كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١١

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 279

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 279
المشاهدات: 33584
تحميل: 4227


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 279 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 33584 / تحميل: 4227
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 11

مؤلف:
العربية

کتاب شرح نهج البلاغة

الجزء الحادي عشر

ابن ابي الحديد

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما‌السلام ) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل

196 و من كلام له ع

أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّمَا اَلدُّنْيَا دَارُ مَجَازٍ وَ اَلآْخِرَةُ دَارُ قَرَارٍ فَخُذُوا مِنْ مَمَرِّكُمْ لِمَقَرِّكُمْ وَ لاَ تَهْتِكُوا أَسْتَارَكُمْ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَسْرَارَكُمْ وَ أَخْرِجُوا مِنَ اَلدُّنْيَا قُلُوبَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا أَبْدَانُكُمْ فَفِيهَا اُخْتُبِرْتُمْ وَ لِغَيْرِهَا خُلِقْتُمْ إِنَّ اَلْمَرْءَ إِذَا هَلَكَ قَالَ اَلنَّاسُ مَا تَرَكَ وَ قَالَتِ اَلْمَلاَئِكَةُ مَا قَدَّمَ لِلَّهِ آبَاؤُكُمْ فَقَدِّمُوا بَعْضاً يَكُنْ لَكُمْ قَرْضاً وَ لاَ تُخْلِفُوا كُلاًّ فَيَكُونَ فَرْضاً عَلَيْكُمْ ذكر أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في الكامل عن الأصمعي قال خطبنا أعرابي بالبادية فحمد الله و استغفره و وحده و صلى على نبيه ص فأبلغ في إيجاز ثم قال أيها الناس إن الدنيا دار بلاغ و الآخرة دار قرار فخذوا لمقركم من ممركم و لا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم في الدنيا أنتم

٣

و لغيرها خلقتم أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم و المصلى عليه رسول الله و المدعو له الخليفة و الأمير جعفر بن سليمان.و ذكر غيره الزيادة التي في كلام أمير المؤمنين ع و هي أن المرء إذا هلك إلى آخر الكلام.و أكثر الناس على أن هذا الكلام لأمير المؤمنين ع.و يجوز أن يكون الأعرابي حفظه فأورده كما يورد الناس كلام غيرهم.قوله ع دار مجاز أي يجاز فيها إلى الآخرة و منه سمي المجاز في الكلام مجازا لأن المتكلم قد عبر الحقيقة إلى غيرها كما يعبر الإنسان من موضع إلى موضع.و دار القرار دار الاستقرار الذي لا آخر له.فخذوا من ممركم أي من الدنيا لمقركم و هو الآخرة.قوله ع قال الناس ما ترك يريد أن بني آدم مشغولون بالعاجلة لا يفكرون في غيرها و لا يتساءلون إلا عنها فإذا هلك أحدكم فإنما قولهم بعضهم لبعض ما الذي ترك فلان من المال ما الذي خلف من الولد و أما الملائكة فإنهم يعرفون الآخرة و لا تستهويهم شهوات الدنيا و إنما هم مشغولون بالذكر و التسبيح فإذا هلك الإنسان قالوا ما قدم أي أي شي‏ء قدم من الأعمال.ثم أمرهم ع بأن يقدموا من أموالهم بعضها صدقة فإنها تبقى لهم و نهاهم أن يخلفوا أموالهم كلها بعد موتهم فتكون وبالا عليهم في الآخرة

٤

197 و من كلام له ع كان كثيرا ما ينادي به أصحابه

تَجَهَّزُوا رَحِمَكُمُ اَللَّهُ فَقَدْ نُودِيَ فِيكُمْ بِالرَّحِيلِ وَ أَقِلُّوا اَلْعُرْجَةَ اَلْعَرْجَةَ عَلَى اَلدُّنْيَا وَ اِنْقَلِبُوا بِصَالِحِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ اَلزَّادِ فَإِنَّ أَمَامَكُمْ عَقَبَةً كَئُوداً وَ مَنَازِلَ مَخُوفَةً مَهُولَةً لاَ بُدَّ مِنَ اَلْوُرُودِ عَلَيْهَا وَ اَلْوُقُوفِ عِنْدَهَا.وَ اِعْلَمُوا أَنَّ مَلاَحِظَ اَلْمَنِيَّةِ نَحْوَكُمْ دَائِبَةٌ دَانِيَةٌ وَ كَأَنَّكُمْ بِمَخَالِبِهَا وَ قَدْ نَشِبَتْ فِيكُمْ وَ قَدْ دَهَمَتْكُمْ مِنْهَا مُفْظِعَاتُ اَلْأُمُورِ وَ مُضْلِعَاتُ مُعْضِلاَتُ اَلْمَحْذُورِ.فَقَطِّعُوا عَلاَئِقَ اَلدُّنْيَا وَ اِسْتَظْهِرُوا بِزَادِ اَلتَّقْوَى و قد مضى شي‏ء من هذا الكلام فيما تقدم يخالف هذه الرواية تجهزوا لكذا أي تهيئوا له.و العرجة التعريج و هو الإقامة تقول ما لي على ربعك عرجة أي إقامة و عرج فلان على المنزل إذا حبس عليه مطيته.

٥

و العقبة الكئود الشاقة المصعد و دائبة جادة و المخلب للسبع بمنزلة الظفر للإنسان.و أفظع الأمر فهو مفظع إذا جاوز المقدار شدة.و مضلعات المحذور الخطوب التي تضلع أي تجعل الإنسان ضليعا أي معوجا و الماضي ضلع بالكسر يضلع ضلعا.و من رواها بالظاء أراد الخطوب التي تجعل الإنسان ظالعا أي يغمز في مشيه لثقلها عليه و الماضي ظلع بالفتح يظلع ظلعها فهو ظالع

٦

198 و من كلام له ع كلم به طلحة و الزبير بعد بيعته بالخلافة

و قد عتبا عليه من ترك مشورتهما و الاستعانة في الأمور بهما : لَقَدْ نَقَمْتُمَا يَسِيراً وَ أَرْجَأْتُمَا كَثِيراً أَ لاَ تُخْبِرَانِي أَيُّ شَيْ‏ءٍ كَانَ لَكُمَا فِيهِ حَقٌّ دَفَعْتُكُمَا عَنْهُ أَمْ أَيُّ قَسْمٍ اِسْتَأْثَرْتُ عَلَيْكُمَا بِهِ أَمْ أَوْ أَيُّ حَقٍّ رَفَعَهُ إِلَيَّ أَحَدٌ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ ضَعُفْتُ عَنْهُ أَمْ جَهِلْتُهُ أَمْ أَخْطَأْتُ بَابَهُ.وَ اَللَّهِ مَا كَانَتْ لِي فِي اَلْخِلاَفَةِ رَغْبَةٌ وَ لاَ فِي اَلْوَلاَيَةِ إِرْبَةٌ وَ لَكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَا وَ حَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا فَلَمَّا أَفْضَتْ إِلَيَّ نَظَرْتُ إِلَى كِتَابِ اَللَّهِ وَ مَا وَضَعَ لَنَا وَ أَمَرَنَا بِالْحُكْمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ وَ مَا اِسْتَنَّ اَلنَّبِيُّ ص فَاقْتَدَيْتُهُ فَلَمْ أَحْتَجْ فِي ذَلِكَ إِلَى رَأْيِكُمَا وَ لاَ رَأْيِ غَيْرِكُمَا وَ لاَ وَقَعَ حُكْمٌ جَهِلْتُهُ فَأَسْتَشِيرَكُمَا وَ إِخْوَانِي مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ وَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ أَرْغَبْ عَنْكُمَا وَ لاَ عَنْ غَيْرِكُمَا.وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتُمَا مِنْ أَمْرِ اَلْأُسْوَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَمْ أَحْكُمْ أَنَا فِيهِ بِرَأْيِي وَ لاَ وَلِيتُهُ هَوًى مِنِّي بَلْ وَجَدْتُ أَنَا وَ أَنْتُمَا مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اَللَّهِ ص قَدْ فُرِغَ مِنْهُ فَلَمْ أَحْتَجْ إِلَيْكُمَا فِيمَا قَدْ فَرَغَ اَللَّهُ مِنْ قَسْمِهِ وَ أَمْضَى فِيهِ حُكْمَهُ فَلَيْسَ لَكُمَا وَ اَللَّهِ عِنْدِي وَ لاَ لِغَيْرِكُمَا فِي هَذَا عُتْبَى.أَخَذَ اَللَّهُ بِقُلُوبِنَا وَ قُلُوبِكُمْ إِلَى اَلْحَقِّ وَ أَلْهَمَنَا وَ إِيَّاكُمُ اَلصَّبْرَ.

٧

ثُمَّ قَالَ ع رَحِمَ اَللَّهُ رَجُلاً رَأَى حَقّاً فَأَعَانَ عَلَيْهِ أَوْ رَأَى جَوْراً فَرَدَّهُ وَ كَانَ عَوْناً بِالْحَقِّ عَلَى صَاحِبِهِ نقمت عليه بالفتح أنقم هذه اللغة الفصيحة و جاء نقمت بالكسر أنقم.و أرجأتما أخرتما أي نقمتما من أحوالي اليسير و تركتما الكثير الذي ليس لكما و لا لغيركما فيه مطعن فلم تذكراه فهلا اغتفرتما اليسير للكثير.و ليس هذا اعترافا بأن ما نقماه موضع الطعن و العيب و لكنه على جهة الجدل و الاحتجاج كما تقول لمن يطعن في بيت من شعر شاعر مشهور لقد ظلمته إذ تتعلق عليه بهذا البيت و تنسى ما له من المحاسن الكثيرة في غيره.ثم ذكر وجوه العتاب و الاسترادة و هي أقسام إما أن يكون لهما حق يدفعهما عنه أو استأثر عليهما في قسم أو ضعف عن السياسة أو جهل حكما من أحكام الشريعة أو أخطأ بابه.فإن قلت أي فرق بين الأول و الثاني قلت أما دفعهما عن حقهما فمنعهما عنه سواء صار إليه ع أو إلى غيره أو لم يصر إلى أحد بل بقي بحاله في بيت المال.

٨

و أما القسم الثاني فهو أن يأخذ حقهما لنفسه و بين القسمين فرق ظاهر و الثاني أفحش من الأول.فإن قلت فأي فرق بين قوله أم جهلته أو أخطأت بابه.قلت جهل الحكم أن يكون الله تعالى قد حكم بحرمة شي‏ء فأحله الإمام أو المفتي و كونه يخطئ بابه هو أن يصيب في الحكم و يخطئ في الاستدلال عليه.ثم أقسم أنه لم يكن له في الخلافة رغبة و لا إربة بكسر الهمزة و هي الحاجة و صدق ع فهكذا نقل أصحاب التواريخ و أرباب علم السير كلهم و روى الطبري في التاريخ و رواه غيره أيضا إن الناس غشوه و تكاثروا عليه يطلبون مبايعته و هو يأبى ذلك و يقول دعوني و التمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرا له وجوه و ألوان لا تثبت عليه العقول و لا تقوم له القلوب قالوا ننشدك الله أ لا ترى الفتنة أ لا ترى إلى ما حدث في الإسلام أ لا تخاف الله فقال قد أجبتكم لما أرى منكم و اعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم و إن تركتموني فإنما أنا كأحدكم بل أنا أسمعكم و أطوعكم لمن وليتموه أمركم إليه فقالوا ما نحن بمفارقيك حتى نبايعك قال إن كان لا بد من ذلك ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خفيا و لا تكون إلا عن رضا المسلمين و في ملإ و جماعة فقام و الناس حوله فدخل المسجد و انثال عليه المسلمون فبايعوه و فيهم طلحة و الزبير.قلت قوله إن بيعتي لا تكون خفيا و لا تكون إلا في المسجد بمحضر من جمهور الناس يشابه قوله بعد وفاة رسول الله ص للعباس لما سامه مد يده للبيعة إني أحب أن أصحر بها و أكره أن أبايع من وراء رتاج.

٩

ثم ذكر ع أنه لما بويع عمل بكتاب الله و سنة رسوله و لم يحتج إلى رأيهما و لا رأي غيرهما و لم يقع حكم يجهله فيستشيرهما و لو وقع ذلك لاستشارهما و غيرهما و لم يأنف من ذلك.ثم تكلم في معنى التنفيل في العطاء فقال إني عملت بسنة رسول الله ص في ذلك و صدق ع فإن رسول الله ص سوى في العطاء بين الناس و هو مذهب أبي بكر.و العتبى الرضا أي لست أرضيكما بارتكاب ما لا يحل لي في الشرع ارتكابه و الضمير في صاحبه و هو الهاء المجرورة يرجع إلى الجور أي و كان عونا بالعمل على صاحب الجور

من أخبار طلحة و الزبير

قد تقدم منا ذكر ما عتب به طلحة و الزبير على أمير المؤمنين ع و أنهما قالا ما نراه يستشيرنا في أمر و لا يفاوضنا في رأي و يقطع الأمر دوننا و يستبد بالحكم عنا و كانا يرجوان غير ذلك و أراد طلحة أن يوليه البصرة و أراد الزبير أن يوليه الكوفة فلما شاهدا صلابته في الدين و قوته في العزم و هجره الادهان و المراقبة و رفضه المدالسة و المواربة و سلوكه في جميع مسالكه منهج الكتاب و السنة و قد كانا يعلمان ذلك قديما من طبعه و سجيته و كان عمر قال لهما و لغيرهما إن الأجلح إن وليها ليحملنكم على المحجة البيضاء و الصراط المستقيم و كان رسول الله ص

١٠

من قبل قال و إن تولوها عليا تجدوه هاديا مهديا إلا أنه ليس الخبر كالعيان و لا القول كالفعل و لا الوعد كالإنجاز و حالا عنه و تنكرا له و وقعا فيه و عاباه و غمصاه و تطلبا له العلل و التأويلات و تنقما عليه الاستبداد و ترك المشاورة و انتقلا من ذلك إلى الوقيعة فيه بمساواة الناس في قسمة المال و أثنيا على عمر و حمدا سيرته و صوبا رأيه و قالا إنه كان يفضل أهل السوابق و ضللا عليا ع فيما رآه و قالا إنه أخطأ و إنه خالف سيرة عمر و هي السيرة المحمودة التي لم تفضحها النبوة مع قرب عهدنا منها و اتصالها بها و استنجدا عليه بالرؤساء من المسلمين كان عمر يفضلهم و ينفلهم في القسم على غيرهم و الناس أبناء الدنيا و يحبون المال حبا جما فتنكرت على أمير المؤمنين ع بتنكرهما قلوب كثيرة و نغلت عليه نيات كانت من قبل سليمة و لقد كان عمر موفقا حيث منع قريشا و المهاجرين و ذوي السوابق من الخروج من المدينة و نهاهم عن مخالطة الناس و نهى الناس عن مخالطتهم و رأى أن ذلك أس الفساد في الأرض و أن الفتوح و الغنائم قد أبطرت المسلمين و متى بعد الرءوس و الكبراء منهم عن دار الهجرة و انفردوا بأنفسهم و خالطهم الناس في البلاد البعيدة لم يأمن أن يحسنوا لهم الوثوب و طلب الإمرة و مفارقة الجماعة و حل نظام الألفة و لكنهرضي‌الله‌عنه نقض هذا الرأي السديد بما فعله بعد طعن أبي لؤلؤة له من أمر الشورى فإن ذلك كان سبب كل فتنة وقعت و تقع إلى أن تنقضي الدنيا و قد قدمنا ذكر ذلك و شرحنا ما أدى إليه أمر الشورى من الفساد بما حصل في نفس كل من الستة من ترشيحه للخلافة.

١١

و روى أبو جعفر الطبري في تاريخه قال كان عمر قد حجر على أعلام قريش من المهاجرين الخروج في البلدان إلا بإذن و أجل فشكوه فبلغه فقام فخطب فقال ألا إني قد سننت الإسلام سن البعير يبدأ فيكون جذعا ثم ثنيا ثم يكون رباعيا ثم سديسا ثم بازلا ألا فهل ينتظر بالبازل إلا النقصان ألا و إن الإسلام قد صار بازلا و إن قريشا يريدون أن يتخذوا مال الله معونات على ما في أنفسهم ألا إن في قريش من يضمر الفرقة و يروم خلع الربقة أما و ابن الخطاب حي فلا إني قائم دون شعب الحرة آخذ بحلاقيم قريش و حجزها أن يتهافتوا في النار.و قال أبو جعفر الطبري في التاريخ أيضا فلما ولي عثمان لم يأخذهم بالذي كان عمر يأخذهم به فخرجوا إلى البلاد فلما نزلوها و رأوا الدنيا و رآهم الناس خمل من لم يكن له طول و لا قدم في الإسلام و نبه أصحاب السوابق و الفضل فانقطع إليهم الناس و صاروا أوزاعا معهم و أملوهم و تقربوا إليهم و قالوا يملكون فيكون لنا في ملكهم حظوة فكان ذلك أول وهن على الإسلام و أول فتنة كانت في العامة.و روى أبو جعفر الطبري عن الشعبي قال لم يمت عمر حتى ملته قريش و قد كان حصرهم بالمدينة و سألوه أن يأذن لهم في الخروج إلى البلاد فامتنع عليهم و قال إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد حتى أن الرجل كان يستأذنه في غزو الروم أو الفرس و هو ممن حبسه بالمدينة من قريش و لا سيما من المهاجرين فيقول له إن لك في غزوك مع رسول الله ص ما يكفيك و يبلغك و يحسبك و هو خير لك من الغزو اليوم و إن خيرا لك ألا ترى الدنيا و لا تراك.

١٢

فلما مات عمر و ولي عثمان خلى عنهم فانتشروا في البلاد و اضطربوا و انقطع إليهم الناس و خالطوهم فلذلك كان عثمان أحب إلى قريش من عمر.فقد بان لك حسن رأي عمر في منع المهاجرين و أهل السابقة من قريش من مخالطة الناس و الخروج من المدينة و بان لك أن عثمان أرخى لهم في الطول فخالطهم الناس و أفسدوهم و حببوا إليهم الملك و الإمرة و الرئاسة لا سيما مع الثروة العظيمة التي حصلت لهم و الثراء مفسدة و أي مفسدة و حصل لطلحة و الزبير من ذلك ما لم يحصل لغيرهما ثروة و يسارا و قدما في الإسلام و صار لهما لفيف عظيم من المسلمين يمنونهما الخلافة و يحسنون لهما طلب الإمرة لا سيما و قد رشحهما عمر لها و أقامهما مقام نفسه في تحملها و أي امرئ منى بها قط نفسه ففارقها حتى يغيب في اللحد و لا سيما طلحة قد كان يحدث بها نفسه و أبو بكر حي و يروم أن يجعلها فيه بشبهة أنه ابن عمه و سخط خلافة عمر و قال لأبي بكر ما تقول لربك و قد وليت علينا فظا غليظا و كان له في أيام عمر قوم يجلسون إليه و يحادثونه سرا في معنى الخلافة و يقولون له لو مات عمر لبايعناك بغتة جلب الدهر علينا ما جلب و بلغ ذلك عمر فخطب الناس بالكلام المشهور أن قوما يقولون إن بيعة أبي بكر كانت فلتة و إنه لو مات عمر لفعلنا و فعلنا أما إن بيعة أبي بكر كانت فلتة إلا أن الله وقى شرها و ليس فيكم من تقطع إليه الرقاب كأبي بكر فأي امرئ بايع امرأ من غير مشورة من المسلمين فإنهما بغرة أن يقتلا فلما صارت إلى عثمان سخطها طلحة بعد أن كان رضيها و أظهر ما في نفسه و ألب عليه حتى قتل و لم يشك أن الأمر له فلما صارت إلى علي ع حدث منه ما حدث و آخر الدواء الكي.و أما الزبير فلم يكن إلا علوي الرأي شديد الولاء جاريا من الرجل مجرى نفسه.

١٣

و يقال إنه ع لما استنجد بالمسلمين عقيب يوم السقيفة و ما جرى فيه و كان يحمل فاطمة ع ليلا على حمار و ابناها بين يدي الحمار و هو ع يسوقه فيطرق بيوت الأنصار و غيرهم و يسألهم النصرة و المعونة أجابه أربعون رجلا فبايعهم على الموت و أمرهم أن يصبحوا بكرة محلقي رءوسهم و معهم سلاحهم فأصبح لم يوافه منهم إلا أربعة الزبير و المقداد و أبو ذر و سلمان ثم أتاهم من الليل فناشدهم فقالوا نصبحك غدوة فما جاءه منهم إلا أربعة و كذلك في الليلة الثالثة و كان الزبير أشدهم له نصرة و أنفذهم في طاعته بصيرة حلق رأسه و جاء مرارا و في عنقه سيفه و كذلك الثلاثة الباقون إلا أن الزبير هو كان الرأس فيهم و قد نقل الناس خبر الزبير لما هجم عليه ببيت فاطمة ع و كسر سيفه في صخرة ضربت به و نقلوا اختصاصه بعلي ع و خلواته به و لم يزل مواليا له متمسكا بحبه و مودته حتى نشأ ابنه عبد الله و شب فنزع به عرق من الأم و مال إلى تلك الجهة و انحرف عن هذه و محبة الوالد للولد معروفة فانحرف الزبير لانحرافه على أنه قد كانت جرت بين علي ع و الزبير هنات في أيام عمر كدرت القلوب بعض التكدير و كان سببها قصة موالي صفية و منازعة علي للزبير في الميراث فقضى عمر للزبير فأذعن علي ع لقضائه بحكم سلطانه لا رجوعا عما كان يذهب إليه من حكم الشرع في هذه المسألة و بقيت في نفس الزبير على أن شيخنا أبا جعفر الإسكافي رحمه الله ذكر في كتاب نقض العثمانية عن الزبير كلاما إن صح فإنه يدل على انحراف شديد و رجوع عن موالاة أمير المؤمنين ع.قال تفاخر علي ع و الزبير فقال الزبير أسلمت بالغا و أسلمت طفلا و كنت أول من سل سيفا في سبيل الله بمكة و أنت مستخف في الشعب يكفلك الرجال

١٤

و يمونك الأقارب من بني هاشم و كنت فارسا و كنت راجلا و في هيأتي نزلت الملائكة و أنا حواري رسول الله ص.قال شيخنا أبو جعفر و هذا الخبر مفتعل مكذوب و لم يجر بين علي و الزبير شي‏ء من هذا الكلام و لكنه من وضع العثمانية و لم يسمع به في أحاديث الحشوية و لا في كتب أصحاب السيرة.و لعلي ع أن يقول طفل مسلم خير من بالغ كافر و أما سل السيف بمكة فلم يكن في موضعه و في ذلك قال الله تعالى( أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ) الآية و أنا على منهاج الرسول في الكف و الإقدام و ليس كفالة الرجال و الأقارب بالشعب عارا علي فقد كان رسول الله ص في الشعب يكفله الرجال و الأقارب و أما حربك فارسا و حربي راجلا فهلا أغنت فروسيتك يوم عمرو بن عبد ود في الخندق و هلا أغنت فروسيتك يوم طلحة بن أبي طلحة في أحد و هلا أغنت فروسيتك يوم مرحب بخيبر ما كانت فرسك التي تحارب عليها في هذه الأيام إلا أذل من العنز الجرباء و من سلمت عليه الملائكة أفضل ممن نزلت في هيأته و قد نزلت الملائكة في صورة دحية الكلبي أ فيجب من ذلك أن يكون دحية أفضل مني و أما كونك حواري رسول الله ص فلو عددت خصائصي في مقابلة هذه اللفظة الواحدة لك لاستغرقت الوقت و أفنيت الزمان و رب صمت أبلغ من نطق.ثم نرجع إلى الحديث الأول فتقول إن طلحة و الزبير لما أيسا من جهة علي ع

١٥

و من حصول الدنيا من قبله قلبا له ظهر المجن فكاشفاه و عاتباه قبل المفارقة عتابا لاذعا روى شيخنا أبو عثمان قال أرسل طلحة و الزبير إلى علي ع قبل خروجهما إلى مكة مع محمد بن طلحة و قالا لا تقل له يا أمير المؤمنين و لكن قل له يا أبا الحسن لقد فال فيك رأينا و خاب ظننا أصلحنا لك الأمر و وطدنا لك الإمرة و أجلبنا على عثمان حتى قتل فلما طلبك الناس لأمرهم أسرعنا إليك و بايعناك و قدنا إليك أعناق العرب و وطئ المهاجرون و الأنصار أعقابنا في بيعتك حتى إذا ملكت عنانك استبددت برأيك عنا و رفضتنا رفض التريكة و أذلتنا إذالة الإماء و ملكت أمرك الأشتر و حكيم بن جبلة و غيرهما من الأعراب و نزاع الأمصار فكنا فيما رجوناه منك و أملناه من ناحيتك كما قال الأول

فكنت كمهريق الذي في سقائه

لرقراق آل فوق رابية صلد

فلما جاء محمد بن طلحة أبلغه ذاك فقال اذهب إليهما فقل لهما فما الذي يرضيكما فذهب و جاءه فقال إنهما يقولان ول أحدنا البصرة و الآخر الكوفة فقال لاها الله إذن يحلم الأديم و يستشرى الفساد و تنتقض على البلاد من أقطارها و الله إني لا آمنهما و هما عندي بالمدينة فكيف آمنهما و قد وليتهما العراقين اذهب إليهما فقل أيها الشيخان احذرا من سطوة الله و نقمته و لا تبغيا للمسلمين غائلة و كيدا و قد سمعتما قول الله تعالى( تِلْكَ اَلدَّارُ اَلْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي اَلْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ اَلْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) فقام محمد بن طلحة فأتاهما و لم يعد إليه و تأخرا عنه أياما ثم جاءاه فاستأذناه في الخروج إلى مكة للعمرة فأذن لهما بعد أن أحلفهما

١٦

ألا ينقضا بيعته و لا يغدرا به و لا يشقا عصا المسلمين و لا يوقعا الفرقة بينهم و أن يعودا بعد العمرة إلى بيوتهما بالمدينة فحلفا على ذلك كله ثم خرجا ففعلا ما فعلا.و روى شيخنا أبو عثمان قال لما خرج طلحة و الزبير إلى مكة و أوهما الناس أنهما خرجا للعمرة قال علي ع لأصحابه و الله ما يريدان العمرة و إنما يريدان الغدرة فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى‏ بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اَللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً.و روى الطبري في التاريخ قال لما بايع طلحة و الزبير عليا ع سألاه أن يؤمرهما على الكوفة و البصرة فقال بل تكونان عندي أتجمل بكما فإنني أستوحش لفراقكما.قال الطبري و قد كان قال لهما قبل بيعتهما له إن أحببتما أن تبايعاني و إن أحببتما بايعتكما فقالا لا بل نبايعك ثم قالا بعد ذلك إنما بايعناه خشية على أنفسنا و قد عرفنا أنه لم يكن ليبايعنا ثم ظهرا إلى مكة و ذلك بعد قتل عثمان بأربعة أشهر.و روى الطبري أيضا في التاريخ قال لما بايع الناس عليا و تم له الأمر قال طلحة للزبير ما أرى أن لنا من هذا الأمر إلا كحسة أنف الكلب.و روى الطبري أيضا في التاريخ قال لما بايع الناس عليا ع بعد قتل عثمان جاء علي إلى الزبير فاستأذن عليه قال أبو حبيبه مولى الزبير فأعلمته به فسل السيف و وضعه تحت فراشه و قال ائذن له فأذنت له فدخل فسلم على الزبير و هو واقف ثم خرج فقال الزبير لقد دخل لأمر ما قضاه قم مقامه و انظر هل ترى من

١٧

السيف شيئا فقمت في مقامه فرأيت ذباب السيف فأخبرته و قلت إن ذباب السيف ليظهر لمن قام في هذا الموضع فقال ذاك أعجل الرجل و روى شيخنا أبو عثمان قال كتب مصعب بن الزبير إلى عبد الملك من مصعب بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد

ستعلم يا فتى الزرقاء أني

سأهتك عن حلائلك الحجابا

و أترك بلدة أصبحت فيها

تهور من جوانبها خرابا

أما إن لله على الوفاء بذلك إلا أن تتراجع أو تتوب و لعمري ما أنت كعبد الله بن الزبير و لا مروان كالزبير بن العوام حواري رسول الله ص و ابن عمته فسلم الأمر إلى أهله فإن نجاتك بنفسك أعظم الغنيمتين و السلام.فكتب إليه عبد الملك من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إلى الذلول الذي أخطأ من سماه المصعب سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد

أ توعدني و لم أر مثل يومي

خشاش الطير يوعدن العقابا

متى تلق العقاب خشاش طير

يهتك عن مقاتلها الحجابا

أ توعد بالذئاب أسود غاب

و أسد الغاب تلتهم الذئابا

أما ما ذكرت من وفائك فلعمري لقد وفى أبوك لتيم و عدي بعداء قريش و زعانفها حتى إذا صارت الأمور إلى صاحبها عثمان الشريف النسب الكريم الحسب بغاة الغوائل و أعد له المخاتل حتى نال منه حاجته ثم دعا الناس إلى علي و بايعه فلما

١٨

دانت له أمور الأمة و أجمعت له الكلمة و أدركه الحسد القديم لبني عبد مناف فنقض عهده و نكث بيعته بعد توكيدها ف فَكَّرَ وَ قَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ و تمزقت لحمه الضباع بوادي السباع و لعمري إنك تعلم يا أخا بني عبد العزى بن قصي أنا بنو عبد مناف لم نزل سادتكم و قادتكم في الجاهلية و الإسلام و لكن الحسد دعاك إلى ما ذكرت و لم ترث ذلك عن كلالة بل عن أبيك و لا أظن حسدك و حسد أخيك يئول بكما إلا إلى ما آل إليه حسد أبيكما من قبل وَ لا يَحِيقُ اَلْمَكْرُ اَلسَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ وَ سَيَعْلَمُ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.و روى أبو عثمان أيضا قال دخل الحسن بن علي ع على معاوية و عنده عبد الله بن الزبير و كان معاوية يحب أن يغري بين قريش فقال يا أبا محمد أيهما كان أكبر سنا علي أم الزبير فقال الحسن ما أقرب ما بينهما و علي أسن من الزبير رحم الله عليا فقال ابن الزبير رحم الله الزبير و هناك أبو سعيد بن عقيل بن أبي طالب فقال يا عبد الله و ما يهيجك من أن يترحم الرجل على أبيه قال و أنا أيضا ترحمت على أبي قال أ تظنه ندا له و كفؤا قال و ما يعدل به عن ذلك كلاهما من قريش و كلاهما دعا إلى نفسه و لم يتم له قال دع ذاك عنك يا عبد الله إن عليا من قريش و من الرسول ص حيث تعلم و لما دعا إلى نفسه أتبع فيه و كان رأسا و دعا الزبير إلى أمر و كان الرأس فيه امرأة و لما تراءت الفئتان نكص على عقبيه و ولى مدبرا قبل أن يظهر الحق فيأخذه أو يدحض الباطل فيتركه فأدركه رجل لو قيس ببعض أعضائه لكان أصغر فضرب عنقه و أخذ سلبه و جاء برأسه و مضى علي قدما كعادته مع ابن عمه رحم الله عليا

١٩

فقال ابن الزبير أما لو أن غيرك تكلم بهذا يا أبا سعيد لعلم فقال إن الذي تعرض به يرغب عنك و كفه معاوية فسكتوا.و أخبرت عائشة بمقالتهم و مر أبو سعيد بفنائها فنادته يا أبا سعيد أنت القائل لابن أختي كذا فالتفت أبو سعيد فلم ير شيئا فقال إن الشيطان يرانا و لا نراه فضحكت عائشة و قالت لله أبوك ما أذلق لسانك

٢٠