كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٥

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 297

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 297
المشاهدات: 42535
تحميل: 4295


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 297 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42535 / تحميل: 4295
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 15

مؤلف:
العربية

الفصل الخامس في شرح غزاة مؤتة

نذكرها من كتاب الواقدي و نزيد على ذلك ما رواه محمد بن إسحاق في كتابه على عادتنا فيما تقدم قال الواقدي حدثني ربيعة بن عثمان عن عمر بن الحكم قال بعث رسول الله ص الحارث بن عمير الأزدي في سنة ثمان إلى ملك بصرى بكتاب فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقال أين تريد قال الشام قال لعلك من رسل محمد قال نعم فأمر به فأوثق رباطا ثم قدمه فضرب عنقه و لم يقتل لرسول الله ص رسول غيره و بلغ ذلك رسول الله ص فاشتد عليه و ندب الناس و أخبرهم بمقتل الحارث فأسرعوا و خرجوا فعسكروا بالجرف فلما صلى رسول الله ص الظهر جلس و جلس أصحابه حوله و جاء النعمان بن مهض اليهودي فوقف مع الناس

فقال رسول الله ص زيد بن حارثة أمير الناس فإن قتل زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة فإن أصيب ابن رواحة فليرتض المسلمون من بينهم رجلا فليجعلوه عليهم فقال النعمان بن مهض يا أبا القاسم إن كنت نبيا فسيصاب من سميت قليلا كانوا أو كثيرا إن الأنبياء في بني إسرائيل كانوا إذا استعملوا الرجل على القوم ثم قالوا إن أصيب فلان فلو سمى مائة أصيبوا جميعا ثم جعل اليهودي يقول لزيد بن حارثة اعهد فلا ترجع إلى محمد أبدا إن كان نبيا قال زيد أشهد أنه نبي صادق فلما أجمعوا

٦١

المسير و عقد رسول الله ص لهم اللواء بيده دفعه إلى زيد بن حارثة و هو لواء أبيض و مشى الناس إلى أمراء رسول الله ص يودعونهم و يدعون لهم و كانوا ثلاثة آلاف فلما ساروا في معسكرهم ناداهم المسلمون دفع الله عنكم و ردكم صالحين سالمين غانمين فقال عبد الله بن رواحة:

لكنني أسأل الرحمن مغفرة

و ضربة ذات فرغ تقذف الزبدا

أو طعنة بيدي حران مجهزة

بحربة تنفذ الأحشاء و الكبدا

حتى يقولوا إذا مروا على جدثي

يا أرشد الله من غاز فقد رشدا

قلت اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة كان هو الأمير الأول و أنكرت الشيعة ذلك و قالوا كان جعفر بن أبي طالب هو الأمير الأول فإن قتل فزيد بن حارثة فإن قتل فعبد الله بن رواحة و رووا في ذلك روايات و قد وجدت في الأشعار التي ذكرها محمد بن إسحاق في كتاب المغازي ما يشهد لقولهم فمن ذلك ما رواه عن حسان بن ثابت و هو

تأوبني ليل بيثرب أعسر

و هم إذا ما نوم الناس مسهر

لذكرى حبيب هيجت لي عبرة

سفوحا و أسباب البكاء التذكر

بلى إن فقدان الحبيب بلية

و كم من كريم يبتلى ثم يصبر

فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا

بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر

و زيد و عبد الله حين تتابعوا

جميعا و أسياف المنية تخطر

٦٢

رأيت خيار المؤمنين تواردوا

شعوب و خلق بعدهم يتأخر

غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم

إلى الموت ميمون النقيبة أزهر

أغر كضوء البدر من آل هاشم

أبي إذا سيم الظلامة أصعر

فطاعن حتى مال غير موسد

بمعترك فيه القنا متكسر

فصار مع المستشهدين ثوابه

جنان و ملتف الحدائق أخضر

و كنا نرى في جعفر من محمد

وقارا و أمرا حازما حين يأمر

و ما زال في الإسلام من آل هاشم

دعائم صدق لا ترام و مفخر

هم جبل الإسلام و الناس حولهم

رضام إلى طور يطول و يقهر

بهاليل منهم جعفر و ابن أمه

علي و منهم أحمد المتخير

و حمزة و العباس منهم و منهم

عقيل و ماء العود من حيث يعصر

بهم تفرج الغماء من كل مأزق

عماس إذا ما ضاق بالناس مصدر

هم أولياء الله أنزل حكمه

عليهم و فيهم و الكتاب المطهر

و منها قول كعب بن مالك الأنصاري من قصيدة أولها:

نام العيون و دمع عينك يهمل

سحا كما وكف الرباب المسبل

وجدا على النفر الذين تتابعوا

قتلى بمؤتة أسندوا لم ينقلوا

ساروا أمام المسلمين كأنهم

طود يقودهم الهزبر المشبل

إذ يهتدون بجعفر و لوائه

قدام أولهم و نعم الأول

حتى تقوضت الصفوف و جعفر

حيث التقى جمع الغواة مجدل

٦٣

فتغير القمر المنير لفقده

و الشمس قد كسفت و كادت تأفل

قوم علا بنيانهم من هاشم

فرع أشم و سؤدد متأثل

قوم بهم عصم الإله عباده

و عليهم نزل الكتاب المنزل

فضلوا المعاشر عفة و تكرما

و تعمدت أخلاقهم من يجهل

قال الواقدي فحدثني ابن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن رافع بن إسحاق عن زيد بن أرقم أن رسول الله ص خطبهم فأوصاهم فقال أوصيكم بتقوى الله و بمن معكم من المسلمين خيرا اغزوا باسم الله و في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله لا تغدروا و لا تغلوا و لا تقتلوا وليدا و إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم و اكفف عنهم ادعهم إلى الدخول في الإسلام فإن فعلوا فاقبل و اكفف ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى المهاجرين فإن فعلوا فأخبرهم أن لهم ما للمهاجرين و عليهم ما على المهاجرين و إن دخلوا في الإسلام و اختاروا دارهم فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله و لا يكون لهم في الفي‏ء و لا في الغنيمة شي‏ء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم و اكفف عنهم فإن أبوا فاستعن بالله و قاتلهم و إن أنت حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوا أن تستنزلهم على حكم الله فلا تستنزلهم على حكم الله و لكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أ تصيب حكم الله فيهم أم لا و إن حاصرت أهل حصن أو مدينة و أرادوا أن تجعل لهم ذمة الله و ذمة رسول الله فلا تجعل لهم ذمة الله و ذمة رسول الله و لكن اجعل لهم ذمتك و ذمة أبيك و أصحابك فإنكم إن تخفروا ذممكم و ذمم آبائكم خير لكم من أن تخفروا ذمة الله و ذمة رسوله

٦٤

قال الواقدي و حدثني أبو صفوان عن خالد بن يزيد قال خرج النبي ص مشيعا لأهل مؤتة حتى بلغ ثنية الوداع فوقف و وقفوا حوله فقال اغزوا بسم الله فقاتلوا عدو الله و عدوكم بالشام و ستجدون فيها رجالا في الصوامع معتزلين الناس فلا تعرضوا لهم و ستجدون آخرين للشيطان في رءوسهم مفاحص فاقلعوها بالسيوف و لا تقتلن امرأة و لا صغيرا ضرعا و لا كبيرا فانيا و لا تقطعن نخلا و لا شجرا و لا تهدمن بناء

قال الواقدي فلما دعا ودع عبد الله بن رواحة رسول الله ص قال له مرني بشي‏ء أحفظه عنك قال إنك قادم غدا بلدا السجود فيه قليل فأكثروا السجود فقال عبد الله زدني يا رسول الله قال اذكر الله فإنه عون لك على ما تطلب فقام من عنده حتى إذا مضى ذاهبا رجع فقال يا رسول الله إن الله وتر يحب الوتر فقال يا ابن رواحة ما عجزت فلا تعجز إن أسأت عشرا أن تحسن واحدة فقال ابن رواحة لا أسألك عن شي‏ء بعدها.و روى محمد بن إسحاق أن عبد الله بن رواحة ودع رسول الله ص بشعر منه:

فثبت الله ما آتاك من حسن

تثبيت موسى و نصرا كالذي نصروا

إني تفرست فيك الخير نافلة

فراسة خالفتهم في الذي نظروا

أنت الرسول فمن يحرم نوافله

و البشر منه فقد أودى به القدر

قال محمد بن إسحاق فلما ودع المسلمين بكى فقالوا له ما يبكيك يا عبد الله قال و الله ما بي حب الدنيا و لا صبابة إليها و لكني سمعت رسول الله ص

٦٥

يقرأ( وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها ) فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود قال الواقدي و كان زيد بن أرقم يحدث قال كنت يتيما في حجر عبد الله بن رواحة فلم أر والي يتيم كان خيرا لي منه خرجت معه في وجهة إلى مؤتة و صب بي و صببت به فكان يردفني خلف رحله فقال ذات ليلة و هو على راحلته بين شعبتي رحله:

إذا بلغتني و حملت رحلي

مسافة أربع بعد الحساء

فشأنك فانعمي و خلاك ذم

و لا أرجع إلى أهلي ورائي

و آب المسلمون و خلفوني

بأرض الشام مشتهر الثواء

و زودني الأقارب من دعاء

إلى الرحمن و انقطع الإخاء

هنالك لا أبالي طلع نخل

و لا نخل أسافلها رواء

فلما سمعت منه هذا الشعر بكيت فخفقني بالدرة و قال و ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة فأستريح من الدنيا و نصبها و همومها و أحزانها و أحداثها و ترجع أنت بين شعبتي الرحل.قال الواقدي و مضى المسلمون فنزلوا وادي القرى فأقاموا به أياما و ساروا حتى نزلوا بمؤتة و بلغهم أن هرقل ملك الروم قد نزل ماء من مياه البلقاء في بكر و بهراء و لخم و جذام و غيرهم مائة ألف مقاتل و عليهم رجل من بلي فأقام المسلمون ليلتين ينظرون

٦٦

في أمرهم و قالوا نكتب إلى رسول الله ص فنخبره الخبر فإما أن يردنا أو يزيدنا رجالا فبينا الناس على ذلك من أمرهم جاءهم عبد الله بن رواحة فشجعهم و قال و الله ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدة و لا كثرة سلاح و لا كثرة خيل إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به انطلقوا فقاتلوا فقد و الله رأينا يوم بدر و ما معنا إلا فرسان إنما هي إحدى الحسنيين إما الظهور عليهم فذاك ما وعدنا الله و رسوله و ليس لوعده خلف و إما الشهادة فنلحق بالإخوان نرافقهم في الجنان فشجع الناس على قول ابن رواحة.قال الواقدي و روى أبو هريرة قال شهدت مؤتة فلما رأينا المشركين رأينا ما لا قبل لنا به من العدد و السلاح و الكراع و الديباج و الحرير و الذهب فبرق بصري فقال لي ثابت بن أرقم ما لك يا أبا هريرة كأنك ترى جموعا كثيرة قلت نعم قال لم تشهدنا ببدر إنا لم ننصر بالكثرة.قال الواقدي فالتقى القوم فأخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل طعنوه بالرماح ثم أخذه جعفر فنزل عن فرس له شقراء فعرقبها ثم قاتل حتى قتل.قال الواقدي قيل إنه ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين فوقع أحد نصفيه في كرم هناك فوجد فيه ثلاثون أو بضع و ثلاثون جرحا.قال الواقدي و قد روى نافع عن ابن عمر أنه وجد في بدن جعفر بن أبي طالب اثنتان و سبعون ضربة و طعنة بالسيوف و الرماح.قال البلاذري قطعت يداه و لذلك

قال رسول الله ص لقد أبدله الله بهما جناحين يطير بهما في الجنة و لذلك سمي الطيار.قال الواقدي ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فنكل يسيرا ثم حمل فقاتل

٦٧

حتى قتل فلما قتل انهزم المسلمون أسوأ هزيمة كانت في كل وجه ثم تراجعوا فأخذ اللواء ثابت بن أرقم و جعل يصيح بالأنصار فثاب إليه منهم قليل فقال لخالد بن الوليد خذ اللواء يا أبا سليمان قال خالد لا بل خذه أنت فلك سن و قد شهدت بدرا قال ثابت خذه أيها الرجل فو الله ما أخذته إلا لك فأخذه خالد و حمل به ساعة و جعل المشركون يحملون عليه حتى دهمه منهم بشر كثير فانحاز بالمسلمين و انكشفوا راجعين.قال الواقدي و قد روى أن خالدا ثبت بالناس فلم ينهزموا و الصحيح أن خالدا انهزم بالناس.قال الواقدي حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة أن النبي ص لما التقى الناس بمؤتة جلس على المنبر و كشف له ما بينه و بين الشام فهو ينظر إلى معركتهم فقال أخذ الراية زيد بن حارثة فجاءه الشيطان فحبب إليه الحياة و كره إليه الموت و حبب إليه الدنيا فقال الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تحبب إلي الدنيا فمضى قدما حتى استشهد ثم صلى عليه و قال استغفروا له فقد دخل الجنة و هو يسعى ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فجاءه الشيطان فمناه الحياة و كره إليه الموت و مناه الدنيا فقال الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تتمنى الدنيا ثم مضى قدما حتى استشهد فصلى عليه رسول الله ص و دعا له

ثم قال استغفروا لأخيكم فإنه شهيد قد دخل الجنة فهو يطير فيها بجناحين من ياقوت حيث شاء ثم قال أخذ الراية عبد الله بن رواحة ثم دخل معترضا فشق ذلك على الأنصار فقال رسول الله ص أصابته الجراح قيل يا رسول الله فما اعتراضه قال لما أصابته الجراح نكل فعاتب نفسه فشجع فاستشهد فدخل الجنة فسري عن قومه.

٦٨

و روى محمد بن إسحاق قال لما ذكر رسول الله ص زيدا و جعفرا سكت عن عبد الله بن رواحة حتى تغيرت وجوه الأنصار و ظنوا أنه قد كان من عبد الله بعض ما يكرهون ثم قال أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل شهيدا ثم قال لقد رفعوا لي في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت في سرير ابن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه فقلت لم هذا فقيل لأنهما مضيا و تردد هذا بعض التردد ثم مضى.قال و روى محمد بن إسحاق أنه لما أخذ جعفر بن أبي طالب الراية قاتل قتالا شديدا حتى إذا لحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل القوم حتى قتل فكان جعفررضي‌الله‌عنه أول رجل عقر فرسه في الإسلام.قال محمد بن إسحاق و لما أخذ ابن رواحة الراية جعل يتردد بعض التردد و يستقدم نفسه يستنزلها و قال:

أقسمت يا نفس لتنزلنه

طوعا و إلا سوف تكرهنه

ما لي أراك تكرهين الجنة

إذ أجلب الناس و شدوا الرنه

قد طالما قد كنت مطمئنه

هل أنت إلا نطفة في شنه

ثم ارتجز أيضا فقال:

يا نفس إلا تقتلي تموتي

هذا حمام الموت قد صليت

٦٩

و ما تمنيت فقد أعطيت

إن تفعلي فعلهما هديت

و إن تأخرت فقد شقيت

ثم نزل عن فرسه فقاتل فأتاه ابن عم له ببضعة من لحم فقال اشدد بهذا صلبك فأخذها من يده فانتهش منها نهشة ثم سمع الحطمة في ناحية من الناس فقال و أنت يا ابن رواحة في الدنيا ثم ألقاها من يده و أخذ سيفه فتقدم فقاتل حتى قتل.قال الواقدي حدثني داود بن سنان قال سمعت ثعلبة بن أبي مالك يقول انكشف خالد بن الوليد يومئذ بالناس حتى عيروا بالفرار و تشاءم الناس به.قال و روى أبو سعيد الخدري قال أقبل خالد بالناس منهزمين فلما سمع أهل المدينة بهم تلقوهم بالجرف فجعلوا يحثون في وجوههم التراب و يقولون يا فرار أفررتم في سبيل الله فقال رسول الله ص ليسوا بالفرار و لكنهم كرار إن شاء الله.قال الواقدي و قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ما لقي جيش بعثوا مبعثا ما لقي أصحاب مؤتة من أهل المدينة لقوهم بالشر حتى إن الرجل ينصرف إلى بيته و أهله فيدق عليهم فيأبون أن يفتحوا له يقولون ألا تقدمت مع أصحابك فقتلت و جلس الكبراء منهم في بيوتهم استحياء من الناس حتى أرسل النبي ص رجلا يقول لهم أنتم الكرار في سبيل الله فخرجوا.

قال الواقدي فحدثني مالك بن أبي الرجال عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أم جعفر بنت محمد بن جعفر عن جدتها أسماء بنت عميس قالت أصبحت في اليوم الذي أصيب فيه جعفر و أصحابه فأتاني رسول الله ص و قد منأت أربعين منا من أدم و عجنت عجيني و أخذت بني فغسلت وجوههم و دهنتهم فدخلت على

٧٠

رسول الله ص فقال يا أسماء أين بنو جعفر فجئت بهم إليه فضمهم و شمهم ثم ذرفت عيناه فبكى فقلت يا رسول الله لعله بلغك عن جعفر شي‏ء قال نعم إنه قتل اليوم فقمت أصيح و اجتمع إلى النساء فجعل رسول الله ص يقول يا أسماء لا تقولي هجرا و لا تضربي صدرا ثم خرج حتى دخل على ابنته فاطمةرضي‌الله‌عنه ا و هي تقول وا عماه فقال على مثل جعفر فلتبك الباكية ثم قال اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم

قال الواقدي و حدثني محمد بن مسلم عن يحيى بن أبي يعلى قال سمعت عبد الله بن جعفر يقول أنا أحفظ حين دخل النبي ص على أمي فنعى إليها أبي فأنظر إليه و هو يمسح على رأسي و رأس أخي و عيناه تهراقان بالدمع حتى قطرت لحيته ثم قال اللهم إن جعفرا قدم إلي أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته ثم قال يا أسماء أ لا أبشرك قالت بلى بأبي و أمي قال فإن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة قالت بأبي و أمي فأعلم الناس ذلك فقام رسول الله ص و أخذ بيدي يمسح بيده رأسي حتى رقي على المنبر و أجلسني أمامه على الدرجة السفلى و إن الحزن ليعرف عليه فتكلم فقال إن المرء كثير بأخيه و ابن عمه ألا إن جعفرا قد استشهد و قد جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة ثم نزل فدخل بيته و أدخلني و أمر بطعام فصنع لنا و أرسل إلى أخي فتغدينا عنده غداء طيبا عمدت سلمى خادمته إلى شعير فطحنته ثم نشفته ثم أنضجته و آدمته بزيت و جعلت عليه فلفلا فتغديت أنا و أخي معه و أقمنا عنده ثلاثة أيام ندور معه في بيوت نسائه ثم أرجعنا إلى بيتنا و أتاني رسول الله ص بعد ذلك و أنا أساوم في شاة فقال اللهم بارك له في صفقته فو الله ما بعت شيئا و لا اشتريت إلا بورك فيه

٧١

فصل في ذكر بعض مناقب جعفر بن أبي طالب

روى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب مقاتل الطالبيين أن كنية جعفر بن أبي طالب أبو المساكين و قال و كان ثالث الإخوة من ولد أبي طالب أكبرهم طالب و بعده عقيل و بعده جعفر و بعده علي و كل واحد منهم أكبر من الآخر بعشر سنين و علي أصغرهم سنا و أمهم جميعا فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف و هي أول هاشمية ولدت لهاشمي و فضلها كثير و قربها من رسول الله ص و تعظيمه لها معلوم عند أهل الحديث.و روى أبو الفرج لجعفررضي‌الله‌عنه فضل كثير و قد ورد فيه حديث كثير

من ذلك أن رسول الله ص لما فتح خيبر قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة فالتزمه رسول الله ص و جعل يقبل بين عينيه و يقول ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا بقدوم جعفر أم بفتح خيبر.قال و قد روى خالد الحذاء عن عكرمة عن أبي هريرة أنه قال ما ركب المطايا و لا ركب الكور و لا انتعل و لا احتذى النعال أحد بعد رسول الله ص أفضل من جعفر بن أبي طالب.

قال و قد روى عطية عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ص خير الناس حمزة و جعفر و علي و

قد روى جعفر بن محمد عن أبيه ع قال قال رسول الله ص خلق الناس من أشجار شتى و خلقت أنا و جعفر من شجرة واحدة أو قال من طينة واحدة

٧٢

قال و بالإسناد قال رسول الله ص لجعفر أنت أشبهت خلقي و خلقي.و قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب كانت سن جعفر ع يوم قتل إحدى و أربعين سنة.

قال أبو عمر و قد روى ابن المسيب أن رسول الله ص قال مثل لي جعفر و زيد و عبد الله في خيمة من در كل واحد منهم على سرير فرأيت زيدا و ابن رواحة في أعناقهما صدودا و رأيت جعفرا مستقيما ليس فيه صدود فسألت فقيل لي إنهما حين غشيهما الموت أعرضا و صدا بوجهيهما و أما جعفر فلم يفعل قال أبو عمر أيضا و روي عن الشعبي قال سمعت عبد الله بن جعفر يقول كنت إذا سألت عمي عليا ع شيئا و يمنعني أقول له بحق جعفر فيعطيني.وروى أبو عمر أيضا في حرف الزاي في باب زيد بن حارثة أن رسول الله ص لما أتاه قتل جعفر و زيد بمؤتة بكى و قال أخواي و مؤنساي و محدثاي و اعلم أن هذه الكلمات التي ذكرها الرضي رحمة الله عليه ملتقطة من كتابه ع الذي كتبه جوابا عن كتاب معاوية النافذ إليه مع أبي مسلم الخولاني و قد ذكره أهل السيرة في كتبهم روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين عن عمر بن سعد عن أبي ورقاء قال جاء أبو مسلم الخولاني في ناس من قراء أهل الشام إلى معاوية قبل مسير أمير المؤمنين ع إلى صفين فقالوا له يا معاوية علام تقاتل عليا و ليس لك

٧٣

مثل صحبته و لا هجرته و لا قرابته و لا سابقته فقال إني لا أدعي أن لي في الإسلام مثل صحبته و لا مثل هجرته و لا قرابته و لكن خبروني عنكم أ لستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما قالوا بلى قال فليدفع إلينا قتلته لنقتلهم به و لا قتال بيننا و بينه قالا فاكتب إليه كتابا يأته به بعضنا فكتب مع أبي مسلم الخولاني من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن الله اصطفى محمدا بعلمه و جعله الأمين على وحيه و الرسول إلى خلقه و اجتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله تعالى بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام فكان أفضلهم في الإسلام و أنصحهم لله و رسوله الخليفة من بعده ثم خليفة خليفته من بعد خليفته ثم الثالث الخليفة المظلوم عثمان فكلهم حسدت و على كلهم بغيت عرفنا ذلك في نظرك الشزر و قولك الهجر و تنفسك الصعداء و إبطائك عن الخلفاء تقاد إلى كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش حتى تبايع و أنت كاره ثم لم تكن لأحد منهم بأعظم حسدا منك لابن عمك عثمان و كان أحقهم ألا تفعل ذلك في قرابته و صهره فقطعت رحمه و قبحت محاسنه و ألبت الناس عليه و بطنت و ظهرت حتى ضربت إليه آباط الإبل و قيدت إليه الإبل العراب و حمل عليه السلاح في حرم رسول الله ص فقتل معك في المحلة و أنت تسمع في داره الهائعة لا تردع الظن و التهمة عن نفسك بقول و لا عمل و أقسم قسما صادقا لو قمت فيما كان من أمره مقاما واحدا تنهنه الناس

٧٤

عنه ما عدل بك من قبلنا من الناس أحدا و لمحا ذلك عندهم ما كانوا يعرفونك به من المجانبة لعثمان و البغي عليه و أخرى أنت بها عند أنصار عثمان ظنين إيواؤك قتلة عثمان فهم عضدك و أنصارك و يدك و بطانتك و قد ذكر لي أنك تتنصل من دمه فإن كنت صادقا فأمكنا من قتلته نقتلهم به و نحن أسرع الناس إليك و إلا فإنه ليس لك و لأصحابك إلا السيف و الذي لا إله إلا هو لنطلبن قتلة عثمان في الجبال و الرمال و البر و البحر حتى يقتلهم الله أو لتلحقن أرواحنا بالله و السلام.قال نصر فلما قدم أبو مسلم على علي ع بهذا الكتاب قام فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإنك قد قمت بأمر وليته و و الله ما أحب أنه لغيرك إن أعطيت الحق من نفسك إن عثمان قتل مسلما محرما مظلوما فادفع إلينا قتلته و أنت أميرنا فإن خالفك من الناس أحد كانت أيدينا لك ناصرة و ألسنتنا لك شاهدة و كنت ذا عذر و حجة فقال له علي ع اغد علي غدا فخذ جواب كتابك فانصرف ثم رجع من غد ليأخذ جواب كتابه فوجد الناس قد بلغهم الذي جاء فيه قبل فلبست الشيعة أسلحتها ثم غدوا فملئوا المسجد فنادوا كلنا قتلة عثمان و أكثروا من النداء بذلك و أذن لأبي مسلم فدخل فدفع علي ع جواب كتاب معاوية فقال أبو مسلم لقد رأيت قوما ما لك معهم أمر قال و ما ذاك قال بلغ القوم أنك تريد أن تدفع إلينا قتلة عثمان فضجوا و اجتمعوا و لبسوا السلاح و زعموا أنهم قتلة عثمان فقال علي ع و الله ما أردت أن أدفعهم إليكم طرفة عين قط لقد ضربت هذا الأمر أنفه و عينه فما رأيته ينبغي لي أن أدفعهم إليك و لا إلى غيرك فخرج أبو مسلم بالكتاب و هو يقول الآن طاب الضراب

٧٥

و كان جواب علي ع من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فإن أخا خولان قدم علي بكتاب منك تذكر فيه محمدا ص و ما أنعم الله به عليه من الهدى و الوحي فالحمد لله الذي صدقه الوعد و أيده بالنصر و مكن له في البلاد و أظهره على أهل العداوة و الشنئان من قومه الذين وثبوا عليه و شنفوا له و أظهروا تكذيبه و بارزوه بالعداوة و ظاهروا على إخراجه و على إخراج أصحابه و أهله و ألبوا عليه العرب و جادلوهم على حربه و جهدوا في أمره كل الجهد و قلبوا له الأمور حتى جاء الحق و ظهر أمر الله و هم كارهون و كان أشد الناس عليه تأليبا و تحريضا أسرته و الأدنى فالأدنى من قومه إلا من عصم الله و ذكرت أن الله تعالى اجتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام فكان أفضلهم زعمت في الإسلام و أنصحهم لله و لرسوله الخليفة و خليفة الخليفة و لعمري إن مكانهما في الإسلام لعظيم و إن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد فرحمهما الله و جزاهما أحسن ما عملا و ذكرت أن عثمان كان في الفضل تاليا فإن يك عثمان محسنا فسيجزيه الله بإحسانه و إن يك مسيئا فسيلقى ربا غفورا لا يتعاظمه ذنب أن يغفره و لعمري إني لأرجو إذا أعطى الله الناس على قدر فضائلهم في الإسلام و نصيحتهم لله و لرسوله أن يكون نصيبنا في ذلك الأوفر إن محمدا ص لما دعا إلى الإيمان بالله و التوحيد له كنا أهل البيت أول من آمن به و صدقه فيما جاء فبتنا أحوالا كاملة مجرمة تامة و ما يعبد الله في ربع ساكن من

٧٦

العرب غيرنا فأراد قومنا قتل نبينا و اجتياح أصلنا و هموا بنا الهموم و فعلوا بنا الأفاعيل و منعونا الميرة و أمسكوا عنا العذب و أحلسونا الخوف و جعلوا علينا الأرصاد و العيون و اضطرونا إلى جبل وعر و أوقدوا لنا نار الحرب و كتبوا بينهم كتابا لا يؤاكلوننا و لا يشاربوننا و لا يناكحوننا و لا يبايعوننا و لا نأمن منهم حتى ندفع إليهم محمدا فيقتلوه و يمثلوا به فلم نكن نأمن فيهم إلا من موسم إلى موسم فعزم الله لنا على منعه و الذب عن حوزته و الرمي من وراء حرمته و القيام بأسيافنا دونه في ساعات الخوف بالليل و النهار فمؤمننا يرجو بذلك الثواب و كافرنا يحامي عن الأصل و أما من أسلم من قريش فإنهم مما نحن فيه خلاء منهم الحليف الممنوع و منهم ذو العشيرة التي تدافع عنه فلا يبغيه أحد مثل ما بغانا به قومنا من التلف فهم من القتل بمكان نجوة و أمن فكان ذلك ما شاء الله أن يكون ثم أمر الله تعالى رسوله بالهجرة و أذن له بعد ذلك في قتال المشركين فكان إذا احمر البأس و دعيت نزال أقام أهل بيته فاستقدموا فوقى أصحابه بهم حد الأسنة و السيوف فقتل عبيدة يوم بدر و حمزة يوم أحد و جعفر و زيد يوم مؤتة و أراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة مع النبي ص غير مرة إلا أن آجالهم عجلت و منيته أخرت و الله ولى الإحسان إليهم و المنة عليهم بما أسلفوا من أمر الصالحات فما سمعت بأحد و لا رأيته هو أنصح في طاعة رسوله و لا لنبيه و لا أصبر على اللأواء و السراء و الضراء و حين البأس و مواطن المكروه مع النبي ص من هؤلاء النفر الذين سميت لك و في المهاجرين خير كثير يعرف جزاهم الله خيرا بأحسن

٧٧

أعمالهم و ذكرت حسدي الخلفاء و إبطائي عنهم و بغيي عليهم فأما البغي فمعاذ الله أن يكون و أما الإبطاء عنهم و الكراهية لأمرهم فلست أعتذر إلى الناس من ذلك إن الله تعالى ذكره لما قبض نبيه ص قالت قريش منا أمير و قالت الأنصار منا أمير فقالت قريش منا محمد نحن أحق بالأمر فعرفت ذلك الأنصار فسلمت لهم الولاية و السلطان فإذا استحقوها بمحمد ص دون الأنصار فإن أولى الناس بمحمد أحق به منهم و إلا فإن الأنصار أعظم العرب فيها نصيبا فلا أدري أصحابي سلموا من أن يكونوا حقي أخذوا أو الأنصار ظلموا بل عرفت إن حقي هو المأخوذ و قد تركته لهم تجاوزا لله عنهم و أما ما ذكرت من أمر عثمان و قطيعتي رحمه و تأليبي عليه فإن عثمان عمل ما قد بلغك فصنع الناس به ما رأيت و إنك لتعلم أني قد كنت في عزلة عنه إلا أن تتجني فتجن ما بدا لك و أما ما ذكرت من أمر قتله عثمان فإني نظرت في هذا الأمر و ضربت أنفه و عينه فلم أر دفعهم إليك و لا إلى غيرك و لعمري لئن لم تنزع عن غيك و شقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك لا يكلفونك أن تطلبهم في بر و لا بحر و لا سهل و لا جبل و قد أتاني أبوك حين ولى الناس أبا بكر فقال أنت أحق بمقام محمد و أولى الناس بهذا الأمر و أنا زعيم لك بذلك على من خالف ابسط يدك أبايعك فلم أفعل و أنت تعلم أن أباك قد قال ذلك و أراده حتى كنت أنا الذي أبيت لقرب عهد الناس بالكفر مخافة الفرقة بين أهل الإسلام فأبوك كان أعرف بحقي منك فإن تعرف من حقي ما كان أبوك يعرف تصب رشدك و إن لم تفعل فسيغني الله عنك و السلام

٧٨

10 و من كتاب له ع إلى معاوية أيضا

وَ كَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ إِذَا تَكَشَّفَتْ عَنْكَ جَلاَبِيبُ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ دُنْيَا قَدْ تَبَهَّجَتْ بِزِينَتِهَا وَ خَدَعَتْ بِلَذَّتِهَا دَعَتْكَ فَأَجَبْتَهَا وَ قَادَتْكَ فَاتَّبَعْتَهَا وَ أَمَرَتْكَ فَأَطَعْتَهَا وَ إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَقِفَكَ وَاقِفٌ عَلَى مَا لاَ يُنْجِيكَ مِنْهُ مُنْجٍ مِجَنٌّ فَاقْعَسْ عَنْ هَذَا اَلْأَمْرِ وَ خُذْ أُهْبَةَ اَلْحِسَابِ وَ شَمِّرْ لِمَا قَدْ نَزَلَ بِكَ وَ لاَ تُمَكِّنِ اَلْغُوَاةَ مِنْ سَمْعِكَ وَ إِلاَّ تَفْعَلْ أُعْلِمْكَ مَا أَغْفَلْتَ مِنْ نَفْسِكَ فَإِنَّكَ مُتْرَفٌ قَدْ أَخَذَ اَلشَّيْطَانُ مِنْكَ مَأْخَذَهُ وَ بَلَغَ فِيكَ أَمَلَهُ وَ جَرَى مِنْكَ مَجْرَى اَلرُّوحِ وَ اَلدَّمِ وَ مَتَى كُنْتُمْ يَا مُعَاوِيَةُ سَاسَةَ اَلرَّعِيَّةِ وَ وُلاَةَ أَمْرِ اَلْأُمَّةِ بِغَيْرِ قَدَمٍ سَابِقٍ وَ لاَ شَرَفٍ بَاسِقٍ وَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ لُزُومِ سَوَابِقِ اَلشَّقَاءِ وَ أُحَذِّرُكَ أَنْ تَكُونَ مُتَمَادِياً فِي غِرَّةِ اَلْأُمْنِيِّةِ مُخْتَلِفَ اَلْعَلاَنِيَةِ وَ اَلسَّرِيرَةِ وَ قَدْ دَعَوْتَ إِلَى اَلْحَرْبِ فَدَعِ اَلنَّاسَ جَانِباً وَ اُخْرُجْ إِلَيَّ وَ أَعْفِ اَلْفَرِيقَيْنِ مِنَ اَلْقِتَالِ لِتَعْلَمَ أَيُّنَا اَلْمَرِينُ عَلَى قَلْبِهِ وَ اَلْمُغَطَّى عَلَى بَصَرِهِ فَأَنَا أَبُو حَسَنٍ قَاتِلُ جَدِّكَ وَ أَخِيكَ وَ خَالِكَ شَدْخاً يَوْمَ بَدْرٍ وَ ذَلِكَ اَلسَّيْفُ مَعِي وَ بِذَلِكَ اَلْقَلْبِ أَلْقَى عَدُوِّي مَا اِسْتَبْدَلْتُ دِيناً وَ لاَ اِسْتَحْدَثْتُ نَبِيّاً وَ إِنِّي لَعَلَى اَلْمِنْهَاجِ اَلَّذِي تَرَكْتُمُوهُ طَائِعِينَ وَ دَخَلْتُمْ فِيهِ مُكْرَهِينَ وَ زَعَمْتَ أَنَّكَ جِئْتَ ثَائِراً بِدَمِ عُثْمَانَ وَ لَقَدْ عَلِمْتَ حَيْثُ وَقَعَ دَمُ عُثْمَانَ فَاطْلُبْهُ

٧٩

مِنْ هُنَاكَ إِنْ كُنْتَ طَالِباً فَكَأَنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ تَضِجُّ مِنَ اَلْحَرْبِ إِذَا عَضَّتْكَ ضَجِيجَ اَلْجِمَالِ بِالْأَثْقَالِ وَ كَأَنِّي بِجَمَاعَتِكَ تَدْعُونِي جَزَعاً مِنَ اَلضَّرْبِ اَلْمُتَتَابِعِ وَ اَلْقَضَاءِ اَلْوَاقِعِ وَ مَصَارِعَ بَعْدَ مَصَارِعَ إِلَى كِتَابِ اَللَّهِ وَ هِيَ كَافِرَةٌ جَاحِدَةٌ أَوْ مُبَايِعَةٌ حَائِدَةٌ الجلابيب جمع جلباب و هي الملحفة في الأصل و استعير لغيرها من الثياب و تجلبب الرجل جلببة و لم تدغم لأنها ملحقة بدحرجة.قوله و تبهجت بزينتها صارت ذات بهجة أي زينة و حسن و قد بهج الرجل بالضم و يوشك يسرع.و يقفك واقف يعني الموت و يروى و لا ينحيك مجن و هو الترس و الرواية الأولى أصح.قوله فاقعس عن هذا الأمر أي تأخر عنه و الماضي قعس بالفتح و مثله تقاعس و اقعنسس.و أهبة الحساب عدته و تأهب استعد و جمع الأهبة أهب.و شمر لما قد نزل بك أي جد و اجتهد و خف و منه رجل شمري بفتح الشين و تكسر.و الغواة جمع غاو و هو الضال.قوله و إلا تفعل يقول و إن كنت لا تفعل ما قد أمرتك و وعظتك به فإني أعرفك من نفسك ما أغفلت معرفته.إنك مترف و المترف الذي قد أترفته النعمة أي أطغته

٨٠