كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٦

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 297

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 297
المشاهدات: 29022
تحميل: 4043


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 297 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29022 / تحميل: 4043
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 16

مؤلف:
العربية

أما بعد فإن الجاهلية الجهلاء و الضلالة العمياء و الغي الموفد لأهله على النار ما فيه سفهاؤكم و يشتمل عليه حلماؤكم من الأمور العظام ينبت فيها الصغير و لا يتحاشى منها الكبير كأنكم لم تقرءوا كتاب الله و لم تستمعوا ما أعد من الثواب الكثير لأهل طاعته و العذاب الأليم لأهل معصيته في الزمن السرمد الذي لا يزول.أ تكونون كمن طرفت عينه الدنيا و سدت مسامعه الشهوات و اختار الفانية على الباقية لا تذكرون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذي لم تسبقوا به من ترككم الضعيف يقهر و يؤخذ ماله و الضعيفة المسلوبة في النهار المبصر هذا و العدد غير قليل.أ لم يكن منكم نهاه تمنع الغواة عن دلج الليل و غارة النهار قربتم القرابة و باعدتم الذين يعتذرون بغير العذر و يعطون على المختلس كل امرئ منكم يذب عن سيفه صنيع من لا يخاف عاقبة و لا يرجو معادا ما أنتم بالحلماء و قد اتبعتم السفهاء فلم يزل بهم ما ترون من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حرمة الإسلام ثم أطرقوا وراءكم كنوسا في مكانس الريب حرم علي الطعام و الشراب حتى أسويها بالأرض هدما و إحراقا إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله لين في غير ضعف و شدة في غير عنف و أنا أقسم بالله لآخذن الولي بالولي و الظاعن بالظاعن و المقبل بالمدبر و الصحيح منكم في نفسه بالسقيم حتى يلقى الرجل أخاه

٢٠١

فيقول انج سعد فقد هلك سعيد أو تستقيم لي قناتكم.إن كذبة المنبر تلفى مشهورة فإذا تعلقتم علي بكذبة فقد حلت لكم معصيتي من نقب عليه منكم فأنا ضامن لما ذهب منه فإياكم و دلج الليل فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه و قد أجلتكم بقدر ما يأتي الخبر الكوفة و يرجع إليكم.إياكم و دعوى الجاهلية فإني لا أجد أحدا دعا بها إلا قطعت لسانه و قد أحدثتم أحداثا و قد أحدثنا لكل ذنب عقوبة فمن غرق بيوت قوم غرقناه و من حرق على قوم حرقناه و من نقب على أحد بيتا نقبنا على قلبه و من نبش قبرا دفناه فيه حيا.كفوا عني أيديكم و ألسنتكم أكف عنكم يدي و لساني و لا يظهرن من أحدكم خلاف ما عليه عامتكم فأضرب عنقه و قد كانت بيني و بين أقوام إحن فقد جعلت ذلك وراء أذني و تحت قدمي فمن كان منكم محسنا فليزدد إحسانا و من كان مسيئا فلينزع عن إساءته إني لو علمت أن أحدكم قد قتله السلال من بغضي لم أكشف عنه قناعا و لم أهتك له سترا حتى يبدي لي صفحته فإذا فعل لم أناظره فاستأنفوا أموركم و أعينوا على أنفسكم فرب مبتئس بقدومنا سيسر و مسرور بقدومنا سيبأس أيها الناس إنا أصبحنا لكم ساسة و عنكم ذادة نسوسكم بسلطان الله الذي أعطاناه و نذود عنكم بفي‏ء الله الذي خولناه فلنا عليكم السمع و الطاعة فيما أحببنا و لكم علينا العدل و الإنصاف فيما ولينا فاستوجبوا عدلنا و فيئنا بمناصحتكم لنا و اعلموا أني مهما قصرت عنه فلن أقصر عن ثلاث لست محتجبا عن طالب حاجة منكم

٢٠٢

و لا حابسا عطاء و لا مجمرا بعثا فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم فإنهم ساستكم المؤدبون و كهفكم الذي إليه تأوون و متى يصلحوا تصلحوا فلا تشربوا قلوبكم بغضهم فيشتد لذلك غيظكم و يطول لذلك حزنكم و لا تدركوا حاجتكم مع أنه لو استجيب لأحد منكم لكان شرا لكم أسأل الله أن يعين كلا على كل و إذا رأيتموني أنفذ فيكم الأمر فانفذوه على أذلاله و ايم الله إن لي فيكم لصرعى كثيرة فليحذر كل امرئ منكم أن يكون من صرعاي.فقام عبد الله بن الأهتم فقال أشهد أيها الأمير لقد أوتيت الحكمة و فصل الخطاب.فقال كذبت ذاك نبي الله داود.فقام الأحنف فقال إنما الثناء بعد البلاء و الحمد بعد العطاء و إنا لا نثني حتى نبتلى و لا نحمد حتى نعطى فقال زياد صدقت فقام أبو بلال مرداس بن أدية يهمس و يقول أنبأنا الله بغير ما قلت فقال( وَ إِبْراهِيمَ اَلَّذِي وَفَّى أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏ ) فسمعها زياد فقال يا أبا بلال إنا لا نبلغ ما نريد بأصحابك حتى نخوض إليهم الباطل خوضا.و روى الشعبي قال قدم زياد الكوفة لما جمعت له مع البصرة فدنوت من المنبر لأسمع كلامه فلم أر أحدا يتكلم فيحسن إلا تمنيت أن يسكت مخافة أن يسي‏ء إلا زيادا فإنه كان لا يزداد إكثارا إلا ازداد إحسانا فكنت أتمنى ألا يسكت.

٢٠٣

و روى الشعبي أيضا قال لما خطب زياد خطبته البتراء بالبصرة و نزل سمع تلك الليلة أصوات الناس يتحارسون فقال ما هذا قالوا إن البلد مفتونة و إن المرأة من أهل المصر لتأخذها الفتيان الفساق فيقال لها نادي ثلاث أصوات فإن أجابك أحد و إلا فلا لوم علينا فيما نصنع فغضب فقال ففيم أنا و فيم قدمت فلما أصبح أمر فنودي في الناس فاجتمعوا فقال أيها الناس إني قد نبئت بما أنتم فيه و سمعت ذروا منه و قد أنذرتكم و أجلتكم شهرا مسير الرجل إلى الشام و مسيره إلى خراسان و مسيره إلى الحجاز فمن وجدناه بعد شهر خارجا من منزله بعد العشاء الآخرة فدمه هدر فانصرف الناس يقولون هذا القول كقول من تقدمه من الأمراء فلما كمل الشهر دعا صاحب شرطته عبد الله بن حصين اليريوعي و كانت رجال الشرطة معه أربعة آلاف فقال له هيئ خيلك و رجلك فإذا صليت العشاء الآخرة و قرأ القارئ مقدار سبع من القرآن و رفع الطن القصب من القصر فسر و لا تلقين أحدا عبيد الله بن زياد فمن دونه إلا جئتني برأسه و إن راجعتني في أحد ضربت عنقك.قال فصبح على باب القصر تلك الليلة سبعمائة رأس ثم خرج الليلة الثانية فجاء بخمسين رأسا ثم خرج الليلة الثالثة فجاء برأس واحد ثم لم يجي‏ء بعدها بشي‏ء و كان الناس إذا صلوا العشاء الآخرة أحضروا إلى منازلهم شدا حثيثا و قد يترك بعضهم نعاله.كتبت عائشة إلى زياد كتابا فلم تدر ما تكتب عنوانه إن كتبت زياد بن عبيد أو ابن أبيه أغضبته و إن كتبت زياد بن أبي سفيان أثمت فكتبت من أم المؤمنين إلى ابنها زياد فلما قرأه ضحك و قال لقد لقيت أم المؤمنين من هذا العنوان نصبا

٢٠٤

45 وَ مِنْ كِتاب لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ اِلى عُثْمانَ بْنِ حُنَيْف الاَنْصارِىِّ وَ هُوَ عامِلُهُ عَلَى الْبَصْرَةِ،وَ قَدْ بَلَغَهُ اَنَّهُ دُعِىَ اِلى وَليمَةِ قَوْم مِنْ اَهْلِها فَمَضى اِلَيْها قوله:

اَمّا بَعْدُ، يا بْنَ حُنَيْف، فَقَدْ بَلَغَنى اَنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْيَةِ اَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعاكَ اِلى مَأْدُبَة فَاَسْرَعْتَ اِلَيْها، تُسْتَطابُ لَكَ الاَْلْوانُ، وَ تُنْقَلُ اِلَيْكَ الْجِفانُ وَ ما ظَنَنْتُ اَنَّكَ تُجيبُ اِلى طَعامِ قَوْم عائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ، وَ غَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ. فَانْظُرْ اِلى ما تَقْضَمُهُ مِنْ هذَا الْمَقْضَمِ، فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ، وَ ما اَيْقَنْتَ بِطيبِ وَجْهِهِ فَـنَــلْ مِـنْــهُ.اَلا وَ اِنَّ لِكُلِّ مَأْمُوم اِماماً يَقْتَدى بِهِ، وَ يَسْتَضىءُ بِنُورِ عِلْمِهِ.اَلا وَ اِنَّ اِمامَكُمْ قَدِ اكْتَفى مِنْ دُنياهُ بِطِمْرَيْهِ، وَ مِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ.اَلا وَ اِنَّكُمْ لاتَقْدِرُونَ عَلى ذلِكَ، وَلكِنْ اَعينُونى بِوَرَع وَ اجْتِهاد،وَ عِفَّة وَ سَداد. فَوَ اللّهِ ما كَنَزْتُ مِنْ دُنْياكُمْ تِبْراً، وَ لاَ ادَّخَرْتُ مِنْ غَنائِمِها وَفْراً، وَ لا اَعْدَدْتُ لِبالى ثَوْبى طِمْراً،وَلَا حُزتُ مِن أَرْضِهَا شِبْرًا ،وَلَا أَخَذْتُ مِنْهُ إِلَّاكَقُوتِ أَتَانٍ دَبِرَةٍ،وَلَهِىَ فِى عَيْنِى أَوْهَى مِنْ عَفْصَةٍ مَقِرَةٍ.

عثمان بن حنيف و نسبه

هو عثمان بن حنيف بضم الحاء بن واهب بن العكم بن ثعلبة بن الحارث الأنصاري

٢٠٥

ثم الأوسي أخو سهل بن حنيف يكنى أبا عمرو و قيل أبا عبد الله عمل لعمر ثم لعلي ع و ولاه عمر مساحة الأرض و جبايتها بالعراق و ضرب الخراج و الجزية على أهلها و ولاه علي ع على البصرة فأخرجه طلحة و الزبير منها حين قدماها و سكن عثمان الكوفة بعد وفاة علي ع و مات بها في زمن معاوية.قوله من فتية البصرة أي من فتيانها أي من شبابها أو من أسخيائها يقال للسخي هذا فتى و الجمع فتية و فتيان و فتو و يروى أن رجلا من قطان البصرة أي سكانها.و المأدبة بضم الدال الطعام يدعى إليه القوم و قد جاءت بفتح الدال أيضا و يقال أدب فلان القوم يأدبهم بالكسر أي دعاهم إلى طعامه و الآدب الداعي إليه قال طرفة:

نحن في المشتاة ندعو الجفلى

لا ترى الآدب فينا ينتقر

و يقال أيضا آدبهم إلى طعامه يؤدبهم إيدابا و يروى و كثرت عليك الجفان فكرعت و أكلت أكل ذئب نهم أو ضبع قرم.و روي و ما حسبتك تأكل طعام قوم.ثم ذم أهل البصرة فقال عائلهم مجفو و غنيهم مدعو و العائل الفقير و هذا كقول الشاعر:

فإن تملق فأنت لنا عدو

فإن تثر فأنت لنا صديق

٢٠٦

ثم أمره بأن يترك ما فيه شبهة إلى ما لا شبهة فيه و سمي ذلك قضما و مقضما و إن كان مما لا يقضم لاحتقاره له و ازدرائه إياه و أنه عنده ليس مما يستحق أن يسمى بأسماء المرغوب فيه المتنافس عليه و ذلك لأن القضم يطلق على معنيين أحدهما على أكل الشي‏ء اليابس و الثاني على ما يؤكل ببعض الفم و كلاهما يدلان على أن ذلك المقضم المرغوب عنه لا فيه.ثم ذكر ع حال نفسه فقال إن إمامكم قد قنع من الدنيا بطمريه و الطمر الثوب الخلق البالي و إنما جعلهما اثنين لأنهما إزار و رداء لا بد منهما أي للجسد و الرأس.قال و من طعمه بقرصيه أي قرصان يفطر عليهما لا ثالث لهما و روي قد اكتفى من الدنيا بطمريه و سد فورة جوعه بقرصيه لا يطعم الفلذة في حوليه إلا في يوم أضحية.ثم قال إنكم لن تقدروا على ما أقدر عليه و لكني أسألكم أن تعينوني بالورع و الاجتهاد.ثم أقسم أنه ما كنز ذهبا و لا ادخر مالا و لا أعد ثوبا باليا سملا لبالي ثوبيه فضلا عن أن يعد ثوبا قشيبا كما يفعله الناس في إعداد ثوب جديد ليلبسوه عوض الأسمال التي ينزعونها و لا حاز من أرضها شبرا و الضمير في أرضها يرجع إلى دنياكم و لا أخذ منها إلا كقوت أتان دبرة و هي التي عقر ظهرها فقل أكلها.ثم قال و لهي في عيني أهون من عفصة مقرة أي مرة مقر الشي‏ء بالكسر أي صار مرا و أمقره بالهمز أيضا قال لبيد:

ممقر مر على أعدائه

و على الأدنين حلو كالعسل

٢٠٧

بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ اَلسَّمَاءُ فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِينَ وَ نِعْمَ اَلْحَكَمُ اَللَّهُ وَ مَا أَصْنَعُ بِفَدَكٍ وَ غَيْرِ فَدَكٍ وَ اَلنَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَثٌ تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا وَ تَغِيبُ أَخْبَارُهَا وَ حُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا وَ أَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا لَأَضْغَطَهَا اَلْحَجَرُ وَ اَلْمَدَرُ وَ سَدَّ فُرَجَهَا اَلتُّرَابُ اَلْمُتَرَاكِمُ وَ إِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ اَلْخَوْفِ اَلْأَكْبَرِ وَ تَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ اَلْمَزْلَقِ الجدث القبر و أضغطها الحجر جعلها ضاغطة و الهمزة للتعدية و يروى و ضغطها.و قوله مظانها في غد جدث المظان جمع مظنة و هو موضع الشي‏ء و مألفه الذي يكون فيه قال:

فإن يك عامر قد قال جهلا

فإن مظنة الجهل الشباب

يقول لا مال لي و لا اقتنيت فيما مضى مالا و إنما كانت في أيدينا فدك فشحت عليها نفوس قوم أي بخلت و سخت عنها نفوس آخرين سامحت و أغضت و ليس يعني هاهنا بالسخاء إلا هذا لا السخاء الحقيقي لأنه ع و أهله لم يسمحوا بفدك إلا غصبا و قسرا و قد قال هذه الألفاظ في موضع آخر فيما تقدم و هو يعني الخلافة بعد وفاة رسول الله ص.

٢٠٨

ثم قال و نعم الحكم الله الحكم الحاكم و هذا الكلام كلام شاك متظلم ثم ذكر مال الإنسان و أنه لا ينبغي أن يكترث بالقينات و الأموال فإنه يصير عن قريب إلى دار البلى و منازل الموتى.ثم ذكر أن الحفرة ضيقة و أنه لو وسعها الحافر لألجأها الحجر المتداعي و المدر المتهافت إلى أن تضغط الميت و تزحمه و هذا كلام محمول على ظاهره لأنه خطاب للعامة و إلا فأي فرق بين سعة الحفرة و ضيقها على الميت اللهم إلا أن يقول قائل إن الميت يحس في قبره فإذا قيل ذلك فالجاعل له حساسا بعد عدم الحس هو الذي يوسع الحفرة و إن كان الحافر قد جعلها ضيقة فإذن هذا الكلام جيد لخطاب العرب خاصة و من يحمل الأمور على ظواهرها.ثم قال و إنما هي نفسي أروضها بالتقوى يقول تقللي و اقتصاري من المطعم و الملبس على الجشب و الخشن رياضة لنفسي لأن ذلك إنما أعمله خوفا من الله أن أنغمس في الدنيا فالرياضة بذلك هي رياضة في الحقيقة بالتقوى لا بنفس التقلل و التقشف لتأتي نفسي آمنة يوم الفزع الأكبر و تثبت في مداحض الزلق.

ذكر ما ورد من السير و الأخبار في أمر فدك

و اعلم أنا نتكلم في شرح هذه الكلمات بثلاثة فصول الفصل الأول فيما ورد في الحديث و السير من أمر فدك و الفصل الثاني في هل النبي ص يورث أم لا و الفصل الثالث في أن فدك هل صح كونها نحلة من رسول الله ص لفاطمة أم لا.

٢٠٩

الفصل الأول فيما ورد من الأخبار و السير المنقولة من أفواه أهل الحديث و كتبهم لا من كتب الشيعة و رجالهم

لأنا مشترطون على أنفسنا ألا نحفل بذلك جميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في السقيفة و فدك و ما وقع من الاختلاف و الاضطراب عقب وفاة النبي ص و أبو بكر الجوهري هذا عالم محدث كثير الأدب ثقة ورع أثنى عليه المحدثون و رووا عنه مصنفاته.قال أبو بكر حدثني أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا حيان بن بشر قال حدثنا يحيى بن آدم قال أخبرنا ابن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن الزهري قال بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا فسألوا رسول الله ص أن يحقن دماءهم و يسيرهم ففعل فسمع ذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك و كانت للنبي ص خاصة لأنه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.قال أبو بكر و روى محمد بن إسحاق أيضا أن رسول الله ص لما فرغ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك فبعثوا إلى رسول الله ص فصالحوه على النصف من فدك فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق أو بعد ما أقام بالمدينة فقبل ذلك منهم و كانت فدك لرسول الله ص خالصة له لأنه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.قال و قد روى أنه صالحهم عليها كلها الله أعلم أي الأمرين كان.قال و كان مالك بن أنس يحدث عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أنه صالحهم على النصف فلم يزل الأمر كذلك حتى أخرجهم عمر بن الخطاب و أجلاهم بعد أن عوضهم عن النصف الذي كان لهم عوضا من إبل و غيرها.

٢١٠

و قال غير مالك بن أنس لما أجلاهم عمر بعث إليهم من يقوم الأموال بعث أبا الهيثم بن التيهان و فروة بن عمرو و حباب بن صخر و زيد بن ثابت فقوموا أرض فدك و نخلها فأخذها عمر و دفع إليهم قيمة النصف الذي لهم و كان مبلغ ذلك خمسين ألف درهم أعطاهم إياها من مال أتاه من العراق و أجلاهم إلى الشام.

قال أبو بكر فحدثني محمد بن زكريا قال حدثني جعفر بن محمد بن عمارة الكندي قال حدثني أبي عن الحسين بن صالح بن حي قال حدثني رجلان من بني هاشم عن زينب بنت علي بن أبي طالب ع قال و قال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه قال أبو بكر و حدثني عثمان بن عمران العجيفي عن نائل بن نجيح بن عمير بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي ع قال أبو بكر و حدثني أحمد بن محمد بن يزيد عن عبد الله بن محمد بن سليمان عن أبيه عن عبد الله بن حسن بن الحسن قالوا جميعا لما بلغ فاطمة ع إجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها تطأ في ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله ص حتى دخلت على أبي بكر و قد حشد الناس من المهاجرين و الأنصار فضرب بينها و بينهم ريطة بيضاء و قال بعضهم قبطية و قالوا قبطية بالكسر و الضم ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم ثم قالت أبتدئ بحمد من هو أولى بالحمد و الطول و المجد الحمد لله على ما أنعم و له الشكر بما ألهم و ذكر خطبة طويلة جيدة قالت في آخرها فاتقوا الله حق تقاته و أطيعوه فيما أمركم به فإنما يخشى الله من عباده العلماء و احمدوا الله الذي لعظمته و نوره يبتغي من في السموات و الأرض إليه الوسيلة و نحن وسيلته في خلقه و نحن خاصته و محل قدسه و نحن حجته في غيبه و نحن ورثة

٢١١

أنبيائه ثم قالت أنا فاطمة ابنة محمد أقول عودا على بدء و ما أقول ذلك سرفا و لا شططا فاسمعوا بأسماع واعية و قلوب راعية ثم قالت( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ) فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم و أخا ابن عمي دون رجالكم ثم ذكرت كلاما طويلا سنذكره فيما بعد في الفصل الثاني تقول في آخره ثم أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي( أَ فَحُكْمَ اَلْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اَللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) إيها معاشر المسلمين ابتز إرث أبي أبى الله أن ترث يا ابن أبي قحافة أباك و لا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله و الزعيم محمد و الموعد القيامة و عند الساعة يخسر المبطلون و لكل نبأ مستقر و سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و يحل عليه عذاب مقيم ثم التفتت إلى قبر أبيها فتمثلت بقول هند بنت أثاثة:

قد كان بعدك أنباء و هينمة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

أبدت رجال لنا نجوى صدورهم

لما قضيت و حالت دونك الكتب

تجهمتنا رجال و استخف بنا

إذا غبت عنا فنحن اليوم نغتصب

قال و لم ير الناس أكثر باك و لا باكية منهم يومئذ ثم عدلت إلى مسجد الأنصار فقالت يا معشر البقية و أعضاد الملة و حضنة الإسلام ما هذه الفترة عن نصرتي و الونية عن معونتي و الغمزة في حقي و السنة عن ظلامتي أ ما كان رسول الله ص يقول المرء يحفظ في ولده سرعان ما أحدثتم و عجلان ما أتيتم أ لأن مات رسول الله ص أمتم دينه ها إن موته لعمري خطب جليل استوسع وهنه

٢١٢

و استبهم فتقه و فقد راتقه و أظلمت الأرض له و خشعت الجبال و أكدت الآمال أضيع بعده الحريم و هتكت الحرمة و أذيلت المصونة و تلك نازلة أعلن بها كتاب الله قبل موته و أنبأكم بها قبل وفاته فقال( وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‏ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اَللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اَللَّهُ اَلشَّاكِرِينَ ) إيها بني قيلة اهتضم تراث أبي و أنتم بمرأى و مسمع تبلغكم الدعوة و يشملكم الصوت و فيكم العدة و العدد و لكم الدار و الجنن و أنتم نخبة الله التي انتخب و خيرته التي اختار باديتم العرب و بادهتم الأمور و كافحتم البهم حتى دارت بكم رحى الإسلام و در حلبه و خبت نيران الحرب و سكنت فورة الشرك و هدأت دعوة الهرج و استوثق نظام الدين أ فتأخرتم بعد الإقدام و نكصتم بعد الشدة و جبنتم بعد الشجاعة عن قوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ألا و قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض و ركنتم إلى الدعة فجحدتم الذي وعيتم و سغتم الذي سوغتم و إن تكفروا أنتم و من في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ألا و قد قلت لكم ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم و خور القناة و ضعف اليقين فدونكموها فاحتووها مدبرة الظهر ناقبة الخف باقية العار موسومة الشعار موصولة بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة فبعين الله ما تعملون( وَ سَيَعْلَمُ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) قال و حدثني محمد بن زكريا قال حدثنا محمد بن الضحاك قال حدثنا هشام بن محمد عن عوانة بن الحكم قال لما كلمت فاطمة ع أبا بكر بما كلمته به حمد أبو بكر الله و أثنى عليه و صلى على رسوله ثم قال يا خيرة النساء و ابنة خير الآباء و الله ما عدوت رأي رسول الله ص و ما عملت إلا بأمره و إن الرائد

٢١٣

لا يكذب أهله و قد قلت فأبلغت و أغلظت فأهجرت فغفر الله لنا و لك أما بعد فقد دفعت آلة رسول الله و دابته و حذاءه إلى علي ع و أما ما سوى ذلك فإني سمعت رسول الله ص يقول إنا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا و لا فضة و لا أرضا و لا عقارا و لا دارا و لكنا نورث الإيمان و الحكمة و العلم و السنة فقد عملت بما أمرني و نصحت له و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب.قال أبو بكر و روى هشام بن محمد عن أبيه قال قالت فاطمة لأبي بكر إن أم أيمن تشهد لي أن رسول الله ص أعطاني فدك فقال لها يا ابنة رسول الله و الله ما خلق الله خلقا أحب إلي من رسول الله ص أبيك و لوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك و الله لأن تفتقر عائشة أحب إلي من أن تفتقري أ تراني أعطي الأحمر و الأبيض حقه و أظلمك حقك و أنت بنت رسول الله ص إن هذا المال لم يكن للنبي ص و إنما كان مالا من أموال المسلمين يحمل النبي به الرجال و ينفقه في سبيل الله فلما توفي رسول الله ص وليته كما كان يليه قالت و الله لا كلمتك أبدا قال و الله لا هجرتك أبدا قالت و الله لأدعون الله عليك قال و الله لأدعون الله لك فلما حضرتها الوفاة أوصت ألا يصلي عليها فدفنت ليلا و صلى عليها عباس بن عبد المطلب و كان بين وفاتها و وفاة أبيها اثنتان و سبعون ليلة.

قال أبو بكر و حدثني محمد بن زكريا قال حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة بالإسناد الأول قال فلما سمع أبو بكر خطبتها شق عليه مقالتها فصعد المنبر و قال أيها الناس ما هذه الرعة إلى كل قالة أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله ص

٢١٤

ألا من سمع فليقل و من شهد فليتكلم إنما هو ثعالة شهيده ذنبه مرب لكل فتنة هو الذي يقول كروها جذعة بعد ما هرمت يستعينون بالضعفة و يستنصرون بالنساء كأم طحال أحب أهلها إليها البغي ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت و لو قلت لبحت إني ساكت ما تركت ثم التفت إلى الأنصار فقال قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم و أحق من لزم عهد رسول الله ص أنتم فقد جاءكم فآويتم و نصرتم ألا إني لست باسطا يدا و لا لسانا على من لم يستحق ذلك منا.ثم نزل فانصرفت فاطمة ع إلى منزلها.قلت قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري و قلت له بمن يعرض فقال بل يصرح قلت لو صرح لم أسألك فضحك و قال بعلي بن أبي طالب ع قلت هذا الكلام كله لعلي يقوله قال نعم إنه الملك يا بني قلت فما مقالة الأنصار قال هتفوا بذكر علي فخاف من اضطراب الأمر عليهم فنهاهم فسألته عن غريبه فقال أما الرعة بالتخفيف أي الاستماع و الإصغاء و القالة القول و ثعالة اسم الثعلب علم غير مصروف و مثل ذؤالة للذئب و شهيده ذنبه أي لا شاهد له على ما يدعي إلا بعضه و جزء منه و أصله مثل قالوا إن الثعلب أراد أن يغرى الأسد بالذئب فقال إنه قد أكل الشاة التي كنت قد أعددتها لنفسك و كنت حاضرا قال فمن يشهد لك بذلك فرفع ذنبه و عليه دم و كان الأسد قد افتقد الشاة فقبل شهادته و قتل الذئب و مرب ملازم أرب بالمكان و كروها جذعة أعيدوها إلى الحال الأولى يعني الفتنة و الهرج و أم طحال امرأة بغي في الجاهلية و يضرب بها المثل فيقال أزنى من أم طحال.

٢١٥

قال أبو بكر و حدثني محمد بن زكريا قال حدثني ابن عائشة قال حدثني أبي عن عمه قال لما كلمت فاطمة أبا بكر بكى ثم قال يا ابنة رسول الله و الله ما ورث أبوك دينارا و لا درهما و إنه قال إن الأنبياء لا يورثون فقالت إن فدك وهبها لي رسول الله ص قال فمن يشهد بذلك فجاء علي بن أبي طالب ع فشهد و جاءت أم أيمن فشهدت أيضا فجاء عمر بن الخطاب و عبد الرحمن بن عوف فشهد أن رسول الله ص كان يقسمها قال أبو بكر صدقت يا ابنة رسول الله ص و صدق علي و صدقت أم أيمن و صدق عمر و صدق عبد الرحمن بن عوف و ذلك أن مالك لأبيك كان رسول الله ص يأخذ من فدك قوتكم و يقسم الباقي و يحمل منه في سبيل الله فما تصنعين بها قالت أصنع بها كما يصنع بها أبي قال فلك على الله أن أصنع فيها كما يصنع فيها أبوك قالت الله لتفعلن قال الله لأفعلن قالت اللهم اشهد و كان أبو بكر يأخذ غلتها فيدفع إليهم منها ما يكفيهم و يقسم الباقي و كان عمر كذلك ثم كان عثمان كذلك ثم كان علي كذلك فلما ولي الأمر معاوية بن أبي سفيان أقطع مروان بن الحكم ثلثها و أقطع عمرو بن عثمان بن عفان ثلثها و أقطع يزيد بن معاوية ثلثها و ذلك بعد موت الحسن بن علي ع فلم يزالوا يتداولونها حتى خلصت كلها لمروان بن الحكم أيام خلافته فوهبها لعبد العزيز ابنه فوهبها عبد العزيز لابنه عمر بن عبد العزيز فلما ولي عمر بن العزيز الخلافة كانت أول ظلامة ردها دعا حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ع و قيل بل دعا علي بن الحسين ع فردها عليه و كانت بيد أولاد فاطمة ع مدة ولاية عمر بن عبد العزيز فلما ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم فصارت في أيدي بني مروان كما كانت يتداولونها حتى انتقلت الخلافة عنهم فلما ولي أبو العباس السفاح ردها على عبد الله

٢١٦

بن الحسن بن الحسن ثم قبضها أبو جعفر لما حدث من بني حسن ما حدث ثم ردها المهدي ابنه على ولد فاطمة ع ثم قبضها موسى بن المهدي و هارون أخوه فلم تزل أيديهم حتى ولي المأمون فردها على الفاطميين قال أبو بكر حدثني محمد بن زكريا قال حدثني مهدي بن سابق قال جلس المأمون للمظالم فأول رقعة وقعت في يده نظر فيها و بكى و قال للذي على رأسه ناد أين وكيل فاطمة فقام شيخ عليه دراعة و عمامة و خف تعزى فتقدم فجعل يناظره في فدك و المأمون يحتج عليه و هو يحتج على المأمون ثم أمر أن يسجل لهم بها فكتب السجل و قرئ عليه فأنفذه فقام دعبل إلى المأمون فأنشده الأبيات التي أولها:

أصبح وجه الزمان قد ضحكا

برد مأمون هاشم فدكا

فلم تزل في أيديهم حتى كان في أيام المتوكل فأقطعها عبد الله بن عمر البازيار و كان فيها إحدى عشرة نخلة غرسها رسول الله ص بيده فكان بنو فاطمة يأخذون ثمرها فإذا قدم الحجاج أهدوا لهم من ذلك التمر فيصلونهم فيصير إليهم من ذلك مال جزيل جليل فصرم عبد الله بن عمر البازيار ذلك التمر و وجه رجلا يقال له بشران بن أبي أمية الثقفي إلى المدينة فصرمه ثم عاد إلى البصرة ففلج.قال أبو بكر أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا سويد بن سعيد و الحسن بن عثمان قالا حدثنا الوليد بن محمد عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة ع أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ص و هي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله ص بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر

٢١٧

إن رسول الله ص قال لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال و إني و الله لا أغير شيئا من صدقات رسول الله ص عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله ص و لأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله ص فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا فوجدت من ذلك على أبي بكر و هجرته فلم تكلمه حتى توفيت و عاشت بعد أبيها ستة أشهر فلما توفيت دفنها علي ع ليلا و لم يؤذن بها أبا بكر.قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا إسحاق بن إدريس قال حدثنا محمد بن أحمد عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة و العباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله ص و هما حينئذ يطلبان أرضه بفدك و سهمه بخيبر فقال لهما أبو بكر إني سمعت رسول الله ص يقول لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد ص من هذا المال و إني و الله لا أغير أمرا رأيت رسول الله ص يصنعه إلا صنعته قال فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت.

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا عمر بن عاصم و موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة عن الكلبي عن أبي صالح عن أم هانئ أن فاطمة قالت لأبي بكر من يرثك إذا مت قال ولدي و أهلي قالت فما لك ترث رسول الله ص دوننا قال يا ابنة رسول الله ما ورث أبوك دارا و لا مالا و لا ذهبا و لا فضة قالت بلى سهم الله الذي جعله لنا و صار فيئنا الذي بيدك فقال لها سمعت رسول الله ص يقول إنما هي طعمة أطعمناها الله فإذا مت كانت بين المسلمين

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن الفضل عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل قال أرسلت فاطمة إلى أبي بكر

٢١٨

أنت ورثت رسول الله ص أم أهله قال بل أهله قالت فما بال سهم رسول الله ص قال إني سمعت رسول الله ص يقول إن الله أطعم نبيه طعمة ثم قبضه و جعله للذي يقوم بعده فوليت أنا بعده على أن أرده على المسلمين قالت أنت و ما سمعت من رسول الله ص أعلم.قلت في هذا الحديث عجب لأنها قالت له أنت ورثت رسول الله ص أم أهله قال بل أهله و هذا تصريح بأنه ص موروث يرثه أهله و هو خلاف قوله لا نورث و أيضا فإنه يدل على أن أبا بكر استنبط من قول رسول الله ص أن الله أطعم نبيا طعمة أن يجري رسول الله ص عند وفاته مجرى ذلك النبي ص أو يكون قد فهم أنه عنى بذلك النبي المنكر لفظا نفسه كما فهم من قوله في خطبته إن عبدا خيره الله بين الدنيا و ما عند ربه فاختار ما عند ربه فقال أبو بكر بل نفديك بأنفسنا.

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال أخبرنا القعنبي قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمر عن أبي سلمة أن فاطمة طلبت فدك من أبي بكر فقال إني سمعت رسول الله ص يقول إن النبي لا يورث من كان النبي يعوله فأنا أعوله و من كان النبي ص ينفق عليه فأنا أنفق عليه فقالت يا أبا بكر أ يرثك بناتك و لا يرث رسول الله ص بناته فقال هو ذاك

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير قال حدثنا فضيل بن مرزوق قال حدثنا البحتري بن حسان قال قلت لزيد بن علي ع و أنا أريد أن أهجن أمر أبي بكر إن أبا بكر انتزع فدك من فاطمة ع فقال إن أبا بكر كان رجلا

٢١٩

رحيما و كان يكره أن يغير شيئا فعله رسول الله ص فأتته فاطمة فقالت إن رسول الله ص أعطاني فدك فقال لها هل لك على هذا بينة فجاءت بعلي ع فشهد لها ثم جاءت أم أيمن فقالت أ لستما تشهدان أني من أهل الجنة قالا بلى قال أبو زيد يعني أنها قالت لأبي بكر و عمر قالت فأنا أشهد أن رسول الله ص أعطاها فدك فقال أبو بكر فرجل آخر أو امرأة أخرى لتستحقي بها القضية ثم قال أبو زيد و ايم الله لو رجع الأمر إلي لقضيت فيها بقضاء أبي بكر

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا محمد بن الصباح قال حدثنا يحيى بن المتوكل أبو عقيل عن كثير النوال قال قلت لأبي جعفر محمد بن علي ع جعلني الله فداك أ رأيت أبا بكر و عمر هل ظلماكم من حقكم شيئا أو قال ذهبا من حقكم بشي‏ء فقال لا و الذي أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيرا ما ظلمنا من حقنا مثقال حبة من خردل قلت جعلت فداك أ فأتولاهما قال نعم ويحك تولهما في الدنيا و الآخرة و ما أصابك ففي عنقي ثم قال فعل الله بالمغيرة و بنان فإنهما كذبا علينا أهل البيت

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا عبد الله بن نافع و القعنبي عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أزواج النبي ص أردن لما توفي أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن أو قال ثمنهن قالت فقلت لهن أ ليس قد قال النبي ص لا نورث ما تركنا صدقة

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا عبد الله بن نافع و القعنبي و بشر بن عمر عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي ص قال لا يقسم ورثتي دينارا و لا درهما ما تركت بعد نفقة نسائي و مئونة عيالي فهو صدقة

٢٢٠