كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 290

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 290
المشاهدات: 23841
تحميل: 4565


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 23841 / تحميل: 4565
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

لو كان عندي شي‏ء و بلي قد اجتمع هذا المال عندي فخذاه و اشتريا به متاعا فإذا قدمتما فبيعاه و لكما ربحه و أديا إلى أمير المؤمنين رأس المال ففعلا فلما قدما على عمر بالمدينة أخبراه فقال أ كل أولاد المهاجرين يصنع بهم أبو موسى مثل ذلك فقالا لا قال فإن عمر يأبى أن يجيز ذلك و جعل قرضا.و روي عن قتادة قال كان معيقيب على بيت المال لعمر فكسح عمر بيت المال يوما و أخرجه إلى المسلمين فوجد معيقيب فيه درهما فدفعه إلى ابن عمر قال معيقيب ثم انصرفت إلى بيتي فإذا رسول عمر قد جاء يدعوني فجئت فإذا الدرهم في يده فقال ويحك يا معيقيب أ وجدت علي في نفسك شيئا قلت و ما ذاك قال أردت أن تخاصمني أمة محمد في هذا الدرهم يوم القيامة.و روى عمر بن شبة عن عبد الله بن الأرقم و كان خازن عمر فقال إن عندنا حلية من حلية جلولاء و آنية من فضة فانظر ما تأمر فيها قال إذا رأيتني فارغا فآذني فجاءه يوما فقال إني أراك اليوم فارغا فما تأمر بتلك الحلية قال ابسط لي نطعا فبسطه ثم أتى بذلك المال فصب عليه فرفع يديه و قال اللهم إنك ذكرت هذا المال فقلت زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ اَلشَّهَواتِ مِنَ اَلنِّساءِ وَ اَلْبَنِينَ وَ اَلْقَناطِيرِ اَلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ اَلذَّهَبِ وَ اَلْفِضَّةِ ثم قلت لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى‏ ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا اللهم إني أسألك أن تضعه في حقه و أعوذ بك من شره ثم ابتدأ فقسمه بين الناس فجاءه ابن بنت له فقال يا أبتاه هب لي منه خاتما فقال اذهب إلى أمك تسقك سويقا فلم يعطه شيئا.و روى الطبري في تاريخه أن عمر خطب أم كلثوم بنت أبي بكر فأرسل فيها إلى

٢٢١

عائشة فقالت الأمر إليها فقالت أم كلثوم لا حاجة لي فيه قالت لها عائشة ويلك أ ترغبين عن أمير المؤمنين قالت نعم إنه يغلق بابه و يمنع خيره و يدخل عابسا و يخرج عابسا فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص فأخبرته فقال أنا أكفيك فأتى عمر فقال يا أمير المؤمنين بلغني خبر أعيذك بالله منه قال ما هو قال خطبت أم كلثوم بنت أبي بكر قال نعم أ فترغب بي عنها أم ترغب بها عني قال لا واحدة و لكنها حدثة نشأت تحت كنف أم المؤمنين في لين و رفق و فيك غلظة و نحن نهابك و لا نستطيع أن نردك عن خلق من أخلاقك فكيف بها إن خالفتك في شي‏ء فسطوت بها كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحق عليك قال فكيف لي بعائشة و قد كلمتها فيها قال أنا لك بها و أدلك على خير منها أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب تعلق منها بسبب من رسول الله فصرفه عنها إلى أم كلثوم بنت فاطمة.و روى عاصم بن عمر قال بعث إلى عمر عند الهاجرة أو قال عند صلاة الصبح فأتيته فوجدته جالسا في المسجد فقال يا بني إني لم أكن أرى شيئا من هذا المال يحل لي قبل أن ألي إلا بحقه و ما كان أحرم علي منه حين وليته فعاد أمانتي و إني كنت أنفقت عليك من مال الله شهرا و لست بزائدك عليه و قد أعطيتك تمري بالعالية فبعه و خذ ثمنه ثم ائت رجلا من تجار قومك فكن إلى جانبه فإذا ابتاع شيئا فاستشركه و أنفق ما تربحه عليك و على أهلك قال فذهبت ففعلت.و روى الحسن البصري أن عمر كان يمشي يوما في سكة من سكك المدينة إذ صبية تطيش على وجه الأرض تقعد مرة و تقوم أخرى من الضعف و الجهد فقال عمر ما بال هذه قال عبد الله ابنه أ ما تعرف هذه قال لا قال إنها إحدى بناتك

٢٢٢

فأنكر عمر ذلك فقال هذه ابنتي من فلانة قال ويحك و ما صيرها إلى ما أرى قال منعك ما عندك قال أنا منعتك ما عندي فما الذي منعك أن تطلب لبناتك ما يكسب الأقوام لبناتهم أنه و الله ما لك عندي غير سهمك في المسلمين وسعك أو عجز عنك و كتاب الله بيني و بينك.و روى سعيد بن المسيب قال كتب عمر لما قسم العطاء و فضل من فضل للمهاجرين الذين شهدوا بدرا خمسة آلاف و كتب لمن لم يشهد بدرا أربعة آلاف فكان منهم عمر بن أبي سلمة المخزومي و أسامة بن زيد بن حارثة و محمد بن عبد الله بن جحش و عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال عبد الرحمن بن عوف و هو الذي كان يكتب يا أمير المؤمنين أن عبد الله بن عمر ليس من هؤلاء أنه و أنه يطريه و يثني عليه فقال له عمر ليس له عندي إلا مثل واحد منهم فتكلم عبد الله و طلب الزيادة و عمر ساكت فلما قضى كلامه قال عمر لعبد الرحمن اكتبه على خمسة آلاف و اكتبني على أربعة آلاف فقال عبد الله لا أريد هذا فقال عمر و الله لا أجتمع أنا و أنت على خمسة آلاف قم إلى منزلك فقام عبد الله كئيبا و قال أبو وائل استعملني ابن زياد على بيت المال بالكوفة فأتاني رجل بصك يقول فيه أعط صاحب المطبخ ثمانمائة درهم فقلت له مكانك و دخلت على ابن زياد فقلت له إن عمر استعمل عبد الله بن مسعود بالكوفة على القضاء و بيت المال و استعمل عثمان بن حنيف على سقي الفرات و استعمل عمار بن ياسر على الصلاة و الجند فرزقهم كل يوم شاة واحدة فجعل نصفها و سقطها و أكارعها لعمار لأنه كان على الصلاة و الجند و جعل لابن مسعود ربعها و لابن حنيف ربعها ثم قال إن مالا يؤخذ منه كل يوم شاة أن ذلك فيه لسريع فقال ابن زياد ضع المفتاح فاذهب حيث شئت.

٢٢٣

و روى أبو جعفر الطبري في التاريخ أن عمر بعث سلمة بن قيس الأشجعي إلى طائفة من الأكراد كانوا على الشرك فخرج إليهم في جيش سرحه معه من المدينة فلما انتهى إليهم دعاهم إلى الإسلام أو إلى أداء الجزية فأبوا فقاتلهم فنصره الله عليهم فقتل المقاتلة و سبي الذرية و جمع الرثة و وجد حلية و فصوصا و جواهر فقال لأصحابه أ تطيب أنفسكم أن نبعث بهذا إلى أمير المؤمنين فإنه غير صالح لكم و إن على أمير المؤمنين لمئونة و أثقالا قالوا نعم قد طابت أنفسنا فجعل تلك الجواهر في سفط و بعث به مع واحد من أصحابه و قال له سر فإذا أتيت البصرة فاشتر راحلتين فأوقرهما زادا لك و لغلامك و سر إلى أمير المؤمنين قال ففعلت فأتيت عمر و هو يغدي الناس قائما متكئا على عصا كما يصنع الراعي و هو يدور على القصاع فيقول يا يرفأ زد هؤلاء لحما زد هؤلاء خبزا زد هؤلاء مرقة فجلست في أدنى الناس فإذا طعام فيه خشونة طعامي الذي معي أطيب منه فلما فرغ أدبر فاتبعته فدخل دارا فاستأذنت و لم أعلم حاجبه من أنا فأذن لي فوجدته في صفة جالسا على مسح متكئا على وسادتين من أدم محشوتين ليفا و في الصفة عليه ستر من صوف فنبذ إلي إحدى الوسادتين فجلست عليها فقال يا أم كلثوم أ لا تغدوننا فأخرج إليه خبزة بزيت في عرضها ملح لم يدق فقال يا أم كلثوم أ لا تخرجين إلينا تأكلين معنا فقالت إني أسمع عندك حس رجل قال نعم و لا أراه من أهل هذا البلد قال فذاك حين عرفت أنه لم يعرفني فقالت لو أردت أن أخرج إلى الرجال لكسوتني كما كسا الزبير امرأته و كما كسا طلحة امرأته قال أ و ما يكفيك أنك أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب و زوجة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قالت إن ذاك عني لقليل الغناء قال كل فلو كانت راضية لأطعمتك أطيب من هذا فأكلت قليلا و طعامي الذي معي أطيب منه

٢٢٤

و أكل فما رأيت أحدا أحسن أكلا منه ما يتلبس طعامه بيده و لا فمه ثم قال اسقونا فجاءوا بعس من سلت فقال أعط الرجل فشربت قليلا و إن سويقي الذي معي لأطيب منه ثم أخذه فشربه حتى قرع القدح جبهته ثم قال الحمد لله الذي أطعمنا فأشبعنا و سقانا فأروانا إنك يا هذا لضعيف الأكل ضعيف الشرب فقلت يا أمير المؤمنين إن لي حاجة قال ما حاجتك قلت أنا رسول سلمة بن قيس فقال مرحبا بسلمة و رسوله فكأنما خرجت من صلبه حدثني عن المهاجرين كيف هم قلت كما تحب يا أمير المؤمنين من السلامة و الظفر و النصر على عدوهم قال كيف أسعارهم قلت أرخص أسعار قال كيف اللحم فيهم فإنه شجرة العرب و لا تصلح العرب إلا على شجرتها قلت البقرة فيهم بكذا و الشاة فيهم بكذا ثم سرنا يا أمير المؤمنين حتى لقينا عدونا من المشركين فدعوناهم إلى الذي أمرت به من الإسلام فأبوا فدعوناهم إلى الخراج فأبوا فقاتلناهم فنصرنا الله عليهم فقتلنا المقاتلة و سبينا الذرية و جمعنا الرثة فرأى سلمة في الرثة حلية فقال للناس إن هذا لا يبلغ فيكم شيئا أ فتطيب أنفسكم أن أبعث به إلى أمير المؤمنين قالوا نعم ثم استخرجت سفطي ففتحته فلما نظر إلى تلك الفصوص من بين أحمر و أخضر و أصفر وثب و جعل يده في خاصرته يصيح صياحا عاليا و يقول لا أشبع الله إذن بطن عمر يكررها فظن النساء أني جئت لأغتاله فجئن إلى الستر فكشفنه فسمعنه يقول لف ما جئت به يا يرفأ جأ عنقه قال فأنا أصلح سفطي و يرفأ يجأ عنقي ثم قال النجاء النجاء قلت يا أمير المؤمنين انزع بي فاحلمني فقال يا يرفأ أعطه راحلتين من إبل الصدقة

٢٢٥

فإذا لقيت أفقر إليهما منك فادفعهما إليه و قال أظنك ستبطئ أما و الله لئن تفرق المسلمون في مشاتيهم قبل أن يقسم هذا فيهم لأفعلن بك و بصاحبك الفاقرة.قال فارتحلت حتى أتيت إلى سلمة بن قيس فقلت ما بارك الله فيما اختصصتني به اقسم هذا في الناس قبل أن تصيبني و إياك فاقرة فقسمه فيهم فإن الفص ليباع بخمسة دراهم و بستة و هو خير من عشرين ألفا.و جملة الأمر أن عمر لا يجوز أن يطعن فيه بمثل هذا و لا ينسب إلى شره و حب للمال فإن طريقته في التعفف و التقشف و خشونة العيش و الزهد أظهر من كل ظاهر و أوضح من كل واضح و حاله في ذلك معلومة و على كل تقدير سواء كان يفعل ذلك دينا أو ورعا كما هو الظاهر من حاله أو كان يفعل ذلك ناموسا و صناعة و رياء و حيلة كما تزعم الشيعة فإنه عظيم لأنه إما أن يكون على غاية الدين و التقى أو يكون أقوى الناس نفسا و أشدهم عزما و كلا الأمرين فضيلة.و الذي ذكره المحدثون و أرباب السير أن عمر لما طعن و احتمل في دمه إلى بيته و أوصى بما أوصى قال لابنه عبد الله انظروا ما علي من دين فحسبوه فوجدوه ستمائة و ثمانين ألف درهم هكذا ورد في الأخبار أنها كانت ديونا للمسلمين و لم تكن من بيت المال فقال عمر انظر يا عبد الله فإن وفى به مال آل عمر فأده من أموالهم و إلا فسل في بني عدي بن كعب فإن لم تف به أموالهم فسل في قريش و لا تعدهم إلى غيرهم فهكذا وردت الرواية فلذلك قال قاضي القضاة فإن صح فالعذر كذا و كذا لأنه لم يثبت عنده صحة اقتراضه هذا المقدار من بيت المال.و قد روي أن عمر كان له نخل بالحجاز غلته كل سنة أربعون ألفا يخرجها في

٢٢٦

النوائب و الحقوق و يصرفها إلى بني عدي بن كعب إلى فقرائهم و أراملهم و أيتامهم روى ذلك ابن جرير الطبري في التاريخ.فأما قول المرتضى أي حاجة بخشن العيش و جشب المأكل إلى اقتراض الأموال فجوابه أن المتزهد المتقشف قد يضيق على نفسه و يوسع على غيره إما من باب التكرم و الإحسان أو من باب الصدقة و ابتغاء الثواب و قد يصل رحمه و إن قتر على نفسه.و قد روى الطبري أن عمر دفع إلى أم كلثوم بنت أمير المؤمنين ع صداقها يوم تزوجها أربعين ألف درهم فلعل هذا الاقتراض من الناس كان لهذا الوجه و لغيره من الوجوه التي قل أن يخلو أحد منها

الطعن السادس

أنه عطل حد الله في المغيرة بن شعبة لما شهد عليه بالزناء و لقن الشاهد الرابع الامتناع عن الشهادة اتباعا لهواه فلما فعل ذلك عاد إلى الشهود فحدهم و ضربهم فتجنب أن يفضح المغيرة و هو واحد و فضح الثلاثة مع تعطيله لحكم الله و وضعه في غير موضعه.أجاب قاضي القضاة فقال إنه لم يعطل الحد إلا من حيث لم تكمل الشهادة و بإرادة الرابع لئلا يشهد لا تكمل البينة و إنما تكمل بالشهادة.و قال إن قوله أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلا من المسلمين يجري في أنه سائغ صحيح مجرى ما روي عن النبي ص من أنه أتي بسارق فقال لا تقر.

٢٢٧

و قال ع لصفوان بن أمية لما أتاه بالسارق و أمر بقطعه فقال هو له يعني ما سرق هلا قبل أن تأتيني به فلا يمتنع من عمر ألا يحب أن تكمل الشهادة و ينبه الشاهد على ألا يشهد و قال إنه جلد الثلاثة من حيث صاروا قذفه و إنه ليس حالهم و قد شهدوا كحال من لم تتكامل الشهادة عليه لأن الحيلة في إزالة الحد عنه و لما تتكامل الشهادة عليه ممكنة بتلقين و تنبيه غيره و لا حيلة فيما قد وقع من الشهادة فلذلك حدهم.قال و ليس في إقامة الحد عليهم من الفضيحة ما في تكامل الشهادة على المغيرة لأنه يتصور بأنه زان و يحكم بذلك و ليس كذلك حال الشهود لأنهم لا يتصورون بذلك و إن وجب في الحكم أن يجعلوا في حكم القذفة.و حكي عن أبي علي أن الثلاثة كان القذف قد تقدم منهم للمغيرة بالبصرة لأنهم صاحوا به من نواحي المسجد بأنا نشهد أنك زان فلو لم يعيدوا الشهادة لكان يحدهم لا محالة فلم يمكن في إزالة الحد عنهم ما أمكن في المغيرة.و حكي عن أبي علي في جواب اعتراضه عن نفسه بما روي عن عمر أنه كان إذا رآه يقول لقد خفت أن يرميني الله عز و جل بحجارة من السماء أن هذا الخبر غير صحيح و لو كان حقا لكان تأويله التخويف و إظهار قوة الظن لصدق القوم الذين شهدوا عليه ليكون ردعا له و ذكر أنه غير ممتنع أن يحب ألا يفتضح لما كان متوليا للبصرة من قبله.ثم أجاب عن سؤال من سأله عن امتناع زياد من الشهادة و هل يقتضي الفسق أم لا فإن قال لا نعلم أنه كان يتمم الشهادة و لو علمنا ذلك لكان حيث ثبت في الشرع أن له

٢٢٨

السكوت لا يكون طعنا و لو كان ذلك طعنا و قد ظهر أمره لأمير المؤمنين ع لما ولاه فارس و لما ائتمنه على أموال الناس و دمائهم.اعترض المرتضى فقال إنما نسب إلى تعطيل الحد من حيث كان في حكم الثابت و إنما بتلقينه لم تكمل الشهادة لأن زيادا ما حضر إلا ليشهد بما شهد به أصحابه و قد صرح بذلك كما صرحوا قبل حضورهم و لو لم يكن هذا لما شهد القوم قبله و هم لا يعلمون هل حاله في ذلك الحكم كحالهم لكنه أحجم في الشهادة لما رأى كراهية متولي الأمر لكمالها و تصريحه بأنه لا يريد أن يعمل بموجبها.و من العجائب أن يطلب الحيلة في دفع الحد عن واحد و هو لا يندفع إلا بانصرافه إلى ثلاثة فإن كان درء الحد و الاحتيال في دفعه من السنن المتبعة فدرؤه عن ثلاثة أولى من درئه عن واحد.و قوله إن دفع الحد عن المغيرة ممكن و دفعه عن ثلاثة و قد شهدوا غير ممكن طريف لأنه لو لم يلقن الشاهد الرابع الامتناع عن الشهادة لاندفع الحد عن الثلاثة و كيف لا تكون الحيلة ممكنة فيما ذكره.و قوله إن المغيرة يتصور بصورة زان لو تكاملت الشهادة و في هذا من الفضيحة ما ليس في حد الثلاثة غير صحيح لأن الحكم في الأمرين واحد لأن الثلاثة إذا حدوا يظن بهم الكذب و إن جوز أن يكونوا صادقين و المغيرة لو تكاملت الشهادة عليه بالزناء لظن به ذلك مع التجويز لأن يكون الشهود كذبه و ليس في أحد إلا ما في الآخر.و ما روي عنه ع من أنه أتي بسارق فقال له لا تقر إن كان صحيحا لا يشبه ما نحن فيه لأنه ليس في دفع الحد عن السارق إيقاع غيره في المكروه.و قصة المغيرة تخالف هذا لما ذكرناه.

٢٢٩

فأما قوله ع هلا قبل أن تأتيني به فلا يشبه كل ما نحن فيه لأنه بين أن ذلك القول يسقط الحد لو تقدم و ليس فيه تلقين يوجب إسقاط الحد.فأما ما حكاه عن أبي علي من أن القذف من الثلاثة كان قد تقدم و أنهم لو لم يعيدوا الشهادة لكان يحدهم لا محالة فغير معروف و الظاهر المروي خلافه و هو أنه حدهم عند نكول زياد عن الشهادة و أن ذلك كان السبب في إيقاع الحد بهم و تأوله عليه لقد خفت أن يرميني الله بحجارة من السماء لا يليق بظاهر الكلام لأنه يقتضي التندم و التأسف على تفريط وقع و لم يخاف أن يرمى بالحجارة و هو لم يدرأ الحد عن مستحق له و لو أراد الردع و التخويف للمغيرة لأتي بكلام يليق بذلك و لا يقتضي إضافة التفريط إلى نفسه و كونه واليا من قبله لا يقتضي أن يدرأ عنه الحد و يعدل به إلى غيره.و أما قوله إنا ما كنا نعلم أن زيادا كان يتمم الشهادة فقد بينا أن ذلك كان معلوما بالظاهر و من قرأ ما روي في هذه القصة علم بلا شك أن حال زياد كحال الثلاثة في أنه إنما حضر للشهادة و إنما عدل عنها لكلام عمر.و قوله إن الشرع يبيح السكوت ليس بصحيح لأن الشرع قد حظر كتمان الشهادة.فأما استدلاله على أن زيادا لم يفسق بالإمساك عن الشهادة بتوليه أمير المؤمنين ع له فارس فليس بشي‏ء يعتمد لأنه لا يمتنع أن يكون قد تاب بعد ذلك و أظهر توبته لأمير المؤمنين ع فجاز أن يوليه و قد كان بعض أصحابنا يقول في قصة المغيرة شيئا طيبا و إن كان معتملا في باب الحجة كان يقول إن زيادا إنما امتنع من التصريح بالشهادة المطلوبة في الزناء و قد شهد بأنه شاهده بين شعبها الأربع و سمع نفسا عاليا فقد صح على المغيرة بشهادة الأربع جلوسه منها مجلس الفاحشة إلى غير ذلك

٢٣٠

من مقدمات الزناء و أسبابه فهلا ضم عمر إلى جلد الثلاثة تعزير هذا الذي قد صح عنده بشهادة الأربعة ما صح من الفاحشة مثل تعريك أذنه أو ما يجري مجراه من خفيف التعزير و يسيره و هل في العدول عن ذلك حتى عن لومه و توبيخه و الاستخفاف به إلا ما ذكروه من السبب الذي يشهد الحال به قلت أما المغيرة فلا شك عندي أنه زنى بالمرأة و لكني لست أخطئ عمر في درء الحد عنه و إنما أذكر أولا قصته من كتابي أبي جعفر محمد بن جرير الطبري و أبي الفرج علي بن الحسن الأصفهاني ليعلم أن الرجل زنى بها لا محالة ثم أعتذر لعمر في درء الحد عنه.قال الطبري في تاريخه و في هذه السنة يعني سنة سبع عشرة ولى عمر أبا موسى البصرة و أمره أن يشخص إليه المغيرة بن شعبة و ذلك لأمر بلغه عنه قال الطبري حدثني محمد بن يعقوب بن عتبة قال حدثني أبي قال كان المغيرة يخالف إلى أم جميل امرأة من بني هلال بن عامر و كان لها زوج من ثقيف هلك قبل ذلك يقال له الحجاج بن عبيد و كان المغيرة و كان أمير البصرة يختلف إليها سرا فبلغ ذلك أهل البصرة فأعظموه فخرج المغيرة يوما من الأيام إلى المرأة فدخل عليها و قد وضعوا عليهما الرصد فانطلق القوم الذين شهدوا عند عمر فكشفوا الستر فرأوه قد واقعها فكتبوا بذلك إلى عمر و أوفدوا إليه بالكتاب أبا بكرة فانتهى أبو بكرة إلى المدينة و جاء إلى باب عمر فسمع صوته و بينه و بينه حجاب فقال أبو بكرة فقال نعم قال لقد جئت لشر قال إنما جاء به المغيرة ثم قص عليه القصة و عرض عليه الكتاب فبعث أبا موسى عاملا و أمره

٢٣١

أن يبعث إليه المغيرة فلما دخل أبو موسى البصرة و قعد في الإمارة أهدى إليه المغيرة عقيلة و قال إنني قد رضيتها لك فبعث أبو موسى بالمغيرة إلى عمر.و قال الطبري و روى الواقدي قال حدثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم الأنصاري عن أبيه عن مالك بن أوس بن الحدثان قال قدم المغيرة على عمر فتزوج في طريقه امرأة من بني مرة فقال له عمر إنك لفارغ القلب شديد الشبق طويل الغرمول ثم سأل عن المرأة فقيل له يقال لها الرقطاء كان زوجها من ثقيف و هي من بني هلال.قال الطبري و كتب إلي السري عن شعيب عن سيف أن المغيرة كان يبغض أبا بكرة و كان أبو بكرة يبغضه و يناغي كل واحد منهما صاحبه و ينافره عند كل ما يكون منه و كانا متجاورين بالبصرة بينهما طريق و هما في مشربتين متقابلتين فهما في داريهما في كل واحدة منهما كوة مقابلة الأخرى فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته فهبت ريح ففتحت باب الكوة فقام أبو بكرة ليصفقه فبصر بالمغيرة و قد فتحت الريح باب الكوة التي في مشربته و هو بين رجلي امرأة فقال للنفر قوموا فانظروا فقاموا فنظروا ثم قال اشهدوا قالوا و من هذه قال أم جميل إحدى نساء بني عامر بن صعصعة فقالوا إنما رأينا أعجازا و لا ندري الوجوه فلما قامت صمموا و خرج المغيرة إلى الصلاة فحال أبو بكرة بينه و بين الصلاة و قال لا تصل بنا و كتبوا إلى عمر بذلك و كتب المغيرة إليه أيضا فأرسل عمر إلى أبي موسى فقال يا أبا موسى إني مستعملك و إني باعثك إلى الأرض التي قد باض بها الشيطان و فرخ فالزم ما تعرف و لا تستبدل فيستبدل الله بك فقال يا أمير المؤمنين أعني بعدة من

٢٣٢

أصحاب رسول الله ص من المهاجرين و الأنصار فإني وجدتهم في هذه الأمة و هذه الأعمال كالملح لا يصلح الطعام إلا به قال عمر فاستعن بمن أحببت فاستعان بتسعة و عشرين رجلا منهم أنس بن مالك و عمران بن حصين و هشام بن عامر و خرج أبو موسى بهم حتى أناخ بالبصرة في المربد و بلغ المغيرة أن أبا موسى قد أناخ بالمربد فقال و الله ما جاء أبو موسى زائرا و لا تاجرا و لكنه جاء أميرا فإنهم لفي ذلك إذ جاء أبو موسى حتى دخل عليهم فدفع إلى المغيرة كتابا من عمر إنه لأوجز كتاب كتب به أحد من الناس أربع كلم عزل فيها و عاتب و استحث و أمر أما بعد فإنه بلغني نبأ عظيم فبعثت أبا موسى فسلم ما في يديك إليه و العجل.كتب إلى أهل البصرة أما بعد فإني قد بعثت أبا موسى أميرا عليكم ليأخذ لضعيفكم من قويكم و ليقاتل بكم عدوكم و ليدفع عن ذمتكم و ليجبي لكم فيئكم و ليقسم فيكم و ليحمي لكم طرقكم.فأهدى إليه المغيرة وليدة من مولدات الطائف تدعى عقيلة و قال إني قد رضيتها لك و كانت فارهة و ارتحل المغيرة و أبو بكرة و نافع بن كلدة و زياد و شبل بن معبد البجلي حتى قدموا على عمر فجمع بينهم و بين المغيرة فقال المغيرة يا أمير المؤمنين سل هؤلاء الأعبد كيف رأوني مستقبلهم أم مستدبرهم و كيف رأوا المرأة و عرفوها فإن كانوا مستقبلي فكيف لم أستتر و إن كانوا مستدبري فبأي شي‏ء استحلوا النظر إلي في منزلي على امرأتي و الله ما أتيت إلا امرأتي فبدأ بأبي بكرة فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل و هو يدخله و يخرجه قال عمر كيف رأيتهما قال مستدبرهما قال كيف استثبت رأسها قال تجافيت فدعا بشبل بن معبد فشهد مثل ذلك و قال استقبلتهما و استدبرتهما و شهد نافع بمثل شهادة أبي بكرة و لم يشهد زياد بمثل شهادتهم قال

٢٣٣

رأيته جالسا بين رجلي امرأة و رأيت قدمين مرفوعتين تخفقان و استين مكشوفتين و سمعت حفزا شديدا قال عمر فهل رأيته فيها كالميل في المكحلة قال لا قال فهل تعرف المرأة قال لا و لكن أشبهها فأمر عمر بالثلاثة فجلدوا الحد( و قرأ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اَللَّهِ هُمُ اَلْكاذِبُونَ ) فقال المغيرة الحمد لله الذي أخزاكم فصاح به عمر اسكت أسكت الله نأمتك أما و الله لو تمت الشهادة لرجمتك بأحجارك فهذا ما ذكره الطبري.و أما أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني فإنه ذكر في كتاب الأغاني أن أحمد بن عبد العزيز الجوهري حدثه عن عمر بن شبة عن علي بن محمد عن قتادة قال كان المغيرة بن شعبة و هو أمير البصرة يختلف سرا إلى امرأة من ثقيف يقال لها الرقطاء فلقيه أبو بكرة يوما فقال له أين تريد قال أزور آل فلان فأخذ بتلابيبه و قال إن الأمير يزار و لا يزور.قال أبو الفرج و حدثني بحديثه جماعة ذكر أسماءهم بأسانيد مختلفة لا نرى الإطالة بذكرها أن المغيرة كان يخرج من دار الإمارة وسط النهار فكان أبو بكرة يلقاه فيقول له أين يذهب الأمير فيقول له إلى حاجة فيقول حاجة ما ذا إن الأمير يزار و لا يزور.قالوا و كانت المرأة التي يأتيها جارة لأبي بكرة فقال فبينا أبو بكرة في غرفة له مع أخويه نافع و زياد و رجل آخر يقال له شبل بن معبد و كانت غرفة جارته تلك محاذية غرفة أبي بكرة فضربت الريح باب غرفة المرأة ففتحته فنظر القوم فإذا هم بالمغيرة ينكحها فقال أبو بكرة هذه بلية قد ابتليتم بها فانظروا فنظروا حتى أثبتوا

٢٣٤

فنزل أبو بكرة فجلس حتى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة فقال له أبو بكرة إنه قد كان من أمرك ما قد علمت فاعتزلنا فذهب المغيرة و جاء ليصلي بالناس الظهر فمنعه أبو بكرة و قال لا و الله لا تصلي بنا و قد فعلت ما فعلت فقال الناس دعوه فليصل إنه الأمير و اكتبوا إلى عمر فكتبوا إليه فورد كتابه أن يقدموا عليه جميعا المغيرة و الشهود.قال أبو الفرج و قال المدائني في حديثه فبعث عمر بأبي موسى و عزم عليه ألا يضع كتابه من يده حتى يرحل المغيرة.قال أبو الفرج و قال علي بن هاشم في حديثه إن أبا موسى قال لعمر لما أمره أن يرحل المغيرة من وقته أ و خير من ذلك يا أمير المؤمنين نتركه فيتجهز ثلاثا ثم يخرج.قالوا فخرج أبو موسى حتى صلى صلاة الغداة بظهر المربد و أقبل إنسان فدخل على المغيرة فقال إني رأيت أبا موسى قد دخل المسجد الغداة و عليه برنس و ها هو في جانب المسجد فقال المغيرة إنه لم يأت زائرا و لا تاجرا قالوا و جاء أبو موسى حتى دخل على المغيرة و معه صحيفة مل‏ء يده فلما رآه قال أمير فأعطاه أبو موسى الكتاب فلما ذهب يتحرك عن سريره قال له مكانك تجهز ثلاثا.قال أبو الفرج و قال آخرون إن أبا موسى أمره أن يرحل من وقته فقال المغيرة قد علمت ما وجهت له فألا تقدمت و صليت فقال ما أنا و أنت في هذا الأمر إلا سواء فقال المغيرة إني أحب أن أقيم ثلاثا لأتجهز فقال أبو موسى قد عزم علي أمير المؤمنين ألا أضع عهدي من يدي إذا قرأته حتى أرحلك إليه قال إن شئت شفعتني و أبررت قسم أمير المؤمنين بأن تؤجلني إلى الظهر و تمسك الكتاب في يدك.قالوا فلقد رئي أبو موسى مقبلا و مدبرا و أن الكتاب في يده معلق بخيط فتجهز المغيرة و بعث إلى أبي موسى بعقيلة جارية عربية من سبي اليمامة من

٢٣٥

بني حنيفة و يقال إنها مولدة الطائف و معها خادم و سار المغيرة حين صلى الظهر حتى قدم على عمر.قال أبو الفرج فقال محمد بن عبد الله بن حزم في حديثه إن عمر قال له لما قدم عليه لقد شهد عليك بأمر إن كان حقا لأن تكون مت قبل ذلك كان خيرا لك.قال أبو الفرج قال أبو زيد عمر بن شبة فجلس له عمر و دعا به و بالشهود فتقدم أبو بكرة فقال أ رأيته بين فخذيها قال نعم و الله لكأني أنظر إلى تشريم جدري بفخذيها قال المغيرة لقد ألطفت النظر قال أبو بكرة لم آل أن أثبت ما يخزيك الله به فقال عمر لا و الله حتى تشهد لقد رأيته يلج فيها كما يلج المرود في المكحلة قال نعم أشهد على ذلك فقال عمر اذهب عنك مغيرة ذهب ربعك.قال أبو الفرج و يقال إن عليا ع هو قائل هذا القول ثم دعا نافعا فقال علام تشهد قال على مثل شهادة أبي بكرة فقال عمر لا حتى تشهد أنك رأيته يلج فيها ولوج المرود في المكحلة قال نعم حتى بلغ قذذه فقال اذهب عنك مغيرة ذهب نصفك ثم دعا الثالث و هو شبل بن معبد فقال علام تشهد قال على مثل شهادة صاحبي فقال اذهب عنك مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك قال فجعل المغيرة يبكي إلى المهاجرين و بكى إلى أمهات المؤمنين حتى بكين معه قال و لم يكن زياد حضر ذلك المجلس فأمر عمر أن ينحى الشهود الثلاثة و ألا يجالسهم أحد من أهل المدينة و انتظر قدوم زياد فلما قدم جلس في المسجد و اجتمع رءوس المهاجرين و الأنصار قال المغيرة و كنت قد أعددت كلمة أقولها فلما رأى عمر زيادا مقبلا قال إني لأرى رجلا لن يخزي الله على لسانه رجلا من المهاجرين.

٢٣٦

قال أبو الفرج و في حديث أبي زيد بن عمر بن شبة عن السري عن عبد الكريم بن رشيد عن أبي عثمان النهدي أنه لما شهد الشاهد الأول عند عمر تغير الثالث لذلك لون عمر ثم جاء الثاني فشهد فانكسر لذلك انكسارا شديدا ثم جاء فشهد فكان الرماد نثر على وجه عمر فلما جاء زياد جاء شاب يخطر بيديه فرفع عمر رأسه إليه و قال ما عندك أنت يا سلح العقاب و صاح أبو عثمان النهدي صيحة تحكي صيحة عمر قال عبد الكريم بن رشيد لقد كدت أن يغشى علي لصيحته.قال أبو الفرج فكان المغيرة يحدث قال فقمت إلى زياد فقلت لا مخبأ لعطر بعد عروس يا زياد أذكرك الله و أذكرك موقف القيامة و كتابه و رسوله أن تتجاوز إلى ما لم تر ثم صحت يا أمير المؤمنين أن هؤلاء قد احتقروا دمي فالله الله في دمي قال فترنقت عينا زياد و احمر وجهه و قال يا أمير المؤمنين أما إن أحق ما حق القوم فليس عندي و لكني رأيت مجلسا قبيحا و سمعت نفسا حثيثا و انتهارا و رأيته متبطنها فقال عمر أ رأيته يدخل و يخرج كالميل في المكحلة قال لا.قال أبو الفرج و روى كثير من الرواة أنه قال رأيته رافعا برجليها و رأيت خصيتيه مترددتين بين فخذيها و سمعت حفزا شديدا و سمعت نفسا عاليا فقال عمر أ رأيته يدخله و يخرجه كالميل في المكحلة قال لا فقال عمر الله أكبر قم يا مغيرة إليهم فاضربهم فجاء المغيرة إلى أبي بكرة فضربه ثمانين و ضرب الباقين.و روى قوم أن الضارب لهم الحد لم يكن المغيرة و أعجب عمر قول زياد و درأ الحد عن المغيرة فقال أبو بكرة بعد أن ضرب أشهد أن المغيرة فعل كذا و كذا فهم عمر بضربه فقال له علي ع إن ضربته رجمت صاحبك و نهاه عن ذلك.

٢٣٧

قال أبو الفرج يعني إن ضربه تصير شهادته شهادتين فيوجب بذلك الرجم على المغيرة.قال فاستتاب عمر أبا بكرة فقال إنما تستتيبني لتقبل شهادتي قال أجل قال فإني لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا قال فلما ضربوا الحد قال المغيرة الله أكبر الحمد لله الذي أخزاكم فقال عمر اسكت أخزى الله مكانا رأوك فيه.قال و أقام أبو بكرة على قوله و كان يقول و الله ما أنسي قط فخذيها و تاب الاثنان فقبل شهادتهما و كان أبو بكرة بعد ذلك إذا طلب إلى شهادة قال اطلبوا غيري فإن زيادا أفسد علي شهادتي.و قال أبو الفرج و روى إبراهيم بن سعيد عن أبيه عن جده قال لما ضرب أبو بكرة أمرت أمه بشاة فذبحت و جعل جلدها على ظهره قال إبراهيم فكان أبي يقول ما ذاك إلا من ضرب شديد.قال أبو الفرج فحدثنا الجوهري عن عمر بن شبة عن علي بن محمد عن يحيى بن زكريا عن مجالد عن الشعبي قال كانت الرقطاء التي رمي بها المغيرة تختلف إليه في أيام إمارته الكوفة في خلافة معاوية في حوائجها فيقضيها لها.قال أبو الفرج و حج عمر بعد ذلك مرة فوافق الرقطاء بالموسم فرآها و كان المغيرة يومئذ هناك فقال عمر للمغيرة ويحك أ تتجاهل علي و الله ما أظن أبا بكرة كذب عليك و ما رأيتك إلا خفت أن أرمي بحجارة من السماء.قال و كان علي ع بعد ذلك يقول إن ظفرت بالمغيرة لأتبعته الحجارة.قال أبو الفرج فقال حسان بن ثابت يهجو المغيرة و يذكر هذه القصة:

لو أن اللؤم ينسب كان عبدا

قبيح الوجه أعور من ثقيف

٢٣٨

تركت الدين و الإسلام لما

بدت لك غدوة ذات النصيف

و راجعت الصبا و ذكرت لهوا

مع القينات في العمر اللطيف

قال أبو الفرج و روى المدائني أن المغيرة لما شخص إلى عمر في هذه الوقعة رأى في طريقه جارية فأعجبته فخطبها إلى أبيها فقال له و أنت على هذه الحال قال و ما عليك إن أبق فهو الذي تريد و إن أقتل ترثني فزوجه.و قال أبو الفرج قال الواقدي كانت امرأة من بني مرة تزوجها بالرقم فلما قدم بها على عمر قال إنك لفارغ القلب طويل الشبق.فهذه الأخبار كما تراها تدل متأملها على أن الرجل زنى بالمرأة لا محالة و كل كتب التواريخ و السير تشهد بذلك و إنما اقتصرنا نحن منها على ما في هذين الكتابين.و قد روى المدائني أن المغيرة كان أزنى الناس في الجاهلية فلما دخل في الإسلام قيده الإسلام و بقيت عنده منه بقية ظهرت في أيام ولايته البصرة.و روى أبو الفرج في كتاب الأغاني عن الجاحظ أبي عثمان عمرو بن بحر قال كان المغيرة بن شعبة و الأشعث بن قيس و جرير بن عبد الله البجلي يوما متوافقين بالكناسة في نفر و طلع عليهم أعرابي فقال لهم المغيرة دعوني أحركه قالوا لا تفعل فإن للأعراب جوابا يؤثر قال لا بد قالوا فأنت أعلم فقال له يا أعرابي أ تعرف المغيرة بن شعبة قال نعم أعرفه أعور زانيا فوجم ثم تجلد فقال أ تعرف الأشعث بن قيس قال نعم ذاك رجل لا يعرى قومه قال و كيف ذاك قال لأنهم حاكة.قال فهل تعرف جرير بن عبد الله قال كيف لا أعرف رجلا لولاه ما عرفت عشيرته فقالوا قبحك الله فإنك شر جليس هل تحب أن يوقر لك بعيرك هذا مالا و تموت

٢٣٩

أكرم العرب موتة قال فمن يبلغه إذن أهلي فانصرفوا عنه فتركوه قال أبو الفرج و روى علي بن سليمان الأخفس قال خرج المغيرة بن شعبة و هو يومئذ على الكوفة و معه الهيثم بن التيهان النخعي غب مطر يسير في ظهر الكوفة و النجف فلقي ابن لسان الحمرة أحد بني تيم الله بن ثعلبة و هو لا يعرف المغيرة و لا يعرفه المغيرة فقال له من أين أقبلت يا أعرابي قال من السماوة قال كيف تركت الأرض خلفك قال عريضة أريضة قال فكيف كان المطر قال عفى الأثر و ملأ الحفر قال فمن أنت قال من بكر بن وائل قال كيف علمك بهم قال إن جهلتهم لم أعرف غيرهم قال فما تقول في بني شيبان قال سادتنا و سادة غيرنا قال فما تقول في بني ذهل قال سادة نوكى قال فقيس بن ثعلبة قال إن جاورتهم سرقوك و إن ائتمنتهم خانوك قال فبنو تيم الله بن ثعلبة قال رعاء النقد و عراقيب الكلاب قال فبني يشكر قال صريح تحسبه مولى.قال هشام بن الكلبي لأن في ألوانهم حمرة قال فعجل قال أحلاس الخيل قال فعبد القيس قال يطعمون الطعام و يضربون الهام قال فعنزة قال لا تلتقي بهم الشفتان لؤما قال فضبيعة أضجم قال جدعا و عقرا قال فأخبرني عن النساء قال النساء أربع ربيع مربع و جميع مجمع و شيطان سمعمع و غل لا يخلع قال فسر قال أما الربيع المربع فالتي إذا نظرت إليها سرتك و إذا أقسمت عليها برتك و أما التي هي جميع مجمع فالمرأة تتزوجها و لها نسب فيجتمع نسبها إلى نسبك و أما الشيطان السمعمع فالكالحة في وجهك إذا دخلت المولولة في أثرك

٢٤٠