هذي هي الوهّابيّة

هذي هي الوهّابيّة0%

هذي هي الوهّابيّة مؤلف:
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 160

هذي هي الوهّابيّة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جواد مغنية
تصنيف: الصفحات: 160
المشاهدات: 49665
تحميل: 4289

توضيحات:

هذي هي الوهّابيّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 160 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49665 / تحميل: 4289
الحجم الحجم الحجم
هذي هي الوهّابيّة

هذي هي الوهّابيّة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إباحة الدماء، وسبي النساء، ونهب الأموال، واشاعة الخوف والفوضى، والفساد في الارض باسم الدين والسماء، قال الله جل وعز:

( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ) . وقال: الوهابية: بل تباح دماؤهم وتسبى ذراريهم وتنهب أموالهم..

وبعد، فهل من شاهد اصدق من هذا على ان مبدأهم وشعارهم: «الوهابية، او السيف للرجال والنساء والاطفال، والنهب للأموال»؟..

يقول الشيوعيون: «ان الدين هو التميمة السماوية لمجتمع جاهل مضطهد، يحفظ مع ذلك بشيء من سوء النية، ثم يبرر الشر والفساد بالوحي من السماء».

وهذا القول لا ينطبق على اية عقيدة دينية الا عقيدة الوهابية.

حرية العقيدة

ان عقيدة الوهابية تحتم الضغط على كل انسان، بخاصة المسلم وان يترك رأيه الى رأيهم، واجتهاده الى فهمهم، والا حل ماله، واستبيح دمه، ودم أهله وعياله ـ الوهابية أو السيف ـ. وقد نصت المادة الثامنة عشرة من قانون حقوق الانسان الذي اقترته الجمعية العامة في الامم المتحدة، نصت

٨١

هذه المادة على ان «كل انسان الحق في حرية الدين والعقيدة، والتعبير عنهما بالقول والفعل».

وسواء أقرت الامم المتحدة هذا الحق، أم انكرته، فان الحرية تتصل بانسانية الانسان، وبطبيعته مباشرة، فحرمانه منها معناه حرمانه من حياته واصل وجوده.. ولذا حرص الاسلام عليها، ولم يدع وسيلة لاحد من وسائل الضغط والاجبار على الايمان بشيء لم يصل اليه بقلبه، ولا بعقله.

لذا دعا الى النظر المستقل، والتفكير الحر، قال عز من قائل: «انظروا ماذا في السموات والارض.. وفي انفسكم افلا تنظرون.. قل سيروا في الارض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين.. لا إكراه في الدين.. لست عليهم بمسيطر..»

الى غير ذلك من عشرات الآيات، ولا شيء اصح واوضح في الدلالة على ان أساس الاسلام هو النظر لا التقليد، وان دعوته تقوم على العقل والفطرة لا السيف والرمح من قوله: «لا اكراه في الدين». هذا هو الحق والعدل، وهذا هو الوجدان والعقل، فما دمت لا ترضى بأن يكرهك أحد على دينه، فكيف تكرهه أنت على دينك؟.. حتى الله تبارك وتعالى لم يحمل الناس قسراً على طاعته وعبادته، «ولو شاء ربك مافعلوه فذرهم وما يفترون ـ الانعام ١١٢» واذا

٨٢

عطفنا هذه الآية على آية لا اكراه في الدين، وآية لست عليهم بمسيطر، وآية وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، اذا عطفنا هذه الآيات وما اليها بعضها على بعض علمنا ان قول الرسول: امرت ان اقاتل الناس، حتى يقولوا: لا اله إلا الله.. المراد منه الذين يقاتلونه، ويسعون في الأرض فساداً، ويؤكد هذا المعنى الآية ١٩٣ من سورة البقرة:( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) بل ان القرآن رخص للمسلمين ان يحسنوا ويكرموا من لم يقاتلهم في الدين، ولم يعتد على الأرواح والأموال:( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين ) .

الشرك

من تحصيل الحاصل، وتضويح الواضح القول: ان الشرك هو ان يدعو الانسان مع الله إلهاً آخر، بحيث اذا قيل له: لا إله إلا الله نفر واستكبر، كما في الآية ٣٥ من الصافات:( انهم كانوا اذا قيل لهم لا إله إلاّ الله يستكبرون ) والآية ٥ من سورة ص:( اجعل الآلهة إلهاً واحداً ان هذا لشيء عجاب ) . وذكرنا في فصل المسلم والكافر طرفاً من الأحاديث فلا نعيد.

فأين الاحراز والتمائم، واستعمال الرقى والتعاويذ والتطير والتشاؤم، وزيادة القبور والصلاة عندها، والتمسح بها،

٨٣

والتعمير عليها، والحلف بغير الله، وما الى ذاك مما كفر الوهابيون به جميع المسلمين؟..

وعلى افتراض ان هذه الأمور من المحرمات فإنها من الفروع التي لا تمت الى التوحيد والأصول بسبب قريب ولا بعيد، وفعلها لا يوجب الكفر ولا الارتداد، بل ولا الحد، ولو اوجب الكفر لما وجد على وجه الأرض مسلم.

والآن نوجه هذه الاسئلة الى الوهابيين: قلتم: أن تعمير القبور والتمسح بها، والطواف حولها، والصلاة لله عندها شرك، بل قلتم: ان من شك وتوقف عن تكفير من كفرتم فهو كافر، وان لم يتعمد المنكر، بل توقف تورعاً واحتياطاً.. ولم تستثنوا قبراً واحداً من وجوب الهدم، حتى قبر الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم.. اذن، لماذا هدمتم قبور الأئمة الاطهار في البقيع، وتركتم قبره الشريف؟. لماذا وقفتم «بالاصلاح» في منتصف الطريق؟.. يقول حفيد محمد عبدالوهاب في فتح المجيد ٢٤٢: «ان عكوف الناس على قبور الانبياء اعظم، واتخاذها مساجد اشد». وعليه فقبر الرسول اولى بالهدم، لأنه الأصل، وقبور الآل فرع. ثم لماذا تمنعون الناس من التمسح بقبره، وتحيطونه بسياج من الشرطة يمنعونه من الدنو منه، وتدعونهم يطوفون حوله، ما دام كل من التمسح والطواف محرماً، وربما كان الطواف أشد؟.

ثم ان مسجد الرسول الحالي قائم على قبره وقبر ابي بكر

٨٤

وعمر، ان ان جزء منه قائم على هذه القبور، فان الوليد بن عبدالملك هدم المسجد الذي كان على عهد الرسول، وادخل فيه بيوت ازواجه، ومنها بيت عائشة الذي فيه القبور الثلاثة، فصارت هذه القبور ضمن المسجد الموجود الآن، اذن، القسم الذي ضم هذه القبور ليس جزء من مسجد الرسول، لأنه قد حدث بعده، وعلى مذهبكم يجب هدم هذا الجزء الحادث، مع انكم تقيمون الصلاة جماعة في تمام المسجد الحالي، أي ان كثيراً من المؤتمين بكم يصلون في الجزء الحادث الذي فيه القبور، وقد صرح أئمتكم بأنه لا تجوز الصلاة في مسجد بني على قبر، لان ذلك يفضي الى الشرك على حد تعبير ابن تيميه في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم ص٤٠٤، بل لا تجوز الصلاة فريضة في مسجد بني بين القبور، لا عليها كما قال حفيد محمد عبدالوهاب في فتح المجيد ص٢٤٣. واذا لم تجز الصلاة في مسجد بين القبور، فيكف فسحتم المجال لمن يأتي بكم في مسجد، او في جزء من مسجد توجد القبور في قلبه ووسطه، مع ان ذلك يفضي الى الشرك بزعمكم؟. وأي فرق بين ان تصلوا انتم في هذا الجزء، او ترضو بالصلاة فيه، بل تكونوا أئمة لمن صلى فيه؟.. أليس معنى هذا انكم من الذين يقولون مالا يفعلون، ويفعلون ما ينكرون، ويكفرون الناس بما يرتكبون؟..

٨٥

وكل شيء جائز على منطق الوهابيين.. عباقرة تكفير الأمة.. ونوابغ تشتيت شملها، وتفتيت وحدتها.. وسؤال آخر لا أخير نوجهه اليكم ـ ايها الوهابيون ـ نوجهه للاستفهام لا للتعجيز، ولتقارنوا وتوازنوا بين آرائكم بعضها مع بعض، وهذا هو السؤال: هل عمارة القبور واقامة المساجد عليها أعظم إثماً عند الله، أو تكفير من قال: لا اله الا الله محمد رسول الله، واباحة دمه وماله وذراريه؟.

وبالتالي، فان المسلمين اذا يعظمون النبي، ويتوسلون به الى الله، ويطلبون منه الشفاعة فانما يفعلون ذلك من باب انه وسيلة لا غاية، وطريق لا هدف، وبهذا يحصل التوازن والتعادل بين الايمان بالله كمبدي الخلق ومعيده، وبين الايمان بمحمد كنبي مقرب، وشفيع مشفع.

الشيعة والمناجاة عند قبور الأئمة:

لو اطلع الوهابيون على ما يدعو به الشيعة عند قبور أئمتهم لادركوا ان زيارتهم لها هي التوحيد في واقعه، والاخلاص في حقيقته، لو سمع الوهابيون تلك الأصوات، ووعوا تلك الكلمات التي تتردد حول قبر أمير المؤمنين علي، وولده الامام الحسين لتأكدوا انها عين التنزيه عن الشرك، ونفس الايمان بالله وحده. وإليك أمثلة من ذلك الكلم الطيب:

فمن ادعية الصحيفة السجادية التي يرددها الشيعة صباح

٨٦

مساء عند قبور الأئمة الاطهار وفي كل مكان: «الهي من حاول سد حاجته من عندك فقد طلب حاجته في مظانها، واتى طلبته من جهتها، ومن توجه بحاجته الى احد من خلقك، او جعل سبب نجحها دونك فقد تعرض للحرمان، واستحق من عندك فوات الاحسان».

ومن دعاء آخر: «الهي لا تخيب من لا يجد مطمعاً غيرك، ولا تخذل من لا يستغنى عنك بأحد دونك».

ومن دعاء ثالث: «الّلهمّ ان صرفت عني وجهك الكريم، او منعتني فضلك الجسيم، او خطرت عليّ رزقك، او قطعت عني سببك لم اجد اللسبيل الى شيء من أملي غيرك، ولم اقدر على ما عندك بمعونة سواك».

ومن رابع: «إلهي خاب الوافدون على غيرك، وخسر المتعرضون الا لك، وضاع الملمون الا بك، وأجذب المنتجعون الا من انتجع فضلك». ومن خامس: «تباركت وتعاليت لا اله الا انت صدقت رسلك، وآمنت بكتابك، وكفرت بك معبود سواك، وبرئت ممن عبد غيرك» الى ما لا يحصى من هذا التنزيه عن كل شبية.

فاين عبادة الوهابين، وتوحيد المكفرين من هذا الاعتصام والانقطاع والزهد، والتنزيه النزيه، والعبادة التقية النقية؟. وهل ينطق بهذا الا من سمى عقله، وصفا قلبه، واختلط التوحيد بلحمه ودمه؟. هل يصدر هذا الكلم الطيب عن نفس فيها شائبة لغير الواحد الأحد؟. وهل من عبادة تستهدف

٨٧

العلي الأعلى كما تستهدفه هذه المناجاة: «خاب الوافدون على غيرك، واجذب المنتجعون الا من انتجع فضلك»؟. وهل يصدق وينطبق على من اعتصم بالله بهذه العبادة والمناجاة، هل ينطبق عليه قول ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم ص٣٩١ ان الرافضة ابعد الناس عن التوحيد وقول محمد عبدالوهاب في كتاب التوحيد وشرحه فتح المجيد ص٢٤٣: وبسبب الرافضة حدث الشرك، وقول الصنعاني في تطهير الاعتقاد ص٣١: «يطلبون من الميت مالا يطلب الا من الله»؟.

ان الشيعة لا يزورون أئمة البقيع الا ليرددوا هذه المناجاة التي ناجى بها الامام زين العابدين العليم القدير، ولا يزورون مقام علي أمير المؤمنين الا لتمتليء نفوسهم بقوله: «عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم». ولا يزورون مشهد ولده سيد الشهداء في كربلاء الا لينقطعوا الى الله، ويعرضوا عن كل ما سواه من مال وجاه وحطام مخاطبين الله بقول ابي عبدالله: الحسين «ماذا وجد من فقدك؟. وما الذي فقد من وجدك؟.»

فاين الشرك والالحاد الذي زعم الوهابيون ان زيارة القبور تفضي إليه؟..

كلا، لا شرك في زيارة قبر الرسول وآله، وانما الشرك فيما قاله الصنعاني في آخر كتاب تطهير الاعتقاد من أدران الالحاد وهذا نصه بالحرف: «السحر أمر مقطوع به، وله تأثير

٨٨

عظيم في الأفعال، كان في الهند رجل يقطّع الولد عضواً عضواً، ويرمي بكل عضو الى جهة، ثم يرد الاعضاء، ويعود الولد حياً، وكان في العراق رجل يفصل رأس الانسان عن جسده، ثم يرده كما كان، وكانت في القديم امرأة تلقي القمح في الأرض، وتقول له: اطلع فيطلع، ثم تقول له: ايبس فيبس، ثم تقول له: اطحن، فيصير طحيناً، ثم تقول له: اخبز، فيصير خبزاً، وكانت لا تريد شيئاً الا كان»(١) .

يعتقد الوهابية ان الساحر المنافق المشعوذ يقول للشيء كن فيكون، تماماً كرب العزة، ومع ذلك هم وحدهم المؤمنون الموحدون، اما من يتقرب الى الله بزيارة قبر الرسول، وآله الكرام فمشرك..

بقي ملحوظة، وهي ان التوحيد الحق، والاخلاص لله في العبادة انما يتحققان، ويوجدان، حيث توجد العدالة الاجتماعية، وحيث يعمل الانسان لعون أخيه الانسان، ويحب له ما يحبه لنفسه، اما حيث يعيش هو في الترف والبذخ، ويغرق أخوه بالشقاء والمحن، فلا توحيد، ولا ايمان، ولا اسلام، بل رياء ونفاق، وفساد وضلال.

ملحوظة ثانية: لقد هدم السعوديون قبور آل الرسول،

____________________

(١) حين اجتمعت برئيس قضاة الوهابية في مكة الشيخ سليمان بن عبيد قلت له: ساكتب عن عقيدتكم، فارشدني الى الكتب المعتبرة عندكم. فاسمى لي عدداً، منها تطهير الاعتقاد للصنعاني. فلزمتهم الحجة اذن.

٨٩

ومع ذلك بقيت السعودية تسير في مؤخرة الركب في شتّى الميادين، ولم تتقدم خطوة الى الامام.. اذن، سر التأخر والتقهقر لا يكمن في تعمير القبور، ولا في اقامة المساجد عليها، بل السر كل السر يكمن في الجهل وفساد الأوضاع، وفي الدكتاتورية والاسراف، وفي الأفكار الضيقة المغلقة التي لا تتفتح لثمرات المعقول.

ملحوظة ثالثة: لقد غالى الخوارج بتكفير من كفروا، وغالى من أحرقهم الامام في تأليهه، وغالى الوهابيون في تكفير الأمة.. وبديهة ان الغلو لعنة وطغيان يفسد العقيدة ويضلل العقل، بل ويفسد الحياة، لا نها لا تقوم على الجذب وحده، ولا على الدفع وحده، بل على التعادل بينها والتوازن، وكذلك تكفير المسلم فساد، وتأليهه أفسد، والعدل هو الوسط.

ملحوظة رابعة: اوجبوا هدم القبور، وحرموا الخروج على الحاكم الجائر، والمستبد الفاسد، وأجبوا طاعته والاستماع له.

وملحوظة خامسة: أي فرق بين من يكتب وثيقة بحرمان الانسان من الدين، ورحمة الله، كما تفعل الكنيسة، وبين من يصدر حكمه عليه بالتكفير؟. وايهما أسوء وأفظع؟.تدرأ الحدود بالشبهات:

من المعلوم بنص الكتاب والسنة، وبالاجماع، وضرورة العقل، وباتفاق الشرائع قديمها وحديثها ان كلاً من الجهل

٩٠

والخطأ والنيسان والاكراه عذر تحقن معه الدماء، وتحفظ الأرواح، وان من خالف بسبب من هذه الأسباب لا يكون كافراً ولا مرتداً، حتى ولو حصل منه ذلك عن تفريط وتقصير فيما يعود الى الفروع، وإن كان آثماً، لترك التحفظ، وما وجب عليه من البحث والاحتراز، بل حتى لو ثبت الحكم الفرعي بدليل قاطع وإجماع جامع، وعلم بضرورة الدين والمذهب، اذا كان الجهل والالتباس ممكناً في حقه، وجائزاً على مثله، ومن هنا كان علماء المسلمين، وما زالوا يختلفون، ويخطيء بعضهم بعضاً بدون تفكير، وإن منهم من خالف المذاهب الأربعة مجتمعة، ومع ذلك لم يكفره احد.

بل كل فرقة من فرق المسلمين التي بلغت ثلاثة وسبعين، كما جاء في الحديث، ان كل واحدة من هذه الفرق تدعي انها هي الناجية دون غيرها، وان الاثنتين والسبعين هالكة غداً قضها وقضيضها الا هي، ومع ذلك لم تحكم عليها بالكفر، ولم تبح قطرة واحدة من دمائها، او تستحل عقالاً من مالها، ما دامت تقول: لا اله الا الله محمد سول الله غير معاندة، ولا جاحدة لما ثبت عندها، ولم تقم لديها الحجة بصدوده عن الرسول الأعظم، وبهذا يتبين ان امة محمد مجمعة على ان الارتداد لا يتحقق، ولن يتحقق الا ممن ايقن وتيقن بصدور الحكم عن صاحب الشرع، ثم جحده عناداً او وتعصباً.

اما من رأي المحرم مباحاً لشبهة، ولو ضعيفة، دخلت

٩١

عليه، لعدم وصول النص اليه، او لإجماله، او معارضته بغيره، او لاشتباه الموضوع في الخارج، او لمرض في فهمه، أما هذا فمعذور بالجهل، كما أن المخطيء معذور بالخطأ، والمكره بالاكراه، بل ومأجور ايضاً اذا بحث واجتهد.

ومعلوم ان الذين اباحوا البناء على القبور، وزيارتها، والصلاة لله عندها لم يثبت التحريم عندهم، بل ثبت الجواز بل الرجحان، وعليه يكون الحكم عليهم بالكفر هو الكفر بعينه، فلقد جاء في البخاري ومسلم ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يرمي رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر الا ارتدت عليه، ان لم يكن صاحبها، وان من قذف مؤمناً بالكفر فهو كمن قتله.

صفات الله:

يحمد الوهابيون على ظاهر نصوص الكتاب والسنة في صفات الله سبحانه، ولم يجيزوا تفسير الظواهر وتأويلها بغير ما دلت عليه الصورة الحرفية، بل يعتبرون التأويل كفر، لأنه كذب على الله والرسول، ويرون تنزيه الله باثبات اليد له والرجل، والكف والاصابع، والنفس والوجه، والعين والسمع، والجلوس والوقوف، والضحك والتكلم، والوجود في السماء، وما إلى هذه من الصفات التي وصف الله بها نفسه، او جاءت على لسان نبيه من غير زيادة ولا نقصان، ولا تأويل بما يخالف ظاهرها، ولا تشبيه بصفات المخلوقين.

٩٢

واستدلوا على اليدين بقوله تعالى:( بل يداه مبسوطتان ) وعلى العينين او العيون:( واصنع الفلك بأعيننا ) . وعلى الجلوس:( ثم استوى على العرش ) . وعلى الوجود في السماء:( أءمنتم من في السماء ) . وعلى الوجه:( فثم وجه الله ) . وعلى السمع والعين:( هو السميع البصير ) . وعلى النظر اليه:( وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ) . وعلى السير والمجيء:( وجاء ربك والملك صفاً صفا ) . وعلى النفس( تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ) . وعلى الضحك بما رواه ابن تيمية في كتاب الايمان ص٢٣٠: «ان الله ضحك الى رجلين، يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة.. وايضاً قد ضحك حين دخل آخر رجل الى الجنة، فقال له الرجل: أتسخر بي، وأنت رب العالمين؟.»

واستدلوا على الرجل بما رواه ابن تيمية ايضاً في الرسالة الواسطية الموجودة في كتاب الرسائل التسع ص١٣٦: «لا تزال جهنم يلقى فيها، وهي تقول: هل من مزيد؟. حتى يضع رب العزة فيها رجله، فينزوي بعضها الى بعض، وتقول: قط قط».

واستدلوا على وجود الاصابع بما رواه محمد عبدالوهاب في آخر كتاب التوحيد: «ان الله جعل السموات على اصبع من اصابعه، والأرض على اصبع، والشجر على اصبع، والثرى على اصبع، وسائر الخلق على اصبع.. ثم اعتز الله وفتخر، وقال: انا الملك، انا لله. اين الجبارون؟ اين

٩٣

المتكبرون؟. فالله يحمل السموات السبع والأرضين السبع في يده، وهي فيها كحبة خردل في يد احدنا، وهذا معنى قوله تعالى:( والأرض جميعاً في قبضته يوم القيامة ) .

ملاحظة:

ويلاحظ اولاً: ان المعروف من طريقة العرب انهم يستعملون الألفاظ في معانيها المجازية أكثر مما يستعملونها في المعاني الحقيقية، ومن المعلوم بالبديهية ان الكتاب والسنة منزلان على كلام العرب وطريقتهم في الخطابات والمحاورات: «انا انزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون». واذا أبقينا جميع ألفاظ الكتاب على ظاهرها فبماذا نفسر قوله تعالى:( واسأل القرية التي كنا فيها والعير ) وقوله:( واسأل من ارسلنا قبلك من رسلنا؟ ) هل نفسره بأن المطلوب توجيه السؤال الى الحيوان والاحجار والأموات؟. واذا ساغ لنا تفسير هذه الآية تبعاً للواقع بالمعاني المجازية التي لم تدل عليها الصورة اللفظية، والدلالة المطابقية.. جاز ذلك في غيرها نبعاً للواقع، والفرق تحكم، وما أوسع هذا الباب وأكثر هذا النوع في كلام الله ورسوله.

ثانياً: ان الوهابية ومن اليهم وقعوا في أشد مما فروا منه، لقد فروا من التأويل، فوقعوا في الاسراف والتعسف، وهربوا من القول بالرأي إلى القول بالجهل، والرجم بالغيب.. ذلك انهم زعموا ان يد الله وكفه، وعينه واذنه الخ لا تشبه

٩٤

أعضاءنا هذه في شيء فراراً من مشكلة التشبيه، وبديهة ان اليد ظاهرة في هذا العضو المعروف، وهو لا ينفك عن المادة بحال، وكذلك العين والسمع، وما اليهما، فان ابقينا اللفظ على ظاهره يلزم ان يكون الله جسماً، كسائر الأجسام، وهم لا يلتزمنون به، وإن صرفناه الى غير هذه اليد والعين والسمع يلزم التأويل، وقد فروا منه، وإن حملناه على معنى مجهول عند السامع والمخاطب، وذلك بأن تكون له يد لا كالايدي، وعين لا كالأعين على حد تعبيرهم وقعوا في التعسف، وهو أشد سوء من التأويل، وبكلمة ان ابقوا اللفظ على ظاهره جاءت مشكلة التجسيم، وان حملوه على معنة مجهول جاء التعسف..

فتعين تأويل اللفظ تأويلاً معقولاً بحمله على معنى يتلاءم مع جلال الله وعظمته على ان تتحمله الصورة اللفظية، ولا يأباه الذوق السليم، كحمل اليد على القدرة، لانها مظهر لها، والسمع والبصر على العلم، لانهما سبيلان اليه، وحمل الوجه على الظهور، لانه المعنى البارز، والاستواء على الاستيلاء، ورؤية الله على رؤيته بالبصيرة لا بالبصر، لأن كلا منهما طريق إلى المعرفة، الى آخر ما ذكره المفسرون وعلماء المعاني والبيان.

تذكرت الآن ما نقل عن بعض المستشرقين من انه ترجم اللباس «بالبنطلون» في قوله تعالى:( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) .

٩٥

ومهما يكن، فاذا خالفنا الوهابية في عدم جواز التأويل من حيث هو، وقلنا به حيث تدعو الحاجة اليه فإنا نتفق معهم كل الاتفاق في السكوت والاعراض عن النزاع القائم بين الاشاعرة والمعتزلة من ان صفات الباري: هل هي عين ذاته او غيرها، لأن هذا النزاع يرجع في حقيقته الى النزاع في ذات الباري جل وعلا، وهذا موضوع شائك جداً احجم عنه الانبياء والمرسلون، قال علي امير المؤمنين: «تفكروا في خلق الله، ولا تفكروا في ذات الله» نقول هذا مع العلم بأن قول الوهابية ومن اليهم يلتقي مع قول الاشاعرة بأن الصفات غير الذات، الا انهم قد احسنوا بالسكوت عن ذلك.

الايمان بالقدر:

الايمان بالقدر هو الاعتقاد بأن الخير والشر من الله، ويعد الوهابية هذا الأصل من اصول الاسلام، وهي عندهم ستة: شهادة ان لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله، وأقام الصلاة، وايتاء الزكاة، وحج البيت على المستطيع، والايمان بالقدر خيره وشره. وعليه يكون الانسان مسيراً غير مخير.

وقال ابن تيمية في رسالة العقيدة الواسطية ص١٤٤ من الرسائل التسع: «العباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم.. وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم ارادة، والله خالقهم، وخالق قدرتهم وارادتهم، ومع ذلك فقد أمرهم بالطاعة،

٩٦

ونهاهم عن المعصية».

وقد حالت كثيراً، وفكرت اكثر لافهم واهضم هذا الكلام فلم استطع له فهماً ولا هضماً لمكان التناقض والتضارب، فإن كلام ابن تيمية ظاهر في أن الله خالق أفعال الانسان، وغير خالقها، والانسان موجود لافعاله، وغير موجدها اللهم الا ان يقال: انهما اشتركا في الخلق والايجاد، وحينئذ يأتي اشكال ان احد الشركين اذا كان اقوى من الآخرين قبح ان يعاقب الضعيف فيما اشتركا فيه.

والحق في هذه المسألة التي شغلت الأولين والآخرين ما قاله الامام جعفر الصادق، وعبر عنه بقوله: «لا جبر ولا تفويض، وانما أمر بين الأمرين» ويتلخص معنى هذه الجملة الكبيرة في معناها، الصغيرة في مبناها ان الله سبحانه أقدر العبد على فعل الخير والشر، ثم أمره بالأول، ونهاه عن الثاني، فان اختار العبد فعل الخير، وآثره على الشر ينسب فعله هذا الى الله، لأنه رضي به، وايضاً ينسب الى العبد، لأنه آثره على الشر، وترك المعصية مع قدرتها عليها، اما إن اختار العبد فعل الشر، وفضله على الخير فينسب اليه وحده، لأنه قد ترك الخير مع قدرته على فعله، وفعل الشر مع قدرته على تركه، ولا ينسب الى الله، لانه نهى عنه، ولم يرض به بحال، وعليه يكون الخير من الله والعبد، أما الشر فمن العبد وحده.

وان قال قائل: لماذا اقدر الله عبده على الشر ما دام لا

٩٧

يريده منه؟. قلنا في جوابه: لو ان الله سبحانه اقدر عبده على الخير فقط لكان مجبراً عليه، وكان الفعل بالنسبة اليه كالثمر على الشجر، والله سبحانه يريد الطاعة من عباده اختياراً، لا قهراً عنهم.

ولتتضح الفكرة أكثر نذكر هذا المثال: والد اعطى ولده ديناراً، وأمره ان يشتري به كتاباً، ولا يشرب به خمراً، فامتثل الولد، واشترى الكتاب، فشراء الكتاب ينسب الى الوالد، لانه اقدر الولد عليه، ورضي به، وأيضاً ينسب الى الولد، لانه ترك شرب الخمر مع قدرته على فعله واشترى الكتاب مع قدرته على تركه، اما شرب الخمر فينسب الى الولد فقط، لانه ترك ما أمر به مع قدرته على فعله، وفعل ما نهي عنه مع قدرته على تركه، ولا ينسب الى الوالد، لأنه لم يرض به بحال.

هذا هو رأي الشيعة الامامية. الذين ينعتهم ابن تيمية وأتباعه بالشرك، ويستحل هو وقبيله منهم الدم والمال والذرية.

الاسباب والمسببات:

قال الاشاعرة: ليس في الكون أسباب طبيعية، وجميع المسببات تستند الله مباشرة، فهو الذي يخلق الشبع عند الأكل، والشفاء عند شرب الدواء، ويزيل العطش عند شرب الماء. وقال المعتزلة والامامية: بل ان في الكون اسباباً طبيعية تستند اليها مسبباتها مباشرة والأسباب الطبيعية تنتهي بالواسطة الى

٩٨

الله سبحانه، لأنه مسبب الأسباب.

ويظهر من كلام ابن تيمية انه يوافق الاشاعرة، حيث قال في كتاب نقص المنطق ص٣٦: «ان لله ملائكة موكلة بالسحاب والمطر، وملائكة موكلة بالهدي والعلم، هذا رزق القلوب وقوتها، وذاك رزق الاجساد وقوتها».

اما تلميذ ابن القيم فيتفق مع المعتزلة والامامية في هذا الباب، حيث نقل عنه صاحب فتح المجيد في ص٦٩ قوله: «لا تتم حقيقة التوحيد الا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضية لمسبباتها قدراً وشرعاً». ويشعر هذا النقل بأن الوهابية في ذلك على رأي ابن القيم.

مرتكب الكبيرة:

ويعتقد الوهابية ان من ارتكب كبيرة من الموحدين لا يخلد في النار. (فتح المجيد ص٤٧٩) وهو الحق.

اصحاب الرسول:

ويعتقد الوهابية ان جماعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يوحدون الله، ويجاهدون مع رسول الله، ويصلون معه، ويزكون، ويحجون ومع ذلك كانوا كفرة بعيدين عن الاسلام كل البعد.

(محمد عبدالوهاب في رسالة كشف الشبهات ص١٢٠ الرسائل العملية التسع طبعة ١٩٥٧).

٩٩

الخلفاء الراشدون:

ويعتقد ان الخلفاء الأربعة الراشدين هم صفوة السلف الصالح، وان التفاضل بينهم يأتي على حسب ترتيبهم في الخلافة.

وعلى هذا يجب ان يكون يزيد بن معاوية أفضل من عمر بن عبدالعزيز، لأنه اقدم وأسبق في الوظيفة.. مع ان الملك عبدالعزيز قال: انا اقتدي بعمر بن عبدالعزيز، ولم يقل: انا أقتدي يزيد، لأنه اسبق (من خطاب ألقاه في عيد الأضحى سنة ١٣٦٥هـ).

والغريب انهم يروون لعلي بن ابي طالب من الفضائل والمناقب مالم يرووا بعضه لاحد من الصحابة، حتى للخليفة الأول، ومع ذلك يجعلون الأفضلية على اساس الترتيب في الخلافة..

هذا كتاب التوحيد لمحمد عبدالوهاب، وهو انجيل الوهابية، لم يذكر فيه المؤلف منقبة واحدة لاحد من الخلفاء أو الصحابة الا ما قاله النبي في علي يوم خيبر: «لاعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، فبات الناس يدكون ليلتهم ايهم يعطاها، فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلهم يرجو ان يعطاها، فقال: اين علي؟.»

جاءوا كلهم يتلهفون ويطمعون أيهم يعطاها، حتى الأول

١٠٠