الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة0%

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 344

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

مؤلف: السيد السند السعيد القاضي نور الله التستري
تصنيف:

الصفحات: 344
المشاهدات: 30416
تحميل: 4734

توضيحات:

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 344 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30416 / تحميل: 4734
الحجم الحجم الحجم
الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

مؤلف:
العربية

بعد مقام كما أشار اليه إبن أبي الحديد أيضاً في قوله : شعر وليس بنكر في حني فراره ففي أحد قد فر خوفاً وحخيبرا

فلو تركه يختلط بالمحاربين لم يأمن أن يظهر من جبنه وخوره ما يكون سبباً للهزيمة، وطريقاً الى إستظهار المشركين فاجلسه معه ليكفي هذه المؤنة ويكفي في هذا الوجه أن يكون ماذكرناه جائزاً فتدبر.

٤٥ ـ قال: وقال بعضهم: ومن الدليل على إنه أشجع من عليعليه‌السلام إن علياًعليه‌السلام أخبره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتله على يد إبن ملجم فكان إذا لقيّ إبن ملجم يقول له متى تخضب هذه بهذه؟ وكان يقول : إنه قاتلي كما يأتي في أواخر ترجمته فحينئذ كان إذا دخل في الحرب ولاقى الخصم يعلم إنه لاقدرة له على قتله فهو معه كأنه نائم على فراش وأما أبو بكر فلم يخبر بقاتله وكان إذا دخل الحرب لايدري يقتل أو لا فمن يدخل الى الحرب وهو لايدري كذلك يقاسي من الكر والفر، والجزع والفزع، مايقاسي بخلاف من يدخلها كأنه نائم على فراشه انتهى.

اقول: من أين علم هذا القائل الذي صوبه الشيخ المخطيء إن علياًعليه‌السلام علم ذلك بإخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في أول امره لا بإلهام أو نور فراسة أو قرائن تظهر على صفحات وجه إبن ملجم عليه اللعنة وفلتات لسانه عند وجوده عليه اللعنة في ايام خلافتهعليه‌السلام في الكوفة مع إن هذا الشيخ الكذوب الناسي لم ينسب ذلك عندما سيذكر في ترجمتهعليه‌السلام الى أخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولو سلم إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرهعليه‌السلام بقتله على يد إبن ملجم عليه اللعنة لكن لم يدله عليه بعينه حتى يعرض عنه في الحروب ويتعرض لغيره ولو سلم إنه دله عليه بعينه فالغالب

١٢١

أن يكون المحارب ملثماً دارعاً مستوراً في الحديد والبيضة بحيث لايعرفه اصحابه حينئذ لا أن يتكلم معهم فكيف أمكن الإحتراز عنه ولو سلم إنه دله عليه بعينه ولم يمكن ستره في السلاح عند الحرب فابتلاء المحارب ليس بمجرد أن يصير مقتولاً بل إصابة السهام والنصال أعضاءه ربما كان أصعب من الموت حتى ربما يتمنى المصاب به الموت بدلاً عن اصابة الجرح بل يقطع يده أو يداه، بل رجله أو رجلاه أو يمثل به ويترك على ذلك الحال السوء فكيف يكون دخول أمير المؤمنينعليه‌السلام في الحرب بمجرد علمه بعدم قتله بيد غير إبن ملجم عليه اللعنة مثل من نام على فراشه وإنما النائم على فراش الجبن من كان يتستر دائماً في العريش، ولم يصبه في حروب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شوك من الحشيش، وهو خليفة أهل السنة وشجاعهم. على إن ماذكره معارض بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كما إخبر علياًعليه‌السلام بذلك أخبر بذلك ابا بكر وعمر بما هو أتم من ذلك في ضمن ماذكره هذا الشيخ الجاهل في كتابه هذا وبزعمه من النصوص الواردة المصرحة بخلافة أبي بكر بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ففي بعضها « إنه أي ابا بكر الخليفة بعدي » وفي بعضها « إقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر » وفي بعضها « إقتدوا بالذين من بعدي أبا بكر وعمر » الى غير ذلك مما في معناها.

٤٦ ـ قال: ومن باهر شجاعته ما وقع له من قتال أهل الردة فقد أخرج الإسماعيلي عن عمر إنه لما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إرتد من إرتد من العرب وقالوا لا نصلي ولا نزكي، فأتيت ابا بكر فقلت: ياخليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تألف الناس فارفق بهم فانهم بمنزلة الوحش فقال رجوت نصرتك وجئتني بخذلانك جباراً في الجاهلية خواراً في الإسلام بماذا شئت أتألفهم؟ بشعر مفتعل أو بسحر مفتري هيهات، هيهات، مضى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانقطع الوحي والله لأجاهدنهم ما إستمسكوا

١٢٢

السيف في يدي وإن منعوني عقالاً قال: عمر فوجدته في ذلك أمضى مني وأصرم وأدأب الناس على إمور هانت على كثير من مؤنتهم حين وليتهم » فعلم بما تقرر عظم شجاعته ولقد كان عنده صلي الله عليه وسلم وكذلك الصحابة من العلم بشجاعته وثباته في الأمر ما أوجب لهم تقديمه للإمامة العظمى إذ هذين الوصفان هما الأهمان في أمر الإمامة لا سيما في ذلك الوقت المحتاج فيه الى قتال أهل الردة وغيرهم.

أقول: يتوجه عليه أولاً إنه لادلالة لما ذكره على شجاعة أبي بكر لأن الشجاعة إنما تعرف في الشخص بمبارزته لنفسه الى الأبطال ومصادفة الرماح ومصافحة السفاح وأن لا يتستر بالعريش ولا يهرب براية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كالإماء ولا يذهب فيها عريضته كما قاله سيد الإنبياء وإنما ثبت في فتوحهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقتال من إتهمهم أبو بكر بالردة الشجاعة لمباشرتها بأنفسهم لا بغيرهم وتوضيح ذلك إن الشجاعة لاتعرف بالحس لصاحبها فقط ولا بإدعائها وإنما هي شيء في الطبع يمده الإكتساب والطريق اليها أحد أمرين أما الخبر منها من جهة علام الغيوب فيعلم خلقه حال الشجاع وأما أن يظهر منه أفعال يعلم بها حاله فمبارزة الأقران ومقاومة الشجعان، ومنازلة الأبطال، والصبر عند اللقاء وترك الفرار عند تحقق القتال، ولا يعلم ذلك أيضاً بأول وهلة ولا يفعل واحد حتى يتكرر ذلك على حد يتميز به صاحبه ممن حصل له ذلك على وجه الإتفاق أو على سبيل الهوج والهلع بالتدبير وإذا كان الخبر عن الله تعالى بشجاعة أبي بكر معدوماً وكان النقل الدال على الشجاعة غير موجود فكيف يجوز لعاقل أن يدعي له الشجاعة بقول قاله ليس له دلالة على شيء من ذلك عند أهل النظر لاسيما ودلائل جبنه وخوفه وضعفه أظهر من أن يحتاج فيها الى التأمل وذلك إنه لم يبارز قط قرناً ولا قادم قط بطلاً ولا سفك

١٢٣

بيده دما وقد شهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مشاهده وكان لكل واحد من الصحابة اثر في الجهاد إلا له وفر في المشاهد الثلاثة كما ذكرنا سابقاً واسلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها مع مع كتب الله عليه من الجهاد فكيف يحتمع دلائل الجبن ودلائل الشجاعة لرجل واحد في وقت واحد لولا إن العصبية تميل بالعبد الى الهوى على إن الإنسان قد يغضب فيقول لوشاء مني هذا السلطان هذا الأمر ماقبلته، وإن في جوازنا لشيخاً ضعيف الجسم ظاهر الجبن يصلي بنا في مسجدنا فما يحدث أمر يضجره وينكره إلا قال والله لأصيرن الى هذا أو لإجاهدن فيه ولو إجتمعت على فيه عساكر وجه الأرض بل أقول الظاهر إن أبا بكر قال هذا القول عند غضبه بمخالفة القوم له ولا خلاف بين ذوي العقول إن الغضبان ربما يعتريه عند غضبه من هيجان الطباع مايفسد عليه رأيه حتى يقدم من القول ما لايفي به عند سكون نفسه ويعمل من الأعمال مايندم عليه عند زوال الغضب عنه فلا يكون في وقوع ذلك منه دليل على شجاعته وقد صرح بذلك في خطبته المشهورة عند اصحابة المذكورة سابقاً في كتاب هذا الشيخ الجاهل ويجعلونها من مفاخره حيث يقول: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج من الدنيا وليس أحد من الأمة يطالبه بضربة سوط فما فوقها وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معصوماً من الخطأ تأتيه ملائكة بالوحي فلا تكلفوني ما كنتم تكلفونه فإن لي شيطاناً يعتريني عند غضبي ، فإذا رأيتموني مغضباً فاجتنبوني على إن مغلوبية من سماهم بأهل الردة عن عساكر أهل المدينة من المهاجرين والأنصار ومن يحق بهما كان أمراً ظاهراً لا يحتاج الى زيادة تكلف من رئيسهم ومع هذا لم يقسم ابو بكر بالله تعالى أن يقاتل أهل الردة بنفسه وإنما اقسم بأن يقاتلهم بإنفاذ جيش من المهاجرين والأنصار اليهم ولهذا أنفذ اليهم خالداً مع جماعة من الفريقين وليس في يمينه بالله سبحانه لينفدن

١٢٤

خالداً وأصحابه الى حربهم دليل على شجاعته في نفسه كما لايخفى بل هو في ذلك إلابراق والإرعاد الشديد، وبعث خالد بن الوليد نظير من لايقدر على شيء بنفسه ويحكم به على غيره فيستهزأ عليه ويقال إن مثله كمثل من يقول لغيره بالفارسية « بگير وببند وبدست من بهلوانش ده » فليضحك أوليائه عليه قليلاً وليبكوا كثيراً ولقد أنطق الله تعالى الشيخ الجاهل بالحق فاعترف بأن وصفي الشجاعة والثبات هما الأهمان في أمر الإمامة فإنهم وبما قررناه يتضح للناضر دفع سائر ماسرده في إثبات شجاعة أبي بكر فلا حاجة لنا الى التعرض لها وتضييع الوقت به فتأمل.

٤٧ ـ قال: الشبهة الثانية زعموا أيضاً إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما ولاه قراءه براءة على الناس بمكة عزله وولى علياً فدل ذلك على عدم اهليته وجوابها بطلان مازعموا هنا أيضاً وإنما إتبعوه علياًعليه‌السلام لقراءه براءة لأن عادة العرب في أخذ العهد ونبذه أن يتولاه الرجل أو واحد من بني عمه ولذلك لم يعزل أبا بكر عن إمرة الحج بل أبقاه أميراً وعلياً مأموراً له في مات عدا القراءة على إن علياً لم ينفرد بالأذان بذلك ففي صحيح البخاري إن ابا هريرة قال بعثني ابو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان قال أحمد بن عبدالرحمن ثم أردف رسول الله صلي الله عليه وسلم علي بن أبي طالبعليه‌السلام فامره أن يؤذن ببراءة قال ابو هريرة فاذن معنا علي يوم النحر في أهل منى ببراءة أن لايحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فتأمله تجد علياً إنما أذن مع مؤذني أبي بكر إنتهى.

أقول: دعوى ولاية أبي بكر للحج بالناس كذب صريح وإنما أدى اليه إيصال إيات البراءة الى الكفار في ايام الحج فلم يتم لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد عزله قبل وصوله بعليعليه‌السلام كما هو المشهور في كتب الجمهور ورواية جامع الأصول ومسند احمد بن حنبل وغيرهما صريحة في رجوع أبي بكر عن الطريق وغاية ما أجاب

١٢٥

به الجاحظ عن ذلك واعتمد عليه أهل السنة ماذكره هذا الشيخ الجاهل المقلد من بناء عزل أبي بكر على رعاية عادة العرب في عقد الحلف وحل العقد واقول في الرد عليه إنه لو كان إنفاد عليعليه‌السلام لأجل ما تعارف بين العرب في العهود كما زعموه واخترعوه لما خفي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اولاً ومعاذ الله أن يجري النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سنته وأحكامه على عادات الجاهلية وقد بين ذلكعليه‌السلام لما رجع اليه أبو بكر فسأله عن السبب في أخذ السورة منه فقال أوحي اليّ أن لايؤدي عني إلا أنا أو رجل مني ولم يذكر الجاحظ الإضافة التي إفتراها هذا الشيخ الكذوب فبقي إن السر في ذلك التنبيه على لياقة عليعليه‌السلام للإيداء عند الله تعالى دون ابي بكر كما يدل عليه الشيعة ومن لم يره الله سبحانه اهلاً لأداء آيات قليلة الى أهل قريته وهم أهله وأقاربه جدير أن لايكون أهلاً لأدنى ولاية فضلأ عن الإمامة والرياسة العامة وهو ظاهر، لا ينكره إلا جاهل او مكابر.

والحاصل إن بين العزل والولاية فرقاً عظيماً وبوناً بعيداً على من رزق الحجى وفي المثل السائر « العزل طلاق الرجال » فإن كانت ولايته من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بحسن إختياره فعزله من الله تعالى بحسن إختياره لأن فعله تعالى على باطن الأحوال وفعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على ظاهرها فلا وجه في إنفاد الرجل أولاً وأخذها منه ثانياً إلا ما ذكرنا من التنبيه على الفضل والتنويه بالإسم والتعلية للذكر لمن إرتضي لتأديتها وعكس ذلك فيمن عزل وايضاً لولا إن الحكمة في إبلاغ عليعليه‌السلام ما أشرنا اليه من مدخلية خصوص حضوره في إنتظام الحج وكف المشركين لبأسه وخوفه عن تعرض المسلمين ونحو ذلك من الحكم لأرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عمه العباس أو أخاه عقيلاً أو جعفراً مع كونهم أكبر سناً منه أو غيرهم من بني هاشم وقد روي إنهعليه‌السلام قد قتل جماعة من

١٢٦

أهل مكة ولم يخرج أكثر صناديدهم من بيوتهم خوفاً منه وفي حديث عن الباقرعليه‌السلام إنه لما نام عليّ علي السلام أيام التشريق ينادي ذمة الله ورسوله بريئة من كل مشرك فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت بعد اليوم عريان قام خداش وسعيد أخوا عمروا بن عبد ود فقالا وما تبرأنا على أربعة اشهر بل برئنا منك ومن إبن عمك ليس بيننا وبين إبن عمك إلا السيف وإن شئت بدأنا بك فقالعليه‌السلام هلموا ثم قال: واعلموا إنكم غير معجزي الله الآيه ولو سلم إن ولاية الحج لم تنسخ لكان الكلام باقيا: لأنه إذا كان ما ولي مع تطاول الزمان إلا هذه الولاية ثم سلب شطرها الأفخم الأعظم منها فليس ذلك إلا تنبيهاً على ماذكرناه

وأما ماذكره « من قوله بل أبقاه أميراً وعلياً مأموراً » فهو كسائر كلماته مجرد دعوى لا يعجز أحد عن الإتيان بما يضادها

وأما ما إستدل به على عدم إنفراد عليعليه‌السلام بالأذان من حديث البخاري فلا دلالة له على ذلك لأن أبا هريرة لم يكن عبدا ولا خادماً ولا أجيراً لأبي بكر وإنما كان فقيراً من أهل الصفة قد صار رفيقاً له في تلك السنة لأداء الحج فلو سلم إنه بنفسه لم يعاون مؤذني عليعليه‌السلام فغاية الأمر إن ابا بكر أشار اليه بذلك تألفاً لهعليه‌السلام وأما مانقله عن ابي هريرة من إنه قال: فأذن معنا علي يوم النحر الى إخره فمقلوب بأنه لما إعترف سابقاً بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولى علياًعليه‌السلام في أداء البراءة والإذان بها رعاية لعادة العرب فكان هو الأصل والعمدة في ذلك فكيف يتأتى لأبي هريرة أن يعكس الأمر ويجعل نفسه مع ابي بكر اصلاً ويقول إذن معنا عليعليه‌السلام مع إن كذب أبي هريرة في أحاديثه مما ملأ الخافقين وقد دلت أحاديث أهل السنة على إن التهمة له بالكذب كانت معلومة بين الصحابة فمن ذلك مارواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث السادس والستين بعد المائة

١٢٧

في المتفق عليه في مسند أبي هريرة عن أبي رزين قال خرج الينا ابو هريرة فضرب يده على جبهته وقال إنكم تحدثون على إني أكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخبر ومن ذلك مارواه الحميدي أيضاً في الجمع بين الصحيحين في مسند عبدالله بن عمر في الحديث الرابع والعشرين بعد المائة من المتفق عليه إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية فقيل لإبن عمر إن أبا هريرة يقول أو كلب زرع فقال إبن عمر إن لأبي هريرة زرعاً ومن ذلك مافيه من الحديث الستين بعد المائة من المتفق عليه في مسند أبي هريرة يروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تبع جنازة فله قيراط من الأجر فقال إبن عمر لقد أثر علينا أبو هريرة وروى ياقوت الحموي الشافعي عند ذكر احوال البحرين واهله إنه إتفق لأبي هريرة مع عمر بن الخطاب واقعة شهد فيها عليه بأنه عدو الله وعدو المسلمين وحكم عليه بالخيانة وأوجب عليه عشرة الف دينار الزمه بها بعد ولايته البحرين ولهذه التهمة لم يعمل أبو حنيفة بأحاديثه قط كما ذكر أبو المعالي الجويني إمام الشافعية في رسالته المعمولة في بيان أحقية مذهب الشافعي والزندويسي الحنفي في الباب الثالث والمائة من كتابه الموسوم بالروضة هذا مع ما علم إن أبا هريرة فارق علي بن أبي طالبعليه‌السلام وبني هاشم وظهر من عداوته له وانظمامه الى معاوية ما لا يحتاج الى روايته لظهوره في التواريخ والسير وعند علماء الإسلام فتأمل.

٤٨ ـ قال: الثالثة زعموا إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما ولاه الصلاة أيام مرضه عزله عنها وجوابها إن ذلك من قبائح كذبهم وافترائهم فقبحهم الله وخذلهم كيف وقد قدمنا في سابع الأحاديث الدالة على خلافته من الأحاديث الصحيحة المتواترة ماهو صريح في بقائه إماماً يصلي بالناس الى أن توفي رسول الله صلى الله عليه

١٢٨

وسلم وفي البخاري عن أنس قال إن المسلمين بينما هم في صلاة الفجر من يوم الإثنين وأبو بكر يصلي لهم لم يفجأهم إلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد كشف ستر حجرة عائشة فنظر اليهم وهم في صفوف الصلاة ثم تبسم يضحك فنكص أبو بكر على عقبه أيصل الصف وظن إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد أن يخرج الى الصلاة قال أنس وهم المسلمون أن يفتنوا في صلاتهم فرحاً بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأشار اليهم بيده أن أتموا صلواتكم ثم دخل الحجرة وأرخى الستر ثم قبض الضحى من ذلك اليوم.

فتأمل عظيم إفترائهم وحمقهم على إن صلاته بالناس خلافة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متفق عليها مجمع منا ومنهم على وقوعها فمن إدعى إنعزاله عنها فعليه البيان انتهى

اقول: ماذكره من أن الشيعة قالوا إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولاه الصلاة أيام مرضه كذب قبيح وافتراء صريح عليهم فإنهم لم يقولوا بذلك بل قالوا إن عائشة بنته أشارت اليه بذلك فلما أحس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك خرج الى المسجد مسارعاً معتمداً على أمير المؤمنينعليه‌السلام وفضل بن العباسرضي‌الله‌عنه حتى نحى أبا بكر عن المحراب وصلى بنفسه مع الناس وبهذا يظهر فساد ماذكره في العلاوة أيضاً من إتفاق الشيعة معهم في صلاته خلافة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فليس عليهم إثبات عزله لأنه فرع إثبات توليته ودون إثباته خرط القتاد

وأما مانقله من الأحاديث فقد بيناه سابقاً على ما نعتقده في شأن أمثالها مع معارضة حديث البخاري المنقول في شرح المواقف لها وإن إتيان هذا الشيخ الجاهل بمثلها في مرتبة المصادرة وتكرار ذلك منه دليل على وقاحته وحماقته كما ما لايخفى.

٤٣ ـ قال: الرابعة زعموا إنه أحرق من قال : أنا مسلم وقطع يد السارق

١٢٩

اليسرى وتوقف في ميراث الجدة حتى روى له إن لها السدس وإن ذلك قادح في خلافته وجوابها بطلان زعمهم قدح ذلك في خلافته وبيانه إن ذلك لا يقدح إلا إذا ثبت إنه ليس فيه أهلية للإجتهاد وليس كذلك بل هو من أكابر المجتهدين بل هو أعلم الصحابة على الإطلاق للأدلة الواضحة على ذلك منها ما أخرجه البخاري وغيره إن عمر في صلح الحديبية سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك الصلح وقال علام نعطي الدنية في ديننا ؟ فاجابه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم ذهب الى أبي بكر فسأله عما سئل عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير أن يعلم بجواب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاحابه بمثل ذلك سواء بسواء ومنها ما أخرجه ابو القاسم البغوي وابو بكر الشافعي في فوائده وإبن عساكر عن عائشة قالت: لما توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إشرأب النفاق أي رفع رأسه وارتدت العرب وانحازت الأنصار فلو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها أي فتتها فما إختلفوا في لفظه إلا طار أبي بعبائها وفصلها قالوا أين ندفن رسول الله (ص) فما وجدنا عند أحد في ذلك علماً فقال: ابو بكر سمعت رسل اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: ما من نبي يقبض إلا دفن تحت مضجعه الذي مات فيه واختلفوا في ميراثه فما وجدنا عند أحد في ذلك علماً فقال :ابو بكر سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة قال بعضهم : وهذا أول اختلاف وقع بين الصحابة فقال بعضهم ندفنه بمكة مولده ومنشأه وبعضهم بمسجده وبعضهم في البقيع وبعضهم ببيت المقدس مدفن الأنبياء حتى اخبرهم ابو بكر بما عنده من العلم قال ابن زنجويه : وهذه سنة تفرد بها الصديق من بين المهاجرين والأنصار ورجعوا اليه فيها ومر آنفاً خبر « أتاني جبرئيل فقال إن الله يأمرك أن تستشير أبا بكر » وخبر « إن الله يكره أن يخطأ ابو بكر » سنده صحيح وخبر

١٣٠

« لاينبغي لقوم فيهم ابو بكر أن يؤمهم غيره » ومر أول الفصل الثالث خبر « إنه وعمر كانا يفتيان الناس في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وعن تهذيب النووي أن اصحابنا إستدلوا على عظيم علمه بقوله : لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة الى آخره وإن الشيخ ابا إسحاق إستدل به على إنه أعلم الصحابة لأنهم كلهم وقفوا عن فهم الحكم في المسالة إلا هو ثم ظهر لهم بمباحثته لهم إن قوله هو الصواب.

اقول: عدم القدح في أبي بكر على تقدير ثبوت أهليته للإجتهاد مقدوح من وجه:

أما أولاً فلأنه لايجوز إلإجتهاد على الإمام إذ بالإجتهاد لم يحصل الجزم بأن مايقوله من عند الله.

وأما ثانياً فلأن المجتهد قد يخطأ فحينئذ يجوز على الإمام الخطأ وذلك ينافي الإمامة لإشتراط العصمة فيها كما برهنا عليه سابقاً.

وأما ثالثاً فلأنا قد اشرنا في ما مضى الى إن من شرائط الإمامة العلم بجميع أحكام الدين، وإن ذلك شرط واجب وإلإ لإنتفى فائدة نصبه بعين ماذكرنا في إشتراط العصمة بل العصمة تستلزم هذا العلم فمن ظهر منه نقصان في هذا العلم لا يجوز أن يكون إماماً وقد ظهر عن ابي بكر في مسائل كثيرة الإعتراف على نفسه بأنه لايعرف الحكم وقد بين اصحابنا رضوان الله عليهم الفرق بين الأمير والحاكم وبين الإمام من حيث كانت ولاية الإمام عامة وولاية من عداه خاصة وبينوا إن الحاكم والأمير يجب ان يكونا عالمين بالحكم في جميع ما أسند اليهما وأن لا يذهب عليهما شيء من ذلك إلا إنه لما كانت ولايتهما خاصة لم يجب أن يكونا عالمين بجميع أحكام الدين والإمام بخلاف ذلك لان ولايته عامة كنبوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن كمال النقص وللؤم أن يقوم أحد مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يعلم المسائل الضرورية التي يحتاج اليها الناس.

١٣١

وأما رابعاً فلأنه يتوجه عليه معارضة بالمثل من إنه لايثبت إجتهاد ابي بكر إلا إذا ثبت إنما صدر عنه من أمثال الأحكام المذكورة القادحة ضرورة في كل إنسان عاقل لهم نصيب من معرفة الأحكام الشرعية يمكن أن يصدر من له أهلية الإجتهاد وإذا كان إثبات ذلك محالاً أو ملحقاً بالتشكيك في الضروريات كان ذلك قادحاً في خلافته

وأما أول ماذكره من الأدلة التي زعم وضوح دلالتها على أهلية أبي بكر للإجتهاد فمدخول بأن جواب ابي بكر عن ذلك من غير ان يعلم جواب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قبله غير مسلم وإن كان ذلك الجواب مما يظهر للعاقل المشاهد بخصوصيات تلك الواقعة بأدنى تأمل فغاية مايلزم من ذلك قصور فهم عمر لإكمال عقل أبي بكر

وأما الثاني منها فمردود بأن الإختلاف في موضع الدفن غير واقع كيف وقد صح إتفاقاً إنه مع أصحابه قد إشتغلوا بالخلافة عن دفن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى بذلك الى أهل بيته في أيام حياته كما نقله غير هذا الرواي الغاوي ولو سلم فلا إجتهاد في نقل خبر وصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بشيء كدفنه فيما نحن فيه كما لايسمى إيصال بعض خدمة السلطان وصيته الى بعض العساكر أو امره الى بعض الرعية إجتهاداً إذ ليس في مثله إستنباط الفرع من الأصل الذي هو حاصل معنى الإجتهاد شرعاً بل ليس فيه إجتهاد لغوي أيضاً كما لايخفى مع إن قول أبي بكر « سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ما من نبي؛ الى آخره » دعوى لابرهان له بها سوى دعوى سماعه لذلك وهو كما ترى

وأما ماذكره من وقوع الإختلاف في ميراثه فغير واقع أيضاً غاية الأمر إنه لما أخذ فدك عن فاطمةعليها‌السلام وإدعت النحلة فيها ثم الميراث تنزلاً إفترى أبو بكر لدفع دعواهاعليها‌السلام ذلك فقالت لها: أترث اباك ولا أرث أبي ؟ لقد جئت شيئاً فريا ! اللهم إلا أن يقال: أراد بالإجتهاد الإجتهاد اللغوي في دفعهاعليها‌السلام عن حقها بتكلف الكذب والحيل فإن

١٣٢

هذا مسلم عند الشيعة ثم لايخفى مافي عبارته من البعد عن كلام المحصلين فإنه ذكر أولاً الخلاف في موضع دفن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم الخلاف في ميراثه صلوات الله وسلامه عليه وآله ثم قال متصلاً بهذا: قال بعضهم: وهذا أول إختلاف وقع بين الصحابة فقال بعضهم ندفنه بمكة الى آخره

وأما ماذكره من خبر نزول جبرئيلعليه‌السلام على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر الله تعالى له أن يستشير أبا بكر ففيه إنه على فرض صحته فإنما كان لتأليف قلبه وإلا فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إنما كان يعمل بالوحي الإلهي كما نطق به القرآن الكريم وكان غنياً عن مشاورتهم وتعليمهم كما لايخفى على من عرف علو شأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كما هو حقه لكن أهل السنة حيث جعلوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع أبي بكر الجاهل كفرسي رهان فقد حرموا عن حق معرفته وقد يقال إنما كان يستشير أصحابه ليستخرج بذلك دخائلهم وضمائرهم ويطلع على حسن نيانهم وفسادهم فلا فضل في هذه المشاورة وعلى هذا فقس سائر موضوعاتهم.

٥٠ ـ قال: لايقال بل عليعليه‌السلام أعلم منه للخبر الآتي في فضائله « أنا مدينة العلم وعلي بابها » لأنا نقول سيأتي إن ذلك الحديث مطعون فيه وعلى تسليم صحته او حسنه فأبو بكر محرابها رواية « من أراد العلم فليأت الباب » لاتقتضي إلا علمية فقد يكون غير الأعلم يقصد لما عنده من زيادة الإيضاح والتفرغ للناس بخلاف الأعلم على إن تلك الرواية معارضة بخبر الفردوس « أنا مدينة العلم، وأبو بكر أساسها وعمر حيطانها، وعثمان سقفها، وعلي بابها» فهذه صريحة في إن أبا بكر أعلمهم وحينئذ فالأمر بقصد الباب إنما هو لنحو ماقلناه لا لزيادة شرفه على ماقبله لما هو معلوم ضرورة إن كلاً من الأساس والحيطان والسقف أعلى من الباب وشذ بعضهم فأجاب بمعنى« وعلي

١٣٣

بابها» أي من علو على حد قراءة هذا سراط علي مستقيم برفع علي وتنوينه كما قرأ به يعقوب أنتهى.

اقول: يتوجه عليه إن طعنه على الحديث مطعون بأنه يكفي بكونه حجة عليه وعلى أصحابه رواية الترمذي من محدثي أصحابه ذلك في صحيحه ورواية البغوي ما في معناه من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله « أنا دار الحكمة وعلي بابها » لكن قد سبق إن مدار أهل السنة على إنه إذا إحتجت الشيعة عليهم من أحاديث صحاحهم بما يقدح في اصل من اصولهم يطعنون فيه على قدر حيلتهم ولا يستحيون عن الناس ولا عن سلفهم وهذا كما ترى على إنا قد اسبقنا إن الإنصاف إعتماد الطرفين على ما إتفق بينهما من الأحاديث وهذا الحديث كذلك فضلاً عن صحته فلا يجدي القدح فيه عناداً وهرباً عن قبول الإلزام

وأما ما قاله من قوله « فأبو بكر محرابها » فمع ظهور عدم إتجاهه دليل على جرأته على الوضع لأن هذا ليس بمذكور فيما سيذكره من حديث الفردوس ولا في غيره

وأما ماذكره من إن رواية « من اراد العلم فليأت الباب » لا تقضي إلا علمية الأعلمية الى إخره ففساده ظاهر لظهور إن المراد بالباب في هذا الخبر وما في معناه عن الحافظ للشيء الذي لا يشذ عنه شيء ولا يخرج إلا منه ولا يدخل إلا به وإذا ثبت إنهعليه‌السلام الحافظ لعلوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وحكمه ثبت إحاطته لما عند غير الأعلم أيضاً من زيادة الإيضاح والبيان وثبت الأمر بالتوصل به الى العلم والحكمة فوجب إتباعه والأخذ عنه وهذا حقيقة معنى الإمام كما لايخفى على ذوي الإفهام

أما زعمه من كون ذلك الحديث معارضاً لخبر رواه الجهنمي صاحب كتاب الفردوس من باب تسمية الشيء بإسم ضده فأثار الوضع عليه لائحة

أما أولاً فلأن المدينة لايكون لها سقف وإنما السقف للبيوت والدور وحاشى كلام الفصيح فضلاً عن الأفصح من الإشتمال علي مثل

١٣٤

هذا السخف الصريح

وأما ثانياً فلا، راويه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو أبو هريرة المرمي بالكذب ، المتهم بالوضع

وأما ثالثاً فلأن الكلام ليس بالعلو والإنخفاض والثبات وعدمه بل في الإتيان لأخذ العلم من صاحب المدينة ولا مدخل لأساس المدينة وحيطانها وسقفها في ذلك بل لو كان اساسها من الرمل والتراب وحيطانها وسقفها من السعف والأشواك لأمكن ذلك

وأيضاً الحديث إنما روي على كون لفظ علي فيه أسماً علماً لمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام لا على كونه فعيلاً بمعنى الفاعل باقياً عليه فلو جاز التأويل العليل الذي تمحله شاب منهم لجاز أن يكون المراد بعلي في قوله تعالى « سراط علي مستقيم » إسم مولانا أمير المؤمنين (ع) بأن يكون مضافاً اليه السراط ولعل هذا اصعب على الناصبة من اصل الحديث ولعمري إن جرأتهم على وضع أمثال هذه الكلمات المشتملة على التمحلات الظاهرة لاتوجب إلا زيادة شناعتهم وإشاعة عداوتهم لأهل البيتعليهم‌السلام .

٥١ ـ قال: فثبت بجميع ماقررناه إنه من أكابر المجتهدين بل أكبرهم علىالإطلاق وإذا ثبت إنه مجتهد فلا عتب عليه في التحريق لأن ذلك الرجل كان زنديقاً وفي قبول توبته خلاف

وأما النهي عن التحريق فيحتمل إنه لم يبلغه، ويحتمل إنه بلغه وتأوله على غير نحو الزنديق، وكم من أدلة تبلغ المجتهدين ويؤولونها لما قام عندهم، لا ينكر ذلك إلا جاهل بالشريعة وحامليها وأما قطعه يسار السارق فيحتمل إنه خطأ من الجلاد، ويحتمل إنه لسرقة ثانية ومن أين علم إنها للسرقة الأولى، وإنه قال للجلاد إقطع يساره؟ وعلى التنزل فالآية شاملة لما فعله؛ فيحتمل إنه كان يرى بقائها على إطلاقها وإن قطعهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اليمنى في الأولى ليس على التحتم بل الإمام مخير في ذلك وعلى فرض إجماع في المسألة فيحتمل إنهم أجمعوا على ذلك بعده

١٣٥

وأما توقفه في مسئلة الجدة الى أن بلغه الخبر فينبغي سياق حديثه فان فيه ابلغ رد على المعترين اخرج اصحاب الأربعة ومالك عن قبيصة قال: جاءت الجدة الى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها فقال مالك في كتاب الله وما علمت لك في سنة نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئاً فارجعي حتى أسأل الناس فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اعطاها السدس فقال ابوبكر هل معك غيرك فقام محمد بن مسلم فقال مثل ما قال المغيرة فانفذه لها ابو بكر فتأمل هذا السياق تجده قاضياً بالكمال الأسنى لأبي بكر فانه نظر أولاً في القرآن وفي محفوظاته من السنة فلم أجد لها شيئاً ثم إستشار المسلمين ليستخرج ما عندهم من شيء حفظوه فاخرج المغيرة وابن مسلم ما حفظاه فقضى به وطلبه إنضمام آخر الى المغيرة احتياط فقط أذ الرواية لا يشترط فيها تعدد على أنه غير بدع من المجتهدين يبحث عن مدارك الأحكام.

اقول: قد عرفت بما قررناه من بطلان جميع ما قرره نفي ذلك الثبوت، وانه اوهن من نسج العنكبوت

واما ماذكره من ان « النهي عن التحريق فيحتمل أنه لم يبلغه فهو مخالف لما إدعاه سابقاً من كمال أبي بكر

وأما إحتماله لتأويله على نحو غير الزنديق من غير قرينة ظاهرة مقتضية لذلك التأويل الممقوت، فهو من قبيل تأويلات ملاحدة الموت، ولو جاز أمثال هذا التأويل العليل لأرتفع الأمان عن دلالة القرآن المبين، وسنن سيد المرسلين، وخرجا عن كونهما دليلاً للمحققين، حجة على البطلين

وأما قوله «ان قطعه يسار السارق فيحتمل إنه خطأ من الجلاد » فوجه الخطأ فيه ظاهر فإن قطع يد ذلك السارق لم يكن من خلاء بحيث يكون الجلاد منفرداً بل كان في ملاء مشاهد القوم من الصحابة وغيرهم فاذا كان من غلط الجلاد فلم

١٣٦

لم يفهمه احد من الحاضرين والعقل يحكم باستحالة تواطؤ الجميع على الغلط فمغلط الجلاد غالطاً

وأما قوله « فمن اين علم انها للسرقة الأولى، وانه قال للجلاد إقطع يساره » ففيه ان من قدح في أبي بكر بتلك لارواية انما قدح لوجدانه اياها في كتب الحديث والسير مشتملة على تلك الخصوصيات فعلم ان قوله « من أين علم » نفخ من غير ضرام على إن التخطئة قد توجهت من الصحابة المعاصرين الشاهدين لحكمه الفاسد فلو كانت للسرقة الأولى ما نسبوه الى الخطأ لايقال: يحتمل أن يكون ذلك لعدم علمهم انه في المرتبة الثانية لأنا نقول لو كان كذلك وسلم عن التخطئة

وأما قوله « وعلى التنزل فالآية شاملة لما فعله؛ الى آخره » فنازل جداً لأن الشمول قد خص بفعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على رؤس الأشهاد فالغفلة عن ذلك لا تليق بحال من قام مقامه ص وكذلك الكلام في قوله « إنقطع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اليمنى في الأولى ليس على التحتم » لما تقرر في الإصول إن فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مالم يعلم وجهه محمول على الوجوب

وأما قولة« وعلى فرض اجماع في المسئلة » فمدخول بظهور قطعية هذا الإجماع ظهوراً لاينكره إلا هذا الشيخ الفارض الذي فرض على نفسه إصلاح معايب أبي بكر بكل حيلة ووسيلة على إنه لو جاز ذنعقاد هذا الإجماع بعد فعل أبي بكر بكل حيلة ووسيلة على إنه لو جاز إنعقاد هذا الإجماع بعد فعل أبي بكر لجاز أن يقال في الإجماع الذي إدعاه هذا الشيخ مراراً في خلافة ابي بكر إنما إنعقد بعد غصبه الخلافة كما وقع نظيره لمعاوية ولعله لا يرضى بذلك فتأمل.

وأما ما إعترف به من توقف أبي بكر في مسئلة الجدة والسؤال فيها عن الناس فهو كاف في ظهور نقصه وقصوره وأين دنو من لم يقف على المسألة حتى سأل، من علو من قال مستوياً على عرش التحقيق « سلونني عما دون العرش، وسلوني قبل أن تفقدوني »

وأما قوله « فإنه نظر أولاً في القرآن ومحفوظاته؛ الى آخره » ففيه نظر ظاهر لأنه لو كان دأبه في الأحكام

١٣٧

الشرعية رعاية الإحتياط بالتأمل والتوقف والمشاورة فلم لم يتأمل في أمر الخلافة الى فراغ أهل البيتعليهم‌السلام وسائر بني هاشم من دفن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يشاورهم؟ بل سارع في ذلك وأخذ البيعة الفاسدة عن الناس فلتة كما أفصح عنه عمر بقوله « كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها عن المسلمين » وقد مر.

وأما ما ذكره آخرً من أن « طلبه إنظمام آخر الى المغيرة إحتياط فقط » فهو مع إنه لايقدح في مقصودنا ليس بمتعين أن يكون منظوراً لأبي بكر لجواز أن يكون منظوره في ذلك إعتقاده لفسق المغيرة فقد روي الجمهور مستفيضاً إنه شهد عليه بالزنا عند عمر بن الخطاب ولقن الرابع وهو زياد بن أبيه حتى تلجلج في الشهادة فدفع عنه الحد هذا ومع ذلك فهو راوي شطر من أحاديث القوم فلا تغفل عنه.

٥٢ ـ قال: الخامسة زعموا إن عمر ذمه والمذموم من مثل عمر لا يصلح للخلافة وجوابها إن هذا من كذبهم وافتراءهم أيضاً ولم يقع من عمر ذم له قط وإنما الواقع منه في حقه غاية الثناء عليه واعتقاد إنه أكمل الصحابة علماً ورأياً وشجاعة كما يعلم مما قدمناه عنه في قصة المبايعة وغيرها؛ على إن إمامة عمر إنما هي بعهد أبي بكر اليه فلو قدح فيه لكان قادحاً في نفسه وإمامته.

وأما إنكاره على أبي بكر كونه لم يقتل خالد بن الوليد لقتله مالك بن نويرة وهو مسلم ولتزوجه إمرأته من ليلته ودخل بها فلا يستلزم ذماً له ولا إلحاق نصبه لأن ذلك إنما هو من إنكار بعض المجتهدين على بعض في الفروع الإجتهادية وهذا كان شأن السلف وكانوا لايرون فيه نقصاً وإنما يرونه غاية الكمال؛ على إن الحق عدم قتل خالد لأن مالكاً إرتد ورد على قومه صدقاتهم لما بلغه وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما فعل أهل الردة وقد إعترف أخو مالك لعمر بذلك وتزوجه إمرأته لعله لإنقضاء عدتها بالوضع عقب موته، أو يحتمل إنها

١٣٨

كانت محبوسة عنده بعد انقضاء عدتها عن الأزواج على عادة الجاهلية وعلى كل حال فخالد إتقى الله من أن يظنوا به مثل هذه الرذالة التي لا تصدر من أدنى المؤمنين فكيف بسيف الله المسلول على أعدائه، فالحق مافعله أبو بكر لا ما إعترض به عليه عمررضي ‌الله‌ عنهما ويؤيد ذلك إن عمر لما افضت الخلافة اليه لم يتعرض لخالد ولم يعاتبه في هذا الأمر قط فعلم إنه ظهر له حقية مافعله أبو بكر إنتهى.

اقول: ما أتى به من التكذيب والإنكار مكابرة على الشائع الذائع الذي ضاقت الدنيا من إمتلائه روماً لإصلاح ما أفسده الدهر من حال خلفائه « وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر ».

وأما ماذكره في العلاوة من المقدمة القائلة بأن « إمامة عمر إنما هي بعهد أبي بكر اليه ؛ الى آخره » ففيه إنا نعلم إن المقدمة المذكورة تقتضي كف عمر عن القدح فيه لكن الله تعالى قد أنساه تلك المقدمة بعض الأحيان وأجرى الحق على لسانه بذكر بعض القوادح التي نقلها الثقات من ارباب السير والتواريخ ليكون حجة لأهل الحق على أهل الباطل.

وأما ماذكره من أن « إنكاره على أبي بكر في عدم قتله خالد بن الوليد لقتله مالك بن نويرة لاستلزم ذماً له؛ الى آخره » فمدخول بأن الذم كل الذم إنما هو في إهماله إجراء حكم الشرع في شأن خالد لكن لما كان صدور الذم عليه من مثل عمر أشد عند أوليائه من المتسمين بأهل السنة خاصه الشيعة بالذكر فقوله « لايستلزم ذماً له » كما ترى.

وأما ماذكره من إجتهاده في ذلك فهو من قبيل إجتهاد أبي جهل وامثاله في مقاتلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واجتهاد معاوية في محاربة أمير المؤمنينعليه‌السلام ؛ والقائل بمثل ذلك لا يليق بالجواب، ولا يستحق الخطاب،

وأما ماذكره في العلاوة الثانية من « إن الحق إن مالكاً إرتد ورد على قومه، الى آخره » فقد عرفت بطلانه بما نقلناه سابقاً من كلام إبن حزم وغيره عند الكلام على

١٣٩

ماعقده هذا الشيخ المكابر من الفصل الثالث في النصوص السمعية التي زعم دلالتها على خلافة أبي بكر فتذكر واعطفه الى هذا الموضع عسى أن يزيدك وضوحاً في تحقيق المرام.

وأما ما إحتمله من تزويج خالد لأمرأة مالك بعد إنقضاء عدتها بالوضع عقب موته فمردود بأن عدة إمرأة المسلم لا تنقضي بما ذكره، نعم إستبراء الإماء المسبية من الكفار يتحقق بمثل ذلك وقد بينا إن مالكاً لم يرتد قطعاً

وأما إحتمال « إنها كانت محبوسة عنده؛ الى آخره » فمع إبتنائه أيضاً على إرتداد مالك مردود كسابقه بأنه كيف يليق بشأن عمر مع ما رووا فيه « إنه لو كان نبي بعد نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله لكان هو عمر » أن ينكر على أبي بكر ذلك الإنكار المنقول، ويحرضه على قتل خالد سيف الله المسلول، من غير علم بحال القاتل والمقتول ولعمري إنه لو قيل لإنسان: أسخف واجتهد ماقدرعلى أكثر مما أتى به هذا الشيخ من الهذيان والهذر؛ ومن بلغ الى هذه المرتبة من المكابرة، فقد كفى مؤنة خصمه في المناظرة.

وأما ماذكره من « إن خالداً إتقى الله من أن يظن به مثل هذه الرذائل؛ الى آخره» فهو مجرد حسن ظن لا يغني من الحق شيئاً ولو سلم فأول من يرد عليه هذا الإعتراض هو عمر حيث ساء الظن بخالد وهم بقتله.

وأما تسمية خالد بسيف الله فوقعت من أبي بكر لإعانته له في غصب الخلافة أولأً وقتل مالك الذي أوقع الخلل في خلافته ثانياً فانكشف المعمى، وظهر إنه لاكرامة في ذلك الإسم والمسمى.

وأما قوله « فالحق مافعله أبو بكر لا ما إعترض عليه » ففيه إن هذا الإعتراف منه ببطلان عمر في ذلك الإعتراض وهو يكفي للقدح فيهما لأنهما كالحلقة المفرغة في غصب الخلافة والبدع التي أحدثاها في الدين عن فرط الجلافة.

وأما ماذكره من التأييد فوهنه ظاهر مما قدمناه في الكلام المتعلق بالفصل الثالث ايضاً من إنه لما أفضت الخلافة الى عمر هرب خالد الى الشام واسترجع عمر بقية ماكان في أيدي

١٤٠