كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 319

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 319
المشاهدات: 27037
تحميل: 4254


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 319 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27037 / تحميل: 4254
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 13

مؤلف:
العربية

بفضيلة النبوة و كانت قريش و العرب تطلبه كما تطلب محمدا ص و كان يدبر من أمر الإسلام و تسريب العساكر و تجهيز السرايا و قتل الأعداء ما يدبره محمد ص لكان للجاحظ أن يقول ذلك فأما و حاله حاله و هو أضعف المسلمين جنانا و أقلهم عند العرب ترة لم يرم قط بسهم و لا سل سيفا و لا أراق دما و هو أحد الأتباع غير مشهور و لا معروف و لا طالب و لا مطلوب فكيف يجوز أن يجعل مقامه و منزلته مقام رسول الله ص و منزلته و لقد خرج ابنه عبد الرحمن مع المشركين يوم أحد فرآه أبو بكر فقام مغيظا عليه فسل من السيف مقدار إصبع يريد البروز إليه فقال له رسول الله ص يا أبا بكر شم سيفك و أمتعنا بنفسك و لم يقل له و أمتعنا بنفسك إلا لعلمه بأنه ليس أهلا للحرب و ملاقاة الرجال و أنه لو بارز لقتل.و كيف يقول الجاحظ لا فضيلة لمباشرة الحرب و لقاء الأقران و قتل أبطال الشرك و هل قامت عمد الإسلام إلا على ذلك و هل ثبت الدين و استقر إلا بذلك أ تراه لم يسمع قول الله تعالى( إِنَّ اَللَّهَ يُحِبُّ اَلَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ ) و المحبة من الله تعالى هي إرادة الثواب فكل من كان أشد ثبوتا في هذا الصف و أعظم قتالا كان أحب إلى الله و معنى الأفضل هو الأكثر ثوابا فعلي ع إذا هو أحب المسلمين إلى الله لأنه أثبتهم قدما في الصف المرصوص لم يفر قط بإجماع الأمة و لا بارزه قرن إلا قتله.أ تراه لم يسمع قول الله تعالى( وَ فَضَّلَ اَللَّهُ اَلْمُجاهِدِينَ عَلَى اَلْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) و قوله( إِنَّ اَللَّهَ اِشْتَرى‏ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ اَلْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ

٢٨١

فِي سَبِيلِ اَللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي اَلتَّوْراةِ وَ اَلْإِنْجِيلِ وَ اَلْقُرْآنِ ) ثم قال سبحانه مؤكدا لهذا البيع و الشراء( وَ مَنْ أَوْفى‏ بِعَهْدِهِ مِنَ اَللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ اَلَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ اَلْفَوْزُ اَلْعَظِيمُ ) و قال الله تعالى( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لا نَصَبٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ اَلْكُفَّارَ وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ ) .فمواقف الناس في الجهاد على أحوال و بعضهم في ذلك أفضل من بعض فمن دلف إلى الأقران و استقبل السيوف و الأسنة كان أثقل على أكتاف الأعداء لشدة نكايته فيهم ممن وقف في المعركة و أعان و لم يقدم و كذلك من وقف في المعركة و أعان و لم يقدم إلا أنه بحيث تناله السهام و النبل أعظم غناء و أفضل ممن وقف حيث لا يناله ذلك و لو كان الضعيف و الجبان يستحقان الرئاسة بقلة بسط الكف و ترك الحرب و أن ذلك يشاكل فعل النبي ص لكان أوفر الناس حظا في الرئاسة و أشدهم لها استحقاقا حسان بن ثابت و إن بطل فضل علي ع في الجهاد لأن النبي ص كان أقلهم قتالا كما زعم الجاحظ ليبطلن على هذا القياس فضل أبي بكر في الإنفاق لأن رسول الله ص كان أقلهم مالا.و أنت إذا تأملت أمر العرب و قريش و نظرت السير و قرأت الأخبار عرفت أنها كانت تطلب محمدا ص و تقصد قصده و تروم قتله فإن أعجزها و فاتها طلبت عليا ع و أرادت قتله لأنه كان أشبههم بالرسول حالا و أقربهم منه قربا و أشدهم عنه دفعا و أنهم متى قصدوا عليا فقتلوه أضعفوا أمر محمد ص و كسروا شوكته إذ كان أعلى من ينصره في البأس و القوة و الشجاعة

٢٨٢

و النجدة و الإقدام و البسالة أ لا ترى إلى قول عتبة بن ربيعة يوم بدر و قد خرج هو و أخوه شيبة و ابنه الوليد بن عتبة فأخرج إليه الرسول نفرا من الأنصار فاستنسبوهم فانتسبوا لهم فقالوا ارجعوا إلى قومكم ثم نادوا يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا فقال النبي ص لأهله الأدنين قوموا يا بني هاشم فانصروا حقكم الذي آتاكم الله على باطل هؤلاء قم يا علي قم يا حمزة قم يا عبيدة أ لا ترى ما جعلت هند بنت عتبة لمن قتله يوم أحد لأنه اشترك هو و حمزة في قتل أبيها يوم بدر أ لم تسمع قول هند ترثي أهلها:

ما كان عن عتبة لي من صبر

أبي و عمي و شقيق صدري

أخي الذي كان كضوء البدر

بهم كسرت يا علي ظهري

و ذلك لأنه قتل أخاها الوليد بن عتبة و شرك في قتل أبيها عتبة و أما عمها شيبة فإن حمزة تفرد بقتله.و قال جبير بن مطعم لوحشي مولاه يوم أحد إن قتلت محمدا فأنت حر و إن قتلت عليا فأنت حر و إن قتلت حمزة فأنت حر فقال أما محمد فسيمنعه أصحابه و أما علي فرجل حذر كثير الالتفات في الحرب و لكني سأقتل حمزة فقعد له و زرقه بالحربة فقتله.و لما قلنا من مقاربة حال علي ع في هذا الباب لحال رسول الله ص و مناسبتها إياها ما وجدناه في السير و الأخبار من إشفاق رسول الله ص و حذره عليه و دعائه له بالحفظ و السلامة قال ص يوم الخندق و قد برز علي إلى عمرو و رفع يديه إلى السماء بمحضر من أصحابه اللهم إنك أخذت مني

٢٨٣

حمزة يوم أحد و عبيدة يوم بدر فاحفظ اليوم علي عليا( رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ اَلْوارِثِينَ ) و لذلك ضن به عن مبارزة عمرو حين دعا عمرو الناس إلى نفسه مرارا في كلها يحجمون و يقدم علي فيسأل الإذن له في البراز حتى قال له رسول الله ص إنه عمرو فقال و أنا علي فأدناه و قبله و عممه بعمامته و خرج معه خطوات كالمودع له القلق لحاله المنتظر لما يكون منه ثم لم يزل ص رافعا يديه إلى السماء مستقبلا لها بوجهه و المسلمون صموت حوله كأنما على رءوسهم الطير حتى ثارت الغبرة و سمعوا التكبير من تحتها فعلموا أن عليا قتل عمرا فكبر رسول الله ص و كبر المسلمون تكبيرة سمعها من وراء الخندق من عساكر المشركين و لذلك قال حذيفة بن اليمان لو قسمت فضيلة علي ع بقتل عمرو يوم الخندق بين المسلمين بأجمعهم لوسعتهم و قال ابن عباس في قوله تعالى( وَ كَفَى اَللَّهُ اَلْمُؤْمِنِينَ اَلْقِتالَ ) قال بعلي بن أبي طالب.قال الجاحظ على أن مشي الشجاع بالسيف إلى الأقران ليس على ما توهمه من لا يعلم باطن الأمر لأن معه في حال مشيه إلى الأقران بالسيف أمورا أخرى لا يبصرها الناس و إنما يقضون على ظاهر ما يرون من إقدامه و شجاعته فربما كان سبب ذلك الهوج و ربما كان الغرارة و الحداثة و ربما كان الإحراج و الحمية و ربما كان لمحبة النفخ و الأحدوثة و ربما كان طباعا كطباع القاسي و الرحيم و السخي و البخيل

٢٨٤

قال شيخنا أبو جعفررحمه‌الله فيقال للجاحظ فعلى أيها كان مشي علي بن أبي طالب إلى الأقران بالسيف فأيما قلت من ذلك بانت عداوتك لله تعالى و لرسوله و إن كان مشيه ليس على وجه مما ذكرت و إنما كان على وجه النصرة و القصد إلى المسابقة إلى ثواب الآخرة و الجهاد في سبيل الله و إعزاز الدين كنت بجميع ما قلت معاندا و عن سبيل الإنصاف خارجا و في إمام المسلمين طاعنا و إن تطرق مثل هذا الوهم على علي ع ليتطرقن مثله على أعيان المهاجرين و الأنصار أرباب الجهاد و القتال الذين نصروا رسول الله ص بأنفسهم و وقوه بمهجهم و فدوه بأبنائهم و آبائهم فلعل ذلك كان لعلة من العلل المذكورة و في ذلك الطعن في الدين و في جماعة المسلمين.و لو جاز أن يتوهم هذا في علي ع و في غيره لما

قال رسول الله ص حكاية عن الله تعالى لأهل بدر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم و لا قال لعلي ع برز الإيمان كله إلى الشرك كله و لا قال أوجب طلحة.و قد علمنا ضرورة من دين الرسول ص تعظيمه لعلي ع تعظيما دينيا لأجل جهاده و نصرته فالطاعن فيه طاعن في رسول الله ص إذ زعم أنه قد يمكن أن يكون جهاده لا لوجه الله تعالى بل لأمر آخر من الأمور التي عددها و بعثه على التفوه بها إغواء الشيطان و كيده و الإفراط في عداوة من أمر الله بمحبته و نهى عن بغضه و عداوته.

٢٨٥

أ ترى رسول الله ص خفي عليه من أمر علي ع ما لاح للجاحظ و العثمانية فمدحه و هو غير مستحق للمدح.قال الجاحظ فصاحب النفس المختارة المعتدلة يكون قتاله طاعة و فراره معصية لأن نفسه معتدلة كالميزان في استقامة لسانه و كفتيه فإذا لم يكن كذلك كان إقدامه طباعا و فراره طباعا.قال شيخنا أبو جعفررحمه‌الله فيقال له فلعل إنفاق أبي بكر على ما تزعم أربعين ألف درهم لا ثواب له لأن نفسه ربما تكون غير معتدلة لأنه يكون مطبوعا على الجود و السخاء و لعل خروجه مع النبي ص يوم الهجرة إلى الغار لا ثواب له فيه لأن أسبابه كانت له مهيجة و دواعيه غالبة محبة الخروج و بغض المقام و لعل رسول الله ص في دعائه إلى الإسلام و إكبابه على الصلوات الخمس في جوف الليل و تدبيره أمر الأمة لا ثواب له فيه لأنه قد تكون نفسه غير معتدلة بل يكون في طباعه الرئاسة و حبها و العبادة و الالتذاذ بها و لقد كنا نعجب من مذهب أبي عثمان أن المعارف ضرورة و أنها تقع طباعا و في قوله بالتولد و حركة الحجر بالطبع حتى رأينا من قوله ما هو أعجب منه فزعم أنه ربما يكون جهاد علي ع و قتله المشركين لا ثواب له فيه لأنه فعله طبعا و هذا أطرف من قوله في المعرفة و في التولد.قال الجاحظ و وجه آخر أن عليا لو كان كما يزعم شيعته ما كان له بقتل الأقران كبير فضيلة و لا عظيم طاعة لأنه قد روي عن النبي ص أنه قال له

٢٨٦

ستقاتل بعدي الناكثين و القاسطين و المارقين فإذا كان قد وعده بالبقاء بعده فقد وثق بالسلامة من الأقران و علم أنه منصور عليهم و قاتلهم فعلى هذا يكون جهاد طلحة و الزبير أعظم طاعة منه.قال شيخنا أبو جعفررحمه‌الله هذا راجع على الجاحظ في النبي ص لأن الله تعالى قال له وَ اَللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ اَلنَّاسِ فلم يكن له في جهاده كبير طاعة و كثير طاعة و كثير من الناس يروي عنه ص اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر و عمر فوجب أن يبطل جهادهما و قد قال للزبير ستقاتل عليا و أنت ظالم له فأشعره بذلك أنه لا يموت في حياة رسول الله ص و قال في الكتاب العزيز لطلحة( وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اَللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ ) قالوا نزلت في طلحة فأعلمه بذلك أنه يبقى بعده فوجب ألا يكون لهما كبير ثواب في الجهاد و الذي صح عندنا من الخبر و هو قوله ستقاتل بعدي الناكثين أنه قال لما وضعت الحرب أوزارها و دخل الناس في دين الله أفواجا و وضعت الجزية و دانت العرب قاطبة.قال الجاحظ ثم قصد الناصرون لعلي و القائلون بتفضيله إلى الأقران الذين قتلهم فأطروهم و غلوا فيهم و ليسوا هناك فمنهم عمرو بن عبد ود تركتموه أشجع من عامر بن الطفيل و عتبة بن الحارث و بسطام بن قيس و قد سمعنا بأحاديث حروب الفجار و ما كان بين قريش و دوس و حلف الفضول فما سمعت لعمرو بن عبد ود ذكرا في ذلك.

٢٨٧

قال شيخنا أبو جعفررحمه‌الله أمر عمرو بن عبد ود أشهر و أكثر من أن يحتج له فلنتلمح كتب المغازي و السير و لينظر ما رثته به شعراء قريش لما قتل فمن ذلك ما ذكره محمد بن إسحاق في مغازيه قال و قال مسافع بن عبد مناف بن زهرة بن حذافة بن جمح يبكي عمرو بن عبد الله بن عبد ود حين قتله علي بن أبي طالب ع مبارزة لما جزع المذاد أي قطع الخندق.

عمرو بن عبد كان أول فارس

جزع المذاد و كان فارس مليل

سمح الخلائق ماجد ذو مرة

يبغي القتال بشكة لم ينكل

و لقد علمتم حين ولوا عنكم

أن ابن عبد منهم لم يعجل

حتى تكفنه الكماة و كلهم

يبغي القتال له و ليس بمؤتل

و لقد تكنفت الفوارس فارسا

بجنوب سلع غير نكس أميل

سال النزال هناك فارس غالب

بجنوب سلع ليته لم ينزل

فاذهب علي ما ظفرت بمثلها

فخرا و لو لاقيت مثل المعضل

نفسي الفداء لفارس من غالب

لاقى حمام الموت لم يتحلحل

أعني الذي جزع المذاد و لم يكن

فشلا و ليس لدى الحروب بزمل

و قال هبيرة بن أبي وهب المخزومي يعتذر من فراره عن علي بن أبي طالب و تركه عمرا يوم الخندق و يبكيه

٢٨٨

لعمرك ما وليت ظهري محمدا

و أصحابه جبنا و لا خيفة القتل

و لكنني قلبت أمري فلم أجد

لسيفي غناء إن وقفت و لا نبلي

وقفت فلما لم أجد لي مقدما

صدرت كضرغام هزبر إلى شبل

ثنى عطفه عن قرنه حين لم يجد

مجالا و كان الحزم و الرأي من فعلي

فلا تبعدن يا عمرو حيا و هالكا

فقد مت محمود الثنا ماجد الفعل

و لا تبعدن يا عمرو حيا و هالكا

فقد كنت في حرب العدا مرهف النصل

فمن لطراد الخيل تقدع بالقنا

و للبذل يوما عند قرقرة البزل

هنالك لو كان ابن عمرو لزارها

و فرجها عنهم فتى غير ما وغل

كفتك علي لن ترى مثل موقف

وقفت على شلو المقدم كالفحل

فما ظفرت كفاك يوما بمثلها

أمنت بها ما عشت من زلة النعل

و قال هبيرة بن أبي وهب أيضا يرثي عمرا و يبكيه:

لقد علمت عليا لؤي بن غالب

لفارسها عمرو إذا ناب نائب

و فارسها عمرو إذا ما يسوقه

علي و إن الموت لا شك طالب

عشية يدعوه علي و إنه

لفارسها إذ خام عنه الكتائب

٢٨٩

فيا لهف نفسي إن عمرا لكائن

بيثرب لا زالت هناك المصائب

لقد أحرز العليا علي بقتله

و للخير يوما لا محالة جالب

و قال حسان بن ثابت الأنصاري يذكر عمرا:

أمسى الفتى عمرو بن عبد ناظرا

كيف العبور و ليته لم ينظر

و لقد وجدت سيوفنا مشهورة

و لقد وجدت جيادنا لم تقصر

و لقد لقيت غداة بدر عصبة

ضربوك ضربا غير ضرب الحسر

أصبحت لا تدعى ليوم عظيمة

يا عمرو أو لجسيم أمر منكر

و قال حسان أيضا:

لقد شقيت بنو جمح بن عمرو

و مخزوم و تيم ما نقيل

و عمرو كالحسام فتى قريش

كأن جبينه سيف صقيل

فتى من نسل عامر أريحي

تطاوله الأسنة و النصول

دعاه الفارس المقدام لما

تكشفت المقانب و الخيول

أبو حسن فقنعه حساما

جرازا لا أفل و لا نكول

فغادره مكبا مسلحبا

على عفراء لا بعد القتيل

فهذه الأشعار فيه بل بعض ما قيل فيه.و أما الآثار و الأخبار فموجودة في كتب السير و أيام الفرسان و وقائعهم و ليس

٢٩٠

أحد من أرباب هذا العلم يذكر عمرا إلا قال كان فارس قريش و شجاعها و إنما قال له حسان

و لقد لقيت غداة بدر عصبة

لأنه شهد مع المشركين بدرا و قتل قوما من المسلمين ثم فر مع من فر و لحق بمكة و هو الذي كان قال و عاهد الله عند الكعبة ألا يدعوه أحد إلى واحدة من ثلاث إلا أجابه و آثاره في أيام الفجار مشهورة تنطق بها كتب الأيام و الوقائع و لكنه لم يذكر مع الفرسان الثلاثة و هم عتبة و بسطام و عامر لأنهم كانوا أصحاب غارات و نهب و أهل بادية و قريش أهل مدينة و ساكنو مدر و حجر لا يرون الغارات و لا ينهبون غيرهم من العرب و هم مقتصرون على المقام ببلدتهم و حماية حرمهم فلذلك لم يشتهر اسمه كاشتهار هؤلاء.و يقال له إذا كان عمرو كما تذكر ليس هناك فما باله لما جزع الخندق في ستة فرسان هو أحدهم فصار مع أصحاب النبي ص على أرض واحدة و هم ثلاثة آلاف و دعاهم إلى البراز مرارا لم ينتدب أحد منهم للخروج إليه و لا سمح منهم أحد بنفسه حتى وبخهم و قرعهم و ناداهم أ لستم تزعمون أنه من قتل منا فإلى النار و من قتل منكم فإلى الجنة أ فلا يشتاق أحدكم إلى أن يذهب إلى الجنة أو يقدم عدوه إلى النار فجبنوا كلهم و نكلوا و ملكهم الرعب و الوهل فإما أن يكون هذا أشجع الناس كما قيل عنه أو يكون المسلمون كلهم أجبن العرب و أذلهم و أفشلهم و قد روى الناس كلهم الشعر الذي أنشده لما نكل القوم بجمعهم عنه و أنه جال بفرسه و استدار و ذهب يمنة ثم ذهب يسرة ثم وقف تجاه القوم فقال

و لقد بححت من النداء

بجمعهم هل من مبارز

٢٩١

و وقفت إذ جبن المشيع

وقفة القرن المناجز

و كذاك أني لم أزل

متسرعا نحو الهزاهز

إن الشجاعة في الفتى

و الجود من خير الغرائز

فلما برز إليه علي أجابه فقال له:

لا تعجلن فقد أتاك

مجيب صوتك غير عاجز

ذو نية و بصيرة

يرجو الغداة نجاة فائز

إني لأرجو أن أقيم

عليك نائحة الجنائز

من ضربة تفنى و يبقى

ذكرها عند الهزاهز

و لعمري لقد سبق الجاحظ بما قاله بعض جهال الأنصار لما رجع رسول الله من بدر و قال فتى من الأنصار شهد معه بدرا إن قتلنا إلا عجائز صلعا فقال له النبي ص لا تقل ذلك يا ابن أخ أولئك الملأ.قال الجاحظ و قد أكثروا في الوليد بن عتبة بن ربيعة قتيله يوم بدر و ما علمنا الوليد حضر حربا قط قبلها و لا ذكر فيها.قال شيخنا أبو جعفررحمه‌الله كل من دون أخبار قريش و آثار رجالها وصف الوليد بالشجاعة و البسالة و كان مع شجاعته أنه يصارع الفتيان فيصرعهم و ليس لأنه لم يشهد حربا قبلها ما يجب أن يكون بطلا شجاعا فإن عليا ع لم يشهد قبل بدر حربا و قد رأى الناس آثاره فيها.

٢٩٢

قال الجاحظ و قد ثبت أبو بكر مع النبي ص يوم أحد كما ثبت علي فلا فخر لأحدهما على صاحبه في ذلك اليوم.قال شيخنا أبو جعفررحمه‌الله أما ثباته يوم أحد فأكثر المؤرخين و أرباب السير ينكرونه و جمهورهم يروي أنه لم يبق مع النبي ص إلا علي و طلحة و الزبير و أبو دجانة و قد روي عن ابن عباس أنه قال و لهم خامس و هو عبد الله بن مسعود و منهم من أثبت سادسا و هو المقداد بن عمرو و روى يحيى بن سلمة بن كهيل قال قلت لأبي كم ثبت مع رسول الله ص يوم أحد فقال اثنان قلت من هما قال علي و أبو دجانة.و هب أن أبا بكر ثبت يوم أحد كما يدعيه الجاحظ أ يجوز له أن يقول ثبت كما ثبت علي فلا فخر لأحدهما على الآخر و هو يعلم آثار علي ع ذلك اليوم و أنه قتل أصحاب الألوية من بني عبد الدار منهم طلحة بن أبي طلحة الذي رأى رسول الله ص في منامه أنه مردف كبشا فأوله و قال كبش الكتيبة نقتله فلما قتله علي ع مبارزة و هو أول قتيل قتل من المشركين ذلك اليوم كبر رسول الله ص و قال هذا كبش الكتيبة.و ما كان منه من المحاماة عن رسول الله ص و قد فر الناس و أسلموه فتصمد له كتيبة من قريش فيقول يا علي اكفني هذه فيحمل عليها فيهزمها و يقتل عميدها حتى سمع المسلمون و المشركون صوتا من قبل السماء.

لا سيف إلا ذو الفقار

و لا فتى إلا علي

و حتى قال النبي ص عن جبرائيل ما قال.أ تكون هذه آثاره و أفعاله ثم يقول الجاحظ لا فخر لأحدهما على صاحبه.

٢٩٣

( رَبَّنَا اِفْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ اَلْفاتِحِينَ ) .قال الجاحظ و لأبي بكر في ذلك اليوم مقام مشهور خرج ابنه عبد الرحمن فارسا مكفرا في الحديد يسأل المبارزة و يقول أنا عبد الرحمن بن عتيق فنهض إليه أبو بكر يسعى بسيفه فقال له النبي ص شم سيفك و ارجع إلى مكانك و متعنا بنفسك.قال شيخنا أبو جعفررحمه‌الله ما كان أغناك يا أبا عثمان عن ذكر هذا المقام المشهور لأبي بكر فإنه لو تسمعه الإمامية لأضافته إلى ما عندها من المثالب لأن قول النبي ص ارجع دليل على أنه لا يحتمل مبارزة أحد لأنه إذا لم يحتمل مبارزة ابنه و أنت تعلم حنو الابن علي الأب و تبجيله له و إشفاقه عليه و كفه عنه لم يحتمل مبارزة الغريب الأجنبي.و قوله له و متعنا بنفسك إيذان له بأنه كان يقتل لو خرج و رسول الله كان أعرف به من الجاحظ فأين حال هذا الرجل من حال الرجل الذي صلى بالحرب و مشى إلى السيف بالسيف فقتل السادة و القادة و الفرسان و الرجالة.قال الجاحظ على أن أبا بكر و إن لم تكن آثاره في الحرب كآثار غيره فقد بذل الجهد و فعل ما يستطيعه و تبلغه قوته و إذا بذل المجهود فلا حال أشرف من حاله.

٢٩٤

قال شيخنا أبو جعفررحمه‌الله أما قوله إنه بذل الجهد فقد صدق و أما قوله لا حال أشرف من حاله فخطأ لأن حال من بلغت قوته فأعملها في قتل المشركين أشرف من حال من نقصت قوته عن بلوغ الغاية أ لا ترى أن حال الرجل أشرف في الجهاد من حال المرأة و حال البالغ الأيد أشرف من حال الصبي الضعيف.فهذه جملة ما ذكره الشيخ أبو جعفر محمد بن عبد الله الإسكافيرحمه‌الله في نقض العثمانية اقتصرنا عليها هاهنا و سنعود فيما بعد إلى ذكر جملة أخرى من كلامه إذا اقتضت الحال ذكره

٢٩٥

239 و من كلام له ع قاله لعبد الله بن عباس و قد جاءه برسالة من عثمان

و هو محصور يسأله فيها الخروج إلى ماله بينبع ليقل هتف الناس باسمه للخلافة بعد أن كان سأله مثل ذلك من قبل فقال ع يَا اِبْنَ عَبَّاسٍ مَا يُرِيدُ عُثْمَانُ إِلاَّ أَنْ يَجْعَلَنِي جَمَلاً نَاضِحاً بِالْغَرْبِ أَقْبِلْ وَ أَدْبِرْ بَعَثَ إِلَيَّ أَنْ أَخْرُجَ ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ أَنْ أَقْدَمَ ثُمَّ هُوَ اَلآْنَ يَبْعَثُ إِلَيَّ أَنْ أَخْرُجَ وَ اَللَّهِ لَقَدْ دَفَعْتُ عَنْهُ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ آثِماً ينبع على يفعل مثل يحلم و يحكم اسم موضع كان فيه نخل لعلي بن أبي طالب ع و ينبع الآن بلد صغير من أعمال المدينة.و هتف الناس باسمه نداؤهم و دعاؤهم و أصله الصوت يقال هتف الحمام يهتف هتفا و هتف زيد بعمرو هتافا أي صاح به و قوس هتافة و هتفى أي ذات صوت.و الناضح البعير يستقى عليه و قال معاوية لقيس بن سعد و قد دخل عليه

٢٩٦

في رهط من الأنصار ما فعلت نواضحكم يهزأ به فقال أنصبناها في طلب أبيك يوم بدر.و الغرب الدلو العظيمة.قوله أقبل و أدبر أي يقول لي ذلك كما يقال للناضح و قد صرح العباس بن مرداس بهذه الألفاظ فقال:

أراك إذا أصبحت للقوم ناضحا

يقال له بالغرب أدبر و أقبل

قوله لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آثما يحتمل أن يريد بالغت و اجتهدت في الدفاع عنه حتى خشيت أن أكون آثما في كثرة مبالغتي و اجتهادي في ذلك و إنه لا يستحق الدفاع عنه لجرائمه و أحداثه و هذا تأويل من ينحرف عن عثمان و يحتمل أن يريد لقد دفعت عنه حتى كدت أن ألقي نفسي في الهلكة و أن يقتلني الناس الذين ثاروا به فخفت الإثم في تغريري بنفسي و توريطها في تلك الورطة العظيمة و يحتمل أن يريد لقد جاهدت الناس دونه و دفعتهم عنه حتى خشيت أن أكون آثما بما نلت منهم من الضرب بالسوط و الدفع باليد و الإعانة بالقول أي فعلت من ذلك أكثر مما يحب

وصية العباس قبل موته لعلي

قرأت في كتاب صنفه أبو حيان التوحيدي في تقريظ الجاحظ قال نقلت من خط الصولي قال الجاحظ إن العباس بن عبد المطلب أوصى علي بن أبي طالب ع في علته التي مات فيها فقال أي بني إني مشف على الظعن عن الدنيا إلى الله الذي فاقتي إلى عفوه و تجوزه أكثر من حاجتي إلى ما أنصحك فيه و أشير عليك به

٢٩٧

و لكن العرق نبوض و الرحم عروض و إذا قضيت حق العمومة فلا أبالي بعد إن هذا الرجل يعني عثمان قد جاءني مرارا بحديثك و ناظرني ملاينا و مخاشنا في أمرك و لم أجد عليك إلا مثل ما أجد منك عليه و لا رأيت منه لك إلا مثل ما أجد منك له و لست تؤتى من قلة علم و لكن من قلة قبول و مع هذا كله فالرأي الذي أودعك به أن تمسك عنه لسانك و يدك و همزك و غمزك فإنه لا يبدؤك ما لم تبدأه و لا يجيبك عما لم يبلغه و أنت المتجني و هو المتأني و أنت العائب و هو الصامت فإن قلت كيف هذا و قد جلس مجلسا أنا به أحق فقد قاربت و لكن ذاك بما كسبت يداك و نكص عنه عقباك لأنك بالأمس الأدنى هرولت إليهم تظن أنهم يحلون جيدك و يختمون إصبعك و يطئون عقبك و يرون الرشد بك و يقولون لا بد لنا منك و لا معدل لنا عنك و كان هذا من هفواتك الكبر و هناتك التي ليس لك منها عذر و الآن بعد ما ثللت عرشك بيدك و نبذت رأي عمك في البيداء يتدهده في السافياء خذ بأحزم مما يتوضح به وجه الأمر لا تشار هذا الرجل و لا تماره و لا يبلغنه عنك ما يحنقه عليك فإنه إن كاشفك أصاب أنصارا و إن كاشفته لم تر إلا ضرارا و لم تستلج إلا عثارا و اعرف من هو بالشام له و من هاهنا حوله من يطيع أمره و يمتثل قوله لا تغترر بناس يطيفون بك و يدعون الحنو عليك و الحب لك فإنهم بين مولى جاهل و صاحب متمن و جليس يرعى العين و يبتدر المحضر و لو ظن الناس بك ما تظن بنفسك لكان الأمر لك و الزمام في يدك و لكن هذا حديث يوم مرض رسول الله ص فات ثم حرم الكلام فيه حين مات فعليك الآن بالعزوف عن شي‏ء عرضك

٢٩٨

له رسول الله ص فلم يتم و تصديت له مرة بعد مرة فلم يستقم و من ساور الدهر غلب و من حرص على ممنوع تعب فعلى ذلك فقد أوصيت عبد الله بطاعتك و بعثته على متابعتك و أوجرته محبتك و وجدت عنده من ذلك ظني به لك لا توتر قوسك إلا بعد الثقة بها و إذا أعجبتك فانظر إلى سيتها ثم لا تفوق إلا بعد العلم و لا تغرق في النزع إلا لتصيب الرمية و انظر لا تطرف يمينك عينك و لا تجن شمالك شينك ودعني بآيات من آخر سورة الكهف و قم إذا بدا لك قلت الناس يستحسنون رأي العباس لعلي ع في ألا يدخل في أصحاب الشورى و أما أنا فإني أستحسنه إن قصد به معنى و لا أستحسنه إن قصد به معنى آخر و ذلك لأنه إن أجرى بهذا الرأي إلى ترفعه عليهم و علو قدره عن أن يكون مماثلا لهم أو أجرى به إلى زهده في الإمارة و رغبته عن الولاية فكل هذا رأي حسن و صواب و إن كان منزعه في ذلك إلى أنك إن تركت الدخول معهم و انفردت بنفسك في دارك أو خرجت عن المدينة إلى بعض أموالك فإنهم يطلبونك و يضربون إليك آباط الإبل حتى يولوك الخلافة و هذا هو الظاهر من كلامه فليس هذا الرأي عندي بمستحسن لأنه لو فعل ذلك لولوا عثمان أو واحدا منهم غيره و لم يكن عندهم من الرغبة فيه ع ما يبعثهم على طلبه بل كان تأخره عنهم قرة أعينهم و واقعا بإيثارهم فإن قريشا كلها كانت تبغضه أشد البغض و لو عمر عمر نوح و توصل إلى الخلافة بجميع أنواع التوصل كالزهد فيها تارة و المناشدة بفضائله تارة و بما فعله في ابتداء الأمر من إخراج زوجته و أطفاله ليلا إلى بيوت الأنصار و بما اعتمده إذ ذاك من تخلفه في بيته و إظهار أنه قد انعكف على جمع القرآن و بسائر أنواع الحيل فيها لم تحصل له إلا بتجريد السيف كما فعل في آخر الأمر و لست ألوم العرب لا سيما قريشا في بغضها له و انحرافها عنه فإنه وترها و سفك دماءها و كشف القناع في منابذتها و نفوس العرب و أكبادهم كما تعلم

٢٩٩

و ليس الإسلام بمانع من بقاء الأحقاد في النفوس كما نشاهده اليوم عيانا و الناس كالناس الأول و الطبائع واحدة فأحسب أنك كنت من سنتين أو ثلاث جاهليا أو من بعض الروم و قد قتل واحد من المسلمين ابنك أو أخاك ثم أسلمت أ كان إسلامك يذهب عنك ما تجده من بغض ذلك القاتل و شنآنه كلا إن ذلك لغير ذاهب هذا إذا كان الإسلام صحيحا و العقيدة محققة لا كإسلام كثير من العرب فبعضهم تقليدا و بعضهم للطمع و الكسب و بعضهم خوفا من السيف و بعضهم على طريق الحمية و الانتصار أو لعداوة قوم آخرين من أضداد الإسلام و أعدائه.و اعلم أن كل دم أراقه رسول الله ص بسيف علي ع و بسيف غيره فإن العرب بعد وفاته ع عصبت تلك الدماء بعلي بن أبي طالب ع وحده لأنه لم يكن في رهطه من يستحق في شرعهم و سنتهم و عادتهم أن يعصب به تلك الدماء إلا بعلي وحده و هذه عادة العرب إذا قتل منها قتلى طالبت بتلك الدماء القاتل فإن مات أو تعذرت عليها مطالبته طالبت بها أمثل الناس من أهله.لما قتل قوم من بني تميم أخا لعمرو بن هند قال بعض أعدائه يحرض عمرا عليهم:

من مبلغ عمرا بأن

المرء لم يخلق صباره

و حوادث الأيام لا

يبقى لها إلا الحجاره

ها إن عجزة أمه

بالسفح أسفل من أواره

تسفي الرياح خلال

كشحيه و قد سلبوا إزاره

فاقتل زرارة لا أرى

في القوم أمثل من زراره

٣٠٠