الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية0%

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 326

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

مؤلف: عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم القمي (المحدث القمي)
تصنيف:

الصفحات: 326
المشاهدات: 136034
تحميل: 7322

توضيحات:

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 326 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 136034 / تحميل: 7322
الحجم الحجم الحجم
الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

مؤلف:
العربية

فقالت: لا اتزوج حتى تسمي(١) لي قال: لا تسأليني شيئاً الا اعطيته، فقالت: ثلاثة آلاف، وعبداً وقينة وقتل عليّعليه‌السلام ، فقال: ما سألت هو لك مهر، الا قتل عليّعليه‌السلام فلا اراك تدركينه، قالت: فالتمس غرته(٢) فان اصبته شفيت نفسي ونفعك العيش معي، وان هلكت فما عند اللّه خير لك من الدنيا، فقال: والله ما جاء بي الى هذا المصر، وقد كنت هارباً منه الا ذلك، وقد اعطيتك ما سألت وخرج من عندها وهو يقول:

ثلاثة آلاف وعبد وقينة

وقتل علي (ع) بالحسام المصمم

فلا مهر اغلى من علي وان علا

ولا فتك الا دون فتك ابن ملجم

فلقيه رجل من اشجع، يقال له شبيب بن بجرة من الخوارج، فقال له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة، فقال: وما ذاك قال: تساعدني على قتل علي قال: ثكلتك امك، لقد جئت شيئاً إدّاً(٣) قد عرفت عناءه في الإِسلام وسابقته مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال ابن ملجم: ويحك اما تعلم انه قد حكَّم الرجال في كتاب اللّه وقتل اخواننا المصلين فنقتله ببعض اخواننا، فأقبل معه حتى دخل على قطام وهي في المسجد الأعظم، وقد ضربت كلة بها، وهي معتكفة يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، فاعلمته ان مجاشع بن وردان بن علقمة قد انتدب لقتله معهما، فدعت لهما بحرير وعصبتهما واخذوا أسيافهم وقعدوا مقابلين لباب السدة التي يخرج منها عليّعليه‌السلام للمسجد، وكان عليّ يخرج كل غداة اول الأذان للصلاة وقد كان ابن ملجم مر بالاشعث(٤) وهو في

____________________

(١) تسمي لي: أي تجعل لي المهر المسمى.

(٢) الغرة: الغفلة.

(٣) الإدّ بالكسر: الامر الفظيع. الداهية.

(٤) وهو ابن قيس الكندي. رأس منافقي اصحابهعليه‌السلام . وكان من مرتدي زمن ابي بكر وهو في الواقع سبب التحكيم في صفين.

٦١

المسجد فقال له: فضحك الصبح فسمعها حجر بن(١) عدي فقال: قتلته يا اعور قتلك اللّه، وخرج عليعليه‌السلام ينادي: ايها الناس الصلاة فشد عليه ابن ملجم واصحابه، وهم يقولون: الحكم للّه لا لك، وضربه ابن ملجم على رأسه بالسيف في قرنه، واما شبيب فوقعت ضربته بعضادة(٢) الباب واما ابن وردان فهرب، وقال عليّعليه‌السلام لا يفوتنكم الرجل وشد الناس على ابن ملجم يرمونه بالحصباء ويتناولونه ويصيحون، فضرب ساقه رجل من همدان برجله، وضرب المغيرة بن نوفل الحرث بن عبد المطلب وجهه فصرعه، واقبل به الى الحسنعليه‌السلام ودخل شبيب بين الناس فنجا بنفسه، وهرب، حتى أتى رحله، فدخل عليه عبد اللّه بن بحرة، وهو احد بني ابيه فرآه ينزع الحرير عن صدره، فسأله عن ذلك فخبّره خبره، فانصرف عبد اللّه الى رحله واقبل اليه بسيفه فضربه حتى قتله.

وقيل: ان عليّاًعليه‌السلام لم ينم تلك الليلة، وانه لم يزل يمشي بين الباب والحجرة، وهو يقول: واللّه ما كذَبت ولا كُذبت وانها الليلة التي وعدت، فلما صرخ بط (كان للصبيان) صاح بهن بعض من في الدار فقال عليّعليه‌السلام : ويحك دعن فانهن نوائح.

وقال المسعودي: أنهعليه‌السلام قد خرج الى المسجد وقد عسر عليه فتح باب داره، وكان من جذوع النخل فاقتلعه، وجعله ناحية، وانحل ازاره فشده وجعل ينشد:

أشدُدْ حيازيمك(٣) للموت‌فان الموت لاقيكا

ولا تجزع من الموت إذا حل بواديكا(٤)

____________________

(١) هو من خيار اصحابه.

(٢) أي خشبة من جانبه.

(٣) الحيزوم وسط الصدر. وشد الحيازيم كناية عن الصبر.

(٤) أي بساحتك.

٦٢

وروى الشيخ المفيد انه لما دخل شهر رمضان كان امير المؤمنينعليه‌السلام يتعشى ليلة عند الحسن، وليلة عند الحسين،عليهما‌السلام ، وليلة عند عبد اللّه بن العباس، وكان لا يزيد على ثلاث لقم فقيل له ليلة من تلك الليالي في ذلك، فقال: يأتيني امر اللّه وانا خميص(١) انما هي ليلة او ليلتان فاصيب اخر الليل.

ورُويَ عن ام موسى خادمة عليّعليه‌السلام وهي حاضنة(٢) فاطمة ابنته، قالت: سمعت عليّاًعليه‌السلام يقول لابنته ام كلثوم: يا بنية اني أراني قلَّ ما أصحبكم، قالت: وكيف ذلك يا أبتاه، قال: إني رأيت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامي، وهو يمسح الغبار عن وجهي، ويقول: يا عليّ لا عليك قضيت ما عليك. قال(٣) : فما مكثنا الا ثلاثاً حتى ضُرب تلك الضربة، فصاحت ام كثلوم، فقال: يا بنية لا تفعلي فانّي أرى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشير الي بكفه ويقول: يا عليّ هلم الينا فان ما عندنا هو خير لك.

وروى صاحب قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن ابيهعليهم‌السلام ان علي بن أبي طالبعليه‌السلام خرج يوقظ الناس لصلاة الصبح فضربه عبد الرحمن بن ملجم (لعنه اللّه) بالسيف على ام رأسه، فوقع على ركبتيه واخذه فالتزمه، حتى أخذه الناس، وحُمل عليّ حتى افاق ثم قال للحسن والحسينعليهما‌السلام : احبسوا هذا الاسير واطعموه واسقوه وأحسنوا آثاره، فان عشت فانا اولى بما صنع بي، ان شئت استقدت(٤) وان شئت عفوت، وان شئت صالحت، وان مت فذلك اليكم، فان بدا لكم ان تقتلوه فلا تمثلوا به(٥) .

____________________

(١) خميص البطن: أي خاليه.

(٢) أي مربيتها.

(٣) والظاهر (قالت) بدل (قال).

(٤) أي اخذت منه القَود.

(٥) والمثلة ان يقطع بعض اعضاء الرجل.

٦٣

وروى ابن شاذان عن الاصبغ قال: لما ضرب امير المؤمنينعليه‌السلام الضربة التي كانت وفاته فيها، اجتمع اليه الناس بباب القصر وكان يراد قتل ابن ملجم، لعنه اللّه، فخرج الحسنعليه‌السلام فقال: معاشر الناس ان ابي اوصاني ان اترك امره الى وفاته، فان كان له الوفاة، وإلا نظر هو في حقه فانصرفوا يرحمكم اللّه، قال: فانصرف الناس ولم أنصرف، فخرج ثانية وقال لي: يا اصبغ اما سمعت قولي عن قول امير المؤمنينعليه‌السلام ، قلت: بلى ولكني رأيت حاله فاحببت ان انظر اليه، فاسمع منه حديثاً، فاستأذن لي رحمك اللّه، فدخل ولم يلبث ان خرج، فقال لي: ادخل فدخلت فاذا امير المؤمنينعليه‌السلام معصب بعصابة، وقد علت(١) صفرة وجهه على تلك العصابة، واذا هو يرفع فخذاً ويضع اخرى، من شدة الضربة وكثرة السم، فقال لي: يا اصبغ اما سمعت قول الحسن عن قولي قلت: يا امير المؤمنين ولكني رأيتك في حالة فاحببت النظر اليك، وان أسمع منك حديثاً، فقال لي: اقعد فما أراك تسمع مني حديثاً بعد يومك هذا، اعلم يا اصبغ اني أتيت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عائداً كما جئت الساعة، فقال: يا ابا الحسن اخرج فناد في الناس الصلاة جامعة واصعد المنبر وقم دون مقامي مرقاة وقل للناس ألا من عق(٢) والديه، فلعنة اللّه عليه، ألا من ابق من مواليه، فلعنة اللّه عليه ألا من ظلم اجيراً اجرته، فلعنة اللّه عليه، يا اصبغ، ففعلت ما أمرني به حبيبي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام من اقصى المسجد رجل فقال: يا ابا الحسن تكلمت بثلاث كلمات وأوجزتهن فاشرحهن لنا فلم ارد جواباً حتى أتيت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت ما كان من الرجل، قال الاصبغ: ثم اخذ بيدي وقال ابسط يدك فبسطت يدي، فتناول اصبعا من اصابع يدي وقال: يا اصبغ كذا تناول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اصبعا من اصابع يدي، كما تناولت اصبعا من

____________________

(١) أي غلبت.

(٢) أي عصاهما وترك الشفقة عليهما والاحسان اليهما واستخفّ بهما.

٦٤

اصابع يدك، ثم قال: مه يا ابا الحسن الا وأني وأنت أبوا هذه الأمة، فمن عقنا فلعنة اللّه عليه، ألا وإني وانت موليا هذه الأمة فعلى من أبق عنا لعنة اللّه، ألا وإني وأنت أجيرا هذه الأمة، فمن ظلمنا اجرتنا فلعنة اللّه عليه، ثم قال: آمين فقلت: آمين.

قال الاصبغ: ثم اغمي عليه ثم افاق فقال لي: اقاعد انت يا اصبغ قلت: نعم يا مولاي قال: ازيدك حديثاً آخر، قلت: نعم زادك اللّه من مزيدات الخير، قال: يا اصبغ لقيني رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض طرقات المدينة و أنا مغموم قد تبين الغم في وجهي، فقال لي: يا ابا الحسن أراك مغموماً ألا احدثك بحديث لا تغتم بعده ابداً؟ قلت: نعم، قال: اذا كان يوم القيامة نصب اللّه منبراً يعلو منابر النبيين والشهداء ثم يأمرني اللّه، اصعد فوقه، ثم يأمرك اللّه ان تصعد دوني بمرقاة، ثم يأمر اللّه ملكين فيجلسان دونك، بمرقاة، فاذا استقللنا على المنبر، لا يبقى احد من الاولين والآخرين الا حضر فينادي الملك الذي دونك بمرقاة، معاشر الناس، ألا من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا اعرفه بنفسي: انا رضوان خازن الجنان الا ان اللّه بمنه وكرمه وفضله وجلاله، أمرني ان ادفع مفاتيح الجنة الى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وان محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرني ان ادفعها الى علي بن ابي طالبعليه‌السلام . فاشهدوا لي عليه، ثم يقوم ذلك الذي تحت ذلك الملك بمرقاة مناديا، يسمع اهل الموقف: معاشر الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا اعرفه بنفسي: انا مالك خازن النيران الا ان اللّه بمنه وفضله وكرمه وجلاله، قد أمرني ان ادفع مفاتيح النار الى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وان محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أمرني ان ادفعها الى علي بن أبي طالبعليه‌السلام فاشهدوا لي عليه، فاخذ مفاتيح الجنان والنيران ثم قال: يا عليّ فتأخذ بحجزتي(١) واهل بيتك يأخذون بحجزتك

____________________

(١) الحجزة: مقعد الازار موضع التكة من السراويل.

٦٥

وشيعتك يأخذون بحجزة اهل بيتك، قالعليه‌السلام : فصفقت بكلتا يدي والى الجنة يا رسول اللّه، قال: اي وربّ الكعبة قال الاصبغ: فلم اسمع من مولاي غير هذين الحديثين ثم توفي صلوات اللّه عليه.

قال ابو الفرج ثم جمع له اطباء الكوفة فلم يكن منهم اعلم بجرحه من اثير بن عمرو بن هاني السلولي، وكان متطبباً(١) صاحب الكرسي، يعالج الجراحات وكان من الاربعين غلاما الذين كان ابن الوليد اصابهم في عين التمر(٢) فسباهم، فلما نظر أثير إلى جرح امير المؤمنينعليه‌السلام ، دعا برئة شاة حارة، فاستخرج منها عرقاً ثم نفخه، ثم استخرجه واذا عليه بياض الدماغ، فقال: يا امير المؤمنين اعهد عهدك فان عدو اللّه قد وصلت ضربته الى أم رأسك.

روى الشيخ يوسف بن حاتم الشامي في الدر النظيم عن الاصبغ بن نباتة قال: دعا أمير المؤمنين الحسن والحسينعليهم‌السلام لمّا ضربه ابن ملجم (لعنه اللّه) فقال: اني مقبوض في ليلتي هذه ولاحق برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاسمعا قولي، وعياه(٣) : أنت يا حسن وصيّي والقائم بالامر بعدي، وانت يا حسين شريكه في الوصية، فانصت(٤) ما نطق وكن لامره تابعاً ما بقي، فاذا خرج من الدنيا فأنت الناطق بعده والقائم بالامر، وعليكما بتقوى اللّه الذي لا ينجو الا من اطاعه، ولا يهلك الا من عصاه، واعتصما بحبله، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، ثم قال للحسنعليه‌السلام : انك ولي الأمر بعدي، فان عفوت عن قاتلي فذاك، وان قتلت فضربة مكان ضربة، واياك والمثلة، فان رسول اللّه (صلى اللّه عليه

____________________

(١) صيغة التفعل هنا للمبالغة.

(٢) عين التمر: بلدة في طرف البادية في غربي الفرات (منه).

(٣) من الوعي وهو الحفظ.

(٤) الانصات هو السكوت للاستماع.

٦٦

وآله وسلم) نهى عنها ولو بكلب عقور، واعلم ان الحسين وليّ الدم معك، يجري فيه مجراك وقد جعل اللّه تبارك وتعالى له على قاتلي سلطاناً كما جعل لك وان ابن ملجم ضربني ضربة فلم تعمل فثناها فعملت، فان عملت فيه ضربتك فذاك، وان لم تعمل فمر اخاك الحسين، وليضربه اخرى بحق ولايته، فانها ستعمل فيه فان الإِمامة له بعدك وجارية في ولده الى يوم القيامة، واياك ان تقتل بي غير قاتلي، فان اللّه عز وجل يقول: ولا تزر وازرة وزر اخرى (الوصية).

روى الشيخ المفيد وغيره عن مولى لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام قال لما حضرت امير المؤمنينعليه‌السلام الوفاة قال للحسن والحسينعليهما‌السلام : اذا أنا مت فاحملاني على سريري ثم اخرجاني، ثم احملا مؤخر السرير فانكما تكفيان مقدمه ثم اتيا بي الغريّ(١) فانكما ستريان صخرة بيضاء تلمع نوراً فاحتفرا فيها فانكما تجدان فيها ساجة، فادفناني فيها، قال فلما مات (صلوات اللّه عليه) اخرجناه وجعلنا نحمل مؤخر السرير ونكفى مقدمه وجعلنا نسمع دويا(٢) وحفيفاً حتى اتينا الغريين فاذا صخرة بيضاء تلمع نورها فاحتفرنا فاذا ساجة مكتوب عليها هذه مما ادخرها نوح لعلي بن ابي طالبعليه‌السلام فدفناه فيه وانصرفنا، ونحن مسرورن باكرام اللّه تعالى لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلحقنا قوم من الشيعة لم يشهدوا الصلاة عليه، فاخبرناهم بما جرى وباكرام اللّه لامير المؤمنينعليه‌السلام ، فقالوا نحب ان نعاين من امره ما عاينتم فقلنا لهم ان الموضع قد عفى أثره بوصية منهعليه‌السلام ، فمضوا وعادوا الينا فقالوا انهم احتفروا فلم يجدوا شيئاً.

____________________

(١) هو ارض النجف.

(٢) الدويُّ هو صدى الأصوات كدويِّ النحل.

٦٧

ورُوى عن جابر بن(١) يزيد، قال: سألت ابا جعفر محمد بن عليّ الباقرعليه‌السلام اين دفن امير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: دفن بناحية الغريين ودفن قبل طلوع الفجر، ودخل قبره الحسن والحسين ومحمد بنو عليّعليهم‌السلام وعبد اللّه بن(٢) جعفر، (رضي اللّه عنهما).

قال الشيخ المفيد فلم يزل قبرهعليه‌السلام مخفياً حتى دل عليه الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، في الدولة العباسية، وزاره عند وروده إلى أبي جعفر، وهو بالحيرة، فعرفته الشيعة واستأنفوا اذ ذاك زيارته، عليه وعلى ذريته الطاهرين السلام وكانت سنه يوم وفاته ثلاثاً وستين سنة.

قال محمد بن بطوطة، في رحلته التي سماها تحفة النظار في غرائب الامصار، وقد فرغ منها سنة ٧٥٦ هجري ستة وخمسين وسبعمائة في ذكر وروده من مكة الى مشهد مولانا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

ذكر الروضة والقبور التي بها، ويدخل من باب الحضرة الى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية(٣) من الشيعة ولكل وارد ضيافة ثلاثة ايام من الخبز واللحم والتمر، مرتين في اليوم، ومن تلك المدرسة يدخل الى باب القبة، وعلى بابها الحجاب والنقباء والطواشية(٤) ، فعندما يصل الزائر يقوم اليه احدهم او جميعهم، وذلك على قدر الزائر فيقفون معه على العتبة، ويستأذنون له، ويقولون عن امركم يا امير المؤمنين، هذا العبد الضعيف يستأذن على دخوله للروضة العلية، فان أذنتم له، والا رجع، وان لم يكن اهلا لذلك، فانتم اهل المكارم والستر ثم يأمرونه بتقبيل العتبة، وهي من الفضة، وكذلك العضادتان، ثم يدخل القبة وهي مفروشة بانواع البسط

____________________

(١) الظاهر انه الجعفي وهو من خواص اصحاب الصادقعليه‌السلام وقد سمع منه احاديث وله كرامات. راجع ترجمته في الرجال الكبير وغيره.

(٢) هو زوج زينب (سلام اللّه عليها). وهو من الأجواد، وله حكايات في السخاء.

(٣) أي العرفاء والزهاد والنساك (منه).

(٤) جمع طاش وهو ذو منصب خاص.

٦٨

من الحرير وسواه وبها قناديل الذهب والفضة منها الكبيرة والصغيرة وفي وسط القبة مسطبة(١) مربعة مكسوة بالخشب عليها صفائح الذهب المنقوشة المحكمة العمل مسمرة بمسامير(٢) الفضة، قد غلبت على الخشب بحيث لا يظهر منه شيء وارتفاعها دون القامة، وفوقها ثلاثة من القبور، يزعمون ان احدها قبر آدم (عليه الصلاة والسلام) والثاني قبر نوح (عليه الصلاة والسلام) والثالث قبر علي (رضي اللّه عنه) وبين القبور طسوت(٣) ذهب وفضة، فيها ماء الورد والمسك، وانواع الطيب، يغمس الزائر يده في ذلك، ويدهن به وجهه تبركاً، وللقبة باب آخر، عتبته ايضاً من الفضة وعليه ستور من الحرير الملون، يفضي الى مسجد مفروش بالبسط الحسان، مستورة حيطانه وسقفه بستور الحرير، وله اربعة ابواب، عتبتها فضة وعليها ستور الحرير، وأهل هذه المدينة كلهم رافضية، وهذه الروضة ظهرت لها كرامات ثبت بها عندهم، ان بها قبر علي (رضي اللّه عنه)، فمنها: ان في ليلة السابع والعشرين من رجب ويسمى عندهم ليلة المحيا يؤتى الى تلك الروضة بكل مقعد(٤) من العراقين وخراسان وبلاد فارس والروم، فيجتمع منهم الثلاثون والاربعون ونحو ذلك فاذا كان بعد العشاء الآخرة جعلوا عند الضريح المقدس، والناس ينتظرون قيامهم، وهم ما بين مصلّ وذاكر وتال ومشاهد للروضة، فاذا مضى من الليل نصفه، او ثلثاه او نحو ذلك، قام الجميع اصحاء من غير سوء، وهم يقولون لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه عليّ وليّ اللّه، وهذا امر مستفيض عندهم سمعته من الثقات، ولم أحضر تلك الليلة، لكني رأيت بمدرسة الضياف ثلاثة من الرجال احدهم من ارض الروم، والثاني من اصبهان، والثالث من خراسان، وهم مقعدون فاستخبرتهم على شأنهم، فاخبروني انهم لم يدركوا ليلة المحيا، وانهم ينتظرون.

____________________

(١) بفتح الميم وكسرها: مكان ممهد مرتفع قليلاً يقعد عليه.

(٢) جمع مسمار وهو الوتد من الحديد.

(٣) جمع طست وهو معرب طشت.

(٤) من لا يستطيع المشي على قدميه.

٦٩

أوانها من عام آخر، وهذه الليلة يجتمع لها الناس من البلاد ويقيمون سوقاً عظيمة، مدة عشرة ايام. الخ.

وقال ايضاً ورأيت بغربي جبانة الكوفة موضعاً مسوداً، شديد السّواد، في بسيط ابيض، فاخبرت انه قبر الشقي، ابن ملجم، وان أهل الكوفة يأتون كل سنة بالحطب الكثير، فيوقدون النار على موضع قبره سبعة ايام، وعلى قرب منه قبة، اخبرت انها على قبر المختار بن ابي عبيد (انتهت الحاجة من كلامه).

والاحاديث في فضل زيارة امير المؤمنينعليه‌السلام أكثر من أن تذكر.

رُوي عن ابن مارد انه قال لأبي عبد الله ( عليه السلام ): ما لمن زار جدك امير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال يا ابن مارد، من زار جدي عارفاً بحقه كتب اللّه له بكل خطوة حجة مقبولة، وعمرة مبرورة، واللّه يا ابن مارد ما يطعم اللّه النار قدماً اغبرت(١) في زيارة امير المؤمنينعليه‌السلام ماشياً او راكباً، يا ابن مارد اكتب هذا الحديث بماء الذهب.

____________________

(١) صارت مغبرة أي ذات غبار.

٧٠

النور الرابع.. الإِمام الثاني السيد الزكي ابو محمد الحسن بن علي بن ابي طالب سيد شباب اهل الجنة عليه السلام

ولدعليه‌السلام بالمدينة يوم الثلاثاء منتصف شهر رمضان سنة اثنتين او ثلاث من الهجرة.

روى الشيخ الصدوق باسناده عن الرضا عن آبائه عن علي بن الحسينعليهم‌السلام ، عن اسماء بنت عميس، قالت قَبَلتُ(١) جدتك فاطمةعليها‌السلام الحسن والحسينعليهما‌السلام فلما ولد الحسن جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا اسماء هاتي ابني فدفعته اليه في خرقة صفراء فرمى بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال: يا اسماء الم اعهد اليكم ان لا تلفوا المولود في خرقة صفراء، فلففته في خرقة بيضاء فدفعته إليه فأذّن في اذنه اليمنى، واقام في اليسرى، ثم قال لعليّ: بأي شيء سميت ابني قال: ما كنت اسبقك باسمه يا رسول اللّه، قد كنت احب ان اسميه حرباً، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : و لا اسبق انا باسمه ربي ثم هبط جبرائيل فقال: يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام ويقول: علي منك بمنزلة هارون من موسى، ولا نبي بعدك، سم ابنك هذا باسم ابن هارون. قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما اسم ابن هارون قال شبر، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لساني عربيّ قال جبرئيل سمه الحسن، فسماه الحسنعليه‌السلام ، فلما كان يوم سابعه عق النبي

____________________

(١) أي كنت القابلة عند ولاتها.

٧١

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه بكبشين املحين(١) واعطى القابلة فخذاً وديناراً فحلق رأسه وتصدق بوزن الشعر ورقاً(٢) وطلى رأسه بالخلوق(٣) ثم قال: يا اسماء الدم فعل الجاهلية. الخ.

وروى ايضاً عن جابر، قال: لما حملت فاطمةعليها‌السلام بالحسنعليه‌السلام فولدت وقد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرهم ان يلفوه في خرقة بيضاء فلفوه في صفراء وقالت فاطمة: يا عليّ سمّه، فقال: ما كنت لاسبق باسمه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخذه وقبله وأدخل لسانه في فيه فجعل الحسنعليه‌السلام يمصه، ثم قال لهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الم اتقدم اليكم ان لا تلفّوه في خرقة صفراء فدعا بخرقة بيضاء فلفه فيها فرمى بالصفراء، واذّن في اذنه اليمنى واقام في اليسرى، ثم قال لعليّعليه‌السلام : ما سميته، قال: ما كنت لاسبقك باسمه، قال: فأوحى اللّه عز ذكره الى جبرائيل، انه قد ولد لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابن، فاهبط اليه فأقرئه السلام وهنئه مني ومنك، وقل له: ان علياً منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون قال: ما كان اسمه قال شبر، قال: لساني عربي قال: سمه الحسن فسمّاه الحسن، فلما ولد الحسينعليه‌السلام جاء اليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ففعل به كما فعل بالحسن، وهبط جبرائيل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: ان اللّه عز وجل يقرئك السلام ويقول لك: ان علياً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمه باسم ابن هارون، قال: وما كان اسمه، شبير، قال: لساني عربي، قال فسمه الحسين، فسماه الحسين.

وفي كشف الغمة، ورُوي مرفوعاً الى عليعليه‌السلام ، قال: لما حضرت ولادة فاطمةعليها‌السلام ، قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله

____________________

(١) الاملح هو ما خالط شعره الأسود شعر أبيض.

(٢) أي فضة مسكوكة.

(٣) طيب مركب متخذ من الزعفران، وغيره.

٧٢

وسلم) لاسماء بنت عميس وام سلمة احضراها، فاذا وقع ولدها واستهل، فأذنا في اذنه اليمنى، وأقيما في اذنه اليسرى، فانه لا يفعل ذلك بمثله الا عصم من الشيطان، ولا تحدثا شيئاً حتى آتيكما، فلما ولدت فعلتا ذلك فأتاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسرّه ولبّاه بريقه، وقال اللهم اني اعيذه بك وولده من الشيطان الرجيم.

فصل في مناقب الإِمام الحسن عليه السلام

كان الحسن بن علي بن ابي طالبعليه‌السلام ، أعبد الناس في زمانه وازهدهم وافضلهم، وكان اذا حج، حج ماشياً وربما مشى حافياً، وكان اذا ذكر الموت بكى، واذا ذكر القبر بكى، واذا ذكر البعث والنّشور بكى، واذا ذكر الممر على الصراط بكى، واذا ذكر العرض على اللّه تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها، وكان اذا قام في صلاة ترتعد فرائصه(١) بين يدي ربه عز وجل، وكان اذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم وسأل اللّه الجنة، وتعوذ باللّه من النار، وكان لا يقرأ من كتاب اللّه عز وجل: يا ايها الذين آمنوا الا قال لبيك اللهم لبيك، ولم ير في شيء من احواله الا ذاكراً للّه سبحانه. وكان اصدق الناس لهجة، وكان اذا توضّأ ارتعدت مفاصله واصفر لونه، فقيل له في ذلك، فقال: حقّ على كل من وقف بين يدي رب العرش ان يصفر لونه وترتعد مفاصله. وكان اذا بلغ باب المسجد رفع رأسه، ويقول: الهي ضيفك ببابك، يا محسن قد اتاك المسيء فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك، يا كريم. وكان اذا فرغ من الفجر لم يتكلم، حتى تطلع الشمس. ولقد حج خمساً وعشرين حجة ماشياً وان النجائب لتقاد معه، وقاسم اللّه تعالى ماله مرتين، وروي ثلاث مرات، حتى انه كان يعطي من ماله نعلاً ويمسك خفاً.

____________________

(١) جمع الفريصة وهي اللحمة بين الجنب والكتف ترعد عند الفزع.

٧٣

وروُي انهعليه‌السلام كان يحضر مجلس رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن سبع سنين، فيسمع الوحي فيحفظه، فيأتي امه فيلقي اليها ما حفظه، كلما دخل عليّعليه‌السلام وجد عندها علماً بالتنزيل، فسألها عن ذلك فقالت: من ولدك الحسنعليه‌السلام فتخفى يوماً في الدار وقد دخل الحسن وقد سمع الوحي فأراد أن يلقيه اليها، فارتج(١) فعجبت امّه من ذلك فقال: لا تعجبي يا امّاه، فان كبيراً يسمعني، واستماعه قد أوقفني، فخرج عليّعليه‌السلام فقبّله، وفي رواية، يا اماه قلَّ بياني وكلَّ لساني، لعل سيداً يرعاني(٢) .

وعن انس بن مالك قال لم يكن احد اشبه برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحسن بن عليعليه‌السلام .

وعنه قال: حيَّت(٣) جارية للحسن بن عليعليه‌السلام بطاقة(٤) ريحان فقال لها: انت حرة لوجه اللّه، فقلت له في ذلك، فقال: ادبنا اللّه تعالى، فاذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردُّوها، وكان احسن منها اعتاقها.

وروي انه لم يسمع قط منهعليه‌السلام كلمة فيها مكروه، الا مرة واحدة، فانه كان بينه وبين عمرو بن عثمان خصومة في ارض، فقال له الحسنعليه‌السلام : ليس لعمرو عندنا الا ما يرغم انفه.

ومن حلمه ما روى المبرد(٥) وغيره أن شامياً رآه راكباً فجعل يلعنه، والحسنعليه‌السلام لا يرد، فلما فرغ أقبل الحسنعليه‌السلام

____________________

(١) أي فاضطرب.

(٢) أي يراقبني.

(٣) من التحية.

(٤) يعني باقة من زهر الريحان.

(٥) هو ابو العباس محمد بن يزيد البصري من كبار النحويين واللغويين. وكان امامي المذهب. مقبول القول عند الفريقين وله الكامل والمقتضب ومعاني القرآن توفي سنة ٢٨٥ ببغداد.

٧٤

فسلم عليه وضحك، فقال: أيها الشيخ اظنك غريباً، ولعلك شبهت، فلو اشبعتنا اعتبناك(١) ، ولو سألتنا اعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وان كنت جائعاً أشبعناك، وان كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وان كنت طريداً آويناك، وان كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك الينا وكنت ضيفنا الى وقت ارتحالك، كان أعود عليك، لأن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً، فلما سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: أشهد أنك خليفة اللّه في أرضه اللّه اعلم حيث يجعل رسالته، وكنت انت وابوك ابغض خلق اللّه الي، وحول رحله اليه وكان ضيفه الى ان ارتحل وصار معتقداً لمحبتهم.

وروي انه لما مات الحسنعليه‌السلام اخرجوا جنازته فحمل مروان بن الحكم سريره، فقال له الحسينعليه‌السلام : تحمل اليوم جنازته وكنت بالامس تجرعه الغيظ، قال مروان: نعم كنت افعل ذلك، بمن يوازن حلمه الجبال.

فصل في وفاة الإِمام الحسن عليه السلام

توفي الحسن بن عليعليه‌السلام بالسّم، يوم الخميس السابع من صفر سنة تسع واربعين، وكان ابن سبع واربعين، وقيل في الثامن والعشرين منه، وقيل في آخر صفر، ودفن بالبقيع من المدينة.

الكليني، عن ابي بكر الخضرمي، قال: ان جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي سمَّت الحسن بن عليّعليه‌السلام وسمَّت مولاة له، فأما

____________________

(١) أي ازلنا عنك العتبة (اي الشدائد).

٧٥

مولاته فقاءت السم، واما الحسن فاستمسك في بطنه ثم انتفط(١) به، فمات.

قلت: جعدة بنت الأشعث بن قيس، كانت ابنة ام فروة، اخت ابي بكر بن ابي قحافة.

رُوي ان معاوية بذل لها عشرة آلاف دينار، واقطاع عشرة ضياع من سقي سوراء(٢) وسواد الكوفة على ان تسم الحسنعليه‌السلام .

وقال الشيخ المفيد ضمن معاوية ان يزوجها بابنه يزيد، وأرسل اليها معاوية الف درهم، فسقته جعدة السم، فبقي اربعين يوماً مريضاً، ومضى لسبيله في صفر.

وذكر ابو الفرج في مقاتل الطالبيين ان الحسن بن عليّعليه‌السلام بعد صلحه لمعاوية انصرف الى المدينة، فأقام بها وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شيء اثقل عليه من امر الحسن بن عليعليه‌السلام ، وسعد بن(٣) أبي وقاص، فدس اليهما سما فماتا منه.

الاحتجاج، عن الاعمش، عن سالم بن ابي الجعد، قال: حدثني رجل منا قال: اتيت الحسن بن عليعليه‌السلام ، فقلت: يا ابن رسول اللّه اذللت رقابنا وجعلتنا معشر الشيعة عبيداً، ما بقي معك رجل، قال: ومم ذاك قال: قلت: بتسليمك الأمر لهذا الطاغية(٤) قال: واللّه ما سلّمت الأمر اليه الا أني لم اجد انصاراً، ولو وجدت انصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى

____________________

(١) نفط القدر (بالكسر) أي غلت، نفط يده: قرحت او تجمع فيها بين الجلد واللحم.

(٢) سوراء: بالمد والضم: موضع. قيل في جنب بغداد و يروى بالقصر (مراصد الاطلاع).

(٣) من اصحاب رسول اللّه. وكان من العشرة المبشرة بالجنة بزعمهم وكان فاتح فارس على عهد عمر. والرجل وان لم يبايع علياً الا انه لم يسبه وقد دعاه اليه معاوية مراراً. فخالفه واعلن بفضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام .

(٤) يعني به معاوية.

٧٦

يحكم اللّه بيني وبينه. ولكني عرفت اهل الكوفة وبلوتهم(١) ، ولا يصلح لي منهم ما كان فاسداً، انهم لا وفاء لهم، ولا ذمة(٢) في قول ولا فعل، إنهم لمختلفون، ويقولون لنا: ان قلوبهم معنا وان سيوفهم لمشهورة(٣) علينا، قال: وهو يكلمني: اذ تنخع الدم فدعا بطست، فحمل من بين يديه ملآن مما خرج من جوفه من الدم، فقلت له: ما هذا يا ابن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اني لأراك وجعاً قال أجل، دسّ إليّ هذا الطاغية من سقاني سمّاً، فقد وقع على كبدي فهو يخرج قطعاً كما ترى، قلت له: افلا تتداوى قال: قد سقاني مرتين وهذه الثالثة لا اجد لها دواء.

وروى الثقة الجليل عليّ بن محمد الخزاز القمي بسنده عن جنادة بن أبي اميّة، قال: دخلت على الحسن بن عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام في مرضه الذي توفّي فيه، وبين يديه طست يقذف عليه الدم، ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي اسقاه معاوية، فقلت: يا مولاي مالك لا تعالج نفسك فقال: يا عبد اللّه بماذا اعالج الموت، قلت: انا للّه وإنا اليه راجعون. ثم التفت اليّ فقال: واللّه لقد عهد الينا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان هذا الامر يملكه اثنا عشر اماماً من ولد عليّ وفاطمة، ما منا الا مسموم او مقتول. ثم رُفعت الطست وبكى قال، فقلت له: عظني يا ابن رسول اللّه قال: نعم استعد لسفرك وحصّل زادك قبل حلول اجلك، واعلم انك تطلب الدنيا والموت يطلبك، ولا تحمل هم يومك الذي لم يأت على يومك الذي انت فيه، وساق الكلام في ذكر موعظتهعليه‌السلام الى أن قال: ثم انقطع نفسه واصفر لونه حتى خشيت عليه ودخل الحسينعليه‌السلام ، والاسود بن ابي الاسود، فانكب(٤) ، عليه حتى قبّل رأسه وعينيه، ثم قعد عنده فتسارا جميعاً، فقال ابو الأسود: إنا للّه ان الحسن قد نُعَيت اليه نفسه، وقد أوصى الى الحسينعليه‌السلام ، وتوفّي يوم

____________________

(١) أي امتحنتهم.

(٢) أي الامان والعهد.

(٣) شهر سيفه: أي اخرجه من الغمد.

(٤) أي لزمه.

٧٧

الخميس في آخر صفر سنة خمسين من الهجرة وله سبعة واربعون سنة ودفن بالبقيع انتهى.

قلت: ومما اوصىعليه‌السلام الى اخيه الحسينعليه‌السلام ان قال: اذا انا متُّ فهيئني ثم وجهني الى قبر جدّي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأجدّد به عهداً، ثم ردني الى قبر جدتي فاطمة(١) فادفني هناك، وستعلم يا ابن امي ان القوم يظنون انكم تريدون دفني عند رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيجلبون(٢) في ذلك ويمنعونك منه، وباللّه اقسم عليك ان تهرق في امري محجمة(٣) دم، ثم وصى اليه باهله وولده، وتركاته، وما كان وصى اليه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حين استخلفه، فلما قبض (سلام اللّه عليه) غسله(٤) الحسينعليه‌السلام وكفنه وحمله على سريره وانطلق به الى مصلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي كان يصلي فيه على الجنائز، فصلى عليه ولم يشك مروان ومن معه من بني امية انهم سيدفنونه عند رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتجمعوا ولبسوا السلاح فلما توجه به الحسينعليه‌السلام الى قبر جده رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ليجدد به عهداً، اقبلوا اليه في جمعهم ولحقتهم الحميراء، على بغل، وهي تقول: مالي ولكم تريدون ان تدخلوا بيتي من لا أحبُّ، نحُّوا ابنكم عن بيتي فانه لا يدفن فيه شيء ولا يهتك على رسول اللّه حجابه:

منعته عن حرم النَّبي ضلالةً

وهو ابنهُ فلأيِّ امر يمنعُ

فكأنه روحُ النبَّي وقد رأت

بالبعد بينهما العلائق تقطعُ

____________________

(١) أي فاطمة بنت الاسد يعني ام ابيه أمير المؤمنين.

(٢) أي يتوعدون بالشر.

(٣) الة الحجامة وهي شيء كالكأس يفرغ من الهواء ويوضع على الجلد فيحدث فيه تهيجاً ويجذب الدم بقوة.

(٤) وفي كشف الغمة ولي غسله الحسين عليه السلام ومحمد والعباس واخوته وصلى عليه سعيد بن العاص.

٧٨

فقال لها الحسينعليه‌السلام : قديما هتكت انت وابوك حجاب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأدخلت بيته من لا يحب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قربه، وان اللّه تعالى يسألك عن ذلك، وجعل مروان يقول: يا رب هيجاء هي خير من دعة ايدفن عثمان في اقصى المدينة، ويدفن الحسن مع النبي، لا يكون ذلك ابدا، وانا(١) احمل السيف، وكادت الفتنة ان تقع بين بني هاشم وبين بني امية، فبادر ابن عباس الى مروان فقال له: ارجع يا مروان من حيث جئت فإنّا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنا نريد ان نجدد به عهداً بزيارته ثم نرده الى جدته فاطمة فندفنه عندها بوصيته بذلك، ولو كان اوصى بدفنه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلمت انك اقصر باعاً من ردنا عن ذلك لكنه كان أعلم باللّه وبرسوله وبحرمة قبره من ان يطرق عليه هدما كما طرق ذلك غيره، ودخل بيته بغير اذنه، وفي المناقب ورموا(٢) بالنبال جنازته حتى سل(٣) منها سبعون نبلاً.

وفي زيارة امير المؤمنين: وانتم بين صريع في المحراب قد فلق السيف هامته(٤) وشهيد فوق الجنازة قد شكت بالسهام اكفانه وقتيل بالعراء(٥) قد رفع فوق القناة رأسه ومكبل(٦) في السجن قد رضّت(٧) بالحديد اعضاؤه ومسموم قد قطعت بجرعة السم امعاؤه.

(اقول شكت بالشين بعدها الكاف أي خرقت وشبكت بالموحدة بينهما تصحيف، ففي الحديث ان رجلا دخل بيته فوجد حية فشكها بالرمح أي خرقها وانتظمها به).

____________________

(١) لفظ الواو هنا للحال.

(٢) الواو للعطف على ما سبق.

(٣) سل الشيء من الشيء: انتزعه واخرجه برفق.

(٤) الهامة: راس كل شيء وتطلق على الجثة.

(٥) العراء: الفضاء لا يستتر بشيء.

(٦) أي مقيد. والكبل بالفتح او الكسر: القيد، او اعظم ما يكون من القيد.

(٧) أي دقت.

٧٩

«وقال الشاعر في رثاء الحسنعليه‌السلام »:

نعش له الروحُ الأمينُ مشيِّع

وغدت به زمرُ الملائكِ تخضعُ

نَثَلوا له حقد الصدورِ فما يُرى

منها لِقوس بالكنانةِ منزعُ

ورموا جنازتَه فعادَ وجسمُهُ

غرض لراميةِ السهامِ وموقعُ

شكّوة حتى اصبحت من نعشهِ

تستلُّ غاشيةُ النبالِ وتنزعُ

روى المسعودي في مروج الذهب عن أهل البيتعليهم‌السلام ، انه لما دفن الحسنعليه‌السلام ، وقف محمد بن الحنفية اخوه على قبره فقال: ابا محمد لئن طابت حياتك، لقد فجع مماتك، وكيف لا تكون كذلك وانت خامس اهل الكساء، وابن محمد المصطفى، وابن عليّ المرتضى، وابن فاطمة الزهراء، وابن شجرة طوبى ثم انشأ يقول:

ءأدَهن رأسي ام تطيب مجالسي

وخدك معفور(٣) وأنت سليبُ(٤)

ءاَشرب ماءَ المزنِ(٥) من غير مائِهِ

وقد ضمن الاحشاءَ منكَ لهيبُ

سأبكيكَ ما ناحتْ حمامةُ ايكةٍ(٦)

وما اخضرّ في دوح(٧) الحجازِ قضيبُ(٨)

غريب(٩) واكناف الحجازِ تحوطهُ

الا كلّ من تحت الترابِ غريبُ

وفي المناقب، وقال الحسينعليه‌السلام لما وضع الحسنعليه‌السلام في لحده:

ءَاَدهن رأسي ام اطيب محاسني

ورأسك معفور وأنت سليب

____________________

(١) أي مجعول عليه التراب ومغبرة به.

(٢) أي مأخوذ عنا.

(٣) أي السحاب.

(٤) الشجر الكثير الاغصان.

(٥) الشجرد العظيمة او البيت الضخم. والمراد هنا الروض.

(٦) الشجرة الرطبة.

(٧) أي انت غريب.

٨٠