كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٥

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 297

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 297
المشاهدات: 42530
تحميل: 4292


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 297 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42530 / تحميل: 4292
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 15

مؤلف:
العربية

قد أخذ الشيطان منك مأخذه و يروى مآخذه بالجمع أي تناول الشيطان منك لبك و عقلك و مأخذه مصدر أي تناولك الشيطان تناوله المعروف و حذف مفعول أخذ لدلالة الكلام عليه و لأن اللفظة تجري مجرى المثل.قوله و جرى منك مجرى الروح و الدم هذه

كلمة رسول الله ص إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم.ثم خرج ع إلى أمر آخر فقال لمعاوية و متى كنتم ساسة الرعية و ولاة أمر الأمة ينبغي أن يحمل هذا الكلام على نفي كونهم سادة و ولاة في الإسلام و إلا ففي الجاهلية لا ينكر رئاسة بني عبد شمس و لست أقول برياستهم على بني هاشم و لكنهم كانوا رؤساء على كثير من بطون قريش أ لا ترى أن بني نوفل بن عبد مناف ما زالوا أتباعا لهم و أن بني عبد شمس كانوا في يوم بدر قادة الجيش كان رئيس الجيش عتبة بن ربيعة و كانوا في يوم أحد و يوم الخندق قادة الجيش كان الرئيس في هذين اليومين أبا سفيان بن حرب و أيضا فإن في لفظة أمير المؤمنين ع ما يشعر بما قلناه و هو قوله و ولاة أمر الأمة فإن الأمة في العرب هم المسلمون أمة محمد ص.قوله ع بغير قدم سابق يقال لفلان قدم صدق أي سابقة و أثرة حسنة.قوله ع و لا شرف باسق أي عال.و تمادى تفاعل من المدى و هو الغاية أي لم يقف بل مضى قدما.و الغرة الغفلة و الأمنية طمع النفس و مختلف السريرة و العلانية منافق.قوله ع فدع الناس جانبا منصوب على الظرف.

٨١

و المرين على قلبه المغلوب عليه من قوله تعالى( كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ ) و قيل الرين الذنب على القريب.و إنما قال أمير المؤمنين ع لمعاوية هذه الكلمة لأن معاوية قالها في رسالة كتبها و وقفت عليها من كتاب أبي العباس يعقوب بن أبي أحمد الصيمري الذي جمعه من كلام علي ع و خطبه و أولها أما بعد فإنك المطبوع على قلبك المغطى على بصرك الشر من شيمتك و العتو من خليقتك فشمر للحرب و اصبر للضرب فو الله ليرجعن الأمر إلى ما علمت و العاقبة للمتقين هيهات هيهات أخطأك ما تمنى و هوى قلبك فيما هوى فأربع على ظلعك و قس شبرك بفترك تعلم أين حالك من حال من يزن الجبال حلمه و يفصل بين أهل الشك علمه و السلام.

فكتب إليه أمير المؤمنين ع أما بعد يا ابن صخر يا ابن اللعين يزن الجبال فيما زعمت حلمك و يفصل بين أهل الشك علمك و أنت الجاهل القليل الفقه المتفاوت العقل الشارد عن الدين و قلت فشمر للحرب و اصبر فإن كنت صادقا فيما تزعم و يعينك عليه ابن النابغة فدع الناس جانبا و أعف الفريقين من القتال و ابرز إلي لتعلم أينا المرين على قلبه المغطى على بصره فأنا أبو الحسن حقا قاتل أخيك و خالك و جدك شدخا يوم بدر و ذلك السيف معي و بذلك القلب ألقى عدوي.

٨٢

قوله ع شدخا الشدخ كسر الشي‏ء الأجوف شدخت رأسه فانشدخ و هؤلاء الثلاثة حنظلة بن أبي سفيان و الوليد بن عتبة و أبوه عتبة بن ربيعة فحنظلة أخوه و الوليد خاله و عتبة جده و قد تقدم ذكر قتلة إياهم في غزاة بدر.و الثائر طالب الثأر و قوله قد علمت حيث وقع دم عثمان فاطلبه من هناك يريد به إن كنت تطلب ثأرك من عند من أجلب و حاصر فالذي فعل ذلك طلحة و الزبير فاطلب ثأرك من بني تميم و من بني أسد بن عبد العزى و إن كنت تطلبه ممن خذل فاطلبه من نفسك فإنك خذلته و كنت قادرا على أن ترفده و تمده بالرجال فخذلته و قعدت عنه بعد أن استنجدك و استغاث بك.و تضج تصوت و الجاحدة المنكرة و الحائدة العادلة عن الحق.و اعلم أن قوله و كأني بجماعتك يدعونني جزعا من السيف إلى كتاب الله تعالى إما أن يكون فراسة نبوية صادقة و هذا عظيم و إما أن يكون إخبارا عن غيب مفصل و هو أعظم و أعجب و على كلا الأمرين فهو غاية العجب و قد رأيت له ذكر هذا المعنى في كتاب غير هذا و هو أما بعد فما أعجب ما يأتيني منك و ما أعلمني بمنزلتك التي أنت إليها صائر و نحوها سائر و ليس إبطائي عنك إلا لوقت أنا به مصدق و أنت به مكذب و كأني أراك و أنت تضج من الحرب و إخوانك يدعونني خوفا من السيف إلى كتاب هم به كافرون و له جاحدون.و وقفت له ع على كتاب آخر إلى معاوية يذكر فيه هذا المعنى أوله

أما بعد فطالما دعوت أنت و أولياؤك أولياء الشيطان الحق أساطير و نبذتموه وراء

٨٣

ظهوركم و حاولتم إطفاءه بأفواهكم( وَ يَأْبَى اَللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْكافِرُونَ ) و لعمري لينفذن العلم فيك و ليتمن النور بصغرك و قماءتك و لتخسأن طريدا مدحورا أو قتيلا مثبورا و لتجزين بعملك حيث لا ناصر لك و لا مصرخ عندك و قد أسهبت في ذكر عثمان و لعمري ما قتله غيرك و لا خذله سواك و لقد تربصت به الدوائر و تمنيت له الأماني طمعا فيما ظهر منك و دل عليه فعلك و إني لأرجو أن ألحقك به على أعظم من ذنبه و أكبر من خطيئته فأنا ابن عبد المطلب صاحب السيف و إن قائمه لفي يدي و قد علمت من قتلت به من صناديد بني عبد شمس و فراعنة بني سهم و جمح و بني مخزوم و أيتمت أبناءهم و أيمت نساءهم و أذكرك ما لست له ناسيا يوم قتلت أخاك حنظلة و جررت برجله إلى القليب و أسرت أخاك عمرا فجعلت عنقه بين ساقيه رباطا و طلبتك ففررت و لك حصاص فلو لا أني لا أتبع فارا لجعلتك ثالثهما و أنا أولي لك بالله ألية برة غير فاجرة لئن جمعتني و إياك جوامع الأقدار لأتركنك مثلا يتمثل به الناس أبدا و لأجعجعن بك في مناخك حتى يحكم الله بيني و بينك و هو خير الحاكمين و لئن أنسأ الله في أجلي قليلا لأغزينك سرايا المسلمين و لأنهدن إليك في جحفل من المهاجرين و الأنصار ثم لا أقبل لك معذرة و لا شفاعة و لا أجيبك إلى طلب و سؤال و لترجعن إلى تحيرك و ترددك و تلددك فقد شاهدت و أبصرت و رأيت

٨٤

سحب الموت كيف هطلت عليك بصيبها حتى اعتصمت بكتاب أنت و أبوك أول من كفر و كذب بنزوله و لقد كنت تفرستها و آذنتك أنك فاعلها و قد مضى منها ما مضى و انقضى من كيدك فيها ما انقضى و أنا سائر نحوك على أثر هذا الكتاب فاختر لنفسك و انظر لها و تداركها فإنك إن فطرت و استمررت على غيك و غلوائك حتى ينهد إليك عباد الله أرتجت عليك الأمور و منعت أمرا هو اليوم منك مقبول يا ابن حرب إن لجاجك في منازعة الأمر أهله من سفاه الرأي فلا يطمعنك أهل الضلال و لا يوبقنك سفه رأي الجهال فو الذي نفس علي بيده لئن برقت في وجهك بارقة من ذي الفقار لتصعقن صعقة لا تفيق منها حتى ينفخ في الصور النفخة التي يئست منها( كَما يَئِسَ اَلْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ اَلْقُبُورِ ) .قلت سألت النقيب أبا زيد عن معاوية هل شهد بدرا مع المشركين فقال نعم شهدها ثلاثة من أولاد أبي سفيان حنظلة و عمرو و معاوية قتل أحدهم و أسر الآخر و أفلت معاوية هاربا على رجليه فقدم مكة و قد انتفخ قدماه و ورمت ساقاه فعالج نفسه شهرين حتى برأ.قال النقيب أبو زيد و لا خلاف عند أحد أن عليا ع قتل حنظلة و أسر عمرا أخاه و لقد شهد بدرا و هرب على رجليه من هو أعظم منهما و من أخيهما عمرو بن عبد ود فارس يوم الأحزاب شهدها و نجا هاربا على قدميه و هو شيخ كبير

٨٥

و ارتث جريحا فوصل إلى مكة و هو وقيذ فلم يشهد أحدا فلما برأ شهد الخندق فقتله قاتل الأبطال و الذي فاته يوم بدر استدركه يوم الخندق.ثم قال لي النقيبرحمه‌الله أ ما سمعت نادرة الأعمش و مناظره فقلت ما أعلم ما تريد فقال سأل رجل الأعمش و كان قد ناظر صاحبا له هل معاوية من أهل بدر أم لا فقال له أصلحك الله هل شهد معاوية بدرا فقال نعم من ذلك الجانب و اعلم أن هذه الخطبة قد ذكرها نصر بن مزاحم في كتاب صفين على وجه يقتضي أن ما ذكره الرضيرحمه‌الله منها قد ضم إليه بعض خطبة أخرى و هذه عادته لأن غرضه التقاط الفصيح و البليغ من كلامه و الذي ذكره نصر بن مزاحم هذه صورته من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان سلام على من اتبع الهدى فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنك قد رأيت مرور الدنيا و انقضاءها و تصرمها و تصرفها بأهلها و خير ما اكتسب من الدنيا ما أصابه العباد الصالحون منها من التقوى و من يقس الدنيا بالآخرة يجد بينهما بعيدا و اعلم يا معاوية أنك قد ادعيت أمرا لست من أهله لا في القديم و لا في الحديث و لست تقول فيه بأمر بين يعرف له أثر و لا عليك منه شاهد من كتاب الله و لست متعلقا بآية من

٨٦

كتاب الله و لا عهد من رسول الله ص فكيف أنت صانع إذا تقشعت عنك غيابة ما أتت فيه من دنيا قد فتنت بزينتها و ركنت إلى لذاتها و خلي بينك و بين عدوك فيها و هو عدو و كلب مضل جاهد مليح ملح مع ما قد ثبت في نفسك من جهتها دعتك فأجبتها و قادتك فاتبعتها و أمرتك فأطعتها فاقعس عن هذا الأمر و خذ أهبة الحساب فإنه يوشك أن يقفك واقف على ما لا يجنك مجن و متى كنتم يا معاوية ساسة الرعية أو ولاة لأمر هذه الأمة بلا قدم حسن و لا شرف تليد على قومكم فاستيقظ من سنتك و ارجع إلى خالقك و شمر لما سينزل بك و لا تمكن عدوك الشيطان من بغيته فيك مع أني أعرف أن الله و رسوله صادقان نعوذ بالله من لزوم سابق الشقاء و إلا تفعل فإني أعلمك ما أغفلت من نفسك إنك مترف قد أخذ منك الشيطان مأخذه فجرى منك مجرى الدم في العروق و لست من أئمة هذه الأمة و لا من رعاتها و اعلم أن هذا الأمر لو كان إلى الناس أو بأيديهم لحسدوناه و لامتنوا علينا به و لكنه قضاء ممن منحناه و اختصنا به على لسان نبيه الصادق المصدق لا أفلح من شك بعد العرفان و البينة رب احكم بيننا و بين عدونا بالحق و أنت خير الحاكمين.قال نصر فكتب معاوية إليه الجواب من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فدع الحسد فإنك طالما لم تنتفع به و لا تفسد سابقة

٨٧

جهادك بشرة نخوتك فإن الأعمال بخواتيمها و لا تمحص سابقتك بقتال من لا حق لك في حقه فإنك إن تفعل لا تضر بذلك إلا نفسك و لا تمحق إلا عملك و لا تبطل إلا حجتك و لعمري إن ما مضى لك من السابقات لشبيه أن يكون ممحوقا لما اجترأت عليه من سفك الدماء و خلاف أهل الحق فاقرأ السورة التي يذكر فيها الفلق و تعوذ من نفسك فإنك الحاسد إذا حسد.

٨٨

11 و من وصية له ع وصى بها جيشا بعثه إلى العدو

فَإِذَا نَزَلْتُمْ بِعَدُوٍّ أَوْ نَزَلَ بِكُمْ فَلْيَكُنْ مُعَسْكَرُكُمْ فِي قُبُلِ اَلْأَشْرَافِ أَوْ سِفَاحِ اَلْجِبَالِ أَوْ أَثْنَاءِ اَلْأَنْهَارِ كَيْمَا يَكُونَ لَكُمْ رِدْءاً وَ دُونَكُمْ مَرَدّاً وَ لْتَكُنْ مُقَاتَلَتُكُمْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ أَوِ اِثْنَيْنِ وَ اِجْعَلُوا لَكُمْ رُقَبَاءَ فِي صَيَاصِي اَلْجِبَالِ وَ مَنَاكِبِ اَلْهِضَابِ لِئَلاَّ يَأْتِيَكُمُ اَلْعَدُوُّ مِنْ مَكَانِ مَخَافَةٍ أَوْ أَمْنٍ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ مُقَدِّمَةَ اَلْقَوْمِ عُيُونُهُمْ وَ عُيُونَ اَلْمُقَدِّمَةِ طَلاَئِعُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ وَ اَلتَّفَرُّقَ فَإِذَا نَزَلْتُمْ فَانْزِلُوا جَمِيعاً وَ إِذَا اِرْتَحَلْتُمْ فَارْتَحِلُوا جَمِيعاً وَ إِذَا غَشِيكُمُ اَللَّيْلُ فَاجْعَلُوا اَلرِّمَاحَ كِفَّةً وَ لاَ تَذُوقُوا اَلنَّوْمَ إِلاَّ غِرَاراً أَوْ مَضْمَضَةً المعسكر بفتح الكاف موضع العسكر و حيث ينزل.الأشراف الأماكن العالية و قبلها ما استقبلك منها و ضده الدبر.و سفاح الجبال أسافلها حيث يسفح منها الماء.و أثناء الأنهار ما انعطف منها واحدها ثني و المعنى أنه أمرهم أن ينزلوا مسندين ظهورهم إلى مكان عال كالهضاب العظيمة أو الجبال أو منعطف الأنهار التي تجري مجرى الخنادق على العسكر ليأمنوا بذلك من البيات و ليأمنوا أيضا من إتيان العدو لهم

٨٩

من خلفهم و قد فسر ذلك بقوله كيما يكون لكم ردءا و الردء العون قال الله تعالى( فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي ) .و دونكم مردا أي حاجزا بينكم و بين العدو.ثم أمرهم بأن يكون مقاتلتهم بفتح التاء و هي مصدر قاتل من وجه واحد أو اثنين أي لا تتفرقوا و لا يكن قتالكم العدو في جهات متشعبة فإن ذلك أدعى إلى الوهن و اجتماعكم أدعى إلى الظفر ثم أمرهم أن يجعلوا رقباء في صياصي الجبال و صياصي الجبال أعاليها و ما جرى مجرى الحصون منها و أصل الصياصي القرون ثم استعير ذلك للحصون لأنه يمتنع بها كما يمتنع ذو القرن بقرنه و مناكب الهضاب أعاليها لئلا يأتيكم العدو إما من حيث تأمنون أو من حيث تخافون.قوله ع مقدمة القوم عيونهم المقدمة بكسر الدال و هم الذين يتقدمون الجيش أصله مقدمة القوم أي الفرقة المتقدمة و الطلائع طائفة من الجيش تبعث ليعلم منها أحوال العدو و قال ع المقدمة عيون الجيش و الطلائع عيون المقدمة فالطلائع إذا عيون الجيش.ثم نهاهم عن التفرق و أمرهم أن ينزلوا جميعا و يرحلوا جميعا لئلا يفجأهم العدو بغتة على غير تعبئة و اجتماع فيستأصلهم ثم أمرهم أن يجعلوا الرماح كفة إذا غشيهم الليل و الكاف مكسورة أي اجعلوها مستديرة حولكم كالدائرة و كل ما استدار كفة بالكسر نحو كفة الميزان و كل ما استطال كفة بالضم نحو كفة الثوب و هي حاشيته و كفة الرمل و هو ما كان منه كالحبل.ثم نهاهم عن النوم إلا غرارا أو مضمضة و كلا اللفظتين ما قل من النوم.

٩٠

و قال شبيب الخارجي الليل يكفيك الجبان و يصف الشجاع.و كان إذا أمسى قال لأصحابه أتاكم المدد يعني الليل.قيل لبعض الملوك بيت عدوك قال أكره أن أجعل غلبتي سرقة.و لما فصل قحطبة من خراسان و في جملته خالد بن برمك بينا هو على سطح بيت في قرية نزلاها و هم يتغدون نظر إلى الصحراء فرأى أقاطيع ظباء قد أقبلت من جهة الصحاري حتى كادت تخالط العسكر فقال خالد لقحطبة أيها الأمير ناد في الناس يا خيل الله اركبي فإن العدو قد قرب منك و عامة أصحابك لن يسرجوا و يلجموا حتى يروا سرعان الخيل فقام قحطبة مذعورا فلم ير شيئا يروعه و لم يعاين غبارا فقال لخالد ما هذا الرأي فقال أيها الأمير لا تتشاغل بي و ناد في الناس أ ما ترى أقاطيع الوحوش قد أقبلت و فارقت مواضعها حتى خالطت الناس و إن وراءها لجمعا كثيفا قال فو الله ما أسرجوا و لا ألجموا حتى رأوا النقع و ساطع الغبار فسلموا و لو لا ذلك لكان الجيش قد اصطلم

٩١

12 و من وصية له ع وصى بها معقل بن قيس الرياحي حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له

اِتَّقِ اَللَّهَ اَلَّذِي لاَ بُدَّ لَكَ مِنْ لِقَائِهِ وَ لاَ مُنْتَهَى لَكَ دُونَهُ وَ لاَ تُقَاتِلَنَّ إِلاَّ مَنْ قَاتَلَكَ وَ سِرِ اَلْبَرْدَيْنِ وَ غَوِّرْ بِالنَّاسِ وَ رَفِّهْ فِي اَلسَّيْرِ وَ لاَ تَسِرْ أَوَّلَ اَللَّيْلِ فَإِنَّ اَللَّهَ جَعَلَهُ سَكَناً وَ قَدَّرَهُ مُقَاماً لاَ ظَعْناً فَأَرِحْ فِيهِ بَدَنَكَ وَ رَوِّحْ ظَهْرَكَ فَإِذَا وَقَفْتَ حِينَ يَنْبَطِحُ اَلسَّحَرُ أَوْ حِينَ يَنْفَجِرُ اَلْفَجْرُ فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اَللَّهِ فَإِذَا لَقِيتَ اَلْعَدُوَّ فَقِفْ مِنْ أَصْحَابِكَ وَسَطاً وَ لاَ تَدْنُ مِنَ اَلْقَوْمِ دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ اَلْحَرْبَ وَ لاَ تَبَاعَدْ عَنْهُمْ تَبَاعُدَ مَنْ يَهَابُ اَلْبَأْسَ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي وَ لاَ يَحْمِلَنَّكُمُ شَنَآنُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ وَ اَلْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ معقل بن قيس كان من رجال الكوفة و أبطالها و له رئاسة و قدم أوفده عمار بن ياسر إلى عمر بن الخطاب مع الهرمزان لفتح تستر و كان من شيعة علي ع وجهه إلى بني ساقة فقتل منهم و سبى و حارب المستورد بن علفة الخارجي

٩٢

من تميم الرباب فقتل كل واحد منهما صاحبه بدجلة و قد ذكرنا خبرهما فيما سبق و معقل بن قيس رياحي من ولد رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم.قوله ع و لا تقاتلن إلا من قاتلك نهى عن البغي.و سر البردين هما الغداة و العشي و هما الأبردان أيضا.و وصاه أن يرفق بالناس و لا يكلفهم السير في الحر.قوله ع و غور بالناس انزل بهم القائلة و المصدر التغوير و يقال للقائلة الغائرة.قوله ع و رفه في السير أي دع الإبل ترد رفها و هو أن ترد الماء كل يوم متى شاءت و لا ترهقها و تجشمها السير و يجوز أن يكون قوله و رفه في السير من قولك رفهت عن الغريم أي نفست عنه.قوله ع و لا تسر أول الليل قد ورد في ذلك خبر مرفوع و في الخبر أنه حين تنشر الشياطين و قد علل أمير المؤمنين ع النهي بقوله فإن الله تعالى جعله سكنا و قدره مقاما لا ظعنا يقول لما امتن الله تعالى على عباده بأن جعل لهم الليل ليسكنوا فيه كره أن يخالفوا ذلك و لكن لقائل أن يقول فكيف لم يكره السير و الحركة في آخره و هو من جملة الليل أيضا و يمكن أن يكون فهم من رسول الله ص أن الليل الذي جعل سكنا للبشر إنما هو من أوله إلى وقت السحر.

٩٣

ثم أمره ع بأن يريح في الليل بدنه و ظهره و هي الإبل و بنو فلان مظهرون أي لهم ظهر ينقلون عليه كما تقول منجبون أي لهم نجائب.قال الراوندي الظهر الخيول و ليس بصحيح و الصحيح ما ذكرناه.قوله ع فإذا وقفت أي فإذا وقفت ثقلك و رحلك لتسير فليكن ذلك حين ينبطح السحر.قال الراوندي فإذا وقفت ثم قال و قد روي فإذا واقفت قال يعني إذا وقفت تجارب العدو و إذا واقفته و ما ذكره ليس بصحيح و لا روي و إنما هو تصحيف أ لا تراه كيف قال بعده بقليل فإذا لقيت العدو و إنما مراده هاهنا الوصاة بأن يكون السير وقت السحر و وقت الفجر.قوله ع حين ينبطح السحر أي حين يتسع و يمتد أي لا يكون السحر الأول أي ما بين السحر الأول و بين الفجر الأول و أصل الانبطاح السعة و منه الأبطح بمكة و منه البطيحة و تبطح السيل أي اتسع في البطحاء و الفجر انفجر انشق.ثم أمره ع إذا لقي العدو أن يقف بين أصحابه وسطا لأنه الرئيس و الواجب أن يكون الرئيس في قلب الجيش كما أن قلب الإنسان في وسط جسده و لأنه إذا كان وسطا كانت نسبته إلى كل الجوانب واحدة و إذا كان في أحد الطرفين بعد من الطرف الآخر فربما يختل نظامه و يضطرب.ثم نهاه ع أن يدنو من العدو دنو من يريد أن ينشب الحرب و نهاه أن يبعد منهم بعد من يهاب الحرب و هي البأس قال الله تعالى( وَ حِينَ اَلْبَأْسِ )

٩٤

أي حين الحرب بل يكون على حال متوسطة بين هذين حتى يأتيه الأمر من أمير المؤمنين ع لأنه أعرف بما تقتضيه المصلحة.ثم قال له لا يحملنكم بغضكم لهم على أن تبدءوهم بالقتال قبل أن تدعوهم إلى الطاعة و تعذروا إليهم أي تصيروا ذوي عذر في حربهم.و الشنئان البغض بسكون النون و تحريكها

نبذ من الأقوال الحكيمة في الحروب

و في الحديث المرفوع لا تتمنوا العدو فعسى أن تبتلوا بهم و لكن قولوا اللهم اكفنا شرهم و كف عنا بأسهم و إذا جاءوك يعرفون أن يضجون فعليكم الأرض جلوسا و قولوا اللهم أنت ربنا و ربهم و بيدك نواصينا و نواصيهم فإذا غشوكم فثوروا في وجوههم.و كان أبو الدرداء يقول أيها الناس اعملوا عملا صالحا قبل الغزو فإنما تقاتلون بأعمالكم.و أوصى أبو بكر يزيد بن أبي سفيان حين استعمله فقال سر على بركة الله فإذا دخلت بلاد العدو فكن بعيدا من الحملة فإني لا آمن عليك الجولة و استظهر بالزاد و سر بالأدلاء و لا تقاتل بمجروح فإن بعضه ليس منه و احترس من البيات فإن في العرب غرة و أقلل من الكلام فإن ما وعي عنك هو عليك و إذا أتاك كتابي فأمضه فإنما أعمل على حسب إنفاذه و إذا قدم عليك وفود العجم فأنزلهم معظم عسكرك و أسبغ عليهم من النفقة و امنع الناس من محادثتهم ليخرجوا جاهلين كما دخلوا جاهلين و لا

٩٥

تلحن في عقوبة فإن أدناها وجيعة و لا تسرعن إليها و أنت تكتفي بغيرها و اقبل من الناس علانيتهم و كلهم إلى الله في سريرتهم و لا تعرض عسكرك فتفضحه و أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.و أوصى أبو بكر أيضا عكرمة بن أبي جهل حين وجهه إلى عمان فقال سر على اسم الله و لا تنزلن على مستأمن و قدم النذير بين يديك و مهما قلت إني فاعل فافعله و لا تجعلن قولك لغوا في عقوبة و لا عفو فلا ترجى إذا أمنت و لا تخاف إذا خوفت و انظر متى تقول و متى تفعل و ما تقول و ما تفعل و لا تتوعدن في معصية بأكثر من عقوبتها فإنك إن فعلت أثمت و إن تركت كذبت و اتق الله و إذا لقيت فاصبر.و لما ولى يزيد بن معاوية سلم بن زياد خراسان قال له إن أباك كفى أخاه عظيما و قد استكفيتك صغيرا فلا تتكلن على عذر مني فقد اتكلت على كفاية منك و إياك مني من قبل أن أقول إياك منك و اعلم أن الظن إذا أخلف منك أخلف فيك و أنت في أدنى حظك فاطلب أقصاه و قد تبعك أبوك فلا تريحن نفسك و اذكر في يومك أحاديث غدك.و قال بعض الحكماء ينبغي للأمير أن يكون له ستة أشياء وزير يثق به و يفشي إليه سره و حصن إذا لجأ إليه عصمه يعني فرسا و سيف إذا نزل به الأقران لم يخف نبوته و ذخيرة خفيفة المحمل إذا نابته نائبة وجدها يعني جوهرا و طباخ إذا أقرى من الطعام صنع له ما يهيج شهوته و امرأة جميلة إذا دخل أذهبت همه في الحديث المرفوع خير الصحابة أربعة و خير السرايا أربعمائة و خير الجيوش أربعة آلاف

٩٦

و لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة إذا اجتمعت كلمتهم.كان يقال ثلاثة من كن فيه لم يفلح في الحرب البغي قال الله تعالى( إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ ) و المكر السيئ قال سبحانه( وَ لا يَحِيقُ اَلْمَكْرُ اَلسَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ ) و النكث قال تعالى( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ ) .يقال خرجت خارجة بخراسان على قتيبة بن مسلم فأهمه ذلك فقيل ما يهمك منهم وجه إليهم وكيع بن أبي أسود يكفيك أمرهم فقال لا أوجهه و إن وكيعا رجل فيه كبر و عنده بغي يحقر أعداءه و من كان هكذا قلت مبالاته بخصمه فلم يحترس فوجد عدوه فيه غرة فأوقع به.و في بعض كتب الفرس إن بعض ملوكهم سأل أي مكايد الحرب أحزم فقال إذكاء العيون و استطلاع الأخبار و إظهار القوة و السرور و الغلبة و إماتة الفرق و الاحتراس من البطانة من غير إقصاء لمن ينصح و لا انتصاح لمن يغش و كتمان السر و إعطاء المبلغين على الصدق و معاقبة المتوصلين بالكذب و ألا تخرج هاربا فتحوجه إلى القتال و لا تضيق أمانا على مستأمن و لا تدهشنك الغنيمة عن المجاوزة.و في بعض كتب الهند ينبغي للعاقل أن يحذر عدوه المحارب له على كل حال يرهب منه المواثبة إن قرب و الغارة إن بعد و الكمين إن انكشف و الاستطراد إن ولي و المكر إن رآه وحيدا و ينبغي أن يؤخر القتال ما وجد بدا فإن النفقة عليه من الأنفس و على غيره من المال

٩٧

13 و من كتاب له ع إلى أميرين من أمراء جيشه

وَ قَدْ أَمَّرْتُ عَلَيْكُمَا وَ عَلَى مَنْ فِي حَيِّزِكُمَا مَالِكَ بْنَ اَلْحَارِثِ اَلْأَشْتَرَ فَاسْمَعَا لَهُ وَ أَطِيعَا وَ اِجْعَلاَهُ دِرْعاً وَ مِجَنّاً فَإِنَّهُ مِمَّنْ لاَ يُخَافُ وَهْنُهُ وَ لاَ سَقْطَتُهُ وَ لاَ بُطْؤُهُ عَمَّا اَلْإِسْرَاعُ إِلَيْهِ أَحْزَمُ وَ لاَ إِسْرَاعُهُ إِلَى مَا اَلْبُطْءُ عَنْهُ أَمْثَلُ

فصل في نسب الأشتر و ذكر بعض فضائله

هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلمة بن ربيعة بن خزيمة بن سعد بن مالك بن النخع بن عمرو بن علة بن خالد بن مالك بن أدد و كان فارسا شجاعا رئيسا من أكابر الشيعة و عظمائها شديد التحقق بولاء أمير المؤمنين ع و نصره و قال فيه بعد موته رحم الله مالكا فلقد كان لي كما كنت لرسول الله ص.و لما قنت علي ع على خمسة و لعنهم و هم معاوية و عمرو بن العاص و أبو الأعور السلمي و حبيب بن مسلمة و بسر بن أرطاة قنت معاوية على خمسة و هم علي و الحسن و الحسين ع و عبد الله بن العباس و الأشتر و لعنهم.و قد روي أنه قال لما ولى علي ع بني العباس على الحجاز و اليمن و العراق فلما ذا قتلنا الشيخ بالأمس و إن عليا ع لما بلغته هذه الكلمة أحضره و لاطفه و اعتذر إليه و قال له فهل وليت حسنا أو حسينا أو أحدا من ولد جعفر أخي أو عقيلا

٩٨

أو واحدا من ولده و إنما وليت ولد عمي العباس لأني سمعت العباس يطلب من رسول الله ص الإمارة مرارا فقال له رسول الله ص يا عم إن الإمارة إن طلبتها وكلت إليها و إن طلبتك أعنت عليها و رأيت بنيه في أيام عمر و عثمان يجدون في أنفسهم إذ ولى غيرهم من أبناء الطلقاء و لم يول أحدا منهم فأحببت أن أصل رحمهم و أزيل ما كان في أنفسهم و بعد فإن علمت أحدا من أبناء الطلقاء هو خير منهم فأتني به فخرج الأشتر و قد زال ما في نفسه.و قد روى المحدثون حديثا يدل على فضيلة عظيمة للأشتررحمه‌الله و هي شهادة قاطعة من النبي ص بأنه مؤمن روى هذا الحديث أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب في حرف الجيم في باب جندب قال أبو عمر لما حضرت أبا ذر الوفاة و هو بالربذة بكت زوجته أم ذر فقال لها ما يبكيك فقالت ما لي لا أبكي و أنت تموت بفلاة من الأرض و ليس عندي ثوب يسعك كفنا و لا بد لي من القيام بجهازك فقال أبشري و لا تبكي فإني سمعت رسول الله ص يقول لا يموت بين امرءين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبران و يحتسبان فيريان النار أبدا و قد مات لنا ثلاثة من الولد و سمعت أيضا رسول الله ص يقول لنفر أنا فيهم ليموتن أحدكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين و ليس من أولئك النفر أحد إلا و قد مات في قرية و جماعة فأنا لا أشك ذلك الرجل و الله ما كذبت و لا كذبت فانظري الطريق قالت أم ذر فقلت أنى و قد ذهب الحاج و تقطعت الطرق فقال اذهبي فتبصري قالت فكنت

٩٩

أشتد إلى الكثيب فأصعد فأنظر ثم أرجع إليه فأمرضه فبينا أنا و هو على هذه الحال إذ أنا برجال على ركابهم كأنهم الرخم تخب بهم رواحلهم فأسرعوا إلي حتى وقفوا علي و قالوا يا أمة الله ما لك فقلت امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه قالوا و من هو قلت أبو ذر قالوا صاحب رسول الله ص قلت نعم ففدوه بآبائهم و أمهاتهم و أسرعوا إليه حتى دخلوا عليه فقال لهم أبشروا

فأني سمعت رسول الله ص يقول لنفر أنا فيهم ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين و ليس من أولئك النفر إلا و قد هلك في قرية و جماعة و الله ما كذبت و لا كذبت و لو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي أو لامرأتي لم أكفن إلا في ثوب لي أو لها و إني أنشدكم الله ألا يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو بريدا أو نقيبا قالت و ليس في أولئك النفر أحد إلا و قد قارف بعض ما قال إلا فتى من الأنصار قال له أنا أكفنك يا عم في ردائي هذا و في ثوبين معي في عيبتي من غزل أمي فقال أبو ذر أنت تكفنني فمات فكفنه الأنصاري و غسله النفر الذين حضروه و قاموا عليه و دفنوه في نفر كلهم يمان.روى أبو عمر بن عبد البر قبل أن يروي هذا الحديث في أول باب جندب كان النفر الذين حضروا موت أبي ذر بالربذة مصادفة جماعة منهم حجر بن الأدبر و مالك بن الحارث الأشتر.قلت حجر بن الأدبر هو حجر بن عدي الذي قتله معاوية و هو من أعلام الشيعة و عظمائها و أما الأشتر فهو أشهر في الشيعة من أبي الهذيل في المعتزلة.

١٠٠