كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 282

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 282
المشاهدات: 25522
تحميل: 4340


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 282 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25522 / تحميل: 4340
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 14

مؤلف:
العربية

أرواقها و جاء الناس يضجون الغرق الغرق يا رسول الله فقال اللهم حوالينا و لا علينا فانجاب السحاب عن المدينة حتى استدار حولها كالإكليل فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه ثم قال لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عينه من ينشدنا قوله فقام علي فقال يا رسول الله لعلك أردت

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه

قال أجل فأنشده أبياتا من هذه القصيدة و رسول الله يستغفر لأبي طالب على المنبر ثم قام رجل من كنانة فأنشده:

لك الحمد و الحمد ممن شكر

سقينا بوجه النبي المطر

دعا الله خالقه دعوة

إليه و أشخص منه البصر

فما كان إلا كما ساعة

أو أقصر حتى رأينا الدرر

دفاق العزالي و جم البعاق

أغاث به الله عليا مضر

فكان كما قاله عمه

أبو طالب ذو رواء غرر

به يسر الله صوب الغمام

فهذا العيان و ذاك الخبر

فمن يشكر الله يلق المزيد

و من يكفر الله يلق الغير

فقال رسول الله إن يكن شاعر أحسن فقد أحسنت قالوا و إنما لم يظهر أبو طالب الإسلام و يجاهر به لأنه لو أظهره لم يتهيأ له من نصرة النبي ص ما تهيأ له و كان كواحد من المسلمين الذين اتبعوه نحو أبي بكر و عبد الرحمن بن عوف و غيرهما ممن أسلم و لم يتمكن من نصرته و القيام دونه

٨١

حينئذ و إنما تمكن أبو طالب من المحاماة عنه بالثبات في الظاهر على دين قريش و إن أبطن الإسلام كما لو أن إنسانا كان يبطن التشيع مثلا و هو في بلد من بلاد الكرامية و له في ذلك البلد وجاهة و قدم و هو يظهر مذهب الكرامية و يحفظ ناموسه بينهم بذلك و كان في ذلك البلد نفر يسير من الشيعة لا يزالون ينالون بالأذى و الضرر من أهل ذلك البلد و رؤسائه فإنه ما دام قادرا على إظهار مذهب أهل البلد يكون أشد تمكنا من المدافعة و المحاماة عن أولئك النفر فلو أظهر ما يجوز من التشيع و كاشف أهل البلد بذلك صار حكمه حكم واحد من أولئك النفر و لحقه من الأذى و الضرر ما يلحقهم و لم يتمكن من الدفاع أحيانا عنهم كما كان أولا.قلت فأما أنا فإن الحال ملتبسة عندي و الأخبار متعارضة و الله أعلم بحقيقة حاله كيف كانت.و يقف في صدري رسالة النفس الزكية إلى المنصور و قوله فيها فأنا ابن خير الأخيار و أنا ابن شر الأشرار و أنا ابن سيد أهل الجنة و أنا ابن سيد أهل النار.فإن هذه شهادة منه على أبي طالب بالكفر و هو ابنه و غير متهم عليه و عهده قريب من عهد النبي ص لم يطل الزمان فيكون الخبر مفتعلا.و جملة الأمر أنه قد روي في إسلامه أخبار كثيرة و روي في موته على دين قومه أخبار كثيرة فتعارض الجرح و التعديل فكان كتعارض البينتين عند الحاكم و ذلك يقتضي التوقف فأنا في أمره من المتوقفين.

٨٢

فأما الصلاة و كونه لم ينقل عنه أنه صلى فيجوز أن يكون لأن الصلاة لم تكن بعد قد فرضت و إنما كانت نفلا غير واجب فمن شاء صلى و من شاء ترك و لم تفرض إلا بالمدينة و يمكن أن يقول أصحاب الحديث إذا تعارض الجرح و التعديل كما قد أشرتم إليه فالترجيح عند أصحاب أصول الفقه لجانب الجرح لأن الجارح قد اطلع على زيادة لم يطلع عليها المعدل.و لخصومهم أن يجيبوا عن هذا فنقول إن هذا إنما يقال و يذكر في أصول الفقه في طعن مفصل في مقابلة تعديل مجمل مثاله أن يروي شعبة مثلا حديثا عن رجل فهو بروايته عنه قد وثقه و يكفي في توثيقه له أن يكون مستور الحال ظاهره العدالة فيطعن فيه الدار قطني مثلا بأن يقول كان مدلسا أو كان يرتكب الذنب الفلاني فيكون قد طعن طعنا مفصلا في مقابلة تعديل مجمل و فيما نحن فيه و بصدده الروايتان متعارضتان تفصيلا لا إجمالا لأن هؤلاء يروون أنه تلفظ بكلمتي الشهادة عند الموت و هؤلاء يروون أنه قال عند الموت أنا على دين الأشياخ.و بمثل هذا يجاب على من يقول من الشيعة روايتنا في إسلامه أرجح لأنا نروي حكما إيجابيا و نشهد على إثبات و خصومنا يشهدون على النفي و لا شهادة على النفي و ذلك أن الشهادة في الجانبين معا إنما هي على إثبات و لكنه إثبات متضاد.و صنف بعض الطالبيين في هذا العصر كتابا في إسلام أبي طالب و بعثه إلي و سألني أن أكتب عليه بخطي نظما أو نثرا أشهد فيه بصحة ذلك و بوثاقة الأدلة عليه فتحرجت أن أحكم بذلك حكما قاطعا لما عندي من التوقف فيه و لم أستجز أن أقعد عن تعظيم أبي طالب فإني أعلم أنه لولاه لما قامت للإسلام دعامة و أعلم أن حقه واجب على كل مسلم في الدنيا إلى أن تقوم الساعة فكتبت على ظاهر المجلد

٨٣

و لو لا أبو طالب و ابنه

لما مثل الدين شخصا فقاما

فذاك بمكة آوى و حامى

و هذا بيثرب جس الحماما

تكفل عبد مناف بأمر

و أودى فكان علي تماما

فقل في ثبير مضى بعد ما

قضى ما قضاه و أبقى شماما

فلله ذا فاتحا للهدى

و لله ذا للمعالي ختاما

و ما ضر مجد أبي طالب

جهول لغا أو بصير تعامى

كما لا يضر إياة الصباح

من ظن ضوء النهار الظلاما

فوفيته حقه من التعظيم و الإجلال و لم أجزم بأمر عندي فيه وقفة

الفصل الثالث قصة غزوة بدر

الفصل الثالث في شرح القصة في غزاة بدر و نحن نذكر ذلك من كتاب المغازي لمحمد بن عمر الواقدي و نذكر ما عساه زاده محمد بن إسحاق في كتاب المغازي و ما زاده أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري في تاريخ الأشراف.قال الواقدي بلغ رسول الله ص أن عير قريش قد فصلت من مكة تريد الشام و قد جمعت قريش فيها أموالها فندب لها أصحابه و خرج يعترضها على رأس ستة عشر شهرا من مهاجره ع فخرج في خمسين و مائة و يقال في مائتين فلم يلق العير و فاتته ذاهبة إلى الشام و هذه غزاة ذي العشيرة رجع منها إلى المدينة فلم يلق حربا فلما تحين انصراف العير من الشام قافلة ندب أصحابه لها و بعث طلحة بن عبيد الله و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قبل خروجه من المدينة بعشر ليال

٨٤

يتجسسان خبر العير حتى نزلا على كشد الجهني بالموضع المعروف بالنخبار و هو من وراء ذي المروة على الساحل فأجارهما و أنزلهما فلم يزالا مقيمين في خباء وبر حتى مرت العير فرفعهما على نشز من الأرض فنظرا إلى القوم و إلى ما تحمل العير و جعل أهل العير يقولون لكشد يا كشد هل رأيت أحدا من عيون محمد فيقول أعوذ بالله و أنى لمحمد عيون بالنخبار فلما راحت العير باتا حتى أصبحا ثم خرجا و خرج معهما كشد خفيرا حتى أوردهما ذا المروة و ساحلت العير فأسرعت و سار بها أصحابها ليلا و نهارا فرقا من الطلب و قدم طلحة و سعيد المدينة في اليوم الذي لقي رسول الله ص قريشا ببدر فخرجا يعترضان رسول الله ص فلقياه بتربان و تربان بين ملل و السالة على المحجة و كانت منزل عروة بن أذينة الشاعر و قدم كشد بعد ذلك على النبي ص و قد أخبر طلحة و سعيد رسول الله ص بما صنع بهما فحباه و أكرمه و قال أ لا أقطع لك ينبع قال إني كبير و قد نفد عمري و لكن أقطعها لابن أخي فأقطعها له قالوا و ندب رسول الله ص المسلمين و قال هذه عير قريش فيها أموالهم لعل الله أن يغنمكموها فأسرع من أسرع حتى إن كان الرجل ليساهم أباه في الخروج فكان ممن ساهم أباه سعد بن خيثمة فقال سعد لأبيه إنه لو كان غير الجنة آثرتك به إني لأرجو الشهادة في وجهي هذا فقال خيثمة آثرني و قر مع نسائك فأبى سعد فقال خيثمة إنه لا بد لأحدنا من أن يقيم فاستهما فخرج سهم سعد فقتل ببدر و أبطأ عن النبي ص بشر كثير من أصحابه و كرهوا خروجه و كان في ذلك كلام كثير و اختلاف و بعضهم تخلف من أهل النيات و البصائر لم يظنوا أنه يكون قتال إنما هو الخروج للغنيمة و لو ظنوا أنه يكون قتال لما تخلفوا منهم أسيد

٨٥

بن حضير فلما قدم رسول الله ص قال أسيد الحمد لله الذي سرك و أظهرك على عدوك و الذي بعثك بالحق ما تخلفت عنك رغبة بنفسي عن نفسك و لا ظننت أنك تلاقي عدوا و لا ظننت إلا أنها العير فقال له رسول الله ص صدقت.قال و خرج رسول الله ص حتى انتهى إلى المكان المعروف بالبقع و هي بيوت السقيا و هي متصلة ببيوت المدينة فضرب عسكره هناك و عرض المقاتلة فعرض عبد الله بن عمر و أسامة بن زيد و رافع بن خديج و البراء بن عازب و أسيد بن ظهير و زيد بن أرقم و زيد بن ثابت فردهم و لم يجزهم.قال الواقدي فحدثني أبو بكر بن إسماعيل عن أبيه عن عامر بن سعد عن أبيه قال رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله ص يتوارى فقلت ما لك يا أخي قال إني أخاف أن يراني رسول الله ص فيستصغرني فيردني و أنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة قال فعرض على رسول الله ص فاستصغره فقال ارجع فبكى عمير فأجازه.قال فكان سعد يقول كنت أعقد له حمائل سيفه من صغره فقتل ببدر و هو ابن ست عشرة سنة.قال فلما نزل ع بيوت السقيا أمر أصحابه أن يستقوا من بئرهم و شرب ع منها كان أول من شرب و صلى عندها و دعا يومئذ لأهل المدينة،فقال

٨٦

اللهم إن إبراهيم عبدك و خليلك و نبيك دعاك لأهل مكة و إني محمد عبدك و نبيك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في صاعهم و مدهم و ثمارهم اللهم حبب إلينا المدينة و اجعل ما بها من الوباء بخم اللهم إني حرمت ما بين لابتيها كما حرم إبراهيم خليلك مكة.قال الواقدي و خم على ميلين من الجحفة.و قدم رسول الله ص أمامه عدي بن أبي الزغباء و بسيس بن عمرو و جاء إليه عبد الله بن عمرو بن حرام فقال يا رسول الله لقد سرني منزلك هذا و عرضك فيه أصحابك و تفاءلت به إن هذا منزلنا في بني سلمة حيث كان بيننا و بين أهل حسيكة ما كان.قال الواقدي هي حسيكة الذباب و الذباب جبل بناحية المدينة و كان بحسيكة يهود و كان لهم بها منازل.قال عبد الله بن عمرو بن حرام فعرضنا يا رسول الله هاهنا أصحابنا فأجزنا من كان يطيق السلاح و رددنا من صغر عن حمل السلاح ثم سرنا إلى يهود حسيكة و هم أعز يهود كانوا يومئذ فقتلناهم كيف شئنا فذلت لنا سائر يهود إلى اليوم و أنا أرجو يا رسول الله أن نلتقي نحن و قريش فيقر الله عينك منهم.قال الواقدي و كان خلاد بن عمرو بن الجموح لما كان من النهار رجع إلى أهله بخرباء فقال له أبوه عمرو بن الجموح ما ظننت إلا أنكم قد سرتم فقال إن رسول الله ص يعرض الناس بالبقيع فقال عمرو نعم الفأل و الله إني لأرجو أن تغنموا و أن تظفروا بمشركي قريش إن هذا منزلنا يوم سرنا إلى حسيكة

٨٧

قال فإن رسول الله ص قد غير اسمه و سماه السقيا قال فكانت في نفسي أن أشتريها حتى اشتراها سعد بن أبي وقاص ببكرين و يقال بسبع أواق فذكر للنبي ص أن سعدا اشتراها فقال ربح البيع.قال الواقدي فراح رسول الله ص من بيوت السقيا لاثنتي عشرة ليلة مضت من رمضان و خرج المسلمون معه ثلاثمائة و خمسة و تخلف ثمانية ضرب لهم بسهامهم و أجورهم فكانت الإبل سبعين بعيرا و كانوا يتعاقبون الإبل الاثنين و الثلاثة و الأربعة فكان رسول الله ص و علي بن أبي طالب ع و مرثد بن أبي مرثد و يقال زيد بن حارثة مكان مرثد يتعاقبون بعيرا واحدا و كان حمزة بن عبد المطلب و زيد بن حارثة و أبو كبشة و أنسة موالي النبي ص على بعير و كان عبيدة بن الحارث و الطفيل و الحصين ابنا الحارث و مسطح بن أثاثة على بعير لعبيدة بن الحارث ناضح ابتاعه من أبي داود المازني و كان معاذ و عوف و معوذ بنو عفراء و مولاهم أبو الحمراء على بعير و كان أبي بن كعب و عمارة بن حزام و حارثة بن النعمان على بعير و كان خراش بن الصمة و قطبة بن عامر بن حديدة و عبد الله بن عمرو بن حزام على بعير و كان عتبة بن غزوان و طليب بن عمير على جمل لعتبة بن غزوان يقال له العبس و كان مصعب بن عمير و سويبط بن حرملة و مسعود بن ربيع على جمل لمصعب و كان عمار بن ياسر و عبد الله بن مسعود على بعير و كان عبد الله بن كعب و أبو داود المازني و سليط بن قيس على جمل لعبد الله بن كعب و كان عثمان بن عفان و قدامة بن مظعون و عبد الله بن مظعون و السائب بن عثمان على بعير يتعاقبون و كان أبو بكر و عمر و عبد الرحمن بن عوف على بعير و كان سعد بن معاذ و أخوه و ابن أخيه الحارث بن أوس و الحارث بن أنس على جمل لسعد بن معاذ ناضح يقال له الذيال و كان سعيد بن زيد و سلمة بن

٨٨

سلامة بن وقش و عباد بن بشر و رافع بن يزيد على ناضح لسعيد بن زيد ما تزودوا إلا صاعا من تمر.قال الواقدي فروى معاذ بن رفاعة عن أبيه قال خرجت مع النبي ص إلى بدر و كان كل ثلاثة يتعاقبون بعيرا فكنت أنا و أخي خلاد بن رافع على بكر لنا و معنا عبيدة بن يزيد بن عامر فكنا نتعاقب فسرنا حتى إذا كنا بالروحاء إذ مر بنا بكرنا و برك علينا و أعيا فقال أخي اللهم إن لك علي نذرا لئن رددتنا إلى المدينة لأنحرنه فمر بنا النبي ص و نحن على تلك الحال فقلنا يا رسول الله برك علينا بكرنا فدعا بماء فتمضمض و توضأ في إناء ثم قال افتحا فاه ففعلنا فصبه في فيه ثم على رأسه ثم على عنقه ثم على حاركه ثم على سنامه ثم على عجزه ثم على ذنبه ثم قال اركبا و مضى رسول الله ص فلحقناه أسفل من المنصرف و إن بكرنا لينفر بنا حتى إذا كنا بالمصلى راجعين من بدر برك علينا فنحره أخي فقسم لحمه و تصدق به.قال الواقدي و قد روي أن سعد بن عبادة حمل في بدر على عشرين جملا.قال و روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قال فخرجنا إلى بدر مع رسول الله ص و معنا سبعون بعيرا فكانوا يتعاقبون الثلاثة و الأربعة و الاثنان على بعير و كنت أنا من أعظم أصحاب النبي ع عنه غناء و أرجلهم رجلة و أرماهم لسهم لم أركب خطوة ذاهبا و لا راجعا

قال الواقدي و قال رسول الله ص حين فصل من بيوت السقيا اللهم إنهم حفاة فاحملهم و عراة فاكسهم و جياع فأشبعهم و عالة فأغنهم من فضلك فما رجع أحد منهم يريد أن يركب إلا وجد ظهرا للرجل البعير و البعيران و اكتسى

٨٩

من كان عاريا و أصابوا طعاما من أزوادهم و أصابوا فداء الأسرى فأغنى به كل عائل.قال و استعمل رسول الله ص على المشاة قيس بن أبي صعصعة و اسم أبي صعصعة عمر بن يزيد بن عوف بن مبذول و أمره النبي ص حين فصل من بيوت السقيا أن يعد المسلمين فوقف لهم ببئر أبي عبيدة يعدهم ثم أخبر النبي ص و خرج من بيوت السقيا حتى سلك بطن العقيق ثم سلك طريق المكيمن حتى خرج على بطحاء بن أزهر فنزل تحت شجرة هناك فقام أبو بكر إلى حجارة هناك فبنى منها مسجدا فصلى فيه رسول الله و أصبح يوم الاثنين و هو هناك ثم صار إلى بطن ملل و تربان بين الحفيرة و ملل.قال الواقدي فكان سعد بن أبي وقاص يقول لما كنا بتربان قال لي رسول الله ص يا سعد انظر إلى الظبي فأفوق له بسهم و قام رسول الله ص فوضع رأسه بين منكبي و أذني ثم قال اللهم سدد رميته قال فما أخطأ سهمي عن نحره فتبسم رسول الله ص و خرجت أعدو فأخذته و به رمق فذكيته فحملناه حتى نزلنا قريبا و أمر به رسول الله ص فقسم بين أصحابه.قال الواقدي و كان معهم فرسان فرس لمرثد بن أبي مرثد الغنوي و فرس للمقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة و يقال فرس للزبير و لم يكن إلا فرسان لاختلاف عندهم أن المقداد له فرس و قد روي عن ضباعة بنت الزبير عن المقداد

٩٠

قال كان معي يوم بدر فرس يقال له سبحة و قد روى سعد بن مالك الغنوي عن آبائه أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي شهد بدرا على فرس له يقال له السيل.قال الواقدي و لحقت قريش بالشام في عيرها و كانت العير ألف بعير و كان فيها أموال عظام و لم يبق بمكة قرشي و لا قرشية له مثقال فصاعدا إلا بعث به في العير حتى إن المرأة لتبعث بالشي‏ء التافه و كان يقال إن فيها لخمسين ألف دينار و قالوا أقل و إن كان ليقال إن أكثر ما فيها من المال لآل سعيد بن العاص لأبي أحيحة إما مال لهم أو مال مع قوم قراض على النصف و كان عامة العير لهم و يقال بل كان لبني مخزوم فيها مائتا بعير و خمسة أو أربعة آلاف مثقال ذهبا و كان يقال للحارث بن عامر بن نوفل فيها ألفا مثقال.قال الواقدي و حدثني هشام بن عمارة بن أبي الحويرث قال كان لبني عبد مناف فيها عشرة آلاف مثقال و كان متجرهم إلى غزة من أرض الشام.قال الواقدي و حدثني عبد الله بن جعفر عن أبي عون مولى المسور عن مخرمة بن نوفل قال لما لحقنا بالشام أدركنا رجل من جذام فأخبرنا أن محمدا قد كان عرض لعيرنا في بدأتنا و أنه تركه مقيما ينتظر رجعتنا قد حالف علينا أهل الطريق و وادعهم قال مخرمة فخرجنا خائفين نخاف الرصد فبعثنا ضمضم بن عمرو حين فصلنا من الشام.قال الواقدي و كان عمرو بن العاص مع العير و كان يحدث بعد ذلك يقول لما كنا بالزرقاء و الزرقاء بالشام من أذرعات على مرحلتين و نحن منحدرون إلى مكة لقينا رجلا من جذام فقال قد كان عرض محمد لكم في بدأتكم في أصحابه فقلنا ما شعرنا قال بلى فأقام شهرا ثم رجع إلى يثرب و أنتم يوم عرض محمد لكم مخفون فهو الآن أحرى أن يعرض لكم إنما يعد لكم الأيام عدا فاحذروا على عيركم

٩١

و ارتئوا آراءكم فو الله ما أرى من عدد و لا كراع و لا حلقة فأجمع القوم أمرهم فبعثوا ضمضم بن عمرو و كان في العير و قد كانت قريش مرت به و هو بالساحل معه بكران فاستأجروه بعشرين مثقالا و أمره أبو سفيان أن يخبر قريشا أن محمدا قد عرض لعيرهم و أمره أن يجدع بعيره إذا دخل و يحول رحله و يشق قميصه من قبله و دبره و يصيح الغوث الغوث و يقال إنما بعثوه من تبوك و كان في العير ثلاثون رجلا من قريش فيهم عمرو بن العاص و مخرمة بن نوفل.قال الواقدي و قد كانت عاتكة بنت عبد المطلب رأت قبل مجي‏ء ضمضم بن عمرو رؤيا أفزعتها و عظمت في صدرها فأرسلت إلى أخيها العباس فقالت يا أخي لقد و الله رأيت رؤيا أفزعتني و تخوفت أن يدخل على قومك منها شر و مصيبة فاكتم علي ما أحدثك منها رأيت راكبا أقبل على بعير حتى وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته يا آل غدر انفروا إلى مصارعكم في ثلاث فصرخ بها ثلاث مرات فأرى الناس اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد و الناس يتبعونه إذ مثل به بعيره على ظهر الكعبة فصرخ مثلها ثلاثا ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها ثلاثا ثم أخذ صخرة من أبي قبيس فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت في أسفل الجبل ارفضت فما بقي بيت من بيوت مكة و لا دار من دورها إلا دخلته منها فلذة.قال الواقدي و كان عمرو بن العاص يحدث بعد ذلك فيقول لقد رأيت كل هذا و لقد رأيت في دارنا فلقة من الصخرة التي انفلقت من أبي قبيس و لقد كان ذلك عبرة و لكن الله لم يرد أن نسلم يومئذ لكنه أخر إسلامنا إلى ما أراد.قلت كان بعض أصحابنا يقول لم يكف عمرا أن يقول رأيت الصخرة في دور مكة عيانا فيخرج ذلك مخرج الاستهزاء باطنا على وجه النفاق و استخفافه بعقول المسلمين

٩٢

زعم حتى يضيف إلى ذلك القول بالخبر الصراح فيقول إن الله تعالى لم يكن أراد منه الإسلام يومئذ.قال الواقدي قالوا و لم يدخل دارا و لا بيتا من دور بني هاشم و لا بني زهرة من تلك الصخرة شي‏ء قال فقال العباس إن هذه لرؤيا فخرج مغتما حتى لقي الوليد بن عتبة بن ربيعة و كان له صديقا فذكرها له و استكتمه ففشا الحديث في الناس قال العباس فغدوت أطوف بالبيت و أبو جهل في رهط من قريش يتحدثون برؤيا عاتكة فقال أبو جهل ما رأت عاتكة هذه فقلت و ما ذاك فقال يا بني عبد المطلب أ ما رضيتم بأن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساءكم زعمت عاتكة أنها رأت في المنام كذا و كذا للذي رأت فسنتربص بكم ثلاثا فإن يكن ما قالت حقا فسيكون و إن مضت الثلاث و لم يكن نكتب عليكم أنكم أكذب أهل بيت في العرب فقال له العباس يا مصفر استه أنت أولى بالكذب و اللؤم منا فقال أبو جهل إنا استبقنا المجد و أنتم فقلتم فينا السقاية فقلنا لا نبالي تسقون الحجاج ثم قلتم فينا الحجابة فقلنا لا نبالي تحجبون البيت ثم قلتم فينا الندوة قلنا لا نبالي يكون الطعام فتطعمون الناس ثم قلتم فينا الرفادة فقلنا لا نبالي تجمعون عندكم ما ترفدون به الضعيف فلما أطعمنا الناس و أطعمتم و ازدحمت الركب و استبقنا المجد فكنا كفرسي رهان قلتم منا نبي ثم قلتم منا نبية فلا و اللات و العزى لا كان هذا أبدا.قلت لا أرى كلام أبي جهل منتظما لأنه إذا سلم للعباس أن هذه الخصال كلها فيهم و هي الخصال التي تشرف بها القبائل بعضها على بعض فكيف يقول لا نبالي لا نبالي و كيف يقول فلما أطعمنا للناس و أطعمتم و قد كان الكلام منتظما لو قال و لنا بإزاء هذه المفاخر كذا و كذا ثم يقول بعد ذلك استبقنا المجد فكنا كفرسي رهان و ازدحمت الركب و لم يقل شيئا و لا عد مآثره و لعل أبا جهل قد قال ما لم ينقل.

٩٣

قال الواقدي قال العباس فو الله ما كان مني غير أني جحدت ذلك و أنكرت أن تكون عاتكة رأت شيئا فلما أمسيت لم تبق امرأة أصابتها ولادة عبد المطلب إلا جاءت فقلن لي أ رضيتم بهذا الفاسق الخبيث يقع في رجالكم ثم قد تناول نساءكم و لم تكن لك عند ذلك غيرة فقلت و الله ما قلت إلا لأني لا أبالي به و لايم الله لأعرضن له غدا فإن عاد كفيتكن إياه فلما أصبحوا من ذلك اليوم الذي رأت فيه عاتكة ما رأت قال أبو جهل هذه ثلاثة أيام ما بقي قال العباس و غدوت في اليوم الثالث و أنا حديد مغضب أرى أن قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه و أذكر ما أحفظني به النساء من مقالتهن فو الله إني لأمشي نحوه و كان رجلا خفيفا حديد الوجه حديد اللسان حديد النظر إذ خرج نحو باب بني سهم يشتد فقلت ما باله لعنه الله أ كل هذا فرقا من أن أشاتمه فإذا هو قد سمع صوت ضمضم بن عمرو و هو يقول يا معشر قريش يا آل لؤي بن غالب اللطيمة قد عرض لها محمد في أصحابه الغوث الغوث و الله ما أرى أن تدركوها و ضمضم ينادي بذلك في بطن الوادي و قد جدع أذني بعيره و شق قميصه قبلا و دبرا و حول رحله و كان يقول لقد رأيتني قبل أن أدخل مكة و إني لأرى في النوم و أنا على راحلتي كأن وادي مكة يسيل من أسفله إلى أعلاه دما فاستيقظت فزعا مذعورا فكرهتها لقريش و وقع في نفسي أنها مصيبة في أنفسهم.قال الواقدي و كان عمير بن وهب الجمحي يقول ما رأيت أعجب من أمر ضمضم قط و ما صرح على لسانه إلا شيطان كأنه لم يملكنا من أمورنا شيئا حتى نفرنا على الصعب و الذلول و كان حكيم بن حزام يقول ما كان الذي جاءنا فاستنفرنا إلى العير إنسانا إن هو إلا شيطان قيل كيف يا أبا خالد قال إني لأعجب منه ما ملكنا من أمرنا شيئا.قال الواقدي فجهز الناس و شغل بعضهم عن بعض و كان الناس بين رجلين إما خارج و إما باعث مكانه رجلا و أشفقت قريش لرؤيا عاتكة و سر بنو هاشم.

٩٤

و قال قائلهم كلا زعمتم أنا كذبنا و كذبت عاتكة فأقامت قريش ثلاثا تتجهز و يقال يومين و أخرجت أسلحتها و اشتروا سلاحا و أعان قويهم ضعيفهم و قام سهيل بن عمرو في رجال من قريش فقال يا معشر قريش هذا محمد و الصباة معه من شبانكم و أهل يثرب قد عرضوا لعيركم و لطيمتكم فمن أراد ظهرا فهذا ظهر و من أراد قوة فهذه قوة و قام زمعة بن الأسود فقال إنه و اللات و العزى ما نزل بكم أمر أعظم من أن طمع محمد و أهل يثرب أن يعرضوا لعيركم فيها خزائنكم فأوعبوا و لا يتخلف منكم أحد و من كان لا قوة له فهذه قوة و الله لئن أصابها محمد و أصحابه لا يروعكم منهم إلا و قد دخلوا عليكم بيوتكم و قال طعيمة بن عدي يا معشر قريش و الله ما نزل بكم أمر أجل من هذه أن يستباح عيركم و لطيمة قريش فيها أموالكم و خزائنكم و الله ما أعرف رجلا و لا امرأة من بني عبد مناف له نش فصاعدا إلا و هو في هذه العير فمن كان لا قوة به فعندنا قوة نحمله و نقويه فحمل على عشرين بعيرا و قوي بهم و خلفهم في أهلهم بمعونة و قام حنظلة بن أبي سفيان و عمرو بن أبي سفيان فحضا الناس على الخروج و لم يدعوا إلى قوة و لا حملان فقيل لهما أ لا تدعوان إلى ما دعا إليه قومكما من الحملان قالا و الله ما لنا مال و ما المال إلا لأبي سفيان و مشى نوفل بن معاوية الديلمي إلى أهل القوة من قريش و كلمهم في بذل النفقة و الحملان لمن خرج فكلم عبد الله بن أبي ربيعة فقال هذه خمسمائة دينار تضعها حيث رأيت و كلم حويطب بن عبد العزى فأخذ منه مائتي دينار أو ثلاثمائة ثم قوي بها في السلاح و الظهر.قال الواقدي و ذكروا أنه كان لا يتخلف أحد من قريش إلا بعث مكانه بعثا فمشت قريش إلى أبي لهب فقالوا له إنك سيد من سادات قريش و إنك إن تخلفت عن

٩٥

النفير يعتبر بك غيرك من قومك فاخرج أو ابعث رجلا فقال و اللات و العزى لا أخرج و لا أبعث أحدا فجاءه أبو جهل فقال أقم يا أبا عتبة فو الله ما خرجنا إلا غضبا لدينك و دين آبائك و خاف أبو جهل أن يسلم أبو لهب فسكت أبو لهب و لم يخرج و لم يبعث و ما منع أبا لهب أن يخرج إلا الإشفاق من رؤيا عاتكة كان يقول إنما رؤيا عاتكة أخذ باليد و يقال إنه بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة و كان له عليه دين فقال اخرج و ديني عليك لك فخرج عنه.و قال محمد بن إسحاق في المغازي كان دين أبي لهب على العاص بن هشام أربعة آلاف درهم فمطله بها و أفلس فتركها له على أن يكون مكانه فخرج مكانه.قال الواقدي و أخرج عتبة و شيبة دروعا لهما فنظر إليهما مولاهما عداس و هما يصلحان دروعهما و آلة حربهما فقال ما تريدان فقالا أ لم تر إلى الرجل الذي أرسلناك إليه بالعنب في كرمنا بالطائف قال نعم قالا نخرج فنقاتله فبكى و قال لا تخرجا فو الله إنه لنبي فأبيا فخرجا و خرج معهما فقتل ببدر معهما.قلت حديث العنب في كرم ابني ربيعة بالطائف قد ذكره أرباب السيرة و شرحه الطبري في التاريخ قال لما مات أبو طالب بمكة طمعت قريش في رسول الله ص و نالت منه ما لم تكن تناله في حياة أبي طالب فخرج من مكة خائفا على نفسه مهاجرا إلى ربه يؤم الطائف راجيا أن يدعو أهلها إلى الإسلام فيجيبوه و ذلك في شوال من سنة عشر من النبوة فأقام بالطائف عشرة أيام و قيل شهرا لا يدع أحدا من أشراف ثقيف إلا جاءه و كلمه فلم يجيبوه و أشاروا عليه أن يخرج عن أرضهم و يلحق بمجاهل الأرض و بحيث لا يعرف و أغروا به سفهاءهم فرموه بالحجارة حتى إن رجليه لتدميان فكان معه زيد بن حارثة فكان يقيه بنفسه حتى لقد شج في رأسه.

٩٦

و الشيعة تروي أن علي بن أبي طالب كان معه أيضا في هجرة الطائف فانصرف رسول الله ص عن ثقيف و هو محزون بعد أن مشى إلى عبد ياليل و مسعود و حبيب ابني عمرو بن عمير و هم يومئذ سادة ثقيف فجلس إليهم و دعاهم إلى الله و إلى نصرته و القيام معه على قومه فقال له أحدهم أنا أمرط بباب الكعبة إن كان الله أرسلك و قال الآخر أ ما وجد الله أحدا أرسله غيرك و قال الثالث و الله لا أكلمك كلمة أبدا لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام و لئن كنت كاذبا على الله ما ينبغي أن أكلمك فقام رسول الله ص من عندهم و قد يئس من خير ثقيف و اجتمع عليه صبيانهم و سفهاؤهم و صاحوا به و سبوه و طردوه حتى اجتمع عليه الناس يعجبون منه و ألجئوه بالحجارة و الطرد و الشتم إلى حائط لعتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و هما يومئذ في الحائط فلما دخل الحائط رجع عنه سفهاء ثقيف فعمد إلى ظل حبلة منه فجلس فيه و ابنا ربيعة ينظران و يريان ما لقي من سفهاء ثقيف

قال الطبري فلما اطمأن به قال فيما ذكر لي اللهم إليك أشكو ضعف قوتي و قلة حيلتي و هواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين و أنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد فيتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري فإن لم يكن منك غضب علي فلا أبالي و لكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات و صلح عليه أمر الدنيا و الآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى لا حول و لا قوة إلا بك.فلما رأى عتبة و شيبة ما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلاما نصرانيا لهما يقال له

٩٧

عداس فقالا له خذ قطفا من هذا العنب و ضعه في ذلك الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل و قل له فليأكل منه ففعل و أقبل به حتى وضعه بين يديه فوضع يده فيه فقال بسم الله و أكل فقال عداس و الله إن هذه الكلمة لا يقولها أهل هذه البلدة فقال له رسول الله ص من أي البلاد أنت و ما دينك قال أنا نصراني من أهل نينوى قال أ من قرية الرجل الصالح يونس بن متى قال و ما يدريك من يونس بن متى قال ذاك أخي كان نبيا و أنا نبي فأكب عداس على يديه و رجليه و رأسه يقبلها قال يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه أما غلامك فقد أفسده عليك فلما جاءهما قالا ويلك ويلك يا عداس ما لك تقبل رأس هذا الرجل و يديه و قدميه قال يا سيدي ما في الأرض خير من هذا فقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي.قال الواقدي و استقسمت قريش بالأزلام عند هبل للخروج و استقسم أمية بن خلف و عتبة و شيبة بالآمر و الناهي فخرج القدح الناهي فأجمعوا المقام حتى أزعجهم أبو جهل فقال ما استقسمت و لا نتخلف عن عيرنا.قال الواقدي لما توجه زمعة بن الأسود خارجا فكان بذي طوى أخرج قداحه و استقسم بها فخرج الناهي عن الخروج فلقي غيظا ثم أعادها الثانية فخرج مثل ذلك فكسرها و قال ما رأيت كاليوم قدحا أكذب و مر به سهيل بن عمرو و هو على تلك الحال فقال ما لي أراك غضبان يا أبا حكيمة فأخبره زمعة فقال امض عنك أيها الرجل قد أخبرني عمير بن وهب أنه لقيه مثل الذي أخبرتني فمضوا على هذا الحديث.

٩٨

قال الواقدي و حدثني موسى بن ضمرة بن سعيد عن أبيه قال قال أبو سفيان بن حرب لضمضم إذا قدمت على قريش فقل لها لا تستقسم بالأزلام.قال الواقدي و حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن أبي بكر بن سليم بن أبي خيثمة قال سمعت حكيم بن حزام يقول ما توجهت وجها قط كان أكره إلي من مسيري إلى بدر و لا بان لي في وجه قط ما بان لي قبل أن أخرج ثم قال قدم ضمضم فصاح بالنفير فاستقسمت بالأزلام كل ذلك يخرج الذي أكره ثم خرجت على ذلك حتى نزلنا مر الظهران فنحر ابن الحنظلية جزورا منها بها حياة فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه من دمها فكان هذا بين ثم هممت بالرجوع ثم أذكر ابن الحنظلية و شؤمه فيردني حتى مضيت لوجهي و كان حكيم يقول لقد رأينا حين بلغنا الثنية البيضاء و هي الثنية التي تهبطك على فخ و أنت مقبل من المدينة إذا عداس جالس عليها و الناس يمرون إذ مر علينا ابنا ربيعة فوثب إليهما فأخذ بأرجلهما في غرزهما و هو يقول بأبي أنتما و أمي و الله إنه لرسول الله ص و ما تساقان إلا إلى مصارعكما و إن عينيه لتسيل دمعا على خديه فأردت أن أرجع أيضا ثم مضيت و مر به العاص بن منبه بن الحجاج فوقف عليه حين ولى عتبة و شيبة فقال ما يبكيك قال يبكيني سيدي أو سيدا أهل الوادي يخرجان إلى مصارعهما و يقاتلان رسول الله ص فقال العاص و إن محمدا لرسول الله فانتفض عداس انتفاضة و اقشعر جلده ثم بكى و قال إي و الله إنه لرسول الله إلى الناس كافة قال فأسلم العاص بن منبه و مضى و هو على الشك حتى قتل مع المشركين على شك و ارتياب و يقال رجع عداس و لم يشهد بدرا و يقال شهد بدرا و قتل.قال الواقدي و القول الأول أثبت عندنا.

٩٩

قال الواقدي و خرج سعد بن معاذ معتمرا قبل بدر فنزل على أمية بن خلف فأتاه أبو جهل و قال أ تترك هذا و قد آوى محمدا و آذننا بالحرب فقال سعد بن معاذ قل ما شئت أما إن طريق عيركم علينا قال أمية بن خلف مه لا تقل هذا لأبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي قال سعد بن معاذ و أنت تقول ذلك يا أمية أما و الله لسمعت محمدا يقول لأقتلن أمية بن خلف قال أمية أنت سمعته قال سعد بن معاذ فقلت نعم قال فوقع في نفسه فلما جاء النفير أبى أمية أن يخرج معهم إلى بدر فأتاه عقبة بن أبي معيط و أبو جهل و مع عقبة مجمرة فيها بخور و مع أبي جهل مكحلة و مرود فأدخلها عقبة تحته فقال تبخر فإنما أنت امرأة و قال أبو جهل اكتحل فإنما أنت امرأة فقال أمية ابتاعوا لي أفضل بعير في الوادي فابتاعوا له جملا بثلاثمائة دينار من نعم بني قشير فغنمه المسلمون يوم بدر فصار في سهم خبيب بن يساف.قال الواقدي و قالوا ما كان أحد ممن خرج إلى العير أكره للخروج من الحارث بن عامر و قال ليت قريشا تعزم على القعود و أن مالي في العير تلف و مال بني عبد مناف أيضا فيقال له إنك سيد من ساداتها أ فلا تردعها عن الخروج قال إني أرى قريشا قد أزمعت على الخروج و لا أرى أحدا به طرق تخلف إلا من علة و أنا أكره خلافها و ما أحب أن تعلم قريش ما أقول على أن ابن الحنظلية رجل مشئوم على قومه ما أعلمه إلا يحرز قومه أهل يثرب و لقد قسم الحارث مالا من ماله بين ولده و وقع في نفسه أنه لا يرجع إلى مكة و جاءه ضمضم بن عمرو و كانت للحارث عنده أياد فقال أبا عامر إني رأيت رؤيا كرهتها و إني لكاليقظان على راحلتي و أراكم أن واديكم يسيل دما من أسفله إلى أعلاه فقال الحارث ما خرج أحد وجها من الوجوه أكره له من وجهي هذا قال يقول ضمضم و الله إني لأرى لك أن تجلس فقال لو سمعت

١٠٠