هوية التشيع

هوية التشيع0%

هوية التشيع مؤلف:
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 237

هوية التشيع

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور أحمد الوائلي
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 237
المشاهدات: 33794
تحميل: 5268

توضيحات:

هوية التشيع
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 237 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 33794 / تحميل: 5268
الحجم الحجم الحجم
هوية التشيع

هوية التشيع

مؤلف:
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مادّته مِن هذا التخريف، فإنّ لنا مِن مُحتويات تاريخنا الناصع ما هو مَحلُّ اعتزاز الإِنسانية، وإلحاقاً بهذا أُشفع لك هذا الروايات ببعض النماذج الأُخرى التي خلقها التنافُس بين المذاهب بدون أن يُلتَفت إلى أنّه بذلك يُحط مِن قيمة المذاهب كُلّها.

يقول ابن الجوزي في كتابه الياقوتة: إنّ أبا حنيفة كان في حياته يُعلِّم الخضر، ولمّا مات، أسف الخضر وناجى ربّه وقال:

(إلهي إن كان لي عندك مَنزلة، فأذن لأبي حنيفة حتّى يعلمني مِن القبر على حَسَب عادته حتّى أتعلّم شرع محمّد على الكمال)، فأحياه الله تعالى، وتعلّم منه العِلم إلى خمسة وعشرين سنة إلخ (1) . فمن هو الذي يقول بالرجعة يا مسلمون؟

ويقول ابن الجوزيّة في كتاب المناقب عن عليِّ بن إسماعيل قال: رأيت القيامة قد قامت، وجاء الناس إلى قنطرة ولا يترك أحد يجوز حتّى يأتي بخاتم، ورجل جالس ناحية يَختم للناس ويعطيهم فقلت: مَن هذا؟ قالوا: أحمد بن حنبل (2) .

وبوسعك أن تقرأ روايات في الإِمام مالك، وفي الإِمام الشافعي، وفي كثير مِن الفقهاء والأئمّة مِمّا نُسِج مِن الخيال، ووضِع في طريق القارئ يؤذي ذوقه ويخدش حسّه، وبعد ذلك فماذا يُسمّى مثل هذا؟

هل هو غلوٌّ أم لا؟ سؤال موجه للأستاذ فرغل.

وسأُقدِّم لفرغل نموذجاً واحداً فقط، يقول صاحب تفسير روح البيان عند تفسير قوله تعالى: ( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ) : إنّ نصف الثمانية الّذين ذَكرَتهم الآية هم: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل.

ما يقول مولانا فرغل في ذلك؟؟!!

____________________

(1) الإِمام الصادق لأسد حيدر: 5/117.

(2) المصدر السابق: 3/470.

١٦١

الفَصلُ الرابِع

مُناقَشَةُ كِتاب نشأة الآراء والمذاهب

يقول مُؤلِّف الكِتاب المذكور يحيى هاشم فرغل، مُستعرضاً فِكرة عصمة الأئمّة: إنّ عِصمة الأئمّة ظَهَرت عند غُلاة الشيعة. وذكر أنّ زيد بن عليٍّ كان يستنكرها، ثمّ استنتج أنّ السُنّة إنّما بحثوا عِصمة الأنبياء؛ لأنّ الشيعة بَحثوا عِصمة الأئمّة، وذكر أدلّة الإماميّة على العِصمة، ومنها حديث الثَقَلين وقد رواه هكذا:

(إنّي تركت فيكم ما إن تَمسكتُم به لن تضلّوا بَعدي، كتاب الله حَبل ممدود مِن السماء إلى الأرض، وعِترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يَرِدا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما)، ثمّ ذكر صُوراً أُخرى للحديث، ثمّ قال: إنّ هذا الحديث جعل العترة أهل البيت بمنزلة القرآن وعِدلاً له، كما جعل لهم جميع ما كان للنبي مِن المناصب إلاّ النُبوّة؛ ليكون كأنه موجود بنفسه ليقوم على رعاية الشريعة، وقد نزّل الحديث العِترة منزلة القرآن، فلا بُدَّ مِن أن يكون عندهم كلّ ما فيه مِن العلوم، فمن ثمّ يكون الإِمام عالماً بجميع تفاصيل القرآن والسُنّة؛ لتُؤخذَ عنه عُلومهما كاملة.

ثمّ أورد روايات للشيعة حول عِلم الإِمام، ومنها ما ورد عن الإِمام عليٍّ (ع): (ما أُنزِلت آية مِن القرآن على رسول الله (ص) إلاّ وأقرأنيها وتلاها عليَّ، فكتبتها بيدي، وعَلَّمني تفسيرها وتأويلها ومُحكمها ومُتشابهها وناسخها ومنسوخها وخاصّها وعامّها، ودعا الله تعالى أن يعطيني فَهمها وحِفظها، ووضع يَده على صدري، ودعا الله أن يملأ قلبي عِلماً وحكمة)، ثمّ أورد روايات هي في الواقع تجسيد لمنطوق هذا الحديث وهذه الرواية كوجود كِتاب الجفر، والجامعة، ومِصحف فاطمة

١٦٢

عند أهل البيت، وشرح آراء الشيعة في معنى وجود هذه الكُتُب عند أهل البيت، وذكر أنّ الشيعة قالوا: إنّها بإملاء النبيّ، وخطِّ عليٍّ، وأنّه ليس فيها مِن القرآن شيء، وإنّما هي شُروح وأخبار بالملاحِم، ثمّ ذكر الروايات التي تَدلّ على أنّ أهل البيت مُحدَّثون، وأنّهم - أي الشيعة - يَعضدون هذه الروايات بروايات سُنيّة، ومنها قول النبيّ (ص)، الذي اتّفق عليه أهل السُنّة: (إن فيكُم مُحدَّثين)، وقولُ بعض الصحابة: كنت أُحدَّث حتّى اكتويت، ثمّ انتقل بَعد ذلك إلى الروايات التي تدلُّ على وحدة السنخيّة بين النبيّ والأئمة كقول النبيّ (ص): (إنّ الله خلقني وخلق عليّاً والحسن والحسين مِن نورٍ واحد). وقال في نهاية هذا الفصل: وإذاً فنحنُ في النهاية نصل إلى عقيدة فلسفية أو ميتافيزيقيّة في الإِمام، تجعل مِن الأئمّة ومِن الرسول جوهراً نورانيّاً واحداً، سابقاً على الوجود الأرضي، وهنا نَصِل إلى نُقطة هامّة، نسأل فيها عن ماهيّة درجة الإِمامة، وهل هي بِدرجة النُبوّة أم لا؟

واستطراداً مِن هُنا أقول: إنّ المرء أمام هذه الآراء لا يستغرب أن تنشأ في تُربتها آراء الغُلاة، ودعاوى التنبّؤ، ويَجِد في هذه إظهاراً طبيعيّاً للمكوِّنات تلك (1) .

انتهى كلام فرغل بتلخيص وتَصرُّف في لفظ العبارة مع حفط المضمون بمنتهى الضبط.

أتّضح مِن هذا الفصل الذي لخّصناه، أنّ فرغل يستنكر عدّة أُمور، ويعتبرها نوعاً مِن الغلوِّ، وهي: العصمة، ثمّ وحدة الأصل والسنخيّة بين النبي (ص) وأهله (ع)، ثمّ استنكر ما يُنسَب لأهل البيت مِن عُلوم، واستنكر رابعاً أن تكون مَنزِلة الأئمّة بعد النبيّ (ص)، وخامساً نَسب الشيعة للغلو.

تعقيب

وأنا أُوجِّه للأستاذ فرغل سؤالاً هو: لو أنّ هذه الأُمور التي استنكرها عند الشيعة وجِدَت عند السُنّة، فهل ينتقد السُنّة أم لا؟

وستعجب مِن هذا السؤال، وتقول: كيف لا ينتقدُهم والموضوع واحدٌ، ولا فرقَ بين أن يقولَ به السُنّة أو الشيعة؟

____________________

(1) نشأة الآراء والمذاهب والفِرَق الكلاميّة: 1/127 حتّى142.

١٦٣

وأنا أُجيبك: إنّه لا ينتقدهم إذا كانوا غير شيعة، وهو ما وقع بالفعل؛ لأنّهم قالوا بهذه الأُمور التي نُقد بها الشيعة، وسأُوقفك على قولهم فيما يلي:

1 - فالأمر الأوّل

الذي نُقِد به الشيعة: القول بالعصمة، ولا أحتاج أن أُكرِّر ما سبق أن ذكرتُه، ودللت عليه مِن قول كثير مِن السُنّة بالعصمة، إن لم يكن كلُّهم، ومع ذلك لم يتعرَّض له يحيى فرغل بالنقد. على أنّ يحيى فَرغل أهون مِن غيره في هذا الباب؛ ذلك أنّ غيره كان أكثر منه عُنفاً وتهجُّماً.

خُذ مثلاً: الدكتور نبيه حجاب أُستاذ الأدب - لو كان هناك أدب - في دار العُلوم بالقاهرة، إنّ هذا الرجل يَشتم الشيعة شتماً عجيباً، ويعتبر عقيدتهم بالعصمة مَظهراً مِن مَظاهر الشُعوبيّة فاقرأ ما يقول:

إنّ هذه العقيدة تسرّبت للشيعة عن الفُرس، الذين نشأوا على تقديس الحاكم؛ لهذا أطلق عليها العَرَب: النزعة الكُسرويّة - ولا أعرف أحداً مِن العَرَب قال ذلك في حدود اطلاعي - ولعلّ غالبيّة الشيعة كانت ترمي مِن وراء هذه الفكرة إلى تنزيه عليٍّ (ع) عن الخطأ؛ حتّى يتّضح للملأ عُدوان بني أُميّة في اغتصاب الخلافة، هذا وفي اليهوديّة كثير مِن المذاهب التي تسرّبت إلى الشيعة (1) .

أَسَمِعت هذه الأنشودة التي يتناقلها الخَلَف عن السَلف بصورة بَلهاء، وقد فَنّدنا لك هذا الزعم فيما مضى مِن مبحث فارسيّة التَشَيُّع.

لكنّ الذي أُريد السؤال عنه: ما هو الخطأ في سُلوك الإِمام عليٍّ (ع) في نَظَر نبيه حجاب، هل هو الحُروب التي قام بها مِن أجل المبادئ؟ مِمّا أدّى إلى عدم الاستقرار في الوقت الذي لم يستقر فيه وضع الأُموييّن إلاّ على الجماجم، وعلى كلّ حال لا يضرّ عليّاً أن يُخطّئه نبيه حجاب، بعد أن قال فيه الرسول: (عليّ مع الحقِّ، والحقُّ مع علي) ومِن الطبيعي جدّاً أن يكون عليٌّ في جانبٍ مع مَن هو مِن معدنه، ونبيه حجاب ومَن هُم مِن معدنه في الجانب المُقابل.

____________________

(1) مظاهر الشعوبّة في الأدب العربي: ص492.

١٦٤

2 - الأمرُ الثاني:

الذي استنكره فرغل: هو كونُ النبيّ (ص) وأهل بيته مِن نور واحد.

ولا أدري ما هو وجه الاستغراب، بعد أن أثبت الشيعة ذلك مِن مصادره الصحيحة؟ هل لأنّ ذلك لم يُصادف هوىً في نفوس مَن لا يوالون أهل البيت أم ماذا؟

ثمّ لماذا إذا وُجِد مِثل هذا عند السُنّة لا يكون داعياً للاستغراب؟! هذا الذهبي يروي في ميزان الاعتدال حديثاً عن طريق أبي هُريرة عن النبيّ (ص) أنّه قال: (خلقني الله مِن نورٍ، وخلق أبا بَكر مِن نوري، وخلق عُمَر مِن نور أبي بكر وخلق عُثمان مِن نور عُمَر وعمر سراج أهل الجنّة) (1) .

ولا أدري لماذا جاء النور إلى حدِّ عُثمان، ولم يَصل إلى عليٍّ مع أنّه على الأقل خَليفة رابع؟!

لك الله يا ابن أبي طالب، وما أدري ماذا يقول الأستاذ فرغل؟ هل هذا غلوٌّ أم لا؟ أفتونا يرحمكم الله.

هذا مع أنّه مِن الطبيعي وحدة السِنخيّة بين الإِنسان وأهله، وآل محمّد عِدل الكتاب، وعيبة عِلم النبيّ، فلماذا يستكثر عليهم الأُستاذ فرغل ما لا يَستكثِره على غيرهم؟

3 - الأمرُ الثالث:

الذي استنكره الأستاذ فرغل هو: عِلم أهل البيت بالشريعة، والعلوم القرآنية، وعلوم السُنّة الشريفة، وأن يكونوا مُحدَّثين.

وهنا يُقال: إنّ عِلم أهل البيت إمّا أن يكون بالطُرق العاديّة كالتلقّي والمُدارسة، أو يكون مِن قبيل الإِلهام، وأنّهم مُحدَّثون، أمّا الطريق الأوّل فهو مُتحقِّق لأهل البيت؛ لأنّهم نشأوا في بيت محمّد (ص)، وتربّوا في حِجره، وأخذوا العلم مِن هذه البيئة، وهذا الأمر لا غبار عليه، أمّا العِلم بالطريقة الثانية، وهو الإِلهام والتحديث كما تذهب إليه الروايات، فالمسلمون كُلّهم يقرّون بذلك، وسأذكر جُملة مِن نُصوصهم في إمكان مِثل هذا العلم:

يقول الآلوسي في تفسيره روح المعاني عند تفسيره الآية 65 مِن سورة النحل: وهي قوله تعالى: ( قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ

____________________

(1) ميزان الاعتدال: 1/166.

١٦٥

اللَّهُ ) عَقَّب عليها فقال: لعلَّ الحقّ أن يٌقال، إنّ عِلم الغيب المنفيّ عن غيره جلّ وعلا، هو ما كان للشخص بذاته، أي بلا واسطة في ثُبوته له، وما وقع للخواص ليس مِن هذا العلم المنفي في شيءٍ، وإنّما هو مِن الواجب عزّ وجلّ إفاضه منه عليهم بوجه مِن الوجوه، فلا يُقال: إنّهم علموا بالغيب بذلك المعنى فإنّه كُفر، بل يقال، إنّهم أُظهِروا واطّلعوا على الغيب (1) .

وما قاله الآلوسي هو عين ما ورد عن أئمة أهل البيت، يقول الإِمام الرضا ثامن أئمة أهل البيت: ( يُبسَط لنا العِلم فنعلم، ويُقبَض عنّا فلا نَعلم ) ، وهذا المعنى هو عين مفاد الآية: 27 مِن سورة الجِن، وهي قوله تعالى: ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاّ مَنِ ارْتَضَى )

وفي شرح هذه الآية يقول الرضا (ع) لعمر بن هداب، وقد سأله عن عِلم الأئمّة قال: (إنّ رسول الله (ص) هو المُرتضى عند الله، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أَطلَعَه الله على غيبه، فَعَلِمنا ما كان، وما يكون إلى يوم القيامة) (2) .

وفي هذا المعنى يقول النيسابوري المُفسِّر: إنّ امتناع الكرامة عن الأولياء إمّا لأنّ الله ليس أهلاً لأن يُعطي المؤمن ما يُريد، وإمّا لأنّ المؤمن ليس أهلاً لذلك، وكلّ مِنهما بَعيد، فإنّ توفيق المؤمن لِمعرفته لَمِنْ أشرف المواهب منه تعالى لعبده، فإذا لم يبخل الفيّاض بالأشرف، فلأن لا يبخل بالأدون أولى.

وقد ألقى الإِمام الصادق (ع) الضوء على بعض العُلوم التي أخذوها مِن القرآن بالطُرق الطبيعيّة، وذلك عندما سأله بعض أصحابه، فقال الصادق: (إنّي أعلم ما في السموات والأرض، وأعلم ما في الجنّة والنار، وأعلم ما كان وما يكون) فلّما رأى أنّ السائل استغرب كلامه قال الإِمام: (إنّي علمت ذلك مِن كتاب الله عزّ وجل الذي يقول: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) ) النحل: 89.

وقد روى ذلك عنه وعن

____________________

(1) روح المعاني: 20/9.

(2) البحار للمجلسي: 12/22.

١٦٦

نَظريّة تلقّي أهل البيت للعلم المُقرّمُ في فصلٍ كبير (1) .

السُنّةُ وعِلمُ الغَيب

وبعد أن أشرتُ إلى أنّ الشيعة يرون أنّ الإِمام مُستعدٌّ لأن يُفيض عليه اللهُ عزَّ وجلّ مِن نوره وعلمه؛ لأنّه وُجِد القابل فلا بخل في ساحة الله تعالى، فعِلمُ الغيب للذات عند الشيعة مُختصٌّ بالله تعالى، أمّا عِلم أهل البيت فإمّا إفاضة مُباشرة مِن الله عن طريق الإِلهام أو التحديث، أو بتوسُّط النبيّ، على أنّه لا يُنكر أنّ هناك مَن يغلو في أهل البيت، ونَحن مِن هؤلاءِ بُراء، وسيمرُّ علينا ذلك، إلاّ أنّ الذي أُريد قوله: إنّ أهل السُنّة يُثبّتون علم الغيب لأئمّتهم على نحو ما يَفعل الشيعة، ويرون أنّهم مُحدّثون، ومِن ذلك ما رواه القُرطبي في تفسير للآية 52 مِن سورة الحج، وهي قوله تعالى:

( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ) إلى آخر الآية، فقال: جاء عن ابن عبّاس أنّه كان يقرأ الآية هكذا: وما أرسلنا قبلك مِن رسول، ولا نبيٍّ، ولا مُحدَّث إلخ.

ذكره مسلمة بن القاسم بن عبد الله، ورواه سفيان عن عُمَر بن دينار عن ابن عبّاس قال مُسلمة: فوجدنا المُحدّثين معتصمين بالنبوّة؛ لأنّهم تكلّموا بأُمور عالية مِن أنباء الغيب خطرات، ونطقوا بالحكمة الباطنة، فأصابوا فيما تكلَّموا، وعُصِموا فيما نطقوا كعمر بن الخطاب في قِصّة سارية، وما تَكلّم به مِن البراهين العالية (2) .

هذا هو نصّ ما أورده القُرطبي، وكذلك روى السيوطي قراءة الآية المذكورة، وتكلَّم عن المُحدَّثين في تفسيره الدُرُّ المَنثور فراجعه (3) .

وقد روى البُخاري في صحيحه، باب مَناقب عُمَر، عن أبي هُريرة قال، قال النبيّ (ص): (لقد كان فيما قَبلَكم مِن بني إسرائيل رجال يُكلَّمون مِن غير أن يكونوا

____________________

(1) مَقتل الحسين للمُقرّم، باب علم الإِمام: ص24 فصاعداً.

(2) انظر القُرطبي، تفسير سورة الحج مِن تفسيره.

(3) انظر الدُرُّ المَنثور: 4/366.

١٦٧

أنبياء، فإن يكن مِن أُمّتي فيهم أحد فعُمر).

كما أخرج مُسلِم في صحيحه في باب فضائل عُمَر عن عائشة عن النبيّ (ص): (قد كان في الإِسلام قبلكم مُحدَّثون، فإن يكن في أُمّتي مِنهم أحد فعمر بن الخطاب مِنهم) (1) .

ولم يقف الأمر عند الخلفاء، ولكنّه وصل إلى عُمران بن الحُصين، فعن مطرف قال، قال لي عمران بن الحصين: أُحدّثك حديثاً عسى الله أن ينفعك به، إنّ رسول الله (ص) جمع بين حِجّة وعمرة، ثمّ لم ينه عنه حتّى مات، ولم ينزل فيه قرآن يُحرّمه، وإنّي كنت أُحدَّث حتّى اكتُويت فتُرِكت، ثمّ تركت الكيَّ فعاد. وقد روى ذلك كلٌّ مِن: الدارمي، ومسلم في صحيحيهما (2) .

ولست أدري ما هي صِله الكي بهروب المُحدِّث، والعلم عند ابن الحُصين رحمه الله.

بل إنّ عُمَر بن عبد العزيز - الخليفة الأُموي - كان الخضرُ يمشي معه ويُحدّثه كما روى ذلك ابن حَجَر في التهذيب (3) .

وبعد كلّ هذا الذي أوردناه، فهل يُشكِّل هذا مُبرراً لأن يكون أهلُ البيت مِمَّن يُفاض عليهم العلم أم لا؟

أغلبُ الظنِّ أنّ الإِشكال سيبقى قائماً، وسيبقى الشيعة غُلاة أومُخرِّفين؛ لأنّهم يقولون: إنّ الأئمّة يعلمون الغيب بأمر الله.

الأمرُ الرابع:

الذي استنكره الأُستاذ فرغل: أن تأتي مَنزلة أئمة أهل البيت بعد مَنزلة النبيّ (ص) مُباشرة عند الشيعة، والمَقصود: الأئمّة الإثنى عشر فقط لا غيرهم، والحقيقة أنّ الشيعة ليسوا هُم الّذين وضعوا الأئمّة بهذا الموضع، بل السماء هي التي وضعتهم، والشيعة تعبّدوا بأمر السماء، يقول الله تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ

____________________

(1) صحيح البُخاري وصحيح مُسلِم، باب فضائل عُمَر.

(2) الغدير للأميني: 6/186.

(3) التهذيب لابن حجر: 7/477.

١٦٨

وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) المائدة:56.

فقد تظافرت الروايات على نُزولها في الإِمام عليٍّ (ع)، وأنّها أشركته في الولاية العامّة، وقد روى ذلك كلٌّ مِن: الفخر الرازي في تفسيره، وابن جَرير الطبري في تفسيره، والبيضاوي في تفسيره، وأبي حيان في تفسيره، والزمخشري في تفسيره، وابن كثير في تفسيره وغيرهم.

ثمّ مِن بعد القرآن الكريم أعطته السُنّة النبويّة هذه المكانة، فقال له النبيّ (ص): (أنت منّي بمنزلة هارون مِن موسى إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي)، والحديث مِن الأحاديث المتواترة، وقد أخرجه أهل الصِحاح، ومنهم: البُخاري ومسلم في صحيحيهما في باب فضائل عليّ مِن صحيح البُخاري، وكذلك مِن صحيح مُسلِم.

ويأتي أولاد عليٍّ (ع) مِن بعده، وقد وضعهم النبيّ (ص) في هذه المكانة، وليس أدلَّ على ذلك مِن أنّه جَعلهم عِدلُ الكِتاب فقال (ص): (إنّي مُخلّف فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً) إلى آخر الحديث (1) .

والآن لنرجع إلى الفكر السُنّي، فسنجده يضع أئمته في نفس الموضع بدون نكير، بل يرى أنّ النبيّ (ص) وهو المُسدّد بالوحي لا يستغني عن هؤلاءِ الأئمّة؛ لحاجته إليهم.

يقول الحاكم في المستدرك بسنده عن حذيفة بن اليمان، سمعت رسول الله (ص) يقول: (لقد هممت أن أَبعَثُ إلى الآفاق رجالاً يُعلِّمون الناس السُنن والفرائض كما بعث عيسى بن مريم الحواريين) قيل له: فأين أنت عن أبي بكر وعُمر؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلَّم: (إنّه لا غنى بي عنهما، إنّهما مِن الدين كالسمع والبصر) (2) .

بل أعطى السُنّة للصحابة منزلة تُساوي مَنزلة النبيّ مِن ناحية حُجيّة أقوالهم وأفعالهم، وكونهم مَصدراً للتشريع.

يقول موسى جار الله في الوشيعة: نحن فقهاء أهل السُنّة والجماعة، نَعتبر سيرة الشيخين الصِدّيق والفاروق أصلاً تُعادِل سُنن الشارع في إثبات الأحكام الشرعيّة في حياة الأُمّة وإدارة الدولة، وأنّ الخلافة الراشدة مَعصومة عِصمة الرسالة، وأنّها ناصفتها في

____________________

(1) البيان والتعريف لابن حمزة الحنفي: 2/136.

(2) مستدرك الحاكم: 3/745.

١٦٩

تثبيت أركان دين الإِسلام (1) .

فالخلفاء كما ينصُّ جار الله هُنا سيرتهم تُعادِل سُنّة النبيّ ونصَّ القرآن، والخلفاء مَعصومون كالنبي (ص)، وأنّهم شاطروا النبيّ، فلهم نصف تثبيت الإِسلام، وللنبي (ص) النصف الثاني.

ويقول الإِمام الغزالي: مذهب الصحابي حُجّة مطلقا ً (2) .

ويقول: ابن قيم الجوزي: إنّ فتاوى الصحابة أولى أن يُؤخذ بها، وإن اختلفوا، فإن كان الخلفاء الأربعة في شقٍّ فلا شكّ أنّه الصواب، وإن كان أكثرهم في شقٍّ فالصواب للشُقّ الأغلب، وإن كانوا اثنين واثنين، فشق أبي بكر وعُمر أقرب إلى الصواب، فإن اختلف أبو بكر وعمر فالصواب مع أبي بكر، وكلما كان العهد بالرسول أقرب كان الصواب أغلب (3) .

وما أدري ما يقصده ابن القيم مِن قُرب العهد، فإذا كان يُريد القُرب الزماني، فكلّ الخلفاء كانوا مع النبيّ (ص) في زمان واحد، وإن كان يُريد القُرب المكاني بالإِضافة لذلك فعليّ كان ألزم للنبي (ص) مِن ظلِّه، فعلى تعليل ابن القيم يجب تقديم قوله إذا تعارض مع أقوال غيره.

ودعني أُحدّثك عن أروع مِن هذا كُلّه، وهو أن يكون قول بعض أئمة السُنّة هو المقياس لتصحيح القرآن وأحاديث النبيّ (ص) إذا اختلف الكتاب والسُنّة مع قول ذلك الإِمام!

يقول الكَرخي مِن أئمّة الأحناف:

الأصل وجوب العمل بقول أبي حَنيفة، فإن وافقه نصُّ الكتاب والسُنّة فذالك، وإلا وجب تأويل الكتاب والسُنّة على وِفق قول أبي حنيفة، وقد ذكر ذلك الأُستاذ رشيد رضا في تفسير المنار عند تفسير الآية: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً ) البقرة: 165 (4) .

ويأتي القوشجي دون الكَرخي بمرقاة فإذا كان الكَرخي جعل فقه الأحناف هو المقياس الذي يَعرض عليه الكِتاب والسُنّة، فإن القوشجي جعل للخليفة عُمَر حقّاً في أن يجتهد مُقابل

____________________

(1) نظريّة الإِمامة: ص61.

(2) المُستصفى: 1/260.

(3) أعلام الموقعين: 4/118.

(4) تفسير المنار: 2/83.

١٧٠

الرسول، فاسمعه في مبحث الإِمامة مِن كِتابه شرح التجريد يقول، إنّ عُمَر قال وهو على المنبر: أيها الناس ثلاث كُنَّ على عَهد رسول الله (ص)، وأنا أنهى عنهنّ وأُحرمهنّ، وأُعاقب عليهنّ: مِتعَة النساء، ومِتعَة الحجّ، وحيَّ على خير العمل. ثمّ عَقّب القوشجي على ذلك بقوله: إنّ ذلك ليس مِمّا يوجب قَدحاً فيه، فإنّ مُخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهاديّة ليس ببدع (1) .

بعد ذلك نقول للأستاذ فَرغل إنّنا نَضع الإِمامة بعد النُبوّة، ونتعبّد بما أعطاه النبيّ (ص) للإِمام من صلاحيات، ولكنّنا لا نجعل الإِمام مقياساً يُعرَض عليه الكتاب والسُنّة، بل العكس، المقياس هو الكِتاب والسُنّة، ونرمي بما خالفهما عَرض الجدار، كما أنّنا لا نُجيز الاجتهاد مُقابل النصّ كما اعتبر القوشجي النبيّ (ص) على أنّه مُجتهد، وقد خالف بذلك إطلاق قوله تعالى: ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) النجم: 4 و3، ومع ذلك فإنّ تقييم الإِمام عندنا موضع استغراب، بينما يذهب غيرنا في أئمّتهم إلى ما ذكرناه عنهم، ومع ذلك لا تَسمع مَن ينقدهُم فلماذا هذا يا أستاذ فرغل؟

هل حاولت مرّة أنت أو أمثالك أن تسألوا أنفسكم عن صِحّة عقائدكم، أو تَنقدوها كما تنقدون غيركم؟ أم أنكم شعب الله المختار يجوز لكم ما لا يجوز لغيركم أم ماذا؟

5 - الأمرُ الخامس:

اعتبر الأُستاذ فَرغل روايات الشيعة بأنّها مَناخ صالح للّغلو، وأُريد أن أشرح للأستاذ فَرغل موقف الشيعة مِن الغُلوِّ والغُلاة، فالغلو عَرّفه الطبرسي في تفسيره عند شرح الآية 77 مِن سورة المائدة: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ ) بأنّه ما يُقابل التقصير، وهو تجاوز الحدّ، فقال: إنّ معنى الآية، لا تتجاوزوا الحدَّ الذي حدّه الله لكم إلى الازدياد، وضدّه التقصير، وهو الخُروج عن الحدِّ إلى النُقصان، والزيادة في الحدّ والنقصان عنه كلاهما فساد، ودين الله الذي أمَرَ به هو بين الغلوّ والتقصير، وهو الاقتصاد - أي الاعتدال - (2) .

____________________

(1) الغدير للأميني: 6/223.

(2) مجمع البيان: 2/230.

١٧١

أمّا مناشئ الغلوّ فأبرزها وأهمّها في نَظرنا أربعة مناشئ هي على التوالي:

المنشأ الأوّل:

أن يُغالي الإِنسان بشخص أو فِكرة؛ ليتّخذ مِن ذلك مُبرِّراً لاختياره الانتماء لهذه الفكرة أو الشخص، فكأنّه يُريد مُرجِّحاً أمام الناس ومبرِّراً نفسيّاً، ويتبلور هذا المعنى أكثر وأكثر في العقيدة بالأشخاص، فإنّ الأتباع يحاولون رفع مَن يعتقدون به إلى مُستويات غير عاديّة، وهذا المعنى موجود على الصعيد الديني والسياسي، فقد وصف هوبز الحاكم: بأنّه المُعبّر عن إرادة الله وإرادة الشعب، ومنحه السُلطة المُطلقة في التصرُّف، ولم يُعطِ الشَعب حقَّ عَزلِه، واعتبر إرادته مِن إرادة الله تعالى.

وقد ذهب فلاسفة الألمان نفس المَذهب فيما خلعوه على الحاكم مِن صفات، وأشدّهم في ذلك: هيكل أُستاذ ماركس، فالملك عند هيكل صاحب السلطة المُطلقة، وله مَركز مُستقل عن مصالح الأفراد، وتتمثّل في شخصيّته الذات النهائيّة، وهو مجموع الشعب مُشخَّص في واحد، وهو وهو إلخ.

وقد سَبَقَ هؤلاءِ جميعاً أفلاطون حين أعطى الحاكم منازل مُقدّسة، وكذلك الفارابي حيث صَوَّر رئيس المدينة بأنّه مُتّصل بالعقل الفَعّال حيث يقترب مِن الله تعالى (1) .

إنّ كلّ هذه المواقف تَبرير لاعتناق الفِكرة بنحوٍ وآخر يوجده تصور مُعيّن.

المنشأ الثاني للغُلو: ردُّ الفِعل

فإنّ البعض قد يُضطَهد مِن أجل مُعتقداته، وقد يُنتقص أو يُشتَم أو يُهزأ به؛ فيدفعه كلّ ذلك إلى المغالاة بدافع ردِّ الفعل، ولهذا رأينا القرآن الكريم في مثل هذه المواطن أخذ العوامل النَفسيّة بِعين الاعتبار إذ يقول تعالى: ( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) الأنعام: 108.

وهذه المسألة لها تطبيقاتها على أبعاد التاريخ في كثير مِن الموارد، ومِن هُنا ذهب دونالدسن: إلى أنّ القول بالعِصمة هو ردُّ فعلٍ مِن الخُلفاء الغاصبين، وهو

____________________

(1) نَظريّة الإِمامة: ص135 فصاعداً.

١٧٢

واهم بذلك (1) .

وقد كان لردَّة الفعل دور كبير في تاريخ المُسلِمينَ وعقائدهم يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عند مُعالجة كثير مِن المواقف، وتقييم النُصوص في مُختَلف الميادين.

المنشأ الثالث:

هو الغلو الذي يَنشأ مِن الطيبة والبراءة وحُسن الظنِّ بالآخرين، فيركن إلى مَرويّاتهم مِن دون تمحيص خصوصاً مِن الّذين اندسّوا في الإِسلام لسبب وآخر، وأردوا تغطية حَقيقتهم؛ فتحمّسوا تَحمُّساً مشبوهاً لأشخاص أو أفكار، وهذا المنشأ الحديثُ فيه طويل، فإنّ كثيراً مِن المُندسّين لعبوا دوراً بارزاً في تسجيل نظريّات ومواقف تنزع إلى الغُلوّ حتّى أفسدوا على كثير مِن المُسلِمينَ عقائدهم؛ لمختلف الأهداف التي كانت تَدفعهم، وقد كان لكلِّ مَذهب مِن المذاهب حِصّة مِن هؤلاءِ، تَكثُر أو تقُلّ تبعاً لظروف المذهب نفسه، وربما يَمرُّ علينا هذا المعنى مُفصّلاً فيما يأتي.

المنشأ الرابع: عَدَم الدِقّة

فقد يُبتَلى بعضهم بشُبهات نتيجة فَهم خاطئ، أو تعميم غير مُبرّر علميّاً. كأن يرى رأياً لشخص مِن طائفة فيُعمِّم رأيه على الطائفة كُلّها، وقد تذهب جماعة إلى رأي، ثمّ تبيد ويبقى الرأي، فيأتي مَن يَحمل الرأي للآخرين، وقد يكون استنتاجاً لرأي مِن لازم مِن لوازم القول لم يتفطّن له صاحب القول نفسه، وقد يكون نتيجة خطأ في تَطبق ضابط مِن الضوابط الكُليّة على بعض الجزئيّات وهكذا.

ولذا لا بدَّ مِن التَروّي والحَذَر الشديد عند الكِتابة عن فئة أو طائفة، ولا بُدَّ مِن أخذ رأيها مِن مصادرها المُتسالم عليها، فإذا كان بعض الشيعة في يومٍ مِن الأيّام غالى بالإِمام عليٍّ لقلعه باب خَيبر، فليس كلّ الشيعة كذلك، وإذا كان شَخص قال لعليٍّ وهو يَخطب أنت أنت، فليس كلّ الشيعة كذلك.

____________________

(1) عقيدة الشيعة لدونالدسن: ص228.

١٧٣

قيل: إنّ مَثَلَ ذلك كَمَثلِ إقامة الحُدود في الدنيا مع أنّ المُجرم لا يُترك في الآخرة.

هذه بعض الفوائد في موضوع الإِمام المهدي، وليست هي عِلّة تامّة، بل حِكمة ونحن نَتعبَّد بما ورد في النُصوص، وهناك فوائد أُخرى ذكرتها المطوَّلات، وغطّت أبعاد المسألة يمكن الرجوع إليها.

المَردودُ السَلبي في عَقيدة المهدي

المردود الأوّل:

إنّ أوّل المردودات السلبيّة: أنّ هذه الفكرة تشلُّ الإِنسان، وتمنعه عن القيام بواجباته، وتُخدِّر الإِنسان، وتتركه خائفاً ذليلاً، بانتظار ظهور الإِمام ليأخذ له بحقِّه، وقد صوّر بعضُهم شِدَّة لهفة الشيعة لانتظار ظُهور الإِمام بأنّ قسماً مِن الشيعة لا يُصلّون مَخافة أن يخرج الإِمام وهم مشغولون بالصلاة، فلا يستطيعون اللّحِاق به (1) !

وهذا التصوُّر مَردود جُملة وتفصيلاً، فلا أحتاج إلى إكثار القول فيه، بل أُلفِت النظر إلى كُتُب فقهِ الإماميّة، فإنّ الجهاد، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ووجوب الدِفاع عن النفس قائم بالفِعل، ولا يرتبط بالمهدي مِن قريب أو بعيد، ومَن ادّعى خلاف ذلك فليدلّنا على المصدر.

وأمّا الدعاوى الفارغة والقول البذيء، فمردود على القائل، وهو به أولى، ومَن قفا مؤمناً بما ليس فيه حسبه الله تعالى في ردغة الخَبال، كما يقول الحديث النبويّ الشريف (2) .

____________________

(1) منهاج السُنّة لابن تيميّة: 1/29.

(2) تفسير الفَخر الرازي عند قوله تعالى: ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ... ) .

١٧٤

المَردودُ الثاني:

إنّ الإيمان بفكرة المهدي يؤدّي إلى الازدراء بالعقل؛ لِما في ذلك مِن مُفارقات مثل: طول العُمر غير المُعتاد، وغيبته عن الأبصار، وعدم وجود فائدة في إمام كهذا وغير ذلك.

والجواب على ذلك بالاختصار: إنّ الشيعة لا يجعلون بقاءه هذه المُدّة أمراً طبيعيّاً، وإنّما هو مُعجزة؛ لأنّهم يقولون لِما ثبت بالأدلّة وجوده وغيبته، والوعد بظهوره، فلا بُدَّ والحالة هذه مِن الإِيمان بذلك بالإِضافة لِعدم خُلوِّ الزمان مِن إمامٍ مُفترض الطاعة، وبناءاً على أنّ وجوده مُعجزة يُنقَل حينئذ الكلام إلى المُعجزات كَكُل، فإمّا أن تُصدّق أو تُكذّب، وإذا كذّبناها كذّبنا الثابت في الإِسلام، أمّا أنّه لا يُرى فليس بمعلوم، بل يجوز أن يُرى ولا يُعرف، ويستفاد بآرائه؛ لأنّه يَشترك مع الناس بالآراء، ويلقي بالرأي الصحيح.

يبقى الكلام على عدم تعليل اختفائه، وما أكثر العقائد والأحكام التي لا نَجد لها عِلّة، ونقول بمضمونها مثل: رمي الجَمَرات في الحج، والهرولة، ومُعاقلة المرأةُ الرجل إلى ثلث الديّة، وأعداد ركعات الصلاة وهكذا. فإنّها كُلّها أحكام غير مُعَلَّلَة، بل مُعظم الأحكام هكذا، وكذلك كثير مِن العقائد.

المَردود الثالث:

الازدواجية التي تحصل مِن وجود إمام تَجب طاعته ولا يَحكُم، وآخر يَحكُم ولا تجب طاعته.

والجواب: إنّ فقهاء الإماميّة بالجملة في حال غيبة الإِمام يَقرّون حُكومة الحاكم العادل الذي يرعى مصالح المُسلِمينَ، ويحمي ثُغورهم، ويجاهد عدوّهم، ويُرتِّبون المشروعيّة على تصرفاته بالجملة.

أمّا بعد، فهذه إلمامة موجزة بفكرة الإِمام المهدي أردّت أن اُذكّر مَن يكتبون عنها، فيصوّرون الشيعة كأنّهم اقتبسوا أحكامهم مِن كسرى وقيصر مع وفرة ما أوردناه مِن أحاديث حول فِكرة المهدي، فهل يسع مُسلماً يؤمن بالله نُكرانها، أو رميها بعيداً عن الإِسلام؟ اللهم إلاّ أن يُقال: إنّ أحاديث المهدي دسّها الشيعة في كُتُب السُنّة كما قيل ذلك في موارد أُخر، فإنّ بعضهم إذا لزمته الحُجّة بحديث قال ذلك،

١٧٥

وعليه: يجب أن نرمي كلّ كُتُب التُراث بالبحر إذا كانت قابلة لهذا التصوّر، ولا يبقى بها ثقة إرضاءً لسواد عيون بعض مَن لا يروق له الإِذعان للحقّ، ويُطربه أن يتأصّل الخلاف بين المُسلِمينَ.

إنّنا مَدعوّون إلى حَمل شِعار القرآن: ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) الأنبياء: 92، وما أروع إيماءة القرآن بالأمر للأُمّة بعبادة الله عقيب ذكر وحدة الأُمّة. ففي الآية إشارة إلى أنّ كثيراً مِن الناس يعزّ عليهم وحدة الأُمة؛ لأنّ مصلحتهم الماديّة في فرقتها، ولأنّ أصناماً مِن العصبيّة في رؤوسهم يعبدونها، وقد أمرهم الله تعالى بنبذها وعبادته وحده؛ لأنّه وحّد الأُمّة، وصهرها بكلمة التوحيد.

التَقيّة وأحكامُها

ومّما أُلصِق بالشيعة، وأصبح لا يَتخلّف عنهم عندما يَخطرون في الذهن، وكأنّه عُضو مِنهم خاصّة دون باقي المُسلِمينَ: التَقيّة، والذي ساعد على ذلك أنّ التَشَيُّع انفرد على مَدى تاريخه بالتعرُّض إلى ضغط يَفوق الوصف؛ لأنّه يُشكّل جبهة المعارضة في وقت لا معنى للمعارضة إلاّ العداء، وليس كما تعطيه لفظة المُعارضة مِن مدلول في الوقت الحاضر، وكان اعتياديّاً أن يَتعرّضوا إلى مُطاردة وتَنكيل، وكان لا بُدَّ مِن المُحافظة على أنفسهم مِن الإِبادة التامّة؛ فلجئوا إلى التَقيّة باعتبارها وسيلة يقرُّها الدِّين للاحتماء بها عند الضرورة، ورووا لها سَندها مِن الكتاب والسُنّة، وكان مِن الأولى أن يُمدحوا على ذلك؛ لأنّهم استعملوا ما أمرَ به الشارع لحفظ النفس عند الخطر، ولئلاّ يُعرَّضوا إلى أحدِ أمرين: إمّا الإِبادة، أو الانهيار والارتماء في أحضان الظالمين كما فعل غيرهم مِمَّن آوى إلى فراش الحُكم والحُكّام، يَرتع في موائدهم، ويعيش في حِمايتهم، ويَتكلّف الأدلّة لتصبح آراؤهم منسجمة مع الشَرع، كما قال ابن خلكان في ترجمة أبي يوسف القاضي، قال: إنّ زبيدة زوجة الرشيد كَتَبت إلى أبي يوسف القاضي: ما ترى في كذا؟ وأُحبُّ الأشياء إليَّ أن يكون الحقُّ فيه كذا.

فأفتاها بما أحبَّت، فبعثت إليه بحُقّْ فضّة فيه حِقاق فضّة

١٧٦

مُطبّقات في كلّ واحد لون مِن الطيب، وفي جام دراهم وسطها جام فيه دنانير، وإلخ (1) .

وقد كان للشيعة مندوحة عن كلّ ما عانوه مِن الجور والظلم بشيءٍ مِن مُجاراة الحُكّام، ولكنّهم أبوا ذلك، وتصلّبوا مِن أجل مبادئهم، إلاّ في حالات شاذة.

على أنّ هناك ظاهرة أُلفِت النظر إليها: وهي أنّ الشيعة مُنذ تعرّضوا للضغط عاشت عندهم التَقيّة على مُستوى الفتاوى، ولم تَعشْ على المستوى العملي، بل كانوا عمليّاً مِن أكثر الناس تضحية، وبوسع كلّ باحث أن يرجع إلى مواقف الشيعة مع معاوية وغيره مِن الحُكّام الأُموييّن والحُكّام العباسيّين كحجر بن عَدي، وميثم التمّار، ورشيد الهجري، وكُميل بن زياد ومئات غيرهم، وكمواقف العلويّين على امتداد التاريخ وثوراتهم المُتتالية.

وبعد هذا، فإنّ القول بالتقيّة لم ينفرد به الشيعة، بل هُم في ذلك كسائر المُسلِمينَ، وذلك واضح مِن آراء المُسلِمينَ عند شرحهم للآيات الكريمة والأحاديث الواردة في هذا الخصوص. فمِن الآيات الكريمة التي وردت في هذا الموضوع قوله تعالى: ( لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ ) آل عمران: 28 وقوله تعالى: ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) النحل: 106.

أمّا الأحاديث، فمنها ما ذكره البُخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب المُداراة مع الناس عن النبيّ (ص): (إنّا لنُكشِّر في وجوه قوم وقلوبنا تلعنهم) (2) .

وكقوله: (رُفع عن أُمتي الخطأ، والنسيان، وما استُكرِهوا عليه) (3) .

ذكر ذلك ابن عربي عند تفسيره للآية 106 مِن سورة النحل.

وكقول النبيّ (ص)

____________________

(1) وَفَيَات الأعيان: 2/465.

(2) البُخاري: 4/43.

(3) أحكام القرآن لابن العربي: ص1166 تسلسل عام.

١٧٧

لمحمّد بن مسلمة ومَن مَعه َلمّا أرسلهم لقتل كعب بن الأشرف فقالوا: يا رسول الله، أتأذن لنا أن ننال منك؟ فأذن لهم (1) .

وقد انقسم المسلمون في مَفاد هذه النُصوص، ودلالتها على التَقيّة إلى أقسام:

قال بعضهم بجوازها بالقول دون الفعل، وعمّمها بَعضهم إلى الفعل، واختلفوا في وجوبها مُطلقاً، أو جوازها مُطلقاً، أو التفصيل فتجب في بعض الموارد وتجوز في أُخرى.

وسأذكر لك في الفصل القادم آراء بعض فُقهاء المُسلِمينَ؛ لأخذ صورة عن الموضوع، وذلك بعد مَدخل بسيط لصُلب الموضوع:

تَعريفُ التَقيّة:

عرّف المفسّرون التَقيّة بأنّها: إخفاء المُعتقد خوفاً مِن ضرر هالك، ومُعاشرة ظاهرة مع العدوّ المُخالف والقلب مُطمأنٌّ بالعداوة والبغضاء، وانتظار زوال المانع مِن شقِّ العصا (2) .

وعرّفها الشيخ المُفيد في كتابه أوائل المقالات بأنّها: كتمان الحقِّ، وستر الاعتقاد به، ومُكاتمة المخالفين، وترك مُظاهرتهم بما يُعقب ضرراً في الدنيا والدين (3) .

والمؤدّى واحد في كلٍّ مِن التعريفين.

وبعد تعريف التَقيّة أعود إلى آراء فقهاء المذاهب الإسلاميّة في أحكام التَقيّة المختلفة.

أقوال فرق المُسلِمينَ فيها

1 - المعتزلة:

أجاز المُعتزلة التَقيّة عند الخَطر المُهلك، وعند خوف تَلَف النفس، وفي ذلك يقول أبو الهذيل العلاّف: إنّ المُكرَه إذا لم يَعرف التعريض والتورية فيما أُكره عليه، فله أن يكذب ويكون وزر الكذب موضوعاً عنه (4) .

____________________

(1) المصدر السابق: 2/1257.

(2) دراساتٌ في الفِرَق والعقائد: ص45.

(3) أوائل المقالات: ص66.

(4) الانتصار للخيّاط: 8/128.

١٧٨

2 - الخوارج:

انقسم الخوارج حول التَقيّة إلى ثلاثة أقسام:

فالقسم الأوّل: وهُم الأزارقة، أتباع نافع بن الأزرق، منعوا التَقيّة، وندّدوا بمن يعمل بها بِشدّة، وكفّروا القاعدين عن الثورة بوجه الظُلم والظالمين، وفي ذلك يقول نافع بن الأزرق: التَقيّة لا تحلُّ، والقعود عن القتال كُفر واضح؛ لقوله تعالى: ( إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ... ) النساء: 77.

ولقوله تعالى: ( يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ) المائدة: 55.

والقسم الثاني: وهم النجدات، أتباع نجدة بن عويمر، فقد أجازوا التَقيّة في القول والعمل، ولو أدّى ذلك إلى قتل النفس التي حرّم الله.

والقسم الثالث: وهم الصفريّة، أتباع زياد بن الأصفر، فكانوا وسَطَاً بين هؤلاءِ وهؤلاء، فأجازوها في القول دون الفعل، كما نصَّ على ذلك عنهم الشهرستاني (1) ، وأدلتهم قابلة للمناقشة ولست بصدد ذلك.

3 - أهل السُنّة:

التَقيّة عند السُنّة بالإِجماع جائزة في القول دون العَمَل، ويذهب بعضهم إلى الوجوب، فيقول بوجوبها في بعض الحالات، ومنهم الغزالي حيث يقول في ذلك:

إنّ عصمة دم المُسلِم واجبة، فمهما كان القصد سفك دم مُسلِم فالكذب فيه واجب (2) .

وقد اقتصر بعضهم على الرُخصة بالتقيّة، إذا كان المُسلِم بين كفّار يخافهم على نفسه أو ماله، ومِن هؤلاءِ القائلين بالرُخصة: الرازي المُفسّر، والطبري كذلك في تفسيريهما عند قوله تعالى: ( إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ) (3) ، بينما ذهب قِسم آخر مِن العلماء إلى أنّ التَقيّة مُتعيّنة ليست بين الكُفّار فقط، بل حتّى إذا كان المُسلِم بين مسلمين شابهت حالهم الحال مع الكافرين، أي في حال عدم قدرة المُسلِم على

____________________

(1) المِلَل والنِحَل، هامش الفصل: 4/68.

(2) إحياء العلوم: 3/119.

(3) تفسير الطبري: 3/229، وتفسير الرازي عند تفسير الآية المذكورة.

١٧٩

إظهار عقيدته المذهبيّة بين مسلمين مِن فِرَق أُخرى، وممّن ذهب لهذا الرأي الإِمام الشافعي، وابن حزم الظاهري (1) .

وحُكم التَقيّة كباقي الأحكام باقٍ إلى يوم القيامة، خلافاً لمن قصَّره على أيّام ضعف الإِسلام، وفي ذلك يقول الفقهاء:

إنّها جائزة للمسلم إلى يوم القيامة، مُستندين إلى قول النبيّ (ص) لعمّار بن ياسر لمّا قال للنبي (ص): ما تركوني حتّى نِلت مِنك فقال له: (إن عادوا فعد لهم بما قُلت)، ذكر ذلك البيضاوي في تفسيره للآية 106 مِن سورة النَحل فراجعه.

4 - رأي الشيعة بالتَقيّة:

لا يختلف الشيعة عن السُنّة في القول بالتقيّة، فإنّها عِندهم وسيلةٌ أرشد إليها الشرع لحفظ النفوس الواجب حفظها، وحفظ باقي الأُمور التي أمَرَ الشارع بحفظها.

هذا كلّ هَدف التَقيّة عندهم لا غير، وليس كما يقول البعض إنّ الشيعة اتّخذوا مِن التَقيّة أداة للختل والمراوغة والازدواجيّة، ولأجل المؤسّسات السريّة الهدّامة (2) .

والتقية عند الشيعة تَختلف باختلاف المقام، فقد تكون واجبة، وقد تكون مُباحة، وقد تكون محرمة، ولذلك تجد عبارات فقهاء الشيعة قد ذكرت الحالات الثلاث.

يقول ابن بابويه القمّي: اعتقادنا في التَقيّة: أنّها واجبة، وأنّ مَن تَركها فكأنّما ترك فرضاً لازماً كالصلاة، ومَن تركها قبل ظُهور المهدي، فقد خرج عن دين الله ودين نبيّه والأئمة.

بينما يقول الشيخ المُفيد محمّد بن محمّد بن النُعمان:

التَقيّة جائزة عند الخوف على النفس، وقد تجوز في حال دونه عند الخوف على المال، ولضروب مِن الاستصلاح، وأقول إنّها قد تَجب أحياناً مِن غير وجوب، وأقول: إنّها جائزة في الأقوال كُلّها عند الضرورة، وليس يجوز من الأفعال في قَتل المؤمنين، ولا فيما يُعلم أو

____________________

(1) المُحلّى لابن حزم: 8/335، والمسألة: 1408.

(2) ضحّى الإِسلام: 3/246.

١٨٠