كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 290

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 290
المشاهدات: 23840
تحميل: 4562


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 23840 / تحميل: 4562
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) فلما أشهدهم و أقروا له أنه الرب عز و جل و أنهم العبيد كتب ميثاقهم في رق ثم ألقمه هذا الحجر و أن له لعينين و لسانا و شفتين تشهد لمن وافاه بالموافاة فهو أمين الله عز و جل في هذا المكان فقال عمر لا أبقاني الله بأرض لست بها يا أبا الحسن.قلت قد وجدنا في الآثار و الأخبار في سيرة عمر أشياء تناسب قوله في هذا الحجر الأسود كما أمر بقطع الشجرة التي بويع رسول الله ص تحتها بيعة الرضوان في عمرة الحديبية لأن المسلمين بعد وفاة رسول الله ص كانوا يأتونها فيقيلون تحتها فلما تكرر ذلك أوعدهم عمر فيها ثم أمر بها فقطعت.و روى المغيرة بن سويد قال خرجنا مع عمر في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر( أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ اَلْفِيلِ و لِإِيلافِ قُرَيْشٍ ) فلما فرغ رأى الناس يبادرون إلى مسجد هناك فقال ما بالهم قالوا مسجد صلى فيه النبي ص و الناس يبادرون إليه فناداهم فقال هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا من عرضت له صلاة في هذا المسجد فليصل و من لم تعرض له صلاة فليمض.و أتى رجل من المسلمين إلى عمر فقال أنا لما فتحنا المدائن أصبنا كتابا فيه علم من علوم الفرس و كلام معجب فدعا بالدرة فجعل يضربه بها ثم قرأ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ اَلْقَصَصِ ) و يقول ويلك أ قصص أحسن من كتاب الله إنما هلك

١٠١

من كان قبلكم لأنهم أقبلوا على كتب علمائهم و أساقفتهم و تركوا التوراة و الإنجيل حتى درسا و ذهب ما فيهما من العلم.و جاء رجل إلى عمر فقال إن ضبيعا التميمي لقينا يا أمير المؤمنين فجعل يسألنا عن تفسير حروف من القرآن فقال اللهم أمكني منه فبينا عمر يوما جالس يغدي الناس إذ جاءه الضبيع و عليه ثياب و عمامة فتقدم فأكل حتى إذا فرغ قال يا أمير المؤمنين ما معنى قوله تعالى( وَ اَلذَّارِياتِ ذَرْواً فَالْحامِلاتِ وِقْراً ) قال ويحك أنت هو فقام إليه فحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته فإذا له ضفيرتان فقال و الذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقا لضربت رأسك ثم أمر به فجعل في بيت ثم كان يخرجه كل يوم فيضربه مائة فإذا برأ أخرجه فضربه مائة أخرى ثم حمله على قتب و سيره إلى البصرة و كتب إلى أبي موسى يأمره أن يحرم على الناس مجالسته و أن يقوم في الناس خطيبا ثم يقول إن ضبيعا قد ابتغى العلم فأخطأه فلم يزل وضيعا في قومه و عند الناس حتى هلك و قد كان من قبل سيد قومه.و قال عمر على المنبر ألا إن أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فأفتوا بآرائهم فضلوا و أضلوا ألا إنا نقتدي و لا نبتدي و نتبع و لا نبتدع إنه ما ضل متمسك بالأثر و روى زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر يقول في الحج فيم الرملان الآن و الكشف عن المناكب و قد أظهر الله الإسلام و نفى الكفر و أهله و مع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله ص.

١٠٢

مر عمر برجل فسلم عليه فرد عليه فقال ما اسمك قال جمرة قال أبو من قال أبو شهاب قال ممن قال من الحرقة قال و أين مسكنك قال بحرة النار قال بأيها قال بذات لظى فقال ويحك أدرك أهلك فقد احترقوا فمضى عليهم فوجدهم قد احترقوا.و روى الليث بن سعد قال أتي عمر بفتى أمرد قد وجد قتيلا ملقى على وجه الطريق فسأل عن أمره و اجتهد فلم يقف له على خبر فشق عليه فكان يدعو و يقول اللهم أظفرني بقاتله حتى إذا كان رأس الحول أو قريبا من ذلك وجد طفل مولود ملقى في موضع ذلك القتيل فأتي به عمر فقال ظفرت بدم القتيل إن شاء الله تعالى فدفع الطفل إلى امرأة و قال لها قومي بشأنه و خذي منا نفقته و انظري من يأخذه منك فإذا وجدت امرأة تقبله و تضمه إلى صدرها فأعلميني مكانها فلما شب الصبي جاءت جارية فقالت للمرأة إن سيدتي بعثتني إليك لتبعثي إليها بهذا الصبي فتراه و ترده إليك قالت نعم اذهبي به إليها و أنا معك فذهبت بالصبي حتى دخلت على امرأة شابة فأخذت الصبي فجعلت تقبله و تفديه و تضمه إليها و إذا هي بنت شيخ من الأنصار من أصحاب رسول الله ص فجاءت المرأة و أخبرت عمر فاشتمل على سيفه و أقبل إلى منزلها فوجد أباها متكئا على الباب فقال له ما الذي تعلم من حال ابنتك قال أعرف الناس بحق الله و حق أبيها مع حسن صلاتها و صيامها و القيام بدينها فقال إني أحب أن أدخل إليها و أزيدها رغبة في الخير فدخل الشيخ ثم خرج فقال ادخل يا أمير المؤمنين فدخل و أمر أن يخرج كل من في الدار إلا أباها ثم سألها عن الصبي فلجلجت فقال لتصدقيني ثم انتضى السيف فقالت على رسلك يا أمير المؤمنين فو الله لأصدقنك إن عجوزا كانت تدخل علي فاتخذتها أما و كانت تقوم في أمري بما تقوم به الوالدة و أنا لها بمنزلة البنت

١٠٣

فمكثت كذلك حينا ثم قالت إنه قد عرض لي سفر و لي بنت أتخوف عليها بعدي الضيعة و أنا أحب أن أضمها إليك حتى أرجع من سفري ثم عمدت إلى ابن لها أمرد فهيأته و زينته كما تزين المرأة و أتتني به و لا أشك أنه جارية فكان يرى مني ما ترى المرأة من المرأة فاغتفلني يوما و أنا نائمة فما شعرت به حتى علاني و خالطني فمددت يدي إلى شفرة كانت عندي فقتلته ثم أمرت به فألقي حيث رأيت فاشتملت منه على هذا الصبي فلما وضعته ألقيته في موضع أبيه هذا و الله خبرهما على ما أعلمتك فقال عمر صدقت بارك الله فيك ثم أوصاها و وعظها و خرج و كان عمر يقول لو أدركت عروة و عفراء لجمعت بينهما.ذكر عمرو بن العاص يوما عمر فترحم عليه و قال ما رأيت أحدا أتقي منه و لا أعمل بالحق منه لا يبالي على من وقع الحق من ولد أو والد إني لفي منزلي بمصر ضحى إذ أتاني آت فقال قدم عبد الله و عبد الرحمن ابنا عمر غازيين فقلت أين نزلا قال في موضع كذا لأقصى مصر و قد كان عمر كتب إلي إياك و أن يقدم عليك أحد من أهل بيتي فتجيزه أو تحبوه بأمر لا تصنعه بغيره فافعل بك ما أنت أهله فضقت ذرعا بقدومهما و لا أستطيع أن أهدي لهما و لا أن آتيهما في منزلهما خوفا من أبيهما فو الله إني لعلى ما أنا عليه و إذا قائل يقول هذا عبد الرحمن بن عمر بالباب و أبو سروعة يستأذنان عليك فقلت يدخلان فدخلا و هما منكسران فقالا أقم علينا حد الله فإنا أصبنا الليلة شرابا فسكرنا فزبرتهما و طردتهما و قلت ابن أمير المؤمنين و آخر معه من أهل بدر فقال عبد الرحمن إن لم تفعل أخبرت أبي إذا قدمت عليه أنك لم تفعل فعلمت أني إن لم أقم عليهما الحد غضب عمر و عزلني فنحن على ما نحن عليه

١٠٤

إذ دخل عبد الله بن عمر فقمت إليه و رحبت به و أردت أن أجلسه في صدر مجلسي فأبى علي و قال إن أبي نهاني أن أدخل عليك إلا ألا أجد من الدخول بدا و إني لم أجد من الدخول عليك بدا إن أخي لا يحلق على رءوس الناس أبدا فأما الضرب فاصنع ما بدا لك قال و كانوا يحلقون مع الحد فأخرجتهما إلى صحن الدار و ضربتهما الحد و دخل عبد الله بن عمر بأخيه عبد الرحمن إلى بيت من الدار فحلق رأسه و حلق أبا سروعة و الله ما كتبت إلى عمر بحرف مما كان و إذا كتابه قد ورد من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاصي ابن العاصي عجبت لك يا ابن العاصي و لجرأتك علي و مخالفتك عهدي أما إني خالفت فيك أصحاب بدر و من هو خير منك و اخترتك و أنت الخامل و قدمتك و أنت المؤخر و أخبرني الناس بجرأتك و خلافك و أراك كما أخبروا و ما أراني إلا عازلك فمسي‏ء عزلك ويحك تضرب عبد الرحمن بن عمر في داخل بيتك و تحلق رأسه في داخل بيتك و قد عرفت أن في هذا مخالفتي و إنما عبد الرحمن رجل من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين و لكن قلت هو ولد أمير المؤمنين و قد عرفت ألا هوادة لأحد من الناس عندي في حق يجب لله عز و جل فإذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع قال فبعثت به كما قال أبوه و أقرأت أخاه عبد الله كتاب أبيهما و كتبت إلى عمر كتابا أعتذر فيه و أخبرته أني ضربته في صحن الدار و حلفت بالله الذي لا يحلف بأعظم منه أنه الموضع الذي أقيم فيه الحدود على المسلم و الذمي و بعثت بالكتاب مع عبد الله بن عمر فذكر أسلم مولى عمر قال قدم عبد الله بأخيه عبد الرحمن على أبيهما فدخل عليه في عباءة و هو لا يقدر على المشي من مركبه فقال يا عبد الرحمن فعلت و فعلت السياط السياط فكلمه

١٠٥

عبد الرحمن بن عوف و قال يا أمير المؤمنين قد أقيم عليه الحد مرة فلم يلتفت إليه و زبره فأخذته السياط و جعل يصيح أنا مريض و أنت و الله قاتلي فلم يرق له حتى استوفى الحد و حبسه ثم مرض شهرا و مات.و روى الزبير بن بكار قال خطب عمر أم كلثوم بنت علي ع فقال له إنها صغيرة فقال زوجنيها يا أبا الحسن فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد فقال أنا أبعثها إليك فإن رضيتها زوجتكها فبعثها إليه ببرد و قال لها قولي هذا البرد الذي ذكرته لك فقالت له ذلك فقال قولي له قد رضيته رضي الله عنك و وضع يده على ساقها فقالت له أ تفعل هذا لو لا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ثم جاءت أباها فأخبرته الخبر و قالت بعثتني إلى شيخ سوء قال مهلا يا بنية إنه زوجك فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين في الروضة و كان يجلس فيها المهاجرون الأولون فقال رفئوني رفئوني قالوا بما ذا يا أمير المؤمنين قال تزوجت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب

سمعت رسول الله ص يقول كل سبب و نسب و صهر ينقطع يوم القيامة إلا سببي و نسبي و صهري.و كتب عثمان إلى أبي موسى إذا جاءك كتابي هذا فأعط الناس أعطياتهم و احمل ما بقي إلي ففعل و جاء زيد بن ثابت بالمال فوضعه بين يدي عثمان فجاء ابن لعثمان فأخذ منه أستاندانة من فضة فمضى بها فبكى زيد قال عثمان ما يبكيك قال أتيت عمر مثل ما أتيتك به فجاء ابن له فأخذ درهما فأمر به فانتزع منه حتى أبكى

١٠٦

الغلام و أن ابنك قد أخذ هذه فلم أر أحدا قال شيئا فقال عثمان إن عمر كان يمنع أهله و قرابته ابتغاء وجه الله و أنا أعطي أهلي و أقاربي ابتغاء وجه الله و لن تلقى مثل عمر و روى إسماعيل بن خالد قال قيل لعثمان أ لا تكون مثل عمر قال لا أستطيع أن أكون مثل لقمان الحكيم.ذكرت عائشة عمر فقالت كان أجودنا نسيج وحده قد أعد للأمور أقرانها.جاء عبد الله بن سلام بعد أن صلى الناس على عمر فقال إن كنتم سبقتموني بالصلاة عليه فلا تسبقوني بالثناء عليه ثم قال نعم أخو الإسلام كنت يا عمر جوادا بالحق بخيلا بالباطل ترضى حين الرضا و تسخط حين السخط لم تكن مداحا و لا معيابا طيب الطرف عفيف الطرف.و روى جويرية بن قدامة قال دخلت مع أهل العراق على عمر حين أصيب فرأيته قد عصب بطنه بعمامة سوداء و الدم يسيل فقال له الناس أوصنا فقال عليكم بكتاب الله فإنكم لن تضلوا ما اتبعتموه فأعدنا القول عليه ثانية أوصنا قال أوصيكم بالمهاجرين فإن الناس سيكثرون و يقلون و أوصيكم بالأنصار فإنهم شعب الإسلام الذي لجأ إليه و أوصيكم بالأعراب فإنهم أصلكم الذي لجأتم إليه و مأواكم و أوصيكم بأهل الذمة فإنهم عهد نبيكم و رزق عيالكم قوموا عني.

١٠٧

فلم أحفظ من كلامه إلا هذه الكلمات.و روى عمرو بن ميمون قال سمعت عمر و هو يقول و قد أشار إلى الستة و لم يكلم أحدا منهم إلا علي بن أبي طالب و عثمان ثم أمرهم بالخروج فقال لمن كان عنده إذا اجتمعوا على رجل فمن خالف فلتضرب رقبته ثم قال إن يولوها الأجلح يسلك بهم الطريق فقال له قائل فما يمنعك من العهد إليه قال أكره أن أتحملها حيا و ميتا

خطب عمر الطوال

و قال الجاحظ في كتاب البيان و التبيين لم يكن عمر من أهل الخطب الطوال و كان كلامه قصيرا و إنما صاحب الخطب الطوال علي بن أبي طالب ع.و قد وجدت أنا لعمر خطبا فيها بعض الطول ذكرها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في التاريخ.فمنها خطبة خطب بها حين ولي الخلافة و هي بعد حمد الله و الثناء عليه و على رسوله أيها الناس إني وليت عليكم و لو لا رجاء أن أكون خيركم لكم و أقواكم عليكم و أشدكم استضلاعا بما ينوب من مهم أموركم ما توليت ذلك منكم و لكفى عمر فيها مجزى العطاء موافقة الحساب بأخذ حقوقكم كيف آخذها و وضعها أين أضعها

١٠٨

و بالسير فيكم كيف أسير فربي المستعان فإن عمر لم يصبح يثق بقوة و لا حيلة إن لم يتداركه الله برحمته و عونه.أيها الناس إن الله قد ولاني أمركم و قد علمت أنفع ما لكم و أسأل الله أن يعينني عليه و أن يحرسني عنده كما حرسني عند غيره و أن يلهمني العدل في قسمكم كالذي أمر به فإني امرؤ مسلم و عبد ضعيف إلا ما أعان الله و لن يغير الذي وليت من خلافتكم من خلقي شيئا إن شاء الله إنما العظمة لله و ليس للعباد منها شي‏ء فلا يقولن أحدكم إن عمر تغير منذ ولي و إني أعقل الحق من نفسي و أتقدم و أبين لكم أمري فأيما رجل كانت له حاجة أو ظلم مظلمة أو عتب علينا في خلق فليؤذني فإنما أنا رجل منكم فعليكم بتقوى الله في سركم و علانيتكم و حرماتكم و أعراضكم و أعطوا الحق من أنفسكم و لا يحمل بعضكم بعضا على ألا تتحاكموا إلي فإنه ليس بيني و بين أحد هوادة و أنا حبيب إلى صلاحكم عزيز على عنتكم و أنتم أناس عامتكم حضر في بلاد الله و أهل بلد لا زرع فيه و لا ضرع إلا ما جاء الله به إليه و إن الله عز و جل قد وعدكم كرامة كبيرة و أنا مسئول عن أمانتي و ما أنا فيه و مطلع على ما يحضرني بنفسي إن شاء الله لا أكله إلى أحد و لا أستطيع ما بعد منه إلا بالأمناء و أهل النصح منكم للعامة و لست أحمل أمانتي إلى أحد سواهم إن شاء الله.و خطب عمر مرة أخرى فقال بعد حمد الله و الصلاة على رسول الله ص

١٠٩

أيها الناس إن بعض الطمع فقر و إن بعض اليأس غنى و إنكم تجمعون ما لا تأكلون و تؤملون ما لا تدركون و أنتم مؤجلون في دار غرور و قد كنتم على عهد رسول الله ص تؤخذون بالوحي و من أسر شيئا أخذ بسريرته و من أعلن شيئا أخذ بعلانيته فأظهروا لنا حسن أخلاقكم و الله أعلم بالسرائر فإنه من أظهر لنا قبيحا و زعم أن سريرته حسنة لم نصدقه و من أظهر لنا علانية حسنة ظننا به حسنا و اعلموا أن بعض الشح شعبة من النفاق فأنفقوا خيرا لأنفسكم و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.أيها الناس أطيبوا مثواكم و أصلحوا أموركم و اتقوا الله ربكم و لا تلبسوا نساءكم القباطي فإنه إن لم يشف فإنه يصف.أيها الناس إني لوددت أن أنجو كفافا لا لي و لا علي إني لأرجو أن عمرت فيكم يسيرا أو كثيرا أن أعمل فيكم بالحق إن شاء الله و ألا يبقى أحد من المسلمين و إن كان في بيته إلا أتاه حقه و نصيبه من مال الله و إن لم يعمل إليه نفسه و لم ينصب إليه بدنه فأصلحوا أموالكم التي رزقكم الله فقليل في رفق خير من كثير في عنف.و اعلموا أن القتل حتف من الحتوف يصيب البر و الفاجر و الشهيد من احتسب نفسه و إذا أراد أحدكم بعيرا فليعمد إلى الطويل العظيم فليضربه بعصاه فإن وجده حديد الفؤاد فليشتره.و خطب عمر مرة أخرى فقال

١١٠

إن الله سبحانه قد استوجب عليكم الشكر و اتخذ عليكم الحجج فيما آتاكم من كرامة الدنيا و الآخرة من غير مسألة منكم و لا رغبة منكم فيه إليه فخلقكم تبارك و تعالى و لم تكونوا شيئا لنفسه و عبادته و كان قادرا أن يجعلكم لأهون خلقه عليه فجعلكم عامة خلقه و لم يجعلكم لشي‏ء غيره و سخر لكم ما في السموات و الأرض و أسبغ عليكم نعمه ظاهرة و باطنة و حملكم في البر و البحر و رزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ثم جعل لكم سمعا و بصرا و من نعم الله عليكم نعم عم بها بني آدم و منها نعم اختص بها أهل دينكم ثم صارت تلك النعم خواصها في دولتكم و زمانكم و طبقتكم و ليس من تلك النعم نعمة وصلت إلى امرئ خاصة إلا لو قسمتم ما وصل منها بين الناس كلهم أتعبهم شكرها و فدحهم حقها إلا بعون الله مع الإيمان بالله و رسوله فأنتم مستخلفون في الأرض قاهرون لأهلها قد نصر الله دينكم فلم تصبح أمة مخالفة لدينكم إلا أمتين أمة مستعبدة للإسلام و أهله يتجرون لكم تستصفون معايشهم و كدائحهم و رشح جباههم عليهم المئونة و لكم المنفعة و أمة تنتظر وقائع الله و سطواته في كل يوم و ليلة قد ملأ الله قلوبهم رعبا فليس لهم معقل يلجئون إليه و لا مهرب يتقون به قد دهمتهم جنود الله و نزلت بساحتهم مع رفاغة العيش و استفاضة المال و تتابع البعوث و سد الثغور بإذن الله في العافية الجليلة العامة التي لم تكن الأمة على أحسن منها منذ كان الإسلام و الله المحمود مع الفتوح العظام في كل بلد فما عسى أن يبلغ شكر الشاكرين و ذكر الذاكرين و اجتهاد المجتهدين مع هذه النعم التي لا يحصى عددها و لا يقدر قدرها و لا يستطاع أداء حقها إلا بعون الله و رحمته و لطفه فنسأل الله الذي أبلانا هذا أن يرزقنا العمل بطاعته و المسارعة إلى مرضاته و اذكروا عباد الله بلاء الله عندكم و استتموا نعمة الله عليكم و في مجالسكم مثنى و فرادى فإن الله تعالى قال لموسى

١١١

( أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ اَلظُّلُماتِ إِلَى اَلنُّورِ وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اَللَّهِ و قال لمحمد ص وَ اُذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي اَلْأَرْضِ ) فلو كنتم إذ كنتم مستضعفين محرومين خير الدنيا على شعبة من الحق تؤمنون بها و تستريحون إليها مع المعرفة بالله و بدينه و ترجون الخير فيما بعد الموت و لكنكم كنتم أشد الناس عيشة و أعظم الناس بالله جهالة فلو كان هذا الذي ابتلاكم به لم يكن معه حظ في دنياكم غير أنه ثقة لكم في آخرتكم التي إليها المعاد و المنقلب و أنتم من جهد المعيشة على ما كنتم عليه كنتم أحرياء إن تشحوا على نصيبكم منه و إن تظهروه على غيره فبله أما إنه قد جمع لكم فضيلة الدنيا و كرامة الآخرة أو لمن شاء أن يجمع ذلك منكم فأذكركم الله الحائل بينكم و بين قلوبكم إلا ما عرفتم حق الله و عملتم له و سيرتم أنفسكم على طاعته و جمعتم مع السرور بالنعم خوفا لزوالها و انتقالها و وجلا من تحويلها فإنه لا شي‏ء أسلب للنعمة من كفرانها و أن الشكر أمن للغير و نماء للنعمة و استجلاب للزيادة و هذا علي في أمركم و نهيكم واجب إن شاء الله و روى أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب مقاتل الفرسان قال كتب عمر إلى سلمان بن ربيعة الباهلي أو إلى النعمان بن مقرن أن في جندك رجلين من العرب عمرو بن معديكرب و طليحة بن خويلد فأحضرهما الناس و أدبهما و شاورهما في الحرب و ابعثهما في الطلائع و لا تولهما عملا من أعمال المسلمين و إذا وضعت الحرب أوزارها فضعهما حيث وضعا أنفسهما قال و كان عمرو ارتد و طليحة تنبأ.

١١٢

و روى أبو عبيدة أيضا في هذا الكتاب قال قدم عمرو بن معديكرب و الأجلح بن وقاص الفهمي على عمر فأتياه و بين يديه مال يوزن فقال متى قدمتما قالا يوم الخميس قال فما حبسكما عني قالا شغلنا المنزل يوم قدمنا ثم كانت الجمعة ثم غدونا عليك اليوم فلما فرغ من وزن المال نحاه و أقبل عليهما فقال هيه فقال عمرو بن معديكرب يا أمير المؤمنين هذا الأجلح بن وقاص الشديد المرة البعيد الغرة الوشيك الكرة و الله ما رأيت مثله حين الرجال صارع و مصروع و الله لكأنه لا يموت فقال عمر للأجلح و أقبل عليه و قد عرف الغضب في وجهه هيه يا أجلح فقال الأجلح يا أمير المؤمنين تركت الناس خلفي صالحين كثيرا نسلهم داره أرزاقهم خصبة بلادهم أجرياء على عدوهم فأكلا عدوهم عنهم فسيمتع الله بك فما رأينا مثلك إلا من سبقك فقال ما منعك أن تقول في صاحبك مثل ما قال فيك قال ما رأيت من وجهك قال أصبت أما إنك لو قلت فيه مثل الذي قال فيك لأوجعتكما ضربا و عقوبة فإذ تركتك لنفسك فسأتركه لك و الله لوددت لو سلمت لكم حالكم و دامت عليكم أموركم أما إنه سيأتي عليك يوم تعضه و ينهشك و تهره و ينبحك و لست له يومئذ و ليس لك فإن لا يكن بعدكم فما أقربه منكم.لما أسر الهرمزان صاحب الأهواز و تستر و حمل إلى عمر حمل و معه رجال من المسلمين فيهم الأحنف بن قيس و أنس بن مالك فأدخلوه في المدينة في هيئته و عليه تاجه الذهب و كسوته فوجدوا عمر نائما في جانب المسجد فجلسوا عنده ينتظرون انتباهه فقال الهرمزان أين عمر فقالوا هو ذا قال و أين حراسه و حجابه قالوا لا حارس له و لا حاجب قال فينبغي أن يكون هذا نبيا قالوا إنه يعمل عمل الأنبياء.

١١٣

فاستيقظ عمر فقال الهرمزان قالوا نعم قال لا أكلمه حتى لا يبقى عليه من حليته شي‏ء فرموا بالحلية و ألبسوه ثوبا ضعيفا فقال عمر يا هرمزان كيف رأيت وبال الغدر و قد كان صالح المسلمين مرة ثم نكث فقال يا عمر إنا و إياكم في الجاهلية كنا نغلبكم إذ لم يكن الله معكم و لا معنا فلما كان الله معكم غلبتمونا قال فما عذرك في انتقاضك مرة بعد مرة قال أخاف إن قلت أن تقتلني قال لا بأس عليك فأخبرني فاستسقى ماء فأخذه و جعلت يده ترعد قال ما لك قال أخاف أن تقتلني و أنا أشرب قال لا بأس عليك حتى تشربه فألقاه من يده فقال ما بالك أعيدوا عليه الماء و لا تجمعوا عليه بين القتل و العطش قال كيف تقتلني و قد أمنتني قال كذبت قال لم أكذب فقال أنس صدق يا أمير المؤمنين قال ويحك يا أنس أنا أؤمن قاتل مجزأة بن ثور و البراء بن مالك و الله لتأتيني بالمخرج أو لأعاقبنك قال إنك قلت لا بأس عليك حتى تخبرني و لا بأس عليك حتى تشرب و قال له ناس من المسلمين مثل قول أنس فأقبل على الهرمزان فقال تخدعني و الله لا تخدعني إلا أن تسلم فأسلم ففرض له ألفين و أنزله المدينة.بعث عمر عمير بن سعيد الأنصاري عاملا على حمص فمكث حولا لا يأتيه خبره ثم كتب إليه بعد حول إذا أتاك كتابي هذا فأقبل و احمل ما جبيت من مال المسلمين فأخذ عمير جرابه و جعل فيه زاده و قصعته و علق أداته و أخذ عنزته و أقبل ماشيا من حمص حتى دخل المدينة و قد شحب لونه و اغبر وجهه و طال شعره فدخل على عمر فسلم فقال عمر ما شأنك يا عمير قال ما ترى من شأني أ لست تراني صحيح البدن ظاهر الدم معي الدنيا أجرها بقرنيها قال و ما معك فظن عمر أنه قد جاء

١١٤

بمال قال معي جرابي أجعل فيه زادي و قصعتي آكل فيها و أغسل منها رأسي و ثيابي و أداتي أحمل فيها وضوئي و شرابي و عنزتي أتوكأ عليها و أجاهد بها عدوا إن عرض لي قال عمر أ فجئت ماشيا قال نعم لم يكن لي دابة قال أ فما كان في رعيتك أحد يتبرع لك بدابة تركبها قال ما فعلوا و لا سألتهم ذلك قال عمر بئس المسلمون خرجت من عندهم قال عمير اتق الله يا عمر و لا تقل إلا خيرا قد نهاك الله عن الغيبة و قد رأيتهم يصلون قال عمر فما ذا صنعت في إمارتك قال و ما سؤالك قال سبحان الله قال أما إني لو لا أخشى أن أعمل ما أخبرتك أتيت البلد فجمعت صلحاء أهله فوليتهم جبايته و وضعه في مواضعه و لو أصابك منه شي‏ء لأتاك قال أ فما جئت بشي‏ء قال لا فقال جددوا لعمير عهدا قال إن ذلك لشي‏ء لا أعمله بعد لك و لا لأحد بعدك و الله ما كدت أسلم بل لم أسلم قلت لنصراني معاهد أخزاك الله فهذا ما عرضتني له يا عمر إن أشقى أيامي ليوم صحبتك ثم استأذنه في الانصراف فأذن له و منزله بقباء بعيدا عن المدينة فأمهله عمر أياما ثم بعث رجلا يقال له الحارث فقال انطلق إلى عمير بن سعد و هذه مائة دينار فإن وجدت عليه أثرا فأقبل علي بها و إن رأيت حالا شديدة فادفع إليه هذه المائة فانطلق الحارث فوجد عميرا جالسا يفلي قميصا له إلى جانب حائط فسلم عليه فقال عمير انزل رحمك الله فنزل فقال من أين جئت قال من المدينة قال كيف تركت أمير المؤمنين قال صالحا قال كيف تركت المسلمين قال صالحين قال أ ليس عمر يقيم الحدود قال بلى ضرب ابنا له على فاحشة فمات من ضربه فقال عمير اللهم أعن عمر فإني لا أعلمه إلا شديدا حبه لك قال فنزل به ثلاثة أيام و ليس لهم إلا قرص من شعير كانوا يخصونه كل يوم به و يطوون حتى نالهم الجهد فقال له عمير إنك قد أجعتنا فإن رأيت أن تتحول عنا فافعل فأخرج الحارث الدنانير فدفعها إليه و قال بعث بها أمير المؤمنين فاستغن بها فصاح و قال ردها لا حاجة لي فيها فقالت المرأة خذها

١١٥

ثم ضعها في موضعها فقال ما لي شي‏ء أجعلها فيه فشقت أسفل درعها فأعطته خرقة فشدها فيها ثم خرج فقسمها كلها بين أبناء الشهداء و الفقراء فجاء الحارث إلى عمر فأخبره فقال رحم الله عميرا ثم لم يلبث أن هلك فعظم مهلكه على عمر و خرج مع رهط من أصحابه ماشين إلى بقيع الغرقد فقال لأصحابه ليتمنين كل واحد منا أمنيته فكل واحد تمنى شيئا و انتهت الأمنية إلى عمر فقال وددت أن لي رجلا مثل عمير بن سعد أستعين به على أمور المسلمين

نبذ من كلام عمر

و من كلام عمر إياكم و هذه المجازر فإن لها ضراوة كضراوة الخمر.و قال إياكم و الراحة فإنها غفلة.و قال السمن غفلة.و قال لا تسكنوا نساءكم الغرف و لا تعلموهن الكتابة و استعينوا عليهن بالعرى و عودوهن قول لا فإن نعم تجرئهن على المسألة.و قال تبين عقل المرء في كل شي‏ء حتى في علته فإذا رأيته يتوقى على نفسه الصبر عن شهوته و يحتمي من مطعمه و مشربه عرفت ذلك في عقله و ما سألني رجل عن شي‏ء قط إلا تبين لي عقله في ذلك.و قال إن للناس حدودا و منازل فأنزلوا كل رجل منزلته و ضعوا كل إنسان في حده و احملوا كل امرئ بفعله على قدره.و قال اعتبروا عزيمة الرجل بحميته و عقله بمتاع بيته قال أبو عثمان الجاحظ لأنه

١١٦

ليس من العقل أن يكون فرشه لبدا و مرقعته طبرية.و قال من يئس من شي‏ء استغنى عنه و عز المؤمن استغناؤه عن الناس.و قال لا يقوم بأمر الله إلا من لا يصانع و لا يصارع و لا يتبع المطامع.و قال لا تضعفوا همتكم فإني لم أر شيئا أقعد برجل عن مكرمة من ضعف همته و وعظ رجلا فقال لا تلهك الناس عن نفسك فإن الأمور إليك تصل دونهم و لا تقطع النهار سادرا فإنه محفوظ عليك فإذا أسأت فأحسن فإني لم أر شيئا أشد طلبا و لا أسرع إدراكا من حسنة حديثة لذنب قديم.و قال احذر من فلتات السباب و كل ما أورثك النبز و أعلقك اللقب فإنه إن يعظم بعده شأنك يشتد على ذلك ندمك.و قال كل عمل كرهت من أجله الموت فاتركه ثم لا يضرك متى مت.و قال أقلل من الدين تعش حرا و أقلل من الذنوب يهن عليك الموت و انظر في أي نصاب تضع ولدك فإن العرق دساس.و قال ترك الخطيئة أسهل من معالجة التوبة.و قال احذروا النعمة حذركم المعصية و هي أخفهما عليكم عندي.و قال احذروا عاقبة الفراغ فإنه أجمع لأبواب المكروه من السكر.و قال أجود الناس من يجود على من لا يرجو ثوابه و أحلمهم من عفا بعد القدرة و أبخلهم من بخل بالسلام و أعجزهم من عجز في دعائه.و قال رب نظرة زرعت شهوة و رب شهوة أورثت حزنا دائما.

١١٧

و قال ثلاث خصال من لم تكن فيه لم ينفعه الإيمان حلم يرد به جهل الجاهل و ورع يحجزه عن المحارم و خلق يداري به الناس

أخبار عمر مع عمرو بن معديكرب

و ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب مقاتل الفرسان أن سعد بن أبي وقاص أوفد عمرو بن معديكرب بعد فتح القادسية إلى عمر فسأله عمر عن سعد كيف تركته و كيف رضا الناس عنه فقال يا أمير المؤمنين هو لهم كالأب يجمع لهم جمع الذرة أعرابي في نمرته أسد في تامورته نبطي في جبايته يقسم بالسوية و يعدل في القضية و ينفر في السرية.و كان سعد كتب يثني على عمرو فقال عمر لكأنما تعاوضتما الثناء كتب يثني عليك و قدمت تثني عليه فقال لم أثن إلا بما رأيت قال دع عنك سعدا و أخبرني عن مذحج قومك.قال في كل فضل و خير قال ما قولك في علة بن خالد قال أولئك فوارس أعراضنا أحثنا طلبا و أقلنا هربا قال فسعد العشيرة قال أعظمنا خميسا و أكبرنا رئيسا و أشدنا شريسا قال فالحارث بن كعب قال حكمة لا ترام قال فمراد قال الأتقياء البررة و المساعير الفجرة ألزمنا قرارا و أبعدنا آثارا.

١١٨

قال فأخبرني عن الحرب قال مرة المذاق إذا قلصت عن ساق من صبر فيها عرف و من ضعف عنها تلف و إنها لكما قال الشاعر:

الحرب أول ما تكون فتية

تسعى بزينتها لكل جهول

حتى إذا استعرت و شب ضرامها

عادت عجوزا غير ذات حليل

شمطاء جزت رأسها و تنكرت

مكروهة للشم و التقبيل

قال فأخبرني عن السلاح قال سل عما شئت منه قال الرمح قال أخوك و ربما خانك قال النبل قال منايا تخطئ و تصيب قال الترس قال ذاك المجن و عليه تدور الدوائر قال الدرع قال مشغلة للراكب متعبة للراجل و إنها لحصن حصين قال السيف قال هناك قارعت أمك الهبل قال بل أمك قال بل أمي و الحمى أضرعتني لك.عرض سليمان بن ربيعة الباهلي جنده بأرمينية فكان لا يقبل من الخيل إلا عتيقا فمر عمرو بن معديكرب بفرس غليظ فرده و قال هذا هجين قال عمرو إنه ليس بهجين و لكنه غليظ قال بل هو هجين فقال عمرو إن الهجين ليعرف الهجين فكتب بكلمته إلى عمر فكتب إليه أما بعد يا ابن معديكرب فإنك القائل لأميرك ما قلت فإنه بلغني أن عندك سيفا تسميه الصمصامة و أن عندي سيفا أسميه مصمما و أقسم بالله لئن وضعته بين أذنيك لا يقلع حتى يبلغ قحفك.

١١٩

و كتب إلى سليمان بن ربيعة يلومه في حلمه عنه فلما قرأ عمرو الكتاب قال من ترونه يعني قالوا أنت أعلم قال هددني بعلي و الله و قد كان صلى بناره مرة في حياة رسول الله ص و أفلت من يده بجريعة الذقن و ذلك حين ارتدت مذحج و كان رسول الله ص أمر عليها فروة بن مسيك المرادي فأساء السيرة و نابذ عمرو بن معديكرب ففارقه في كثير من قبائل مذحج فاستجاش فروة عليه و عليهم رسول الله ص فأرسل خالد بن سعيد بن العاص في سرية و خالد بن الوليد بعده في سرية ثانية و علي بن أبي طالب ع في سرية ثالثة و كتب إليهم كل واحد منكم أمير من معه فإذا اجتمعتم فعلي أمير على الكل فاجتمعوا بموضع من أرض اليمن يقال له كسر فاقتتلوا هناك و صمد عمرو بن معديكرب لعلي ع و كان يظن أن لا يثبت له أحد من شجعان العرب فثبت له فعلا عليه و عاين منه ما لم يكن يحتسبه ففر من بين يديه هاربا ناجيا بحشاشة نفسه بعد أن كاد يقتله و فر معه رؤساء مذحج و فرسانهم و غنم المسلمون أموالهم و سبيت ذلك اليوم ريحانة بنت معديكرب أخت عمرو فأدى خالد بن سعيد بن العاص فداءها من ماله فأصابه عمرو أخوها الصمصامة فلم يزل ينتقل في بني أمية و يتداولونه واحدا بعد واحد حتى صار إلى بني العباس في أيام المهدي محمد بن المنصور أبي جعفر

فصل فيما نقل عن عمر من الكلمات الغريبة

فأما ما نقل عن عمر من الألفاظ الغريبة اللغوية التي شرحها المفسرون فنحن نذكر من ذلك ما يليق بهذا الكتاب.

١٢٠