كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 319

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 319
المشاهدات: 27027
تحميل: 4253


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 319 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27027 / تحميل: 4253
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 13

مؤلف:
العربية

قوله صرتم بعد الهجرة أعرابا الأعراب على عهد رسول الله ص من آمن به من أهل البادية و لم يهاجر إليه و هم ناقصو المرتبة عن المهاجرين لجفائهم و قسوتهم و توحشهم و نشئهم في بعد من مخالطة العلماء و سماع كلام الرسول ص و فيهم أنزل( اَلْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اَللَّهُ عَلى‏ رَسُولِهِ ) و ليست هذه الآية عامة في كل الأعراب بل خاصة ببعضهم و هم الذين كانوا حول المدينة و هم جهينة و أسلم و أشجع و غفار و إليهم أشار سبحانه بقوله( وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ اَلْأَعْرابِ مُنافِقُونَ ) و كيف يكون كل الأعراب مذموما و قد قال تعالى( وَ مِنَ اَلْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اَللَّهِ ) و صارت هذه الكلمة جارية مجرى المثل.و أنشد الحجاج على منبر الكوفة:

قد لفها الليل بعصلبي

أروع خراج من الدوي

مهاجر ليس بأعرابي

و قال عثمان لأبي ذر أخشى أن تصير بعد الهجرة أعرابيا.و روي و لا يعقلون من الإيمان.و قولهم النار و لا العار منصوبتان بإضمار فعل أي ادخلوا النار و لا تلتزموا العار و هي كلمة جارية مجرى المثل أيضا يقولها أرباب الحمية و الإباء فإذا قيلت في حق كانت صوابا و إذا قيلت في باطل كانت خطأ.و أكفأت الإناء و كفأته لغتان أي كببته.

١٨١

قوله ثم لا جبرائيل و لا ميكائيل و لا مهاجرين الرواية المشهورة هكذا بالنصب و هو جائز على التشبيه بالنكرة كقولهم معضلة و لا أبا حسن لها قال الراجز

لا هيثم الليلة للمطي

و قد روي بالرفع في الجميع.و المقارعة منصوبة على المصدر و قال الراوندي هي استثناء منقطع و الصواب ما ذكرناه و قد روي إلا المقارعة بالرفع تقديره و لا نصير لكم بوجه من الوجوه إلا المقارعة.و الأمثال التي أشار إليها أمير المؤمنين ع هي ما تضمنه القرآن من أيام الله و نقماته على أعدائه و قال تعالى( وَ ضَرَبْنا لَكُمُ اَلْأَمْثالَ ) .و التناهي مصدر تناهى القوم عن كذا أي نهى بعضهم بعضا يقول لعن الله الماضين من قبلكم لأن سفهاءهم ارتكبوا المعصية و حلماءهم لم ينهوهم عنها و هذا من قوله( تعالى كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ ) : أَلاَ وَ قَدْ قَطَعْتُمْ قَيْدَ اَلْإِسْلاَمِ وَ عَطَّلْتُمْ حُدُودَهُ وَ أَمَتُّمْ أَحْكَامَهُ أَلاَ وَ قَدْ أَمَرَنِيَ اَللَّهُ بِقِتَالِ أَهْلِ اَلْبَغْيِ وَ اَلنَّكْثِ وَ اَلْفَسَادِ فِي اَلْأَرْضِ فَأَمَّا اَلنَّاكِثُونَ فَقَدْ قَاتَلْتُ وَ أَمَّا اَلْقَاسِطُونَ فَقَدْ جَاهَدْتُ وَ أَمَّا اَلْمَارِقَةُ فَقَدْ دَوَّخْتُ وَ أَمَّا شَيْطَانُ اَلرَّدْهَةِ فَقَدْ كُفِيتُهُ بِصَعْقَةٍ سُمِعَتْ لَهَا وَجْبَةُ قَلْبِهِ وَ رَجَّةُ صَدْرِهِ

١٨٢

وَ بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ أَهْلِ اَلْبَغْيِ وَ لَئِنْ أَذِنَ اَللَّهُ فِي اَلْكَرَّةِ عَلَيْهِمْ لَأُدِيلَنَّ مِنْهُمْ إِلاَّ مَا يَتَشَذَّرُ فِي أَطْرَافِ اَلْبِلاَدِ تَشَذُّراً قد ثبت

عن النبي ص أنه قال له ع ستقاتل بعدي الناكثين و القاسطين و المارقين فكان الناكثون أصحاب الجمل لأنهم نكثوا بيعته ع و كان القاسطون أهل الشام بصفين و كان المارقون الخوارج في النهروان و في الفرق الثلاث قال الله تعالى( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ ) و قال( وَ أَمَّا اَلْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً ) و قال النبي ص يخرج من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر أحدكم في النصل فلا يجد شيئا فينظر في الفوق فلا يجد شيئا سبق الفرث و الدم و هذا الخبر من أعلام نبوته ص و من أخباره المفصلة بالغيوب.و أما شيطان الردهة فقد قال قوم إنه ذو الثدية صاحب النهروان و رووا في ذلك خبرا عن النبي ص و ممن ذكر ذلك و اختاره الجوهري صاحب الصحاح و هؤلاء يقولون إن ذا الثدية لم يقتل بسيف و لكن الله رماه يوم النهروان بصاعقة و إليها أشار ع بقوله فقد كفيته بصعقة سمعت لها وجبة

١٨٣

قلبه و قال قوم شيطان الردهة أحد الأبالسة المردة من أعوان عدو الله إبليس و رووا في ذلك خبرا عن النبي ص و أنه كان يتعوذ منه و الردهة شبه نقرة في الجبل يجتمع فيها الماء و هذا مثل قوله ع هذا أزب العقبة أي شيطانها و لعل أزب العقبة هو شيطان الردهة بعينه فتارة يرد بهذا اللفظ و تارة يرد بذلك اللفظ و قال قوم شيطان الردهة مارد يتصور في صورة حية و يكون على الردهة و إنما أخذوا هذا من لفظة الشيطان لأن الشيطان الحية و منه قولهم شيطان الحماطة و الحماطة شجرة مخصوصة و يقال إنها كثيرة الحيات.قوله و يتشذر في أطراف الأرض يتمزق و يتبدد و منه قولهم ذهبوا شذر مذر.و البقية التي بقيت من أهل البغي معاوية و أصحابه لأنه ع لم يكن أتى عليهم بأجمعهم و إنما وقفت الحرب بينه و بينهم بمكيدة التحكيم.قوله ع و لئن أذن الله في الكرة عليهم أي إن مد لي في العمر لأديلن منهم أي لتكونن الدولة لي عليهم أدلت من فلان أي غلبته و قهرته و صرت ذا دولة عليه

استدلال قاضي القضاة على إمامة أبي بكر و رد المرتضى عليه

و اعلم أن أصحابنا قد استدلوا على صحة إمامة أبي بكر بقوله تعالى( يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اَللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ

١٨٤

عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى اَلْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ) ثم قال قاضي القضاة في المعنى و هذا خبر من الله تعالى و لا بد أن يكون كائنا على ما أخبر به و الذين قاتلوا المرتدين هم أبو بكر و أصحابه فوجب أن يكونوا هم الذين عناهم الله سبحانه بقوله( يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ ) و ذلك يوجب أن يكونوا على صواب.و اعترض المرتضىرحمه‌الله على هذا الاحتجاج في الشافي فقال من أين قلت إن الآية نزلت في أبي بكر و أصحابه فإن قال لأنهم الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول الله ص و لا أحد قاتلهم سواهم قيل له و من الذي سلم لك ذلك أ و ليس أمير المؤمنين ع قد قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين بعد الرسول ص و هؤلاء عندنا مرتدون عن الدين و يشهد بصحة التأويل زائدا على احتمال القول له ما روي عن أمير المؤمنين ع من قوله يوم البصرة و الله ما قوتل أهل الآية حتى اليوم و تلاها و قد روي عن عمار و حذيفة و غيرهما مثل ذلك.فإن قال دليلي على أنها في أبي بكر و أصحابه قول أهل التفسير قيل له أ و كل أهل التفسير قال ذلك فإن قال نعم كابر لأنه قد روي عن جماعة التأويل الذي ذكرناه و لو لم يكن إلا ما روي عن أمير المؤمنين ع و وجوه أصحابه الذين ذكرناهم لكفى و إن قال حجتي قول بعض المفسرين قلنا و أي حجة في قول البعض و لم صار البعض الذي قال ما ذكرت أولى بالحق من البعض الذي قال ما ذكرنا.ثم يقال له قد وجدنا الله تعالى قد نعت المذكورين في الآية بنعوت يجب أن

١٨٥

تراعيها لنعلم أ في صاحبنا هي أم في صاحبك و قد جعله الرسول ص في خيبر حين فر من فر من القوم عن العدو صاحب هذه الأوصاف فقال لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله كرارا غير فرار فدفعها إلى أمير المؤمنين ع.ثم قوله تعالى( أَذِلَّةٍ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى اَلْكافِرِينَ ) يقتضي ما ذكرنا لأنه من المعلوم بلا خلاف حال أمير المؤمنين ع في التخاشع و التواضع و ذم نفسه و قمع غضبه و أنه ما رئي قط طائشا و لا متطيرا في حال من الأحوال و معلوم حال صاحبيكم في هذا الباب أما أحدهما فإنه اعترف طوعا بأن له شيطانا يعتريه عند غضبه و أما الآخر فكان معروفا بالجد و العجلة مشهورا بالفظاظة و الغلظة و أما العزة على الكافرين فإنما تكون بقتالهم و جهادهم و الانتقام منهم و هذه حال لم يسبق أمير المؤمنين ع إليها سابق و لا لحقه فيها لاحق.ثم قال تعالى( يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ) و هذا وصف أمير المؤمنين المستحق له بالإجماع و هو منتف عن أبي بكر و صاحبه إجماعا لأنه لا قتيل لهما في الإسلام و لا جهاد بين يدي الرسول ص و إذا كانت الأوصاف المراعاة في الآية حاصلة لأمير المؤمنين ع و غير حاصلة لمن ادعيتم لأنها فيهم على ضربين ضرب معلوم انتفاؤه كالجهاد و ضرب مختلف فيه كالأوصاف التي هي غير الجهاد و على من أثبتها لهم الدلالة على حصولها و لا بد أن يرجع في ذلك إلى غير ظاهر الآية لم يبق في يده من الآية دليل.هذه جملة ما ذكره المرتضىرحمه‌الله و لقد كان يمكنه التخلص من الاحتجاج بالآية

١٨٦

على وجه ألطف و أحسن و أصح مما ذكره فيقول المراد بها من ارتد على عهد رسول الله ص في واقعة الأسود العنسي باليمن فإن كثيرا من المسلمين ضلوا به و ارتدوا عن الإسلام و ادعوا له النبوة و اعتقدوا صدقه و القوم الذين يحبهم الله و يحبونه القوم الذين كاتبهم رسول الله ص و أغراهم بقتله و الفتك به و هم فيروز الديلمي و أصحابه و القصة مشهورة و قد كان له أيضا أن يقول لم قلت إن الذين قاتلهم أبو بكر و أصحابه كانوا مرتدين فإن المرتد من ينكر دين الإسلام بعد أن كان قد تدين به و الذين منعوا الزكاة لم ينكروا أصل دين الإسلام و إنما تأولوا فأخطئوا لأنهم تأولوا قول الله تعالى( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) فقالوا إنما ندفع زكاة أموالنا إلى من صلاته سكن لنا و لم يبق بعد وفاة النبي ص من هو بهذه الصفة فسقط عنا وجوب الزكاة ليس هذا من الردة في شي‏ء و إنما سماهم الصحابة أهل الردة على سبيل المجاز إعظاما لما قالوه و تأولوه.فإن قيل إنما الاعتماد على قتال أبي بكر و أصحابه لمسيلمة و طليحة اللذين ادعيا النبوة و ارتد بطريقهما كثير من العرب لا على قتال مانعي الزكاة قيل إن مسيلمة و طليحة جاهدهما رسول الله ص قبل موته بالكتب و الرسل و أنفذ لقتلهما جماعة من المسلمين و أمرهم أن يفتكوا بهما غيلة إن أمكنهم ذلك و استنفر عليهما قبائل من العرب و كل ذلك مفصل مذكور في كتب السيرة و التواريخ فلم لا يجوز أن يكون أولئك النفر الذين بعثهم رسول الله ص للفتك بهما هم المعنيون بقوله( يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ ) إلى آخر الآية و لم يقل في الآية يجاهدون

١٨٧

فيقتلون و إنما ذكر الجهاد فقط و قد كان الجهاد من أولئك النفر حاصلا و إن لم يبلغوا الغرض كما كان الجهاد حاصلا عند حصار الطائف و إن لم يبلغ فيه الغرض.و قد كان له أيضا أن يقول سياق الآية لا يدل على ما ظنه المستدل بها من أنه من يرتدد عن الدين فإن الله يأتي بقوم يحبهم و يحبونه يحاربونه لأجل ردته و إنما الذي يدل عليه سياق الآية أنه من يرتد منكم عن دينه بترك الجهاد مع رسول الله ص و سماه ارتدادا على سبيل المجاز فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه يجاهدون في سبيل الله معه عوضا عنكم و كذلك كان كل من خذل النبي ص و قعد عن النهوض معه في حروبه أغناه الله تعالى عنه بطائفة أخرى من المسلمين جاهدوا بين يديه.و أما قول المرتضىرحمه‌الله إنها أنزلت في الناكثين و القاسطين و المارقين الذين حاربهم أمير المؤمنين ع فبعيد لأنهم لا يطلق عليهم لفظ الردة عندنا و لا عند المرتضى و أصحابه أما اللفظ فبالاتفاق و إن سموهم كفارا و أما المعنى فلأن في مذهبهم أن من ارتد و كان قد ولد على فطرة الإسلام بانت امرأته منه و قسم ماله بين ورثته و كان على زوجته عدة المتوفى عنها زوجها و معلوم أن أكثر محاربي أمير المؤمنين ع كانوا قد ولدوا في الإسلام و لم يحكم فيهم بهذه الأحكام.و قوله إن الصفات غير متحققة في صاحبكم فلعمري إن حظ أمير المؤمنين ع منها هو الحظ الأوفى و لكن الآية ما خصت الرئيس بالصفات المذكورة و إنما أطلقها على المجاهدين و هم الذين يباشرون الحرب فهب أن أبا بكر و عمر ما كانا بهذه الصفات لم لا يجوز أن يكون مدحا لمن جاهد بين أيديهما من المسلمين و باشر الحرب و هم شجعان المهاجرين و الأنصار الذين فتحوا الفتوح و نشروا الدعوة و ملكوا الأقاليم.

١٨٨

و قد استدل قاضي القضاة أيضا عن صحة إمامة أبي بكر و أسند هذا الاستدلال إلى شيخنا أبي علي بقوله( تعالى سَيَقُولُ لَكَ اَلْمُخَلَّفُونَ مِنَ اَلْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ) و قال تعالى( فَإِنْ رَجَعَكَ اَللَّهُ إِلى‏ طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ اَلْخالِفِينَ ) و قال تعالى( سَيَقُولُ اَلْمُخَلَّفُونَ إِذَا اِنْطَلَقْتُمْ إِلى‏ مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اَللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اَللَّهُ مِنْ قَبْلُ ) يعني قوله تعالى( لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ) ثم قال سبحانه( قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ اَلْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى‏ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اَللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً ) فبين أن الذي يدعو هؤلاء المخلفين من الأعراب إلى قتال قوم أولي بأس شديد غير النبي ص لأنه تعالى قد بين أنهم لا يخرجون معه و لا يقاتلون معه عدوا بآية متقدمة و لم يدعهم بعد النبي ص إلى قتال الكفار إلا أبو بكر و عمر و عثمان لأن أهل التأويل لم يقولوا في هذه الآية غير وجهين من التأويل فقال بعضهم عنى بقوله( سَتُدْعَوْنَ إِلى‏ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) بني حنيفة و قال بعضهم عنى فارس و الروم و أبو بكر هو الذي دعا إلى قتال بني حنيفة و قتال آل فارس و الروم و دعاهم بعده إلى قتال فارس و الروم عمر فإذا كان الله تعالى قد بين أنهم بطاعتهم لهما يؤتهم أجرا حسنا و إن تولوا عن طاعتهما يعذبهم عذابا أليما صح أنهما على حق و أن طاعتهما طاعة لله تعالى و هذا يوجب صحة إمامتهما.

١٨٩

فإن قيل إنما أراد الله بذلك أهل الجمل و صفين قيل هذا فاسد من وجهين أحدهما قوله تعالى( تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ) و الذين حاربوا أمير المؤمنين كانوا على الإسلام و لم يقاتلوا على الكفر و الوجه الثاني أنا لا نعرف من الذين عناهم الله تعالى بهذا من بقي إلى أيام أمير المؤمنين ع كما علمنا أنهم كانوا باقين في أيام أبي بكر.اعترض المرتضىرحمه‌الله على هذا الكلام من وجهين أحدهما أنه نازع في اقتضاء الآية داعيا يدعو هؤلاء المخلفين غير النبي ص و ذلك لأن قوله تعالى( سَيَقُولُ لَكَ اَلْمُخَلَّفُونَ مِنَ اَلْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اَللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اَللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ اَلرَّسُولُ وَ اَلْمُؤْمِنُونَ إِلى‏ أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَ زُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَ ظَنَنْتُمْ ظَنَّ اَلسَّوْءِ وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً ) .إنما أراد به سبحانه الذين تخلفوا عن الحديبية بشهادة جميع أهل النقل و إطباق المفسرين.ثم قال تعالى( سَيَقُولُ اَلْمُخَلَّفُونَ إِذَا اِنْطَلَقْتُمْ إِلى‏ مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اَللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اَللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) و إنما التمس هؤلاء المخلفون أن يخرجوا إلى غنيمة خيبر فمنعهم الله تعالى من ذلك و أمر نبيه أن يقول لهم لن تتبعونا إلى هذه الغزاة لأن الله تعالى كان حكم من قبل بأن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية و أنه لا حظ لمن لم يشهدها و هذا هو معنى قوله تعالى( يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اَللَّهِ ) و قوله( كَذلِكُمْ قالَ اَللَّهُ مِنْ قَبْلُ ) ثم قال تعالى( قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ

١٩٠

مِنَ اَلْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى‏ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ) و إنما أراد أن الرسول سيدعوكم فيما بعد إلى قتال قوم أولي بأس شديد و قد دعاهم النبي ص بعد ذلك إلى غزوات كثيرة إلى قوم أولي بأس شديد كمؤتة و حنين و تبوك و غيرهما فمن أين يجب أن يكون الداعي لهؤلاء غير النبي ص مع ما ذكرناه من الحروب التي كانت بعد خيبر.و قوله إن معنى قوله تعالى( كَذلِكُمْ قالَ اَللَّهُ مِنْ قَبْلُ ) إنما أراد به ما بينه في قوله( فَإِنْ رَجَعَكَ اَللَّهُ إِلى‏ طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ) بتبوك سنة تسع و آية الفتح نزلت في سنة ست فكيف يكون قبلها.و ليس يجب أن يقال في القرآن بالإرادة و بما يحتمل من الوجوه في كل موضع دون الرجوع إلى تاريخ نزول الآي و الأسباب التي وردت عليها و تعلقت بها.و مما يبين لك أن هؤلاء المخلفين غير أولئك لو لم نرجع في ذلك إلى نقل و تاريخ قوله تعالى في هؤلاء( فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اَللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً ) فلم يقطع منهم على طاعة و لا معصية بل ذكر الوعد و الوعيد على ما يفعلونه من طاعة أو معصية و حكم المذكورين في آية سورة التوبة بخلاف هذه لأنه تعالى بعد قوله( إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ اَلْخالِفِينَ وَ لا تُصَلِّ عَلى‏ أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى‏ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ ماتُوا وَ هُمْ فاسِقُونَ وَ لا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اَللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي اَلدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ ) و اختلاف أحكامهم و صفاتهم يدل

١٩١

على اختلافهم و أن المذكورين في آية سورة الفتح غير المذكورين في آية سورة التوبة.و أما قوله لأن أهل التأويل لم يقولوا في هذه الآية غير وجهين من التأويل فذكرهما باطل لأن أهل التأويل قد ذكروا شيئا آخر لم يذكره لأن المسيب روى عن أبي روق عن الضحاك في قوله تعالى( سَتُدْعَوْنَ إِلى‏ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ... ) الآية قال هم ثقيف و روى هشيم عن أبي يسر سعيد بن جبير قال هم هوازن يوم حنين.و روى الواقدي عن معمر عن قتادة قال هم هوازن و ثقيف فكيف ذكر من أقوال المفسرين ما يوافقه مع اختلاف الرواية عنهم على أنا لا نرجع في كل ما يحتمله تأويل القرآن إلى أقوال المفسرين فإنهم ربما تركوا مما يحتمله القول وجها صحيحا و كم استخرج جماعة من أهل العدل في متشابه القرآن من الوجوه الصحيحة التي ظاهر التنزيل بها أشبه و لها أشد احتمالا مما لم يسبق إليه المفسرون و لا دخل في جملة تفسيرهم و تأويلهم.و الوجه الثاني سلم فيه أن الداعي هؤلاء المخلفين غير النبي ص و قال لا يمتنع أن يعنى بهذا الداعي أمير المؤمنين ع لأنه قاتل بعده الناكثين و القاسطين و المارقين و بشره النبي ص بأنه يقاتلهم و قد كانوا أولي بأس شديد بلا شبهة.قال فأما تعلق صاحب الكتاب بقوله( أَوْ يُسْلِمُونَ ) و أن الذين حاربهم أمير المؤمنين ع كانوا مسلمين فأول ما فيه أنهم غير مسلمين عنده و عند أصحابه لأن الكبائر تخرج من الإسلام عندهم كما تخرج عن الإيمان إذ كان الإيمان هو الإسلام

١٩٢

على مذهبهم ثم إن مذهبنا في محاربي أمير المؤمنين ع معروف لأنهم عندنا كانوا كفارا بمحاربته لوجوه الأول منها أن من حاربه كان مستحلا لقتاله مظهرا أنه في ارتكابه على حق و نحن نعلم أن من أظهر استحلال شرب جرعة خمر هو كافر بالإجماع و استحلال دماء المؤمنين فضلا عن أفاضلهم و أكابرهم أعظم من شرب الخمر و استحلاله فيجب أن يكونوا من هذا الوجه كفارا.الثاني

أنه ع قال له بلا خلاف بين أهل النقل حربك يا علي حربي و سلمك سلمي و نحن نعلم أنه لم يرد إلا التشبيه بينهما في الأحكام و من أحكام محاربي النبي ص الكفر بلا خلاف.الثالث

أن النبي ص قال له بلا خلاف أيضا اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله و قد ثبت عندنا أن العداوة من الله لا تكون إلا للكفار الذين يعادونه دون فساق أهل الملة.الرابع قوله إنا لا نعلم ببقاء هؤلاء المخلفين إلى أيام أمير المؤمنين ع فليس بشي‏ء لأنه إذا لم يكن ذلك معلوما و مقطوعا عليه فهو مجوز و غير معلوم خلافه و الجواز كاف لنا في هذا الموضع.و لو قيل له من أين علمت بقاء المخلفين المذكورين في الآية على سبيل القطع إلى أيام أبي بكر لكان يفزع إلى أن يقول حكم الآية يقتضي بقاءهم حتى يتم كونهم مدعوين إلى قتال أولي البأس الشديد على وجه يلزمهم فيه الطاعة و هذا بعينه يمكن أن يقال له و يعتمد في بقائهم إلى أيام أمير المؤمنين ع على ما يوجبه حكم الآية.فإن قيل كيف يكون أهل الجمل و صفين كفارا و لم يسر أمير المؤمنين ع

١٩٣

فيهم بسيرة الكفار لأنه ما سباهم و لا غنم أموالهم و لا تبع موليهم قلنا أحكام الكفر تختلف و إن شملهم اسم الكفر لأن في الكفار من يقتل و لا يستبقى و فيهم من يؤخذ منه الجزية و لا يحل قتله إلا بسبب طارئ غير الكفر و منهم من لا يجوز نكاحه على مذهب أكثر المسلمين فعلى هذا يجوز أن يكون أكثر هؤلاء القوم كفارا و إن لم يسر فيهم بجميع سيرة أهل الكفر لأنا قد بينا اختلاف أحكام الكفار و يرجع في أن حكمهم مخالف لأحكام الكفار إلى فعله ع و سيرته فيهم على أنا لا نجد في الفساق من حكمه أن يقتل مقبلا و لا يقتل موليا و لا يجهز على جريحه إلى غير ذلك من الأحكام التي سيرها في أهل البصرة و صفين.فإذا قيل في جواب ذلك أحكام الفسق مختلفة و فعل أمير المؤمنين هو الحجة في أن حكم أهل البصرة و صفين ما فعله قلنا مثل ذلك حرفا بحرف و يمكن مع تسليم أن الداعي لهؤلاء المخلفين أبو بكر أن يقال ليس في الآية دلالة على مدح الداعي و لا على إمامته لأنه قد يجوز أن يدعو إلى الحق و الصواب من ليس عليهما فيلزم ذلك الفعل من حيث كان واجبا في نفسه لا لدعاء الداعي إليه و أبو بكر إنما دعا إلى دفع أهل الردة عن الإسلام و هذا يجب على المسلمين بلا دعاء داع و الطاعة فيه طاعة لله تعالى فمن أين له أن الداعي كان على حق و صواب و ليس في كون ما دعا إليه طاعة ما يدل على ذلك.و يمكن أيضا أن يكون قوله تعالى( سَتُدْعَوْنَ ) إنما أراد به دعاء الله تعالى لهم بإيجاب القتال عليهم لأنه إذا دلهم على وجوب قتال المرتدين و رفعهم عن بيضة الإسلام فقد دعاهم إلى القتال و وجبت عليهم الطاعة و وجب لهم الثواب إن أطاعوا و هذا أيضا تحتمله الآية.

١٩٤

فهذه جملة ما ذكره المرتضىرحمه‌الله في هذا الموضع و أكثره جيد لا اعتراض عليه و قد كان يمكنه أن يقول لو سلمنا بكل هذا لكان ليس في قوله( لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً... ) الآية ما يدل على أن النبي ص لا يكون هو الداعي لهم إلى القوم أولي البأس الشديد لأنه ليس فيها إلا محض الإخبار عنهم بأنهم لا يخرجون معه و لا يقاتلون العدو معه و ليس في هذا ما ينفي كونه داعيا لهم كما

أنه ع قال أبو لهب لا يؤمن بي لم يكن هذا القول نافيا لكونه يدعوه إلى الإسلام.و قوله( فَاقْعُدُوا مَعَ اَلْخالِفِينَ ) ليس بأمر على الحقيقة و إنما هو تهديد كقوله( اِعْمَلُوا ما شِئْتُمْ ) و لا بد للمرتضى و لقاضي القضاة جميعا من أن يحملا صيغة افعل على هذا المحمل لأنه ليس لأحدهما بمسوغ أن يحمل الأمر على حقيقته لأن الشارع لا يأمر بالقعود و ترك الجهاد مع القدرة عليه و كونه قد تعين وجوبه.فإن قلت لو قدرنا أن هذه الآية و هي قوله تعالى( قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ اَلْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى‏ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) أنزلت بعد غزوة تبوك و بعد نزول سورة براءة التي تتضمن قوله تعالى( لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً ) و قدرنا أن قوله تعالى( لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً ) ليس إخبارا محضا كما تأولته أنت و حملت الآية عليه بل معناه لا أخرجكم معي و لا أشهدكم حرب العدو هل كان يتم الاستدلال قلت لا لأن للإمامية أن تقول يجوز أن يكون الداعي إلى حرب القوم أولي البأس الشديد مع تسليم هذه المقدمات كلها هو رسول الله ص لأنه دعاهم إلى حرب الروم في سرية أسامة بن زيد في صفر من سنة إحدى عشرة لما سيره إلى البلقاء و قال له سر إلى الروم مقتل أبيك فأوطئهم الخيول و حشد معه أكثر المسلمين فهذا الجيش قد دعي فيه المخلفون من الأعراب الذين قعدوا عن الجهاد

١٩٥

في غزاة تبوك إلى قوم أولي بأس شديد و لم يخرجوا مع رسول الله ص و لا حاربوا معه عدوا.فإن قلت إذا خرجوا مع أسامة فكأنما خرجوا مع رسول الله و إذا حاربوا مع أسامة العدو فكأنما حاربوا مع رسول الله ص و قد كان سبق أنهم لا يخرجون مع رسول الله ص و لا يحاربون معه عدوا قلت و إذا خرجوا مع خالد بن الوليد و غيره في أيام أبي بكر و مع أبي عبيدة و سعد في أيام عمر فكأنما خرجوا مع رسول الله ص و حاربوا العدو معه أيضا.فإن اعتذرت بأنه و إن شابه الخروج معه و الحرب معه إلا أنه على الحقيقة ليس معه و إنما هو مع امرئ من قبل خلفائه قيل لك و كذلك خروجهم مع أسامة و محاربة العدو معه و إن شابه الخروج مع النبي و محاربة العدو معه إلا أنه على الحقيقة ليس معه و إنما هو مع بعض أمرائه.و يمكن أن يعترض الاستدلال بالآية فيقال لا يجوز حملها على بني حنيفة لأنهم كانوا مسلمين و إنما منعوا الزكاة مع قولهم لا إله إلا الله محمد رسول الله ص و منع الزكاة لا يخرج به الإنسان عن الإسلام عند المرجئة و الإمامية مرجئة و لا يجوز حملها على فارس و الروم لأنه تعالى أخبر أنه لا واسطة بين قتالهم و إسلامهم كما تقول إما كذا و إما كذا فيقتضي ذلك نفي الواسطة و قتال فارس و الروم بينه و بين إسلامهم واسطة و هو دفع الجزية و إنما تنتفي هذه الواسطة في قتال العرب لأن مشركي العرب لا تؤخذ منهم الجزية فالآية إذن دالة على أن المخلفين سيدعون إلى قوم أولي بأس شديد الحكم فيهم إما قتالهم و إما إسلامهم و هؤلاء هم مشركو العرب و لم يحارب مشركي العرب إلا رسول الله ص فالداعي لهم إذا هو رسول الله و بطل الاستدلال بالآية

١٩٦

أَنَا وَضَعْتُ فِي اَلصِّغَرِ بِكَلاَكِلِ اَلْعَرَبِ وَ كَسَرْتُ نَوَاجِمَ قُرُونِ رَبِيعَةَ وَ مُضَرَ وَ قَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ ص بِالْقَرَابَةِ اَلْقَرِيبَةِ وَ اَلْمَنْزِلَةِ اَلْخَصِيصَةِ وَضَعَنِي فِي حَجْرِهِ حِجْرِهِ وَ أَنَا وَلَدٌ وَلِيدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ وَ يَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ وَ يُمِسُّنِي جَسَدَهُ وَ يُشِمُّنِي عَرْفَهُ وَ كَانَ يَمْضَغُ اَلشَّيْ‏ءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ وَ مَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ وَ لاَ خَطْلَةً فِي فِعْلٍ وَ لَقَدْ قَرَنَ اَللَّهُ بِهِ ص مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ اَلْمَكَارِمِ وَ مَحَاسِنَ أَخْلاَقِ اَلْعَالَمِ لَيْلَهُ وَ نَهَارَهُ وَ لَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اِتِّبَاعَ اَلْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاَقِهِ عَلَماً وَ يَأْمُرُنِي بِالاِقْتِدَاءِ بِهِ وَ لَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَ لاَ يَرَاهُ غَيْرِي وَ لَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي اَلْإِسْلاَمِ غَيْرَ رَسُولِ اَللَّهِ ص وَ خَدِيجَةَ وَ أَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَى نُورَ اَلْوَحْيِ وَ اَلرِّسَالَةِ وَ أَشُمُّ رِيحَ اَلنُّبُوَّةِ وَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ اَلشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ اَلْوَحْيُ عَلَيْهِ ص فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا هَذِهِ اَلرَّنَّةُ فَقَالَ هَذَا اَلشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَ تَرَى مَا أَرَى إِلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ وَ لَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وَ إِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ الباء في قوله بكلاكل العرب زائدة و الكلاكل الصدور الواحد كلكل و المعنى أني أذللتهم و صرعتهم إلى الأرض.

١٩٧

و نواجم قرون ربيعة و مضر من نجم منهم و ظهر و علا قدره و طار صيته.فإن قلت أما قهره لمضر فمعلوم فما حال ربيعة و لم نعرف أنه قتل منهم أحدا قلت بلى قد قتل بيده و بجيشه كثيرا من رؤسائهم في صفين و الجمل فقد تقدم ذكر أسمائهم من قبل و هذه الخطبة خطب بها بعد انقضاء أمر النهروان.و العرف بالفتح الريح الطيبة و مضغ الشي‏ء يمضغه بفتح الضاد.و الخطلة في الفعل الخطأ فيه و إيقاعه على غير وجهه.و حراء اسم جبل بمكة معروف.و الرنة الصوت

ذكر ما كان من صلة علي برسول الله في صغره

و القرابة القريبة بينه و بين رسول الله ص دون غيره من الأعمام كونه رباه في حجره ثم حامى عنه و نصره عند إظهار الدعوة دون غيره من بني هاشم ثم ما كان بينهما من المصاهرة التي أفضت إلى النسل الأطهر دون غيره من الأصهار و نحن نذكر ما ذكره أرباب السير من معاني هذا الفصل.روى الطبري في تاريخه قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني عبد الله بن نجيح عن مجاهد قال كان من نعمة الله عز و جل على علي بن أبي طالب ع و ما صنع الله له و أراده به من الخير أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة و كان أبو طالب ذا عيال كثير فقال رسول الله ص للعباس و كان من أيسر بني هاشم يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال و قد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمة فانطلق بنا فلنخفف عنه من عياله آخذ من بيته واحدا و تأخذ واحدا

١٩٨

فنكفيهما عنه فقال العباس نعم فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه فقال لهما إن تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما فأخذ رسول الله ص عليا فضمه إليه و أخذ العباس جعفرارضي‌الله‌عنه فضمه إليه فلم يزل علي بن أبي طالب ع مع رسول الله ص حتى بعثه الله نبيا فاتبعه علي ع فأقر به و صدقه و لم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم و استغنى عنه.قال الطبري و حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق قال كان رسول الله ص إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة و خرج معه علي بن أبي طالب ع مستخفيا من عمه أبي طالب و من جميع أعمامه و سائر قومه فيصليان الصلوات فيها فإذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا.ثم إن أبا طالب عثر عليهما و هما يصليان فقال لرسول الله ص يا ابن أخي ما هذا الذي أراك تدين به قال يا عم هذا دين الله و دين ملائكته و دين رسله و دين أبينا إبراهيم أو كما قال بعثني الله به رسولا إلى العباد و أنت يا عم أحق من بذلت له النصيحة و دعوته إلى الهدى و أحق من أجابني إليه و أعانني عليه أو كما قال فقال أبو طالب يا ابن أخي إني لا أستطيع أن أفارق ديني و دين آبائي و ما كانوا عليه و لكن و الله لا يخلص إليك شي‏ء تكرهه ما بقيت.قال الطبري و قد روى هؤلاء المذكورون أن أبا طالب قال لعلي ع يا بني ما هذا الذي أنت عليه فقال يا أبت إني آمنت بالله و برسوله و صدقته بما

١٩٩

جاء به و صليت لله معه قال فزعموا أنه قال له أما إنه لا يدعو إلا إلى خير فالزمه.و روى الطبري في تاريخه أيضا قال حدثنا أحمد بن الحسين الترمذي قال حدثنا عبد الله بن موسى قال أخبرنا العلاء عن المنهال بن عمر و عن عبد الله بن عبد الله قال سمعت عليا ع يقول أنا عبد الله و أخو رسوله و أنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر صليت قبل الناس بسبع سنين.و في غير رواية الطبري أنا الصديق الأكبر و أنا الفاروق الأول أسلمت قبل إسلام أبي بكر و صليت قبل صلاته بسبع سنين كأنه ع لم يرتض أن يذكر عمر و لا رآه أهلا للمقايسة بينه و بينه و ذلك لأن إسلام عمر كان متأخرا.و روى الفضل بن عباسرحمه‌الله قال سألت أبي عن ولد رسول الله ص الذكور أيهم كان رسول الله ص له أشد حبا فقال علي بن أبي طالب ع فقلت له سألتك عن بنيه فقال إنه كان أحب إليه من بنيه جميعا و أرأف ما رأيناه زايله يوما من الدهر منذ كان طفلا إلا أن يكون في سفر لخديجة و ما رأينا أبا أبر بابن منه لعلي و لا ابنا أطوع لأب من علي له.و روى الحسين بن زيد بن علي بن الحسين ع قال سمعت زيدا أبي ع يقول كان رسول الله يمضغ اللحمة و التمرة حتى تلين و يجعلهما في فم علي ع و هو صغير في حجره و كذلك كان أبي علي بن الحسين ع يفعل بي و لقد كان يأخذ الشي‏ء من الورك و هو شديد الحرارة فيبرده في الهواء أو ينفخ عليه حتى يبرد ثم يلقمنيه أ فيشفق علي من حرارة لقمة و لا يشفق علي من النار لو كان أخي إماما بالوصية كما يزعم هؤلاء لكان أبي أفضى بذلك إلي و وقاني من حر جهنم.

٢٠٠