أصل الشيعة وأصولها

أصل الشيعة وأصولها0%

أصل الشيعة وأصولها مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 442

أصل الشيعة وأصولها

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء
تصنيف: الصفحات: 442
المشاهدات: 70928
تحميل: 6691

توضيحات:

أصل الشيعة وأصولها
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70928 / تحميل: 6691
الحجم الحجم الحجم
أصل الشيعة وأصولها

أصل الشيعة وأصولها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

نعم، القوم لا عِلْمَ لهم من الشيعة بشيء، وهم يكتبون عنهم كلَّ شيء !!، وأشدّ من هذا غرابة وأبعد شذوذاً أنّ جماعة من أبناء السُنّة في العراق لا يعرفون من أحوال الشيعة شيئاً مع دنوِّ الدار وعصمة الجوار.

كتب إليّ قبل بضعة أشهر شاب مهذَّب عريق بالسيادة من شيعة بغداد:

أنّه سافر إلى لواء الدليم (وهو اللواء المتّصل ببغداد)(١) وأكثر أهاليه من السُنّة، فكان يحضر نواديهم فيروق لهم حديثه وأدبه، ولمّا علموا أنّه من الشيعة صاروا يَعْجَبُون ويقولون:

ما كنّا نحسب أنَّ في هذه الفرقة أدباً وتهذيباً فضلاً عن أنْ يكونوا ممَّن له علم أو دين !! وما كنّا نظنّهم إلاّ من وحوش القفر وشذاذ الفلوات !!

وكان هذا الشاب يستثير حَمِيَّتي بقوارص الملام، ويحثّني بالطلب المتتابع على أنْ أكتب عن الشيعة رسالة موجَزَة تُنشَر بين الأُمم الجاهلة، وتعرِّفهم - ولو النَزْر اليسير - من أحوال هذه الطائفة ومعتقداتها ودياناتها.

ثمّ بعد بُرْهَة سافر هذا الشاب إلى سوريا للاصطياف، وعرج منها إلى مصر، فكتب إليَّ:

يا سيِّدي الحال عن الشيعة عند أهالي مصر هي الحال التي أَنْبَأْتُك عنها في لواء الدليم، والصورة تلك الصورة.

ثمّ يقول لي:

أفما آن لك أنْ تفي بوعدك، وتقوم بواجبك؟ فإنّ الشيعة مصوَّرةٌ عند القوم بأبشع صورة يتصوّرها إنسان... إلى آخر ما كتب، وحقّاً ما كتب وإنْ طال وأطنب.

فمِنْ هذا كلّه، وأضعاف مثله ممّا نجده في الصحف المصريّة والسوريّة وغيرها، وما تنشره مقالاتهم آونة بعد أُخرى مِنْ قَذْفِ تلك الطائفة بكلِّ عظيهة(٢) ، ونَبْزِهِم بكلِّ عظيمة، هم منها بَرَاء براءة يوسف الصدِّيق

____________________________

(١) وهو الآن يُدْعَى بـ : محافظة الأنبار.

(٢) العَضَة والعِضَة والعضيهة : الكذب والبهتان. القاموس المحيط ٤ : ٢٨٨.

١٤١

وأخيه من السَّرقة، ولكن داء الجهل والعصبيّة هو الداء العياء الذي قد أعْيَى الأطبّاء.

نعم، من كلِّ ذلك رأيتُ من الظلم الفاحِش السكوتَ والتغاضي عن هذه الكارثة، لا أعني أنَّه من الظلم على الشيعة، ولا أُريد أنْ أدفع الظلم عنهم، والمفتريات عليهم، كلاّ، ولكن أعظم الغرض، وأشرف الغاية، رفع أَغْشِيَة الجهل عن المسلمين من عامّة فرق الإسلام؛ كي يعتدل المصنّف، وتتمّ الحجّة على المُعانِد، وترتفع اللائمة ووَصْمَة التقصير عن علماء هذه الطائفة.

وأعلى من ذلك رجاء حصول الوِئام، ورفع الشَحْنَاء والخِصَام بين فرق الإسلام الذي قد عمّ كلّ ذي شعور- ولا سِيَّما في هذه العصور - أنّه من أَلْزَمِ الأمور، عسى أن لا يعود كاتب(فجر الإسلام) الذي تكاثفت عليه غواشي الظلم والظلام، فيقول في تلك الصفحة التي أوعزنا إليها ما نَصُّه:

(والحقُّ أنَّ التشيّع مأوى يلجأ إليه كلُّ مَنْ أراد هدم الإسلام لعداوة أو حِقْد، ومن يُريد إدخال تعاليم آبائه مِنْ يهوديّة ونصرانيّة وزرادشتيّة - إلى قوله - فاليهوديّة ظهرتْ في التشيُّع بالقول بالرجعة.

وقالت الشيعة:

إنَّ النّار محرَّمة على الشيعي إلاّ قليلاً.

وقال اليهود:

لن تمسّنا النّار إلاّ أياماً معدودة.

والنصرانيّة ظهرتْ في التشيُّع في قول بعضهم:

إنَّ نسبة الإمام إلى الله كنسبة المسيح إليه.

وقالوا:

إنَّ اللاهوت اتَّحد بالناسوت(١) في الإمام، وإنَّ النبوة والرسالة

____________________________

(١) اللاهوت والناسوت :

علم اللاهوت : علم يبحث عن العقائد.

وفي الكُلِّيَّات : اللاهوت الخالق، والناسوت المخلوق.

وربما يُطلق الأوّل على الروح، والثاني على البدن.

بل وربما يطلق الأوَّل أيضاً على العالَم العلوي، والثاني على العالَم السفلي، وعلى السبب والمسبب، وعلى الجن والإنس.

١٤٢

لا تنقطع أبداً، فَمَن اتّحد به اللاهوت فهو نبي.

وتحت التشيُّع ظهر القول بتناسخ الأرواح، وتجسيم الله، والحلول، ونحو ذلك من الأقوال التي كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس قبل الإسلام...) إلى آخر ما قال.

ونحن لولا محافظتنا على مياه الصفاء أنْ لا تتعكَّر، ونيران البغضاء أنْ لا تتسعَّر، وأنْ تنطبق علينا حكمة القائل: لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتَأْتِي مِثْله(١) ..

لعرَّفناه، مَنْ الذي يُريد هدم قواعد الإسلام بمعاول الإلحاد والزندقة، ومن الذي يسعى لتمزيق وحدة المسلمين بعوامل التقطيع والتفرقة.

ولكنّا نريد أنْ نسأل من ذلك الكاتب: أيّ طبقات الشيعة أراد هدم الإسلام؟

الطبقة الأولى: وهم أعيان صحابة النبي (صلّى الله عليه وآله) وأبرارهم كسلمان المحمَّدي - أو الفارسي - وأبي ذر، والمقداد، وعمّار، وخُزيمة ذي الشَّهادتين، وأبي التيهان، وحذيفة [بن] اليمان، والزُّبير، والفضل بن العبَّاس، وأخيه الحبر عبد الله، وهاشم بن عتبة المِرْقَال، وأبي أيوب الأنصاري، وأبان، وأخيه خالد ابنَي سعيد العاص الأمويَّيْن، وأُبَي بن كعب سيِّد القُرّاء، وأنس بن الحرث بن نبيه الذي سمع النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول: ((إنَّ ابنِي الحُسَيْن يُقْتَل فِي أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا كَرْبَلاء، فَمَنْ شَهِدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَنْصُرهُ)) فخرج أنس وقُتل مع الحسين (عليه السَّلام).

راجع:

(الإصابة) و (الاستيعاب)(٢) وهما مِنْ أوثق ما ألَّف علماء السُنَّة

____________________________

= وعلم اللاهوت يَبحث في وجود الله تعالى وصفاته وعلائقه بالعالم والإنسان. ويُراد منه علم التوحيد، وعلم الكلام، وعلم الربوبيّة.....

انظر:

المعجم الفلسفي ج٢: ٢٧٧.

(١) بيتُ شعرٍ مشهور، عَجْزُهُ: عارٌ عَلَيكَ إذا فَعلتَ عَظيمُ.

وهو يُنْسَبُ تارة إلى المتوكّل اللَّيثي، وأُخرى إلى أبي الأسود الدؤلي.

(٢) الإصابة ج١: ٦٨. الاستيعاب بهامش الإصابة ج١: ٧٤.

١٤٣

في تراجم الصحابة.

و لو أردتُ أنْ أعدّ عليك الشيعة من الصحابة، وإثبات تشيّعهم من نفس كتب السُنَّة لأحوجني ذلك إلى إفراد كتاب ضخم، وقد كفاني مؤونة ذلك علماء الشيعة.

راجع (الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة)(١) للسيِّد علي خان صاحب (السُلافة)(٢) وغيرها من الكتب الجليلة كـ (طراز اللغة)(٣) الذي هو من أنفس ما كُتب في اللغة، على أنَّه - رحمه الله - لم يذكر في الطبقات إلاّ مشاهير الصحابة بعد بني هاشم كحمزة، وجعفر، وعقيل ونظائرهم، وذكر من غيرهم أكثر مَنْ قدّمنا ذكرهم بزيادة: عثمان بن حنيف، وسهل بن حنيف، وأبي سعيد الخدري، وقيس بن سعد بن عبادة رئيس الأنصار، وبريدة،

____________________________

(١) الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة:

ضمّنه مؤلّفُه رحمه الله مجموعةً واسعة من تراجم وأخبار أعلام رجال الشيعة منذ الصدر الأوّل للدولة الإسلاميّة المباركة، مرتّب على اثنتي عشرة طبقة، على ما ذكره المؤلِّف رحمه الله في مقدّمة كتابه، تبتدئ بالصحابة وتنتهي بأعلام النساء، إلاّ أنّ الكتاب الذي بِيَدِي لم يتضمّن إلاّ الطبقة الأولى وشيئاً يسيراً من الطبقة الرابعة والحادية عشرة فحسب، فراجع.

(٢) سُلافة العصر في محاسن الشعراء بكلِّ مصر:

رتَّب المصنّفُ رحمه الله تعالى هذا الكتاب بعد تطواف طويل في العديد من البلدان والأمصار، حيث جمع فيه جملةً واسعة من تراجمٍ أعيان شعراء عَصْرِه، وفُصَحَاء دَهْرِه، مستعرضاً فيه نتفاً من قصائدهم وفصول كلامهم، ذاكراً لجانبٍ من سيرتِهم ومؤلّفاتهم وسَنَة وفاتهم.

كما أنّ المؤلِّف رحمه الله رتّب كتابه وِفْقاً لمسلك الثعالبي في (يَتِيْمَة الدهر) والباخرزي قي (دُمْيَة القَصْر).

(٣) الطراز الأوّل والكناز لما عليه من لغة العرب المعوَّل:

قال عنه الشيخ الطهراني رحمه الله تعالى في الذريعة (١٥: ١٥٧/١٠٣٥): من أحسن ما كُتب في اللغة، لكنّه لم يتجاوز النصف من حرف الصاد المهملة، وانتهى إلى كلمة (قمص).

تكلّم المؤلِّف رحمه الله تعالى في كلِّ صيغة بكلّ ما لها من المعاني بكلّ اصطلاح، وذكر جميع استعمالاتها الحقيقيّة والمجازيّة في الكتاب والسُنّة والمُثُل وغيرها.

١٤٤

والبراء بن مالك، وخبّاب بن الأرت، ورفاعة بن مالك الأنصاري، وأبي الطفيل عامر بن واثلة، وهند بن أبي هالة، وجعدة بن هبيرة المخزوميّ، وأُمّه أُمّ هاني بنت أبي طالب، وبلال بن رباح المؤذّن.

هؤلاء جُلّ مَنْ ذكرهم أو أكثرهم، ولكن يخطر على بالي أنّي جمعتُ ما وجدتُه في كتب تراجم الصحابة كـ (الإصابة) و(أُسْد الغابة) و (الاستيعاب) ونظائرها من الصحابة الشيعة زُهَاء ثلاثمائة رجل مِن عظماء أصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله) كلّهم من شيعة علي (عليه السَّلام)، ولعل المتتبّع يعثر على أكثر مِن ذلك.

ولكن ما أدري أهؤلاء الذين أرادوا هدم الإسلام؟ أم إمام الشيعة علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)، الذي يشهد الثقلان أنّه لولا سيفه، ومواقفه في بَدْر، وأُحُد، وحُنَيْن، والأحزاب، ونظائرها لَمَا اخضرَّ للإسلام عود، ولَمَا قام له عمود، حتّى قيل في ذلك:

بُنيَ الدِّينُ فَاستقامَ وَلولا

ضربُ ماضيهِ ما استقامَ البناءُ

وغالى المعتزلي عبد الحميد وأساء التعبير حيث قال:

ألا إنَّما الإسلامُ لَولا حسامهُ

......................................

نعم، لولا حسامه، ومواقفه، بعد الهجرة وقبلها، وحماية أبيه أبي طالب قبل الهجرة - هذا في مكّة وذاك فيها وفي المدينة - لقضتْ قريش وذئبان العرب على الإسلام في مَهْدِه، وخَنَقَتْهُ وهو في حجر أُمِّه.

ولكن جزاء أبي طالب من المسلمين أنْ يحكموا بأنّه مات كافراً(١) !! أمّا

____________________________

(١) قد يعتقد البعض بتصوّر عقلائي ومنطقي، يبتني على استقراء جملة المناقشات الواسعة والمتعاقبة التي اضطلع بها علماء ومفكِّروا الشيعة، وطوال حقب مترادفة ومتلاحقة - في مجالسهم وندواتهم ومؤلّفاتهم - أنَّ مسألة إيمان أبي طالب رحمه الله تعالى قد حُسمِتْ وأُقِرَّتْ بشكلٍ نهائي لا رجعة فيه، ولا مجال لتكراره، بل ويُعَدُّ من فضول الحديث وهذره =

١٤٥

____________________________

= اجترار الأحاديث السالفة المعروفة والمفنِّدة لأطروحات السابقين - الواضحة الأغراض والمباني - الذاهبة بشكل عجيب ومستهجَن إلى القطع بوفاة هذا الرجل دون نُطْقِهِ للشهادتين، وإصراره على الموت مُشرِكاً !! رغم تناقض ذلك الصريح مع السيرة الشخصيّة له، والأدلّة العقليّة والنقليّة الثابتة لدى الفريقين.

نعم، قد يعتقد البعض ذلك، ولكن حقيقة الأمر تتعارض وبشكل فعلي مع هذا التصوّر العقلائي والسليم، فلا زِلْتَ تسمع ورغم كلّ ذلك جملةً من التقوّلات السقيمة الخارِجة عن إطار الدراسة العلميّة والمنطقيّة وهي تجتر أقوالاً سقيمة عفا عليها الدهر واعتراها الصدأ لرموز مشخّصة ومعروفة من أتباع السلاطين وطلاّب الدنيا.

بلى، إنّ أولئك الماضين من المحدّثين والكُتّاب ووعّاظ السلاطين - من الذين تضطرب أنفاسهم، ويسيل لعابُهم أمام بريق الثروة والجاه والسلطان - كانوا ولا زالوا طلبة كلّ ذي غَرَضٍ مشبوه وحاجة مُرِيْبَة، حيث لا تجدهم يتردَّدون لحظة عن التقوِّل على الدين وأهله، والافتراء عليهما ولو بأَبْخَس الأثمان.

نعم، إنّ تلك الضمائر المعروضة دوماً في سوق النخاسة هي مصدر المِحَن والفِتَن التي نَخَرَتْ الكثير من جوانب هذا المجتمع الإسلامي الكبير، وشوَّهتْ وحرّفت الكثير من الحقائق الناصعة والثابتة، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بجملة حسّاسة ومهمّة من عقائد المسلمين، فأحدثتْ بلا شكّ ارتباكاً واضحاً لا يسهل التغاضي عنه ولا رَدْمِهِ، ويستلزم لتجاوزه الكثير من التعقّل والتقوى، وكنّا ولا زِلْنَا نُنَادي به.

والحقّ يُقال:

إنَّ أوّل مَنْ سَنّوا هذه السُنّة السيِّئة، وجهدوا في شراء الضمائر اللاهِثَة خَلْف بريق الذهب والفضّة، هم رموز الدولة الأمويّة وحكّامها، والتأريخ وسجلاّته خير شاهد على ذلك، بل إنّ هذه حقيقة واضحة لا نحتاج معها إلى برهان.

ولعلّ مسألة الطعن في إيمان أبي طالب رحمه الله تعالى من تلك المسائل الحسّاسة التي، جهدتْ السلطة الأمويّة وأزلامها في محاولة تركيزها في أذهان المسلمين بشتّى الصور والأساليب؛ لأنّها ترتكز على جملة شواهد لا يسع الأمويون غضّ النظر عنها:

أوّلها:

عداؤهم التقليدي والثابت للرسالة الإسلاميّة، التي مرَّغتْ بالوحل كبرياءهم وسلطانهم الذي أقاموه على أرض الجزيرة، من خلال سَطْوَتهم وظلمهم وثروتهم، حيث بدتْ أحلامهم بالسيطرة على أرض الجزيرة تتهاوى كأوراق الشجر في مواسم الخريف أمام تيّار الدعوة الإسلاميّة المباركة، والتي كان لأبي طالب رحمه الله تعالى الفضل الكبير في ثباتها وبقائها، فلا غَرْوَ أنْ تجد قلوب الأمويِّين طافحة حقداً وبغضاً وعداءً لهذا الرجل. =

١٤٦

____________________________

=

ثانيها:

ولعلّ هذا الأمر هو القطب الأكبر الذي أجَّج هذا العداء لهذا الرجل في قلوب الأمويِّين، وهو كونه أباً لعلي (عليه السلام) لا أكثر.

وللأمانة أقول:

إنّ أبا طالب لو كان أباً لرجل من عامّة المسلمين، حتّى ولو كان من فُسَّاقهم، وكانت له عُشْر هذه الخدمات الجليلة للإسلام لأقاموا له الدنيا مدحاً ولم يقعدوها، ولترحّموا عليه في جميع مجالسهم وندواتهم ومحافلهم، ولأطنبوا في مدحه حتّى تملّ الآذان...

ولكنّه - وتلك هي أُسّ القضيّة - أَبَ عليٍّ الذي عجزتْ نفوسُ أجدادهم ورجولاتهم عن مواجهته في ميدان الفروسيّة والمنازلة، فانكفوا في جحورهم كالسحالى يتلوّنون بألف لون ولون، ويتستّرون بأكثر من سِتَار، ويشترون الضمائر المعروضة للبيع في سوق النخاسة بأزهد الأثمان، تلك الضمائر التي لا تعدمها في كلّ عصر ومكان، فأغدقوا عليهم المال الوفير للكيد به، والإساءة إليه، فأكثر أولئك التافهين من الكذب والافتراء، والطعن والبُهتان، متخيّرين ما تصوّروا أنّ له أشدّ التأثير بشَخْصِ عليّ (عليه السلام)، والطعن بإمامته، فتوافق ذلك مع حقدهم على أبي طالب رحمه الله تعالى نتيجة وقوفه إلى جانب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فتلقَّفوها تلقّف الكُرَة...

وهكذا فقد أصبح هذا الرجل ضحيّة مؤامرة محبوكة من مؤامرات الأمويّين ومكائدهم الجَمّة بالدين وأهله، وسَرَتْ تلك الروايات الكاذبة في الكثير من المصادر التاريخيّة وغيرها سريان السُمّ الزعاق في بدن العليل، دون أنْ يكلِّف البعض نفسَه مؤونة التحقيق والمراجعة لصحّة ما يقوم بِنَقْله، فتوارث الخلفُ آثامَ السلف، واتّبعوهم كالأعمى لا فحص ولا تمحيص، وتلك هي والله أُمّ الفواقر، وثالثة الأثافي.

والحقّ يُقال:

إنَّ مجرد الاستقراء المتعجّل لجملة الحقائق التي يغفل عنها البعض تظهر بوضوح مظلوميّة هذا الرجل، وجفاء العديد من مفكّري الأُمّة وباحثيها له من العامَّة بشكل لا يُصدّق، رغم ما قرأْتُه من بعض المباحث القَيِّمَة التي خرجتْ من حالة التقليد الأعمى التي سار عليها الكثيرون سابقاً ولا زالوا...

وأنا وإنْ كنتُ في موضع لا يتّسع لإيراد جملة تلك الشواهد والأدلّة والحقائق، إلاّ أَنِّي أُحيل القارئ الكريم إلى قراءة ودراسة ما كُتب من قِبل علماء الشيعة ومفكّريها حول هذا الموضوع، وخلال ما مضى من القرون وفي هذه الأيّام، ثمّ أدعوه للحكم على صِحّة ما ذهبنا إليه دون تحزُّب أو تحيُّز إلاّ إلى الحقِّ، ومن ذلك:

١ - إيمان أبي طالب: للشَّيخ المفيد محمّد بن محمَّد بن النعمان البغدادي.

٢ - إيمان أبي طالب: للسيد أحمد بن موسى بن طاووس الحلِّي.

٣ - إيمان أبي طالب: المعروف بكتاب الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: =

١٤٧

أبو سفيان الذي ما قامتْ رايةُ حَرْبٍ على النبيّ إلاّ وهو سائقها وقائدها وناعقها، والذي أظهر الإسلام كرهاً وما زال يعلن بكفره وعدائه للإسلام، وهو الذي يقول لمّا صارت الخلافة إلى بني أُميَّة:

تلقَّفوها يا بني أُميَّة تلقُّف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان(١) ما مِن جنَّة ولا نار(٢) !!

نعم، هذا بحكم المسلمين مات مسلماً(٣) ، وأبو طالب حامية الإسلام

____________________________

= للسيِّد أبي علي فخار بن سعد الموسوي.

٤ - شيخ الأبطح، أو أبو طالب: للسيِّد محمَّد علي آل شرف الدين الموسوي.

٥ - الشهاب الثاقب لرجم مُكَفِّر أبي طالب: للشيخ ميرزا محمّد الطهراني.

٦- ضياء العالمين في فضائل الأئمّة المُصْطَفِين: للشيخ أبي الحسن الفتوني النجفي.

٧ - مواهب الواهب في فضائل أبي طالب: للشَّيخ جعفر النقدي.

٨ - أبو طالب مؤمن قريش: للشيخ عبد الله الخنيزي.

(١) أي باللاّت والعُزّى.

(٢) انظر: الاستيعاب ج٤: ٨٧. مروج الذهب ج٣: ٨٦.

(٣) وذلك والله من عجب العجاب: فأنَّى تظلّ العقول مسترسِلة في غَيِّها وغَفْوَتها؟! وحتّامَ يبقى هذا الحجاب من الغفلة والجهل يطوي مكامِن العقول ولُبَاب الحقائق؟! بل ومتى يتوقّف البعضُ ولو قليلاً ليدرك عمق ما يتقوّله دون حجّة ولا دليل، ولا سلطان مبين؟! فمَنْ هو أبي سفيان، وما هو تأريخه؟ بل وهل هو خافٍ على أحد ليأتي مَنْ يأتي في آخر الزمان، مُردِّداً إرهاصات وتخرّصات الأمويِّين السقيمة؛ لتجميل وجه شيخهم الكالح البغيض؟

وهو ما نقرأه بين الآونة والأُخرى في كرّاسات وقصاصات صفراء متغضنة.

وإلاّ فهل خفي على أحد أنَّ هذا الرجل كان:

- مِنْ أكثر المؤلِّبين على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟!

- وقائد الأحزاب؟!

- والمتعبِّد باللات والعزّى.

- والذي أنفق جُلّ أمواله في محاربة الله ورسوله حتّى نزل فيه - على ما يروي الرازي في تفسيره - قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئاً) والذي ما نطق بالشهادتين إلاّ مُكرهاً.

- مُسِرّاً للعداوة، مُبطِناً للكفر.

- مُتَحَيِّنَا للفرص السانحة، كيداً بالإسلام وأهله، حتّى لقد روتْ عنه الكثير من المصادر التاريخيّة المختلفة، وكتب التراجم والسِيَر العديد من الأخبار التي تطعن في صِحّة إسلامه، وتشكك فيه، ومن ذلك قوله لعثمان حين صارت الخلافة إليه: قد صارت إليك بعد تَيْمٍ وعدي، فأَدِرْهَا كالكُرَة، واجعل أوتادها بني أُميّة، فإنّما هو المُلك، ولا أدري ما جنَّة ولا نار!!.

انظر: الاستيعاب بهامش الإصابة ج٤: ٨٧. =

١٤٨

مات كافراً !!، مع أنّ أقلَّ كلماته:

وَلَقدْ عَلِمتُ بِأن ديِنَ مُحَمّدٍ

مِنْ خَيرِ أديانِ البَريَةِ دِينا(١)

و أبو طالب ليس بذلك الرجل الضعيف، وذي الرأي السخيف الذي يعلم بأنَّ دين مُحَمَّدٍ من خير الأديان ولا يتبعه ولا يتديَّن به خوفاً من إلناس، وهو سيّدُ البطحاء ! فَدَعْ عَنْكَ هذا وعُدْ إلى حديث مَنْ أراد هدم الإسلام !!

أَهُمْ هؤلاء الذين ذكرناهم؟ أو الطبقة التي بعدهم - طبقة التابعين - كالأحنف بن قيس، وسويد بن غفلة، وعطيّة العَوفي، والحَكَم بن عتيبة، وسالم بن أبي الجعد، وعلي بن الجعد، والحسن بن صالح، وسعيد بن

____________________________

= بل وما رواه ابن الزبير عنه يوم اليرموك حيث كان (أي أبو سفيان) إذا رأى أنّ الروم ظهروا على المسلمين قال:

إيه بني الأصفر! وإذا كشفهم المسلمون قال:

وَبَنوا الأصفرِالمُلوكِ مُلوك الرُّ

وم لم يَبقَ مِنهم مَذكور

بل وفي حنين كانت الأزلام في كنانته يستقسم بها، ولمّا رأى انهزام المسلمين سُرّ بذلك وقال:

لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، لقد غلبت هوازن !!

فقال له صفوان - وكان يستمع إليه - : بفيك الكثكث (أي الحجارة والتراب). انظر: النزاع التخاصم: ٥٢.

واليك كتب التاريخ وغيرها، تأمّل بها فإنّها خير شاهد على ذلك، رغم ما تسرّب إلى العديد منها من الدسّ والافتراء، والكذب الرخيص، من الذين وإنْ قيل باختلاف مشاربهم ولكنّهم يتَّفقون بلا شكّ على عداوة أهل بيت النبوّة (عليهم السلام) وبغضهم، خلافاً لوصيّة الله تعالى بهم ورسوله (صلّى الله عليه وآله).

(١) أحد جُمْلَةِ أبيات مشهورة نقلتْها المصادر المختلفة، واتّفقتْ على نسبتها إلى أبي طالب رحمه الله تعالى، منها:

وَاللهِ لَنْ يَصِلُوا إليكَ بجمعِهِم

حَتى اُوسَّد َفي التُّرابِ كَفينا

فَاصدَعْ بِامرِكَ مَا عَلَيكَ غَضاضَةً

وَابشِرْ بِذاكَ وَقَرَّ مِنكَ عُيُونا

وَدَعَوتَني وَعَلِمتُ أنَّكَ ناصِحي

وَلَقد دَعَوتَ وَكُنتَ ثم امِينا

وَلَقَد عَلِمتُ بِأنَّ دينَ مُحمًدٍ

مِنْ خَيرِ أديانِ البَريَةِ دِينا

١٤٩

جبير، وسعيد بن المسيَّب، والأصبغ بن نباتة، وسليمان بن مهران الأعمش، ويحيى بن يعمر العدواني صاحب الحجّاج(١) .

وأمثال هؤلاء ممَّن يطول

____________________________

(١) لعلّ المتبادر إلى أذهان البعض أنّ لهذا الرجل صُحْبَة مع الحَجّاج لعنه الله تعالى، إلاّ أنّ لذلك واقعة مشهورة بين الاثنين عُرِفَ ابن يعمر بها، ومِن ذلك فإنّ الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى أشار إلى ذلك الأمر مجرّد إشارة لوضوحه.

وتلك الواقعة يرويها الشيخ الكراجكي (المتوفَّى سنة ٤٤٩ هـ) في كتابه الشهير كنز الفوائد (ج١: ٣٥٧):

قال: - قال الشعبي: كنتُ بواسط، وكان يوم أضحى، فحضرتُ العيد مع الحجّاج فخطب خطبةً بليغةً، فلمّا انصرف جاءني رسوله، فأتَيْتُهُ فوجدتُه جالساً مستوفزاً. فقال: يا شعبي، هذا يوم أضحى، وقد أردتُ أن أُضَحِّي بِرَجُلٍ مِن أهل العراق ! ! وأحببتُ أنْ تسمع قولَه فتَعْلَم أنِّي قد أصبتُ الرأي فيما أفعل به !!.

- فقلتُ: أيُّها الأمير، لو ترى أنْ تَتَسَنَّن بِسُنَّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وتضحّي بما أمر أنْ يُضحّى به، وتفعل مثل فِعْلِه، وتدع ما أردتَ أنْ تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره.

- فقال: يا شعبي، إنّك إذا سمعتَ ما يقوله صوَّبتَ رأيي فيه؛ لكذبه على الله وعلى رسوله، وإدخاله الشبهة في الإسلام !!

- قلتُ: أَفَيَرَى الأمير أنْ يَعْفِيَني مِن ذلك؟

- قال: لا بُدّ منه. ثمّ أمر بِنِطْع فبُسط، وبالسيّاف فأُحضر،

- وقال: احضروا الشيخ. فاتوه به، فإذا هو يحيى بن يعمر، فاغْتَمَمْتُ غَمّاً شديداً،

- وقلت في نفسي: وأي شيء يقوله يحيى مِمّا يوجب قتله.

- فقال له الحجّاج: أنت تزعم أنّك زعيم أهل العراق؟

- قال يحيى: أنا فقيه من فقهاء أهل العراق.

- قال: فَمِنْ أيّ فِقْهِكَ زعمتَ أنّ الحسن والحسين مِن ذرية رسول الله؟

- قال: ما أنا زاعم ذلك، بل قائل بحق.

- قال: وبأيّ حقٍّ قلتَ؟

- قال: بكتاب الله عزّ وجلّ.

فنظر إلَيّ الحجّاج وقال: اِسمع ما يقول، فإنّ هذا ممّا لم أكن سمعتُه عنه، أتعرف أنت في كتاب الله عز وجل أنّ الحسن والحسين مِن ذُرِّيّة محمّد رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] )؟ =

١٥٠

____________________________

= فجعلْتُ أُفكّر في ذلك، فلم أجد في القرآن شيئاً يدلّ على ذلك.

وفكَّر الحجّاج مليّاً، ثمّ:

- قال ليحيى: لعلّك تريد قول الله عزَّ وجلّ:(فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) [ آل عمران ٣: ٦١ ].

وأنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] ) خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين [عليهم السلام]؟

- قال الشعبي: فكأنّما أَهْدَى لقلبي سروراً، وقلتُ في نفسي: قد خلص يحيى. وكان الحجّاج حافظاً للقرآن!!

- فقال يحيى: والله إنَّها لحجّة في ذلك بليغة، ولكنْ ليس منها أحتجّ لِمَا قلتَ.

فاصفرّ وجه الحجّاج وأطْرَقَ مَلِيَّاً، ثمّ رفع رأسه إلى يحيى،

- وقال: إنْ جئتَ من كتاب الله بغيرها في ذلك فلك عشرة آلاف درهم، وإنْ لم تأتِ بها فأنا في حلٍّ من دَمِكَ.

- قال: نعم.

- قال الشعبي: فَغَمَّنِي قولُه، وقلتُ [في نفسي]: أما كان في الذي نزع به الحجّاج ما يحتجّ به يحيى ويرضيه بأنّه قد عرفه وسبقه إليه، ويتخلَّص منه حتّى ردّ عليه وأفحمه، فإنْ جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أنْ يدخل عليه فيه من القول ما يُبْطِلُ حجَّتَه لئلاّ يدّعي أنّه قد علم ما جهله هو.

- فقال يحيى: قول الله عزّ وجلّ:(وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ) [الأنعام: ٨٤] مَنْ عنى بذلك؟

- قال الحجّاج: إبراهيم.

- قال: فداود وسليمان مِنْ ذريته؟

- قال: نعم.

- قال يحيى: ومَنْ نصّ الله تعالى عليه بعد هذا أنّه مِنْ ذُرِّيَّتِهِ؟

- فقرأ الحجّاج:(وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [الأنعام: ٨٤].

- قال يحيى: وَمَنْ؟

- قال:(وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى) [الأنعام: ٨٥].

- قال يحيى: ومِنْ أين كان عيسى من ذرِّية إبراهيم ولا أب له؟!

- قال: من قِبَلَ أُمِّهِ مريم.

- قال يحيى: فَمَنْ أقرب، مريم مِنْ إبراهيم أم فاطمة مِنْ محمّد (صلّى الله عليه وآله)؟ =

١٥١

تعدادهم وذِكْر أدلّة تشيّعهم؟

أهؤلاء الذين أرادوا هدم الإسلام؟

أَمْ الطبقة الأُخرى من التابعين وتابعيهم؟ وهم مؤسِّسو علوم الإسلام، كـ:

- أبي الأسود الدؤلي، مؤسِّس علم النحو.

- والخليل بن أحمد الفراهيدي مؤسِّس علم اللغة والعَروض.

- أَمْ أبو مسلم معاذ بن مسلم الهرّاء مؤسِّس علم الصرف الذي نصّ السيوطي في الجزء الثاني من المزهر وغيره أنّه كان شيعيّاً(١) .

- ويعقوب بن إسحاق السكّيت إمام العربيّة؟

أَمْ مؤسِّسو علم التفسير؟

- وأوّلهم الحِبْر عبد الله بن عبّاس وتشيّعه كنارٍ على عَلَم وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأُبي بن كعب، وسعيد بن جبير، وسعيد بن المسيّب وأوَّل مفسِّر جمع علوم القرآن وهو محمَّد بن عمر الواقدي الذي ذكره ابن النديم وغيره ونصّ على تشيّعه، واسم تفسيره (الرغيب)(٢) ?

أَمْ مؤسِّس علم الحديث؟ وهو:

- أبو رافع، مولى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، صاحب كتاب (الأحكام والسنن والقضايا) وهو من المختصِّين بأمير المؤمنين (عليه السلام) وصاحب بيت ماله بالكوفة.

- ثمّ تلاه ولده علي بن أبي رافع(٣)، كاتب أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، وهو أوَّل من صنَّف في الفقه

____________________________

= وعيسى مِنْ إبراهيم أم الحسن والحسين عليهم السلام مِنْ رسول الله صلى الله عليه وآله؟

- قال الشعبي: فكأنّما أَلْقَمَهُ حَجَرَاً.

- فقال: أطلقوه قَبَّحَهُ الله، وادفعوا إليه عشرة آلاف درهم، لا بارك الله له فيها.....

(١) المزهر ج٢: ٤٠٠.

(٢) فهرست ابن النديم: ١٩٤.

(٣)انظر:

تأسيس الشيعة: ٢٨٣ و ٢٩٨. رجال النجاشي: ٢١٦. رجال ابن داود: ١٣٤/١٠١١. تنقيح المقال ج٢: ٢٦٣. الكُنَى والألقاب ج١: ٧٤. الخلاصة: ١٠٢/٦٨. أعيان الشيعة ٨/١٥١.

١٥٢

بعد أبيه.

- ثمَّ أخوه عبيد الله بن أبي رافع، وهو أوَّل من ألَّف من المسلمين في التاريخ وضبط الحوادث والآثار(١) .

أَمْ مؤسِّسو علم الكلام ؟

- وأوَّل مَن تكلّم في علم الكلام أبو هاشم بن محمَّد بن الحنفية، وألَّف فيه كتباً جليلة.

- ثمّ عيسى بن روضة التابعي الذي بقي إلى أيّام أبي جعفر.

وهما أسبق من واصل بن عطاء وأبي حنيفة، الذي زعم السيوطي أنَّهما أوَّل من صنَّف في الكلام.

ثمّ تلاهما من أعلام الشيعة في علم الكلام قيس الماصر، ومحمَّد بن علي الأحول - المعروف عندنا بمؤمن الطاق، وعند غيرنا بشيطان الطاق - وآل نوبخت(٢) وهم عائلة علم جليلة، استمرّتْ سلسلتهم أكثر من مائة سَنَة، ولهم مؤلّفات عالية كـ (فصِّ الياقوت) وغيره وهشام بن الحكم والأحول والماصر، وتلاميذهم كأبي جعفر البغدادي السكّاك، وأبي مالك الضحّاك الحضرمي، وهشام بن سالم، ويونس بن يعقوب، ونظرائهم.

هؤلاء هم الذين دوَّخوا علماء المذاهب من المسلمين وغيرهم من الملاحدة وغيرهم في الجدل والاحتجاج، حتّى أوقعوهم في المضيق، وسدُّوا عليهم الطريق في التوحيد والإِمامة وغيرهما، ولو أنَّ أحداً يتصدّى لجَمْع

____________________________

(١)انظر:

تأسيس الشيعة: ٢٣٢ و٢٨١. تنقيح المقال ج٢: ٢٣٧. فهرست الطوسي: ١٥٧/٤٦٦. الخلاصة: ١١٢/٢. رجال الطوسي: ٤٧/١٧. الكُنَى والألقاب ج١: ٧٤. تهذيب التهذيب ج٧: ١١.

(٢) أُسرة جليلة وعريقة في العِلم والمعرفة، أصلهم من الفُرس، كان أوّل مَنْ أسلم منهم جدُّهم نوبخت الذي ينتسبون إليه، وكان مُقرَّباً مِنْ أبي جعفر المنصور.

ونوبخت لفظ فارسي مركّب من كلمتين (نو) أي جديد، و (بخت) أي حظ، ومعناه: الحظّ الجديد.

برز منها الكثير من العلماء والفلاسفة والمؤرِّخين والكُتّاب والأُدَبَاء والشعراء والوزراء.

راجع:

أعيان الشيعة للسيِّد محسن الأمين ج٢: ٩٣.

١٥٣

مناظرات كلّ واحد منهم المنتشرة في مُتَفَرِّقات مؤلَّفات أصحابنا، لجاء لكلِّ واحد كتاب مفرد، على الأخص هشام بن الحكم، كما أنَّنا لو أردنا أنْ نُحصي فلاسفة الشيعة وحكماءها ومُتَكَلِّمِيْهَا لاستوعب ذلك عِدَّة مجلّدات.

قُل لنا يا صاحب (فجر الإسلام) :

أهؤلاء الذين أرادوا هدم الإسلام؟!

أَمْ الذين أسَّسوا عِلمَ السِّيَر والآثار ، ودوَّنوا سيرة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ومعجزاته وغزواته وكرم أخلاقه؟!

و أوَّل من صنَّف ذلك من علماء الإسلام:

- أبان بن عثمان الأَحمر التابعي المتوفَّى سنة (١٤٠ هـ) من أصحاب الصَّادق (عليه السَّلام).

- ثمّ هشام بن محمَّد بن السائب الكلبي.

- ومحمَّد بن إسحاق المطلبي.

- وأبو مخنف الأزدي.

وكلّ مَنْ كتب في هذا الفن فهو عيال عليهم. والجميع من أعلام الشيعة بالاتفاق.

ثمّ تلاهم أعاظم المؤرِّخين وأثباتهم، وكلُّهم من الشيعة، كأحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب كتاب (المحاسن)، ونصر بن مزاحم المنقري، وإبراهيم بن محمَّد بن سعيد الثقفي، وعبد العزيز الجلودي البصري الإمامي، واليعقوبي، أحمد بن يعقوب، المطبوع تاريخه في أوروبا وفي النجف، ومحمَّد بن زكريا، وأبي عبد الله الحاكم المعروف بابن البيع، والمسعودي صاحب (مروج الذهب)، ومحمَّد بن علي بن طباطبا صاحب (الآداب السُّلطانيّة)(١)، وكثير من أمثالهم ممَّن يضيق التعداد عن حصرهم.

ثمَّ اعْطِفْ نَظَرَكَ على أشهر شعراء الإسلام، وذوي الرايات والأعلام

____________________________

(١) الآداب السلطانيّة والدول الإسلاميّة، ويُعْرَف باسم (الفخري في الآداب).

قال عنه الطهراني رحمه الله في الذريعة (ج١٦: ١٢٥):

هو في تاريخ الخلافة الإسلاميّة إلى انقراض بني العبّاس وتسلّط هولاكو على بغداد في (٦٥٦ هـ).

ألّفه في مُدَّة أوّلها جمادى الآخرة سنة (٧٠١ هـ) وآخرها خامس شوّال من السَنَة المذكورة في الموصل الحدباء باسم وَالِيْهَا فخر الدِّين عيسى بن إبراهيم.

١٥٤

منهم، فهل تجدهم إلاّ من الشيعة، وهم على طبقات:

الأُولى: طبقة الصَّحابِيِّين: وأعاظم شعراء هذه الطبقة كلّهم من الشيعة:

- أوّلهم النابغة الجعدي: شهد مع أمير المؤمنين (عليه السَّلام) صِفِّين، وله فيها أراجيز مشهورة(١) ، وعروة بن زيد الخيل: وكان معه بصِفِّين أيضاً (راجع الأغاني)(٢) ، ولبيد بن ربيعة العامري نصَّ جماعة على تشيِّعه(٣) ، وأبو الطفيل عامر بن واثلة المشهور، وأبو الأسود الدؤلي، وكعب بن زهير صاحب (بانت سعاد)، وكثير من نظرائهم.

الطبقة الثانية: المعاصرة لطبقة التابعين: كالفرزدق، والكميت، وكثير عزَّة، والسيِّد الحميري، وقيس بن ذريح، وأقرانهم.

الطبقة الثالثة: مِن بعدهم مِن أهل القرن الثاني كدعبل الخزاعي، وأبي نؤاس، وأبي تمّام، والبحتري، وديك الجن عبد السلام، وأبي

____________________________

(١) روى نصر بن مزاحم في وقعة صِفِّين (صفحة٣٥٥) للنابغة الجَعدي جملة من الأبيات الشعريّة ألقاها في أيّام تلك الواقعة، منها:

لَيتَ شِعري إذا مَضى ما قَد مَضى

وَتَجَلّى الامرُ للهِ الاجَل

ما يُظنن بناسٍ قَتلوا

أهلَ صفينٍ وَأصحابَ الجمل

أيَنامُونَ إذا ما ظَلَموا

أم يَبيتُون بخَوفٍ وَوَجَل

 (٢) قال أبو الفرج الاصبهاني في الأغاني (١٧: ٢٥٨):

كان لزيد الخيل ابنٌ يُقال له عروة، وكان فارساً شاعراً، شهد القادسيّة فحسن بلاؤه فيها، وشهد مع عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) صِفِّين، وعاش إلى إمارة معاوية، فأراده على البراءة من علي (عليه السلام) فامتنع عليه، وقال:

يُحاوِلُني معاويةُ بنُ حَربٍ

وَليسَ إلى الذي يَهوى سَبيلُ

على جَحدي أبا حسنٍ عَليّا

وَحَظي مِنْ أبا حَسنٍ جَليلُ

قال: وله أشعار كثيرة.

(٣)راجع:

ترجمتنا له في الملحقات الخاصّة بالتراجم.

١٥٥

الشيص.

- والحسين بن الضحّاك.

- وابن الرومي.

- ومنصور النمري.

- والأشجع الأسلمي.

- ومحمَّد بن وهيب.

- وصريع الغواني.

وبالجملة: فجلّ شعراء الدولة العبّاسية في هذا القرن والذي بعده كانوا من الشيعة، عدا مروان بن أبي حفصة وأولاده.

وكذلك الطبقة الرابعة: أهل القرن الرابع من الثلاثمائة فما بعد، مثل: متنبّي الغرب ابن هاني الأندلسي، وابن التعاويذي، والحسين بن الحجّاج صاحب المجون، والمهيار الديلمي.وأمير الشعراء، الذي قيل فيه: بُدِأَ الشِعر بِمَلِك وخُتِمَ بِمَلِك، وهو: أبو فراس الحمداني، وكشاجم، والناشئ الصغير، والناشئ الكبير، وأبو بكر الخوارزمي، والبديع الهمداني، والطغرائي، وجعفر شمس الخلافة، والسري الرفاء، وعمارة اليمني، والوداعي، والخبز أرزي، والزاهي، وابن بسّام البغدادي، والسّبط ابن التعاويذي، والسَّلامي، والنامي.

وبالجملة: فأكثر شعراء (يتيمة الثعالبي) - وهي أربع مجلّدات - من الشيعة، حتّى اشتهر وشاع مَنْ يقول:

(وهَلْ تَرى مِنْ أديب غيرَ شيعي) .

وإذا أرادوا أنْ يُبالغوا في رقّة شعر الرجل وحسنه قَالوا: يَتَرفَّض في شعره.

وقد يُعدّ المتنبّي وأبو العلاء أيضاً من الشيعة، وربّما تشهد بعض أشعارهم بذلك، راجع الجزء الثاني من (المراجعات الريحانيّة)(١) وافهم

____________________________

(١) من مؤلّفات الشيخ رحمه الله تعالى برحمته الواسعة، يُعرف أيضاً باسم (النقود والردود)، و (المطالعات والمراجعات).

يقع في جُزْأَين، الجزء الأوّل منه طُبع أوّل مَرّة في بيروت عام (١٣٣١ هـ)، وفيه مراجعة مع أمين بن فارس البجاني، المعروف بالريحاني (ت ١٣٥٩ هـ) حول نقده لكتاب المؤلّف رحمه الله المسمّى بـ (الدين والإسلام)، وهو يقع في جزأين أيضاً، أوَّلهما في فلسفة الدين =

١٥٦

هذا وتدبَّر.

هذا، سوى شعراء الشيعة من قريش خاصّة، مثل:

- الفضل بن العباس ابن عتبة بن أبي لهب، المُتَرجَم في الأغاني وغيره.

- وكأبي دهبل الجمحي وهب بن ربيعة.

أو من العلويِّين خاصّة:

- كالشريفين الرَّضي

- والمرتضى.

- والشريف أبي الحسن علي الحِمّاني بن الشريف الشّاعرِ محمَّد بن جعفر بن محمَّد الشَّريف بن زيد بن علي بن الحسين (عليهم السَّلام) وكلّهم شعراء، وكان الحِمّاني يقول:

أنا شاعر وأبي شاعر وجَدِّي شاعر.

- ومحمّد بن صالح العلوي، الذي ترجمه في الأغاني وذكر له نفائس الشعر(١) ، والشريف ابن الشجري... إلى كثير من أمثالهم من شعراء الشيعة العلويين.

راجع:

كتاب (نَسمة السحر فيمَنْ تَشيَّع وشعر)(٢) للشريف اليماني تجد نبذة صالحة منهم.

بل ومن شعراء الأمويِّين الشيعة كـ:

- عبد الرحمن بن الحكم أخي مروان

____________________________

= الإسلامي، وإثبات الصانع، والتوحيد، والعدل، وما يتعلّق بهما، والثاني في إثبات النبوّة.

وأمّا الجزء الثاني من المطالعات فقد طُبع أوّل مَرّة في صيدا عام (١٣٣١ هـ) أيضاً، وفيه بعض المراجعات الريحانيّة، والنقد لتاريخ آداب اللغة العربيّة لـ (جرجي زيدان).

وفي آخره (عين الميزان) الذي هو نقد لكتاب (ميزان الجَرح والتعديل) للقاسمي.

راجع:

الذريعة ج٤: ٢٩٥ و ج٨: ٢٩٣. معجم المؤلّفين ج٣: ١٠.

(١) الأغاني ج١٦: ٠ ٣٦ - ٣٧٢.

(٢) قال الشيخ الطهراني رحمه الله تعالى في الذريعة (ج٢٤: ١٥٤): (نسمة السحر بذكر مَنْ تَشَيَّع وشَعَر): فهرس لبعض شعراء الشيعة، لضياء الدين يوسف بن يحيى الصنعاني اليماني (١٠٧٨ - ١٢١ هـ) فرغ من الكتاب في ١٣ رجب عام (١١١١هـ) ثمّ ضُمّ إليه ملحقاته إلى حين الوفاة.

وهو في مجلّدين يشمل الأوّل على (٨٥) ترجمة، إلاّ أنّه لم يذكر إلاّ المشهورين من الشعراء، فإنّ المثل السائر حتّى القرن الرابع كان يقول:هل رأيت أديباً غير شيعي.

١٥٧

ابن الحكم(١).

- وخالد بن سعيد بن العاص.

- ومروان بن محمّد السروجي أموي شيعي، هكذا ذكره الزمخشري في (ربيع الأبرار) على ما يخطر ببالي وأنشد له:

يَا بَني هاشِمَ بن عبد مُنافٍ

انَّني (مِنكًم)(٢) بكُلِ مَكانِ

أنتمُ صَفوةُ الإلهِ وَمِنكُم

جعفرٌ ذُو الجَناَحِ وَالطَّيرانِ

وعليٌ وحمزةُ أسدُ اللهِ

وبنت النبيِّ وَالحسنانِ

ولئِنْ كنتُ مِنْ اُميّة اني

لَبَريءٌ مِنهُم الى الرَّحمنِ(٣)

- وكأبي الفرج الأصبهاني صاحب (الأغاني) و (مقاتل الطالبيين).

- وكالأبيوَرْدي الأموي الشّاعر المشهور صاحب (النجديات) و (العراقيّات).

وغيرهم ممَّن لا تحضرني السّاعة أسماؤهم.

وكنتُ [قد] وقفتُ على جماعة من الشيعة الأمويّين، ولكنِّي أكتب هذا الكتاب على جَرْي القلم، وترسّل الطبع، وما هو العتيد الحاضر في الخاطر، من دون تجديد مراجعة كتاب أو مطالعة باب.

____________________________

(١) روى أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني (١٣: ٢٦٣): أنّ عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاصي كان عند يزيد بن معاوية، وقد بعث إليه عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي (عليهما السلام) فلمّا وضع بين يدي يزيد في الطشت بكى عبد الرحمن ثمّ قال:

أبْلغ أميرَ المُؤمنينَ فَلا تَكُنْ

كَمُوترِ أقواسٍ وَليسَ لَها نَبْلُ

لَهامٌ بجَنبِ الطفِّ أدْنَى قَرابَةً

مِنِ ابنِ زيادِ الوَغدِ ذي الحَسَبِ الرَّذل

سُمَيةُ أَمسى نسْلُها عدَدَ الحَصى

وبنتُ رَسُولِ اللهِ ليس َلها نَسلُ

 (٢) كذا في ربيع الأبرار، وفي معجم الشعراء (٣٢١): معكم، ولعلّها أنسب.

(٣) نعم، ذكره الزمخشري في ربيع الأبرار ج١: ٤٩٢، ومثله المرزباني في معجم الشعراء: ٣٢١، حيث قال: مروان بن محمّد السروجي، مِن بني أُمَيَّة، مِن أهل سروج بديار مضر، كان شيعيّاً، وهو القائل... وذكر الأبيات أعلاه.

١٥٨

ثمَّ اعْطِفْ نَظَرَكَ على أعاظم الملوك والأُمراء والكُتّاب والوزراء من الشيعة كـ:

- الدولة الفاطميّة.

- والبويهيّة.

- والحَمْدانِيِّين.

- وبني مزيد بن صدقة.

- وبني دُبيس.

- وعمران بن شاهين أمير البطائح.

- والمقلّد بن المسيَّب العقيلي.

- وقرواش بن المسيَّب.

بل وأعاظم الخلفاء العبّاسيِّين: كألمأمون، والمنتصر، والمعتضد أحمد بن الموفّق، والناصر أحمد بن المستضيء، وهو أشهرهم في التظاهر بالتشيُّع، وأَشْعَاره ومراجعته مع المَلِك الأفضل علي بن يوسف صلاح الدين الأيّوبي الصريحة في غلوِّهما بالتشيُّع مشهورة(١)، والمستنصر، وذي القرنين التغلبي وجيه الدولة أبي مطاع، وتميم بن المعز بن باديس ملك أفريقيا والمغرب.

وكثير من أمثالهم مِمّا لا مجال لتعداد أسمائهم فضلاً عن ترجمة أحوالهم وأنبائهم.

ثمّ اسْبِرْ أكابر الوزراء في الإسلام، فهل تجدهم إلاّ من الشيعة كـ:

- إسحاق الكاتب، ولعلَّه أوَّل من سُمّي وزيراً في الإسلام، قبل الدولة العباسيّة.

- وأبي سلمة الخلاّل حفص بن سليمان الهمداني الكوفي، أوَّل وزير لأوّل خليفة عبّاسي، استوزره السفّاح وفوَّض جميع الأُمور إليه لفضله وكفاءته، ولُقّب (وزير آل محمَّد) ثمَّ قتله السفّاح حين أحسَّ منه بالتشيُّع لآل علي (عليهم السَّلام).

- وكأبي عبد الله يعقوب بن داود، وزير المهدي الذي تولّى تدبير جميع الأمور، حتّى قيل فيه:

بَني اُميّة هُبُّوا طالَ نَومَكُمُ

إنَّ الخليفةَ يَعقوبُ بنُ داودِ(٢)

____________________________

(١) أورد هذه المراجعة السيد حسن الأمين رحمه الله في أعيانه ج٢: ٥٠٧. والقُمِّي رحمه الله في كُناه ج٣: ١٩٥، فلتراجع.

(٢)قيل: إنَّ قائل هذين البيتَين الشعريَّين هو بشّار بن بُرْد، الشاعر الأعمى المعروف، الذي لم =

١٥٩

وحبسه المهدي أخيراً في المطبق(١) لتشيُّعه أيضاً إلى أنْ أخرجه الرشيد.

ومن بيوتات الوزارة من الشيعة: بنو نوبخت.

وبنو سهل، وزراء المأمون كالفضل بن سهل والحسن بن سهل وبنو الفرات(٢) : أبو الحسن علي بن محمّد، تولى الوزارة للمُقْتَدِر ثلاث مرّات.

وأبو الفضل جعفر.

وأبو الفتح الفضل بن جعفر.

وبنو العميد:

محمَّد بن الحسين بن العميد.

وابنه ذو الكفايتين أبو الفتح علي بن محمَّد.

وزراء ركن الدولة.

وبنو طاهر الخزاعي وزراء المأمون ومَنْ بعده، والوزير المهلُّبي الحسن ابن هارون، وأبو دلف العجلي، والصاحب بن عبّاد، وداهية السياسة أبو القاسم الوزير المغربي، ومؤسِّس الدولة الفاطميّة، رجل الدولة والسياسة أبو عبد الله الحسين بن زكريا المعروف بـ (الشيعي، وإبراهيم بن العبّاس

____________________________

= يلبث بعد ذلك أنْ هجا المهدي بجملة من الأبيات التي نعرض عن ذكرها، فتحيّن به المهدي الفرص حتّى قتله.

انظر:

أمالي السيَّد المرتضى ج١: ١٤١. الأغاني ج٣: ٣٤٢، سير أعلام النبلاء ج٨: ٣٤٧. ديوان الشاعر ج٣: ٩٤.

(١) سجن مظلم تحت الأرض، يُوضع فيه مَن لا يوافق هوى الحُكّام العبّاسيِّين، وهي سياسة ثابتة يَتَّفق عليها كلّ الطواغيت في جميع الأمصار وعلى طول الدهور، وإنْ خضعتْ - مع مرور الأزمنة - للمؤثِّرات التقنيّة لتواكب التقدّم العلمي بالشكل الذي يتناسب وأمزجة الحكّام وحبّهم لسفك الدماء.

فلا غرابة فيما نقرأه من أشكال هذه السجون، ووحشة ترتيبها في عصر العبّاسيين والأمويِّين آنذاك؛ لأنّها في أيّامنا هذه لم تُعَدّ إلاّ كَلُعَبِ الأطفال، قياساً بما نراه ونسمعه من أشكال ونَظْم السجون والمعتقلات التي تزخر بها الكثير من الدول المبتلاة بالأنظمة الجائرة، والحكومات الفاسدة.

(٢) أُسرة شيعيّة، أصلهم مِن صديقين من أعمال الدجيل، وكانوا من العوائل المشهورة المعروفة بالفضل والكرم والنُبل.

١٦٠