الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة0%

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 344

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

مؤلف: السيد السند السعيد القاضي نور الله التستري
تصنيف:

الصفحات: 344
المشاهدات: 30105
تحميل: 4622

توضيحات:

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 344 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30105 / تحميل: 4622
الحجم الحجم الحجم
الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

مؤلف:
العربية

دون عدة الوفاة اؤ نحوها فإن المعتدة الغير الرجعية لا تستحق عندنا وعند فقهاء أهل السنة سكنى ولا نفقة وأيضاً لانسلم إنما في حكم الشيء حكمه حكم ذلك الشيء بل الحكم بذلك تحكم على إن أكثر علماؤنا ذهبوا الى إن الزوجة إذا لم يكن لها ولد من الزوج المتوفي لا ترث عن رقبة الأرض شيئاً ويعطى حصتها من قيمة الالات والأبنية والشجر وذهب بعضهم الى إنها انما تمنع من الدور والمساكن وقيل ترث من قيمة الأرض لا من العين وعلى التقارير الثلاثة يدخل بيت المتوفي من حين موته في ملك من عدى تلك الزوجه من الوارث فاعتدادها فيها يكون غير جائز عندنا بدون إذن الوارث

وأما ماإستدل على كونهن في حكم المعتدات بقوله صلعم «ما تركت بعد نفقة نسائي الى آخره » ففيه إن النفقة والمؤنة لاتشمل البيت كما لايخفى فلا دلالة له على مدعاه اصلاً.

وأما ماأجاب به عن الثاني من « إنه كان حجرة عائشة ملكها وأختصاصها ولم يدفنا فيها إلا بإذنها الى آخره » فمدفوع بما مر من عدم ثبوت الملكية وعدم جدوى الإختصاص ، فإذنها لايجدي لها ولا لهما الخلاص.

ومما يناسب هذا المقام ما حكاه بعض مشايخنا من إن فضال بن حسين الكوفي من اصحابنا مر بأبي حنيفة وهو في جمع كثير يملي عليهم شيئاً من فقهه وحديثه فقال لصاحب كان معه والله لا أبرح أو أخجل أبا حنيفة وقال صاحبه أن أبا حنيفة قد علمت حاله وظهرت حجته قال مه، هل رأيت حجة علت على مؤمن؟ ثم دنا منه فسلم عليه فرد القوم السلام بأجمعهم فقال : يا أبا حنيفة رحمك الله إن لي أخاً يقول إن خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علي بن أبي طالب وأنا أقول إن أبا بكر خيرالناس وبعده عمر فما تقول أنت رحمك الله ؟ فاطرق ملياً ثم رفع رأسه وقال كفى بمكانهما من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كرماً وفخراً أما علمت إنهما ضجيعاه في قبره ؟ فأي حجة لك أوضح من هذه ؟ فقال: له فضال إني قد قلت ذلك لأخي قال والله

١٦١

لئن كان الموضع لرسول الله صلعم دونهما ظلماً بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حق ، وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد أساءا وما أحسنا إذ رجعا في هبتهما ونكثا عهدهما ‎ ، فاطرق أبو حنيفة ساعة ثم قال لم يكن له ولا لهما خاصة ولكنهما نظرا في حق عائشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما فقال فضال قد قلت له ذلك فقال أنت تعلم أن النبي صلعم مات عن تسع حشايا ونظرنا فإذا لكل واحدة تسع الثمن ثم نظرنا في تسع الثمن فاذا هو شبر في شبر فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك وبعد فما بال عائشة وحفصة ترثان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفاطمة بنته تمنع التراث؟ فقال ابو حنيفة ياقوم نحوه عني فوالله إنه رافضي خبيث انتهى.

وإنما نقلناها ليظهر للناظر إنه لعدم اصل صحيح له في ذلك يهتدون به الى الحق لم تزل تدق رؤوسهم على الجدار فيجيبون عما يرد عليهم فيه على وجه الرمي في الضلام للأجوبة المتناقضة الواهية.

وأما ماذكره فيه بقوله « وأيضاً فالرأي بالحجر كما كان له صلعم في حياته يكون لخليفته بعده » فمردود بأن خلافته لم تثبت فانتفى الإعتبار برأيه سيما الرأي المردود بينما ذكره من الإحتمالات السخيفة الباردة وإنا لله وإنا اليه راجعون إذا صارت الشرائع تشرع بمثل هذا الرأي.

وأما مازعمه من النقض بوصية الحسنعليه‌السلام أن يدفن معهم فجوابنا عنه ظاهر لأنهعليه‌السلام ما أوصى إلا بطوف جنازته حول قبر النبي صلعم تجديداً للعهد به فزعمت عائشة عند حمل جنازته (ع) الى الروضة المتبركة النبوية ، على مشرفها الصلاة والسلام التحية ، إنهم يريدون دفنه عنده(ص) فركبت على البغلة مع مروان وجماعة من أتباعه للمدافعة حتى جرى بينهما وبين إبن العباسرضي‌الله‌عنه ما نقلناه سابقاً وآل الأمر أن رموا جنازة الحسنعليه‌السلام بالسهام ، وصل بعص النصال الى بدنه الشريفعليه‌السلام ،

ومما ينبغي التنبيه عليه إن المراد

١٦٢

من لفظ غيره في قوله « فمنعه من ذلك مروان وغيره » عائشة فاضمرها وجعلها تبعاً ومروان اصلاً حفظاً لحال عائشة بالإصلاح الكاذب فتدبر.

وأما ما أجاب به على الثالث بأنه « لم يدفع ذلك لعليعليه‌السلام ميراثاً ولا صدقة لما مر بل بطريق الوصية منه ص » فمدفوع بأن المروي أن النزاع بينهما إنما كان على وجه طلب الميراث فإنه لو كان هناك وصية لما إتحه النزاع بينهما إنما كان على وجه طلب الميراث فإنه لو كان هناك وصية لما إتحجه النزاع منهما بخلاف الإرث فإنه لما كان في اولوية العممن الأب فقط كالعباس من إبن العم من الأب والأم معاً كعلي عليه السسلام خلاف إتجه نزاع علي والعباس ظاهراً والرجوع الى أبي بكر إيقاعهما لأبي بكر في ورطة حكمه مايناقض حكمهسابقاً لأن الأنبياء لايورثون حيث حكم هاهنا بأولوية علي من العباس لما ذكر في فقه الفرائض من أن المتقرب بالسببين أولى من المتقرب بسبب واحد وما يقال : إن أولوية علي عليه اسلام بالسيف والدرع والبغلة إنما كان لكونه أشجع واقوى نصرة لدين الإسلام بها إنما يتم بالسيف والدرع دون البغلة ولو سلم فلا أقل من أن يصلح العباس للدراعة التي كانت من جملة المتنازع فيها ايضاً ثم من أين سمع أبو بكر وصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها ولم يسمعه عليعليه‌السلام والعباسرضي‌الله‌عنه وهل هذا الا ترويج المتدعي بالظن والتخمين ؟

وأما إحتمال العارية فهو عار عن المعقول ؛ وما ذكره في توجيهه ليس بوجيه

وأما قوله « ولتيميزه بالشجاعة العظمى؛ الى آخره » فهو مناف لما تكلفه سابقاً من إثبات أشجعية أبي بكر فتذكر.

وأما ما أجاب بع عن الرابع من « إن بر أمهات المؤمنين واجب » فلا بر فيه ومن العجب إن بر أمهات المؤمنين واجب وبر فاطمة البتول ، وفلذة كبد الرسول، في قضية فدك لم يكن واجباً …! وهل هذا القول مع ذلك الفعل إلا عناد وبغض لسيد الأبرار وآله الطاهرين الأخيار.! وأما ماذكره في العلاوة الأولى من « إنه لم يخص عائشة وحفضة بذلك ؛ الى آخره » ففيه إنه وإن لم يخصهما في أصل العطية لكن خصهما بالزيادة وإنما

١٦٣

أعطي غيرهما قليلا تقليلاً لملامة الناس إياه.

وأما ماذكره في العلاوة الثانية من « أن علياً (ع) كان يفعله الى آخره» ففيه مامر من إن الخلافة ماوصلت اليهعليه‌السلام إلا بالأسم دون المعنى ؛ وقد كانعليه‌السلام معارضاً منازعاً منغصاً طول أيام ولايته وكيف يأمن في ولايته الخلاف على المتقدمين عليه وجعل من بايعه وجمهورهم شيعة أعدائه ومن يرى أنهم مضوا على أعدل الأمور وأفضلها وإن غاية أمر من بعدهم أن يتبع آثارهم ويقتفي طرائقهم وما العجب من ترك أمير المؤمنينعليه‌السلام ماترك من إظهاره بعض مذاهبه التي كان الجمهور يخالفه فيها وإنما العجب من إظهاره شيئاً من ذلك مع ما كان عليه من إشراف الفتنة وخوف الفرقة وقد كانعليه‌السلام يجهر في كل مكان لقومه بما عليه من فقد التمكن وتقاعد الأنصار وتخاذل الأعوان بما إن ذكر لطال به الكلام وهوعليه‌السلام القائل وقد إستأذنه قضاته فقالوا : بماذا نقضي يا أمير المؤمنين ؟ فقالعليه‌السلام لهم : إقضوا بما كنتم تقضون حتى تكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي يعنيعليه‌السلام من تقدم موته من أصحابه والمخلصين من شيعته الذين قبضهم الله تعالى وهو على أحوال التقية والتمسك باطناً بما أوجب الله تعالى عليهم التمسك به وهذا واضح فيما قصدناه.

وأمام ماذكره في العلاوة الثالثة من « إن علياًرضي‌الله‌عنه لم يكن معتقداً إنه يورث وإن الشيخين ظلماه » فيعارضه مرافعتهعليه‌السلام مع العباس الى أبي بكر في طلب ميراث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كما رواه هذا الشيخ الناسي في كتابه هذا ومارواه مسلم في صحيحه من إنه « قال عمر للعباس وعلي : فلما توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال أبو بكر : أنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجئتما أنت تطلب ميراثك من إبن أخيك: ويطلب هذا ميراث إمرأته من أبيها ، فقال : أبو بكر قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لانورث ما تركناه صدقة فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً والله يعلم

١٦٤

إنه لصادق بار راشد تابع للحق ثم توفي أبو بكر فقلت أنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولى أبي بكر فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً والله يعلم إني لصادق بار تابع للحق فوليتهما ، ثم جئت أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فقلتما إدفعها الينا الى آخره » وهو صريح في إعتراف عمر بإعتقادهما بإرث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعدم إعتقادهما بخلافة عمر بل بخلافة أبي بكر أيضاً لتوقفها عليها ثم في هذا الحديث من سوء الأدب بالنسبة الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والعباس ما لايخفى على المتأمل وقد أوضحناه في شرحنا على كتاب نهج الحق(١) فإرجع اليه ، وفيه أيضاً شهادة عليعليه‌السلام والعباس في أبي بكر وعمر بالكذب والأثم والغدر والخيانة وإستمرار قولهما الى خلافة عمر وعدم تغييرهما عن شهادتهما وقلوهما ، والناصبة يكذبون جميع ذلك ويقولون إنهما رضيا بخلافة أبي بكر وعمر وإن كل مايذكر عنهم من الخلاف والشقاق فإنه من تشنيعات الشيعة وأعجب ما في ذلك هذا قول الترمذي وقوله إن علياً والعباس كان يطلبان القسمة لأنهما يعلمان إن فدكاً والعوالي صدقة ونسى قول عمر للعباس تطلب ميراثك من إبن أخيك ويطلب هذا ميثراثه من إمرأته فتدبر.

وأما ماذكره من « إنهعليه‌السلام لم يغير شيئاً مما فعلاه ؛ الى آخره » فقد مر الوجه فيه قبيل ذلك من أعماله للتقية فيه وقد قال أصحابنا في وجه تركهعليه‌السلام فدكاً لما ولى الناس وجوهاً منها رعاية التقية لما مر من إنهعليه‌السلام لما رأى إعتقاد الجمهور بحسن سيرة الشيخين وإنهما كانا على الحق لم يتمكن من الإقدام على مايدل على فساد إمامتهما لما في ذلك من الشهادة بالظلم والجور منهما ، وإنهما كانا غير مستحقين لمقامهما ؛ وكيف يتمكن من نقض أحكامهم وتغيير سننهم وإظهار خلافهم على الجماعة التي يظنون إنهم كانوا مصيبين في جميع مافعلوه وتركوه وإن إمامته مبنية على إمامتهم فإن فسدت فسدت إمامتهم وقد روى إنه

____________________

(١) يريد به كتابه المعروف الموسوم بإحقاق الحق في نقض إبطال الباطل إذ هو إسم شرحه لنهج الحق للعلامه ره

١٦٥

عليه‌السلام نهاهم عن الجماعة في صلاة التراويح التي ابدعها عمر فأمتنعوا ورفعوا أصواتهم قائلين « واعمراه واعمراه » حتى تركهم في خوضهم يلعبون ومنها مارواه شيخنا الأجل ابن بابويه رضوان الله عليه في اوائل كتاب العلل مرفوعاً الى الصادقعليه‌السلام قال سألته لأي علة ترك عليعليه‌السلام فدكاً لما ولى الناس ؟ قال للإقتداء برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما فتح مكة وقد باع عقيل بن أبي طالب داره فقيل له : يارسول الله الا ترجع الى دارك ؟ فقال هل ترك عقيل لنا داراً ..! إنا أهل البيت لا نسترجع شيئاً أخذ منا ظلماً فكذلك لم يسترجع فدكاً لما ولى ومنها ما رواه بإسناده الى موسى بن جعفرعليهما‌السلام قال سألته لم لم يسترجع امير المؤمنينعليه‌السلام فدكاً لما ولى الناس ؟ فقال لإنا اهل بيت لا يأخذ حقوقنا ممن ظلمنا إلا الله تعالى ، ونحن اولياء المؤمنين نحكم لهم ونأخذ حقوقهم ممن ظلمهم فدل ما ذكرناه دلالة قطعية على ما يرغم انف هذا الشيح الجاهل وأنوف أصحابه والحمد لله سبحانه.

٥٧ - قال : تنبيه : لا يعارض قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « نحن معاشر الانبياء لا نورث » قوله تعالى« وورث سليمان داود » لأن المراد ليس وراثه المال بل النبوة والملك ونحوهما بديل إختصاص سليمان بالارث مع أن له تسعة عشر أخاً فلو كان المراد المال لم يختص به سليمان وسياق « علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء » قاض بما ذكرناه ، ووراثة العلم قد وقعت في آيات منها قوله تعالى ثم أورثنا الكتاب فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب وقوله تعالى فهب لي من لدنك ولياً يرثني لأن المراد فيها ذلك أيضاً بدليل فإني خفت الموالي من ورائي أي أن يضيعوا العلم والدين وبدليل « من آل يعقوب » وهم أولاد الأنبياء على أن زكريا لم يحك أحد إنه كان له مال حتى يطلب ولداً يرثه ولو سلم فمقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأبى طلب ذلك إذ القصد

١٦٦

بالولد إحياء ذكر الأب والدعاء وكثير سواد الأمة فمن طلبه لغير ذلك كان ملوماً مذمواً سيّما إن قصد به حرما عصبته من إرثه لو لم يوجد له ولد إنتهى.

أقول :

ماذكره من قبيل التنبه ممن لا يتنبه

أما أولاً فلأن الأرث حقيقة في إرث المال لغة وشرعاً فإطلاقه على غيره يكون مجازاً لا يصار اليه إلا بدليل ، وما ذكره هذا الشيخ الجامد من الدليل عليل ، إذ لو أراد بإختصاص سليمان بالإرث الإختصاص الذكرى ، فهو لا ينفي أرث غيره من إخوته وإن اراد به الإختصاص الحصري ، فالآية خالية عنه وأبعد من ذلك دعواه دلالة سياق « علمنا وأوتينا » على ذلك

وأما ماذكره من الآيات التي زعم دلالتها على وراثة العلم فمدفوع إجمالاً

بما ذكرناه من إن إستعمال الوراثة في العلم مجاز بدليل إن الأرث إنتقال أمر من محل الى آخر وقد إستدل أهل السنة على بطلان قول النصارى بإنتقال العلم والحياة الى عيسىعليه‌السلام بأن المستقبل بالإنتقال لايكون إلا الذات دون الإعراض والصفات صرح بذلك الفاضل التفتازاني في شرح العقائد وغيره في غيره

وأيضاً لو كان العلم والنبوة مما يورث لم يكن على وجه الأرض إلا الأنبياء والعلماء إذ الميراث لا يجوز أن يكون لواحد من الورثة دون الآخر فأول خلق الله كان نبياً هو آدمعليه‌السلام فلو ورث ولده نبوته وعلمه لوجب أن يكون جميع ولد آدم أنبياء وعلماء وكذلك أولاد أولاده الى يوم القيامة ويلزم أيضاً قائل هذا إن يحكم بأن ورثة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله قد ورثوا نبوته فهم الأنبياء فلا يجوز تقديم أبي بكر عليهم وإن صححنا خلافته كما ذكروه في إنكار تجويز تقدم المهدي على عيسىعليهم‌السلام والعجب من الناصبة إنهم لايثبتون على طريقة واحدة لأنهم إذا قال لهم الإمامية ينبغى أن تكون

١٦٧

الخلافة لعليعليه‌السلام لئلا يخرج سلطان محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله من داره وقعر بيته قالوا هذه سنة هرقلية لا تجتمع النبوة والإمامة في بيت واحد وهاهنا يثبتون مذهبهم الهرقلي ويقولون إن النبي يتولد منه النبي ويرث منه النبوة

وأما تفصيلاً فلأنه إن أريد بالكتاب في الآية الأولى الكاغذ مع مافيه من النقوش وما يشتمل عليه من الجلد فهو مال يورث حقيقة وإن أراد به الألفاظ والمعاني فهي أعراض لا تنتقل كما مر فلا يورث.

وأما الآية الثانيه فلأنه لامجال لحمل الآية على إرث النبوة لأن الموالى في قول زكرياعليه‌السلام في خفت الموالي من ورائي هم الذين يرثون المال بالضرورة ولا يورثون النبوة بالإجتماع ولأن الموالي التي يخافوا منهم ماكانوا صالحين للنبوة لأنهم كانوا أشرارا فلا يجعلهم الله أنبياء فالمراد بقوله خفت الموالي ؛ الى آخره خفت تضييع الموالي مالي وإنفاقهم إياه في معصية الله عز وجل ولأنهم لو كانوا قائلين بها لما كان معنى للخوف من وصول إرث النبوة إليهم وطلب غيرهم لأن نبي الله عالم بأن الله تعالى لا يعطي النبوة إلا لمن يكون أهلاً لها

وما ذكره هذا الشيخ الجاهل « إن معنى : خفت الموالي من ورائي إني خفت أن يضيعوا العلم والدين » فلا معنى له لأنه يمكن تضييع الموالي لعلم زكريا ودينه مع وجود الوارث المرضي كما ضيع الفرقة الهالكة من أمة نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله علمه ودينه ، ونبذوا الكتاب وأهملوا عليه قرينه ، وبالجملة لا إختصاص للعلم والدين بالولد الوارث كما يقتضي سياق الآية طلب زكرياعليه‌السلام له بل هو يشتمل جميع أمتهعليه‌السلام فيمكن لغير الولد المرضي تضييع ذلك وكذا حفظ العلم والدين لا يخص الولد بل ربما يحصل ذلك لغيره من المرضيين فلو أراد زكرياعليه‌السلام طلب من يحفظ العلم والدين عن التحريف ونحوه لقال : إبعث من يحفظ ديني فإني خفت

١٦٨

الموالي ( الآية ) بخلاف المال فأنه يخص أرثه بالولد عند وجوده دون الموالي من بني العم فإذا وصل الى الولد المرضي حصل الأمن من فساد الموالي السوء له

وأما ما ذكره من « أنه لم يحك أحد أنه كان لزكريا مال حتى يطلب ولداً يرثه » ففيه أن من حمل الأرث على حقيقة من أرث المال حكي ذلك مع أن عدم الحكاية لايقتضي حكاية العدم فأفهم

وأما ما ذكره من « أن مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأبي طلب ذلك ؛ الى آخره » فيرد عليه إنا قد ذكرنا أن الموالي كانوا مفسدين اشراراً خافعليه‌السلام صرفهم لماله في معصية الله عز وجل فليس في طلب الوارث المرضي لدفع هذه المفسدة ما ذكره هذا الشيخ المفسد من مفسدة قصد حرمان العصبة ولاغيرها فهو في حكمه بأن من طلب الولد لغير ذلك كان ملوماً مذموماً ملوم مذموم مدحور ، على مر الدهور.

١٦٩

٥٨ - قال : الثامنة زعموا أنصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نص على الخلافة لعلي اجمالا قالوا : لأنا نعلم قطعاً وجود نص جلي وأن لم يبلغنا لأن عادتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته قاضية بإستخلاف علي على المدينة عند غيبته عنها حتى لا يتركهم فوضى أي متساوين لا رئيس لهم فإذا لم يخل بذلك في حياته فبعد وفاته أولى وجوابها مر مبسوطاً في الفصل الرابع بإدلته ومنه إنما ترك ذلك لعلمه بأن الصحابة يقومون به ويبادرون اليه لعصمته عن الخطأ اللازم لتركهم له ومن ثم لم ينص على كثير من الأحكام بل وكلها الى آراء مجتهدين على إنا نقول : إنتفاء النص الجلي معلوم قطعاً وإلا لم يمكن ستره عادة إذ هو مما تتوفر الدواعي على نقله.

وأيضاً لو وجد نص لعلي لمنع به غيره كما منع أبو بكر مع إنه أضعف من عليرضي‌الله‌عنه عندهم الأنصار بخبر« الأئمة من قريش » فأطاعوه مع كونه خبر واحد وتركوا الإمامة وإدعائها لأجله فكيف حينئذ يتصور وجود نص جلي يقيني لعلي وهو بين قوم لا يعصون خبر الواحد في أمر الإمامة وهم من الصلابة في الدين بالمحل الأعلى

١٧٠

بشهادة بذلهم الأنفس والأموال ، ومهاجرتهم الأهل والوطن ، وقتلهم الأولاد والآباء في نصرة الدين ، ثم لا يحتج علي عليهم بذلك النص الجلي بل ولا قال أحد منهم عند طول النزاع في أمر الإمامة ما لكم تتنازعون فيها والنص الجلي قد عين فلاناً لها ؟

فإن زعم زاعم إن علياً قال لهم ذلك فلم يطيعوه كان جاهلاً ضالاً مفترياً منكراً للضروريات فلا يلتفت اليه

وأما الخبر الآتي من فضائل عليرضي‌الله‌عنه إنه قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أنشد الله من شهد يوم غدير خم ألا قام ولايقوم رجل يقول نبئت أو بلغني ألا رجل سمعت أذناه ووعاه قلبه فقام سبعة عشر صحابياً وفي رواية ثلاثون فقال :هاتوا ماسمعتم فذكروا الحديث الآتي ومن جملته « من كنت مولاه فعلي مولاه » فقال صدقتم أنا على ذلك من الشاهدين فإنما قال ذلك علي بعد أن آلت اليه الخلافة لقول أبي الطفيل راويه كما ثبت عند أحمد والبزار جمع علي الناس بالرحبة يعني بالعراق ثم قال لهم : أنشد الله من شهد يوم غدير خم الى آخره ما مر فأراد به حثهم على التمسك به والنصرة اليه حينئذ إنتهى.

أقول : لا يخفى أن الشيعة صرحوا بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نص على خلافة علي بن أبي طالبعليه‌السلام نصاً جلياً مفصلاً خالياً عن الإبهام والإجمال وإنما ذكروا هذا التقرير الإجمالي بطرق الفرض تدرجاً بذلك الى إثبات النص التفصيلي آخراً على الخصم فإن النص الإجمالي مما لا يبادر الخصم الى إنكاره من أول الأمر لإدعاء بعضهم النص الخفي على خلافة أبي بكر فقد تسامحوا في أول الأمر الى أن يتبين جلية الحال ويثبت وجود النص التفصيلي في المآل كما قال شاعرنا :

صد پايه پست كرده ام أهنك قول خويش

تابوكه اين سخن بمذاق تو در شود

وأمثال ذلك في كلام الحكماء كثيرة كما ذكره العلامة الدواني في حواشيه القديمة عن التجريد.

وأما ماذكره من سبق جوابه عن ذلك مبسوطاً فقد عرفت رده منا

١٧١

مفصلاً مشروحاً.

وأما ماذكره في الجواب بقوله « ومنه إنه إنما ترك ذلك لعلمه بأن الصحابة يقومون به الى آخره » ففيه إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بين كثيراً من الأمور التي هي دون أمر الإمامة بمراتب بل لانسبة بينها وبينه مع علمه بأن اصحابه بل كل من يقوم بالمعروف يقوم به فظهر إنما ذكره لايصلح وجهاً للترك أصلاً وبالجملة لايداني شيء من الأحكام الفرعية عظم أمر الإمامة الي هي رياسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد صرح القاضي البيضاوي في بحث الأخبار من منهاج الأصول لأنها من أعظم أصول الدين وهو عندنا كذلك فلا وجه لقياس تركه على ترك بعض الأحكام الفرعية.

وأما قوله « لو وجد نص لعلي لمنع به غيره » ففيه مامر مراراً من إنهعليه‌السلام منع به بعد فراغه عن دفن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لكن لم ينفع بعد خراب البصرة بسبق بيعة قريش على أبي بكر وإتفاقهم في ذلك الغدر والمكر.

وأما ماذكره من منع أبي بكر الأنصار بخبر « الأئمة من قريش » فإنما أتفق لما أوقعوا في أوهامهم من إن الفرد الكامل المنصوص عليه بالخلافة من قريش قد تقاعد عنها وقعد في قعر بيته حزناً على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو لغيره من الأغراض.

وأما ماذكره من « إنه لم يقل أحد منهم عند طول النزاع في أمر الإمامة مالكم تنازعون فيها والنص الجلي قد عين فلاناً لها ؟» فمردود بأن قريشاً كتموا ذلك حسداً وعداوة لعليعليه‌السلام وأما الأنصار فللتوهم المذكور ؛ ثم إن أراد بطول النزاع طول النزاع يوم وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والبيعة على أبي بكر فيه فلتة فلا طول فيه وإن أراد طول النزاع المطوي في قلوب أهل البيت بعد تقرر البيعة على أبي بكر فقد مر إن علياًعليه‌السلام وجماعة من الصحابة نازعوا ذلك ولم ينجح لسوء إتفاق معاندي قريش على أبي بكر فقالوا « لا عطر بعد عروس » وبالجملة الحديث الآتي الذي ذكره هذا الغافل صريح في تحقيق النزاع فضلاً عن

١٧٢

غيره مما شاع وذاع فظهر فساد تفريعه على ماقرره من الجهالات والتمويهات بقوله : « فإن زعم زاعم » الى آخره.

وأما ماذكره في تأويل الخبر الآتي الصريح في دعوى عليعليه‌السلام نصبه للخلافة يوم الغدير من « إنه إنما قال ذلك بعد أن آلت اليه الخلافة فأراد به حثهم على التمسك به والنصرة له حينئذ » فمردود بأنه على تقدير كون ذلك النص موجوداً يثبت به خلافة عليعليه‌السلام ويقوم حجة على الخصم سواء إحتج به على أبي بكر عند غصبه للخلافة أو سكت عنه تقية الى أن آلت اليه الخلافة وإرادتهعليه‌السلام من ذكر ذلك حديث على المجتمعين عليه في أيام خلافته حثهم على التمسك به والنصرة له لا يقدح في كونه نصاً على خلافته وهو ظاهر.

٥٩ ـ قال : التاسعة زعموا وجود نص على الخلافة لعلي تفصيلاً وهو قوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض وهي تعم الخلافة وعلى من أولي الأرحام دون أبي بكر وجوابها منع عموم الآية بل هي مطلقة فلا تكون نصاً في الخلافة وفرق ظاهر بين المطلق والعام إذ زعموا الأول بدلي والثاني شمولي إنتهى.

قال : لو سلم عدم عموم أولي الأرحام بحسب الصيغة فهو عام بحسب المدلول بقرينة السياق والسباق ودلالة قوله « بعضهم » فكأنه تعالى قال : وجميع أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض لظهور ركاكة أن يقال بعض أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض وأيضاً قد إنعقد الإجتماع على عدم تخصيص الأولوية ببعض دون بعض وأيضاً لو لم يكن المراد به العموم لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة إذ لم يتبين إن ذلك البعض الذي هو أولى بالبعض من ذوى الأرحام بدلاً أي بعض كان ؟ نعم لقائل أن يقول في باديء النظر إن العباسرضي‌الله‌عنه كان أقرب الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عليعليه‌السلام ويجاب أولاً بأن الله سبحانه لم يذكر الأقرب الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دون أن علقه بوصف فقال : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا

١٧٣

الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين فشرط الأولى بالنبي الإيمان والمهاجرة ولم يكن العباس من المهاجرين بالإتفاق.

وثانياً إن أمير المؤمنينعليه‌السلام كان أقرب الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأولى بمقامه إن ثبت إن المقام موروث وذلك إن علياًعليه‌السلام كان إبن عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبيه وأمه والعباس عمه لأبيه خاصة ومن تقرب بسببين كان أقرب ممن تقرب بسبب واحد كما ذكر في فقه الفرائض ولهذا حكم أبو بكر في الدرع والسيف والبغلة وغيرها من ميراث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام دون العباس كما نقله هذا الشيخ الجامد سابقاً فتدبر.

٦٠ ـ قال : العاشرة زعموا إن من النص التفصيلي المصرح بخلافة علي قوله تعالى إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ؛ الآية قالوا والولي أما الأحق والأولى بالتصرف كولي الصبي وأما المحب والناصر وليس له في اللغة معنى ثالث والناصر غير مراد لعموم النصرة لكل المؤمنين بنص قوله تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض فلم يصح الحصر بأنما في المؤمنين الموصوفين بما في الآية فتعين إنه في الآية المتصرف وهو الإمام وقد أجمع أهل التفسير على أن المراد بالذين يقيمون الصلاة ويأتون الزكاة وهم راكعون إذ علي سبب نزولها إنه سئل وهو راكع فاعطى خاتمه وأجمعوا إن غيره كأبي بكر غير مراد فتعين إنه المراد في الآية فكانت نصاً في إمامته وجوابها منع جميع ماقالوه إذ هو حزر وتخمين من غير إقامة دليل يدل له بل الولي فيها بمعنى الناصر ويلزم على مازعموه إن علياً أولى بالتصرف حال حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا سبهة في بطلانه وزعمهم الإجماع على إرادة على دون أبي بكر كذب قبيح لأن أبا بكر داخل في جملة الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة الى آخره لتكرر صيغة

١٧٤

الجمع فيه فكيف يحمل على الواحد ونزولها في حق عليعليه‌السلام لا ينافي شمولها لغيره ممن يجوز إشتراكه معه في تلك الصيغة وكذلك زعمهم الإجماع على نزولها في عليعليه‌السلام باطل أيضاً لقد قال الحسن وناهيك به جلالة وإمامة إنها عامة في سائر المؤمنين ويوافقه إن الباقر عمن نزلت فيه هذه الآية أهو علي ؟ فقال علي من المؤمنين ولبعض المفسرين إن قوله تعالى إن الذين آمنوا إبن سلام وأصحابه ولبعض آخر منهم قوله إنه عبادة لما تبرأ من خلفائه من اليهود وقال عكرمة وناهيك به حفظاً لعلوم مولاه ترجمان القرآن عبدالله بن عباسرضي‌الله‌عنهما إنها نزلت في أبي بكر فبطل مازعموه وأيضاً فحمل الولي على مازعموه لا يناسب ماقبلها وهو « لاتتخذ اليهود؛ الى آخره » إذ الولي فيها بمعنى الناصر جزماً ولا مابعدها وهو « ومن يتولى الله ورسوله ؛ الى آخره » إذ التولي هنا بمعنىالنصرة فوجب حمل مابينهما عليها أيضاً لتتلائم أجزاء الكلام.

أقول : جميع منوعه مكابرات مردودة والدلائل على ثبوت مقدما إستدلالنا بالآية الكريمة موجودة

أما الدليل على أن المراد بالولي الأولى بالتصرف دون المعاني الأخر فلأن حصر الولاية بالمؤمنين الموصوفين في الآية في إيتاء الزكاة حال الركوع يدل على عدم إرادة النصرة ونحوها والألزم بمقتضى الحصر أن يكون من شرط المؤمن مطلقاً إيتاء الزكاة حال الركوع وفساده ظاهر والحاصل إنه إن أريد بالولي الناصر وبالذين آمنوا جماعة من المؤمنين الذين يمكن إتصافهم بالنصرة فيستقيم الحصر حينئذ لكن لايستقيم الوصف بإيتاء الزكاة حال الركوع وإن أريد به الناصر وبالذين آمنوا عليعليه‌السلام يبطل الحصر وإن أريد به الأولى بتصرف وبهم عليعليه‌السلام يستقيم الحصر والوصف معا لأن كون إيتاء الزكاة حال الركوع

١٧٥

من شأن الإمام الإولى بالتصرف في أحكام المؤمنين غير مستبعد بل روي إنه قد وقعت هذه الكرامة عن باقي الأئمة المعصومينعليهم‌السلام وأيضا العطف دال على تشريك الله تعالى ورسوله ووليه في إختصاص النصرة بهم والإخفاء في إن نصرة الله ورسوله للمؤمنين مشتملة على التصرف فى أمورهم على ماينبغى فكذلك نصرة من أريد بالذين آمنوا غاية الأمر إن التصرف فى أمورهم مفهوم مشكك يختلف بالأوليه والأولوية والأشدية بل حقق إن جميع المعانى العشرة التي ذكروها للولي مرجعها الى الإولى بالتصرف كما سنبينه فيما سيورده من حديث الغدير فما نسبه الى الشيعة في تقرير كلامه من إنهم قالوا ليس له معنى ثالث مرية بلأمرية.

وأما ماأورده من « إنه يلزم على مازعموه إن علياً أولى بالتصرف في حال حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى آخره » فمردود بأنا نلتزمه ولا نسلم بطلانه لأنه لامانع عن ثبوت الولاية لهعليه‌السلام في الحال بل الظاهر إن المراد إثباتها على سبيل الدوام بدلالة إسمية الجملة وكون الولي صفة مشبهة وهما دالتان على الدوام والثبات ويؤيد ذلك إستخلاف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنينعليه‌السلام على المدينة غزوة في تبوك وعدم عزله الى زمان الوفاة فيعم الأزمان والامور للإجماع على عدم الفصل ويؤيده أيضاً حديث المنزلة على ماسيجيء لدلالته على ولايته في زمان حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومماته كما سيجيء تحقيقه إنشاء الله تعالى

وأما الدليل على ثبوت الإجماع على إن المراد من ضمائر الجمع في الآية عليعليه‌السلام وإن الجمع للتعظيم كما وقع في كثير من الآيات والاخبار فهو نقل جماعة من علماء أهل السنة كالفاضل التفتازاني والفاضل القوشجي إتفاق المفسرين على ذلك ولإجماع المنقول بخبر الواحد حجة.

وأما إستبعاد الإجماع على إرادة عليعليه‌السلام دون أبي بكر مستنداً بأن أبا بكر داخل في « جملة الذين آمنوا ؛ الى آخره » فلا يخفى مافيه لأن دخول أبي بكر أو غيره من المؤمنين بحسب عموم اللفظ لو سلم لا ينافي وقوع

١٧٦

الاجماع على ارادة عليعليه‌السلام فقط وأين الأرادة من الدلالة … ! وأما ماذكره من « أن نزولها في علي لاينافي شمولها لغيره ممن يجوز ؛ الى آخره » ففيه إن من منع شمول الآية لغير عليعليه‌السلام لم يستند فيه بمجرد نزولها في شأن عليعليه‌السلام بل ضم مع ذلك كون الآوصاف المذكورة فيها قد إنحصر بالإتفاق في واحد هو عليعليه‌السلام دون غيره على إنه قد قرر العلامة الحليقدس‌سره الإستدلال بالآية على وجه لا يتوجه اليه شيء من ذلك فقال : « إن لفظة إنما تفيد الحصر بالنقل عن أهل اللغة والولي يطلق على الناصر ونحوه والمتصرف ولا معنى للأول هاهنا لأن هذه الآية متخصصة ببعض الناس والنصرة عامة لقوله تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض إذا أثبت هذا فنقول : إن المراد بالذين آمنوا ها هنا بعض المؤمنين لأن الله تعالى وصفهم بإيتاء الزكاة حال ركوعهم وليس هذا الوصف ثابتاً لكل المؤمنين وأيضاً لو كان المراد كل المؤمنين لكان الولي والمولى عليه واحداً وذلك باطل وإذا ثبت إن المراد بعض المؤمنين كان ذلك البعض علياًعليه‌السلام لأن الأمة أجمعوا على أن المراد أما بعض المؤمنين فهو عليعليه‌السلام وأما جميع المؤمنين فيدخل عليعليه‌السلام فيهم وقد بينا أن المراد هو البعض فلو كان غير عليعليه‌السلام كان ذلك خارجاً للإجماع المركب ولإتفاق المفسرين على أن المراد بذلك هو عليعليه‌السلام » « إنتهى »

وأما إبطاله للإجماع على نزول الآية في عليعليه‌السلام بمخالفة قول الباقرعليه‌السلام وشذوذ من المفسرين لذلك فبطلانه ظاهر ومن عجيب تمحلاتهم إنهم لم يكتفوا بأن ينسبوا الكذب في ذلك الى عكرمة ومن شاكلوه حتى نسبوه الى مولانا الباقرعليه‌السلام لزعمهم أن الشيعة إذا سمعوا النسبة الى مولاهم الباقرعليه‌السلام يذهلون عن القدح فيمن رواه عنه من الجمهور فيصححونها ويجعلونها حجة على أنفسهم مر الدهور ، على

١٧٧

إن إتفاق أكثر المفسرين من أهل السنة يكفى إحتجاجاً بسبب ماذكرناه سابقاً من إن مايصير حجة على واحد منهم فهو حجة على الآخرين لأن مايلبق أن يعتبر لذي الإنصاف هو ماإتفق عليه الفريقان فتذكر وتأمل.

وأما ماذكره من إن حمل الولي علي مازعموه لا يناسب ماقبلها الى آخره » فمدخول بأن الولاية بمعنى الإمامة والتصرف في الأمور أعم من الولاية بمعنى النصرة في الجملة فنفي الولاية بمعنى الإمامة مفيد لنفي الولاية المنفية عن اليهود والنصارى في الآية الأولى على أتم وجه لأن نفي العام نفي الخاص مع الزائد فهو أتم في النفي فتكون المناسبة حاصلة.

وأمام مابعد الآية فلا دلالة له على مقصوده إلا إذا حمل حزب الله على معنى أنصار الله كما تحمله بعضهم وهو كما ترى على أن كثيراً من آيات القرآن قد يأتي وأولها في شيء وآخرها في غيره ووسطها في معنى آخر وليس طريق الإتفاق في المعنى من محسنات الكلام ولو سلم فإنما يريد على خليفتكم عثمان الذي رتب القرآن على غير وجه فتدبر.

٦١ ـ قال : الحادية عشرة زعموا إن من النص التفصيلي المصرح بخلافة عليعليه‌السلام قوله يوم غدير خم وضع الجحفة مرجعه من حجة الوداع بعد أن جمع الصحابة وكرر عليهم « الست أولى بكم من أنفسكم » ثلاثاً وهم يجيبون بالتصديق والإعتراف ثم رفع يد عليعليه‌السلام وقال « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأحب من أحبه ، وابغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وادر الحق معه حيثما دار » قالوا : فمعنى المولى الأولى أي فلعلي عليهم من الولاء مالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم منه بدليل قوله « الست أولى بكم » لا الناصر وإلا ما إحتاج الى جمعهم كذلك مع الدعاء له لأن ذلك يعرفه كل أحد قالوا : ولا يكون هذا الدعاء إلا لإمام معصوم مفترض الطاعة قالوا فهذا نص صريح صحيح على خلافته انتهى

وجواب هذه الشبهة التي هي أقوى شبههم يحتاج

١٧٨

الى مقدمة وهي بيان الحديث ومخرجيه وبيان إنه حديث صحيح لا مرية فيه وقد أخرجه جماعه كالترمذي والنسائي وأحمد وطرقه كثيرة جداً ومن ثم رواه ستة عشر صحابياً وفي رواية لأحمد إنه سمعه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثون صحابيا وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته كما مر وسيأتي وكثير من أسانيده صحاح وحسان ولا إلتفات لمن قدح في صحته ولا لمن رده بأن علياً كان باليمن لثبوت رجوعه منها وإدراكه الحج مع النبي ص وقول بعضهم « إن زيادة اللهم وال من والاه ؛ الى آخره موضوعة » مردود فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيراً منها وبالجملة فما زعموه مردود من وجوه نتلوها عليك وإن طالت لمسيس الحاجة اليها فاحذر أن تسأمها وتغفل عن تأملها

أحدها إن فرق الشيعة إتفقوا على إعتبار التواتر فيما يستدل به على الإمامة وقد علم نفيه لما مر من الخلافة في صحة هذا الحديث بل الطاعنون في صحته جماعة من أئمة الحديث وعدوله المرجوع اليهم فيه كأبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وغيرهما فهذا الحديث مع كونه آحاداً مختلف في صحته فكيف ساغ لهم أن يخالفوا ماإتفقوا عليه من إشتراط التواتر في أحاديث الإمامة ويحتجون بذلك ؟ ماهذا إلا تناقض قبيح وتحكم لا يعتضد بشيء من أسباب الترجيح انتهى.

اقول : من البين إنه لايعتبر في تواتر الخبر والإحتجاج بتواتره كونه متواتراً عند جميع الناس كما زعمه هذا الشيخ الخناس بل يعتبر كونه متواتراً في الجملة وإلا فيشكل بالكتاب العزيز فإنه ليس بمتواتر عند الكل ومن جميع الطرق اتفاقاً فلا يلزم مناقضة الشيعة لأنفسهم في إستدلالهم بذلك لإثبات الإمامة فإنهم يدعون تواتره من طرقهم ومن بعض طرق أهل السنة فقد ذكر الشيخ عماد الدين ابن كبير الشامي الشافعي في تاريخه عند ذكر احوال محمد بن جرير الطبري الشافعي إني رأيت كتاباً

١٧٩

جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين وكتاباً جمع فيه طرق حديث الطير ونقل عن أبي المعالي الجويني إنه كان يتعجب ويقول شاهدت مجلداً ببغداد في يد صحاف فيه روايات هذا الخبر مكتوباً عليه المجلدة الثامنة والعشرون من طرق « من كنت مولاه فعلي مولاه » ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون ورواه إبن عقدة من الزيدية في مائة وخمس طرق وأثبت الشيخ إبن الجزري الشافعي في رسالته الموسومة بأسنى الطالب في مناقب على بن أبي طالب تواتر هذا الحديث من طرق كثيرة ونسب منكره الى الجهل والعصبية وبالجملة قد بلغ هذا الخبر في التواتر والإشتهار الى حد لايوازي به خبر من الأخبار ، وتلقته محققوا الإمة بالقبول والإعتبار ، فلا يرده إلا معاند جاهل أو من لا إطلاع له على كتب الإحاديث والآثار ، فاتضح بطلان مامهده من المقدمة ومابناه عليها من الوجه الذي لا يبيض وجه عند الأخيار ، ثم أقول : إن في روايته لحديث الغدير خصوصا من طريق إستدل به لشيعة إهمالاً وإخلاص لا يخفى لأن مضمنون الحديث على الوجه المتفق عليه بين الطريق المنقول لقدماء العامة وبعض طرق أصحابنا هو إنه لما نزل حين رجوع النبي ص عن حجة الوداع قوله تعالى أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك ؛ الآية نزل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بغدير خم وقت الظهر الذي لم يكن نزول المسافر فيه متعارفا ًفي يوم شديد الحر حتى إن الرجل كان يضع ردائه تحت قدميه من شدة الحر فأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بجمع الرحال وصعد عليها خطيباً بالناس ذاكراً في خطبته : إن الله تعالى أنزل عليه بلغ ما أنزل اليك من ربك ، الآية لدنو لقاء ربه وإنه يبلغ ماأمره الله بتبليغه وتوعده إن لم يبلغه ووعده بالعصمة من الناس ثم أخذ بيد عليعليه‌السلام وقال في جملة كلامه : الست أولى بكم من أنفسكم قالوا : بلا يارسول الله قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر

١٨٠