أصل الشيعة وأصولها

أصل الشيعة وأصولها8%

أصل الشيعة وأصولها مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 442

أصل الشيعة وأصولها
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80040 / تحميل: 9271
الحجم الحجم الحجم
أصل الشيعة وأصولها

أصل الشيعة وأصولها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

والكتاب الكريم أيضاً صريح في ذلك لِمَن تأمَّلَهُ:(الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) إلى أن قال جلّ شأنُه:(فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)(١) .

وفي هذا كفاية.

هذا مجمل من أسباب الفراق، والتفصيل موكول إلى محلِّه.

وهناك أسباب أُخرى للفرقة، كالعيوب الموجِبَة للفسخ: في الزوج مثل: العنن، والجنون، والجذام، ونحوها.

وفي الزوجة: كالرتق، والقرن، ونحوهما، وكالظهار، والإيلاء. مِمَّا تجده مُسْتَوْفى في كتب الفقه.

كما تجد فيها تفاصيل العِدَدَ وأقسامها، من: عدّة الوفاة، وعدّة الطلاق، ووطء الشبهة، وملك اليمين.

والعدّة تجب على الزوجة في وفاة الزوج مطلقاً، حتّى:

١- اليائسة.

٢- والصغيرة.

٣- وغير المدخول بها.

أمّا في الطلاق:

فتجب على ما عدا هذه الثلاث، فموت الزوج مطلقاً، والوطء الغير المحرّم مطلقاً يوجبان العدّة مطلقاً، إلاّ في اليائسة والصغيرة.

أمّا الوطء المحرّم، كالزنا: فلا عدّة فيه؛ لأنّ الزاني لا حرمة لِمَائِهِ.

وعدّة الوفاة: أربعة أشهر وعشرة أيّام إنْ كانت حائلاً، وفي الحامل أَبْعَد الأجلين.

وعدّة الطلاق: ثلاثة قروء، أو ثلاثة أشهر، وفي الحامل وضع الحمل، وللأَمَة نصف الحُرَّة.

والطلاق إذا لم يكن ثلاثاً ولا خلعيّاً فللزوج أنْ يرجع بها مادامت في العدّة، فإذا خرجتْ من العدّة فقد ملكتْ أمرها، ولا سبيل له عليها إلا بعقد

____________________________

(١) البقرة ٢: ٢٢٩ -٢٣٠.

٢٨١

جديد.

ولا يعتبر عندنا في الرجعة حضور الشاهدين كما يعتبران في الطلاق، وأنْ اسْتُحِبَّ ذلك(١) .ولا يعتبر فيها لفظ مخصوص، بل يكفي كل ما دلّ عليها حتّى الإشارة، وتعود زوجته له كما كانت.

____________________________

(١) أهدى إلينا هذا العام العلاّمة المتبحِّر الأُستاذ أحمد محمّد شاكر، القاضي الشرعي بمصر - أيّده الله - مؤلَّفه الجليل: (نظام الطلاق في الإسلام).

فراقني وأعجبني، ووجدتُه من أنفس ما أخرجه هذا العصر من المؤلّفات، فكتبتُ إليه كتاباً نشره هو - حفظه الله - في مجلّة (الرسالة) الغرّاء (عدد ١٥٧) بعد تمهيد مقدّمة قال فيها:

ومِن أشرف ما وصل إلَيَّ وأعلاه، كتاب كريم من صديقي الكبير، وأُستاذي الجليل، شيخ الشريعة، وإمام مجتهدي الشيعة بالنجف الأشرف، العلاّمة الشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء، فقد تفضّل - حفظه الله - بمناقشة رأيي في مسألة من مسائل الكتاب، وهي:

(مسألة اشتراط الشهود في صِحَّة مراجعة الرجل مطلّقته).

فإنّني ذهبت إلى:

- اشتراط حضور شاهدين حين الطلاق.

- وأنّه إذا حصل الطلاق في غير حضرة الشاهدين لم يكن طلاقاً، ولم يعتدّ به.

وهذا القول وإنْ كان مخالِفاً للمذاهب الأربعة المعروفة، إلاّ أنّه يؤيِّده الدليل، ويوافِق مذهب الأئمّة من أهل البيت والشيعة الإماميّة.

وذهبت أيضاً إلى:

اشتراط حضور شاهدَين حين المراجعة، وهو يوافق أحد قولين للإمام الشافعي يُخالِف مذهب أهل البيت والشيعة، واستغربتُ مِن قولهم أنْ يُفَرِّقوا بينهما، والدليل واحد فيهما، فرأى الأستاذ - بارك الله فيه - أنْ يشرح لي وجهة نظرهم في التفريق بينهما فقال:

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحَمْد والمَجْد

من النجف الأشرف (٨ صفر١٣٥٥) إلى مصر.

لفضيلة الأُستاذ العلاّمة، المتبحِّر النبيل، الشيخ أحمد محمّد شاكر المحترم أيّده الله.

سلامة لك وسلام عليك.

وَصَلَتْنِي هديَّتُك الثمينة:(رسالة نظام الطلاق في الإسلام) .

فأَمْعَنْتُ النظر فيها مَرّة، بل مرّتين، إعجاباً وتقديراً لما حَوَتْهُ مِن غَور النظر، ودِقَّة البحث، وحُرِّيَّة الفِكر، وإصابة هدف الحقّ والصواب، وقد استخرجتَ لباب الأحاديث الشريفة، وأزحْتَ عن مُحَيَّا الشريعة الوضّاء أغشيةَ الأوهام، وحطَّمْتَ قيودَ التقليد الذميمة، وهياكل الجمود بالأدلّة القاطعة،

٢٨٢

____________________________

= والبراهين الدامغة، فحيّاك الله، وحيّا ذهنك الوقّاد، وفضلك الجَم.

وأُمّهات مباحث الرسالة ثلاث:

(١) طلاق الثلاث.

(٢) الحِلْف بالطلاق والعِتَاق.

(٣) الإشهاد على الطلاق.

وكلّ واحدة من هذه المسائل قد وفَّيتها حقّها من البحث، وفتحتَ فيها باب الاجتهاد الصحيح على قواعد الفنّ، ومدارك الاستنباط القويم، من الكتاب والسُنَّة، فانتهى بك السير على تلك المناهج القويمة إلى مصافِّ الصواب، وروح الحقيقة، وجوهر الحكم الإلهي، وفرض الشريعة الإسلاميّة، وقد وافقتْ آراؤُك السديدة في تلك المسائل ما اتفقتْ عليه الإماميّة من صدر الإسلام إلى اليوم، ولم يختلف منهم اثنان، حتّى أصبحتْ عندهم من الضروريّات.

كما اتّفقوا على عدم وجوب الإشهاد على الرجعة، مع اتّفاقهم على لزومه في الطلاق، بل الطلاق باطل عندهم بدونه.

وقد ترجّح عندك قول مَن يقول بوجوب الإشهاد فيهما معاً، فقلتَ (في صفحة ١٢٠):

وذهبتْ الشيعة إلى وجوب الإشهاد في الطلاق، وأنّه ركن من أركانه كما في كتاب (شرائع الإسلام) ولم يوجبوه في الرجعة، والتفريق بينهما غريب ولا دليل عليه، انتهى.

وفي كلامك هذا - أيّدك الله - نظرٌ، أَسْتَمِيحُك السماح في بيانه، وهو:

إنّ من الغريب - حسب قواعد الفنّ - مطالبة النافي بالدليل والأصل معه، وإنّما يحتاج المُثبِت إلى الدليل، ولعلّك - ثبَّتك الله - تقول:

قد قام الدليل عليه، وهو ظاهر الآية على ما ذكرته في صفحة (١١٨) حيث تقول:

والظاهر من سياق الآية أنّ قوله تعالى:(وأَشْهِدُوا) راجِعٌ إلى الطلاق وإلى الرجعة معاً... إلى آخر ما ذكرتَ.

وكأنّك - أنار الله بُرهانك - لم تُمْعِن النظر هنا في الآيات الكريمة كما هي عادتك من الإمعان في غير هذا المقام، وإلاّ لَمَا كان يخفى عليك أنّ السورة الشريفة مسوقة لبيان خصوص الطلاق وأحكامه، حتّى أنّها قد سُمِّيتْ بسورة الطلاق، وابْتَدَأَ الكلام في صدرها بقوله تعالى: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ).

ثمّ ذكر لزوم وقوع الطلاق في صدر العِدّة، أي لا يكون في طهر المواقعة ولا في الحيض، ولزوم إحصاء العِدّة، وعدم إخراجهنّ من البيوت، ثمّ استطرد إلى ذكر الرجعة من خلال بيان أحكام الطلاق، حيث قال عزّ شأنه:(فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) .

أي إذا أشرفْنَ على الخروج من العِدّة فلكم إمساكهنّ بالرجعة =

٢٨٣

____________________________

= أو تركهنّ على المُفارَقة.

ثمّ عاد إلى تتمّة أحكام الطلاق، فقال: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) .

أي في الطلاق الذي سبق الكلام لبيان أحكامه.

ويُسْتَهْجَن عَوْدُهُ إلى الرجعة التي لم تُذكَر إلاّ تبعاً واستطراداً، أَلاَ ترى لو قال القائل:

إذا جاءك العالِم وجب عليك احترامه وإكرامه، وأنْ تستقبله سواء جاء وحده أو مع خادمه أو رفيقه، ويجب [عليك] المشايعة وحسن الموادعة، فإنّك لا تفهم من هذا الكلام إلاّ وجوب المشايعة والموادعة للعالِم لا له ولخادمه ورفيقه، وإنْ تأخّرا عنه. وهذا لعمري - حسب القواعد العربيّة والذوق السليم - جليّ واضح، لم يكن لِيَخْفَى عليك - وأنت خرِّيت العربيّة - لولا الغفلة، والغفلات تعرض للأَريب.

هذا من حيث لفظ الدليل وسياق الآية الكريمة، وهنالك ما هو أدق وأحق بالاعتبار، من حيث الحكمة الشرعيّة، والفلسفة الإسلاميّة، وشموخ مقامها، وبعد نظرها في أحكامها، وهو:

أنّ من المعلوم أنّه ما من حلال أبغض إلى الله سبحانه من الطلاق، ودين الإسلام كما تعلمون جمعي اجتماعي، لا يرغب في أي نوع من أنواع الفرقة، ولا سِيَّما في العائلة والأُسْرة، وعلى الأخص في الزوجيّة بعد ما أفضى كلّ منهما إلى الآخر بما أفضى.

فالشارع - بحكمته العالية - يريد تقليل وقوع الطلاق والفرقة، فكثّر قيوده وشروطه على القاعدة المعروفة من أنّ الشيء إذا كَثُرَتْ قيودُه عزّ، أو قلّ وجودُه، فاعتبر الشاهدين العدلين:

- للضبط أوّلاً.

- وللتأخير والاناءة ثانياً.

وعسى إلى أنْ يحضر الشاهدان أو يحضر الزوجان أو أحدهما عندها يحصل الندم، ويعودان إلى الأُلفة كما أُشير إليه بقوله تعالى: (لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) .

وهذه حكمة عميقة في اعتبار الشاهدين لا شكّ أنّها ملحوظة للشارع الحكيم، مضافاً إلى الفوائد الأُخَر.

وهذا كلّه بعكس قضيّة الرجوع فإنّ الشارع يريد التعجيل به، ولعلّ للتأخير آفات، فلم يُوجِب في الرجعة أيّ شرط من الشروط تصح عندنا معشر الإماميّة بكلّ ما دلّ عليه من:

- قول.

- أو فعل.

- أو إشارة.

ولا يشترط فيها صيغة خاصّة كما يشترط في الطلاق، كلّ ذلك تسهيلاً لوقوع هذا الأمر المحبوب للشارع الرحيم بعباده، والرغبة الأكيدة في أُلْفَتِهِم وعدم تفرّقهم.

وكيف لا يكفي في الرجعة حتّى الإشارة ولمسها ووضع يده عليها بقصد الرجوع، وهي - أي المطلّقة الرجعيّة - عندنا معشر الإماميّة لا تزال زوجة إلى أنْ تخرج من العِدّة؛ ولذا ترثه ويرثها، وتغسّله ويغسّلها، وتجب عليه نفقتها، ولا يجوز أنْ يتزوّج بأختها وبالخامسة؟

إلى غير ذلك من أحكام الزوجيّة. =

٢٨٤

____________________________

= فهل في هذه كلّها مقنع لك في صِحّة ما ذهبتْ إليه الإماميّة من عدم وجوب الإشهاد في الرجعة بخلاف الطلاق؟ فإنْ استصوبْتَه حمدْنا الله وشكرناك، وإلاّ فأنا مستعدّ للنظر في ملاحظاتك وتلقِّيها بكلّ ارتياح، وما الغرض إلاّ إصابة الحقيقة، واتِّباع الحقّ أينما كان، ونَبْذ التقليد الأجوف والعصبيّة العمياء، أعاذنا الله وإيّاكم منها، وسدّد خطواتنا عن الخطأ والخطيئات إنْ شاء الله، ونسأله تعالى أنْ يوفِّقكم لأمثال هذه الآثار الخالِدة، والأثريّات اللامعة، والمآثر الناصعة،(وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً) ولكم في الختام أسنى تحيّة وسلام من:

محمّد الحسين آل كاشف الغطاء

ملاحظة:

ومن جملة المسائل التي أجدتَ فيها البحث والنظر:

بطلان طلاق الحائض، وقد غربلت حديث ابن عمر بغربال الدقيق، وهذه الفتوى أيضاً مِمّا اتفقتْ عليه الإماميّة، وهي: بطلان طلاق الحائض إلاّ في موارد استثنائيّة معدودة.

هذا هو نص كتاب الأُستاذ شيخ الشريعة، لم أحذف منه شيئاً إلاّ كلمة خاصّة لا علاقة لها بالموضوع، وإنّما هي عن تفضله بإهداء بعض كتبه إلَيّ، وسأُحاول أنْ أُبَيِّن وِجْهَة نظري، وأُناقش أُستاذي فيما رآه واختاره بما يصل إليه جهدي في عددٍ قادم إنْ شاء الله.

أحمد محمّد شاكر القاضي الشرعي

هذا تمام ما نشره فضيلة القاضي في ذلك العدد، ثمّ تعقّبه في عدد (١٥٩) وعدد (١٦٠) بمقالين أسهب فيهما بعض الإسهاب، مِمّا دلّ على طول باع، وسعة اطلاع، واستفراغ وُسْع، في تأييد نظريّته، وتقوية حُجّته، وكتبنا الجواب عنهما، وأعرضنا عن ذكر تلك المساجلات هنا، خوف الإطالة والخروج عن وضع هذه الرسالة التي أخذنا على أنفسنا فيها بالإيجاز، فَمَنْ أراد الوقوف عليها فلْيراجع أعداد مجلّة (الرسالة) الغَرّاء، يجد في مجموعات تلك المراجعات فوائد جَمّة، وقواعد لعلّها في الفقه مهمّة. وإنّ الحقيقة منتهى القصد. (منه تقدس سره).

٢٨٥

الخلع والمباراة:

لا ينبعث الزوجان إلى قطع علاقة الزوجيّة بينهما إلاّ عن:

- كراهة أحدهما للآخر.

- أو كراهة كلّ منهما للآخر. وهذا هو سبب الفرقة غالباً.

١- فإنْ كانت الكراهة من الزوج فقط فالطلاق بيده، يتخلّص به منها إذا أراد.

٢- وإنْ كانت الكراهة منها خاصّة كان لها أنْ تبذل لزوجها من المال ما تفتدي به نفسها، سواء كان بمقدار ما دفع لها أو أكثر، فيطلّقها على ما بذلتْ، وهذا هو الخُلْع، فيقول: فلانة طالِق على ما بذلتْ، فهي مُخْتَلَعَة.

ويشترط فيه جميع شرائط الطلاق، وإضافة كون الكراهة منها، وكونها كراهة شديدة كما يشير إليه قوله تعالى:(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا) (١) .

وتفسيره في أخبار أهل البيت: أنْ تقول لزوجها: لا أبر لك قسماً، ولا أُقيم حدود الله فيك، ولا أغتسل لك من جنابة، ولأُوَطِّئَنَّ فراشك، وأُدْخِلَنَّ بيتك مَنْ تَكْره(٢) .

ومعلوم أنّ المراد بهذا ظهور الكراهة الشديدة، وعدم إمكان الالتئام، لا خصوص تلك الألفاظ.

٣- وإنْ كانت الكراهة منهما معاً فهي المُبَارَاة، ويعتبر فيها أيضاً جميع شرائط الطلاق، ولا يحلّ له أنْ يأخذ أكثر مِمّا أعطاها، فيقول لها: بارَأْتُكِ على كذا فأنْت طالِق.

____________________________

(١) البقرة ٢: ٢٢٩.

(٢)انظر:

تفسير العَيّاشي ج١: ١١٧/٣٦٧. تفسير القمّي ج١ : ٧٥. مجمع البيان في تفسير القران ج١: ٣٢٩.

٢٨٦

والطلاق في الخُلْع والمُبَارَاة بَائن لا رجوع للزوج فيه، نعم لها أنْ تَرْجع في البذل، فيجوز له الرجوع حينئذ ما دامتْ في العِدّة.

الظِهَار والإيلاء واللِعَان:

هي من أسباب تحريم الزوجة أيضاً في الجملة، وبشرائط مخصوصة مذكورة في كتب الفقه، لم نذكرها لندرة وقوعها.

٢٨٧

الفرائض والمواريث:

الإرث: عبارة عن انتقال مال أو حق من مالكه عند موته إلى آخر، لعلاقةٍ بينهما من نَسَب أو سَبَب فالحيُّ القريبُ وارثٌ، والميِّت موروث، والاستحقاق إرث. والنسب: هو تولّد شخص من آخر أو تولّدهما من ثالث.

والوارث: إنْ عيّن الله سبحانه حقّه في كتابه الكريم بأحد الكسور التسعة المعروفة فهو مِمَّن يرث بالفَرض، وإلاّ فيرث بالقرابة.

والفروض المنصوصة بالكتاب الكريم ستّة: نصف، وهو للزوج مع عدم الولد، وللبنت مع عدمه، وللأخت كذلك.

ونصفه: وهو الربع للزوج مع الولد، للزوجة مع عدمه.

ونصفه، وهو الثمن للزوجة مع الولد.

والثلث، وهو للأم مع عدم الولد، وللمتعدّد من كلالتها.

وضعفه، الثلثان للبنتين، فما زاد مع عدم الذكر المساوي وللأُختين كذلك للأب أو الأبوين.

ونصفه، وهو السدس: لكلّ واحد من الأبوين مع الولد، وللأم مع الحاجب وهم الإخوة، وللواحد من كلالتها ذكراً كان أو أُنثى.

وما عدا هؤلاء:فيرثون بالقرابة (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) (١) ، في جميع طبقات الوَرَثَة وهي ثلاث:

١- الأبوان والأبناء وإنْ نزلوا.

٢- ثُمّ الأجداد وإنْ علوا والإخوة وأنْ نزلوا.

٣- ثمّ الأعمام والأخوال وهم أُولو الأرحام، وليس فيهم ذو فرض أصلاً.

ثمّ إنّ أرباب الفروض:

١- إمّا أنْ تساوي فرائضُهم المالَ كأبوين وبنتين

____________________

(١) النساء ٤: ١١.

٢٨٨

(ثلث وثلثين).

٢- أو تزيد كأبوين وبنتين وزوج، فتعول الفريضة، أي زادتْ على التركة بربع أو نقصتْ عنها بربع.

٣- أو تنقص كأُخت وزوجة، ففضل من التركة بعد الفريضة ربع.

فالأُولى: مسألة العَوْل.

والثانية: مسألة التعصيب.

وليس في جميع مسائل الإرث خلاف يعتدّ به بين الإماميّة وجمهور علماء السُنّة، إلاّ في هاتين المسألتين، فقد تواتر عند الشيعة عن أئمّة أهل البيت سلام الله عليهم أنّه:((لاَ عَوْلَ وَلاَ تَعْصِيْب)) (١) .

وهو أيضاً مذهب جماعة من كبراء الصحابة، وقد اشتهر عن ابن عبّاس رضي الله عنه:

أنّ الذي أحصى رَمْل عَالِج لَيَعْلَم أنّ الفريضة لا تَعُوْل(٢).

وإنّ الزائد يُرَدّ لذوي الفروض على نِسْبَة سهامهم، والعصْبة بفيها التراب، فلو اجتمع بنت وأبوان من الأُولى، وأخ وعم من الثانية والثالثة، فللبنت النصف، ولكلٍّ من الأبوين السُدُس، ويفضل السُدُس من المال، يُرَدّ عندنا على البنت والأبوين بنسبة سهامهم، وغيرنا من فقهاء المسلمين يورّثونه الأخَ والعَمَّ، وهم العصْبة.

نعم، لا رَدّ عندنا على زوج أو زوجة، كما لا نقص عليهما، أمّا إذا عالتْ الفريضة وزادتْ على المال - كالمثال المتقدِّم - فالنقص يدخل على البنت أو البنات، والأُخت والأَخوات، دون الزوج والزوجة وغيرهما.

والضابطة:

أنّ كلّ ما أنزله الله من فرض إلى فرض فلا يَدْخُلُهُ النقص، ومَنْ لَم يَكُن لَه إلاّ فَرْض واحد كان عليه النقص، وله الرد. أمّا الأب ففي دخول النقص عليه وعدمه خلاف، أمّا جمهور فقهاء المسلمين فيُدخلون النقص على الجميع.

____________________________

(١)انظر:

علل الشرائع: ٥٦٨/٢. عيون أخبار الإمام الرضا (عليه السلام) ج٢: ١٢٥.

(٢) علل الشرائع: ٥٦٨/٣.

٢٨٩

وللإماميّة على نفي العَول والتعصيبَ أدلّةٌ كثيرة من الكتاب والسُنّة مدوّنة في مواضعها من الكتب المبسوطة.

ومِمَّا انفردوا به من أحكام المواريث:

- الحبوة للولد الأكبر، فإنّهم يخصّونه بثياب أبيه، وملابسه، ومصحفه، وخاتمه، زائداً على حِصَّته من الميراث، على تفاصيل وشروط مذكورة في بابها.

- وانفردوا أيضاً بحرمان الزوجة من العقار، ورقبة الأرض عيناً وقيمةً، ومن الأشجار والأبنية عيناً لا قيمة، فتُعطى الثُمُن أو الربع من قيمة تلك الأعيان. كلّ ذلك لأخبار وردتْ عن أئمّتهم سلام الله عليهم، والأئمّة يَرْوُوْنَهَا عن جدّهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

هذه مهمّات المسائل الخلافيّة في الإرث، وما عدا ذلك فالخلاف على قلّته في بعض المسائل هو كالخلاف بين فقهاء الجمهور أنفسهم، وكاختلاف فقهاء الإماميّة فيما بينهم.

٢٩٠

الوقوف والهِبَات والصَدَقَات:

المال الذي هو ملكٌ لك وتريد أنْ تخرجه عن ملكِيَّتك:

١ - فإمّا أنْ يكون إخراجه ليس عن ملكك فقط بل عن مطلق الملكيّة:

بمعنى أنّك تجعله غير صالح للملكيّة أصلاً، فيكون تحريراً، وذلك كالعبد تعتقه فيكون حُرّاً، وكالدار أو الأرض تفكّها من الملكيّة فتجعلها معبداً أو مشهداً. وهذا القسم لا يصلح أنْ يعود إلى الملكيّة أبداً، مهما عرضتْ العوارض، واختلفتْ الطوارئ.

٢ -وإمّا أنْ يكون إخراجه لا عن مطلق الملكيّة بل عن ملكك إلى ملك غيرك فقط، وحينئذ:

أ - فإمّا أنْ يكون ذلك بعوض مع التراضي في عقد لفظي، أو ما يقوم مقامه:فتلك عقود المعاوضات كالبيع، والبيع الوفائي، والصُلح وأمثالها.

ب - وإمّا أنْ يكون بغير عوض مالي:

-فإنْ كان بقصد الأجر والمثوبة ولوجه الله فهو (الصدقة بالمعنى الأعم).

-فإنْ كان المال مِمّا يبقى مُدّةً معتدّاً بها، وقصد المتصدّق بقاء عينه، فَحَبَسَ العَين وأَطْلَقَ المنفعة، فهذا هو (الوقف).

-وإن كان المال مِمّا لا يبقى، أو لم يشترط المتصدّق بقاءه فهو (الصدقة بالمعنى الأخص).

-وإنْ كان التمليك لا بقصد الأجر والمثوبة، بل تمليك مجّاني محض، فهو (الهِبَة).

-فإنْ اشترط فيها مقابلتها بهبة فهي (الهِبَة المعوّضة)كما لو قال: وهبتُك الثوب بشرط أنْ تهبني الكتاب، فقال: قبلتُ. وهي لازمة، لا يجوز لأحدهما الرجوع بهبته إلاّ إذا تراضيا على التفاسخ والتقايل.

-وإلاّ فهي (الهِبَة الجائزة).

٢٩١

ولا يصح شيء من أنواع الهبات إلاّ بالقبض، ويجوز الرجوع في الهبات الجائزة حتّى بعد القبض، إلاّ إذا كانت لذي رحم، وزوج أو زوجة، أو بعد التلف.

أمّا الصدقات، فلا يجوز الرجوع في شيء منها بعد القبض، ولا تصح أيضاً إلاّ بالقبض.

وإذا أجرى الواقف صيغة الوقف، وهي قوله:

وقفتُ هذه الدار - مثلاً - قربةً إلى الله تعالى، ثمّ أقبضه المتولِّي أو الموقوف عليهم، أو قبضه هو بِنِيَّة الوقف، إذا كان قد جعل التولية لنفسه فحينئذ لا يجوز الرجوع فيه أصلاً، ولا بيعه، ولا قسمته، سواء كان وقف ذرِّيّة وهو(الوقف الخاص) أو وقف جهة وهو(الوقف العام) كالوقف على الفقراء، والغرباء، والمدارس، وأمثالها.

نعم، قد يصح البيع في موارد استثنائيّة تُلْجَئ إليها الضرورة المُحرِجَة، يجمعها:

- خراب الوقف خراباً لا يُنتفع به منفعةً معتدّاً بها.

- أو خوف أنْ يبلغ خرابه إلى تلك المرتبة.

- أو وقوع الخلاف بين أربابه بحيث يخشى أنْ يؤدِّي إلى تلف الأموال أو النفوس أو هتك الأعراض.

ومع ذلك كلّه لا يجوز بيع الوقف بحال من الأحوال، ولا قسمته إلاّ بعد عرض المورد الشخصي على الحاكم الشرعي، وإحاطته بالموضوع من جميع جهاته، وصدور حكمه بالبيع أو القسمة لحصول المسوّغ الشرعي، وبدون ذلك لا يجوز.

وقد تساهل الناس في أمر الوقف، وتوسّعوا في بيعه وإخراجه عن الوقفيّة توسّعاً أخرجهم عن الموازين الشرعيّة، والقوانين المرعيّة، والله من وراء القصد، وهو اللطيف الخبير.

هذا كلّه على طريقة المشهور، ولنا تحقيق ونظر آخر في الوقف لا مجال له هنا.

٢٩٢

القَضَاء والحُكْم:

لولاية القضاء ونفوذ الحكم في فصل الحكومات بين الناس منزلةً رفيعةً، ومقام منيع، وهي عند الإماميّة شجن من دوحة النبوّة والإمامة، ومرتبة من الرئاسة العامّة، وخلافة الله في الأرضين:(يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) (١). (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (٢) .

كيف لا، والقُضَاة والحُكّام أُمناء الله على النواميس الثلاثة:

١- النفوس.

٢- والأعراض.

٣- والأموال.

ولذا كان خطره عظيماً، وعثرته لا تُقَال، وفي الأحاديث من تهويل أمره ما تخف عنده الجبال، مثل قوله عليه السلام:((القَاضِي على شَفِيْرِ جَهَنَّم، وَلِسَانُ القَاضِي بَيْنَ جَمْرَتَيْنِ مِنْ نَار)) (٣) . ((يا شريح قَد جَلَسْتَ مَجْلِسَاً لا يَجْلِسُهُ إلاّ نَبِي، أَو وَصِي نَبِي، أَو شَقِي)) (٤) .

وفي الحديث النبوي:((مَنْ جُعِلَ قَاضِيَاً فَقَد ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّيْن)) (٥) .

إلى كثير من نظائرها.

والحكم الذي يستخرجه الفقيه ويستنبطه من الأدلّة:

- إنْ كان على

____________________

(١) سورة ص ٣٨: ٢٦.

(٢) النساء ٤: ٦٥.

(٣) التهذيب ج٦: ٢٩٢/٨٠٨.

(٤) الكافي ج٧: ٤٥٦/٢. الفقيه ج٣: ٣٢٢٣١٥. المقنع: ١٣٢.

(٥) المقنعة: ٧٢١. سنن أبي داود ج٣: ٢٩٨/٣٥٧١. سنن الترمذي ج٣: ٦١٤/١٣٢٥. سنن ابن ماجة ج٢: ٨٤/٢٣٠٨. مسند أحمد ج٢: ٢٣٠.

٢٩٣

موضوع كلّي فهو(الفتوى) مثل: إنّ مال الغير لا يجوز التصرّف فيه إلاّ بإذن مالكه، وإنّ وطء الزوجة حلال ووطء الأجنبية حرام...

- وإنْ كان على موضوع جزئي فهو(القضاء والحكومة) مثل: إنّ هذه زوجة، وتلك أجنبيّة، وهذا مالُ زيدٍ.

وكلّ منهما من وظائف المجتهد العادل، الحائز [على] منصب النيابة العامّة عن الإمام، سوى أنّ القضاء -الذي هو في الحقيقة عبارة عن تشخيص الموضوعات مع المرافعة والخصومة أو بدونها، كالحكم بالهلال، والوقف، والنَسَب، ونحوها - يحتاج إلى لطف قريحة، وقوّة حَدَس، وعبقريّة ذكاء، وحِدَّة ذهن، أكثر مِمّا تحتاجه الفتوى واستنباط الأحكام الكليّة بكثير، ولو تصدّى له غير الحائز لتلك الصفات كان ضرره أكبر من نفعه، وخطأه أكثر من صوابه.

أمّا تصدّي غير المجتهد العادِل - الذي له أهليّة الفتوى - فهو عندنا معشر الإماميّة من أعظم المحرّمات، وأفظع الكبائر، بل هو على حدّ الكفر بالله العظيم، بل رأينا أعاظم علماء الإماميّة من أساتيذنا الأعلام يتورّعون من الحكم، ويفصلون الحكومات غالباً بالصُلح، ونحن لا نزال غالباً على هذه الوتيرة اقتداءً بسلفنا الصالِح.

ثمّ إنّ أُمّهات أسباب الحكم والخصومات والحقوق ثلاثة:

١- الإقرار.

٢- البَيِّنَة.

٣- اليمين.

والبيِّنة هي الشاهدان العادلان، وإذا تعارضتْ البَيِّنَتَان - أو البيِّنات - فخلاف عظيم في تقديم بيِّنة الداخل والخارج، أو الرجوع إلى المرجِّحات.

وقد أفرد الكثير من فقهائنا للقضاء مؤلّفات مستقلّة في غاية البسط والإحاطة، سوى ما دوّنوه في الكتب المشتمِلة على تمام أبواب الفقه، ولا يسعنا بأنْ نأتي بأقلِّ قليل منه، فضلاً عن الكثير، وقد ذكرنا جملةً صالحة من

٢٩٤

هذه المباحث في الجزء الرابع من (تحرير المجلّة) فليَرجع إليه مَنْ شاء.

وإذا حكم الحاكم الجامع للشرائط المتقدّمة فالراد عليه، والمتخلّف عن اتّباع حكمه رادٌّ على الله تعالى، ولا يجوز لغيره بعد حكمه أنْ ينظر في تلك الدعوى. نعم له أنْ يُعيد النظر فيها بنفسه، فإذا تبيَّن له الخلل نُقِضَ حكمه بالضرورة.

٢٩٥

الصَيْد والْذِبَاحَة:

الأصل في الحيوان مطلقاً عند الإماميّة حرمة أكله ونجاسته بالموت إذا كانت له عروق يَشْخَب دَمُهَا عند القطع، وهو المُعَبَّر عنه عند الفقهاء بذي النفس السائلة.

ثُمّ إنّ الحيوان قسمان:

١- نجس العين ذاتاً: وهو ما لا يمكن أنْ يطهر أبداً، كالكلب والخنزير.

٢- وطاهر العين: وهو ما عدا ذلك.

والأوّل:لا تفارقه النجاسة، وحرمة الأكل حيّاً وميِّتاً، مُذَكَّى أو غير مُذَكَّى.

والثاني:إذا مات بغير الذكاة الشرعيّة فهو: نجس العين، حرام الأكل مطلقاً:

- طيراً كان أو غيره.

- وحشياً أو أهلياً.

- ذا نفس أو غير ذي نفس.

أمّا إذا مات بالتذكية فهو طاهر العين مطلقاً كما كان في حياته.

ثمّ إنْ كان من السِبَاع أو الوحوش فهو حرام الأكل، وإنْ كان طاهراً، وإلاّ فهو حلال الأكل أيضاً.

وتذكية ذي النفس تحصل شرعاً بأمرين:

الأوّل:

الصيد، ولا يحلّ منه إلاّ ما كان بأحد أمرين:

- الكلب المُعَلَّم الذي يَنْزَجِر إذا زُجِر، ويَأْتَمِر إذا أُمِر، ولا يعتاد أكل صَيْدِه، ويكون الرامي مسلِماً ويُسَمِّي عند إرساله، ولا يغيب عن عين مُرْسِلِهِ.

- أو السهم، ويدخل فيه: السيف، والرمح، والمعراض إذا خَرَق، وكلّ نَصْلٍ من حديد، بل حتّى البندقيّة إذا خَرَقَتْ، من حديد كانت أو غيره.

ويلزم أنْ يكون الرامي مسلِماً، وأنْ يُسَمِّي. فلو قتل الكلبُ أو السهمُ صيداً ومات حلَّ أَكْلُهُ، ولو أدركه حَيَّاً ذَكَّاه، ولا يحلّ بباقي آلات الصيد كالفهود والحبالة وغيرهما، نعم لو أدركه حَيَّاً ذَكَّاه.

الثاني من أسباب التذكِيَة:

الذباحة الشرعيّة، ويُشترط عندنا في

٢٩٦

الذابح:

- الإسلام أو ما بحكمه، كولده أو لَقِيْطِهِ.

- وأنْ يكون الذبح بالحديد مع القدرة، ومع الضرورة بكلّ ما يفري الأوداج.

- وأنْ يُسَمِّي ويَسْتَقْبِل.

- وأنْ يفري الأوداج الأربعة: المريء، والودجين، والحلقوم. ويكفي في الإبل نحرها عوض الذبح، ولو تَعذَّر ذبح الحيوان ونحره - كالمتردّي والمستعصي - يجوز أخذه بالسيف ونحوه مِمّا يقتل، فإنْ مات حلّ وإلاّ ذَكَّاه.

أمّا ما لا نفس له فلا يحلّ شيء منه، إذ حيوان البحر لا يحلّ إلاّ ما كان له فَلْس كالسمك.

٢٩٧

ظريفة:

قال محمّد بن النعمان الأَحول مؤمن الطاق: دخلتُ على أبي حنيفة فوجدتُ لديه كُتُبَاً كثيرة حالتْ بيني وبينه، فقال لي: أترى هذه الكتب؟

قلتُ: نعم.

قال: كلّ هذه الكتب في أحكام الطلاق.

فقلتُ له: قد أغنانا الله سبحانه عن جميع كتبك هذه بآية واحدة في كتابه:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ)(١) .

فقال لي: هل سألتَ صاحبك جعفر بن محمّد عن بقرةٍ خرجتْ من البحر، هل يحلّ أكلها؟

فقلتُ: نعم.

قال لي: كلّ ما له فَلْس فَكُلْهُ جَمَلاً كان أو بقرة، وكلّ ما لا فَلْسَ له لا يحلّ أَكْلُه، وذَكَاةُ السمك عندنا مَوْتُهُ خارج الماء (٢)

____________________

(١) الطلاق ٦٥: ١.

(٢) الاختصاص: ٢٠٦. رجال الكشّي ج٢: ٦٨١/٧٨١. وفيهما عن حريز بدلاً من مؤمن الطاق.

٢٩٨

الأطعمة والأشربة والمُحَلَّل والمُحَرَّم منهما:

أنواع الحيوان ثلاثة:

١- حيوان الأرض.

٢- حيوان الماء.

٣- حيوان الهواء.

وقد عرفتَ أنّه لا يحلّ من حيوان البَحر إلاّ:

السمك، وبَيْضُهُ تابع له.

ولا يحلّ من حيوان الأرض إلاّ:

الغنم الأهليّة، وبقر الوحش، وكبش الجبل، والحمير، والغزلان، واليحامير.

ويحلّ الخيل، والبغال، والحمير على كراهة.

ويحرم:

-الجلاّل منها: وهو ما يتغذّى بالعذرة، ويطهر بالاستبراء.

-ويحرم كلُّ ذي ناب، كالسباع، والذئاب.

-وتحرم الأرانب، والثعالب، والضَب، واليَرْبُوع، وأمثالها من الوحوش.

-وتحرم الحشرات مطلقاً، كالخنافس، والديدان، والحيّات، ونحوها.

-أمّا حيوان الهواء - وهي الطيور - فيحرم منها سباع الطير، كالصقر والبازي ونحوهما مطلقاً.

أمّا ما عداها فقد جعل الشارع لِمَا يحلّ أكله منها ثلاث علامات في ثلاث حالات:

١- فإنْ كان طائراً في الجوّ: فما كان رفيفه أكثر من صفيفه فهو حلال، وإلاّ فلا.

٢- وإنْ كان على الأرض: فإنْ كان له صِيْصِيَة - وهي ما يكون كالإصبع الزائد - فهو حلال، وإلاّ فلا.

٣- وإنْ كان مذبوحاً: فإنْ كانت له حوصلة أو قانصة فهو حلال، وإلاّ فلا.

فالخفاش والطاووس والزنابير والنحل ونحوها كلّها محرّمة.

أمّا الغُرَاب فما يأكلُ الجِيَف محرّم، وما يأكل النبات حلال.

أمّا المحرّم من المشروب والمأكول غير الحيوان فيمكن ضبطه ضمن قواعد كلِّيَّة:

٢٩٩

١ - كلّ مغصوبٍ حرامٌ.

٢ - كلّ نجسٍ حرامٌ.

٣ - كلّ مضرٍّ حرامٌ.

٤ - كلّ خبيثٍ حرامٌ.

وأعظم المحرّمات من المائعات:

- البول.

- وأعظم منه الخمر وأخواتها من النبيذ، والفقاع، والعصير إذا غلا، ولم يذهب ثلثاه.

ولحرمة الخمر ونجاستها عند الإماميّة من الغلظه والشِدّة ما ليس عند فرقة من المسلمين، فقد ورد في التحذير منها عن أئمّتهم سلام الله عليهم أحاديث هائلة، وزواجر دامغة، تشيب لها النواصي، ويرتجف منها أجرأ الناس على المعاصي، وتكرّرتْ منهم لعنة الله على عاصرها، وجابيها، وبائعها، وشاربها، وتُعْرَف في شرعنا بأمّ الخبائث(١).

وفي بعض أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ما يظهر منه حرمة الجلوس على مائدة وضع فيها قدح خمر(٢) ؛ ولعلّ السر شِدَّة الحذر والتحرّز منْ أنْ يتطاير بخار منها يمس الطعام فيفسده، أو يدخل في جوف الآكل ذرّة من جراثيمها الخبيثة وموادّها الهالكة ولو بعد حين.

وقد اهتدى العلم الحديث بعد الجد والجهد في تحليلها الكيماوي، وتمحيصها الطبّي، إلى مضارّها التي أنبأ عنها الإسلام قبل ثلاثة عشر قرناً بدون كلفة ولا عناء، فحرّموا على أنفسهم ما يُحرّمه دينُهم، وتمنعه شريعتُهم، فللّه شريعة الإسلام ما أشرفها، وأنبلها، وأدقّها، وأجلّها، وأفضلها، وأكملها، وخسرتْ صفقةُ المسلمين الذين أضاعوها فضاعوا، واستهانوا بها فهانوا، وعسى أنْ يُحْدِثُ

____________________________

(١)راجع:

كتاب الوسائل ج٢٥: ٢٩٦ (باب تحريم شرب الخمر والأبواب التي بعده) فقد أورد الحرّ العاملي رحمه الله تعالى فيها جملةً واسعة من الروايات الخاصّة بهذا الباب.

(٢)انظر:

الكافي ج٦: ٢٢٩/٢. الفقيه ج٤: ٤١/١٣٢. التهذيب ج٩: ١١٦/٥٠١.

٣٠٠

اللهُ بعد ذلك أمراً.

هذا مُجمل القول في أُمّهات الحلال والحرام من المأكول والمشروب، وهناك بنات فروع كثيرة لا يتّسع لشرحها صدر هذه الرسالة الوجيزة.

٣٠١

٣٠٢

الحدود:

عقوبات عاجلة على جنايات خاصّة، الغرض منها حفظ نظام الاجتماع، وقطع دابر الشرّ عن البشر.

حَدّ الزِنَا:

كلّ بالغ عاقل وَطَأَ امرأةً لا يحلّ له وَطْؤها شرعاً، عالِمَاً عامِدَاً وجب على وليّ الأمر أنْ يحدَّه بمائة جَلْدة،

- ثمّ بالرَجْم بالحجارة إنْ كان مُحصَناً، أي عنده من الحلال ما يسدّ حاجته.

- وإنْ لم يكن مُحصَناً فبالجلد وَحْده، ويُحْلَق رأسُه، وينفى عن البلد سَنَة.

- ثمّ إنْ كانت هي راضية حُدّتْ أيضاً بهما إنْ كانتْ محصنة، وإلاّ فبالجلد وحده.

- وإذا زنى بإحدى محارمه النسبيّة أو الرضاعيّة، أو بامرأة أَبِيْهِ، أو بمسلمةٍ وهو ذِمِّي، أو أَكْرَهَ امرأةً على الزنا كان حَدّه القتل.

ويثبت الزنا:

- بإقراره أربع مرّات.

- أو بأربعة شهود عدول.

- أو ثلاثة رجال وامرأتين.

ولو شهد رجلان وأربع نسوة ثبت الجلد دون الرجم، ولا يثبت بأقل من ذلك، ولو شهد ثلاثة أو اثنان حد واحد القذف، ويشترط اتفاق شهادتهم من كلّ وجه، والمشاهدة عِيَانَاً.

ولو أَقَرَّ بموجب الرجم ثمّ أنكر سقط، ولو أقرّ ثمّ تاب تخيّر الإمام، ولو تاب بعد البيِّنة لم يسقط، ولو زنى ثالثاً بعد الحَدَّين قُتِلَ.

ولا تُجْلَد الحامل حتّى تضع، ولا المريض حتّى يبرأ.

٣٠٣

حَدّ اللِوَاط والسُحْق:

لا شيء من المعاصي والكبائر أفظع حَدّاً وأشدّ عقوبةً من هذه الفاحشة والفِعْلَة الخبيثة، حتّى أنّ التعذيب بالإحراق بالنار لا يجوز بحال من الأحوال إلاّ في هذا المقام.

وحدّ اللائط أحد أُمور يتخيّر وليّ الأمر فيها:

- القتل.

- أو الرجم.

- أو إلقاؤه من شاهِق تتكسّر عظامه.

- أو إحراقه بالنار.

ويُقتل المفعول به أيضاً إنْ كان بالغاً مختاراً، وإنْ كان صغيراً عُزِّرَ.

ويثبت اللواط بما ثبت به الزنا، وكذا السحق، وتُجلد كلٌّ مِن الفاعِلَة والمَفْعولة مائة جلدة، ولا يبعد الرجم مع الإحصان.

ويُجلد (القوّاد)خمسة وسبعين جلدة، ويحلق رأسه، ويُشهر، ويُنفى. ويثبت بشاهدين وبالإقرار مرّتين.

حَدّ القَذْف:

يجب أنْ يُحَدّ المُكلّف إذا قذف المسلم البالغ العاقل الحر بما فيه حُدّ - كالزنا واللواط أو شرب الخمر - بثمانين جلدة.

ويسقط ذلك:

- بالبيِّنة المُصَدَّقة.

- أو يُصَدِّقُهُ المقذوف.

ويثبت:

- بشهادة العدلين.

- أو الإقرار مرّتين.

ولو واجهه بما يكره: كالفاسق، والفاجر، والأجذم، والأبرص، وليس فيه، كان حكمه التعزير.

ومَنْ ادَّعى النبوّة، أو سَبَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله) أو أحد الأئمّة

٣٠٤

سلام الله عليهم، فحكمه القتل.

حَدّ المُسْكِر:

مَنْ شرب خمراً أو فقاعاً أو عصيراً قبل ذهاب ثلثيه، أو أي نوع من المسكرات - من أنواعه الحديثة أو القديمة - عالِمَاً عامِدَاً بالِغَاً، وجب أنْ يُحَد ثمانين جلدةً عارياً على ظَهْرِهِ وكَتِفِهِ، ولو تكرّر الحدُّ ولم يَرْتدع قتل في الرابعة. ولو شربها مستحِلاًّ فهو مرتدٌّ يجب قتله.

وبائع الخمر يُسْتَتَاب، فإنْ تاب وإلاّ قُتِلَ.

حَدّ السَرِقَة:

إذا سرق الرجل البالغ العاقل من الحِرْز - وهو المصون بقفل وصندوق أو نحو ذلك - ما قيمته ربع مثقال من الذهب الخالِص، وجب - بعد المرافعة عند الحاكم، والثبوت بالإقرار مرّتين، أو البيِّنة - أنْ:

- تُقطع أصابعه الأربع من يده اليُمنى.

- فإنْ عاد بعد الحدِّ قُطعتْ رجله اليُسرى من وسط القدم.

- فإنْ عاد ثالثاً خلد في السجن.

- فإنْ سرق فيه قُتل.

ولو تكرّرتْ السرقة قبل الحدّ كفى حَدٌّ واحِد.

والطفل والمجنون يُعَزَّران.

والسارق يَغْرَم ما سرق مطلقاً.

ويُكْتَفَى في الغرامة:

- الإقرار مرّة.

- وشهادة العدل الواحد مع اليمين.

والوالد لا يُقطع بسرقةِ مالِ ولده، والولد يُقطع.

٣٠٥

حَدّ المُحَارِب:

كلّ مَن شَهَرَ سلاحاً في بلدٍ أو بَرٍّ أو بحر للإخافة والسَلْب والنَهْب، وجب على وليّ الأمر حَدّه مخيَّراً بين:

- قتله، وصلبه، وقطعه من خلاف، بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى.

- أو نَفْيه من الأرض وِفق الآية الشريفة:(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ........) (١)إلى آخرها.

وإذا نفي إلى بلد كُتب بالمنع من مواكلته ومعاملته ومجالسته إلى أنْ يتوب.

واللص الذي يهجم على الدار مُحارِبٌ، فإنْ قُتِلَ فَدَمُهُ هَدَر.

ومن كابر امرأة على عِرْضِها، أو غلاماً، فلهما دفعه، فإنْ قتلاه فَدَمُهُ هَدَر.

ويُعَزَّر المُختلِس، والمُحتال، وشاهد الزور بما يراه الحاكم من العقوبة التي يرتدع بها هو وغيره.

حُدُوْدٌ مُخْتَلِفَةٌ:

مَن وطأ بهيمةً وجب تعزيره: فإنْ كان بالِغاً وتكرّر منه ذلك قُتل في الرابعة.

ثمّ إنْ كانت مأكولة اللحم حَرُمَ لحمها ولَحْم نسلها بعد الوطء، وتُذبح، وتُحرق، ويَغرم قيمتها لصاحبها، ولو اشْتُبِهَتْ أُخرجتْ بالقرعة.

ولو كانت غير مُعَدّة للأكل كالخيل ونحوها بِيْعتْ في بلدٍ آخر ويُتَصَدّق بثمنها،

____________________

(١) المائدة ٥: ٣٣.

٣٠٦

ويغرم لصاحبها قيمتها إنْ لم تكنْ له.

ويثبت:

- بشهادة العدلين.

- أو الإقرار مرّتين.

ومَنْ زَنَى بميتة كَمَنْ زنى بحيَّة، وتُغَلَّظ العقوبة هنا، ولو كانت زوجته أو مملوكته عُزِّرَ.

ويثبت:

بأربعة كالزنا بالحي، وكذا اللواط.

ومَنْ استمنى بيده عُزِّرَ.

وللإنسان أنْ يدفع عن نفسه وحريمه وماله ما استطاع بالأسهل، فإنْ لم يندفع فبالأصعب متدرِّجاً.

ومَنْ اطّلع على دار قوم فزجروه فلم ينزجر فرموه بحجارة أو نحوها فقضتْ عليه، فَدَمُهُ هَدَر.

٣٠٧

٣٠٨

القِصَاص والدِيَّات:

قَتْل النفس المُحَرَّمة من أعظم الكبائر، وهو الفساد الكبير في الأرض، ومَن قتل مؤمناً متعمِّداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها، وكذا الجناية على طرف.

ثُمّ إنّ الجِنَايَة مطلقاً على نَفْس أو طَرَف إمّا:

١- عمد.

٢- أو شبيه العمد.

٣- أو خطأ محض.

والعمد واضح.

وشبيه العَمْد:

أنْ يكون عامداً في القتل مخطِئَاً في قصده، كمَنْ قصد الفعل ولم يقصد القتل فقتل اتّفاقاً، فلو ضربه بما لا يَقْتُل غالباً للتأديب فمات، أو سقاه دواء فقضى عليه فهو من شبيه العمد.

وأمّا الخطأ المحض فهو:

ما لم يقصد فيه القتل ولا الفعل، كمَنْ رمى طائراً فأصاب إنساناً، أو رفع بندقيَّته فثارتْ وقتلتْ رجلاً، ومِن أوضح أنواعه فِعْل النائم، أو الساهي الذي لا قصد له أصلاً، وفعل المجنون، والصبي غير المميِّز، بل والمميِّز؛ لأنّ عَمْد الصبي خطأٌ شرعاً.

ولو قصد رجلاً فأصاب آخر وكلاهما محقون الدم فهو عَمْد محض، أمّا لو كان القصد إلى غير المحقون فأصاب المحقون فهو من شبه العمد.

ولا فرق في جميع ذلك بين المباشرة والتسبيب، إذا أَثَّر في انتساب الفعل إليه، كما لا فرق في الإنفراد والاشتراك.

ولا قصاص إلاّ في العمد المحض، أمّا الخطأ وشبيه العمد ففيه الدِيَة.

ويُشترط في القِصَاص:

- بلوغ الجاني.

-وعقله: فلا يُقاد الصبي وإنْ بلغ عشراً، لا بصبي، ولا ببالغ، ولا مجنون وإنْ كان أدوارياً إذا جنى حال جنونه، لا بعاقل ولا بمجنون، فإنّ عمدهما خطأٌ فيه الدِيَة على العاقلة.

أمّا المُجْنَى عليه:

- فالأقوى اشتراط، البلوغ والعقل فيه أيضاً، فلو قتل البالغ صبيّاً فالدِيَة، وقيل: يُقاد به، وكذا المجنون.

٣٠٩

- ويُشترط اختياره إنْ كان في طرف، أمّا في النفس فلا أثر للإكراه؛ إذ لا تقيّة في الدماء، فلو أُكره على القتل قَتَل، ويُحبس المُكْرَه حتّى يموت.

- وأنْ يكون المُجْنَى عليه معصوم النفس، فلو كان مِمَّن أباح الشارع دَمَهُ فلا قصاص.

- وأنْ لا يكون الجاني أباً أو جدّاً وإنْ علا، فإنّه لا يُقاد الأبُ أو الجدُّ بالولد، بل عليهما الدِيَة لباقي الورثة.

ولا يُقاد المسلم إلاّ بالمسلم، كما لا يُقاد الحرّ إلاّ بالحرّ، ويُقاد الحرّ بالحرّة ويُردّ وليُّها على أهله نصف دِيَتِه؛ لأنّ ديته ضعف ديتها، وتُقاد الحرّة بالحرّ، ولا يدفع أهلها شيئاً؛ لأن الجاني لا يجني بأكثر من نفسه.

ودية الحرّ المسلم:

- مائة من الإبل.

- أو مائتان من البقر.

- أو ألف شاة.

- أو مائتا حُلّة، كلّ حلّة ثوبان.

- أو ألف دينار (خمسمائة ليرة عثمانية).

فإذا أرضى أولياء الدم بها سقط القصاص، ووجب دفعها إليهم في مدّة سَنَة.

وفي شبه العمد تتعيّن الدية، وتستوفى مدّة سنتين، وكذلك في الخطأ، ولكن في ثلاث سنوات، كل سَنَة ثُلث.

وجناية الطرف - كقطع يده أو رجله، أو فَقْأ عَيْنه وما أشبه ذلك - إنْ كانت عمداً فالقصاص:(وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) (١).

وإن كانت خطأ أو شبهة فلكلّ واحد من الأعضاء أمّا الدية أو نصفها أو أقل من النصف.

وكل مفرد في الإنسان كالأنف والذكر ففيه تمام الدية، وكل مَثْنَى كالعينين واليدين والرجلين ففي واحد النصف وفي كليهما تمام الدية.

والدية في شبه العمد على الجافي، وفي الخطأ على العاقلة، والتفاصيل موكولة إلى الموسوعات، كما أنّنا لم نذكر كثيراً من كتب الفقه وأبوابه كالبيوع

____________________________

(١) المائدة ٥: ٤٥.

٣١٠

مثل: السلف، والصرف، وبيع الثمار، وبيع الحيوان، ومثل: الإجارة، والرهن، والعارية، والوديعة، والمزارعة، والمساقاة، والمسابقة والضمان، والحوالة، والكفالة، والإقرار، والكفّارات، وكثير من أمثالها.

ولم يكن الغرض هنا إلاّ الإشارة واللمحة، والنموذج والنفحة، وما ذكرناه في هذه الوجيزة هو رؤوس عناوين من عقائد الإماميّة وفقهائها، وهو أصغر صورة مصغّرة تحكي عن معتقداتها ومناهجها، في فروعها وأُصولها، وقواعدها وأدلّتها، وثقافة عقولها ومداركها، وسعة علومها ومعارفها.

فياعلماء الدين، ويارجال المسلمين، هل رأيتم فيما ذكرناه عن هذه الطائفة ما يوجب هدم الإسلام، أو ما هو مأخوذ من اليهوديّة والنصرانيّة، أو المجوسيّة والزرادشتيّة؟!

وهل في شيء من تلك المباحث ما فيه شذوذ عن أصل قواعد الإسلام، وخروج عن منطقة الكتاب والسنة؟! ليحكم المُنصِفون منكم والعارفون، وليرتدع عن إفكهم الجاهلون.

وعسى أنْ يجمع الله الشمل، ويلمّ الشعث، وتزول الوحشة، ويتّحد الإخوان تحت راية القرآن، ويعيدوا مجدهم الغابِر، وعِزّهم الداثر، وأنّهم لنْ ينالوا ذلك، ولنْ يبلغوا العزّ والحياة، حتّى يُمِيْتُوا بينهم النزعات المذهبيّة، والنزعات الطائفيّة.

ولا زِلْتُ أقول:

يلزم أنْ تكون المذاهب عندنا محترمة، ونحن فوق المذاهب، نعم، وفوق ذلك كلّه ما هو البذرة والنواة لحياة الأمم؟ هو أنْ يخلص كلٌّ لأخيه المودّة، ويبادله المحبّة، ويشاركه في المنفعة، فينفعه وينتفع به، ولا يستبد ويستأْثِر عليه، فيحبُّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه، جِدّاً وحقيقة، لا مخادعةً ومخاتلةً.

وتحقق هذه السجايا بحقائقها وإنْ أوشك أنْ يُعَدُّ ضَرْبَاً من الخيال،

٣١١

ونوعا من المحال، ولكن ليس هو على الله بعزيز، ولا يأس من رَوْح الله، وأنْ يبعث في هذه الأمّة اليائسة من لدنه روحاً جديدة، فتَحيا بعد الموت، وتُبصر بعد العَمَى، وتَصْحُو بعد السُكْر إنْ شاء الله تعالى.

٣١٢

الخَاتِمَة:

مِمَّا يُشنِّع به الناسُ على الشيعة ويُزدَرَى به عليهم أيضاً أمران:

الأوّل:

قولهم بـ (البداء) تخيّلاً من المشنِّعين أنّ البداء الذي تقول به الشيعة هو عبارة عن أنْ يظهر ويبدو لله عزّ شأنه أمراً لم يكنْ عالِماً به (١) !!

وهل هذا إلاّ الجهل الشنيع، والكفر الفظيع؛ لاستلزمه الجهل على الله تعالى، وأنّه محلّ للحوادث والتغيرات، فيخرج من حظيرة الوجوب إلى مكانة الإمكان، وحاشا الإماميّة - بل وسائر فِرَق الإسلام - من هذه المقالة التي هي عين الجهالة بل الضلالة، اللهمّ إلاّ ما يُنسب إلى بعض المُجَسِّمة من المقالات التي هي أشبه بالخرافات منها بالديانات، حتّى قال بعضهم فيما يُنسب إليه: اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عمّا شِئْتُم.

أمّا البداء الذي تقول به الشيعة - والذي هو من أسرار آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) وغامض علومهم، حتّى ورد في أخبارهم الشريفة أنّه: ما عُبِدَ الله بشيء مثل القول بالبداء، وأنّه: ما عُرِفَ الله حقّ معرفته ولم يعرفه بالبداء(٢) . إلى كثير من أمثال ذلك - فهو عبارة عن:

إظهار الله جلّ شأنه أمراً يُرسَم في ألواح المحو والإثبات، وربّما يطّلع عليه بعض الملائكة المقرّبين، أو أحد الأنبياء والمرسلين، فيخبر الملك به النبيّ والنبيّ يُخبر به أُمّته (ثمّ)(٣) يقع بعد ذلك خلافه؛ لأنّه جلّ شأنه محاه وأوجد في الخارج

____________________

(١) راجع ما كتبناه في مقدِّمتنا التحقيقيّة حول تحريف أحد الكُتَّاب لهذه العبارة بصلافة عجيبة.

(٢) انظر: كتاب الكافي ج١: ١١٣ (باب البداء).

(٣) في نسخنا: لم، ومعها لا يستقيم السياق، فأثبتنا ما رأيناه صواباً.

٣١٣

غيره.

وكلّ ذلك كان جَلَّتْ عظمته يعلمه حقّ العلم، ولكن في علمه المخزون المصون الذي لم يطّلع عليه لا مَلَكٌ مقرّب، ولا نبيٌّ مُرْسَل، ولا وليٌّ مُمْتَحَن، وهذا المقام من العِلم هو المعبَّر عنه في القرآن الكريم بـ (أُمّ الكتاب) المُشَار إليه وإلى المقام الأوّل بقوله تعالى:(يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (١) .

ولا يتوهّم الضيف أنّ هذا الإخفاء والإبداء يكون من قبيل الإغراء بالجهل وبيان خلاف الواقع، فإنّ في ذلك حِكَمَاً ومصالح تقصر عنها العقول، وتقف عندها الألباب.

وبالجملة:

فالبداء في عالم التكوين كالنسخ في عالم التشريع، فكما أنّ لنسخ الحكم وتبديله بحكم آخر مصالحَ وأسراراً بعضها غامض وبعضها ظاهر، فكذلك في الإخفاء والإبداء في عالم التكوين، على أنّ قسماً مِن البداء يكون من اطّلاع النفوس المتّصلة بالملأ الأعلى على الشيء وعدم اطّلاعها على شَرْطه أو مانعه، (مثلاً) اطّلع عيسى (عليه السلام) أنّ العروس يموت ليلة زفافه ولكنْ لم يطّلع على أنّ ذلك مشروط بعدم صدقة أهله.

فاتّفق أنّ أُمّه تصدّقتْ عنه، وكان عيسى (عليه السلام) أخبر بموته ليلة عرسه فلم يمت، وسُئل عن ذلك فقال:

لعلّكم تصدّقتم عنه، والصدقة قد تدفع البلاء المُبْرَم(٢) . وهكذا نظائرها.

وقد تكون الفائدةُ الامتحانَ وتوطين النفس، كما في قضيّة أَمْر إبراهيم بذبح إسماعيل.

____________________________

(١) الرعد ١٣: ٣٩.

(٢) روى نحوها الشيخ الصدوق في أماليه: ٤٠٤/١٣، فراجع.

٣١٤

ولولا البداء لم يكن وجه للصدقة، ولا للدعاء، ولا للشفاعة، ولا لبكاء الأنبياء والأولياء وشِدّة خوفهم وحذرهم من الله، مع أنّهم لم يخالفوه طرفة عين، إنّما خوفهم من ذلك العِلم المصون المخزون الذي لم يطّلع عليه أحد، ومنه يكون البداء.

وقد بسطنا بعض الكلام في البداء وأَضْرَابه، من القضاء والقدر، ولوح المَحْو والإثبات، في الجزء الأوّل من كتابنا:

(الدين والإسلام) فراجع إذا شِئْتَ.

الثَانِي:

من الأمور التي يُشَنِّع بها بعضُ الناس على الشيعة ويُزدرى عليهم بها قولهم(بالتقيّة) جهلاً منهم أيضاً:

- بمعناها.

- وبموقعها.

- وحقيقة مَغْزاها.

ولو تثبّتوا في الأمر، وتريَّثوا في الحكم، وصبروا وتبّصروا لعرفوا أنّ التقيّة التي تقول بها الشيعة لا تختصُّ بهم، ولم ينفردوا بها، بل هو أمر ضرورة العقول، وعليه جِبِلَّة الطِبَاع، وغرائز البشر.

وشريعة الإسلام في أسس أحكامها، وجوهريّات مشروعيتها، تُماشي العقل والعلم جنباً إلى جنب، وكتفاً إلى كتف، رائدُها العِلم، وقائدُها العقل، ولا تنفكّ عنهما قيد شعرة، ومِن ضرورة العقول وغرائز النفوس: أنّ كلّ إنسان مجبول على الدفاع عن نفسه، والمحافظة على حياته، وهي أعزّ الأشياء عليه، وأحبّها إليه.

نعم قد يهون بذلها في سبيل الشرف، وحفظ الكرامة، وصيانة الحقّ، ومهانة الباطل، أمّا في غير أمثال هذه المقاصد الشريفة، والغايات المقدّسة، فالتغرير بها، وإلقاؤها في مظانّ الهَلَكَة، ومواطن الخطر، سَفَهٌ وحماقةٌ لا يرتضيه عقلٌ ولا شرعٌ، وقد أجازتْ شريعة الإسلام المقدّسة للمسلم في مَوَاطِن الخوف على نفسه أو عِرْضه إخفاء الحقّ، والعمل به سِرّاً، ريثما تنتصر دولة الحقّ وتغلب على الباطل، كما أشار إليه جلّ شأنه

٣١٥

بقوله:(إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً)(١) .

وقوله:(إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ)(٢) .

وقصّةُ عمّار وأَبَوَيه، وتعذيب المشركين لهم ولجماعة من الصحابة، وحملهم لهم على الشِرك، وإظهارهم الكفر مشهورةٌ (٣) .

والعَمَل بالتَقِيَّة لَهُ أَحْكَاُمُه الثَلاَثَة:

١- فتارةً يجب:

كما إذا كان تَرْكُها يَستوجِب تلف النفس من غير فائدة.

٢- وأُخرى يكون رُخْصَةً:

كما لو كان في تركها والتظاهر بالحقّ نوع تقوية له، فله أنْ يُضَحِّي بنفسه، وله أنْ يُحافظ عليها.

٣- وثالثة يحرم العمل بها:

كما لو كان ذلك موجباً لرواج الباطل، وإضلال الخَلْق، وإحياء الظلم والجَور.

ومن هنا تنصاع لك شمس الحقيقة ضاحية، وتَعرف أنّ اللَوم والتعيير بالتقيّة - إنْ كانت تستحقّ اللَوم والتعيير - ليس على الشيعة، بل على مَنْ سَلَبَهُم موهبة الحرِّيَّة، وأَلْجَأَهُم إلى العمل بالتقيّة.

تغلّب معاويةُ على الأُمّة، وابْتَزَّها الإمرة عليها بغير رضاً منها، وصار يتلاعب بالشريعة الإسلاميّة حسب أهوائه، وجعل يتتبّع شيعة علي، ويقتلهم تحت كلّ حَجَر، ويأخذ على الظنَّة والتهمة(٤) ، وسارتْ على طريقته العَوْجَاء

____________________________

(١) آل عمران ٣: ٢٨.

(٢) النحل ١٦: ١٠٦.

(٣)راجع:

التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي ج٦: ٤٢٨. مجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ الطبرسي ج٣: ٣٨٧. جامع البيان للطبري ج١٤: ١٢٢. التفسير الكبير للرازي ج١٩: ١٢٠. الكامل في التاريخ لابن الأثير ج٢: ٦٠.

(٤) روى ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة (١١: ٤٤) عن أبي الحسن علي بن محمّد بن أبي سيف المدائني في كتاب الأحداث:

أنّ معاوية بن أبي سفيان كتب نسخةً إلى عُمَّاله بعد عام الجماعة [بل هو والله عام تفرُّقِ المسلمين وضَيَاعهم]: أنْ بَرِئَتْ الذِمَّة =

٣١٦

وسياسته الخرقاء الدولةُ المروانيّة، ثمّ جاءتْ الدولة العباسيّة فزادتْ على ذلك بنغمات، اضطرّتْ الشيعة إلى كتمان أمرها تارة، والتظاهر به أُخرى، زنة ما تقتضيه مناصرة الحقّ، ومكافحة الضلال، وما يحصل به إتمام الحجّة، وكي لا تَعْمَى سبل الحقّ بتاتاً عن الخلق؛ ولذا تجد الكثير من رجالات الشيعة وعظمائهم سحقوا التقيّة تحت أقدامهم، وقدّموا هياكلهم المقدّسة قرابين للحقّ على مشانق البغي، وأضاحي في مجازر الجور والغي.

أَهَلْ استحضرتْ ذاكرتُك شهداءَ (مرج عذراء) - قرية مِن قُرى الشام -

____________________________

= مِمَّنْ روى شيئاً مِن فضل أبي تراب وأهل بيته [عليه وعليهم آلاف التحيّة والسلام]. فقامتْ الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر، يَلعنون عليّاً ويبرأون منه، ويَقَعون فيه وفي أهل بيته [أي في أهل ذلك البيت الطاهرين:

- الذين أذهب الله عنه الرجس وطهّرهم تطهيراً.

- أولئك الذين جعل الله تعالى أجر الرسالة والهداية مودّتهم.

- أولئك الذين جعلهم رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) عُدَلاَءَ القرآن... و.. و....

ولكنّك تجد مَن يَعُدُّ معاوية مِن صحابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) العدول، وخليفةً له، بل ويترحّم عليه، وتلك والله أُمّ المصائب، وعظيمة العظائم].

وأضاف:

وكان أشدّ الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة، لكثرة مَن بها مِن شيعة علي (عليه السلام) فاستعمل عليها [أي معاوية بن هند] زياد بن سميّة، وضَمّ إليه البصرة، فكان يَتْبع الشيعة وهو بهم عارف... فقتلهم تحت كلّ حَجَر ومَدَر، وأخافهم، وقَطَعَ الأيدي والأرجل، وسَمَلَ العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم، وشرّدهم عن العراق، فلم يبقَ بها معروف منهم.

وكتب معاوية إلى عمّاله في جميع الآفاق:

أنْ لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة!!

ثُمّ كتب إلى عمّاله نسخة واحدة إلى جميع البلدان:

انظروا مَن قامت عليه البيّنة أنّه يحبّ عليّاً وأهل بيته فامحوه من الديوان، واسقطوا عطائه ورزقه!!

وشفع ذلك بنسخة أُخرى: مَن اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم [أي أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)] فنكّلوا به، واهدموا داره....

٣١٧

وهم أربعة عشر من رجال الشيعة، ورئيسهم ذلك الصحابي الذي أنهكه الورع والعبادة حِجْر بن عدي الكِنْدي الذي كان من القادة في فتح الشام؟

قتلهم معاوية صبراً، ثمّ صار يقول: ما قتلتُ أحداً إلاّ وأنا أعرف فيما قتلته خلا حِجْر، فإنّي لا أعرف بأيّ ذنبٍ قَتَلْتُه(١) !!

نعم، أنا أعرف معاوية بذنب حِجْر، ذنبه ترك العمل بالتقيّة، وغَرَضُهُ إعلان ضلال بني أُمَيّة، ومقدار علاقتهم من الدين.

وهل تذكّرتَ الصحابي الجليل عمرو بن الحمق الخزاعي، وعبد الرحمن بن حسّان العنزي، الذي دَفَنَهُ زياد في (قس الناطف) حيّاً(٢) ؟

أَتُرَاكَ تذكّرتَ:

- ميثم التمّار.

- ورشيد الهجري.

- وعبد الله بن يقطر.

الذين شنقهم ابن زياد في كناسة الكوفة(٣) ؟

____________________________

(١) راجع:

تاريخ الطبري ج٥: ٢٥٣. الكامل في التاريخ ج٣: ٤٧٢. وغيرهما تجد هذه المأثرة الخالدة من مآثر معاوية بن هند في قَتْله للصالحين والخَيِّرين من رجال الأُمّة، وهُدَاتها، واحْكم بعد ذلك بما تشاء.

(٢) روى الطبري في تاريخه (ج٥: ٢٧٦). وابن الأثير في الكامل (ج٣: ٤٥٦) وغيرهما. واللفظ للأوّل:

ثمّ أقبل (أي معاوية بن هند) على عبد الرحمن العنزي فقال له: إيه يا أخا ربيعة، ما قولك في علي؟

قال: دعني ولا تسألني فإنّه خير لك.

قال: والله لا أدعك حتّى تخبرني عنه.

قال: أشهد أنّه كان من الذاكرين الله كثيراً، ومِن الآمرين بالحقّ، والقائمين بالقسط، والعافين عن الناس.

قال: فما قولك في عثمان؟

قال: هو أوّل مَن فتح باب الظلم وأرتج أبواب الحق.

قال: قتلت نفسك.

قال: بل إيّاك قتلتُ...

فبعث به معاوية إلى زياد وكتب إليه: أمّا بعد فإنّ هذا العنزي شرّ مَن بعثتَ!! فَعَاقِبْهُ عقوبته التي هو أهلها، واقْتلْه شرّ قَتْلة!!.

فلمّا قدم به على زياد بعث به إلى قس الناطف، فَدُفِنَ به حيّاً.

(٣) نعم، إنّ التأريخ يحدّثنا بوضوح عن وحشيّة وقساوة الدُوَل المتلاحِقة وظلمها للشيعة بشكل =

٣١٨

هؤلاء - والمئات من أمثالهم - هانتْ عليهم نفوسُهم العزيزة في سبيل نُصرة الحقّ، ونطحوا صخرة الباطل وما تهشّمتْ رؤوسهم حتّى هشّموها، وما عرفوا أين زرع التقيّة وأين واديها، بل وجدوا العمل بها حراماً عليهم، ولو سكتوا وعملوا بالتقيّة لـ:

- ضاعتْ البقيّة من الحق.

- وأصبح دين الإسلام دين معاوية، ويزيد، وزياد، وابن زياد.

- دين المكر.

- دين الغدر.

- دين النفاق.

- دين الخداع.

- دين كلّ رذيلة.

وأين هذا من دين الإسلام الذي هو دين كلّ فضيلة، أُولئك ضحايا الإسلام، وقرابينُ الحق.

ولا يغيبنّ عنك ذِكْر (الحسين) وأصحابه سلام الله عليهم، الذين هم سادة الشهداء، وقادة أهل الإباء.

نعم...

- هؤلاء وجدوا العمل بالتقيّة حراماً عليهم.

- وقد يجد غيرهم العمل بها واجباً.

- ويجد الآخرون العمل بها رُخصةً وجوازاً.

حسب اختلاف المقامات، وخصوصيّات الموارد.

يخطر على بالي من بعض المرويّات: أنّ مُسَيْلَمَةَ الكذّاب ظفر بِرَجُلَين من المسلمين، فقال لهما: اشْهَدَا أنّي رسول الله وأنّ محمّداً رسول الله.

فقال أحدهما: أشهد أنّ محمّداً رسول الله وأنّك مسيلمةّ الكذّاب. فَقَتَلَهُ، فشهد الآخر بما أراد منه فأطلقه.

____________________________

= لا تُصدّقه العقول، حتّى لقد نالهم من الظلم والقتل الذَريع المتلاحِق الذي أجبرهم على اللجوء إلى التقيّة - التي أباحها الشارع المقدّس عند الضرورة - حِفاظاً على البقيّة الباقية منهم، وليس لهم من دون ذلك حيلة ولا ملجأ، وكان ينبغي أنْ يُلْقَى اللوم على مَن أجبرهم على اللجوء إلى هذا الأمر لا إليهم.

وأنا أدعوك أخي القارئ الكريم إلى مطالعة كتاب (الشيعة والحاكمون) للشيخ محمّد جواد مغنية رحمه الله تعالى للاطلاع عن كَثَب على بعض جوانب المأساة التي أحاطتْ بالشيعة إبّان تلك العصور.

٣١٩

ولَمَّا بلغ خبرهما إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال:

أمّا الأوّل فقد تعجّل الرَوَاح إلى الجنّة.

وأمّا الآخر فقد أخذ بالرُخْصَة، ولكلٍّ أَجْرُه(١) .

فيا أيُّها المسلمون، لا تحوجوا إخوانكم إلى العمل بالتقيّة وتُعَيِّروهم بها، ونَسْأَلُه تعالى أنْ يختم لنا ولكم بالحُسنى، ويجمع كلمتنا على الحقّ والهُدى إنْ شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

____________________________

(١) انظر:

مجمع البيان في تفسير القرآن ج١: ٤٣٠. تفسير الحسن البصري ج٢: ٤٢٨.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442