كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 290

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 290
المشاهدات: 23851
تحميل: 4567


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 23851 / تحميل: 4567
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

و أما باقي الأخبار فالمراد بالملك فيها الأخبار عن صحة ظنه و صدق فراسته و هو كلام يجري مجرى المثل فلا يقدح فيه ما ذكروه.و أما قوله ص لو نزل إلى الأرض عذاب لما نجا منه إلا عمر فهو كلام قاله عقيب أخذ الفدية من أسارى بدر فإن عمر لم يشر عليه و نهاه عنه فأنزل الله تعالى( لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اَللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) و إذا كان القرآن قد نطق بذلك و شهد لم يلتفت إلى طعن من طعن في الخبر.و أما قوله ع سراج أهل الجنة عمر فمعناه سراج القوم الذين يستحقون الجنة من أهل الدنيا أيام كونهم في الدنيا مع عمر أي يستضيئون بعلمه كما يستضاء بالسراج.و أما حديث منع الشاعر فإن رسول الله ص خاف أن يذكر في شعره ما يقتضي الإنكار فيعنف به عمر و كان شديد الغلظة فأراد النبي ص أن ينكر هو على الشاعر أن قال في شعره ما يقتضي ذلك على وجه اللطف و الرفق و كان ع رءوفا رحيما كما قال الله تعالى.و أما حديث الرجحان فالمراد به الفتوح و ملك البلاد و تأويله أنه ع أري في منامه ما يدل على أنه يفتح الله عليه بلادا و على أبي بكر مثله و يفتح على عمر أضعاف ذلك و هكذا وقع.و اعلم أن من تصدى للعيب وجده و من قصر همته على الطعن على الناس انفتحت

١٨١

له أبواب كثيرة و السعيد من أنصف من نفسه و رفض الهوى و تزود التقوى و بالله التوفيق

ذكر ما ورد من الخبر عن إسلام عمر

و أما إسلام عمر فإنه أسلم فكان تمام أربعين إنسانا في أظهر الروايات و ذلك في السنة السادسة من النبوة و سنه إذ ذاك ست و عشرون سنة و كان عمر ابنه عبد الله يومئذ ست سنين و أصح ما روي في إسلامه رواية أنس بن مالك عنه قال خرجت متقلدا سيفي فلقيت رجلا من بني زهرة فقال أين تعمد قلت أقتل محمدا قال و كيف تأمن في بني هاشم و بني زهرة فقلت ما أراك إلا صبوت قال أ فلا أدلك على العجب أن أختك و زوجها قد صبوا فمشى عمر فدخل عليهما ذامرا و عندهما رجل من أصحاب رسول الله ص يقال له خباب بن الأرت فلما سمع خباب حس عمر توارى فقال عمر ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم و كانوا يقرءون طه على خباب فقال ما عندنا شي‏ء إنما هو حديث كنا نتحدثه بيننا قال فلعلكما قد صبوتما فقال له ختنه أ رأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك فوثب عمر على ختنه فوطئه وطئا شديدا فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها بيده فأدمى وجهها فجاهرته فقالت إن الحق في غير دينك و أنا أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله فاصنع ما بدا لك فلما يئس قال أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرءوه و كان عمر يقرأ الخط

١٨٢

فقالت له أخته إنك رجس و إن هذا الكتاب لا يمسه إلا المطهرون فقم فتوضأ فقام فأصاب ماء ثم أخذ الكتاب فقرأ طه ما( أَنْزَلْنا عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لِتَشْقى‏ إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى ) إلى قوله( إِنَّنِي أَنَا اَللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَ أَقِمِ اَلصَّلاةَ لِذِكْرِي ) فقال عمر دلوني على محمد فلما سمع خباب قول عمر و رأى منه الرقة خرج من البيت فقال أبشر يا عمر فإني لأرجو أن تكون دعوة رسول الله ص ليلة الخميس لك سمعته يقول اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام قال و رسول الله ص في الدار التي في أصل الصفا فانطلق عمر حتى أتى الدار و على الباب حمزة بن عبد المطلب و طلحة بن عبيد الله و ناس من أهل رسول الله ص فلما رأى الناس عمر قد أقبل كأنهم وجدوا و قالوا قد جاء عمر فقال حمزة قد جاء عمر فإن يرد الله به خيرا يسلم و إن يرد غير ذلك كان قتله علينا هينا قال و النبي ص من داخل البيت يوحى إليه فسمع رسول الله ص كلام القوم فخرج مسرعا حتى انتهى إلى عمر فأخذ بمجامع ثوبه و حمائل سيفه و قال ما أنت منتهيا يا عمر حتى ينزل الله بك يعني من الخزي و النكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة ثم قال اللهم هذا عمر اللهم أعز الإسلام بعمر فقال أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أنك رسول الله فكبر أهل الدار و من كان على الباب تكبيرة سمعها من كان في المسجد من المشركين.و قد روي أن عمر كان موعودا و مبشرا بما وصل إليه من قبل أن يظهر أمر الإسلام قرأت في كتاب من تصانيف أبي أحمد العسكريرحمه‌الله أن عمر خرج عسيفا مع الوليد بن المغيرة إلى الشام في تجارة للوليد و عمر يومئذ ابن ثماني عشرة سنة فكان يرعى

١٨٣

للوليد إبله و يرفع أحماله و يحفظ متاعه فلما كان بالبلقاء لقيه رجل من علماء الروم فجعل ينظر إليه و يطيل النظر لعمر ثم قال أظن اسمك يا غلام عامرا أو عمران أو نحو ذلك قال اسمي عمر قال اكشف عن فخذيك فكشف فإذا على أحدهما شامة سوداء في قدر راحة الكف فسأله أن يكشف عن رأسه فكشف فإذا هو أصلع فسأله أن يعتمل بيده فاعتمل فإذا أعسر أيسر فقال له أنت ملك العرب و حق مريم البتول قال فضحك عمر مستهزئا قال أ و تضحك و حق مريم البتول أنك ملك العرب و ملك الروم و ملك الفرس فتركه عمر و انصرف مستهينا بكلامه و كان عمر يحدث بعد ذلك و يقول تبعني ذلك الرومي و هو راكب حمارا فلم يزل معي حتى باع الوليد متاعه و ابتاع بثمنه عطرا و ثيابا و قفل إلى الحجاز و الرومي يتبعني لا يسألني حاجة و يقبل يدي كل يوم إذا أصبحت كما تقبل يد الملك حتى خرجنا من حدود الشام و دخلنا في أرض الحجاز راجعين إلى مكة فودعني و رجع و كان الوليد يسألني عنه فلا أخبره و لا أراه إلا هلك و لو كان حيا لشخص إلينا

تاريخ موت عمر و الأخبار الواردة في ذلك

فأما تاريخ موته فإن أبا لؤلؤة طعنه يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة من سنة ثلاث و عشرين و دفن يوم الأحد صباح هلال المحرم سنة أربع و عشرين و كانت ولايته عشر سنين و ستة أشهر و هو ابن ثلاث و ستين في أظهر الأقوال و قد كان قال على المنبر يوم جمعة و قد ذكر رسول الله ص و أبا بكر أني قد رأيت رؤيا أظنها لحضور أجلي رأيت كأن ديكا نقرني نقرتين فقصصتها على أسماء

١٨٤

بنت عميس فقالت يقتلك رجل من العجم و إني أفكرت فيمن أستخلف ثم رأيت أن الله لم يكن ليضيع دينه و خلافته التي بعث بها رسوله و روى ابن شهاب قال كان عمر لا يأذن لصبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة و هو على الكوفة يذكر له غلاما صنعا عنده و يستأذنه في دخول المدينة و يقول إن عنده أعمالا كثيرة فيها منافع للناس إنه حداد نقاش نجار فأذن له أن يرسل به إلى المدينة و ضرب عليه المغيرة مائة درهم في كل شهر فجاء إلى عمر يوما يشتكي إليه الخراج فقال له عمر ما ذا تحسن من الأعمال فعد له الأعمال التي يحسن فقال له ليس خراجك بكثير في كنه عملك هذا هو الذي رواه أكثر الناس من قوله له و من الناس من يقول إنه جهر بكلام غليظ و اتفقوا كلهم على أن العبد انصرف ساخطا يتذمر فلبث أياما ثم مر بعمر فدعاه فقال قد حدثت أنك تقول لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح فالتفت العبد عابسا ساخطا إلى عمر و مع عمر رهط من الناس فقال لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها فلما ولي أقبل عمر على الرهط فقال أ لا تسمعون إلى العبد ما أظنه إلا أوعدني آنفا فلبث ليالي ثم اشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين نصابه في وسطه فكمن في زاوية من زوايا المسجد في غلس السحر فلم يزل هنالك حتى جاء عمر يوقظ الناس لصلاة الفجر كما كان يفعل فلما دنا منه وثب عليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرة قد خرقت الصفاق و هي التي قتلته ثم انحاز إلى أهل المسجد فطعن فيهم من يليه حتى طعن أحد عشر رجلا سوى عمر ثم انتحر بخنجره فقال عمر حين أدركه النزف قولوا لعبد الرحمن بن عوف فليصل بالناس ثم غلبه النزف فأغمي عليه

١٨٥

فأحتمل حتى أدخل بيته ثم صلى عبد الرحمن بالناس قال ابن عباس فلم أزل عند عمر و هو مغمى عليه لم يزل في غشية واحدة حتى أسفر فلما أسفر أفاق فنظر في وجوه من حوله و قال أ صلى الناس فقيل نعم فقال لا إسلام لمن ترك الصلاة ثم دعا بوضوء فتوضأ و صلى ثم قال اخرج يا ابن عباس فاسأل من قتلني فجئت حتى فتحت باب الدار فإذا الناس مجتمعون فقلت من طعن أمير المؤمنين قالوا طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة قال ابن عباس فدخلت فإذا عمر ينظر إلى الباب يستأني خبر ما بعثني له فقلت يا أمير المؤمنين زعم الناس أنه عدو الله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة و أنه طعن رهطا ثم قتل نفسه فقال الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة سجدها له قط ما كانت العرب لتقتلني ثم قال أرسلوا إلى طبيب ينظر جرحي فأرسلوا إلى طبيب من العرب فسقاه نبيذا فخرج من الجرح فاشتبه عليهم الدم بالنبيذ ثم دعوا طبيبا آخر فسقاه لبنا فخرج اللبن من الطعنة صلدا أبيض فقال الطبيب اعهد يا أمير المؤمنين عهدك فقال لقد صدقني و لو قال غير ذلك لكذب فبكى عليه القوم حتى أسمعوا من خارج الدار فقال لا تبكوا علينا ألا و من كان باكيا فليخرج

فإن النبي ص قال إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه.و روي عن عبد الله بن عمر أنه قال سمعت أبي يقول لقد طعنني أبو لؤلؤة طعنتين و ما أظنه إلا كلبا حتى طعنني الثالثة و روي أن عبد الرحمن بن عوف طرح على أبي لؤلؤة بعد أن طعن الناس خميصه كانت عليه فلما حصل فيها نحر نفسه فاحتز عبد الرحمن رأسه و اجتمع البدريون و أعيان المهاجرين و الأنصار بالباب فقال عمر لابن عباس اخرج إليهم فاسألهم أ عن ملإ منكم

١٨٦

كان هذا الذي أصابني فخرج يسألهم فقال القوم لا و الله و لوددنا أن الله زاد في عمره من أعمارنا.و روى عبد الله بن عمر قال كان أبي يكتب إلى أمراء الجيوش لا تجلبوا إلينا من العلوج أحدا جرت عليه المواسي فلما طعنه أبو لؤلؤة قال من بي قالوا غلام المغيرة قال أ لم أقل لكم لا تجلبوا إلينا من العلوج أحدا فغلبتموني.و روى محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون قال إني لقائم ما بيني و بين عمر إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب و كان إذا مر بين الصفين قال استووا حتى إذا لم ير بيننا خللا تقدم فكبر و ربما قرأ سورة يوسف أو النحل في الركعة الأولى أو نحو ذلك في الركعة الثانية حتى يجتمع الناس فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول قتلني أو أكلني الكلب و ذلك حين طعنه العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا و لا شمالا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم ستة فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه و تناول عمر بيده عبد الرحمن بن عوف فقدمه فمن يلي عمر فقد رأى الذي رأى و أما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون غير أنهم فقدوا صوت عمر فهم يقولون سبحان الله فصلى عبد الرحمن صلاة خفيفة فلما انصرفوا قال يا ابن عباس انظر من قتلني فجال ساعة ثم جاء فقال غلام المغيرة قال الصنع قال نعم

١٨٧

قال قاتله الله لقد أمرت به معروفا الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام و قد كنت أنت و أبوك تحبان أن يكثر العلوج و كان العباس أكثرهم رقيقا فقال إن شئت فعلنا أي قتلناهم قال كذبت بعد أن تكلموا بلسانكم و صلوا قبلتكم و حجوا حجكم فأحتمل إلى بيته و انطلقنا معه و كان الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ فقائل يقول لا بأس عليه و قائل يقول أخاف عليه فأتي بنبيذ فشربه فخرج من جوفه ثم أتي بلبن فشربه فخرج من جوفه فعلموا أنه ميت فدخل الناس يثنون عليه و جاء رجل شاب فقال أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك صحبة برسول الله و قدم في الإسلام ما قد علمت ثم وليت فعدلت ثم الشهادة فقال عمر وددت أن ذلك كله كان كفافا لا على و لا لي فلما أدبر إذا رداؤه يمس الأرض فقال ردوا على الغلام فردوه فقال يا ابن أخي ارفع ثوبك فإنه أبقى لثوبك و أتقى لربك يا عبد الله بن عمر انظر ما علي من دين فحسبوه فوجدوه ستة و ثمانين ألفا أو نحوه فقال إن وفى به مال آل عمر فأده من أموالهم و إلا فسل في بني عدي بن كعب فإن لم تف به أموالهم فسل في قريش و لا تعدهم إلى غيرهم و أد عني هذا المال انطلق إلى عائشة فقل لها يقرأ عليك السلام عمر و لا تقل أمير المؤمنين فإني اليوم لست للمؤمنين أميرا و قل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه فمضى و سلم و استأذن و دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال يقرأ عليك عمر السلام و يستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت كنت أريده لنفسي يعني الموضع و لأوثرنه اليوم على نفسي فلما أقبل قيل هذا عبد الله قد جاء قال ارفعوني فأسندوه إلى رجل منهم قال يا عبد الله ما لديك قال الذي تحب يا أمير المؤمنين قد أذنت قال الحمد لله ما كان شي‏ء أهم إلي من

١٨٨

ذلك إذا أنا قبضت فاحملني ثم سلم عليها و قل يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذنت لي فأدخلوني و إن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين و ادفنوني بين المسلمين و جاءت ابنته حفصة و النساء معها قال فلما رأيناها قمنا فولجت عليه فبكت عنده ساعة و استأذن الرجال فولجت بيتا داخلا لهم فسمعنا بكاءها من البيت الداخل فقال أوص يا أمير المؤمنين و استخلف فقال ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو قال الرهط الذين توفي رسول الله ص و هو عنهم راض فسمى عليا و عثمان و الزبير و طلحة و سعدا و عبد الرحمن و قال يشهدكم عبد الله بن عمر و ليس له من الأمر شي‏ء كهيئة التعزية له فإن أصابت الإمارة سعدا فهو أهل لذلك و إلا فليستعن به أيكم أمر فإني لم أعزله عن عجز و لا عن خيانة ثم قال أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم و يحفظ لهم حرمتهم و أوصيه بالأنصار خيرا الذين تبوءوا الدار و الإيمان من قبلهم أن يقبل من محسنهم و أن يعفو عن مسيئهم و أوصيه بأهل الأمصار خيرا فإنهم ردء الإسلام و جباة الأموال و غيظ العدو ألا يأخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم و أوصيه بالأعراب خيرا فإنهم أصل العرب و مادة الإسلام أن يؤخذ من حواشي أموالهم و يرد على فقرائهم و أوصيه بذمة الله و ذمة رسوله أن يوفي لهم بعهدهم و أن يقاتل من وراءهم و ألا يكلفوا إلا طاقتهم.قال فلما قبض خرجنا به فانطلقنا نمشي فسلم عبد الله بن عمر و قال يستأذن عمر بن الخطاب فقالت أدخلوه فأدخل فوضع هنالك مع صاحبيه.

١٨٩

و قال ابن عباس أنا أول من أتى عمر حين طعن فقال احفظ عني ثلاثا فإني أخاف ألا يدركني الناس أما أنا فلم أقض في الكلالة و لم أستخلف على الناس و كل مملوك لي عتيق فقلت له أبشر بالجنة صاحبت رسول الله ص فأطلت صحبته و وليت أمر المسلمين فقويت عليه و أديت الأمانة قال أما تبشيرك لي بالجنة فو الله الذي لا إله إلا هو لو أن لي الدنيا بما فيها لافتديت به من هول ما أمامي قبل أن أعلم ما الخبر و أما ما ذكرت من أمر المسلمين فلوددت أن ذلك كان كفافا لا علي و لا لي و أما ما ذكرت من صحبة رسول الله ص فهو ذلك و روى معمر عن الزهري عن سالم عن عبد الله قال دخلت على أبي فقلت سمعت الناس يقولون مقالة و آليت أن أقولها لك زعموا أنك غير مستخلف و أنه لو كان لك راعي إبل أو غنم ثم جاءك و تركها رأيت أنه قد ضيع فرعاية الناس أشد فوضع رأسه ثم رفعه فقال إن الله تعالى يحفظ دينه إن لم أستخلف فإن رسول الله ص لم يستخلف و إن استخلفت فإن أبا بكر قد استخلف فو الله ما هو إلا أن ذكر رسول الله و أبا بكر فعلمت أنه لم يكن يعدل برسول الله ص أحدا و أنه غير مستخلف.و روي أنه قال و قد أذنت له عائشة في أن يدفن في بيتها إذا مت فاستأذنوها مرة ثانية فإن أذنت و إلا فاتركوها فإني أخشى أن تكون أذنت لي لسلطاني فاستأذنوها بعد موته فأذنت.

١٩٠

و روى عمر بن ميمون قال لما طعن عمر دخل عليه كعب الأحبار فقال( اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) قد أنبأتك أنك شهيد فقال من أين لي بالشهادة و أنا بجزيرة العرب.و روى ابن عباس قال لما طعن عمر و جئته بخبر أبي لؤلؤة أتيته و البيت ملآن فكرهت أن أتخطى رقابهم و كنت حديث السن فجلست و هو مسجى و جاء كعب الأحبار و قال لئن دعا أمير المؤمنين ليبقيه الله لهذه الأمة حتى يفعل فيها كذا و كذا حتى ذكر المنافقين فيمن ذكر فقلت أبلغه ما تقول قال ما قلت إلا و أنا أريد أن تبلغه فتشجعت و قمت فتخطيت رقابهم حتى جلست عند رأسه و قلت إنك أرسلتني بكذا إن عبد المغيرة قتلك و أصاب معك ثلاثة عشر إنسانا و إن كعبا هاهنا و هو يحلف بكذا فقال أدعو إلي كعبا فدعي فقال ما تقول قال أقول كذا قال لا و الله لا أدعو و لكن شقي عمر إن لم يغفر الله له.و روى المسور بن مخرمة إن عمر لما طعن أغمي عليه طويلا فقيل إنكم لم توقظوه بشي‏ء مثل الصلاة إن كانت به حياة فقالوا الصلاة يا أمير المؤمنين الصلاة قد صليت فانتبه فقال الصلاة لاها الله لا أتركها لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة فصلى و إن جرحه لينثعب دما.و روى المسور بن مخرمة أيضا قال لما طعن عمر جعل يألم و يجزع فقال ابن عباس و لا و كل ذلك يا أمير المؤمنين لقد صحبت رسول الله ص فأحسنت صحبته ثم فارقته و هو عنك راض و صحبت أبا بكر و أحسنت صحبته و فارقك و هو عنك راض ثم صحبت المسلمين فأحسنت إليهم و فارقتهم و هم عنك راضون

١٩١

قال أما ما ذكرت من صحبة رسول الله ص و أبي بكر فذلك مما من الله به علي و أما ما ترى من جزعي فو الله لو أن لي بما في الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله قبل أن أراه و في رواية لافتديت به من هول المطلع و في رواية المغرور من غررتموه لو أن لي ما على ظهرها من صفراء و بيضاء لافتديت به من هول المطلع و في رواية في الإمارة على تثني يا ابن عباس قلت و في غيرها قال و الذي نفسي بيده لوددت أني خرجت منها كما دخلت فيها لا حرج و لا وزر و في رواية لو كان لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من كرب ساعة يعني الموت كيف و لم أرد الناس بعد و في رواية لو أن لي الدنيا و ما فيها لافتديت به من هول ما أمامي قبل أن أعلم ما الخبر.قال ابن عباس فسمعنا صوت أم كلثوم وا عمراه و كان معها نسوة يبكين فارتج البيت بكاء فقال عمر ويلم عمر إن الله لم يغفر له فقلت و الله إني لأرجو إلا تراها إلا مقدار ما قال الله تعالى( وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها ) إن كنت ما علمنا لأمير المؤمنين و سيد المسلمين تقضي بالكتاب و تقسم بالسوية.فأعجبه قولي فاستوى جالسا فقال أ تشهد لي بهذا يا ابن عباس فكععت أي جبنت فضرب علي ع بين كتفي و قال اشهد و في رواية لم تجزع يا أمير المؤمنين فو الله لقد كان إسلامك عزا و إمارتك فتحا و لقد ملأت الأرض عدلا فقال أ تشهد لي بذلك يا ابن عباس قال فكأنه كره الشهادة فتوقف فقال له علي ع قل نعم و أنا معك فقال نعم.و في رواية أنه قال مسست جلده و هو ملقى فقلت جلد لا تمسه النار أبدا فنظر إلي نظرة جعلت أرثي له منها قال و ما علمك بذلك قلت صحبت رسول الله ص فأحسنت صحبته الحديث فقال لو أن لي ما في الأرض لافتديت

١٩٢

به من عذاب الله قبل أن ألقاه أو أراه.و في رواية قال فأنكرنا الصوت و إذا عبد الرحمن بن عوف و قيل طعن أمير المؤمنين فانصرف الناس و هو في دمه مسجى لم يصل الفجر بعد فقيل يا أمير المؤمنين الصلاة فرفع رأسه و قال لاها الله إذن لا حظ لامرئ في الإسلام ضيع صلاته ثم وثب ليقوم فانثعب جرحه دما فقال هاتوا لي عمامة فعصب بها جرحه ثم صلى و ذكر ثم التفت إلى ابنه عبد الله و قال ضع خدي إلى الأرض يا عبد الله قال عبد الله فلم أعج بها و ظننت أنها اختلاس من عقله فقالها مرة أخرى ضع خدي إلى الأرض يا بني فلم أفعل فقال الثالثة ضع خدي إلى الأرض لا أم لك فعرفت أنه مجتمع العقل و لم يمنعه أن يضعه هو إلا ما به من الغلبة فوضعت خده إلى الأرض حتى نظرت إلى أطراف شعر لحيته خارجة من أضعاف التراب و بكى حتى نظرت إلى الطين قد لصق بعينه فأصغيت أذني لأسمع ما يقول فسمعته يقول يا ويل عمر و ويل أم عمر إن لم يتجاوز الله عنه و قد جاء في رواية أن عليا ع جاء حتى وقف عليه فقال ما أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى و روي عن حفصة أم المؤمنين قالت سمعت أبي يقول في دعائه اللهم قتلا في سبيلك و وفاة في بلد نبيك قلت و أنى يكون هذا قال يأتي به الله إذا شاء و يروى أن كعبا كان يقول له نجدك في كتبنا تموت شهيدا فيقول كيف لي بالشهادة و أنا في جزيرة العرب.و روى المقدام بن معديكرب قال لما أصيب عمر دخلت عليه حفصة ابنته فنادت يا صاحب رسول الله و يا صهر رسول الله و يا أمير المؤمنين فقال لابنه عبد الله أجلسني فلا صبر لي على ما أسمع فأسنده إلى صدره فقال لها إني أحرج عليك

١٩٣

بما لي عليك من الحق أن تندبيني بعد مجلسك هذا فأما عينك فلن أملكها إنه ليس من ميت يندب عليه بما ليس فيه إلا الملائكة تمقته.و روى الأحنف قال سمعت عمر يقول إن قريشا رءوس الناس ليس أحد منهم يدخل من باب إلا دخل معه طائفة من الناس فلما أصيب عمر أمر صهيبا أن يصلي بالناس ثلاثة أيام و يطعمهم حتى يجتمعوا على رجل فلما وضعت الموائد كف الناس عن الطعام فقال العباس بن عبد المطلب أيها الناس إن رسول الله ص مات فأكلنا بعده و مات أبو بكر فأكلنا بعده و أنه لا بد للناس من الأكل ثم مد يده فأكل من الطعام فعرفت قول عمر.و يروي كثير من الناس الشعر المذكور في الحماسة و يزعم أن هاتفا من الجن هتف به و هو:

جزيت عن الإسلام خيرا و باركت

يد الله في ذاك الأديم الممزق

فمن يسع أو يركب جناحي نعامة

ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق

قضيت أمورا ثم غادرت بعدها

بوائق في أكمامها لم تفتق

أ بعد قتيل بالمدينة أظلمت

له الأرض تهتز العضاه بأسؤق

و ما كنت أخشى أن تكون وفاته

بكفي سبنتي أزرق العين مطرق

تظل الحصان البكر يلقي جنينها

نثا خبر فوق المطي معلق

و الأكثرون يروونها لمزرد أخي الشماخ و منهم من يرويها للشماخ نفسه

١٩٤

فصل في ذكر ما طعن به على عمر و الجواب عنه

و نذكر في هذا الموضع ما طعن به على عمر في المغني من المطاعن و ما اعترض به الشريف المرتضى على قاضى القضاة و ما أجاب به قاضى القضاة في كتابه المعروف بالشافي و نذكر ما عندنا في البعض من ذلك

الطعن الأول

قال قاضى القضاة أول ما طعن به عليه قول من قال إنه بلغ من قلة علمه أنه لم يعلم أن الموت يجوز على النبي ص و أنه أسوة الأنبياء في ذلك حتى قال و الله ما مات محمد و لا يموت حتى تقطع أيدي رجال و أرجلهم فلما تلا عليه أبو بكر قوله تعالى( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ و قوله وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ ) الآية قال أيقنت بوفاته و كأني لم أسمع هذه الآية فلو كان يحفظ القرآن أو يفكر فيه لما قال ذلك و هذا يدل على بعده من حفظ القرآن و تلاوته و من هذا حاله لا يجوز أن يكون إماما.قال قاضى القضاة و هذا لا يصح لأنه قد روي عنه أنه قال كيف يموت و قد قال الله تعالى( لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ ) و قال( وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ) و لذلك نفى موته ع لأنه حمل الآية على أنها خبر عنه في حال حياته

١٩٥

حتى قال له أبو بكر إن الله وعده بذلك و سيفعله و تلا عليه ما تلا فأيقن عند ذلك بموته و إنما ظن أن موته يتأخر عن ذلك الوقت لا أنه منع من موته.ثم سأل قاضى القضاة نفسه فقال فإن قيل فلم قال لأبي بكر عند قراءة الآية كأني لم أسمعها و وصف نفسه بأنه أيقن بالوفاة.و أجاب بأن قال لما كان الوجه في ظنه ما أزال أبو بكر الشبهة فيه جاز أن يتيقن ثم سأل نفسه عن سبب يقينه فيما لا يعلم إلا بالمشاهدة.و أجاب بأن قرينة الحال عند سماع الخبر أفادته اليقين و لو لم يكن في ذلك إلا خبر أبي بكر و ادعاؤه لذلك و الناس مجتمعون لحصل اليقين.و قوله كأني لم أقرأ هذه الآية أو لم أسمعها تنبيه على ذهوله عن الاستدلال بها لا أنه على الحقيقة لم يقرأها و لم يسمعها و لا يجب فيمن ذهب عن بعض أحكام الكتاب ألا يعرف القرآن لأن ذلك لو دل لوجب ألا يحفظ القرآن إلا من يعرف جميع أحكامه ثم ذكر أن حفظ القرآن كله غير واجب و لا يقدح الإخلال به في الفضل.و حكي عن الشيخ أبي علي أن أمير المؤمنين ع لم يحط علمه بجميع الأحكام و لم يمنع ذلك من فضله و استدل بما روي من قوله كنت إذا سمعت من رسول الله ص حديثا نفعني الله به ما شاء أن ينفعني و إذا حدثني غيره أحلفته فإن حلف لي صدقته و حدثني أبو بكر و صدق أبو بكر و ذكر أنه لم يعرف أي موضع يدفن فيه رسول الله ص حتى رجع إلى ما رواه أبو بكر و ذكر قصة الزبير في موالي صفية و أن أمير المؤمنين ع أراد أن يأخذ ميراثهم كما أن عليه أن يحمل عقلهم حتى أخبره عمر بخلاف ذلك من أن الميراث للأب و العقل على العصبة.

١٩٦

ثم سأل نفسه فقال كيف يجوز ما ذكرتم على أمير المؤمنين ع مع قوله سلوني قبل أن تفقدوني و قوله إن هاهنا علما جما يومئ إلى قلبه و قوله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم و بين أهل الإنجيل بإنجيلهم و بين أهل الزبور بزبورهم و بين أهل القرآن بقرآنهم و قوله كنت إذا سئلت أجبت و إذا سكت ابتدئت.و أجاب عن ذلك بأن هذا إنما يدل على عظم المحل في العلم من غير أن يدل على الإحاطة بالجميع.و حكي عن أبي علي استبعاده ما روي من قوله لو ثنيت الوسادة قال لأنه لا يجوز أن يصف نفسه بأنه يحكم بما لا يجوز و معلوم أنه ع لا يحكم بين الجميع إلا بالقرآن ثنيت له الوسادة أو لم تثن و هذا يدل على أن الخبر موضوع.فاعترض الشريف المرتضى فقال ليس يخلو خلاف عمر في وفاة رسول الله ص من أن يكون على سبيل الإنكار لموته على كل حال و الاعتقاد بأن الموت لا يجوز عليه على كل وجه أو يكون منكرا لموته في تلك الحال من حيث لم يظهر دينه على الدين كله و ما أشبه ذلك مما قال صاحب الكتاب أنها كانت شبهة في تأخر موته عن تلك الحال.فإن كان الوجه الأول فهو مما لا يجوز خلاف العقلاء في مثله و العلم بجواز الموت على سائر البشر لا يشك فيه عاقل و العلم من دينه ع بأنه سيموت كما مات من قبله ضروري و ليس يحتاج في مثل هذا إلى الآيات التي تلاها أبو بكر من قوله تعالى( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) و ما أشبهها و إن كان خلافه على الوجه الثاني تأول ما فيه أن هذا الخلاف لا يليق بما احتج به أبو بكر من قوله تعالى( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) لأنه لم ينكر على هذا جواز الموت و إنما خالف في تقدمه و قد كان يجب أن يقول له و أي حجة في هذه الآيات على

١٩٧

من جوز عليه ص الموت في المستقبل و أنكره في هذه الحال و بعد فكيف دخلت الشبهة البعيدة على عمر من بين سائر الخلق و من أين زعم أنه لا يموت حتى يقطع أيدي رجال و أرجلهم و كيف حمل معنى قوله تعالى( لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ و قوله وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ) على أن ذلك لا يكون في المستقبل بعد الوفاة و كيف لم يخطر هذا إلا لعمر وحده و معلوم أن ضعف الشبهة إنما يكون من ضعف الفكرة و قلة التأمل و البصيرة و كيف لم يوقن بموته لما رأى ما عليه أهل الإسلام من اعتقاد موته و ما ركبهم من الحزن و الكآبة لفقده و هلا دفع بهذا اليقين ذلك التأويل البعيد فلم يحتج إلى موقف و معرف و قد كان يجب إن كانت هذه شبهة أن يقول في حال مرض رسول الله ص و قد رأى جزع أهله و أصحابه و خوفهم عليه من الوفاة حتى يقول أسامة بن زيد معتذرا من تباطئه عن الخروج في الجيش الذي كان رسول الله ص يكرر و يردد الأمر حينئذ بتنفيذه لم أكن لأسأل عنك الركب ما هذا الجزع و الهلع و قد أمنكم الله من موته بكذا في وجه كذا و ليس هذا من أحكام الكتاب التي يعذر من لا يعرفها على ما ظنه صاحب الكتاب.قلت الذي قرأناه و رويناه من كتب التواريخ يدل على أن عمر أنكر موت رسول الله ص من الوجهين المذكورين أنكر أولا أن يموت إلى يوم القيامة و اعتقد عمر أنه يعمر كما يعتقد كثير من الناس في الخضر فلما حاجه أبو بكر بقوله تعالى( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ و بقوله أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ ) رجع عن ذلك الاعتقاد.و ليس يرد على هذا ما اعترض به المرتضى لأن عمر ما كان يعتقد استحالة الموت عليه كاستحالة الموت على البارئ تعالى أعني الاستحالة الذاتية بل اعتقد استمرار حياته إلى يوم

١٩٨

القيامة مع كون الموت جائزا في العقل عليه و لا تناقض في ذلك فإن إبليس يبقى حيا إلى يوم القيامة مع كون موته جائزا في العقل و ما أورده أبو بكر عليه لازم على أن يكون نفيه للموت على هذا أوجه.و أما الوجه الثاني فهو أنه لما دفعه أبو بكر عن ذلك الاعتقاد وقف مع شبهة أخرى اقتضت عنده أن موته يتأخر و إن لم يكن إلى يوم القيامة و ذلك أنه تأول قوله تعالى( هُوَ اَلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ وَ دِينِ اَلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ ) فجعل الضمير عائدا على الرسول لا على الدين و قال إن رسول الله ص لم يظهر بعد على سائر الأديان فوجب أن تستمر حياته إلى أن يظهر على الأديان بمقتضى الوعد الذي لا يجوز عليه الخلف و الكذب فحاجه أبو بكر من هذا المقام فقال له إنما أراد ليظهر دينه و سيظهره فيما بعد و لم يقل ليظهره الآن فمن ثم قال له و لو أراد ليظهر الرسول ص على الدين كله لكان الجواب واحدا لأنه إذا ظهر دينه فقد أظهره هو.فأما قول المرتضىرحمه‌الله و كيف دخلت هذه الشبهة على عمر من بين الخلق فهكذا تكون الخراطر و الشبه و الاعتقادات تسبق إلى ذهن واحد دون غيره و كيف دخلت الشبهة على جماعة منعوا الزكاة و احتجوا بقوله تعالى( وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) دون غيرهم من قبائل العرب و كيف دخلت الشبهة على أصحاب الجمل و صفين دون غيرهم و كيف دخلت الشبهة على خوارج النهروان دون غيرهم و هذا باب واسع فأما قوله و من أين زعم أنه لا يموت حتى تقطع أيدي رجال و أرجلهم فإن الذي

١٩٩

ذكره المؤرخون أنه قال ما مات رسول الله ص و إنما غاب عنا كما غاب موسى عن قومه و سيعود فتقطع أيدي رجال و أرجلهم ممن أرجف بموته و هذه الرواية تخالف ما ذكره المرتضى.فأما قوله و كيف حمل معنى قوله( لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ ) و قوله( وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ) على أن ذلك لا يكون في المستقبل فقد بينا الشبهة الداخلة عليه في ذلك و كونه ظن أن ذلك يكون معجلا على الفور و كذلك قوله( وَعَدَ اَللَّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا اَلصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اَلْأَرْضِ كَمَا اِسْتَخْلَفَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ...وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ) فإنه ظن أن هذا العموم يدخل فيه رسول الله ص لأنه سيد المؤمنين و سيد الصالحين أو أنه لفظ عام و المراد به رسول الله وحده كما ورد في كثير من آيات القرآن مثل ذلك فظن أن هذا الاستخلاف في جميع الأرض و تبديل الخوف بالأمن إنما هو على الفور لا على التراخي و ليست هذه الشبهة بضعيفة جدا كما ظن المرتضى بل هي موضع نظر.فأما قوله كيف لم يؤمن بموته لما رأى من كآبة الناس و حزنهم فلأن الناس يبنون الأمر على الظاهر و عمر نظر في أمر باطن دقيق فاعتقد أن الرسول لم يمت و إنما ألقي شبهه على غيره كما ألقي شبه عيسى على غيره فصلب و عيسى قد رفع و لم يصلب و اعلم أن أول من سن لأهل الغيبة من الشيعة القول بأن الإمام لم يمت و لم يقتل و إن كان في الظاهر و في مرأى العين قد قتل أو مات إنما هو عمر و لقد كان يجب على المرتضى و طائفته أن يشكروه على ما أسس لهم من هذا الاعتقاد.

٢٠٠