الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية0%

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 326

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

مؤلف: عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم القمي (المحدث القمي)
تصنيف:

الصفحات: 326
المشاهدات: 136059
تحميل: 7325

توضيحات:

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 326 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 136059 / تحميل: 7325
الحجم الحجم الحجم
الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

مؤلف:
العربية

رأسه، قال فبكت حتى ارتفع صوتها، فرفع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرفه إليها، فقال: حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك؟ قالت أخشى الضيعة(١) من بعدك، قال: يا حبيبتي لا تبكي، فنحن أهل بيت قد اعطانا اللّه سبع خصال لم يعطها احداً قبلنا، ولا يعطيها احداً بعدنا، منا خاتم النبيين وأحب المخلوقين الى اللّه عز وجل، وهو أنا ابوك، ووصينا خير الاوصياء واحبهم وهو بعلك وشهيدنا خير الشهداء واحبهم الى اللّه وهو عمك، ومنا من له جناحان في الجنة يطير بهما مع الملائكة وهو ابن عمك(٢) ، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين، سوف يخرج اللّه من صلب الحسين تسعة من الأئمة، امناء معصومين(٣) ومنا مهدي هذه الأمة، اذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطعت السبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً، ولا صغير يوقر كبيراً، فيبعث اللّه عز وجل، عند ذلك مهدينا، التاسع من صلب الحسين، يفتح حصون الضلالة، وقلوباً غلفاً، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في اول الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.

وبإسناده عن محمود بن لبيد قال: لما قبض رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت فاطمة (صلوات اللّه عليها) تأتي قبور الشهداء وتأتي قبر حمزة وتبكي هناك، فلما كان في بعض الأيام اتيت قبر حمزةرحمه‌الله فوجدتها (سلام اللّه عليها) تبكي هناك، فأمهلتها حتى سكنت، فأتيتها وسلمت عليها، وقلت: يا سيدة النساء قد واللّه قطَّعت أنياط(٤) قلبي، من بكائك، فقالت يا أبا عمرو يحق لي البكاء فلقد اصبت بخير الآباء رسول

____________________

(١) الضيعة: بفتح الضاد: التلف والاهمال والهلاك.

(٢) يعني به جعفر بن ابي طالب، شهيد غزوة مؤتة. والجناحان هما اللتان عوضه اللّه بهما عن يديه اللتين قطعتا في الغزو.

(٣) أي منزَّهون عن المعاصي.

(٤) جمع نائط وهو عرق مستبطن الصلب تحت المتن. او ممتد في الصلب.

٢٨١

اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واشوقاه الى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم أنشأت تقولعليها‌السلام :

اذا مات يوماً ميت قل ذكره

وذكر أبي مذ مات واللّه اكثر

قلت يا سيدتي إني سائلك عن مسألة تتلجلج في صدري، قالت سل، قلت: هل نص رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل وفاته على علي بالإِمامة؟ قالت واعجباً انسيتم يوم غدير خم؟ قلت قد كان ذلك، ولكن أخبريني بما أشير اليك، قالت أشهد اللّه تعالى لقد سمعته يقول: علي خير من أخلفه فيكم، وهو الإِمام والخليفة بعدي، وسبطاي وتسعة من صلب الحسين أئمة ابرار، لئن اتبعتموهم وجدتموهم هادين مهديين، ولئن خالفتموهم لَيكون الاختلاف فيكم الى يوم القيامة، قلت: يا سيدتي، فما باله قعد عن حقه؟ قالت يا أبا عمر، لقد قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل الإمام مثل الكعبة اذ يؤتى ولا يأتي(١) او قالت(٢) مثل علي، ثم قالت أما والله لو تركوا الحق على أهله واتبعوا عترة نبيه لما اختلف في اللّه اثنان، ولورثها سلف عن سلف وخلف بعد خلف، حتى يقوم قائمنا التاسع من ولد الحسينعليه‌السلام ، ولكن قدموا من أخره اللّه، واخروا من قدمه اللّه، حتى اذا لحدوا المبعوث واودعوه الجدث والمجدوث(٣) اختاروا بشهوتهم وعملوا بآرائهم، تبّاً لهم، او لم يسمعوا اللّه يقول: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة)؟ بل سمعوا ولكنهم كما قال اللّه سبحانه: (فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) هيهات بسطوا في الدنيا آمالهم، ونسوا آجالهم، فتعساً لهم(٤)

____________________

(١) الظاهر تؤتي بدل يؤتى وكذا في قوله يأتي.

(٢) ترديد من الراوي أي قالت فاطمة (ص) قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل الإمام مثل الكعبة او مثل عليعليه‌السلام (منه).

(٣) الجدث القبر والمجدوث أي المحفور والظاهر ان الواو زائدة من النساخ (منه) اقول وكذا الهاء من قولها دعوه.

(٤) أي هلاكاً، وشقاوة.

٢٨٢

واضل اعمالهم، اعوذ بك يا رب من الحور بعد الكور(١) .

وبإسناده عن محمد بن همام بسنده عن ابي هريرة قال: كنت عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابو بكر وعمر والفضل بن العباس وزيد بن حارثة وعبد اللّه بن مسعود، اذ دخل الحسين بن عليعليه‌السلام فأخذه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبله، ثم قال حزقَّه حزقّه ترقَّ عين بقة(٢) ووضع فمه، وقال: اللهم إنّي احبه فأحبه وأحب من يحبه، يا حسين أنت الإِمام ابن الإِمام أبو الأئمة، تسعة من ولدك ائمة أبرار، فقال له عبد اللّه بن مسعود: ما هؤلاء الأئمة الذي ذكرتهم في صلب الحسين؟ فأطرق ملياً ثم رفع رأسه فقال: يا عبد اللّه سألت عظيماً، ولكنّي اخبرك ان ابني هذا، ووضع يده على كتف الحسينعليه‌السلام ، يخرج من صلبه ولد مبارك سمي جده عليعليه‌السلام يسمي العابد، ونور الزهاد، ويخرج اللّه من صلب عليعليه‌السلام ولداً اسمه اسمي، وأشبه الناس بي، يبقر العلم بقراً وينطق بالحق ويأمر الصواب ويخرج اللّه من صلبه كلمة الحق، ولسان الصدق، فقال له ابن مسعود: فما اسمه يا رسول اللّه؟ قال يقال له جعفر، صادق في قوله وفعله، الطاعن عليه كالطاعن علي، والرَّاد عليه كالرّاد علي، ثم دخل حسان بن ثابت وأنشد في رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شعراً، وانقطع الحديث، فلما كان من الغد، صلى بنا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم دخل بيت عائشة ودخلنا معه، أنا وعلي بن أبي طالبعليه‌السلام وعبد اللّه بن العباس، وكان من دأبه (صلى الّه عليه وآله وسلم) اذا سئل أجاب واذا لم يسأل ابتدأ، فقلت له: بابي

____________________

(١) قال الجوهري نعوذ باللّه من الحور بعد الكور أي من النقصان بعد الزيادة وقيل من فساد امورنا بعد صلاحها (منه).

(٢) الحزقة بفتح الحاء او بضمها. وبضم الزاء المعجمة وتشديد القاف: القصير الذي يقارب الخطوات، والبقة واحد بق (بتشديد القاف) وهو حيوان صغير لذاع، وقوله ترق: امر من الترقي وهو الارتقاء والتعالي، اقول وجه الشبه صغرها وقيل وجه الشبه تشبك عينها فشبهه بها لما اصابهعليه‌السلام من اللئام الطغام بأرض كربلاء من تقطيع اعضائه وتشبك بدنه بالنبال.

٢٨٣

انت وامي يا رسول اللّه الا تخبرني بباقي الخلفاء من صلب الحسينعليه‌السلام ؟ قال نعم يا أبا هريرة، ويخرج اللّه من صلب جعفر مولوداً نقياً طاهراً اسمر ربعة(١) سميُّ موسى بن عمران، ثم قال له ابن عباس ثم من يا رسول اللّه؟ قال يخرج من صلب موسى علي ابنه، يدعى بالرضا، موضع العلم ومعدن الحلم، ثم قال بأبي المقتول في أرض الغربة، ويخرج من صلب علي ابنه محمد المحمود، أطهر الناس خلقاً واحسنهم خلقاً، ويخرج من صلب محمد علي ابنه، طاهر الحسب صادق اللهجة، ويخرج من صلب علي الحسن الميمون النقي الطاهر الناطق عن اللّه وابو حجة اللّه، ويخرج اللّه من صلب الحسن قائمنا اهل البيت، يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، له هيبة موسى وحكم داود وبهاء عيسى، ثم تلاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ذرية بعضها من بعض واللّه سميع عليم)، فقال له علي بن ابي طالبعليه‌السلام بأبي انت وأمي يا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هؤلاء الذين ذكرتهم؟ قال يا علي اسامي الاوصياء من بعدك، والعترة الطاهرة والذرية المباركة، ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي نفس محمد بيده لو ان رجلاً عبد اللّه ألف عام ثم الف عام ما بين الركن والمقام، ثم أتاني جاحداً لولايتهم لأكبه اللّه(٢) في النار، كائناً من كان.

قال ابو علي محمد بن همام: العجب كل العجب من ابي هريرة انه(٣) يروي مثل هذه الاخبار ثم ينكر فضائل أهل البيتعليهم‌السلام .

____________________

(١) ليس بالطويل ولا بالقصير.

(٢) أي طرحه على وجهه.

(٣) هو الصحابي المعروف. المشهور بالاختلاق والجعل تقرباً لامراء زمانه. ومن اراد ان يقف على خصوصيات احواله فليطالع كتاب (ابي هريرة) للعلامة شرف الدين العامليرحمه‌الله .

٢٨٤

وبإسناده عن عبد العظيم الحسني قال: دخلت على سيدي علي بن محمد، فلما بصرني قال: مرحباً يا أبا القاسم أنت ولينا حقاً، قال فقلت له، يا ابن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إني اريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضياً ثبتُّ عليه، حتى ألقى اللّه عز وجل، فقال هات يا أبا القاسم، فقلت: اني أقول أن اللّه تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء خارج من الحدين حد الابطال(١) وحد التشبيه، وأنه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسم الاجسام، ومصور الصور، وخالق الأعراض والجواهر، ورب كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه، وان محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين، لا نبي بعده الى يوم القيامة، وان شريعته خاتمة الشرائع ولا شريعة بعده الى يوم القيامة، واقول ان الإِمام والخليفة وولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن ابي طالبعليه‌السلام ، ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم أنت يا مولاي، فقالعليه‌السلام ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده؟ قال: وقلت وكيف ذلك يا مولاي؟ قال: لأنه لا يرى شخصه ولا يحل ذكره باسمه حتى يخرج، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً، قال فقلت اقررت وأقول: إن وليَّهم ولي اللّه وعدوَّهم عدوُّ اللّه وطاعتهم طاعة اللّه ومعصيتهم معصية اللّه، وأقول: ان المعراج حق والمسألة في القبر حق، وإن الجنة حق، والنار حق، والصراط حق، والميزان حق، وإن الساعة آتية لا ريب فيها وأن اللّه يبعث من في القبور، وأقول إن الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال علي بن محمد: يا ابا القاسم هذا واللّه دين اللّه الذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه ثبتك اللّه بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

____________________

(١) حد الابطال هو ان لا تثبت له صفة وحد التشبيه ان تثبت له على وجه يتضمن التشبيه بالمخلوقين (منه).

٢٨٥

وعن الصقر بن أبي دلف قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضاعليه‌السلام يقول: الإِمام بعدي ابني علي، أمره أمري وقوله قولي وطاعته طاعتي، والإِمام بعده ابنه الحسنعليه‌السلام أمره أمر ابيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة ابيه، ثم سكت، فقلت له: يا ابن رسول اللّه فمن الإِمام بعد الحسنعليه‌السلام ؟ فبكى بكاء شديداً ثم قال: إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر، فقلت له يا ابن رسول اللّه ولم سمي القائم؟ قال لأنه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد اكثر القائلين بإمامته، فقلت له: ولم سمّي المنتظر؟ قال إن له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ به الجاحدون ويكذب فيه الوقاتون(١) ويهلك فيه المستعجلون وينجو فيها المسلِّمون.

الشيخ المفيد عن ابي جعفرعليه‌السلام عن جابر بن عبد اللّه الانصاري قال: دخلت على فاطمة بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليها، وبين يديها لوح فيه أسماء الاوصياء والأئمة من ولدها، فعددت اثني عشر اسماً، آخرهم القائم من ولد فاطمةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثلاثة منهم محمد، وأربعة منهم علي،عليهم‌السلام .

فصل في ذكر طرف من دلائل صاحب الزمان عليه السلام وبيناته وآياته

روى الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد الأنصاري قال:وجه قوم من المفوضة والمقصرة كامل بن إبراهيم المدني إلى ابي محمدعليه‌السلام (ليناظره في امرهم خ) قال كامل: فقلت في نفسي أسأله لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي، وقال بمقالتي، قال: فلما دخلت على سيدي ابي محمد

____________________

(١) أي الذين عينوا وقتاً لظهوره. لأنه بيد اللّه. ولا يظهر على غيبه احداً.

٢٨٦

عليه‌السلام نظرت إلى ثياب بيض ناعمة عليه، فقلت في نفسي وليُّ اللّه وحجته يلبس الناعم من الثياب ويأمرنا نحن بمواساة الإِخوان وينهانا عن لبس مثله؟ فقال متبسماً يا كامل وحسر ذراعيه فإذا مسح اسود خشن على جلده، فقال هذا للّه وهذا لكم (فخجلت خ د) فسلمت وجلست الى باب عليه ستر مرخى (مسبل خ د) فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا أنا بفتى كأنه فلقة(١) قمر من أبناء أربع سنين او مثلها، فقال لي يا كامل بن إبراهيم، فاقشعررت(٢) من ذلك وألهمت ان قلت لبيك يا سيدي، فقال جئت الى وليَّ اللّه وحجته وبابه تسأله، هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك، وقال بمقالتك؟ فقلت إي واللّه قال اذن واللّه يقل(٣) داخلها، واللّه انه ليدخلها قوم يقال لهم الحقيِّة، قلت يا سيدي ومن هم؟ قال قوم من حبهم لعليّ يحلفون بحقه ولا يدرون ما حقه وفضله (وفي بعض الروايات مكان ثم سكت هذه الجملة: انهم قوم يعرفون ما تجب عليهم معرفته جملاً لا تفصيلاً من معرفة اللّه ورسوله والأئمةعليهم‌السلام ونحوها ثم قال (الخ كذا في الحاشية) ثم سكتعليه‌السلام عني ساعة، ثم قال وجئت تسأله عن مقالة المفوضة، كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشيئة اللّه فاذا شاء: شئنا، واللّه يقول: وما تشاءون الا ان يشاء اللّه، ثم رجع الستر الى حالته فلم أستطع كشفه، فنظر اليَّ أبو محمدعليه‌السلام متبسماً فقال: يا كامل ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك الحجة من بعدي، فقمت وخرجت ولم أعاينه بعد ذلك.

وعن القنبري من ولد قنبر الكبير، مولى أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، أنه حدّث عن رشيق صاحب (حاجب خ د) المادراي قال: بعث إلينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر فأمرنا أن يركب كل واحد منا فرساً ويجنب

____________________

(١) الفلقة بكسر الفاء: القطعة.

(٢) أي اخذني القشعريرة أي الرعدة.

(٣) أي الداخلون قليلون.

٢٨٧

آخر ونخرج مخففين لا يكون معنا قليل ولا كثير إلا على السرج مصلى(١) ، وقال لنا الحقوا بسامرة ووصف لنا محلة وداراً وقال: اذا أتيتموها تجدوا على الباب خادماً اسود، فاكبسوا الدار، ومن رأيتم فيها فأتوني برأسه، فوافينا سامرة فوجدنا الأمر كما وصفه وفي الدهليز خادم اسود وفي يده تكة(٢) ينسجها، فسألناه عن الدار ومن فيها، فقال صاحبها، فواللّه ما التفت إلينا وقل اكتراثه بنا، فكبسنا الدار كما أمرنا فوجدنا دارا سرية ومقابل الدار ستر ما نظرت قط الى أنبل منه(٣) كأن الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت(٤) ، ولم يكن في الدار احد، فرفعنا الستر فإذا بيت كبير كأنَّ بحراً فيه، وفي اقصى البيت حصير قد علمنا أنه على الماء وفوقه رجل من احسن الناس هيئة، قائم يصلي، فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من اسبابنا، فسبق أحمد بن عبد اللّه ليتخطى البيت فغرق في الماء وما زال يضطرب حتى مددت يدي اليه فخلصته وأخرجته وغشي عليه وبقي ساعة، وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك الفعل، فناله مثل ذلك، وبقيت مبهوتاً، فقلت لصاحب البيت المعذرة الى اللّه واليك، فواللّه ما علمت كيف الخبر ولا إلى من اجيء، وأنا تائب الى اللّه، فما التفت الى شيء مما قلنا وما انفتل(٥) عما كان فيه، فهالنا ذلك وانصرفنا عنه، وقد كان المعتضد ينتظرنا، وقد تقدم الى الحجاب اذا وافيناه أن ندخل عليه في أي وقت كان، فوافيناه في بعض الليل، فأدخلنا عليه، فسألنا عن الخبر فحكينا له ما رأينا، فقال ويحكم لقيكم أحد قبلي وجرى منكم الى أحد سبب أو قول؟ قلنا: لا فقال أنا لَغاً(٦) من جدي وحلف بأشد ايمانٍ

____________________

(١) اقول انه اسم لثاني الجياد التي يسابق بها. وهاك اسماؤها:

١ - السابق. ٢ - المصلي. ٣ - التالي. ٤ - البارع. ٥ - المرتاح. ٦ - الحطي. ٧ - العاطف. ٨ - المؤمل (بكسر الميم الثاني). ٩ - اللطيم. ١٠ - السكيت (بضم السين وفتح الكاف)، والقسكل اسم للاخير.

(٢) التكة: رباط السراويل.

(٣) أي افضل واعلى.

(٤) يعني كان جديداً حديثاً.

(٥) أي لم ينصرف عن فعله.

(٦) لغا: سقط، غير معدود.

٢٨٨

له، أنه رجل إن بلغه هذا الخبر ليضربن أعناقنا، فما جسرنا أن نحدث به إلا بعد موته.

الصدوق عن اسحاق بن حامد الكاتب قال: كان بقم رجل بزاز مؤمن وله شريك مرجئ فوقع بينهما ثوب نفيس، فقال المؤمن يصلح هذا الثوب لمولاي، فقال شريكه لست اعرف مولاك ولكن افعل بالثوب ما تحب، فلما وصل الثوب شقهعليه‌السلام بنصفين طولاً فأخذ نصفه ورد النصف وقال: لا حاجة لي في مال المرجئ.

وقال الصدوق حدثنا الحسين بن علي بن محمد القمي المعروف بأبي علي البغدادي قال كنت

ببخارا فدفع اليّ المعروف بابن جاوشير عشرة سبائك ذهباً وأمرني أن أسلمها بمدينة السلام(١) الى الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح (قدس اللّه روحه)(٢) فحملتها معي فلما بلغت أموية(٣) ضاعت مني سبيكة من تلك السبائك ولم اعلم بذلك حتى دخلت مدينة السلام، فاخرجت السبائك لاسلمها فوجدتها ناقصة واحدة منها، فاشتريت سبيكة مكانها بوزنها واضفتها الى التسع سبائك ثم دخلت على الشيخ ابي القاسم الروحي (قدس اللّه روحه) ووضعت السبائك بين يديه، فقال لي خذ لك تلك السبيكة التي اشتريتها واشار اليها بيده فان السبيكة التي ضيعتها قد وصلت الينا وهوذا هي، ثم اخرج إليّ تلك السبيكة التي كانت ضاعت مني باموية فنظرت اليها وعرفتها.

فقال الحسين بن علي بن محمد المعروف بأبي علي البغدادي، ورأيت تلك السنة بمدينة السلام امرأة تسألني عن وكيل مولاناعليه‌السلام من هو؟ فاخبرها بعض القميين انه ابو القاسم الحسين بن روح وأشار لها إليه،

____________________

(١) يعني بغداد (منه).

(٢) نائب إمام الزمانعليه‌السلام .

(٣) ويقال لها آمل البط: مدينة مشهورة في غربي جيهون في طريق بخارا من مزو، خربها التتر (منه).

٢٨٩

فدخلت عليه وانا عنده فقالت له: ايها الشيخ أي شيء معي؟ فقال ما معك فالقيه في دجلة ثم ائتيني حتى اخبرك قال فذهبت المرأة وحملت ما كان معها فالقته في دجلة ثم رجعت ودخلت الى أبي القاسم الروحي (قدس اللّه روحه)، فقال ابو القاسم (رضي اللّه عنه) لمملوكة له: أَخرجي الي الحقة فاخرجت اليه حقة، فقال للمرأة: هذه الحقة التي كانت معك ورميت بها في دجلة، اخبرك بما فيها او تخبريني؟ فقالت له بل اخبرني فقال في هذه الحقة زوج سوار(١) ذهب وحلقة كبيرة فيها جوهر وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر وخاتمان احدهما فيروزج والآخر عقيق وكان الأمر كما ذكر لم يغادر(٢) منه شيئاً، ثم فتح الحقة فعرض علي ما فيها، ونظرت المرأة اليه، فقالت: هذا الذي حملته بعينه ورميت به في دجلة، فغشي(٣) علي وعلى المرأة فرحاً بما شاهدناه من صدق الدلالة، قال الحسين لي من بعد ما حدثني بهذا الحديث: اشهد باللّه تعالى، ان هذا الحديث كما ذكرته لم ازدد فيه ولم انقص منه وحلف بالأئمة الاثني عشر، (صلوات اللّه عليهم)، لقد صدق فيما حدث به ما زاد فيه ولا نقص منه.

وروى الشيخ عن ابن نوع عن ابي عبد اللّه الحسين بن محمد بن سورة القمي عن جماعة من مشائخ اهل قم، ان علي بن الحسين بن موسى بن بابويه كانت تحته بنت عمه محمد بن موسى بن بابويه فلم يرزق منها ولداً، فكتب الى الشيخ ابي القاسم حسين بن روح (رضي اللّه عنه) ان يسأل الحضرة ان يدعو اللّه ان يرزقه اولاداً فقهاء، فجاء الجواب انك لا ترزق من هذه وستملك جارية ديلمية وترزق منها ولدين فقيهين، قال ابو عبد اللّه بن سورة: ولابي الحسن بن بابويهرحمه‌الله ثلاثة اولاد، محمد(٤) والحسين

____________________

(١) حلية كالطوق تلبسها المرأة في زندها او معصمها.

(٢) أي لم يترك.

(٣) أي ادخل.

(٤) هو الشيخ الصدوق صاحب التصانيف الكثيرة المفيدة كلها كمن لا يحضر الفقيه والخصال والامالي وعلل الشرائع وعيون اخبار الرضا والتوحيد وغير هذه.

٢٩٠

فقيهان ماهران في الحفظ يحفظان ما لا يحفظ غيرهما، من اهل قم، ولهما اخ اسمه الحسن هو الاوسط، مشتغل بالعبادة والزهد، لا يختلط بالناس ولا فقه له، قال ابن سورة كلما روى ابو جعفر وابو عبد اللّه ابنا علي بن الحسين شيئاً، يتعجب الناس من حفظهما ويقولون لهما هذا الشأن خصوصية لكما بدعوة الإِمامعليه‌السلام لكما، وهذا امر مستفيض في اهل قم.

وقال ابن سورة سمعت سروراً وكان رجلاً عابداً مجتهداً لقيته بالاهواز غير اني نسيت نسبه، يقول: كنت اخرس لا اتكلم فحملني ابي وعمي في صباي، وسني اذ ذاك ثلاث عشرة او اربع عشرة، الى الشيخ ابي القاسم بن روح (رضي اللّه عنه)، فسألاه ان يسأل الحضرة ان يفتح اللّه لساني فذكر الشيخ ابو القاسم الحسين بن روح انكم أُمرتم بالخروج الى الحائر قال سرور فخرجنا انا وابي وعمي الى الحائر فاغتسلنا وزرنا، قال فصاح بي ابي وعمي يا سرور فقلت بلسان فصيح لبيك، فقالا لي ويحك تكلمت؟ فقلت نعم، قال ابو عبد اللّه بن سورة وكان سرور هذا رجلاً ليس بجهوري الصوت.

وفي كتاب الصراط المستقيم(١) ذكر الشيخ الموثوق به عثمان بن سعيد العمري(٢) ان ابن ابي غانم القزويني قال: ان العسكريعليه‌السلام لا خلف له فشاجرته الشيعة وكتبوا الي الناحية، وكانوا يكتبون لا بسواد، بل بالقلم الجاف، على الكاغد الابيض ليكون علما(٣) معجزا، فورد جواباً اليهم: بسم اللّه الرحمن الرحيم عافانا اللّه واياكم من الضلال والفتن، انه انتهى الينا شك جماعة منكم في الدين وفي ولاية ولي امرهم، فغمنا ذلك لكم لا لنا، لأن اللّه معنا والحق معنا فلا يوحشنا من بَعُدَ علينا، ونحن صنائع ربنا والخلق صنائعنا(٤) ، ما لكم في الريب تترددون؟ اما علمتم ما

____________________

(١) للمحقق الدامادرحمه‌الله .

(٢) عثمان بن سعيد العمري الزيات ويقال له السمان. يكنى ابا عمرو، جليل القدر ثقة من اصحاب الهادي والعسكري وكان وكيلاً للصاحبعليه‌السلام .

(٣) أي آية وعلامة.

(٤) أي خلقوا لنا وهو مفاد قوله تبارك اسمه: لولاك لما خلقت الافلاك.

٢٩١

جاءت به الآثار من ائمتكم أفرأيتم كيف جعل اللّه لكم معاقل تأوون اليها(١) واعلاما تهتدون بها من لدن آدم الى ان ظهر الماضي(٢) عليه‌السلام ؟ كلما غاب علم بدا علم، واذا أفل نجم طلع نجم، فلما قبضه اللّه اليه ظننتم انه ابطل دينه وقطع السبب بينه وبين خلقه؟ كلا ما كان ذلك ولا يكون حتى تقوم الساعة ويظهر امر اللّه وهم كارهون، فاتقوا اللّه وسلموا لنا وردوا الامر الينا، فقد نصحت لكم واللّه شاهد عليّ وعليكم.

فصل في ذكر من رآه عليه السلام

روى الصدوق بإسناده عن محمد بن معاوية بن حكيم ومحمد بن ايوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري(٣) (رضي اللّه عنهم)، قالوا عرض علينا ابو محمد الحسن بن علي (صلوات اللّه عليه) ابنهعليه‌السلام ونحن في منزله وكنا اربعين رجلاً، فقال: هذا امامكم من بعدي وخليفتي عليكم اطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي، فتهلكوا في اديانكم، اما انكم لا ترونه(٤) بعد يومكم هذا، قالوا فخرجنا من عنده فما مضت الا أيام قلائل حتى مضى ابو محمد (صلوات اللّه عليه).

وبإسناده عن يعقوب بن منقوش قال دخلت على ابي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام وهو جالس علي دكان(٥) في الدار وعن يمينه بيت، عليه

____________________

(١) جمع معقل كمسجد، الملجأ.

(٢) هو ابو محمد الحسن العسكريعليه‌السلام (منه).

(٣) هو ابن عثمان المتقدم ذكره. كان وكيلاً للناحية الشريفة بعد ابيه مات سنة خمس او اربع وثلاثمئة وكان يتولى هذا الأمر نحواً من خمسين سنة وقال عند موته امرت ان اوصي إلى ابي القاسم بن روح واوصى ابو القاسم عند موته الى ابي الحسن علي السمري.

(٤) أي اكثركم او عن قريب فان الظاهر ان محمد بن عثمان رضي اللّه عنه كان يراه في ايام سفارته واللّه العالم (منه).

(٥) الدكان هو الدكة أي المكان المرتفع الذي يقعد عليه الجمع.

٢٩٢

ستر مسبل، فقلت له سيدي، من صاحب هذا الأمر؟ فقال ارفع الستر، فرفعته فخرج الينا غلام خماسي له عشر او ثمان او نحو ذلك(١) واضح الجبين ابيض الوجه، دري المقلتين، شثن الكفين(٢) معطوف الركبتين في خده الايمن خال، وفي رأسه ذؤابة(٣) فجلس على فخذ ابي محمدعليه‌السلام ، فقال هذا صاحبكم، ثم وثب فقال: يا بني ادخل الى الوقت المعلوم فدخل البيت وانا انظر اليه، ثم قال لي: يا يعقوب انظر في البيت فدخلت فما رأيت احداً.

وعن علي بن عبد اللّه الوراق، عن سعد، عن احمد بن اسحاق، قال: دخلت على ابي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام وانا اريد ان أسأله عن الخلف بعده، فقال لي مبتدئاً يا احمد بن اسحاق، ان اللّه تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم ولا تخلو الى يوم القيامة من حجة للّه على خلقه (به ظ ) يدفع البلاء عن اهل الأرض وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض، قال فقلت: يا ابن رسول اللّه فمن الإِمام والخليفة بعدك؟ فنهضعليه‌السلام فدخل البيت ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأنَّ وجهه القمر ليلة البدر من ابناء ثلاث سنين، فقال: يا احمد بن اسحاق لولا كرامتك على اللّه وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، انه سميَّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكنيه(٤) ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يا احمد بن اسحاق، مثله في هذه الامة مثل الخضرعليه‌السلام ومثله كمثل ذي القرنين، واللّه ليغيبن غيبة لا ينجو فيها من الهلكة الا من يثبته اللّه على القول بإمامته، ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه، قال احمد بن اسحاق فقلت له: يا مولاي هل من علامة يطمئن اليها قلبي؟

____________________

(١) يعني ان له خمس سنين ولكن له نماء من مضى عليه عشرة او نحوها.

(٢)بمفتوحة فساكنة: أي انهما يميلان الى الغلظ والقصر.

(٣) هي الشعر المجتمع على الرأس.

(٤) على وزن فعيل: أي له كنية رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢٩٣

فنطق الغلامعليه‌السلام بلسان عربي فصيح، فقال: انا بقية اللّه في ارضه، والمنتقم من اعدائه فلا تطلب اثراً بعد عين، يا احمد بن اسحاق، قال احمد بن اسحاق: فخرجت مسروراً فرحاً، فلما كان من الغد عدت اليه فقلت له: يا ابن رسول اللّه، لقد عظم سروري بما انعمت علي فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال طول الغيبة يا أحمد، فقلت له: يا ابن رسول اللّه وان غيبته لتطول؟ قال اي وربي حتى يرجع عن هذا الأمر اكثر القائلين به، فلا يبقى الا من اخذ اللّه عهده بولايتنا وكتب في قلبه الايمان وايده بروح منه، يا احمد بن اسحاق هذا أمر من اللّه وسر من سر اللّه وغيب من غيب اللّه، فخذ ما اتيتك واكتمه، وكن من الشاكرين، تكن معنا. غداً في عليين.

روى الشيخ الطوسي عن احمد بن عبدون، عن ابي الحسن الشجاعي عن ابي عبد اللّه محمد بن ابراهيم النعماني، عن يوسف بن احمد الجعفري، قال حججت سنة ست وثلاثمئة وجاورت بمكة تلك السنة، وما بعدها الى سنة تسع وثلاثمئة، ثم خرجت عنها منصرفاً الى الشام، فبينا أنا في بعض الطريق وقد فاتتني صلاة الفجر فنزلت من المحمل وتهيأت للصلاة فرأيت اربعة نفر في محمل، فوقفت اعجب منهم، فقال احدهم مم تعجب، تركت صلاتك وخالفت مذهبك، فقلت للذي يخاطبني وما علمك بمذهبي؟ فقال تحب ان ترى صاحب زمانك؟ قلت نعم، فأومأ الى احد الأربعة، فقلت ان له دلائل وعلامات، فقال: أيّها احب اليك ان ترى الجمل وما عليه صاعدا الى السماء؟ او ترى المحمل صاعداً الى السماء، فقلت ايهما كان، فهي دلالة، فرأيت الجمل وما عليه يرتفع الى السماء وكان الرجل، أومأ الى رجل به سمرة، وكان لونه الذهب، بين عينيه سجّادة.

عن القطب الراوندي قال: روي ان ابا محمد الدعلجي كان له ولدان وكان من اخيار اصحابنا وكان قد سمع الاحاديث، وكان احد ولديه على

٢٩٤

الطريقة المستقيمة، وهو ابو الحسن، كان يغسل الأموات، وولد آخر يسلك مسالك الاحداث، في الاجرام ودفع الى ابي محمد حجة يحج(١) بها عن صاحب الزمانعليه‌السلام ، وكان ذلك عادة الشيعة وقتئذ، فدفع شيئاً منها الى ابنه المذكور بالفساد، وخرج الى الحج، فلما عاد حكى انه كان واقفاً بالموقف، فرأى الى جانبه شاباً حسن الوجه، اسمر اللون، بذؤابتين، مقبلاً على شأنه في الابتهال والدعاء، والتضرع وحسن العمل، فلما قرب نَفرُ(٢) الناس التفت الي، فقال: يا شيخ أما تستحيي؟ فقلت من أي شيء يا سيدي؟ قال يدفع اليك حجة عمن تعلم، فتدفع منها الى فاسق يشرب الخمر، يوشك ان تذهب عينك هذه، وأومأ الى عيني، وانا من ذلك الى الآن على وجل ومخافة، وسمع ابو عبد اللّه(٣) محمد بن محمد بن النعمان، ذلك، قال: فما مضى عليه اربعون يوماً بعد مورده حتى خرج في عينه التي اومأ اليها قرحة فذهبت.

عن الشيخ الصدوق، قال سمعنا شيخاً من اصحاب الحديث، يقال له احمد بن فارس(٤) الأديب يقول: سمعت بهمدان حكاية حكيتها، كما سمعتها لبعض اخواني، فسألني ان اثبتها له بخطي ولم اجد الى مخالفته سبيلاً، وقد كتبتها وعهدتها الى من حكاها، وذلك ان بهمدان أناساً يعرفون ببني راشد، وهم كلهم يتشيعون ومذهبهم مذهب اهل الإِمامة، فسألت عن سبب تشيعهم من بين اهل همدان، فقال لي شيخ منهم، رأيت فيه صلاحاً وسمتاً(٥) ، ان سبب ذلك ان جدّنا الذي ننسب اليه خرج حاجاً فقال: انه

____________________

(١) أي الدعلجي (منه).

(٢) أي التهيؤ للرحيل.

(٣) هو شيخنا المفيدرحمه‌الله (منه).

(٤) احمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي النحوي اللغوي كان اماماً في علوم شتى خصوصاً اللغة فانه اتقنها والف كتاب الجمهرة والجمل وسيرة النبي (صلى اللّه عليه وآله ) وغير ذلك، الظاهر ان لاجل تشيعه لم ينقل الحلبي اسامي كتبه في كشف الظنون اخذ منه بديع الزمان الهمداني وروي عن الخطيب التبريزي والصاحب بن عباد والشيخ الصدوقرحمه‌الله ( منه).

(٥) اي الهيبة والوقار وزي الاخيار.

٢٩٥

لما صدر عن الحج، وساروا منازل في البادية، قال فنشطت في النزول والمشي فمشيت طويلاً حتى اعييت، وتعبت، وقلت في نفسي: انام نومة تريحني، فاذا جاء أواخر القافلة قمت، قال فما انتبهت الا بحرّ الشمس، ولم أر أحداً، فتوحشت ولم ار طريقاً ولا اثراً، فتوكلت على اللّه عز وجل، وقلت: اسير حيث وجّهني، ومشيت غير طويل فوقعت في ارض خضراء نضرة، كأنها قريبة عهد بغيث، واذا تربتها اطيب تربة، ونظرت في سواء(١) تلك الأرض، الى قصر يلوح كأنه سيف، فقلت: يا ليت شعري ما هذا القصر الذي لم اعهده ولم اسمع به؟ فقصدته فلما بلغت الباب رأيت خادمين ابيضين، فسلمت عليهما فرداً عليّ رداً جميلاً، وقالا: اجلس فقد اراد اللّه بك خيراً، وقام احدهما فدخل واحتبس غير بعيد ثم خرج فقال، قم فادخل، فدخلت قصراً لم ار بناءً احسن من بنائه، ولا اضوأ منه، وتقدم الخادم الى ستر على بيت فرفعه، ثم قال لي: ادخل، فدخلت البيت فاذا فتى جالس في وسط البيت، وقد علّق على رأسه من السقف سيف طويل تكاد ظبته(٢) تمس رأسه، والفتى بدر يلوح في ظلام، فسلمت فرد السلام، بألطف الكلام واحسنه، ثم قال لي: اتدري من أنا؟ فقلت لا واللّه، فقال، انا القائم من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، انا الذي اخرج في آخر الزمان بهذا السيف، وأشار اليه فاملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، فسقطت على وجهي وتعفرت(٣) ، فقال: لا تفعل ارفع رأسك أنت فلان من مدينة، بالجبل، يقال لها همدان، قلت صدقت يا سيدي ومولاي، قال فتحب ان تؤوب الى اهلك(٤) ؟ قلت نعم يا سيدي، وابشّرهم بما اتاح اللّه(٥) عز وجل لي، فأومأ الى الخادم، فاخذ بيدي وناولني

____________________

(١) سواء تلك الأرض، أي وسطها.

(٢) أي طرفه (منه).

(٣) أي مسست جبيني بالتراب.

(٤) أي ترجع اليهم.

(٥) اتاح اللّه له الشيء: أي قدره له. صحاح. (منه).

٢٩٦

صرة وخرج. ومشى معي خطوات فنظرت الى ظلال واشجار، ومنارة مسجد، فقال: اتعرف هذا البلد، قلت ان بقرب بلدنا بلدة تعرف باستاباد وهي تشبهها، قال: فقال هذه استاباد امض راشداً، فالتفت فلم اره. ودخلت استاباد واذا في الصرة اربعون او خمسون ديناراً، فوردت همدان وجمعت اهلي وبشرتهم بما أتاح اللّه لي ويسّره عز وجل ولم نزل بخير، ما بقي معنا من تلك الدنانير.

(اقول استاباد هي التي تعرف اليوم باسداباد وهي قريب من همدان وبينهما عقبة كئود)(١) وسمعت ان قبر هذا الرجل باسداباد معروف واللّه تعالى العالم.

قال العلامة المجلسي، أخبرني والديرحمه‌الله قال: كان في زماننا رجل شريف صالح كان يقال له امير اسحاق الاسترابادي، وكان قد حج اربعين حجة ماشياً، وكان قد اشتهر بين الناس انه، تطوى له الأرض، فورد في بعض السنين بلدة اصفهان فأتيته وسألته عما اشتهر فيه، فقال كان سبب ذلك اني كنت في بعض السنين مع الحاج متوجهين الى بيت اللّه الحرام، فلما وصلنا الى موضع كان بيننا وبين مكة سبعة منازل او تسعة، تأخرت وغلبني العطش حتى آيست من الحياة، فناديت يا صالح يا ابا صالح ارشدونا الى الطريق يرحمكم اللّه، فتراءى لي في منتهى البادية، شبح، فلما تأملته حضر عندي في زمان يسير، فرأيته شاباً حسن الوجه نفي الثياب اسمر على هيئة الشرفاء، راكباً على جمل، ومعه الاداوة(٢) فسلمت عليه فرد عليَّ السلام وقال: انت عطشان؟ قلت نعم، فاعطاني الاد واة فشربت، ثم قال: تريد ان تلحق القافلة؟ قلت نعم، فاردفني خلفه وتوجه نحو مكة، وكان من عادتي قراءة الحرز اليماني، في كل يوم، فاخذت في قراءته، فقال

____________________

(١) أي صعبة.

(٢) بالكسر: مطرة (منه).

٢٩٧

عليه‌السلام في بعض المواضع اقرأ هكذا، قال فما مضى الا زمان يسير حتى قال لي: تعرف هذا الموضع؟ فنظرت فاذا أنا بالابطح(١) فقال انزل، فلما نزلت، رجعت وغاب عني، فعند ذلك عرفت انه القائمعليه‌السلام ، فندمت وتأسفت على مفارقته وعدم معرفته، فلما كان بعد سبعة ايام اتت القافلة فرأوني في مكة، بعدما آيسوا من حياتي فلذا اشتهرت بطيّ الأرض.

وحكى صاحب كشف الغمة، قصة اسماعيل الهرقلي والسيد عطوة الحسيني(٢) في كشف الغمة، وانا اذكر من ذلك قصتين قرب عهدهما من زماني، وحدثني بهما جماعة من ثقات اخواني، كان في البلاد الحلية شخص يقال له اسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها هرقل، مات في زماني وما رأيته، حكى لي ولده شمس الدين قال: حكى لي والدي انه خرج فيه وهو شاب على فخذه الايسر توثة(٣) مقدار قبضة الانسان وكانت في كل ربيع تشقق ويخرج منها دم وقيح ويقطعه ألمها عن كثير من اشغاله، وكان مقيماً بهرقل، فحضر الحلة يوماً ودخل الى مجلس السعيد رضي الدين علي بن طاوس،رحمه‌الله ، وشكا اليه ما يجده منها وقال اريد ان اداويها، فاحضر له اطباء الحلة وأراهم الموضوع، فقالوا هذه التوثة فوق العرق الاكحل، وعلاجها خطر، ومتى قطعت خيف ان ينقطع العرق، فيموت، فقال له السعيد رضي الدين (قدس اللّه روحه): انا متوجه الى بغداد وربما كان اطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء فاصحبني، فأصعده معه واحضر الاطباء، فقالوا كما قال اولئك، فضاق صدره فقال له السعيد: ان الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب وعليك الاجتهاد في الاحتراس ولا تغرر بنفسك فاللّه تعالى قد نهى عن ذلك ورسوله فقال له والدي: اذا كان

____________________

(١) الابطح: مسيل واسع فيه رمل ودقاق الحصى، وموضع قرب مكة.

(٢) هذه القصة بتمامها في الحاشية.

(٣) التوثة الظاهر انها جرح والادرة نفخة في الخصية (منه).

٢٩٨

الأمر على ذلك وقد وصلت الى بغداد فاتوجه الى زيارة المشهد الشريف، بسر من رأى على مشرفه السلام، ثم انحدر الى اهلي فحسن له ذلك فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين، وتوجه، قال: فلما دخلت المشهد وزرت الأئمةعليهم‌السلام ونزلت السرداب واستغثت باللّه تعالى وبالامامعليه‌السلام وقضيت بعض الليل في السرداب وبقيت في المشهد الى الخميس، ثم مضيت الى دجلة واغتسلت ولبست ثوباً نظيفاً وملأت ابريقاً كان معي، وصعدت اريد المشهد فرأيت اربعة فرسان خارجين من باب السور، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء، يرعون اغنامهم فحسبتهم منهم فالتقينا فرأيت شابين احدهما عبد مخطوط وكل واحد منهم متقلد بسيف وشيخاً منقباً، بيده رمح والآخر متقلد بسيف وعليه فرجية ملونة، فوق السيف، وهو متحنك بعذبته فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق، ووضع كعب الرمح في الأرض، ووقف الشابان عن يسار الطريق، وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي ثم سلموا عليه فرد عليهم السلام، فقال له صاحب الفرجية، انت غدا تروح الى اهلك، فقال نعم فقال له تقدم حتى ابصر ما يوجعك قال فكرهت ملامستهم، وقلت في نفسي اهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة، وانا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول ثم اني بعد ذلك تقدمت اليه، فلزمني بيده ومدّني اليه، وجعل يلمس جانبي من كتفي الى ان أصابت يده التوثة فعصرها بيده فأوجعني ثم استوى في سرجه كما كان فقال لي الشيخ: افلحت يا اسماعيل فعجبت من معرفته باسمي فقلت افلحنا وافلحتم ان شاء اللّه، قال فقال لي الشيخ: هذا هو الإِمام، قال فتقدمت اليه فاحتضنته وقبلت فخذه، ثم انه ساق وانا أمشي معه محتضنه، فقال ارجع، فقلت لا افارقك ابداً، فقال: المصلحة رجوعك فاعدت عليه مثل القول الأول فقال الشيخ يا اسماعيل ما تستحيي، يقول لك الإِمام مرتين ارجع وتخالفه، فجبهني بهذا القول فوقفت فتقدم خطوات والتفت اليَّ وقال: اذا وصلت بغداد فلا بد ان يطلبك ابو

٢٩٩

جعفر، يعني الخليفة المستنصر، رحمه اللّه فاذا حضرت عنده واعطاك شيئاً فلا تأخذه، وقل لولدنا الرضي ليكتب لك الي علي بن عوض، فانني اوصيه يعطيك الذي تريد ثم سار واصحابه معه، فلم ازل ابصرهم الى ان غابوا عنّي وحصل عندي أسف لمفارقته، فقعدت الى الأرض ساعة، ثم مشيت الى المشهد، فاجتمع القوم حولي وقالوا نرى وجهك متغيراً أوجعك شيء قلت لا، قالوا اخاصمك احد؟ قلت لا ليس عندي مما تقولون خبر لكن اسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم، قالوا هم من الشرفاء ارباب الغنم، فقلت لا بل هو الإِمامعليه‌السلام فقالوا الإِمام هو الشيخ او صاحب الفرجية، فقلت هو صاحب الفرجية، فقالوا أريته المرض الذي فيك؟ فقلت هو قبضه بيده واوجعني ثم كشفت رجلي، فلم أر لذلك المرض أثراً فتداخلني الشك من الدهش فاخرجت رجلي الاخرى فلم ار شيئاً فانطبق الناس علي ومزقوا قميصي فادخلني القوم خزانة ومنعوا الناس عنّي، وكان ناظر بين النهرين بالمشهد فسمع الضجة وسأل عن الخبر فعرفوه فجاء الى الخزانة، وسألني عن اسمي وسألني منذ كم خرجت من بغداد، فعرفته اني خرجت في اول الاسبوع فمشى عني وبت في المشهد وصلّيت الصبح، وخرجت وخرج الناس معي، الى ان بعدت عن المشهد ورجعوا عني ووصلت إلى (أوانا) فبت بها وبكرت منها اريد بغداد فرأيت الناس مزدحمين على الفطرة العتيقة يسألون من ورد عليهم عن اسمه ونسبه واين كان، فسألوني عن اسمي ومن اين جئت فعرفتهم فاجتمعوا علي ومزقوا ثيابي، ولم يبق لي في روحي حكم، وكان ناظر بين النهرين كتب الى بغداد وعرفهم الحال، ثم حملوني الى بغداد وازدحم الناس علي وكادوا يقتلونني من كثرة الزحام وكان الوزير القمي (رحمه اللّه تعالى) قد طلب السعيد رضي الدينرحمه‌الله وتقدم ان يعرفه صحة هذا الخبر، قال: فخرج رضي الدين ومعه جماعة فوافينا باب النوبي، فرد اصحابه الناس عنّي، فلما رآني قال: أعنك يقولون، قلت: نعم فنزل (فترجل خ د) عن دابته وكشف عن فخذي فلم ير شيئاً فغشي عليه ساعة واخذ بيدي وادخلني على الوزير، وهو

٣٠٠