدنيا و يرى جاهلا غيره مرزوقا و موسعا عليه و شجاع قد أبلى في الحرب و انتفع بموضعه ليس له عطاء يكفيه و يقوم بضروراته و يرى غيره و هو جبان فشل يفرق من ظله مالكا لقطر عظيم من الدنيا و قطعة وافرة من المال و الرزق و عاقل سديد التدبير صحيح العقل قد قدر عليه رزقه و هو يرى غيره أحمق مائقا تدر عليه الخيرات و تتحلب عليه أخلاف الرزق و ذي دين قويم و عبادة حسنة و إخلاص و توحيد و هو محروم ضيق الرزق و يرى غيره يهوديا أو نصرانيا أو زنديقا كثير المال حسن الحال حتى إن هذه الطبقات المستحقة يحتاجون في أكثر الوقت إلى الطبقات التي لا استحقاق

٢٢٣

لها و تدعوهم الضرورة إلى الذل لهم و الخضوع بين أيديهم إما لدفع ضرر أو لاستجلاب نفع و دون هذه الطبقات من ذوي الاستحقاق أيضا ما نشاهده عيانا من نجار حاذق أو بناء عالم أو نقاش بارع أو مصور لطيف على غاية ما يكون من ضيق رزقهم و قعود الوقت بهم و قلة الحيلة لهم و يرى غيرهم ممن ليس يجري مجراهم و لا يلحق طبقتهم مرزوقا مرغوبا فيه كثير المكسب طيب العيش واسع الرزق فهذا حال ذوي الاستحقاق و الاستعداد و أما الذين ليسوا من أهل الفضائل كحشو العامة فإنهم أيضا لا يخلون من الحقد على الدنيا و الذم لها و الحنق و الغيظ منها لما يلحقهم من حسد أمثالهم و جيرانهم و لا يرى أحد منهم قانعا بعيشه و لا راضيا بحاله بل يستزيد و يطلب حالا فوق حاله.قال فإذا عرفت هذه المقدمة فمعلوم أن عليا ع كان مستحقا محروما بل هو أمير المستحقين المحرومين و سيدهم و كبيرهم و معلوم أن الذين ينالهم الضيم و تلحقهم المذلة و الهضيمة يتعصب بعضهم لبعض و يكونون إلبا و يدا واحدة على المرزوقين الذين ظفروا بالدنيا و نالوا مآربهم منها لاشتراكهم في الأمر الذي آلمهم و ساءهم و عضهم و مضهم و اشتراكهم في الأنفة و الحمية و الغضب و المنافسة لمن علا عليهم و قهرهم و بلغ من الدنيا ما لم يبلغوه فإذا كان هؤلاء أعني المحرومين متساوين في المنزلة و المرتبة و تعصب بعضهم لبعض فما ظنك بما إذا كان منهم رجل عظيم القدر جليل الخطر كامل الشرف جامع للفضائل محتو على الخصائص و المناقب و هو مع ذلك محروم محدود و قد جرعته الدنيا علاقمها و علته عللا بعد نهل من صابها و صبرها و لقي منها برحا بارحا و جهدا جهيدا و علا عليه من هو دونه و حكم فيه و في بنيه و أهله و رهطه من لم يكن ما ناله من الإمرة و السلطان في حسابه و لا دائرا في خلده و لا خاطرا بباله و لا كان أحد من الناس يرتقب ذلك له و لا يراه له ثم كان في آخر الأمر أن قتل هذا الرجل الجليل في

٢٢٤

محرابه و قتل بنوه بعده و سبي حريمه و نساؤه و تتبع أهله و بنو عمه بالقتل و الطرد و التشريد و السجون مع فضلهم و زهدهم و عبادتهم و سخائهم و انتفاع الخلق بهم فهل يمكن ألا يتعصب البشر كلهم مع هذا الشخص و هل تستطيع القلوب ألا تحبه و تهواه و تذوب فيه و تفنى في عشقه انتصارا له و حمية من أجله و أنفة مما ناله و امتعاضا مما جرى عليه و هذا أمر مركوز في الطبائع و مخلوق في الغرائز كما يشاهد الناس على الجرف إنسانا قد وقع في الماء العميق و هو لا يحسن السباحة فإنهم بالطبع البشري يرقون عليه رقة شديدة و قد يلقي قوم منهم أنفسهم في الماء نحوه يطلبون تخليصه لا يتوقعون على ذلك مجازاة منه بمال أو شكر و لا ثوابا في الآخرة فقد يكون منهم من لا يعتقد أمر الآخرة و لكنها رقة بشرية و كان الواحد منهم يتخيل في نفسه أنه ذلك الغريق فكما يطلب خلاص نفسه لو كان هذا الغريق كذلك يطلب تخليص من هو في تلك الحال الصعبة للمشاركة الجنسية و كذلك لو أن ملكا ظلم أهل بلد من بلاده ظلما عنيفا لكان أهل ذلك البلد يتعصب بعضهم لبعض في الانتصار من ذلك الملك و الاستعداء عليه فلو كان من جملتهم رجل عظيم القدر جليل الشأن قد ظلمه الملك أكثر من ظلمه إياهم و أخذ أمواله و ضياعه و قتل أولاده و أهله كان لياذهم به و انضواؤهم إليه و اجتماعهم و التفافهم به أعظم و أعظم لأن الطبيعة البشرية تدعو إلى ذلك على سبيل الإيجاب الاضطراري و لا يستطيع الإنسان منه امتناعا.و هذا محصول قول النقيب أبي جعفررحمه‌الله قد حكيته و الألفاظ لي و المعنى له لأني لا أحفظ الآن ألفاظه بعينها إلا أن هذا هو كان معنى قوله و فحواهرحمه‌الله و كان لا يعتقد في الصحابة ما يعتقده أكثر الإمامية فيهم و يسفه رأي من يذهب فيهم إلى النفاق و التكفير و كان يقول حكمهم حكم مسلم مؤمن عصى في بعض الأفعال و خالف الأمر فحكمه إلى الله إن شاء آخذه و إن شاء غفر له.

٢٢٥

فلت له مرة أ فتقول أنهما من أهل الجنة فقال إي و الله أعتقد ذلك لأنهما إما أن يعفو الله تعالى عنهما ابتداء أو بشفاعة الرسول ص أو بشفاعة علي ع أو يؤاخذهما بعقاب أو عتاب ثم ينقلهما إلى الجنة لا أستريب في ذلك أصلا و لا أشك في إيمانهما برسول الله ص و صحة عقيدتهما.فقلت له فعثمان قال و كذلك عثمان ثم قال رحم الله عثمان و هل كان إلا واحدا منا و غصنا من شجرة عبد مناف و لكن أهله كدروه علينا و أوقعوا العداوة و البغضاء بينه و بيننا.قلت له فيلزمك على ما تراه في أمر هؤلاء أن تجوز دخول معاوية الجنة لأنه لم تكن منه إلا المخالفة و ترك امتثال أمر النبوي.فقال كلا إن معاوية من أهل النار لا لمخالفته عليا و لا بمحاربته إياه و لكن عقيدته لم تكن صحيحة و لا إيمانه حقا و كان من رءوس المنافقين هو و أبوه و لم يسلم قلبه قط و إنما أسلم لسانه و كان يذكر من حديث معاوية و من فلتات قوله و ما حفظ عنه من كلام يقتضي فساد العقيدة شيئا كثيرا ليس هذا موضعه فأذكره.و قال لي مرة حاش لله أن يثبت معاوية في جريدة الشيخين الفاضلين أبي بكر و عمر و الله ما هما إلا كالذهب الإبريز و لا معاوية إلا كالدرهم الزائف أو قال كالدرهم القسي ثم قال لي فما يقول أصحابكم فيهما قلت أما الذي استقر عليه رأي المعتزلة بعد اختلاف كثير بين قدمائهم في التفضيل و غيره أن عليا ع أفضل الجماعة و أنهم تركوا الأفضل لمصلحة رأوها و أنه لم يكن هناك نص يقطع العذر و إنما كانت إشارة و إيماء لا يتضمن شي‏ء منها صريح النص و إن عليا ع نازع ثم بايع

٢٢٦

و جمح ثم استجاب و لو أقام على الامتناع لم نقل بصحة البيعة و لا بلزومها و لو جرد السيف كما جرده في آخر الأمر لقلنا بفسق كل من خالفه على الإطلاق كائنا من كان و لكنه رضي بالبيعة أخيرا و دخل في الطاعة.و بالجملة أصحابنا يقولون إن الأمر كان له و كان هو المستحق و المتعين فإن شاء أخذه لنفسه و إن شاء ولاه غيره فلما رأيناه قد وافق على ولاية غيره اتبعناه و رضينا بما رضي فقال قد بقي بيني و بينكم قليل أنا أذهب إلى النص و أنتم لا تذهبون إليه.فقلت له إنه لم يثبت النص عندنا بطريق يوجب العلم و ما تذكرونه أنتم صريحا فأنتم تنفردون بنقله و ما عدا ذلك من الأخبار التي نشارككم فيها فلها تأويلات معلومة.فقال لي و هو ضجر يا فلان لو فتحنا باب التأويلات لجاز أن يتناول قولنا لا إله إلا الله محمد رسول الله دعني من التأويلات الباردة التي تعلم القلوب و النفوس أنها غير مرادة و أن المتكلمين تكلفوها و تعسفوها فإنما أنا و أنت في الدار و لا ثالث لنا فيستحيي أحدنا من صاحبه أو يخافه.فلما بلغنا إلى هذا الموضع دخل قوم ممن كان يخشاه فتركنا ذلك الأسلوب من الحديث و خضنا في غيره.

سياسة علي و معاوية و إيراد كلام للجاحظ في ذلك

فأما القول في سياسة معاوية و أن شنأة علي ع و مبغضيه زعموا أنها خير من سياسة أمير المؤمنين فيكفينا في الكلام على ذلك ما قاله شيخنا أبو عثمان و نحن نحكيه بألفاظه.

٢٢٧

قال أبو عثمان و ربما رأيت بعض من يظن بنفسه العقل و التحصيل و الفهم و التمييز و هو من العامة و يظن أنه من الخاصة يزعم أن معاوية كان أبعد غورا و أصح فكرا و أجود روية و أبعد غاية و أدق مسلكا و ليس الأمر كذلك و سأرمي إليك بجملة تعرف بها موضع غلطه و المكان الذي دخل عليه الخطأ من قبله.كان علي ع لا يستعمل في حربه إلا ما وافق الكتاب و السنة و كان معاوية يستعمل خلاف الكتاب و السنة كما يستعمل الكتاب و السنة و يستعمل جميع المكايد حلالها و حرامها و يسير في الحرب بسيرة ملك الهند إذا لاقى كسرى و خاقان إذا لاقى رتبيل و علي ع يقول لا تبدءوهم بالقتال حتى يبدءوكم و لا تتبعوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تفتحوا بابا مغلقا هذه سيرته في ذي الكلاع و في أبي الأعور السلمي و في عمرو بن العاص و حبيب بن مسلمة و في جميع الرؤساء كسيرته في الحاشية و الحشو و الأتباع و السفلة و أصحاب الحروب إن قدروا على البيات بيتوا و إن قدروا على رضخ الجميع بالجندل و هم نيام فعلوا و إن أمكن ذلك في طرفة عين لم يؤخروه إلى ساعة و إن كان الحرق أعجل من الغرق لم يقتصروا على الغرق و لم يؤخروا الحرق إلى وقت الغرق و إن أمكن الهدم لم يتكلفوا الحصار و لم يدعوا أن ينصبوا المجانيق و العرادات و النقب و التسريب و الدبابات و الكمين و لم يدعوا دس السموم و لا التضريب بين الناس بالكذب و طرح

٢٢٨

الكتب في عساكرهم بالسعايات و توهيم الأمور و إيحاش بعض من بعض و قتلهم بكل آلة و حيلة كيف وقع القتل و كيف دارت بهم الحال فمن اقتصر حفظك الله من التدبير على ما في الكتاب و السنة كان قد منع نفسه الطويل العريض من التدبير و ما لا يتناهى من المكايد و الكذب حفظك الله أكثر من الصدق و الحرام أكثر عددا من الحلال و لو سمى إنسان إنسانا باسمه لكان قد صدق و ليس له اسم غيره و لو قال هو شيطان أو كلب أو حمار أو شاة أو بعير أو كل ما خطر على البال لكان كاذبا في ذلك و كذلك الإيمان و الكفر و كذلك الطاعة و المعصية و كذلك الحق و الباطل و كذلك السقم و الصحة و كذلك الخطأ و الصواب فعلي ع كان ملجما بالورع عن جميع القول إلا ما هو لله عز و جل رضا و ممنوع اليدين من كل بطش إلا ما هو لله رضا و لا يرى الرضا إلا فيما يرضاه الله و يحبه و لا يرى الرضا إلا فيما دل عليه الكتاب و السنة دون ما يعول عليه أصحاب الدهاء و النكراء و المكايد و الآراء فلما أبصرت العوام كثرة نوادر معاوية في المكايد و كثرة غرائبه في الخداع و ما اتفق له و تهيأ على يده و لم يرو ذلك من علي ع ظنوا بقصر عقولهم و قلة علومهم أن ذاك من رجحان عند معاوية و نقصان عند علي ع فانظر بعد هذا كله هل يعد له من الخدع إلا رفع المصاحف ثم انظر هل خدع بها إلا من عصى رأي علي ع و خالف أمره.فإن زعمت أنه قال ما أراد من الاختلاف فقد صدقت و ليس في هذا اختلفنا و لا عن غرارة أصحاب علي ع و عجلتهم و تسرعهم و تنازعهم دفعنا و إنما كان قولنا في التميز بينهما في الدهاء و النكراء و صحة العقل و الرأي و البزلاء على أنا لا نصف الصالحين

٢٢٩

بالدهاء و النكراء لا نقول ما كان أنكر أبا بكر بن أبي قحافة و ما كان أنكر عمر بن الخطاب و لا يقول أحد عنده شي‏ء من الخير كان رسول الله ص أدهى العرب و العجم و أنكر قريش و أمكر كنانة لأن هذه الكلمة إنما وضعت في مديح أصحاب الأرب و من يتعمق في الرأي في توكيد الدنيا و زبرجها و تشديد أركانها فأما أصحاب الآخرة الذين يرون الناس لا يصلحون على تدبير البشر و إنما يصلحون على تدبير خالق البشر فإن هؤلاء لا يمدحون بالدهاء و النكراء و لم يمنعوا هذا إلا ليعطوا أفضل منه أ لا ترى أن المغيرة بن شعبة و كان أحد الدهاة حين رد على عمرو بن العاص قوله في عمر بن الخطاب و عمرو بن العاص أحد الدهاة أيضا أ أنت كنت تفعل أو توهم عمر شيئا فيلقنه عنك ما رأيت عمر مستخليا بأحد إلا رحمته كائنا من كان ذلك الرجل كان عمر و الله أعقل من أن يخدع و أفضل من أن يخدع و لم يذكره بالدهاء و النكراء هذا مع عجبه بإضافة الناس ذلك إليه و لكنه قد علم أنه إذا أطلق على الأئمة الألفاظ التي لا تصلح في أهل الطهارة كان ذلك غير مقبول منه فهذا هذا.و كذلك كان حكم قول معاوية للجميع أخرجوا إلينا قتلة عثمان و نحن لكم سلم فاجهد كل جهدك و استعن بمن شايعك إلى أن تتخلص إلى صواب رأي في ذلك الوقت أضله علي حتى تعلم أن معاوية خادع و أن عليا ع كان المخدوع.فإن قلت فقد بلغ ما أراد و نال ما أحب فهل رأيت كتابنا وضع إلا على أن عليا كان قد امتحن في أصحابه و في دهره بما لم يمتحن إمام قبله من الاختلاف و المنازعة و التشاح من الرئاسة و التسرع و العجلة و هل أتي ع إلا من هذا المكان أ و لسنا قد فرغنا من هذا الأمر و قد علمنا أن ثلاثة نفر تواطئوا على قتل ثلاثة نفر فانفرد ابن ملجم

٢٣٠

بالتماس ذلك من علي ع و انفرد البرك الصريمي بالتماس ذلك من عمرو بن العاص و انفرد الآخر و هو عمرو بن بكر التميمي بالتماس ذلك من معاوية فكان من الاتفاق أو من الامتحان أن كان علي من بينهم هو المقتول.و في قياس مذهبكم أن تزعموا أن سلامة عمرو و معاوية إنما كانت بحزم منهما و أن قتل علي ع إنما هو من تضييع منه فإذ قد تبين لكم أنه من الابتلاء و الامتحان في نفسه بخلاف الذي قد شاهدتموه في عدوه فكل شي‏ء سوى ذلك فإنما هو تبع للنفس.هذا آخر كلام أبي عثمان في هذا الموضع و من تأمله بعين الإنصاف و لم يتبع الهوى علم صحة جميع ما ذكره و أن أمير المؤمنين دفع من اختلاف أصحابه و سوء طاعتهم له و لزومه سنن الشريعة و منهج العدل و خروج معاوية و عمرو بن العاص عن قاعدة الشرع في استمالة الناس إليهم بالرغبة و الرهبة إلى ما لم يدفع إليه غيره فلو لا أنه ع كان عارفا بوجوه السياسة و تدبير أمر السلطان و الخلافة حاذقا في ذلك لم يجتمع عليه إلا القليل من الناس و هم أهل الآخرة خاصة الذين لا ميل لهم إلى الدنيا فلما وجدناه دبر الأمر حين وليه و اجتمع عليه من العساكر و الأتباع ما يتجاوز العد و الحصر و قاتل بهم أعداءه الذين حالهم حالهم فظفر في أكثر حروبه و وقف الأمر بينه و بين معاوية على سواء و كان هو الأظهر و الأقرب إلى الانتصار علمنا أنه من معرفة تدبير الدول و السلطان بمكان مكين

٢٣١

ذكر أقوال من طعن في سياسة علي و الرد عليها

و قد تعلق من طعن في سياسته بأمور منها قولهم لو كان حين بويع له بالخلافة في المدينة أقر معاوية على الشام إلى أن يستقر الأمر له و يتوطد و يبايعه معاوية و أهل الشام ثم يعزله بعد ذلك لكان قد كفي ما جرى بينهما من الحرب.و الجواب أن قرائن الأحوال حينئذ قد كان علم أمير المؤمنين ع منها أن معاوية لا يبايع له و إن أقره على ولاية الشام بل كان إقراره له على إمرة الشام أقوى لحال معاوية و آكد في الامتناع من البيعة لأنه لا يخلو صاحب السؤال إما أن يقول كان ينبغي أن يطالبه بالبيعة و يقرن إلى ذلك تقليده بالشام فيكون الأمران معا أو يتقدم منه ع المطالبة بالبيعة أو يتقدم منه إقراره على الشام و تتأخر المطالبة بالبيعة إلى وقت ثان فإن كان الأول فمن الممكن أن يقرأ معاوية على أهل الشام تقليده بالإمرة فيؤكد حاله عندهم و يقرر في أنفسهم لو لا أنه أهل لذلك لما اعتمده علي ع معه ثم يماطله بالبيعة و يحاجزه عنها و إن كان الثاني فهو الذي فعله أمير المؤمنين ع و إن كان الثالث فهو كالقسم الأول بل هو آكد فيما يريده معاوية من الخلاف و العصيان و كيف يتوهم من يعرف السير أن معاوية كان يبايع له لو أقره على الشام و بينه و بينه ما لا تبرك الإبل عليه من الترات القديمة و الأحقاد و هو الذي قتل حنظلة أخاه و الوليد خاله و عتبة جده في مقام واحد ثم ما جرى بينهما في أيام عثمان حتى أغلظ كل واحد منهما لصاحبه و حتى تهدده معاوية و قال له إني شاخص إلى الشام و تارك عندك هذا الشيخ يعني عثمان و الله لئن

٢٣٢

انحصت منه شعرة واحدة لأضربنك بمائة ألف سيف و قد ذكرنا شيئا مما جرى بينهما فيما تقدم.و أما قول ابن عباس له ع وله شهرا و اعزله دهرا و ما أشار به المغيرة بن شعبة فإنهما ما توهماه و ما غلب على ظنونهما و خطر بقلوبهما و علي ع كان أعلم بحاله مع معاوية و أنها لا تقبل العلاج و التدبير و كيف يخطر ببال عارف بحال معاوية و نكره و دهائه و ما كان في نفسه من علي ع من قتل عثمان و من قبل قتل عثمان أنه يقبل إقرار علي ع له على الشام و ينخدع بذلك و يبايع و يعطي صفقة يمينه إن معاوية لأدهى من أن يكاد بذلك و إن عليا ع لأعرف بمعاوية ممن ظن أنه لو استماله بإقراره لبايع له و لم يكن عند علي ع دواء لهذا المرض إلا السيف لأن الحال إليه كانت تئول لا محالة فجعل الآخر أولا.و أنا أذكر في هذا الموضع خبرا رواه الزبير بن بكار في الموفقيات ليعلم من يقف عليه أن معاوية لم يكن لينجذب إلى طاعة علي ع أبدا و لا يعطيه البيعة و أن مضادته له و مباينته إياه كمضادة السواد للبياض لا يجتمعان أبدا و كمباينة السلب للإيجاب فإنها مباينة لا يمكن زوالها أصلا قال الزبير حدثني محمد بن زكريا بن بسطام قال حدثني محمد بن يعقوب بن أبي الليث قال حدثني أحمد بن محمد بن الفضل بن يحيى المكي عن أبيه عن جده الفضل بن يحيى عن الحسن بن عبد الصمد عن قيس بن عرفجة قال لما حصر عثمان أبرد مروان بن الحكم بخبره بريدين أحدهما إلى الشام و الآخر إلى اليمن و بها يومئذ يعلى بن منية و مع كل واحد منهما كتاب فيه أن بني أمية في الناس كالشامة

٢٣٣

الحمراء و أن الناس قد قعدوا لهم برأس كل محجة و على كل طريق فجعلوهم مرمى العر و العضيهة و مقذف القشب و الأفيكة و قد علمتم أنها لم تأت عثمان إلا كرها تجبذ من ورائها و إني خائف إن قتل أن تكون من بني أمية بمناط الثريا إن لم نصر كرصيف الأساس المحكم و لئن وهى عمود البيت لتتداعين جدرانه و الذي عيب عليه إطعامكما الشام و اليمن و لا شك أنكما تابعاه إن لم تحذرا و أما أنا فمساعف كل مستشير و معين كل مستصرخ و مجيب كل داع أتوقع الفرصة فأثب وثبة الفهد أبصر غفلة مقتنصة و لو لا مخافة عطب البريد و ضياع الكتب لشرحت لكما من الأمر ما لا تفزعان معه إلى أن يحدث الأمر فجدا في طلب ما أنتما ولياه و على ذلك فليكن العمل إن شاء الله و كتب في آخره:

و ما بلغت عثمان حتى تخطمت

رجال و دانت للصغار رجال

لقد رجعت عودا على بدء كونها

و إن لم تجدا فالمصير زوال

سيبدي مكنون الضمائر قولهم

و يظهر منهم بعد ذاك فعال

فإن تقعدا لا تطلبا ما ورثتما

فليس لنا طول الحياة مقال

نعيش بدار الذل في كل بلدة

و تظهر منا كأبة و هزال

فلما ورد الكتاب على معاوية أذن في الناس الصلاة جامعة ثم خطبهم خطبة المستنصر المستصرخ.و في أثناء ذلك ورد عليه قبل أن يكتب الجواب كتاب مروان بقتل عثمان و كانت نسخته وهب الله لك أبا عبد الرحمن قوة العزم و صلاح النية و من عليك بمعرفة الحق و اتباعه فإني كتبت إليك هذا الكتاب بعد قتل عثمان أمير المؤمنين

٢٣٤

و أي قتلة قتل نحر كما ينحر البعير الكبير عند اليأس من أن ينوء بالحمل بعد أن نقبت صفحته بطي المراحل و سير الهجير و إني معلمك من خبره غير مقصر و لا مطيل إن القوم استطالوا مدته و استقلوا ناصره و استضعفوه في بدنه و أملوا بقتله بسط أيديهم فيما كان قبضه عنهم و اعصوصبوا عليه فظل محاصرا قد منع من صلاة الجماعة و رد المظالم و النظر في أمور الرعية حتى كأنه هو فاعل لما فعلوه فلما دام ذلك أشرف عليهم فخوفهم الله و ناشدهم و ذكرهم مواعيد رسول الله ص له و قوله فيه فلم يجحدوا فضله و لم ينكروه ثم رموه بأباطيل اختلقوها ليجعلوا ذلك ذريعة إلى قتله فوعدهم التوبة مما كرهوا و وعدهم الرجعة إلى ما أحبوا فلم يقبلوا ذلك و نهبوا داره و انتهكوا حرمته و وثبوا عليه فسفكوا دمه و انقشعوا عنه انقشاع سحابة قد أفرغت ماءها منكفئين قبل ابن أبي طالب انكفاء الجراد إذا أبصر المرعى فأخلق ببني أمية أن يكونوا من هذا الأمر بمجرى العيوق إن لم يثأره ثائر فإن شئت أبا عبد الرحمن أن تكونه فكنه و السلام.فلما ورد الكتاب على معاوية أمر بجمع الناس ثم خطبهم خطبة أبكى منها العيون و قلقل القلوب حتى علت الرنة و ارتفع الضجيج و هم النساء أن يتسلحن ثم كتب إلى طلحة بن عبيد الله و الزبير بن العوام و سعيد بن العاص و عبد الله بن عامر بن كريز و الوليد بن عقبة و يعلى بن منية و هو اسم أمه و إنما اسم أبيه أمية.فكان كتاب طلحة أما بعد فإنك أقل قريش في قريش وترا مع صباحة وجهك و سماحة كفك و فصاحة لسانك فأنت بإزاء من تقدمك في السابقة و خامس المبشرين بالجنة و لك يوم أحد و شرفه و فضله فسارع رحمك الله إلى ما تقلدك الرعية من أمرها مما لا يسعك التخلف عنه و لا يرضى الله منك إلا بالقيام به فقد أحكمت لك الأمر

٢٣٥

قبلي و الزبير فغير متقدم عليك بفضل و أيكما قدم صاحبه فالمقدم الإمام و الأمر من بعده للمقدم له سلك الله بك قصد المهتدين و وهب لك رشد الموفقين و السلام.و كتب إلى الزبير أما بعد فإنك الزبير بن العوام بن أبي خديجة و ابن عمة رسول الله ص و حواريه و سلفه و صهر أبي بكر و فارس المسلمين و أنت الباذل في الله مهجته بمكة عند صيحة الشيطان بعثك المنبعث فخرجت كالثعبان المنسلخ بالسيف المنصلت تخبط خبط الجمل الرديع كل ذلك قوة إيمان و صدق يقين و سبقت لك من رسول الله ص البشارة بالجنة و جعلك عمر أحد المستخلفين على الأمة و اعلم يا أبا عبد الله أن الرعية أصبحت كالغنم المتفرقة لغيبة الراعي فسارع رحمك الله إلى حقن الدماء و لم الشعث و جمع الكلمة و صلاح ذات البين قبل تفاقم الأمر و انتشار الأمة فقد أصبح الناس على شفا جرف هار عما قليل ينهار إن لم يرأب فشمر لتأليف الأمة و ابتغ إلى ربك سبيلا فقد أحكمت الأمر على من قبلي لك و لصاحبك على أن الأمر للمقدم ثم لصاحبه من بعده و جعلك الله من أئمة الهدى و بغاة الخير و التقوى و السلام.و كتب إلى مروان بن الحكم أما بعد فقد وصل إلي كتابك بشرح خبر أمير المؤمنين و ما ركبوه به و نالوه منه جهلا بالله و جراءة عليه و استخفافا بحقه و لأماني لوح الشيطان بها في شرك الباطل ليدهدههم في أهويات الفتن و وهدات الضلال و لعمري لقد صدق عليهم ظنه و لقد اقتنصهم بأنشوطة فخه فعلى رسلك أبا عبد الله يمشى الهوينى و يكون أولا فإذا قرأت كتابي هذا فكن كالفهد لا يصطاد إلا غيلة و لا يتشازر إلا عن حيلة

٢٣٦

و كالثعلب لا يفلت إلا روغانا و أخف نفسك منهم إخفاء القنفذ رأسه عند لمس الأكف و امتهن نفسك امتهان من ييأس القوم من نصره و انتصاره و ابحث عن أمورهم بحث الدجاجة عن حب الدخن عند فقاسها و أنغل الحجاز فإني منغل الشام و السلام.و كتب إلى سعيد بن العاص أما بعد فإن كتاب مروان ورد علي من ساعة وقعت النازلة تقبل به البرد بسير المطي الوجيف تتوجس توجس الحية الذكر خوف ضربة الفأس و قبضة الحاوي و مروان الرائد لا يكذب أهله فعلام الإفكاك يا ابن العاص و لات حين مناص ذلك أنكم يا بني أمية عما قليل تسألون أدنى العيش من أبعد المسافة فينكركم من كان منكم عارفا و يصد عنكم من كان لكم واصلا متفرقين في الشعاب تتمنون لمظة المعاش إن أمير المؤمنين عتب عليه فيكم و قتل في سبيلكم ففيم القعود عن نصرته و الطلب بدمه و أنتم بنو أبيه ذوو رحمه و أقربوه و طلاب ثأره أصبحتم متمسكين بشظف معاش زهيد عما قليل ينزع منكم عند التخاذل و ضعف القوى فإذا قرأت كتابي هذا فدب دبيب البرء في الجسد النحيف و سر سير النجوم تحت الغمام و احشد حشد الذرة في الصيف لانجحارها في الصرد فقد أيدتكم بأسد و تيم و كتب في الكتاب:

تالله لا يذهب شيخي باطلا

حتى أبير مالكا و كاهلا

٢٣٧

القاتلين الملك الحلاحلا

خير معد حسبا و نائلا

و كتب إلى عبد الله بن عامر أما بعد فإن المنبر مركب ذلول سهل الرياضة لا ينازعك اللجام و هيهات ذلك إلا بعد ركوب أثباج المهالك و اقتحام أمواج المعاطب و كأني بكم يا بني أمية شعارير كالأوارك تقودها الحداة أو كرخم الخندمة تذرق خوف العقاب فثب الآن رحمك الله قبل أن يستشري الفساد و ندب السوط جديد و الجرح لما يندمل و من قبل استضراء الأسد و التقاء لحييه على فريسته و ساور الأمر مساورة الذئب الأطلس كسيرة القطيع و نازل الرأي و انصب الشرك و ارم عن تمكن و ضع الهناء مواضع النقب و اجعل أكبر عدتك الحذر و أحد سلاحك التحريض و اغض عن العوراء و سامح اللجوج و استعطف الشارد و لاين الأشوس و قو عزم المريد و بادر العقبة و ازحف زحف الحية و اسبق قبل أن تسبق و قم قبل أن يقام لك و اعلم أنك غير متروك و لا مهمل فإني لكم ناصح أمين و السلام.و كتب في أسفل الكتاب

٢٣٨

عليك سلام الله قيس بن عاصم

و رحمته ما شاء أن يترحما

تحية من أهدى السلام لأهله

إذا شط دارا عن مزارك سلما

فما كان قيس هلكه هلك واحد

و لكنه بنيان قوم تهدما

و كتب إلى الوليد بن عقبة يا ابن عقبة كن الجيش و طيب العيش أطيب من سفع سموم الجوزاء عند اعتدال الشمس في أفقها إن عثمان أخاك أصبح بعيدا منك فاطلب لنفسك ظلا تستكن به إني أراك على التراب رقودا و كيف بالرقاد بك لا رقاد لك فلو قد استتب هذا الأمر لمريده ألفيت كشريد النعام يفزع من ظل الطائر و عن قليل تشرب الرنق و تستشعر الخوف أراك فسيح الصدر مسترخي اللبب رخو الحزام قليل الاكتراث و عن قليل يجتث أصلك و السلام.و كتب في آخر الكتاب

اخترت نومك أن هبت شآمية

عند الهجير و شربا بالعشيات

على طلابك ثأرا من بني حكم

هيهات من راقد طلاب ثارات

و كتب إلى يعلى بن أمية حاطك الله بكلاءته و أيدك بتوفيقه كتبت إليك صبيحة ورد علي كتاب مروان بخبر قتل أمير المؤمنين و شرح الحال فيه و إن أمير المؤمنين طال به العمر حتى نقصت قواه و ثقلت نهضته و ظهرت الرعشة في أعضائه فلما رأى ذلك أقوام لم يكونوا عنده موضعا للإمامة و الأمانة و تقليد الولاية وثبوا به و ألبوا عليه فكان أعظم ما نقموا عليه و عابوه به ولايتك اليمن و طول مدتك عليها ثم ترامى بهم الأمر حالا بعد حال

٢٣٩

حتى ذبحوه ذبح النطيحة مبادرا بها الفوت و هو مع ذلك صائم معانق المصحف يتلو كتاب الله فيه عظمت مصيبة الإسلام بصهر الرسول و الإمام المقتول على غير جرم سفكوا دمه و انتهكوا حرمته و أنت تعلم أن بيعته في أعناقنا و طلب ثأره لازم لنا فلا خير في دنيا تعدل بنا عن الحق و لا في إمرة توردنا النار و إن الله جل ثناؤه لا يرضى بالتعذير في دينه فشمر لدخول العراق.فأما الشام فقد كفيتك أهلها و أحكمت أمرها و قد كتبت إلى طلحة بن عبيد الله أن يلقاك بمكة حتى يجتمع رأيكما على إظهار الدعوة و الطلب بدم عثمان أمير المؤمنين المظلوم و كتبت إلى عبد الله بن عامر يمهد لكم العراق و يسهل لكم حزونة عقابها.و اعلم يا ابن أمية أن القوم قاصدوك بادئ بدء لاستنطاف ما حوته يداك من المال فاعلم ذلك و اعمل على حسبه إن شاء الله.و كتب في أسفل الكتاب:

ظل الخليفة محصورا يناشدهم

بالله طورا و بالقرآن أحيانا

و قد تألف أقوام على حنق

عن غير جرم و قالوا فيه بهتانا

فقام يذكرهم وعد الرسول له

و قوله فيه إسرارا و إعلانا

فقال كفوا فإني معتب لكم

و صارف عنكم يعلى و مروانا

فكذبوا ذاك منه ثم ساوره

من حاض لبته ظلما و عدوانا

قال فكتب إليه مروان جوابا عن كتابه أما بعد فقد وصل كتابك فنعم كتاب زعيم العشيرة و حامي الذمار و أخبرك

٢٤٠