أصل الشيعة وأصولها

أصل الشيعة وأصولها0%

أصل الشيعة وأصولها مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 442

أصل الشيعة وأصولها

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء
تصنيف: الصفحات: 442
المشاهدات: 70922
تحميل: 6691

توضيحات:

أصل الشيعة وأصولها
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70922 / تحميل: 6691
الحجم الحجم الحجم
أصل الشيعة وأصولها

أصل الشيعة وأصولها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الصولي، الكاتب الشهير في دولة المتوكّل.

- وطلائع بن رزيك أحد وزراء الفاطميّة المشاهير.

- والأفضل، أمير الجيوش في مصر وأولاده.

- وأبو الحسن جعفر بن محمَّد بن فطير.

- وأبو المعالي هبة الله بن محمَّد بن المطلب وزير المُستظِهر.

- ومؤيّد الدين محمَّد بن عبد الكريم القُمِّي من ذُرِّيّة المقداد، تَوَلّى الوزارة للناصر ثمّ للظاهر ثمّ للمستنصر.

- والحسن بن سليمان، أحد كتّاب البرامكة ويعرف بـ (الشيعي) أيضاً كما في كتاب (الأوراق) للصولي(١) .

- ويحيى بن سلامة الحصكفي.

- وابن النديم صاحب (الفهرست).

- وأبو جعفر أحمد بن يوسف.

- وأخوه أبو محمَّد القاسم، انظر في كتاب الأوراق للصولي قصائده البديعة في مديح أهل البيت ومراثيهم.

وكانا من أعيان الكتّاب والمتقدِّمين في عصر المأمون ومَنْ بعده.

- وكذلك إبراهيم بن يوسف، وأولادهم.

والإمام في علوم العربيّة والنوادر:

أبو عبد الله محمّد بن عمران المرزباني، صاحب المعجم الذي نصَّ السَّمعاني(٢) وغيره على تشيُّعِهِ واعتزاله(٣). إلى كثير يضيق [عنهم] الإحصاء.

____________________________

(١) الأوراق...

(٢) الأنساب للسمعاني: ٥٢١.

(٣) في هامش نسخنا: التشيّع بالمعنى الخاص ينافي الاعتزال، ويكفي في تحقيق المباينة أنّ الشيعة تقول بالنص والمعتزلة لا تقول به، ولكنّ كثيراً من الشيعة كانوا يتظاهرون بالاعتزال، لمصلحة كانت يقتضيها ذلك الوقت، ومنهم يحيى بن زيد العلوي، الذي ينقل عنه ابن أبي الحديد جملة من التحقيقات العالية، فَلْيفهم هذا.. انتهى.

أقول:

نعم، إنّ ما ذهب إليه السمعاني مِن الخَلْط في النسبة بين عقيدتين تستقلّ كلُّ واحدة منهما عن الأُخرى بعقائدها الخاصّة بها، والتي يجد الباحث عند استقراء هذه العقائد وضوح وجلاء هذا الاختلاف، الذي قد يصل في أحيان عديدة إلى حالة تنافر لا يمكن معها =

١٦١

____________________________

= الإغضاء أبداً عن ذلك الواقع الثابت مهما يلجأ إليه البعض من الخلط والتأويل والإقحام...

نعم، ليس ذلك بالأمر الذي تفرّد هو به، بل تجد هذا الخلط الممجوج والمستَهْجَن طافِحَاً على سطح العديد من المؤلّفات القديمة والحديثة، حتّى إنّي وقبل فترة قصيرة عندما كنتُ مشارِكاً بجهد متواضع في المؤتمر العالمي الخاص بالذكرى الألفيّة لوفاة الشيخ المفيد رحمه الله تعالى برحمته الواسعة (١٤١٣ هـ) أثار تعجّبي ترديد هذه العبارة الباهتة من قبل بعض الأساتذة والباحثين، بشكلٍ لا يجد المرء أمامه إلاّ التسليم بسريان حالة الفَهم السطحي وغير العِلْمي لخصائص كلّ عقيدة من هاتَين العقيدَتَين، باعتماد أُفُق ضَيِّق في دراسة كلٍّ منهما - كما وجدتُه في عمل المستشرِق(آدم متز) أثناء حديثه عن الحضارة الإسلاميّة في القرن الرابع الهجري، باعتماده على كتاب: علل الشرائع للشيخ الصدوق فحسب لتقييم الصِلَة بين الشيعة والمعتزلة!! - والترديد الحرفي وغير العلمي لما ورد في كتابات أُولئك المستشرقين - كما يتبيَّن ذلك في كتاب فجر الإسلام للدكتور أحمد أمين - أو بعض السابقين مِمَّن جهدوا في تجريد الشيعة الأماميّة من كلّ خصائصهم وعقائدهم، استجابة لإرادات الحكّام آنذاك من الذين دفعهم التعصّب البغيض والتحزُّب الأعمى لمذاهبهم، وعدائهم الواضح لأهل البيت (عليهم السلام) إلى اتخاذ هذا الموقف المُلْتَوِي والمفضوح من عقائد الشيعة الأماميّة وأفكارها.

يُضاف إلى ذلك - وهو الأهم - دَأْب أُولئك الحُكّام على إيقاد نار الخِلاف والتناحر الفكري والعقائدي بين فِرَق المسلمين المختَلِفَة وتأجيجها في محاولة منهم لِصَرْف أذهان الناس عن تلمّس الوضع المُزْرِي التي تعيشه شعوبهم المغلوبة على أمرها، كنتيجةٍ منطقيّةٍ لـ:

- تسلّط جملة مشخّصة من الأفّاقين والفاسدين على رقاب الأُمَّة.

- وانغماسهم في اللهو واصطياد المُتَع الرخيصة ومنادمة الجواري والغلمان.

- وإشراعهم أبواب بيوت مال المسلمين أمام المغنِّين والراقصين والماجنين وغيرهم، حين يُحرم من ذلك المال أصحابُه الشرعيّون، ومَنْ ينبغي أنْ تُصرف تلك الأموال فيهم...

فكان إيقاد ذلك الخلاف والاختلاف بين الفرق الإسلاميّة المختلفة خير وسيلة لِصَرْف أذهان زعماء تلك المذاهب والفِرَق وأتباعهم عن الالتفات الجِدِّي إلى ذلك الأمر؛ لانَّ ساحة المنازلة القَسْرِيّة تكون في محاولة الدفاع عن وجودهم الفكري والعقائدي قبالة التحدِّيات الفكريّة المطروحة أمامهم، وهذا ما سعى له الحكّام آنذاك وأتباعهم، فكان ورغم ما نتج عنه من نتاجات واسعة شكّلت بالتالي البُنْيَان الأساسي لجملة من عقائد الفِرَق المختلفة، وتأكيد الهويّة المستقلّة للمذاهب المتعدِّدة، إلاّ أنَّها وفي مواضع كثيرة - وذلك ممّا يُثير الأسى والأسف - كانت أشبه بساحة قتال غير عقلائيّة، انشغل فيها المسلمون من أتباع تلك =

١٦٢

____________________________

= الفِرَق المختلفة باتّهامهم البعض للآخر، والطعن فيه وتكفيره، بل واشتداد حِدّة هذا الخلاف بينهم، حتّى تصل في أحيان عِدّة إلى وقوع صراعات دمويّة مُؤْسِفَة أُريقتْ فيها الدماء، واسْتُبِيْحَتْ فيها الأموال والأعراض!!

بلى، إنّ ذلك كان مِمّا يروق لأُولئك الحكّام ويُثْلِج صدورهم، بل ومُدّاعاة لإطالة أمد حكمهم، وتلك حقيقة لا يَعْسر على أحد تلمُّسها وإدراكها، من خلال مراجعة الفترة الزمنية التي شهدت ولادة العديد من تلك الفرق إبّان القرن الهجري الثاني وما بعده، وانضواء الكثيرين واتِّباعهم لزعماء تلك المذاهب ومفكّريها، وبالتالي توظيف إمكاناتهم المختلفة في الدفاع عن هذه العقائد وردّ عقائد الآخرين وتَوْهِيْنِهَا.

هذا في الوقت الذي كان فيه الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم يواصلون جهدهم الرصين في خدمة هذا الدين الحنيف، حيث كانت تعجّ مدارسهم ومجالسهم - في الكوفة والبصرة وبغداد - بالآلاف من الطلبة والدارسين، ويتزايد عدد شيعتهم ومريديهم بشكل بَيِّن أَقْلَقَ المراكز الفاسدة وأعوانها، بل وحتّى رموز بعض المذاهب الإسلاميّة المختلفة مع الأسف الكثير، فكانوا في أحيان كثيرة عوناً مع السلطة الظالمة على إخوانهم في الدين، فتأمَّل.

ثمّ إنَّ المُلْفِتْ للنظر كون حِدّة ذلك الصراع الفِكري آنذاك كانت على أشدِّها بين مدرستين كبيرتين هما:

الأشاعرة، والمعتزلة.

وحيث تتلخّص قضيّة ذلك الخلاف في:

- جمود المحدِّثين والفقهاء على النص.

- وعَزْلهم العقل عن الدين.

- بل وتجريده عن جميع صلاحيّاته الثابتة، والتي نادتْ بها جميع الأديان.

حين كان يقابلهم - على الضدّ - موقف المعتزلة المُفْرِط في:

- تحكيم العقل، وبالشكل الذي أثار الطرف الآخر، فحدثتْ بينهما هذه الفَجْوة الرهيبة.

هذا والحكّام يجدون في ذلك الأمر تَدْعِيماً لأركان حكمهم، وتثبيتاً لِمُلْكهم، فوقفوا إلى جانب الأشاعرة - بعد أنْ كانوا ميَّالين إلى المعتزلة ومُقَرِّبين لهم - وتَبَنَّوا آرائهم، وطعنوا في آراء الآخرين بعد أنْ أقرُّوا أربعةً من المذاهب الفقهية الإسلاميّة وأعرضوا عن غيرها.

إنَّ هذا الموقف المُتَعَجْرِف دفع إلى الظل بالكثير من الآراء والعقائد الأخرى، وبالتالي:

- تَهْيِئَة المجال لِخَدَمِ السلطة والمتحجِّرين مِن أتباع المذهب الذي تُؤمن به السلطة إلى الطعن بعقائد الآخرين.

- وتزييف الكثير من الحقائق والثوابت.

- وتركيز جملة مشوَّشة وهجينة من الأطروحات الباهِتَة، ومن ضمنها هذا الخلط الواضح بين عقائد الشيعة الأماميّة وبين عقائد المعتزلة. =

١٦٣

____________________________

= ونحن وإنْ لم نكن في مَعْرض إثبات بطلان الشُبُهَات - القائلة:

- بأنّ الأماميّة عِيَال على المعتزلة في أُصول عقائدهم.

- أو أنّهم مقلِّدون لهم.

أو غير ذلك من التفاهات المردودة، والتي تصدّى لإثبات بطلانها وردِّها الكثيرُ من علماء الطائفة ومفكِّريها بشكلٍ واضح وجَلِي - لا جدوى من الاستفاضة في التعرُّض له، مع إدراكنا الواضح بأنّ المجال هنا لا يتّسع لها، إلاّ إنّا سنحاول مِن خلال هذه الأسطر المحدودة الإشارة المختصرة إلى الاختلافات الجوهريّة بين هاتين العقيدتين الإسلاميَّتَين.

فالأُصول الخمسة التي تُشكّل أساس مذهب الاعتزال، والتي هي: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

تترتَّب عليها دون شكّ جملةُ مفاهيم وتصوّرات تُشَكِّل القاعدة العقائديّة للمعتزلة، والتي تبدو عند مقارنة الكثير منها بآراء الأماميّة شديدة التباين، واسعة الاختلاف.

وَلعلَّ من جملة تلك الآراء المنبعثة عن تلك الأُصول، والتي خالفهم بها الأماميّة، وتعرَّضوا لهم فيها بالمناقشة والإبطال قولهم: بأنّ الأشياء كانت قبل حدوثها أشياء، والجواهر أيضاً كانت في حال عدمها جواهر، وكذا هو حال الأعراض والألوان والحركات.

ومن ذلك أيضاً قولهم:

- بأنّ الإنسان هو الذي يصنع أفعاله بنفسه، متوافقين في ذلك مع القَدرية، وذاهبين فيه إلى التفويض.

ومن ذلك أيضاً، ما ذهبوا إليه من:

- أنَّ الوفاء بالوعيد واجب على الله تبارك وتعالى، خلاف الأماميّة الذين يذهبون إلى عدم وجوبه.

ومن ذلك أيضاً، قولهم:

- بأنّ مُرْتَكِب الكبيرة بين الإيمان والكفر، وأنَّه يُخلّد في النار، حين إنَّ الأماميّة يذهبون إلى اعتباره مؤمناً فاسقاً مستحِقّاً للعقاب على قدر ما أجرم.

يُضاف إلى ذلك جملة واسعة من الاختلافات الجوهريّة في مسائل: الصفات، والحسن والقبح العقليين، ووجوب اللطف، والشَّفاعة.

والتي شغلتْ في مؤلَّفات أصحابنا رحمهم الله تعالى مساحات واسعة، وجوانب مهمّة.

بل إنَّ العديد من أعلام الطائفة أفردوا العديد من مؤلّفاتهم للردّ على عقائد المعتزلة إبّان تلك الحقب السالِفَة، والتي شهدتْ فترة الاحتدام، والصراع الفكري والعقائدي بين عقائد الفِرَق الإسلاميّة المختلفة، أمثال:

شيخنا المفيد رحمه الله تعالى (ت ٤١٣ هـ) حيث ألّف: كتاباً في الردِّ على الجاحِظ المعتزلي، وآخر في نَقْض فضائل المعتزلة، وكذا كتابه الشهير (الفصول المختارة)، وكتاب (الوعيد). وغيرها.

وحيث تعرّض رحمه الله تعالى برحمته الواسعة إلى إيراد جملة آرائهم التي خالفوا بها الشيعة في مطاوي كتابه الشهير المعروف بـ:

- (أوائل المقالات). والتي كان من أوضحها:

- إنكارهم =

١٦٤

ولو أردنا ضبط جميع سلاطين الشيعة، ومَنْ تقلَّد الوزارة والإمارة والمناصب العالية - بِعِلْمهم، وكِتَابَتِهم، وعظيم خدماتهم للإسلام - لَمَا وسعتْهم المجلّدات الضخمة والأسفار العديدة.

وقد تصدّى والِدُنا العلاّمة - أعلى الله مقامه - إلى تراجم طبقات الشيعة، من: علماء، وحكماء، وسلاطين، ووزراء، ومنجِّمين.

وأَطِبّاء - وهكذا - إلى ثلاثين طبقة، كلّ طبقة مرتَّبة على حروف المعجم، وسمّاه:

(الحصون المنيعة في طبقات الشيعة).

فكتب عشرة مُجَلّدات ضِخام لم تخرج إلى المبيضَّة، ومع ذلك لم يأت [إلاّ] على القليل منهم.

ولكنّا نريد - أنْ نقول لصاحب(فجر الإسلام) : إنْ كان هؤلاء الذين ذكرناهم، وأضعاف أمثالهم مِن رجال الشيعة، الذين أسَّسوا علوم الإسلام،

____________________________

= نصّ النبي (صلّى الله عليه وآله) على عليٍّ (عليه السلام).

- مع إنكارهم أيضاً وجود نصٍّ بإمامة الحسن والحسين (عليهما السَّلام).

- وكذا هو حال الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) حيث أنكروا بأجمعهم أنْ يكون إماماً للأُمّة بما يوجِب به الإمامة لأحد من أئمّة المسلمين.

- بل إنّهم أنكروا ما تعتقد به الشيعة الأماميّة من أنّ الأئمّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) اثنا عشر إماماً.

- مع مخالفتهم لهم في مسألة عصمة الإمام، حيث جوّزوا أنْ يكون الأئمّة عُصَاة في الباطن، وأنْ يكونوا أيضاً ممّن يُقارِف الذنوب.

- ثمّ إنَّهم أجازوا الإمامة في مَنْ لا معجزة له، ولا نصّ عليه، ولا توقيف.

- مع تجويزهم لأنْ تكون الإمامة في غير بني هاشم.

- بل وتجويزهم خلوّ الأزمان الكثيرة من إمام موجود، فراجع.

وكذا هو حال سيِّدنا المرتضى رحمه الله تعالى (ت ٤٣٦ هـ) والذي كان أبرز ما كتبه في ذلك:

- كتابه الشهير (الشافي) ردّاً على كتاب المغني لعبد الجبار المعتزلي. وغير ذلك، فتأمَّل.

راجع:

أوائل المقالات: ٤٥. كشف المراد: ٢٦١. الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة: ٢٣٩. مقالات الإسلاميِّين ج١: ٣٣٠. شرح المقاصد ج٢: ٢٣٠. تأريخ المذاهب الإسلاميّة: ١٣٨. الملل والنحل ج١: ٤٣. مذاهب الإسلاميِّين: ٤٠. شرح الأصول الخمسة: ٦٢٥ وما بعدها. الملل والنحل من كتاب البحر الزخّار: ١٢. الحور العين: ٢٠٤.

١٦٥

وشادوا دعائمه، وأحكموا قوائمه، إنْ كانوا هم الذين يريدون هَدْم الإسلام، وأنت وأُستاذك الدكتور وزملاؤكم هم الذين شيَّدوا الإسلام وأيّدوه!! إذاً فعلى الدنيا العفا، وعلى الإسلام السلام، ورحم الله فيلسوف المَعَرَّة حيث يقول:

إذا وصَفَ الطائيَّ بِالبُخلِ مَادِرٌ

إلى قوله:

فَيا مَوتُ زُرْ إنَّ الحَياةَ ذَمِيمَةٌ...(١) .

وما كان شيء مِن كلِّ هذا مِن أصل قَصْدي، وصميم غَرَضِي، ولكن جرى القلم به عفواً، وتمطّى على القول فيه قَهْراً، فعسى أنْ يعلم الكاتب مِن أبناء العصر ومِن بعدهم - بعد ذا كيف يكتب، ويتصوَّر ماذا يقول، فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) وما أشرف مَنْ قال:

((لسانُ العاقلِ مِنْ وراءِ قَلبهِ، وَقَلبُ الجاهِلِ مِنْ وَراءِ لِسانِهِ)) (٢) .

____________________________

(١) مِن قصيدةٍ طويلةٍ شهيرةٍ كانت في زمنها محلّ جَدَلٍ وَنِقَاش، لكون المَعَرِّي قد نَسَب إلى نفسه في هذه القصيدة أمراً عظيماً من العسير أنْ ينسبه أحدٌ إلى نفسه، مطلعها:

ألا في سَبيلِ المَجدِ مَا أنا فاعِل

عَفاف وإقدام وَحَزم ونائِلُ

وَحيث يقول في بعض أبياتها:

تًعدُّ ذُنُوبي عِندَ قَومٍ كَثيرَةً

وَلاذَنبَ لي إلاّ العُلى وَالفَواضِلُ

وَقَد سارَ ذكري في البِلاد ِفَمَنْ لَهُم

بِإخفاءِ شَمسٍ ضَوؤها مُتكامِلً

يُهم اللَيالي بَعضُ ما أنا مُضمِرٌ

وَيُثقِل رَضوى دونَ ما أنا حامل

وَإني وإنْ كنت الأخيرَ زمانُهُ

لآتٍ بما لم تستطعِهُ الاوائِل

والبيتان اللذان ذكرهما الشيخ رحمه الله تعالى أعلاه هما:

إذا وصفَ الطّائي بِالبُخلِ مادِر

وعيرَ قًسّا بالفَقاهَةِ باقلُ

فَيا مَوتُ زُرْ إنَّ الحَياةَ ذَميمَة

وَيا نَفسُ جِدّي إنَّ دَهرَكِ هازِلُ

انظر:

ديوان الشاعر المسمَّى بـ (سقط الزند): ١٩٣.

(٢) نهج البلاغة للشيخ محمّد عبده ج٤: ٦٦٧/٤٠. =

١٦٦

أمَّا قوله:

(إنّ اليهودية ظهرتْ في التشيُّع بالقول بالرجعة)!!

فَلَيْتَ شِعْرِي هل القول بالرجعة أصل من أُصول الشيعة وركن من أركان مذهبها حتّى يكون نبزاً عليها، ويقول القائل ظهرتْ اليهودية فيها!!

ومَنْ يكون هذا مَبْلَغُُُُ عِلْمِهِ عن طائفةٍ أليس كان الأحْرَى به السُكوت وعدم التعرُّض لها، إذا لم تستطع أمراً فدعه.

وليس التديُّن بالرجعة في مذهب التشيُّع بلازم، ولا إنكارها بضارّ، وإنْ كانت ضروريّة عندهم، ولكن لا يُناط التشيُّع بها وجوداً وعدماً، وليست هي إلاّ كبعض أنباء الغَيب، وحوادث المستقبل، وأشراط السّاعة مثل:

- نزول عيسى من السَّماء.

- وظهور الدجّال.

- وخروج السُفْيَانِي.

وأمثالها من القضايا الشائعة عند المسلمين وما هي مِن الإسلام في شيء، ليس إنكارها خروجاً منه، ولا الاعتراف بها بذاته دخولاً فيه، وكذا حال الرجعة عند الشيعة.

وعلى فرض أنَّها أصل من أُصولهم:

فهل اتّفاقهم مع اليهود بهذا يُوجِب كون اليهوديّة ظهرتْ في التشيُّع؟

وهل يصح أنْ يقال إنّ اليهوديّة ظهرت في الإسلام؛ لأنَّ اليهود يقولون بعبادة إله واحد والمسلمون به قائلون؟!

وهل هذا إلاّ قول زائف، واستنباط سخيف؟!

ثمّ هل ترى المتهوِّسين على الشيعة بحديث الرجعة - قديماً وحديثاً - عرفوا معنى الرجعة؟

والمراد بها عند مَنْ يقول بها مِن الشيعة؟

وأيّ غرابةٍ واستحالة في العقول أنْ سيُحيي الله سبحانه جماعة مِن النّاس بعد موتهم.

____________________________

= وقال السيِّد الرَّضي رحمه الله تعالى تعليقاً على هذا القول:

وهذا من المعاني العجيبة الشريفة، المراد به: أنّ العاقل لا يَطلق لسانه إلاّ بعد مشاورة الرويّة، ومؤامرة الفكرة، والأحمق تسبق حذفات لسانه، وفلتات كلامه، مراجعة فكره، ومماحضة رأيه، فكأنَّ لسان العاقل تابع لقلبه، وكأنّ قلب الأحمق تابع للسانه.

١٦٧

وأيّ نُكْرٍ في هذا بعد أنْ وقع مثله بنصِّ الكتاب الكريم؟

أَلَم يسمع المتهوّسون قصّة ابن العجوز التي قصّها الله سبحانه بقوله تعالى:(ألَمْ تَرَ إلى الذين خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهمْ أُلوُفٌ حَذَرَ المَوتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أحياهُم...) (١)

أَلَم تمرّ عليهم كريمةُ قوله تعالى:(وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً) (٢)

مع أنَّ يوم القيامة تُحشر فيه جميع الأُمم لا من كلِّ أُمّة فوجاً.

وحديث الطعن بالرجعة كان هجيري علماء السنَّة من العصر الأوّل إلى هذه العصور، فكان علماء الجرح والتعديل منهم إذا ذكروا بعض العظماء مِن رُواة الشيعة ومحدِّثيهم، ولم يجدوا مجالاً للطعن فيه - لوثاقته وورعه وأمانته - نبذوه بأنّه يقول بالرجعة، فكأنّهم يقولون يعبد صنماً أو يجعل لله شريكاً!! ونادرة مؤمن الطاق مع أبي حنيفة معروفة(٣) .

وأنا لا أُريد أنْ أُثْبت في مقامي هذا - ولا غيره - صِحّة القول بالرجعة، وليس لها عندي من الاهتمام قدر قُلامة ظفر، ولكنّي أردتُ أنْ أدلّ (فجر الإسلام) ! على موضع غَلَطِهِ وسُوء تَحَامله.

يقول: الشيعة تقول:

(إنَّ النّار مُحرَّمة على الشيعي إلاّ قليلاً)!!

وما أدري في أيّ كتاب من كتب الشيعة وَجَدَ هذا، وهل يليق برجل تربَّع على دَسّتْ النقد والتمحيص للمذاهب والأديان أنْ يقذف طائفة من المسلمين بشناعة لا يأتي عليها منهم بشاهد ولا بُرهان، كيف وهذه كتب الشيعة كادتْ أنْ تُسْمِع حتّى الأصم والأبكم.

____________________________

(١) البقرة ٢٤٣:٢.

(٢) النمل ٩٣: ٨٣.

(٣) راجع ذلك في ترجمتنا لمؤمن الطاق آخر الكتاب.

١٦٨

إنَّ الله سبحانه خلق الجنَّة لِمَنْ أطاعه ولو كان عبداً حبشيّاً، وخلق النّار لِمَنْ عصاه ولو كان سيِّداً قَرَشِيَّاً، ويَرْوون عن أئمّتهم (عليهم السلام) مِن أمثال ذلك ما يفوت حد الإحصاء(١) .

____________________________

(١) الغريب أنْ تجد مَنْ تَبْلغ به الغفلة أو السَذَاجَة هذا الحدّ مِن الإسفاف والتطاول الأجوف على طائفة كبيرة مِن طوائف المسلمين، لها أُصولها وعقائدها المُعْلَنَة والصريحة، والتي ليستْ هي في مَحَاجِر مُكَهْرَبَة، أو في أَقٍْبِيَة سِرِّيَّة لا يَطَالَها أحدٌ ولا يستطيع الوصول إلى قراءة مضامينها باحث، بل هي بحمد الله تعالى تَكْتَضّ بها المكتبات العامَّة والخاصّة، وهي بمتناول الجميع دون استثناء، ناهيك بِمَنْ أراد التعرّف عليها بصدق وحِرْص.

فكيف - بالله عليك - تجد رجلاً مثل أحمد أمين وهو الكاتب المعروف يتخبّط هذا التخبُّط المُخْزِي وهو يتحدّث عن عقائد الشيعة، فتبلغ به الغفلة هذا الحد وهذا المستوى من الطعن الرخيص والباهت؟!

فَمِنْ أين له إثبات مُدّعاه هذا؟ والذي يستثير حتّى عوام الناس لا مُثَقَّفِيْهِم فحسب، والذي يتناقض تناقضاً صريحاً مع مفهوم الشريعة الإسلاميّة التي ترتكز عليها العقائد الشيعيّة، بل وتنبعث منها.

فَمَنْ لا يعلم أنَّ الإيمان والعمل مقترِنان كلّ واحد منها بالآخر؛ لأنّ العمل هو الترجمة الواقعيّة للإيمان، والتجسيد الفعلي له؟!

بل ومَنْ لا يعلم أنْ لا نجاة يومئذٍ إلاّ بعمل وتقوى؟!...

نحن نعتقد أنّ مَنْ لا يقول بذلك غير عاقل، فكيف بالشيعة وهم يَسْتَقُون علومهم مِن دَوْحَة النبوّة وشجرتها الوارِفة، أي أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم ورثة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعدول القرآن، وأُمناء الرسالة!!

كما أنَّه ليس في الشيعة - من أدناها إلى أقصاها - مَنْ لا يَعلم بذلك، وها أنت ترى الملتزمين منهم يُصَلّون، ويَصومون، ويَحجُّون، ويُسارِعون في الخيرات، ويَجتنبون المحارم والموبِقات.

بل وهذه كتب الأماميّة - التي لا عدّ لها ولا حَصْر - تنادي بتقوى الله تعالى واتّباع أوامره. آلاف الأحاديث وآلاف الأخبار المنقولة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) كلّها تَنْحُو هذا المَنْحَى الثابت الذي أشرنا إليه.

ثمّ - ولعلّ هذا الأمر هو ما فات صاحب فجر الإسلام وقد يفوت غيره إنْ أردنا أنْ نمنحهم العُذر في ذلك - لعلّه قد طَرَقَ سَمْع الدكتور أحمد أمين، أو قرأ بعض الأخبار المنقولة في جملةٍ من المصادر الحديثيّة المنوِّهة بفضل الشيعة، والإشادة بمنزلتهم، فتصوّر أنّ الأمر هذا يقع على كلِّ مَنْ تَسَمَّى باسم الشيعة، أي سَرَيَانه على كلِّ مَنْ يَعُدّه العرفُ شيعيّاً اسماً لا واقعاً... فإذا كان كذلك تصوره فانَّ هذا هو الداء العياء، والخلط العظيم. =

١٦٩

____________________________

=

إنّ التشيُّع لأهل البيت (عليهم السلام) لا يقترن إلاّ:

- بالعمل الصالح.

- واتِّباع أوامر الله تعالى.

- والانتهاء عن نواهيه.

ودون ذلك فلا معنى للتشيّع واقعاً إلاّ تَسْمية، وهذه التَسْمِيَة المجرَّدة لا تُغني عن الحقّ شيئاً، ولا تعدو كونها انتحال مِن غير اتِّصاف.

نعم، إنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) قد بَيَّنوا ذلك بوضوح في أكثر من مناسبة ومكان، مِن خلال العديد مِن الأخبار والروايات الصحيحة، والتي سنحاول أنْ نورد البعض منها ليطّلع عليها مَنْ انخدع ببريق كلمات هؤلاء الكُتّاب دون الرجوع للتثبّت مِن صِحّة ذلك إلى كتب الشيعة نفسهم، لا بالواسطة:

- فقد روى الكليني في الكافي (ج٢: ٧٣): بسنده عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قوله لأصحابه:

((لا تَذْهَب بِكُم المَذَاهِبُ، فَوَ الله مَا شِيْعَتُنَا إلاّ مَنْ أَطَاعَ الله عَزّ وَجلّ)).

- وروى في موضع آخر (ج٢: ٧٤): بسنده عن جابر، عن الإمام محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) قوله لجابر:

((يا جَابِر، أَيَكْتَفِي مَنْ يَنْتَحِل التشيّع أنْ يقول بِحُبِّنَا أهل البيت؟! فو الله ما شيعتنا إلاّ مَنْ اتَّقى الله وأَطَاعَه، ومَا كَانُوا يُعْرَفون - يا جابر - إلاّ:، بالتواضع، والتخشُّع، والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصَوم، والصلاة، والبِر بالوالدين، والتعهّد للجيران مِن: الفقراء، وأهل المَسْكَنَة، والغارِمِين، والأيتام، وصِدْق الحديث، وتلاوة القرآن، وكفّ الألْسُن عن الناس، إلاّ من خير....

يا جابر، فو الله ما يُتَقَرّب إلى الله تبارك وتعالى إلاّ بالطاعة، وما مَعَنَا براءة مِن النار، ولا على الله لأحد مِن حُجّة

مَنْ كان لله مطيعاً فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو

ولا تُنَال ولايتنا إلاّ بالعمل والورع)).

وقوله (عليه السلام)، (الكافي ج٢: ٧٥): ((والله: ما مَعَنَا مِن الله براءة، ولا بَيْنَنَا وبَيْنَ الله قَرَابَة، ولا لَنَا على الله حُجَّة، ولا يُتقرّب إلى الله إلاّ بالطاعة، فَمَنْ كان مِنْكُم مُطِيْعَاً لله تَنْفَعُهُ ولاياتنا)).

أقول: هؤلاء أئمّتنا وسادتنا وقادتنا، بهم نهتدي، وبنور علمهم نقتدي، وهذا هو دينهم الذي ندين به، وهو الإسلام الذي جاء به محمّد (صلّى الله عليه وآله) بل وهذه هي أخلاقهم ليست بِخَافِيَة على أحد، فهل لأحد أنْ يقول ما يخالف ذلك إلاّ أنْ يكون مغرراً أو كاذباً. فإذا كُنَّا كشيعة نتلمّس خُطَا أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ونتّبع هداهم، فإنّ ذلك الأمر يعني بالتالي اتّباع الخط الإلهي الذي جاء به رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مِن قِبَل الله تعالى باتّباع الدليل الذي أمرنا به هو (صلّى الله عليه وآله) باتِّباعه، وحثَّنا على التمسك به دون تسمية غيره، أو مجرّد الإشارة إليه، وإلى ذلك يشير بوضوح قوله (صلّى الله عليه وآله): ((إنِّي تَارِكٌ =

١٧٠

نعم باب الشَّفاعة من النَّبي والأئمّة (عليهم السلام) لبعض المذنبين باب آخر، ولعلّ القول بالشفاعة في الجملة من ضروريّات مذهب الإسلام(١) .

وأيضاً نُعيد ما قلناه قريباً، وإنَّه لو تنازلنا وافترضنا أنَّ الشيعة تقول ذلك،فـ:

هل يصح بهذا أنْ يقال: [بأنَّ] التشيُّع أخذ من اليهوديّة أو [أنَّ] اليهوديّة ظهرتْ في التشيُّع؟

وهل يحسن بعاقل أنْ يقول: إنّ أبا حنيفة أخذ فِقْهَهُ مِن المجوس؛ لأنَّه وافقهم في بعض الفروع في باب النكاح أو غيره(٢) ، ويعضد ذلك أنَّه فارسي

____________________________

= فِيْكُم مَا أنْ تَمَسَّكْتُم بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي، أَحَدهما أَعْظَم مِن الآخر: كِتَابَ الله حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِن السَّماء إلى الأرض، وعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حتّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْض، فَانْظُرُوا كَيْف تَخْلُفُونِي فِيْهِمَا)).

انظر:

سنن الترمذي ج٥: ٦٦٢/٣٧٨٦ و ٦٦٣/٣٧٨٨. مسند أحمد ج٣: ١٧ و ج٥: ١٨١. مستدرك الحاكم ج٣: ١٠٩و ١٤٨. أُسْد الغابة ج٢: ١٢.

وإذا كان الشيعي من المتمسِّكين بهذا الحبل المَتين، ومن الآخذين بِجَنْبَةِ أهل هذا البيت الطاهر، ومن المتمثِّلين لأوامرهم التي هي بالتالي عين أوامر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) المتلقّاة من قبل الله تعالى:(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فلماذا نشكل عليه هذا الفضل، وهذه الكرامة التي وُعد بها.

(١)انظر:

صحيح البخاري ٩٠:١ (كتاب التيمّم)، و ج٨: ٨٢ (كتاب الدعوات). صحيح مسلم ج١: ١٨٨ (كتاب الإيمان، باب قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله): أنا أوّل الناس يَشْفَع في الجنّة، وباب اختباء النبي (صلّى الله عليه وآله) دعوة الشفاعة لأمَّته)، و ج٤: ١٧٨٢ (باب تفضيل نبيّنا على جميع الخلائق). سنن ابن ماجة ج٢: ١٤٤٠ (كتاب الزهد، باب ذكر الشفاعة). موطأ مالك ج١: ٢١٢ (كتاب القرآن، باب ما جاء في الدعاء). مسند أحمد ج٢: ٢٧٥، ٣١٣، ٣٩٦، ٤٠٩، ٤٢٦، ٤٣٠، ٤٨٦، وج٢: ٣، ١٣٤، ٢٠٨، ٢١٨، ٢٥٨، ٢٧٦، ٢٩٢، ٣٨٤، ٣٩٦، وج٥: ١٤٨.

(٢) راجع كتاب المبادئ العامّة للفقه الجعفري صفحة ٣١٧ وما بعدها.

١٧١

الأصل؟

أليس يُعدّ هذا مِن سَفَهِ القَول، وخَطل الآراء، التي لا فائدة فيها سوى إيقاد نار الشَحْنَاء والبغضاء بين المسلمين؟

ثمَّ يقول:

(والنَّصرانيّة ظهرتْ في التشيُّع في قول بعضهم: إنَّ نسبة الإمام إلى اللهّ كنسبة المسيح إلى الله)!!

إنَّ مِن حقِّ الأمانة على ابن الأمين أنْ يُعيِّن الهدف، ولا يُرْسِل في غير سَدَد وبغير سَدَاد، كان يجب عليه أنْ يذكر مَنْ هو القائل بهذا القَول من الشيعة.

فهل مراده ما يسمُّونهم غلاة الشيعة كالخطّابيّة(١) والغُرَابِيّة(٢)

____________________________

(١) أتباع أبي الخطّاب محمّد بن أبي زينب الأجدع الأسدي الذي كان: يدّعي بأنّ الإمام الصّادق (عليه السلام) جعله قَيِّمَه ووصِيَّه مِن بَعْدِه، وعلّمه اسم الله الأعظم، ثمّ ادّعى بعد ذلك أنَّه نبي مُرسَل! وأنَّه من الملائكة! وغير ذلك من الخرافات والادِّعاءات الدالّة على انحرافه وكفره.

وقيل: إنَّ الأجدع وأصحابه ادّعوا بأنَّ الأئمّة آلهة! وإنّ أولاد الحسن والحسين (عليهما السلام) أنبياء الله وأحبّائه! وأحلّوا المَحَارِم. وتركوا الصلاة والصِيام والحج، وغير ذلك.

ولمّا بلغ الإمام الصادق (عليه السلام) مقالَتُهُ ومَقَالَةُ أصحابه لعنه ولعن أصحابه، وتبرّأ منه ومنهم، بل وأباح دَمَهُ وأموالَه هو وجماعة أُخرى من المُشَعْوِذِيْنَ، وأصحاب البِدَع والكفريّات.

راجع:

فرق الشيعة: ٤٢. التبصير: ١١١. الملل والنحل ج١: ١٧٩. الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة: ٥٤. مروج الذهب ج٣: ٢٢٠. مقالات الإسلاميِّين ج١: ١٣٣.

(٢) يذهب أصحِاب هذه الفرقة الضالّة إلى:

- أنّ الله تبارك وتعالى قد أرسل جبرئيل لعلي (عليه السلام) إلاّ أنّه توهّم في ذلك وقصد محمّداً (صلّى الله عليه وآله) بالرسالة؛ لأنّه يشبهه كما يشبه الغُراب الغُراب!!

- ومنهم مَنْ يدَّعي بأنَّ الله تعالى قد فوّض أمر تدبير الخلق لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأنًه فوّض ذلك الأمر لعلي (عليه السَلام)!!

بل وتُنْسَب إليهم الكثير من الضلالات المُخْرِجَة لهم عن دين الإسلام بغير نقاش.

انظر:

الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة: ٥٤. تأريخ المذاهب الإسلاميّة: ٤٠ /٥٣. الحور العين: ١٥٥. البحر الزخّار: ٢٥.

١٧٢

والعلياويّة(١) والمخمّسة(٢) ، والبزيعيّة(٣) وأشباههم من الفِرَق الهالِكة المنقرِضة التي نسبتها إلى الشيعة من الظلم الفاحِش، وما هي إلاّ من الملاحدة كالقَرامِطَة(٤) ونظائرهم، أمّا الشيعة الإماميّة وأئمّتهم (عليهم السلام) فيبرؤون من

____________________________

(١)وقيل: العليائيّة أو العلباويّة، والظاهر أنّ الأخير هو الأصح، وهو الموافِق لِمَا ذكره الشهرستاني في مِلَلِهِ وقال:

بأنّهم من أتباع العلباء بن دراع الدوسي أو الأسدي.

ويذهب أصحاب هذه الفِرقة الضالّة - على ما ذُكر- إلى: أنَّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) ربّي، استغفر الله العظيم. وأنَّه ظهر بالعلويّة الهاشميّة. وأظهر أنّه عَبْدَه. وأظهر وليّه مِن عنده ورسوله بالمحمّديّة، فوافقوا أصحاب أبي الخطّاب - لعنه الله - في أربعة أشخاص: علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام). وأنّ مضي الأشخاص الثلاثة - فاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) - تلبيس، والحقيقة شخص محمّد (صلّى الله عليه وآله)؛ لأنّه أوَّل هذه الأشخاص في الإمامة. وأنكروا أيضا شخص محمّد (صلّى الله عليه وآله) وزعموا أنَّه عبد لعلي (عليه السلام)!!... إلى آخر سخافاتهم وكفريّاتهم.

راجع:

رجال الكشي: ٣٩٩. مقباس الهداية ج٢: ٣٦٢. الملل والنحل ج١: ١٧٥.

(٢) من فِرق الغُلاة المنحرِفة، والملعونة على أَلْسِنَةِ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم.

يذهب أصحاب هذه الفرقة الضالّة إلى: أنّ سلمان الفارسي، وأبا ذر الغفاري، والمقداد بن الاسود، وعمّار بن ياسر، وعمرو بن أميّة الضمري هم النبيِّين والموكّلين بمصالح العالَم من قِبل الرب. وأنّ الرب في قولهم - قبحهم الله تعالى - هو علي (عليه السلام).

انظر:

مقباس الهداية ج٢: ٣٦١.

(٣) أتباع بزيع بن موسى الحائك الذين يذهبون إلى: أنَّه - لعنه الله - نبي مُرسَل كأبي الخطّاب المتقدِّم الذكر. وأنَّ الإمام الصّادق (عليه السلام) هو الذي أرسله بذلك!! فلمّا سمع خبره الإمام (عليه السلام) لعنه هو وجماعة من الغُلاة والمنحرفين بقوله:((لعنهم الله، فإنّا لا نخلو من كذّاب يكذب علينا، أو عاجز الرأي، كفانا الله تعالى مؤنة كلِّ كذّاب، وأذاقهم الله حرّ الحديد) .

انظر:

فِرَق الشيعة: ٤٣. رجال الكشي ج٢: ٥٩٣/٥٤٩. مقالات الإسلاميِّين: ١٢.

(٤) يذهب النوبختي في فِرَقِهِ إلى:

- أنّ تسمية القرامطة بهذا الاسم تعود إلى رئيسٍ لهم مِن أهل السواد كان يُلقّب بـ (قرمطويه).

- وكانوا في الأصل يقولون بمقالة المباركيّة - الذين يزعمون بأنّ الإمامة بعد الإمام جعفر بن محمًد الصادق (عليه السلام) في محمّد بن إسماعيل بن جعفر، بعد أنْ كانت لأبيه في حياة الإمام الصادق (عليه السلام) واُسموا بذلك؛ لانّ رئيسهم يُدْعى =

١٧٣

____________________________

= المبارك - ثُمّ خالفوهم، حيث قالوا:

- بأنَّ الإمامة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لا تكون إلاّ في سبعة أئمّة هم: علي بن أبي طالب، وهو إمام رسول، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، ومحمّد بن إسماعيل، وهو عندهم الإمام القائم المهدي، وهو رسول.

وزعم أولئك، على قول النوبختي وغيره:

- أنّ رسالة النبي (صلّى الله عليه وآله) قد انقطعتْ يوم غدير خم، وانتقلتْ إلى علي (عليه السلام)!! وكذا حال اللاحقين عند وفاة السابقين لهم.

ثمّ إنَّ أصحاب هذه الفرقة يذهبون - على ما قيل عنهم - إلى:

- أنّ الفرائض رموز وإشارات.

- وأمر بالاعتصام بالغائب المفقود.

- وأباحوا جميع المَلَذّات والمُنْكَرات.

- واستحلُّوا استعراض الناس بالسيف. وغير ذلك مما ينسب اليهم من الضلالات.

وأمّا ابن الجوزي فقد ذكر في كتابه المعروف بـ (تلبيس إبليس) أنّ للمؤرِّخين في سبب تسميتهم بهذا قولان:

أحدهما: أنّ رجلاً من ناحية خوزستان قَدِمَ سواد الكوفة، فاظهر الزهد ودعا إلى إمام من أهل بيت الرسول صلوات الله عليه وعليهم، ونزل على رجلٍ يُقال له(كرميتة) لقِّب بهذا لحرمة عَيْنَيْهِ، وهو بالنبطية حادّ العين، فأخذه أمير تلك الناحية فَحَبَسَهُ وترك مفتاح البيت تحت رأسه ونام، فرقَّت له جارية فأخذتْ المفتاح ففتحت البيت وأخرجتْه وردّتْ المفتاح إلى مكانه، فلمّا طُلِب ولم يوجد شاع الخبر وزاد افتتان الناس به، فتوجّه من هناك إلى الشام.

وأمّا وجه تسميته بذلك:

- فإنّه أُسْمِي أوّل الأمر بـ (كرميتة) أي اسم الرجل الذي كان نازلاً عنده، ثمّ خُفِّف فقيل (قرمط) ثمّ توارث مكانه أهله وأولاده.

وقيل:

إنّما عُرِف حمدان هذا بـ (قرمط) من أجل قصر قامته وقصر رجليه وتقارب خَطْوِه، وكان يُقال له:

صاحب الخال، والمدثر، والمطوق.

وكان ابتداء أمره في سنة (٢٦٤ هـ) وحيث كان ظهوره بسواد الكوفة، واشتهر مذهبه بالعراق.

وللمؤرِّخين وكتّاب الفِرَق آراء أُخرى في نشأتهم وتسمية روّادهم الأوائل، لا يسعنا هناك التعرّض لها، مُحِيلِينَ القارئ الكريم في ذلك إلى المصادر المختصّة بهذا الباب.

راجع:

فرق الشيعة: ٧٢. الفصول المختارة: ٢٥١. الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة: ٨٤. الفَرْق بين الفِرَق: ٢٢. الملل والنحل ج١: ١٦٧و١٩١. تأريخ الطبري ج١٠: ٢٣. الكامل في التاريخ ج٧: ٤٤٤. تلبيس إبليس: ١١٠.

١٧٤

تلك الفِرَق براءة التحريم(١) .

____________________________

(١) لقد كان موقف الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) حادّاً وقطعيّاً في: ردِّ وتكفير الغُلاة. بل والبراءة منهم. ونفي وجود أي صلة لهم بهم.

فهذا هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول:

((بُنِيَ الكفر على أربعة دعائم: الفسق، والغلو، والشك، والشبهة)) .

وأمّا الإمام جعفر بن محمَّد الصادق (عليه السلام) فقد قال:

((أدنى ما يخرج به الرجل مِن الإيمان أنْ يجلس إلى غالٍ فيستمع إلى حديثه ويصدّقه على قوله، إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدِّه (عليهم السلام):

أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: صنفان من أُمّتي لا نصيب لهما في الإسلام: الغُلاة، والقدريّة)) .

وقال (عليه السلام) مخاطباً أحد أصحابه:

((أيا مرازم، قُل لهم (أي للغالية)توبوا إلى الله تعالى، فإنّكم فُسّاق، كفّار، مشركون)) .

وقال (عليه السلام) مشيراً إلى نفي صِلَة أولئك الغُلاة بأهل البيت (عليهم السلام):

((لعن الله المغيرة بن سعيد، ولعن الله يهوديّة كان يختلف إليها يتعلّم منها السحر والشعبذة والمخاريق،

إنَّ المغيرة كذب على أبي فسلبه الله الإيمان،

وإنّ قوماً كذبوا عليّ، ما لهم أذاقهم الله حرّ الحديد...

أُبرِأُ الله مِمَّا قال فِيَّ الأجدع البرّاد عبد بني أسد أبو الخطّاب لعنه الله...

أُشْهِدُكُم: إني امرؤٌ ولدني رسول الله صلّى الله عليه وآله، وما معي براءة من الله، وإنْ أَطَعْتُه رَحِمَنِي، وإنْ عصيته عَذَّبني)) .

وقال مخاطباً أحد الغُلاة (وهو بشار الشعيري):

((اُخْرُج عَنِّي لَعَنَكَ الله)) .

وأمّا الإمام الرضا (عليه السلام) فقد قال عنهم:

((كان بيان بن سمعان يكذّب على علي بن الحسين (عليه السلام) فأذاقه الله تعالى حرَّ الحديد.

وكان المغيرة بن سعيد يكذّب على أبي جعفر (عليه السلام) فأذاقه الله تعالى حرّ الحديد.

وكان محمّد بن بشير يكذّب على أبي الحسن موسى (عليه السلام) فأذاقه الله تعالى حرَّ الحديد.

وكان أبو الخطّاب يكذّب على أبي عبد الله (عليه السلام) فأذاقه الله تعالى حرّ الحديد)) .

بل وترى الأئمّة (عليهم السلام) يُحَذِّرون شيعتهم من أحاديث كان ينتحلها أولئك الغُلاة على ألسِنَةِ الأئمة (عليهم السلام) في محاولة منهم - لعنهم الله تعالى - لكسب الأنصار والمؤيِّدين لهم،

فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله محذِّراً الشيعة من الوقوع في حبائلهم:

((لا تقبلوا علينا حديثاً إلاّ ما وافق القرآن والسُنَّة، أو تَجِدُون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدِّمة، فإنّ المغيرة بن سعيد - لعنه الله - دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يُحدِّث بها أبي، فاتّقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربِّنا تعالى وسُنَّة نبيِّنا محمّد صلّى الله عليه =

١٧٥

على أنّ تلك الفِرَق لا تقول بمقالة النصارى، بل خلاصة مقالتهم - بل ضلالتهم - :

أنَّ الإمام هو اللهّ سبحانه ظهوراً أو اتحاداً أو حلولاً، أو نحو ذلك مِمّا يقول به كثير من متصوِّفة الإسلام ومشاهير مشايخ الطُرُق، وقد ينقل عن الحلاّج بل والكيلاني والرفاعي والبدوي وأمثالهم من الكلمات - وان شئت فسمِّها كما يقولون شَطَحَات - ما يدلّ بظاهره على أنَّ لهم منزلة فوق الربوبيّة، وأنَّ لهم مقاماً زائداً عن الإلوهيّة (لو كان ثمّة موضع لمزيد) وقريب من ذلك ما يقول به أرباب وحدة الوجود أو الموجود.

____________________________

=وآله)) .

وقال (عليه السلام) أيضاً:

((كان المغيرة بن سعيد يتعمّد الكَذِبَ على أبي، ويأخذ كتب أصحابه، وكان أصحابه المُتَسَتِّرُون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي، فيدفعونها إلى المغيرة، فكان يدسّ فيها الكفر والزندقة، ويسندها إلى أبي، ثمّ يدفعها إلى أصحابه فيأمرهم أنْ يُثبتوها في الشيعة، فكلّما كان في كتب أصحاب أبي من الغُلوِّ فذلك مِمَّا دَسَّه المغيرة بن سعيد في كتبهم)) .

وإذا كان ذلك دَيْدَن أئمّتنا (عليهم التحيّة والسلام) فإنّ ذلك بلا شَكّ منهج أتباعهم وشيعتهم، وتجد ذلك واضحاً في مؤلّفات أصحابنا رحمهم الله تعالى برحمته الواسعة، المتخصِّصة بهذا الموضوع، فهم يحكمون عليهم - بلا ترديد - بالضلال والكفر، ومن ذلك:

قول شيخنا المفيد رحمه الله تعالى عنهم:

وهم ضُلاّل كفّار، حَكَمَ فيهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بالقتل والتحريق بالنار، وقضتْ عليهم الأئمّة (عليهم السلام) بالإكفار والخروج عن الإسلام.

وأمّا النوبختي فقد قال عنهم بعد أنْ استعرض فِرَقِهم:

فهذه فِرَق أهل الغلوّ مِمّن انتحل التشيع، والى الخرميدنية، والمزدكية، والزنديقية، والدهرية مرجعهم جميعاً، لعنهم الله تعالى.

وغير ذلك مِمّا يجده القارئ الكريم عند البحث والمراجعة فراجع:

فرق الشيعة: ٤١. أوائل المقالات: ٢٣٨. الكافي ج٢: ٢٨٨/١ (باب دعائم الكفر وشعبه). الخصال ج١: ٧٢/١٠٩. رجال الكشّي: ٢٢٤ و٢٢٥ و ٣٠٢ و ٣٩٨. الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة: ٥١ وما بعدها.

١٧٦

أمّا الشيعة الإماميّة، وأعني بهم:

- جَمْهَرَة العراق وإيران.

- وملايين من مُسْلِمي الهند.

- ومئات الأُلوف في سوريا والأفغان.

فإنّ جميع تلك الطائفة، من حيث كونها شيعة:

- يبرؤون من تلك المقالات.

- ويعدُّونها من أشنع [أشكال] الكفر والضلالات.

- وليس دينهم إلاّ التوحيد المحض.

- وتنزيه الخالق عن كلِّ مشابهة للمخلوق، أو ملابسة لهم في صفة من صفات النقص والإمكان، والتغيّر والحدوث، وما ينافي وجوب الوجود والقدم والأزلية.

- إلى غير ذلك من التنزيه والتقديس المشحونة به مؤلّفاتهم في الكلام، من مختصرة (كالتجريد) أو مطوّلة (كالأسفار) وغيرهما ممّا يتجاوز الأُلوف، وأكثرها مطبوع منتشر، وجُلّها يشتمل على إقامة البراهين الدامِغَة على بطلان التناسخ والاتّحاد والحلول والتجسيم.

ولو راجع المُنْصِف - الذي يمشي وراء الحقائق وفوق العصبيّة والأغراض - شيئاً منها لَعَرَفَ قِيْمَة قول هذه الناشئة المترعرعة، التي قذفتْنا بهم أعاصير هذا العصر وتطوّرات هذا الزمن، نعم يعرف قيمة قذف الشيعة بالتناسخ والحلول والتجسيم.

والقصارى إنّه:

- إنْ أراد بالشيعة هم تلك الفِرَق البائدة، والمذاهب المُلْحِدَة - التي لا أحسب أنَّ في رقعة الأرض منهم اليوم نافخ ضرمة - فنحن لا نضايقه في ذلك، ولكن نسبتهم إلى الشيعة ظلم فاحش، وخطأ واضح، وقد أساء التعبير، وما أحسنَ البيانَ، ولم يعطِ الحقيقة حقَّها.

- وإنْ أراد بالشيعة الطائفة المعروفة اليوم بهذا الاسم [و] التي تعدُّ بالملايين من المسلمين، فنحن نطالبه بإثبات ذلك من مصنَّفات أحد علمائهم من حاضر أو غابر.

وعلى أيّ حال، فقد استبان - ممَّا ذكرناه - أنَّ جميع ما ذكره [صاحب] (فجر الإسلام) عن الشيعة - في هذا المقام وغيره - تهويل بلا تحصيل،

١٧٧

ودعاوٍ بغير دليل.

ونحن لا نريد في مقامنا هذا أنْ نتعقّب كتاب (فجر الإسلام) بالنقد، وندلّ على جميع خطيئاته، ومبهرج آرائه واجتهاداته، وإنَّما ذكرنا هذه النُبْذة استطراداً في القول، وشاهداً على صورة حال الشيعة عند كتَبَةِ العصر، ومَنْ يُنْظِمُوَنه في سِلْك العلماء وأهل الأقلام، فما ظنّك إذن بالسّواد والعوام؟!

ومنبع البليّة أنَّ القوم الذين يكتبون عن الشيعة يأخذون في الغالب مذهب الشيعة وأحوالهم عن:

- ابن خلدون البربري، الذي يكتب وهو في إفريقيا وأقصى المغرب عن الشيعة في العراق وأقصى المشرق.

- أو عن أحمد ابن عبد ربّه الأندلسي وأمثالهم.

فإذا أراد كتَبَة العصر أنْ يتضلَّعوا ويتوسّعوا في معرفة الشيعة رجعوا إلى كتب الغربيين وكتبة الأجانب كالأستاذ (ولهوسن) أو الأستاذ(دوزي) وأمثالهم، وهناك الحجّة القاطعة، والقول الفصل!! أمّا الرجوع إلى كتب الشيعة وعلمائهم فذاك ممّا لا يخطر على بال أحدهم.

ولكنَّ الشيعي - الذي هو على بيِّنة من أمره وحقيقة مذهبه - إذا نظر إلى ما يكتبه حَمَلَة الأقلام، في هذه الأيّام، عن الشيعة وعقائدها وجدها من نمط النادرة التي يحدِّثنا بها الراغب الأصفهاني في كتابه المعروف بـ (المحاضرات) قال - على ما يخطر ببالي - :

سُئل رجل كان يشهد على آخر بالكفر عند جعفر بن سليمان فقال:

إنَّه خارجي، معتزلي، ناصبي، حروري، جَبْرِي، رافضي، يشتم علي بن الخطّاب، وعمر بن أبي قحافة، وعثمان بن أبي طالب، وأبا بكر بن عفّان، ويشتم الحجّاج الذي هدم الكوفة على أبي سفيان، وحارب الحسين بن معاوية يوم القطايف. أي يوم الطف أو يوم الطائف!!

فقال له جعفر بن سليمان:

قاتلك الله، ما أدري على أيّ شيء

١٧٨

أَ حْسِدُكَ، أَعَلَى عِلْمِكَ بالأنساب أَمْ بالأديان أَمْ بالمقالات؟(١).

أمّا (عبد الله بن سبأ)(٢) الذي يلصقونه بالشيعة أو يلصقون الشيعة به،

____________________________

(١) محاضرات الأُدباء ج٤: ٤١٨.

(٢) يبدو بوضوح للمتأمِّل في قصّة عبد الله بن سبأ، ودوره في الأحداث التي جرتْ إبّان حكم الخليفة الثالث أو ما بعده - على قول البعض الآخر - أنّه أمام وقائع وأحداث نُسِجتْ بكثير من المبالغة والتهويل لشخصيّة عاديّة مغمورة، لا دور واقعي لها يُذْكَر في صياغة أيّ حَدَث أو أَمْر، وإنْ ذهب البعض حتّى إلى التشكيك في صِحّة وجودها، وأنّها خرافة حُبِكَتْ بقدرٍ كبير من الخُبْث والحِقْد للطعن بالشيعة ومعتقداتها.

نعم، إنّ استقراء السيرة الذاتيّة لهذه الشخصيّة في كتب العامّة - لا كتبنا؛ لأنّها عندنا واضحة جليّة أجلى من الشمس في رابعة النهار - يكشف للمرء الكثير من هذه الأخبار المليئة بالمبالغة والكذب والتناقض بشكلٍ لا يخفى على أدنى متأمِّل، رغم وضوح حال هذا الرجل، ومحدوديّة أمره في كتب الشيعة ورواياتهم، التي لا تذهب إلاّ إلى أنّه غَالٍ ملعون، غَالَى بعليٍّ (عليه السلام) فحُكِمَ فيه حكم الإسلام الخاص بأمثاله من الغُلاة، لا أكثر ولا أقل، فهو ضمن هذا المقياس شخصيّة عاديّة كحالها من الشخصيّات المُنحرِفة، التي تعجّ بها جميع الكتب لا كتبنا فقط.

والحقّ يُقال:

إنّ هذه المبالغة المُفرِطة في حياكة دور مَهُوْل لهذا الرجل في صياغة الكثير من الأحداث الجِسَام دَفَعَ بالعديد من المؤرِّخين والباحثين إلى:

- التشكيك صراحةً في وجود مثل هذا الشخص في أرض الواقع، وتلك حالة ردّ فعل طبيعيّة، لها بعض التبرير أمام أمور خُرافيّة وغير عقلائيّة تزدريها الألباب، فحدث نتيجة ذلك ما نراه في تلك الكتب من الارتباك والتنافر وعدم الوضوح.

حين نرى أنّ البعض الآخر يذهب إلى:

- أنّ ابن سبأ ليس إلاّ عمّار بن ياسر رحمه الله تعالى والذي حاولتْ قريش الطعن فيه فاخترعتْ له هذه التسمية، كما كانت تُسَمِّيْه بابن السوداء، وذلك لِمَا يروونه عنه مِن تَزَعُّمِهِ لقادة الثورة التي أودتْ بحياة الخليفة عثمان بن عفّان، وتفانيه في خدمة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وتشيّعه الصريح له.

ثُمّ لا يخفى عليك أخي القارئ الكريم أنَّ أوّل الحائكين لهذه الأسطورة الخرافيّة حول هذا الرجل - والذي قفى بعد ذلك أثره المؤرّخون - هو الطبري في تاريخه، وكان مصدره فيها سيف بن عمر البرجمي (ت ١٧٠هـ) الذي يَطعن به معظم أصحاب التراجم والسِيَر بشكلٍ صريح وواضح.

- حتّى لقد قال عنه مَرّةً: فليس خير منه.

- وقال عنه أبو حاتم: متروك الحديث.

- وقال عنه أبو داود: ليس بشيء.

- وأمّا النسائي والدارقطني وابن معين فقد قالوا عنه: ضعيف الحديث... فراجع وتأمّل. =

١٧٩

____________________________

= وللحقِّ أقول:

إنّ مجرّد التأمّل البسيط في الظروف المحيطة بظهور هذه الرواية، وما يمكن أنْ تترتّب عليها من نتائج إذا ذهب البعض إلى التسليم بِصِحّتها، رغم تناقضاتها الصريحة والواضحة، بل وما تحاول إبرازه إلى سَطْح الواقع من شواهد محدَّدة ومعروفة لدى الجميع، يشير بدون لَبْس إلى غرض المؤامرة التي تبدو فيها أصابع الأمويِّين وبصماتهم واضحة جَلِيّة؛ وذلك من خلال استقراء الأحداث المَرْويّة في المراجِع، والتي قيل إنّ هذا الرجل قام بتدبيرها بين:

البصرة، والكوفة، والشام، ومصر،

وخلال فترة زمنية محدودة، وما ترتّب عليها بعد ذلك من نتائج واسعة وخطيرة لا يمكن لأحد التسليم بصحّتها، والجَزْم بوقوعها إلاّ إذا:

- جافى الحقيقة والمنطق.

- وأعرض عن حكم العقل وحجّته.

بل ولا بُدّ - وكما ذكرتُ سابقاً - من أنْ تتأكّد لديه هذه الحقيقة وهذا الدور المفضوح لتلك الشجرة الملعونة في القرآن في صياغة وإشاعة هذه الأسطورة المُضْحِكة والمُهَلْهَلَة، وهو ما أثار الكثير من الباحثين والدارسين حتّى دفعهم صراحةً إلى القول بأنّ أعداء الشيعة ادّخروا هذه الأسطورة وتفنّنوا في حياكتها للطعن بهم، فجاء الخلف من بعد فتلقّف ما قال الأوّلون وسلّموا بصحّته دون أدنى دراسة وتأمّل، فوقعوا في الشراك، وشاركوا مَنْ سَبَقَهُم في ظلم الشيعة والافتراء عليهم، وذلك مِمَّا تتفطّر له القلوب أَسَى وتأسّفَاً...

ولعلّ المُلْفِت للنظر:

- أنّ الأسطورة المنسوجة حول دور عبد الله بن سبأ في صناعة الأحداث التي عصفتْ بالدولة الإسلاميّة خلال حكم الخليفة عثمان بن عفّان.

- ودوره في خِداع الشعوب، كما تجده مسطوراً في الكتب اللاحقة بكتاب الطبري.

- وحَشْدها لتنفيذ خطّته للإطاحة بالخليفة.

- وغفلتها (أي تلك الشعوب) المثيرة للتعجّب والاستغراب.

تجدها متصاغرةً متواضعةً، وذليلةً عاجزةً أمام طاعة أهل الشام - شام معاوية آنذاك - للدولة الإسلاميّة وحُكّامها، وأنّهم هم الذين لم يُغيّروا ولم يُبدّلوا، بل إنّ ابن سبأ لم يجد له فيها أُذُنَاً صاغِيَةً لدعوته، حين وجد في أهل مصر ضالّته، هذا إذا علمنا بأنَّ لمصر الدور الأكبر في الثورة على عثمان بن عفّان حينها...

إذاً، فلا متمسّك بدين الإسلام في هذه الأسطورة إلاّ الشام، ويا حسرة على ما سِواها من الشعوب المنحرِفة اللاهِثة وراء الفتنة وأصحابها!! فتأمّل.

والخلاصة:

إنّ قصّة ابن سبأ - إنْ سلّمنا بوجود شخص بهذا الاسم؛ لأنّ هناك أقوال وتصريحات قائمة على دراسات علميّة رصينة تذهب إلى نفي وجود هذهِ الشخصيّة، كما ذهب إلى ذلك العلاّمة السيِّد مرتضى العسكري في كتابه المعروف عبد الله بن سبأ وأساطير أُخرى - أسطورةٌ نُسِجَتْ حول شخصيّة تافهة منحرفة، وبُولِغَ فيها أشدّ المبالغة، حتّى أمستْ أقرب منها إلى حكايات العجائز في ليال الشتاء الباردة، بل ومثيرة للاستخفاف والاستهجان، =

١٨٠