الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة0%

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 344

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

مؤلف: السيد السند السعيد القاضي نور الله التستري
تصنيف:

الصفحات: 344
المشاهدات: 29888
تحميل: 4522

توضيحات:

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 344 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29888 / تحميل: 4522
الحجم الحجم الحجم
الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

مؤلف:
العربية

عليعليه‌السلام وعثمان والإقتداء بهما ومنافاته لما رووه من حديث « أصحابي كالنجوم بأيهم إقتديتم إهتديتم »

وان أريد به الإقتداء بهما في الجملة فجاز أن يكون المراد الإقتداء بهما في بعض الأمور بل يكون قضية في واقعة فلا يجب إستحقاقهما للإمامة.

وأما ثالثاِ فلأنه قد ظهر إختلاف كثير بين أبي بكر وعمر فيلزم أن يكون الناس مأمورين بالعمل بالمختلفين وذلك لا يليق بحال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأما رابعاً فلأنه لو صح هذا الحديث بالمعنى الذي فهموه منه لكان نصاً على إمامتهما، ولم وقعت المنازعة بين الصحابة في تعيين الإمام بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد وقعت؛ فمال بعضهم الى عليعليه‌السلام ، وبعضهم الى أبي بكر، وقال الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، ولما إحتاج أبو بكر في مدافعة الأنصار الى الإحتجاج عليهم بعشيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقومه، وما شاكل ذلك كان يقول « يامعشر الأنصار قد أمركم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيركم بالإقتداء بنا في جميع الأمور فليس لكم مخالفة أمرهعليه‌السلام

ونحن نعلم قطعاً إنه مع وجود مثل هذه الحجة لا يتمسك بغيرها فلما لم يذكرها علمنا إنه موضوع.

وأما خامساً فالتطرق تهمة التحريف في روايه ولعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال « إقتدوا بالذين من بعدي ابا بكر وعمر » على أن كونا مأمورين بالإقتداء واللذن بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كتاب الله وعترته كما ذكر في الخبر المشهور المتفق عليه وهو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي » هذا وقال شيخنا الأجل إبن بابويه القميرحمه‌الله في كتاب أخبار عيون الرضا « إنهم لم يرووا إن النبي صلوات الله عليه قال إقتدوا بالذين من بعدي ابي بكر وعمر وإنما رووا أبا بكر وعمر منهم من روى أبو بكر وعمر فلو كانت

١٠١

الرواية صحيحة لكان معنى قوله بالنصب إقتدوا بالذين من بعدي كتاب الله والعترة يا أبا بكر وعمر ومعنى قوله بالرفع إقتدوا أبو بكر وعمر بالذين من بعدي من كتاب الله والعترة « إنتهى »

لا يقال على هذا التقدير يكونان داخلين تحت مطلق الأمر في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله إقتدوا فما الفائدة في افرادهما لأنا نقول الفائدة ماعلمهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من شدة خلافهما في ذلك وقد نطق القرآن بإفراد مادخل تحت مطلق العموم كقوله تعالى فاكهة ونخل ورمان وقوله تعالى وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح فإنه ليس يمتنع أن يؤتي في الأمر بلفظ الجمع ثم يتبعه بالإشارة الى إثنين على التخصيص بوجهين؛

أحدهما التأكيد كما ذكرناه

والثاني أن تكون العبارة عن الإثنين بمعنى الجمع إتساعاً لتبيينه به عن الواحد وليس فيه من معاني الجمع شيء كما قال سبحانه هذان خصمان إختصموا وقال هل آتيكم نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب ( الى قوله ) خصمان وإذا كان الأمر كذلك فقد سقط ما تعلقت به الناصبة في الحديث ولم يبق لهم فيه شبهة كما لا يخفى.

٣٧ ـ قال: الرابع، أخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه قال خطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال: إن الله تبارك وتعالى خير عبداً بين الدنيا وبين ماعنده فاختار ذلك العبد ما عند الله فبكى ابو بكر وقال بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا فعجبنا لبكائه ان يخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن عبد خيره الله فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المخير وكان ابو بكر اعلمنا فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ام من آمن الناس علي في صحبته وماله ابو بكر ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لأتخذت ابا بكر خليلاً ولكن اخوة الإسلام ومودته، لا يبقين باب الا سد الا باب أبي بكر » وفي لفظ لهما « لا يبقين في المسجد خوخة الى خوخة ابي بكر » وفي آخر للبخاري « ليس في الناس أحد

١٠٢

آمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة؛ ولو كنت متخذاً خليلاً لأتخذت أبا بكر خليلاً ولكن خلة الإسلام أفضل؛ سدوا عني كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر » وفي آخر لإبن عدي « سدوا هذه الأبواب الشارعة في المسجد إلا باب ابي بكر » وطرقه كثيرة قال العلماء: في هذه الأحاديث إشارة الى خلافة الصديق؛ لأن الخليفة يحتاج الى القرب من المسجد لشدة إحتياج الناس الى ملازمته للصلاة بهم وغيرها انتهى.

اقول:

أولاً لايخفى مافي الحديث الأول من ركاكة بعض فصوله؛ وعدم الإرتباط بينها، الدالين على كونه موضوعاً غير صادر عن الفصيح فضلاً عن أفصح العربعليه‌السلام ومما يلحق بذلك مافيه من تعجب القوم عن بكاء أبي بكر، إذ لاعجب في بكاء المؤمنين السامع لوجود عبد خيره الله تعالى بين الدنيا والآخرة فيبكي لعدم ظن نفسه من ذلك القبيل الا أن يكون تعجبهم لإستبعادهم إيمانه ولين قلبه عند ذكر الله تعالى، وذكر الصالحين المختارين.

وثانياً إنه معارض بما في مسند أحمد بن حنبل من عدة طرق « إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بسد الأبواب إلا باب علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فتكلم الناس فخطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب عليعليه‌السلام (١) فقال فيه قائلكم والله،ماغلقت شيئاً ولا فتحته ولكن أمرت بشيء فاتبعته » انتهى، وقد نقل هذا الشيخ الجاهل هذه الرواية فيما سيذكره من فضائل عليعليه‌السلام عن أحمد، وأيضاً عن زيد بن ارقم، ثم ذكر في دفع المعارضة ما لايجري عليه القلم، واما حديث خوخة أبي بكر فلا يصلح لأن يكون موازياً بالدلالة

____________________

(١) ما أحسن قول من قال بالفارسية مشيراً الى هذه المنقبة الجليلة: كشايش از درديگر مجو بغير على كه باب غير على را بگل بر آورد ند

١٠٣

على الفضل لفتح الباب وهذا ظاهر من تفسير الجوهري الخوخة بالكوة في جدار يوازي الصفة إنتهى مع إن هذا ايضاً معارض بما رواه إبن الأثير في النهاية حيث قال: عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: إلا خوخة علي انتهى مع إن حديثي الباب والخوخة المرويين في شأن ابي بكر ليسا متفق عليهما فلا يصلحان للإحتجاج بهما على الخصم بل الخصم يقول إن أولياء أبي بكر لما تفطنوا بأن روايتهم لذينك الحديثين في شأ عليعليه‌السلام ازراء لجلالة قد ابي بكر عندهم وضعوا هذه في مقابلهما تروجياً لشأنه، وبالجملة نحن إنما نحتج برواية من لم يعتقد كون عليعليه‌السلام افضل الصحابة على الإطلاق فإن أتيتم من فضائل الثلاثة برواية ممن لم يعتقد أفضليتهم قد تمت المعارضة وإلا فلا.

وثالثاً فلأن ماتضمنه الحديث الحادي الأول من قوله: كنت متخذاً خليلاً الى آخره مع إنه ليس بمتفق عليه بدلالة كلمة لو علي إنه لم يقع فكيف يقابل بما روي إتفاقاً من إتخاذهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام أخاً والأخوة أفضل من الخلة مع إن في رواية إبن مردويه الحافظ إنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله في شأن عليعليه‌السلام في حرف التحقيق وصيغة الحزم » إن خليلي ووزيري وخليفتي وخير من اتركه بعدي، يقضي ديني وينجز موعدي، علي بن ابي طالبعليه‌السلام ، فلا يعارض ما روي في شأن ابي بكر ماروي في شأن عليعليه‌السلام » وأين المخيل من المحقق المجزوم به.

ورابعاً فلأن قوله « الخليفة يحتاج الى القرب من المسجد » غير مسلم وقوله « لشدة إحتياج الناس الى ملازمتة للصلاة بهم » إنما يدل على إحتياج الناس الى القرب دونه والحاصل إن شدة إحتياج الناس الى صلاة أبي بكر بهم في المسجد لايقتضي قربه الى المسجد كما لايقتضي قرب الناس الى المسجد وإنما يقتضي مسافة وزماناً يمكن له ولهم الوصول

١٠٤

الى الصلاة فيه عادة فهو والناس في القرب والبعد سواء.

٣٨ ـ قال: الخامس، أخرج الحاكم وصححه عن أنس قال: بعثني بنو المصطلق الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن أسأله الى من ندفع صدقاتنا بعدك فأتيته فسألته فقال الى أبي بكر » ومن لازم دفع الصدقة اليه كونه خليفة إذ هو المتولي قبض الصدقات انتهى.

اقول: لو صح الحديث مع كون أول رواية انس الذي مر مافيه من القوادح فإنما يدل على مقصود أولياء أبي بكر إن لو كان المراد بدفع الصدقة اليه بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الدفع على وجه التولية ومن الجائز أن يكون المراد الدفع اليه على وجه كونه مصرفاً فان أبا بكر بعد بذل أمواله في سبيل الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما زعمه أهل السنة صار فقيراً صعلوكاً لم يبق له شيء حتى روى هذا الشيخ الجامد في اواخر ماسيذكر من الفصل الرابع فيما ورد من كلام العرب والصحابة وغيرهم في فضل أبي بكر إنه كا يعمل في السوق ولما بويع أصبح وعلى ساعده أبراد وهو ذاهب الى السوق فقال له عمر، أين تريد؟ قال السوق، قال: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال فمن أين أطعم عيالي؟ قال إنطلق يقرض لك ابو عبيدة الى آخره وأخرج البخاري « إن بنته أسماء كانت تنقل النوى من ارض الزبير الذي اقطعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على رأسها » وهي من منى على ثلثي فرسخ وغاية الأمر أن يستبعد ذلك لظن إن صدقات ذلك القوم ربما كان شيئاً كثيراً زيد على إستحقاق أبي بكر وأهله وليس بشيء لأن أبا بكر وفقراء أهله أيضاً كانوا معاً كثيراً وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إن خير الصدقة ما ابقت غني

إن قيل إن دفع الصدقة الى المصرف بغير إذن

١٠٥

الإمام غير جائز

قلت: هذا لم يعلم من دين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على أصل الخضم إذ ليس هناك إمام منصوب منصوص من الله تعالى ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمن أين علم وجوب الدفع اليه وعدم جوازه الى غيره ولهذا دفعوا بنوا حنيف صدقات قومهم الى فقرائهم كما مر.

٣٩ ـ قال: السادس أخرج مسلم عن عائشة قالت: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إدعي لي اباك وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولي ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر انتهى.

اقول: فيه بحث

أما أولاً فلظهور تهمة عائشة في مثل هذه الرواية من حيث جرها بذلك نفعاً وشرفاً لها ولأبيها، ومن حيث ظهور عداوتها لعليعليها‌السلام ، كما يدل عليه تصفح أخبارهم وتتبع آثارهم، منها ماأخرجه البخاري في صحيحه من قول عائشة « إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج في مرضه ويده اليمنى على كتف رجل واليسرى على كتف إبن عباس» وقال إبن عباس « اتعرف من الرجل الذي لم تسمه ؟ قال: لا، قال: هو علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) وأخرج أيضاً في قضية الأفك قول عائشة « أما أسامة فقال بما يعلم من نفسه ومن براءة اهله: إلزم أهلك، واما علي (عليه‌السلام ) فقال: النساء كثيرة ولن يضيق الله عليك وسل الجارية تصدقك الحديث» وكذا اخرج قول العثماني لآخر » أبلغك إن علياً كان فيمن رمى به عائشة بالإفك » وقال إبن قتيبة في كتاب السياسة والإمامة « لما قال طلحة لعائشة قد بويع علي (ع) فقال: مالعلي يتولى على رقابنا؟ لا أدخل المدينة ولعلي فيها سلطان ورجعت» قال : ولما أتي عائشة خبر أهل الشام إنهم ردوا بيعة عليعليه‌السلام ، وأبوا أن يبايعوه أمرت فعمل لها هودج من حديد وجعل فيها موضع لعينها ثم خرجت ومعها طلحة والزبير و

١٠٦

عبدالله بن الزبير ومحمد بن طلحة انتهى.

وكيف ينكر عناد عائشة مع عليعليه‌السلام وقد أخبر بذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحذرها عن ذلك كما سيذكره هذا الشيخ الكذوب الناسي في الباب الثامن في خلافة عليعليه‌السلام في ذيل ماقدمه هناك من قصة قتل عثمان حيث قال « وقد أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في واقعة الجمل، وصفين، وقتال عائشة وطلحة والزبير علياً كما أخرجه الحاكم وصححه البيهقي عن ام سلمه قالت ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خروج أمهات المؤمنين فضحكت عائشة فقال: إنظري حميراء ان لاتكوني أنت واخرج البزار وأبو نعيم عن أبن عباس مرفوعاً أيتكن صاحبة الجمل الأحمر ؟ تخرج حتى ينبحها كلاب الحوأب، يقتل حولها قتلى كثيرة ثم تنجوا بعدما كادت » ( انتهى ) وروي إنما لما وصلت الى الحوأب ونبحها كلابه تذكرت كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فحاضت حيضة للرجوع ثم منعها عنادها وبغضها لعليعليه‌السلام فعادوا لما نهوا عنه.

وأما ثانياً فلأن الحديث بعد فرض صحته التي تلحق بفرض المحال لو كان مفاده مافهموه لكان نصاً على خلافة أبي بكر؛ مع إنه لم يتمسك به عند منازعته مع الأنصار ولا بعده و« لاعطر بعد عروس(١) » فدل على إنه من موضوعات عائشة أو مفتريات غيرها من أولياءه وسيورد علينا هذا الشيخ الجامد المتحجر مثل هذا البحث فيما سيأتي حيث يقول « واحتمال إن ثمة نصاً غير مازعموه يعلمه علي أو أحد من المهاجرين والأنصار باطل وإلا لأوردة العالم به يوم السقيفة حين تكلموا بالخلافة أو مابعده لوجوب إيراده حينئذ » ( إنتهى ).

وأما ثالثاً فإن هذا الجامد سينكر في حديث الغدير كون الأولى بمعنى الولي والإمام مع إن مبنى إستدلاله ها هنا عليه كما لايخفى.

____________________

(١) مثل معروف: يضرب لمن ولايؤخر عنه نفيس ، أو في ذم إذخار الشيء وقت الحاجة« أقرب الموارد »

١٠٧

واما رابعا فلانه يجوز ان يكون قوله « يأبى » من جملة مقول قول القائل أي يقول قائل يأبى الله والمؤمنون الا ابا بكر وبهذا القول تقع فتنة بين المسلمين وحينئذ لا دلالة للحديث على إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر عن إباء الله تعالى لخلافة غير أبي بكر كما فهموه فلا حجة فيه على الشيعة أصلاً.

٤٠ ـ قال : السابع، أخرج الشيخان عن أبي موسى الأشعري قال : مرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاشتد مرضه فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قال العلماء : في هذا الحديث أوضح دلالة على إن الصديق أفضل الصحابة على الإطلاق، وأحقهم بالخلافة وأولاهم بالإمامة ، وقد إستدل الصحابة أنفسهم بهذا على إنه أحق بالخلافة، منهم عمر ومر كلامه في فصل المبايعة ومنهم عليعليه‌السلام فقد أخرج إبن عساكر عنه « لقد أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابا بكررضي‌الله‌عنه أن يصلي بالناس وإني لشاهد وما أنا بغائب وما بي مرض فرضيناه لدنيانا، مارضيه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لديننا ووجه ماتقرر من إن الأمر بتقديمه للصلاة كما ذكر فيه الإشارة أو التصريح بأحقيته بالخلافة إن القصد الذاتي من نصب الإمام العالم إقامة شعائر الدين على الوجه المأمور به من إداء الواجبات وترك المحرمات، وإحياء السنن، وإماتة البدع، وأما الأمور الدنيوية وتدبيرها كإستيفاء الأموال من وجوهها وإيصالها لمستحقيها ودفع الظلم ونحو ذلك فليس مقصوداً بالذات بل ليتفرغ الناس لأمور دينهم إذ لايتم تفرغهم له إلا إذا إنتظمت أمور معاشهم بنحو الأمن على الأنفس والأموال ووصول كل ذي حق الى حقه فلذلك رضي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمر الدين وهو الإمامة العظمى أبا بكر بتقديمه للإمامة في الصلاة كما ذكرنا ومن ثم أجمعوا على ذلك كما مر.

اقول: هذا الحديث المروي عن أبي موسى الأشعري مقيم الفتنة ،ومضل ـ

١٠٨

الأمة ، الذي أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إنه إمام الفرقة المرتدة ونحوه من الأحاديث سندهم القاصر لإجماعهم الناقص على خلافة ابي بكر كما صرح به ها هنا أيضاً بقوله « ومن ثمت أجمعوا على ذلك كما مر » وقد مر منا أيضاً إنه لايصلح ذلك سنداً لإجماعهم، وإن قياس إمامة الصلاة على الإمامة العظمى قياس مع الفارق من وجوه عديدة،وحاشى عن عليعليه‌السلام باب مدينة العلم بل عن أقل عبيدة المقتبسين من مشكاة أنوار علومه أن يستدلوا بذلك القياس، الذي يضحك منه أول من قاس.

وتمسكهم بإستدلال عمر على ذلك مع ظهور فساده إنما هو من قبيل إستشهاد إبن آوى بذنبه

وأما ماذكره من « إن الأمر بتقديمه للصلاة كما ذكر فيه الإشارة أو التصريح بأحقيته بالخلافة » فهو مخالف إتفاق متقدميهم على فقدان النص في شأن الكل

وأما ماذكره من « إن القصد الذاتي من نصب الإمام إقامة شعائر الدين » فمردود بأنه

إن اراد به إن المقصود الذاتي في نصب الإمام ذلك، والأمور الدنيوية تبع له فهب أن يكون كذلك لكن لايفيد ذلك مطلوبه وإنما يفيده لو لم يكن مقصوداً بالذات في الدين وهذا غير لازم من ذلك وكيف لاتكون الأمور الدنيوية كإقامة الحدود وسد الثغور وتجهيز الجيوش للجهاد وحماية بيضة الإسلام ونحوها من الأمور المتعلقة بحفظ النظام وإنفاذ المعروف وإزالة المنكر وإصلاح المعاش والمعاد مقصوداً أصليا في الدين ؟

وإن اراد به إن المقصود الأصلي في الدين من نصب الإمام ذلك وما عداه مقصود بالتبع فغير مسلم بل الكل مقصود بالذات من الدين كما اوضحناه وتقريره المذكور لايفي بإثبات خلافه كما ليخفي.

٤١ ـ قال : واخرج أحمد عن سفينه وأخرجه ايضاً عن اصحاب السنن وصححه إبن حبان وغيره قال: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : الخلافة ثلاثون عاماً ثم يكون بعد ذلك الملك.

١٠٩

أقول : هذا الحديث بعد تسليم صحته معارض بما نقله صاحب تفسير المدارك من الحديث المشتمل على السؤال عن الحق وعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأقسامه الى أن عطف على الأقسام السابقة بقوله « والخلافة إذا إنتهت الى عليعليه‌السلام » وكذا معارض بما سبق من الأخبار المشتملة على خلافة إثني عشر

وأما ماذكره بعيد ذلك في دفع المعارضة هذا الشيخ المبهوت، فهو أوهن من نسج العنكبوت.

قال :

الفصل الرابع في بيان إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هل نص على خلافة أبي بكر؟

اعلم إنهم إختلفوا في ذلك، ومن تأمل الأحاديث التي قدمناها علم من إن اكثرها إنه نص عليها نصاً ظاهراً وعلى ذلك جماعة من المحدثين وهو الحق؛ وقال جمهور أهل السنة رضوان الله عليهم والمعتزلة والخوارج: لم ينص على أحد.

اقول: قد إمتثلنا وتأملنا الأحاديث الحادثة التي قدمها ومررنا عليها بأنها بعد تسليم صحتها لا دلالة لها على مقصوده وبالجملة إن الأحاديث التي زعم دلالتها على التنصيص في شأن أبي بكر إنما هي من مفتريات شرذمة قليلة من حشوية أهل النص في أبي بكر وهذا لاينافي إنكار جمهور أهل السنة والمعتزلة بوجود النص فيه في زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع قطع النظر عن جرأتهم على تخطئة جمهور أهل السنة في إنكار وجود النص بل على خرق إجماعهم على الإنكار كما ذكره النووي في شرح صحيح مسلم « نقول لو كان هناك نص لكان أبو بكر أعلم به ، ولقال أطيعوني مستدلاً به ، ولما قال الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، ولما توقف عليعليه‌السلام في البيعة الى ستة اشهر ، ولما قال أبو بكر: وددت إني سئلت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن

١١٠

هذا الأمر وكنا لا ننازعه اهله ، ولما قال العباس لعليعليه‌السلام أمدد يدك أبايعك حتى يقول الناس بايع عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إبن عمه، ولم يختلف فيك إثنان ولما قال أبو سفيان يا بني عبد مناف ارضيتم أن يلي عليكم تيم؟ والله لأملئن الوادي خيلاً ورجلاً، ولما سل الزبير بن العوام سيفه قائلاً: أنا لا أرضى بخلافة ابي بكر، ولما قال عمر لأبي عبيدة إبسط يدك أبايعك، ولما قال أبو بكر: بايعوا عمر أو ابا عبيدة » الى غير ذلك مما هو مذكور في صحاح أحاديثهم ومعتبرات سيرهم وتواريخهم

ثم لايخفى إن دلالة ماذكره آخراً من الأحاديث التي لم نذكرها تحرزاً عن تضييع الوقت على عدم التنصيص ظاهرة وما إرتكبه بدفع التعارض عن التأويلات الباردة، والتوجيهات الكاسدة، مما لايروج على ذلك بصيرة نافذة.

٤٢ ـ قال: فلزم من ذلك بطلان مانقله الشيعة وغيرهم من الأكاذيب وسودوا به أوراقهم من نحو خبر « أنت الخليفة بعدي » وخبر « سلموا على علي بإمرة المؤمنين » وغير ذلك مما يأتي إذ لاوجود لما نقلوه فضلاً عن إشتهاره كيف وما نقلوه لم يبلغ مبلغ الآحاد المطعون فيها إذ لم يصل علمه لأئمة الحديث المسابرين على التنقيب عنه كما إتصل كثير مما ضعفوه وكيف يجوز في العادة أن ينفرد هؤلاء بعلم صحة تلك الأحاديث ؟ الى آخر ماذكر.

أقول: الشيعة يدعون التواتر المعنوي في بعض ماحكم هذا الشيخ الجاهل بعدم وجوده وساعدهم فيها جمع كثير من نقاد محدثي أهل السنة كالحاكم، وإبن جرير الطبري، وإبن الأثير الجزري، وكفى به حجة

وأيضاً من شرائط حصول العلم التواتري لسامع الخبر أن لايكون السابق ممن سبق الى إعتقاد نفي مخبره بشبهة أو تقليد وألف بالباطل وأكثر أهل السنة أشد تورطاً من الكفرة في تقليد الآباء واقتداء آثارهم فكيف

١١١

يحصل العلم التواتري بما يخالف أهواءهم وأهواء آباءهم من الأحاديث الدالة على بطلان خلافة أبي بكر قال الغزالي في موضع من المقاصد مخاطباً لغيره: إن هذا تحقيق الأمر فيما نحن فيه وعليه، وإنما يثبت بطول الألف في سمعه فلا يزال النفرة عن نقيضه في طبعه إذ قطع الضعفاء عن المؤلوف شديد عجز عنه الأنبياء فكيف غيرهم؟ انتهى.

وبالجملة قد وصل علم الطبقة الأولى بل الثانية من أهل السنة أيضاً الى ذلك بطريق التواتر لكنهم أخفوها واطبقوا على سد باب نقلها الى من بعدهم فانتفى تواترها في طبقات متأخريهم من مدوني الحديث فلا يوجب ذلك عدم تواترها مطلقاً ولو بين علماء الشيعة تدبر.

ويؤيد إنهم لم يزالوا يخفون الأحاديث الدالة على فضائل أمير المؤمنين ماشهد به فخر الدين الرازي في تفسير الفاتحة من سعي بني أمية في محو آثار أهل البيتعليهم‌السلام وماأخرجه الجزري في جامع الأصول في الفصل الثالث في التلبية بعرفة ومزدلة عن سعيد بن جبير قال: كنت مع إبن عباس بعرفات فقال: مالي لا أسمع الناس يلبون؟ قلت يخافون من معاوية فخرج إبن عباس من فسطاطه فقال لبيك اللهم لبيك فإنهم قد تركوا السنة على بغض عليعليه‌السلام وذوي القربى وما رواه هذا الجامد في ذيل الفصل الآتي المتضمن للأحاديث الواردة في بغض أهل البيت كفاطمة وولديها حيث قال عند ذكر الآثار المترتبة على قتل الحسينعليه‌السلام : وحكى عن الزهري إنه قدم الشام يريد الغزو، فدخل على عبدالملك بن مروان فأخبره إنه يوم قتل عليعليه‌السلام لم يرفع حجر من بيت المقدس إلا وتحته دم؛ ثم قال له: لم يبق من يعرف هذا غيري وغيرك فلا يخبر به ، قال فما أخبرت به إلا بعده انتهى.

وأما ماذكره ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة مع إقراره بصحة خلافة أبي بكر وعمر بقوله : وما أقول في رجل أقر له أعدائه وخصومه بالفضل، ولم يمكنهم جحد مناقبه، ولا كتمان

١١٢

فضائله، فقد علمت إنه إستولى بنو أمية على بلدان الإسلام في شرق الأرض وغربها واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره والتخويف عليه ووضع المعائب والمثالب ولعنوه على جميع المنابر وتوعدوا مادحيه بل حبسوهم وقتلوهم ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة او يرفع له ذكراً حتى حضروا أن يسمى أحداً بإسمه فما زاده ذلك إلا رفعة سمواً ؛ وكان كالمسك كلما ستر إنتشر عرفه ، وكلما كتم تضوع نشره؛ وكالشمس لاتستر بالراح؛ وكضو النار إن حجبت عنه عين واحدة أدركته عيون كثيرة إنتهى

ولايخفى إن مراده بقوله « ولم يمكنهم جحد مناقبه ولا كتمان فضائله » إنه لم يمكن ذلك لجميع الأعداء كما يدل عليه قوله آخراً « إن حجبت عنه عين واحدة أدركته عيون كثيرة » وقال صاحب الفتوح في فتح من أول كتابه « إن ها هنا أخباراً أخر لم نذكرها لئلا يجعلها الشيعة متمسكاً لهم » وكم مثل هذه في بطون كتبهم … ! فتأمل وانصف.

٤٣ ـ قال: نعم روى آحاداً خبر « أ نت مني بمنزلة هارون من موسى » وخبر « من كنت مولاه فعلي مولاه » وسيأتي الجواب عنهما واضحاً مبسوطاً، وإنه لادلالة لواحد منهما على خلافة علي لا نصاً ولا إشارة وإلا لزم نسبة جميع الصحابة الى الخطأ وهو باطل لعصمتهم من أن يجتمعوا على ضلالة فإجماعهم على خلاف مازعمه أولئك المبتدعة الجهال قاطع بأن ما توهموه من هذين الحديثين غير مراد إن لو فرض إحتمالهما لم قالوه فكيف وهما لايحتملانه كما يأتي فظهر إن ما سودوا به اوراقهم من تلك الأحاديث لا يدل لما زعموه

واحتمال إن ثم نصاً غير مازعموه يعلم عليعليه‌السلام أو واحد من المهاجرين أو الأنصار باطل ايضاً وإلا لأورده العالم به يوم السقيفة حين تكلموا بالخلافة أو فيما بعده لوجوب إيراده حينئذ وقولهم « ترك عليعليه‌السلام {يراده مع علمه به للتقية باطل » إذ لاخوف يتوهمه من له أدنى مسكة وإحاطة بعلم أحوالهم في مجرد ذكره

١١٣

لهم ومنازعته في الأمامة به كيف وقد نازع من هو أضعف منه وأقل شوكة ومنعة من غير أن يقيم دليلاً على مايقوله ومع ذلك فلم يؤذ بكلمة فضلاً عن أن يقتل فبأن بطلان هذه التقية المشمومة عليهم سيما وعليعليه‌السلام قد علم بواقعة الحباب وبعدم إيذائه بقول أو بفعل م إن دعواه لا دليل عليها ومع ضعفه وضعف قومه بالنسبة لعليعليه‌السلام وقومه

وأيضاً فيمتنع عادة من مثلهم إنه يذكره لهم ولا يرجعون اليه كيف وهم أطوع لله وأعمل بالوقوف عند حدوده وأبعد عن إتباع حظوظ النفس لعصمتهم السابقة وللخبر الصحيح « خير القرون قرني ثم الذين يلونه » وأيضاً ففيهم العشرة المبشرون في الجنة ومنهم أبو عبيدة أمين هذه الأمة كما صح من طرق فلا يتوهم فيهم وهم بهذه الأوصاف الجليلة إنهم يتركون العمل بما يرويه لهم من يقبل روايته بلا دليل أرجح يعولون عليه انتهى.

اقول : شهرة الحديث الأول وبلوغه حد التواتر ، لاينكره غير المعاند المكابر،

وأما الحديث الثاني فقد أثبت محمد بن جرير الطبري وإبن الأثير الجزري في رسالته الموسومة بأسنى المطالب تواتره من طرق كثيرة

وأما ما إستدل به ها هنا على عدم دلالة الحديثين على خلافة عليعليه‌السلام بقوله « وإلا لزم نسبة جميع الصحابة الى الخطأ « الى آخره » فالخطأ فيه ظاهر كيف ودلالة الحديثين ليست مما ينبغي بإستلزامهما لبعض المحذورات نعم ربما يستدل(١) المعنى المفاد من اللفظ الدال على الملزوم غير مراد وأين(٢) لزوم ماذكره من نسبة جميع الصحابة الى الخطأ إذ قد سبق(٣) أبي بكر بإعتراف المحققين من أهل السنة فاللازم إنما هو نسبة جماعة من الصحابة لأجل غصب الخلافة من أهل البيتعليهم‌السلام الى الخطأ وبطلانه

____________________

(١) و(٢) و(٣) هذه الموارد كذا في النسختين اللتين عندي.

١١٤

غير مسلم بل هو دال على المطلوب وبما قررناه ظهر ضعف مافرع على ما أسرد بقوله « فإجماعهم؛ الى آخره » من إنه « فظهر إن ما سودوا به » فاتضح إن ماسود به هذا الشيخ الجامد بياض أوراق كتابه سود به وجهه عند المحصلين.

وأما قوله « إحتمال إن ثمة نصاً غير ما زعموه ؛ الى آخره » ففيه إن(١) لامحتمل كما يدل عليه مسند بن حنبل ومناقب الخوارزمي ومناقب إبن المغازلي وغير ذلك وأما إستدلاله على بطلان هذا الإحتمال بقوله « وإلا لاورده العالم به يوم السقيفة الى آخره » فباطل لأن علياًعليه‌السلام وسائر بني هاشم ومواليهم وتابيعهم من المهاجرين إستدلوا به فيها وأما الأنصار فقد مر أن أبا بكر وأبا عبيدة وسالماً مولى حذيفة أوقعوا في قلوب الأنصار وغيرهم ممن سمع النص في شأن عليعليه‌السلام وشبهوا الأمر على الناس وعلى الأنصار فيه إنهعليه‌السلام ترك الخلافة وقعد في قعر بيته حزناً على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فلهذا لم يورده أحد من الطائفتين

وأما من عداهما من قريش كبني أمية وبني مخزوم وبني المغيرة فاعانوهم على خذلان عليعليه‌السلام بأخذ حقه منه إنتقاماً لثارات الجاهلية كما مر

وأما إستبعاده ترك عليعليه‌السلام لإيراد النص تقية فقد مر مافية أيضاً من البيعة لأبي بكر في السقيفة وطلبوا عنهعليه‌السلام البيعة قد إحتج عليهم بالنص ولم يلتفتوا وجواز التقية كانت موجودة هناك

ولا بأس أن نوضح ذلك هاهنا

ونقول: لايخفى على من تتبع كتب الجمهور في الأحاديث والسير عدم تساوي متابعيه وأنصارهعليه‌السلام في ايام خلافته ومحاربته الناكثين والقاسطين والمارقين وفقدانه لذلك في أيام خلافة الثلاثة وإختياره للسكوت عن طلب حقه حينئذ والمنازعة والمقاتلة معهم فقد نقل عن أمير المؤمنين إن ذات من أيام واقعة صفين ركب مع عسكر كثير ولما نظر الى كثرتهم قال لأصحابه: كنت أنتظر هذه الكثرة ولها لزمت الصبر وقد روي

____________________

(١) هنا بياض بمقدار ثلاث كلمات في النسختين اللتين عندي.

١١٥

من طريق الجمهور أيضاً إنه قال حين أفضى الأمر اليه وقد سألوه (ع) بما نقضي ياأمير المؤمنين ؟ فقال (ع) إقضوا بما كنتم تقضون حتى يكون الناس جماعة واحدة أو أموت كما مات أصحابي فدل على إنه قد أخر القضاء بمذهبه في كثير من الأحكام خوف الإختلاف عليه وانتظر الإجماع من أهل الخلاف أو جود المصلحة

ويؤيد ذلك ماذكره هذا الشيخ الجاهل في مواضع متعددة من كتابه هذا مما يشعر بعداوة الناس وحسدهم لعليعليه‌السلام وإظهارهم لذلك في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد وفاته منها ماذكره في أثناء الباب التالي لهذا الباب من « إن بني تيم وبني عدي كانوا أعداء بني هاشم في الجاهليه » ومنها ما ذكره في آخر الفصل الثالث في ثناء الصحابة « إن ما نفر الناس عن علي إلا إنه لا يبالي بأحد » وفي موضع آخر عن السلفي في الطيوريات من « إن علياًعليه‌السلام كان كثير الأعداء » ومنه ماذكره في الفضل الأول من الباب العاشر في فضائل اهل البيتعليهم‌السلام عند ذكره الآية السادسة وهو قوله تعالى أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله حيث روي عن الباقرعليه‌السلام إنه قال في هذه الآية « نحن والناس والله » ومنها ماذكره في دلائل الآية العاشرة وهو « إن علياًعليه‌السلام شكى الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن حسد الناس إياه ومنها ماذكره في هذا الباب ايضاً في(١) المقصد الثاني من مقاصد الآية الرابعة عشر وهو قوله قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى حيث قال : وصح إن العباس شكى الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مايلقون من قريش ومن تعبيسهم في وجوههم وقطعهم حديثهم عند لقائهم فغضبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غضباً شديداً حتى إحمر وجهه ودر عرق بين عينيه وقال: والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ورسوله. وفي رواية صحيحة ايضاً قال: ما بال

____________________

(١) هنا بياض بمقدار نصف سطر في إحدى النسختين اللتين عندي

١١٦

أقوام فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم، والله لايدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبهم لله ولقرابتهم مني » ومنها ماذكره في هذا المقصد ايضاً « إنهم رغبوا بريدة على إسقاط عليعليه‌السلام عن عين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال « وكذلك وقع لبريدة إنه كان مع عليعليه‌السلام باليمن مغاضباً عليه فأراد شكايته بجارية أخذها من الخمس فقيل له: إخبره ليسقط علي من عينه (ص) ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسمع من وراء الباب فخرج مغضباً فقال: مابال أقوام ينتقصون علياً من نقص علياً فقد نقصني ومن فارق علياً فقد فارقني، إن علياً مني وأنا منه ، خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. يابريدة اما علمت إن لعلي اكثر من الجارية التي أخذ » (الحديث) فليتأمل الناظر المنصف إن الصحابة الذين رغبوا بريدة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما تمنوا أن يسقط عليعليه‌السلام عن عينهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانوا جالسين من وراء باب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحيث يسمعه هوصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه الملازمون له أو جماعة من أجلاف الأعراب(١) والبراري ذلك اليوم على ذلك الجناب لعله(٢) هذا الشيخ أيضاً في خاتمة كتابه من وجه المصلحة(٣) لقتله عثمان وتسليمهم الى معاوية يجري في(٤) كما لايخفى على من تأمل في ذلك الوجه فتوجه وتأمل وأما إستعباده(٥) لزعمه إنه نازع بعد ذلك من هو أقل شوكة ففيه إنه(٦) نازع من هو أقل شوكة منهعليه‌السلام كالناكثين والقاسطين والمارقين(٧) إن اراد من هو أقل شوكة من أبي بكر وعمر فكذلك ولعل قائلاً يقول : كان في قصده

____________________

(١) و(٢) و(٣) و(٤ ) و(٥) و(٦) و(٧) في كل واحد من هذه المواضع بياض في كلتا النسختين اللتين عندي.

١١٧

أن يقول إنهعليه‌السلام نازع بعد ذلك من هو أكثر شوكة من الثلاثة وحينئذ يتوجه منه اكثرية شوكة من نازع عليهعليه‌السلام معهم ولو سلم فشوكة عليعليه‌السلام عند وصول الخلافة اليه بإجتماع عظماء المهاجرين كان أكثر ممن نازعه فلا يفيد كون شوكة طرف نزاعه أكثر

وأما ماذكره من « إنه يمتنع عادة أن يذكر النص لهم ولا يرجعون اليه ؛ « الى آخره » ففيه إن العادة في ذلك غير منضبطة لظهور إن الشيطان وحب الدنيا قد تدعو الى العادة السيئة

وأما ما أردف به العادة من حس الظن بهم فقد عرفت مافيه من السوء ثم في إستعماله العصمة ها هنا في أن الثلاثة مريداً به الحفظ عن الكبائر كما مر إصطلاحهم عليه سابقاً مع تبادر العصمة الحقيقية منه الى الإفهام تلبيساً وتدليساً للعوام إلا من عصمه الله فتدبر.

وأما إستدلاله بخبر « خير القرون قرني » فقد مر عدم دلالته على خيرية الصحابة المبحوث فيهم وإنه لايلزم من خيرية أهل قرن وعصرخيرية كل أحد من آحاد أهله وإلا لزم خيرية وليد بن عقبة الذي نزلت الآية على فسقه عندما بعثه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الى أخذ صدقات بني المصطلق(١) الصحابة ومن سرق منهم الى غير ذلك كما(٢) الثلاثة من هذا القبيل لولا مجرد حسن ظن(٣) إن العشرْة المبشرين كانوا في(٤) العشرة وهو سعيد بن نفيل وهو في ذلك(٥) جمله من تضمنه الخبر شبهة وطريق الى التهمة على إنا نعلم(٦) أن يعلم مكلفاً يجور أن يقع منه القبيح والحسن وليس بمعصوم من الذنوب(٧) الجنة لأن ذلك تغرية بالقبيح

ومما يبين بطلان هذا الخبر(٨) ولأحتج به له في مواطن وقع فيها الى الإحتجاج(٩) أيضاً لما حوصر وطولب بخلع نفسه وهموا بقتله وقد رأيناه

____________________

(١) و(٢) و(٣) و(٤) و(٥) و(٦ ) و(٧) و(٨) و(٩ ) هذه الموارد في النسختين اللتين عندي كانت كذا.

١١٨

إحتج باشياء تجري مجرى الفضائل والمناقب وذكر القطع له بالجنة أو مافي معناه لو كان معه لأحتج به وذكروه، وفي عدول الجماعة عن ذكره دلالة واضحة على بطلانه(١) لو كان من خالف كتاب الله وغير سنن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحارب مع عليعليه‌السلام مرة بعد اخرى وغير ذلك مما قدمنا من قبائح أكثر العشرة داخلاً في الجنة لجاز أن يقال: إن فرعون وهامان في الجنة أيضاً

وأما توصيفه ابا عبيدة بكونه أمين الأمة فجوابه إنه: ماوصفه بذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنما وصفه بذلك ابو بكر وعمر لإعانته إياهما في غصب الخلافة عن أهل البيتعليهم‌السلام واتفاقه مع الأنصار وارتكابه لبيعة أبي بكر بعد عمر وعدوله عن عليعليه‌السلام (٢) مع هذا الوصف عن النار، ولنعم ماقيل في بعض الأشعار : شعر

غلط الأمين فجازها عن حيدر

والله ماكان الأمين اميناً

٤٤ ـ قال:

الفصل الخامس، في ذكر شبة الشيعة والرافضة ونحوهما وبيان بطلانها بأوضح الأدلة واظهرها.

الأولى ـ زعموا إنه صلىالله عليه وسلم لم يول أبا بكر عمداً يقيم فيه قوانين الشرع والسياسة فدل ذلك على إنه لا يحسنهما وإذا لم يحسنهما لم تصح إمامته لأن من شرط الإمام أن يكون شجاعاً والجواب عن ذلك بطلان مازعموه من إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يوله عملاً ففي البخاري عن سلمة بن الأكوع « غزوت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبع غزوات وخرجت فيما يبعث من البعوث تسع غزوات ، مرة علينا ابو بكر ومرة علينا اسامة وولاهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحج بالناس سنه تسع وما زعموه من إنه لا يحسن ذلك

____________________

(١) و(٢) كذا في النسختين اللتين عندي في الموضعين.

١١٩

باطل أيضاً كيف وعلي كرم الله وجهه معترف بأنه أشجع الصحابة فقد أخرج البزار في مسنده عن عليعليه‌السلام إنه قال « أخبروني من أشجع الناس ؟ قالوا: أنت قال: أما إني مابارزت أحداً إلا إنتصفت منه، ولكن إخبروني بأشجع الناس ؟ قالوا لانعلم، فمن ؟ قال: أبو بكر إنه لما كان يوم بدر جعلنا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عريشاً فقلنا من يكون مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لئلا يهوي اليه أحد من المشركين. فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهراً بالسيف على رأس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يهوي اليه أحد إلا أهوى اليه فهذا أشجع الناس انتهى.

اقول: الحجة التي سماها الشيخ المحجوج المبهوت شبهة قطعية وجوابه عنه ضعيف لما يلوح على ما تشبث به من حديث البخاري وصحيحه من إثار الوضع

أما أولاً فلما مر من القدح في البخاري وصحيحه.

وأما ثانياً فلأنه لاوجه لما ذكر فيه من عد سلمة تسع غزوات من غزوات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويكتفي بذكر من كان عليها في مرتين منها وبالجملة مرة اسامة مشهورة فليبين أولياءه إن مرة ابي بكر في أي بعث كانت ؟ وأظن إن بيانه أصعب من خرط القتاد لو لم يرتكبوا وضعاً آخر.

وأما ماذكره من دعوى ولاية أبي بكر للحج فسيأتي مافيه للشبهة الثانية فانتظر.

وأما ماذكره من إعتراف عليعليه‌السلام بأن أبا بكر أشجع منه فهو من أغرب المحال، واكذب المقال، الذي تكاد تنشق منه الجبال، وفي الفاظه من المجمجة التي لاتصدر عن الفصيح ما لا يخفى على من جاوز قليلاً عن حد الأطفال؛ واغرب من الكل إنه جعل إختياره لكونه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العريش شجاعة مع ظهور إن ذلك كان تستراً عن المبارزة خوفاً وجبناً كما صرح به إبن أبي الحديد المعتزلي وفي بعض قصائده المشهورْة وبالجملة الوجه في إحتباس أبي بكر في العريش معروف لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعهد منه الجبن والهلع لما ظهر في مقام

١٢٠