كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 282

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 282
المشاهدات: 25515
تحميل: 4337


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 282 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25515 / تحميل: 4337
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 14

مؤلف:
العربية

7 و من كتاب منه ع إليه أيضا

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَتَتْنِي مِنْكَ مَوْعِظَةٌ مُوَصَّلَةٌ وَ رِسَالَةٌ مُحَبَّرَةٌ نَمَّقْتَهَا بِضَلاَلِكَ وَ أَمْضَيْتَهَا بِسُوءِ رَأْيِكَ وَ كِتَابُ اِمْرِئٍ لَيْسَ لَهُ بَصَرٌ يَهْدِيهِ وَ لاَ قَائِدٌ يُرْشِدُهُ قَدْ دَعَاهُ اَلْهَوَى فَأَجَابَهُ وَ قَادَهُ اَلضَّلاَلُ فَاتَّبَعَهُ فَهَجَرَ لاَغِطاً وَ ضَلَّ خَابِطاً موعظة موصلة أي مجموعة الألفاظ من هاهنا و هاهنا و ذلك عيب في الكتابة و الخطابة و إنما الكاتب من يرتجل فيقول قولا فصلا أو يروي فيأتي بالبديع المستحسن و هو في الحالين كليهما ينفق من كيسه و لا يستعير كلام غيره.و الرسالة المحبرة المزينة الألفاظ كأنه ع يشير إلى أنه قد كان يظهر عليها أثر التكلف و التصنع.و التنميق التزيين أيضا.و هجر الرجل أي هذى و منه قوله تعالى في أحد التفسيرين( إِنَّ قَوْمِي اِتَّخَذُوا هذَا اَلْقُرْآنَ مَهْجُوراً ) .و اللاغط ذو اللغط و هو الصوت و الجلبة.

٤١

و خبط البعير فهو خابط إذا مشى ضالا فحبط بيديه كل ما يلقاه و لا يتوقى شيئا.و هذا الكتاب كتبه علي ع جوابا عن كتاب كتبه معاوية إليه في أثناء حرب صفين بل في أواخرها و كان كتاب معاوية من عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فإن الله تعالى يقول في محكم كتابه( وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ اَلْخاسِرِينَ ) و إني أحذرك الله أن تحبط عملك و سابقتك بشق عصا هذه الأمة و تفريق جماعتها فاتق الله و اذكر موقف القيامة و أقلع عما أسرفت فيه من الخوض في دماء المسلمين و إني سمعت رسول الله ص يقول لو تمالأ أهل صنعاء و عدن على قتل رجل واحد من المسلمين لأكبهم الله على مناخرهم في النار فكيف يكون حال من قتل أعلام المسلمين و سادات المهاجرين بله ما طحنت رحى حربه من أهل القرآن و ذي العبادة و الإيمان من شيخ كبير و شاب غرير كلهم بالله تعالى مؤمن و له مخلص و برسوله مقر عارف فإن كنت أبا حسن إنما تحارب على الإمرة و الخلافة فلعمري لو صحت خلافتك لكنت قريبا من أن تعذر في حرب المسلمين و لكنها ما صحت لك أنى بصحتها و أهل الشام لم يدخلوا فيها و لم يرتضوا بها و خف الله و سطواته و اتق بأسه و نكاله و أغمد سيفك عن الناس فقد و الله أكلتهم الحرب فلم يبق منهم إلا كالثمد في قرارة الغدير و الله المستعان.

فكتب علي ع إليه جوابا عن كتابه

٤٢

من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة و رسالة محبرة نمقتها بضلالك و أمضيتها بسوء رأيك و كتاب امرئ ليس له بصر يهديه و لا قائد يرشده دعاه الهوى فأجابه و قاده الضلال فاتبعه فهجر لاغطا و ضل خابطا فأما أمرك لي بالتقوى فأرجو أن أكون من أهلها و أستعيذ بالله من أن أكون من الذين إذا أمروا بها أخذتهم العزة بالإثم و أما تحذيرك إياي أن يحبط عملي و سابقتي في الإسلام فلعمري لو كنت الباغي عليك لكان لك أن تحذرني ذلك و لكني وجدت الله تعالى يقول( فَقاتِلُوا اَلَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي‏ءَ إِلى‏ أَمْرِ اَللَّهِ ) فنظرنا إلى الفئتين أما الفئة الباغية فوجدناها الفئة التي أنت فيها لأن بيعتي بالمدينة لزمتك و أنت بالشام كما لزمتك بيعة عثمان بالمدينة و أنت أمير لعمر على الشام و كما لزمت يزيد أخاك بيعة عمر و هو أمير لأبي بكر على الشام و أما شق عصا هذه الأمة فأنا أحق أن أنهاك عنه فأما تخويفك لي من قتل أهل البغي فإن رسول الله ص أمرني بقتالهم و قتلهم و قال لأصحابه إن فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله و أشار إلي و أنا أولى من اتبع أمره و أما قولك إن بيعتي لم تصح لأن أهل الشام لم يدخلوا فيها كيف و إنما هي بيعة واحدة تلزم الحاضر و الغائب لا يثنى فيها النظر و لا يستأنف فيها الخيار الخارج منها طاعن و المروي فيها مداهن فاربع على ظلعك و انزع سربال غيك و اترك ما لا جدوى له عليك فليس لك عندي إلا السيف حتى تفي‏ء إلى أمر الله صاغرا و تدخل في البيعة راغما و السلام

٤٣

وَ مِنْ هَذَا اَلْكِتَابِ مِنْهُ لِأَنَّهَا بَيْعَةٌ وَاحِدَةٌ لاَ يُثَنَّى فِيهَا اَلنَّظَرُ وَ لاَ يُسْتَأْنَفُ فِيهَا اَلْخِيَارُ اَلْخَارِجُ مِنْهَا طَاعِنٌ وَ اَلْمُرَوِّي فِيهَا مُدَاهِنٌ لا يثنى فيها النظر أي لا يعاود و لا يراجع ثانية و لا يستأنف فيها الخيار ليس بعد عقدها خيار لمن عقدها و لا لغيرهم لأنها تلزم غير العاقدين كما تلزم العاقدين فيسقط الخيار فيها الخارج منها طاعن على الأمة لأنهم أجمعوا على أن الاختيار طريق الإمامة.و المروي فيها مداهن أي الذي يرتئي و يبطئ عن الطاعة و يفكر و أصله من الروية و المداهن المنافق

٤٤

8 و من كتاب له ع إلى جرير بن عبد الله البجلي لما أرسله إلى معاوية

أَمَّا بَعْدُ فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي فَاحْمِلْ مُعَاوِيَةَ عَلَى اَلْفَصْلِ وَ خُذْهُ بِالْأَمْرِ اَلْجَزْمِ ثُمَّ خَيِّرْهُ بَيْنَ حَرْبٍ مُجْلِيَةٍ أَوْ سِلْمٍ مُخْزِيَةٍ فَإِنِ اِخْتَارَ اَلْحَرْبَ فَانْبِذْ إِلَيْهِ وَ إِنِ اِخْتَارَ اَلسِّلْمَ فَخُذْ بَيْعَتَهُ وَ اَلسَّلاَمُ قد تقدم ذكر نسب جرير بن عبد الله البجلي.و قوله ع فاحمل معاوية على الفصل أي لا تتركه متلكئا مترددا يطمعك تارة و يؤيسك أخرى بل احمله على أمر فيصل إما البيعة أو أن يأذن بالحرب.و كذلك قوله و خذه بالأمر الجزم أي الأمر المقطوع به لا تكن ممن يقدم رجلا و يؤخر أخرى و أصل الجزم القطع.و حرب مجلية تجلي المقهورين فيها عن ديارهم أي تخرجهم.و سلم مخزية أي فاضحة و إنما جعلها مخزية لأن معاوية امتنع أولا من البيعة فإذا دخل في السلم فإنما يدخل فيها بالبيعة و إذا بايع بعد الامتناع فقد دخل تحت الهضم و رضي بالضيم و ذلك هو الخزي.

٤٥

قوله فانبذ إليه من قوله تعالى( فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى‏ سَواءٍ ) و أصله العهد و الهدنة و عقد الحلف يكون بين الرجلين أو بين القبيلتين ثم يبدو لهما في ذلك فينتقلان إلى الحرب فينبذ أحدهما إلى الآخر عهده كأنه كتاب مكتوب بينهما قد نبذه أحدهما يوم الحرب و أبطله فاستعير ذلك للمجاهرة بالعداوة و المكاشفة و نسخ شريعة السلام السابقة بالحرب المعاقبة لها

٤٦

9 و من كتاب له ع إلى معاوية

فَأَرَادَ قَوْمُنَا قَتْلَ نَبِيِّنَا وَ اِجْتِيَاحَ أَصْلِنَا وَ هَمُّوا بِنَا اَلْهُمُومَ وَ فَعَلُوا بِنَا اَلْأَفَاعِيلَ وَ مَنَعُونَا اَلْعَذْبَ وَ أَحْلَسُونَا اَلْخَوْفَ وَ اِضْطَرُّونَا إِلَى جَبَلٍ وَعْرٍ وَ أَوْقَدُوا لَنَا نَارَ اَلْحَرْبِ فَعَزَمَ اَللَّهُ لَنَا عَلَى اَلذَّبِّ عَنْ حَوْزَتِهِ وَ اَلرَّمْيِ مِنْ وَرَاءِ حَوْمَتِهِ حُرْمَتِهِ مُؤْمِنُنَا يَبْغِي بِذَلِكَ اَلْأَجْرِ وَ كَافِرُنَا يُحَامِي عَنِ اَلْأَصْلِ وَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قُرَيْشٍ خِلْوٌ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِحِلْفٍ يَمْنَعُهُ أَوْ عَشِيرَةٍ تَقُومُ دُونَهُ فَهُوَ مِنَ اَلْقَتْلِ بِمَكَانِ أَمْنٍ وَ كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ ص إِذَا اِحْمَرَّ اَلْبَأْسُ وَ أَحْجَمَ اَلنَّاسُ قَدَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَوَقَى بِهِمْ أَصْحَابَهُ حَرَّ اَلسُّيُوفِ وَ اَلْأَسِنَّةِ فَقُتِلَ عُبَيْدَةُ بْنُ اَلْحَارِثِ يَوْمَ بَدْرٍ وَ قُتِلَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ وَ قُتِلَ جَعْفَرٌ يَوْمَ مُؤْتَةَ وَ أَرَادَ مَنْ لَوْ شِئْتُ ذَكَرْتُ اِسْمَهُ مِثْلَ اَلَّذِي أَرَادُوا مِنَ اَلشَّهَادَةِ وَ لَكِنَّ آجَالَهُمْ عُجِّلَتْ وَ مَنِيَّتَهُ أُخِّرَتْ أُجِّلَتْ فَيَا عَجَباً لِلدَّهْرِ إِذْ صِرْتُ يُقْرَنُ بِي مَنْ لَمْ يَسْعَ بِقَدَمِي وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ كَسَابِقَتِي اَلَّتِي لاَ يُدْلِي أَحَدٌ بِمِثْلِهَا إِلاَّ أَنْ يَدَّعِيَ مُدَّعٍ مَا لاَ أَعْرِفُهُ وَ لاَ أَظُنُّ اَللَّهَ يَعْرِفُهُ وَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَ أَمَّا مَا سَأَلْتَ مِنْ دَفْعِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ إِلَيْكَ فَإِنِّي نَظَرْتُ فِي هَذَا اَلْأَمْرِ فَلَمْ أَرَهُ يَسَعُنِي دَفْعُهُمْ إِلَيْكَ وَ لاَ إِلَى غَيْرِكَ وَ لَعَمْرِي لَئِنْ لَمْ تَنْزِعْ عَنْ غَيِّكَ وَ شِقَاقِكَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ عَنْ قَلِيلٍ يَطْلُبُونَكَ لاَ يُكَلِّفُونَكَ طَلَبَهُمْ فِي بَرٍّ وَ لاَ بَحْرٍ وَ لاَ جَبَلٍ

٤٧

وَ لاَ سَهْلٍ إِلاَّ أَنَّهُ طَلَبٌ يَسُوءُكَ وِجْدَانُهُ وَ زَوْرٌ لاَ يَسُرُّكَ لُقْيَانُهُ وَ اَلسَّلاَمُ لِأَهْلِهِ قوله ع فأراد قومنا يعني قريشا.و الاجتياح الاستئصال و منه الجائحة و هي السنة أو الفتنة التي تجتاح المال أو الأنفس.قوله و منعونا العذب أي العيش العذب لا أنهم منعوهم الماء العذب على أنه قد نقل أنهم منعوا أيام الحصار في شعب بني هاشم من الماء العذب و سنذكر ذلك.قوله و أحلسونا الخوف أي ألزموناه و الحلس كساء رقيق يكون تحت برذعة البعير و أحلاس البيوت ما يبسط تحت حر الثياب و في الحديث كن حلس بيتك أي لا تخالط الناس و اعتزل عنهم فلما كان الحلس ملازما ظهر البعير و أحلاس البيوت ملازمة لها قال و أحلسونا الخوف أي جعلوه لنا كالحلس الملازم.قوله و اضطرونا إلى جبل وعر مثل ضربه ع لخشونة مقامهم و شظف منزلهم أي كانت حالنا فيه كحال من اضطر إلى ركوب جبل وعر و يجوز أن يكون حقيقة لا مثلا لأن الشعب الذي حصروهم فيه مضيق بين جبلين.قوله فعزم الله لنا أي قضى الله لنا و وفقنا لذلك و جعلنا عازمين عليه.و الحوزة الناحية و حوزة الملك بيضته.

٤٨

و حومة الماء و الرمل معظمه.و الرمي عنها المناضلة و المحاماة و يروى و الرمي من وراء حرمته و الضمير في حوزته و حومته راجع إلى النبي ص و قد سبق ذكره و هو قوله نبينا و يروى و الرميا.و قال الراوندي و هموا بنا الهموم أي هموا نزول الهم بنا فحذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه و ليس ما قاله بجيد بل الهموم منصوب هاهنا على المصدر أي هموا بنا هموما كثيرة و هموا بنا أي أرادوا نهبنا كقوله تعالى وَ هَمَّ بِها على تفسير أصحابنا و إنما أدخل لام التعريف في الهموم أي هموا بنا تلك الهموم التي تعرفونها فأتى باللام ليكون أعظم و أكبر في الصدور من تنكيرها أي تلك الهموم معروفة مشهورة بين الناس لتكرر عزم المشركين في أوقات كثيرة مختلفة على الإيقاع.و قوله و فعلوا بنا الأفاعيل يقال لمن أثروا آثارا منكرة فعلوا بنا الأفاعيل و قل أن يقال ذلك في غير الضرر و الأذى و منه قول أمية بن خلف لعبد الرحمن بن عوف و هو يذكر حمزة بن عبد المطلب يوم بدر ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل.قوله يحامي عن الأصل أي يدافع عن محمد و يذب عنه حمية و محافظة على النسب.قوله خلو مما نحن فيه أي خال و الحلف العهد.و احمر البأس كلمة مستعارة أي اشتدت الحرب حتى احمرت الأرض من الدم فجعل البأس هو الأحمر مجازا كقولهم الموت الأحمر.

٤٩

قوله و أحجم الناس أي كفوا عن الحرب و جبنوا عن الإقدام يقال حجمت فلانا عن كذا أحجمه بالضم فأحجم هو و هذه اللفظة من النوادر كقولهم كببته فأكب.و يوم مؤتة بالهمز و مؤتة أرض معروفة.و قوله و أراد من لو شئت لذكرت اسمه يعني به نفسه.قوله إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي إشارة إلى معاوية في الظاهر و إلى من تقدم عليه من الخلفاء في الباطن و الدليل عليه قوله التي لا يدلي أحد بمثلها فأطلق القول إطلاقا عاما مستغرقا لكل الناس أجمعين.ثم قال إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه و لا أظن الله يعرفه أي كل من ادعى خلاف ما ذكرته فهو كاذب لأنه لو كان صادقا لكان علي ع يعرفه لا محالة فإذا قال عن نفسه إن كل دعوة تخالف ما ذكرت فإني لا أعرف صحتها فمعناه أنها باطلة.و قوله و لا أظن الله يعرفه فالظن هاهنا بمعنى العلم كقوله تعالى( وَ رَأَى اَلْمُجْرِمُونَ اَلنَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها ) و أخرج هذه الكلمة مخرج قوله تعالى( قُلْ أَ تُنَبِّئُونَ اَللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي اَلسَّماواتِ وَ لا فِي اَلْأَرْضِ ) و ليس المراد سلب العلم بل العلم بالسلب كذلك ليس مراده ع سلب الظن الذي هو بمعنى العلم بل ظن السلب أي علم السلب أي و أعلم أن الله سبحانه يعرف انتفاءه و كل ما يعلم الله انتفاءه فليس بثابت.و قال الراوندي قوله ع و لا أظن الله يعرفه مثل قوله تعالى( وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ اَلْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ اَلصَّابِرِينَ ) .

٥٠

و الله يعلم كل شي‏ء قبل وجوده و إنما معناه حتى نعلم جهادهم موجودا و ليست هذه الكلمة من الآية بسبيل لتجعل مثالا لها و لكن الراوندي يتكلم بكل ما يخطر له من غير أن يميز ما يقول.و تقول أدلى فلان بحجته أي احتج بها و فلان مدل برحمه أي مت بها و أدلى بماله إلى الحاكم دفعه إليه ليجعله وسيلة إلى قضاء حاجته منه فأما الشفاعة فلا يقال فيها أدليت و لكن دلوت بفلان أي استشفعت به و قال عمر لما استسقى بالعباسرحمه‌الله اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك و قفية آبائه و كبر رجاله دلونا به إليك مستشفعين قوله ع فلم أره يسعني أي لم أر أنه يحل لي دفعهم إليك و الضمير في أره ضمير الشأن و القصة و أره من الرأي لا من الرؤية كقولك لم أر الرأي الفلاني.و نزع فلان عن كذا أي فارقه و تركه ينزع بالكسر و الغي الجهل و الضلال.و الشقاق الخلاف.الوجدان مصدر وجدت كذا أي أصبته و الزور الزائر.و اللقيان مصدر لقيت تقول لقيته لقاء و لقيانا.ثم قال و السلام لأهله لم يستجز في الدين أن يقول له و السلام عليك لأنه عنده فاسق لا يجوز إكرامه فقال و السلام لأهله أي على أهله.و يجب أن نتكلم في هذا الفصل في مواضع منها ذكر ما جاء في السيرة من إجلاب قريش على رسول الله ص و بني هاشم و حصرهم في الشعب.

٥١

و منها الكلام في المؤمنين و الكافرين من بني هاشم الذين كانوا في الشعب محصورين معه ص من هم.و منها شرح قصة بدر.و منها شرح غزاة أحد.و منها شرح غزاة مؤتة

الفصل الأول إجلاب قريش على بني هاشم و حصرهم في الشعب

فأما الكلام في الفصل الأول فنذكر منه ما ذكره محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب السيرة و المغازي فإنه كتاب معتمد عند أصحاب الحديث و المؤرخين و مصنفه شيخ الناس كلهم.قال محمد بن إسحاقرحمه‌الله لم يسبق عليا ع إلى الإيمان بالله و رسالة محمد ص أحد من الناس اللهم إلا أن تكون خديجة زوجة رسول الله ص قال و قد كان ص يخرج و معه علي مستخفين من الناس فيصليان الصلوات في بعض شعاب مكة فإذا أمسيا رجعا فمكثا بذلك ما شاء الله أن يمكثا لا ثالث لهما ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما و هما يصليان فقال لمحمد ص يا ابن أخي ما هذا الذي تفعله فقال أي عم هذا دين الله و دين ملائكته و رسله و دين أبينا إبراهيم أو كما قال ع بعثني الله به رسولا إلى العباد و أنت أي عم أحق من بذلت له النصيحة و دعوته إلى الهدى و أحق من أجابني إليه و أعانني عليه أو كما قال فقال أبو طالب إني لا أستطيع يا ابن أخي أن أفارق

٥٢

ديني و دين آبائي و ما كانوا عليه و لكن و الله لا يخلص إليك شي‏ء تكرهه ما بقيت فزعموا أنه قال لعلي أي بني ما هذا الذي تصنع قال يا أبتاه آمنت بالله و رسوله و صدقته فيما جاء به و صليت إليه و اتبعت قول نبيه فزعموا أنه قال له أما إنه لا يدعوك أو لن يدعوك إلا إلى خير فالزمه.قال ابن إسحاق ثم أسلم زيد بن حارثة مولى رسول الله ص فكان أول من أسلم و صلى معه بعد علي بن أبي طالب ع.ثم أسلم أبو بكر بن أبي قحافة فكان ثالثا لهما ثم أسلم عثمان بن عفان و طلحة و الزبير و عبد الرحمن و سعد بن أبي وقاص فصاروا ثمانية فهم الثمانية الذين سبقوا الناس إلى الإسلام بمكة ثم أسلم بعد هؤلاء الثمانية أبو عبيدة بن الجراح و أبو سلمة بن عبد الأسد و أرقم بن أبي أرقم ثم انتشر الإسلام بمكة و فشا ذكره و تحدث الناس به و أمر الله رسوله أن يصدع بما أمر به فكانت مدة إخفاء رسول الله ص نفسه و شأنه إلى أن أمر بإظهار الدين ثلاث سنين فيما بلغني.قال محمد بن إسحاق و لم تكن قريش تنكر أمره حينئذ كل الإنكار حتى ذكر آلهتهم و عابها فأعظموا ذلك و أنكروه و أجمعوا على عداوته و خلافه و حدب عليه عمه أبو طالب فمنعه و قام دونه حتى مضى مظهرا لأمر الله لا يرده عنه شي‏ء قال فلما رأت قريش محاماة أبي طالب عنه و قيامه دونه و امتناعه من أن يسلمه مشى إليه رجال من أشراف قريش منهم عتبة بن ربيعة و شيبة أخوه و أبو سفيان بن حرب و أبو البختري بن هشام و الأسود بن المطلب و الوليد بن المغيرة و أبو جهل عمرو بن هشام

٥٣

و العاص بن وائل و نبيه و منبه ابنا الحجاج و أمثالهم من رؤساء قريش فقالوا يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا و عاب ديننا و سفه أحلامنا و ضلل آراءنا فإما أن تكفه عنا و إما أن تخلي بيننا و بينه فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا و ردهم ردا جميلا فانصرفوا عنه و مضى رسول الله ص على ما هو عليه يظهر دين الله و يدعو إليه ثم شرق الأمر بينه و بينهم تباعدا و تضاغنا حتى أكثرت قريش ذكر رسول الله ص بينها و تذامروا فيه و حض بعضهم بعضا عليه فمشوا إلى أبي طالب مرة ثانية فقالوا يا أبا طالب إن لك سنا و شرفا و منزلة فينا و إنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا و إنا و الله لا نصبر على شتم آبائنا و تسفيه أحلامنا و عيب آلهتنا فإما أن تكفه عنا أو ننازله و إياك حتى يهلك أحد الفريقين ثم انصرفوا فعظم على أبي طالب فراق قومه و عداوتهم و لم تطب نفسه بإسلام ابن أخيه لهم و خذلانه فبعث إليه فقال يا ابن أخي إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا و كذا للذي قالوا فأبق علي و على نفسك و لا تحملني من الأمر ما لا أطيقه قال فظن رسول الله ص أنه قد بدا لعمه فيه بداء و أنه خاذله و مسلمه و أنه قد ضعف عن نصرته و القيام دونه فقال يا عم و الله لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك ثم استعبر باكيا و قام فلما ولى ناداه أبو طالب أقبل يا ابن أخي فأقبل راجعا فقال له اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فو الله لا أسلمك لشي‏ء أبدا.

٥٤

قال ابن إسحاق و قال أبو طالب يذكر ما أجمعت عليه قريش من حربه لما قام بنصر محمد ص :

و الله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أوسد في التراب دفينا

فانفذ لأمرك ما عليك مخافة

و ابشر و قر بذاك منه عيونا

و دعوتني و زعمت أنك ناصحي

و لقد صدقت و كنت قبل أمينا

و عرضت دينا قد علمت بأنه

من خير أديان البرية دينا

لو لا الملامة أو حذاري سبة

لوجدتني سمحا بذاك مبينا

قال محمد بن إسحاق ثم إن قريشا حين عرفت أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله ص و إسلامه إليهم و رأوا إجماعه على مفارقتهم و عداوتهم مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي و كان أجمل فتى في قريش فقالوا له يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أبهى فتى في قريش و أجمله فخذه إليك فاتخذه ولدا فهو لك و أسلم لنا هذا ابن أخيك الذي قد خالف دينك و دين آبائك و فرق جماعة قومك لنقتله فإنما هو رجل برجل فقال أبو طالب و الله ما أنصفتموني تعطوني ابنكم أغذوه لكم و أعطيكم ابني تقتلونه هذا و الله ما لا يكون أبدا فقال له المطعم بن عدي بن نوفل و كان له صديقا مصافيا و الله يا أبا طالب ما أراك تريد أن تقبل من قومك شيئا لعمري قد جهدوا في التخلص مما تكره و أراك لا تنصفهم فقال أبو طالب و الله ما أنصفوني و لا أنصفتني و لكنك قد أجمعت على خذلاني و مظاهرة القوم علي فاصنع ما بدا لك

٥٥

قال فعند ذلك تنابذ القوم و صارت الأحقاد و نادى بعضهم بعضا و تذامروا بينهم على من في القبائل من المسلمين الذين اتبعوا محمدا ص فوثبت كل قبيلة على من فيها منهم يعذبونهم و يفتنونهم عن دينهم و منع الله رسوله منهم بعمه أبي طالب و قام في بني هاشم و بني عبد المطلب حين رأى قريشا تصنع ما تصنع فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله ص و القيام دونه فاجتمعوا إليه و قاموا معه و أجابوه إلى ما دعاهم إليه من الدفاع عن رسول الله ص إلا ما كان من أبي لهب فإنه لم يجتمع معهم على ذلك فكان أبو طالب يرسل إليه الأشعار و يناشده النصر منها القطعة التي أولها :

حديث عن أبي لهب أتانا

و كانفه على ذاكم رجال

و منها القطعة التي أولها :

أ ظننت عني قد خذلت و غالني

منك الغوائل بعد شيب المكبر

و منها القطعة التي أولها :

تستعرض الأقوام توسعهم

عذرا و ما إن قلت من عذر

قال محمد بن إسحاق فلم يؤثر عن أبي لهب خير قط إلا ما يروى أن أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي لما وثب عليه قومه ليعذبوه و يفتنوه عن الإسلام هرب منهم فاستجار بأبي طالب و أم أبي طالب مخزومية و هي أم عبد الله والد رسول الله ص فأجاره فمشى إليه رجال من بني مخزوم و قالوا له يا أبا طالب هبك منعت منا ابن أخيك محمدا فما لك و لصاحبنا تمنعه منا قال إنه استجار بي و هو ابن أختي و إن أنا لم أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي فارتفعت أصواتهم و أصواته فقام أبو لهب و لم ينصر أبا طالب قبلها و لا بعدها فقال يا معشر قريش و الله لقد أكثرتم على هذا

٥٦

الشيخ لا تزالون تتوثبون عليه في جواره من بين قومه أما و الله لتنتهن عنه أو لنقومن معه فيما قام فيه حتى يبلغ ما أراد فقالوا بل ننصرف عما تكره يا أبا عتبة فقاموا فانصرفوا و كان وليا لهم و معينا على رسول الله ص و أبي طالب فاتقوه و خافوا أن تحمله الحمية على الإسلام فطمع فيه أبو طالب حيث سمعه قال ما قال و أمل أن يقوم معه في نصرة رسول الله ص فقال يحرضه على ذلك :

و إن امرأ أبو عتيبة عمه

لفي معزل من أن يسام المظالما

و لا تقبلن الدهر ما عشت خطة

تسب بها أما هبطت المواسما

أقول له و أين منه نصيحتي

أبا عتبة ثبت سوادك قائما

و ول سبيل العجز غيرك منهم

فإنك لم تخلق على العجز لازما

و حارب فإن الحرب نصف و لن ترى

أخا الحرب يعطى الخسف حتى يسالما

كذبتم و بيت الله نبزى محمدا

و لما تروا يوما من الشعب قائما

و قال يخاطب أبا لهب أيضا :

عجبت لحلم يا ابن شيبة عازب

و أحلام أقوام لديك سخاف

يقولون شايع من أراد محمدا

بظلم و قم في أمره بخلاف

أضاميم إما حاسد ذو خيانة

و إما قريب عنك غير مصاف

فلا تركبن الدهر منه ذمامة

و أنت امرؤ من خير عبد مناف

و لا تتركنه ما حييت لمعظم

و كن رجلا ذا نجدة و عفاف

يذود العدا عن ذروة هاشمية

إلافهم في الناس خير إلاف

فإن له قربى لديك قريبة

و ليس بذي حلف و لا بمضاف

و لكنه من هاشم ذي صميمها

إلى أبحر فوق البحور طواف

٥٧

و زاحم جميع الناس عنه و كن له

وزيرا على الأعداء غير مجاف

و إن غضبت منه قريش فقل لها

بني عمنا ما قومكم بضعاف

و ما بالكم تغشون منه ظلامة

و ما بال أحقاد هناك خوافي

فما قومنا بالقوم يخشون ظلمنا

و ما نحن فيما ساءهم بخفاف

و لكننا أهل الحفائظ و النهى

و عز ببطحاء المشاعر واف

قال محمد بن إسحاق فلما طال البلاء على المسلمين و الفتنة و العذاب و ارتد كثير عن الدين باللسان لا بالقلب كانوا إذا عذبوهم يقولون نشهد أن هذا الله و أن اللات و العزى هي الآلهة فإذا خلوا عنهم عادوا إلى الإسلام فحبسوهم و أوثقوهم بالقد و جعلوهم في حر الشمس على الصخر و الصفا و امتدت أيام الشقاء عليهم و لم يصلوا إلى محمد ص لقيام أبي طالب دونه فأجمعت قريش على أن يكتبوا بينهم و بين بني هاشم صحيفة يتعاقدون فيها ألا يناكحوهم و لا يبايعوهم و لا يجالسوهم فكتبوها و علقوها في جوف الكعبة تأكيدا على أنفسهم و كان كاتبها منصور بن عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي فلما فعلوا ذلك انحازت هاشم و المطلب فدخلوا كلهم مع أبي طالب في الشعب فاجتمعوا إليه و خرج منهم أبو لهب إلى قريش فظاهرها على قومه.قال محمد بن إسحاق فضاق الأمر ببني هاشم و عدموا القوت إلا ما كان يحمل إليهم سرا و خفية و هو شي‏ء قليل لا يمسك أرماقهم و أخافتهم قريش فلم يكن يظهر منهم أحد و لا يدخل إليهم أحد و ذلك أشد ما لقي رسول الله ص و أهل بيته بمكة.قال محمد بن إسحاق فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا حتى جهدوا ألا يصل إليهم

٥٨

شي‏ء إلا القليل سرا ممن يريد صلتهم من قريش و قد كان أبو جهل بن هشام لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى معه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة بنت خويلد و هي عند رسول الله محاصرة في الشعب فتعلق به و قال أ تحمل الطعام إلى بني هاشم و الله لا تبرح أنت و طعامك حتى أفضحك بمكة فجاءه أبو البختري العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى فقال ما لك و له قال إنه يحمل الطعام إلى بني هاشم فقال أبو البختري يا هذا إن طعاما كان لعمته عنده بعثت إليه فيه أ فتمنعه أن يأتيها بطعامها خل سبيل الرجل فأبى أبو جهل حتى نال كل منهما من صاحبه فأخذ له أبو البختري لحي بعير فضربه به فشجه و وطئه وطئا شديدا فانصرف و هو يكره أن يعلم رسول الله ص و بنو هاشم بذلك فيشمتوا فلما أراد الله تعالى من إبطال الصحيفة و الفرج عن بني هاشم من الضيق و الأزل الذي كانوا فيه قام هشام بن عمرو بن الحارث بن حبيب بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي في ذلك أحسن قيام و ذلك أن أباه عمرو بن الحارث كان أخا لنضلة بن هاشم بن عبد مناف بن قصي من أمه فكان هشام بن عمرو يحسب لذلك واصلا ببني هاشم و كان ذا شرف في قومه بني عامر بن لؤي فكان يأتي بالبعير ليلا و قد أوقره طعاما و بنو هاشم و بنو المطلب في الشعب حتى إذا أقبل به فم الشعب فمنع بخطامه من رأسه ثم يضربه على جنبه فيدخل الشعب عليهم ثم يأتي به مرة أخرى و قد أوقره تمرا فيصنع به مثل ذلك ثم إنه مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي فقال يا زهير أ رضيت أن تأكل الطعام و تشرب الشراب و تلبس الثياب و تنكح النساء و أخوالك حيث قد علمت لا يبتاعون و لا يبتاع منهم و لا ينكحون و لا ينكح إليهم و لا يواصلون و لا يزارون أما إني أحلف لو كان أخوك أبو الحكم بن هشام و دعوته إلى مثل ما دعاك

٥٩

إليه منهم ما أجابك أبدا قال ويحك يا هشام فما ذا أصنع إنما أنا رجل واحد و الله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقض هذه الصحيفة القاطعة قال قد وجدت رجلا قال من هو قال أنا قال زهير أبغنا ثالثا فذهب إلى مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف فقال له يا مطعم أ رضيت أن يهلك بطنان من عبد مناف جوعا و جهدا و أنت شاهد على ذلك موافق لقريش فيه أما و الله لئن أمكنتموهم من هذا لتجدن قريشا إلى مساءتكم في غيره سريعة قال ويحك ما ذا أصنع إنما أنا رجل واحد قال قد وجدت ثانيا قال من هو قال أنا قال أبغني ثالثا قال قد وجدت قال من هو قال زهير بن أمية قال أنا قال أبغنا رابعا فذهب إلى أبي البختري بن هشام فقال له نحو ما قال للمطعم قال و هل من أحد يعين على هذا قال نعم و ذكرهم قال فأبغنا خامسا فمضى إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى فكلمه فقال و هل يعين على ذلك من أحد قال نعم ثم سمى له القوم فاتعدوا خطم الحجون ليلا بأعلى مكة فأجمعوا أمرهم و تعاقدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها و قال زهير أنا أبدؤكم و أكون أولكم يتكلم فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم و غدا زهير بن أبي أمية عليه حلة له فطاف بالبيت سبعا ثم أقبل على الناس فقال يا أهل مكة أ نأكل الطعام و نشرب الشراب و نلبس الثياب و بنو هاشم هلكى و الله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة و كان أبو جهل في ناحية المسجد فقال كذبت و الله لا تشق فقال زمعة بن الأسود لأبي جهل و الله أنت أكذب ما رضينا و الله بها حين كتبت فقال أبو البختري معه صدق و الله زمعة لا نرضى بها و لا نقر بما كتب فيها فقال المطعم بن عدي صدقا و الله و كذب من قال غير ذلك نبرأ إلى الله منها و مما كتب فيها و قال هشام بن عمرو مثل قولهم فقال أبو جهل هذا أمر قضي بليل و قام مطعم بن عدي إلى الصحيفة فحطها و شقها فوجد الأرضة قد أكلتها إلا

٦٠