كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٦

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 297

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 297
المشاهدات: 29013
تحميل: 4039


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 297 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29013 / تحميل: 4039
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 16

مؤلف:
العربية

قلت هذا حديث غريب لأن المشهور أنه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلا أبو بكر وحده.وقال أبو بكر و حدثنا أبو زيد عن الحزامي عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عبد الرحمن الأعرج أنه سمع أبا هريرة يقول سمعت رسول الله ص يقول و الذي نفسي بيده لا يقسم ورثتي شيئا ما تركت صدقة قال و كانت هذه الصدقة بيد علي ع غلب عليها العباس و كانت فيها خصومتهما فأبى عمر أن يقسمها بينهما حتى أعرض عنها العباس و غلب عليها ع ثم كانت بيد حسن و حسين ابني علي ع ثم كانت بيد علي بن الحسين ع و الحسن بن الحسن كلاهما يتداولانها ثم بيد زيد بن علي ع قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا عثمان بن عمر بن فارس قال حدثنا يونس عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان أن عمر بن الخطاب دعاه يوما بعد ما ارتفع النهار قال فدخلت عليه و هو جالس على سرير رمال ليس بينه و بين الرمال فراش على وسادة أدم فقال يا مالك إنه قد قدم من قومك أهل أبيات حضروا المدينة و قد أمرت لهم برضخ فاقسمه بينهم فقلت يا أمير المؤمنين مر بذلك غيري قال اقسم أيها المرء قال فبينا نحن على ذلك إذ دخل يرفأ فقال هل لك في عثمان و سعد و عبد الرحمن و الزبير يستأذنون عليك قال نعم فأذن لهم قال ثم لبث قليلا ثم جاء فقال هل لك في علي و العباس يستأذنان عليك قال ائذن لهما فلما دخلا قال عباس يا أمير المؤمنين اقض بيني و بين هذا يعني عليا و هما يختصمان في الصوافي التي أفاء الله على رسوله

٢٢١

من أموال بني النضير قال فاستب علي و العباس عند عمر فقال عبد الرحمن يا أمير المؤمنين اقض بينهما و أرح أحدهما من الآخر فقال عمر أنشدكم الله الذي تقوم بإذنه السماوات و الأرض هل تعلمون أن رسول الله ص قال لا نورث ما تركناه صدقة يعني نفسه قالوا قد قال ذلك فأقبل على العباس و علي فقال أنشدكما الله هل تعلمان ذلك قالا نعم قال عمر فإني أحدثكم عن هذا الأمر أن الله تبارك و تعالى خص رسوله ص في هذا الفي‏ء بشي‏ء لم يعطه غيره قال تعالى( وَ ما أَفاءَ اَللَّهُ عَلى‏ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ وَ لكِنَّ اَللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ وَ اَللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ) و كانت هذه خاصة لرسول الله ص فما اختارها دونكم و لا استأثر بها عليكم لقد أعطاكموها و ثبتها فيكم حتى بقي منها هذا المال و كان ينفق منه على أهله سنتهم ثم يأخذ ما بقي فيجعله فيما يجعل مال الله عز و جل فعل ذلك في حياته ثم توفي فقال أبو بكر أنا ولي رسول الله ص فقبضه الله و قد عمل فيها بما عمل به رسول الله ص و أنتما حينئذ و التفت إلى علي و العباس تزعمان أن أبا بكر فيها ظالم فاجر و الله يعلم أنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق ثم توفى الله أبا بكر فقلت أنا أولى الناس بأبي بكر و برسول الله ص فقبضتها سنتين أو قال سنين من إمارتي أعمل فيها مثل ما عمل به رسول الله ص و أبو بكر ثم قال و أنتما و أقبل على العباس و علي تزعمان أني فيها ظالم فاجر و الله يعلم أني فيها بار راشد تابع للحق ثم جئتماني و كلمتكما واحدة و أمركما جميع فجئتني يعني العباس تسألني نصيبك من ابن أخيك و جاءني هذا يعني عليا يسألني نصيب امرأته من أبيها فقلت لكما أن رسول الله ص قال لا نورث ما تركناه صدقة فلما بدا لي أن

٢٢٢

أدفعها إليكما قلت أدفعها على أن عليكما عهد الله و ميثاقه لتعملان فيها بما عمل رسول الله ص و أبو بكر و بما عملت به فيها و إلا فلا تكلماني فقلتما ادفعها إلينا بذلك فدفعتها إليكما بذلك أ فتلتمسان مني قضاء غير ذلك و الله الذي تقوم بإذنه السماوات و الأرض لا أقضي بينكما بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي فأنا أكفيكماها.قال أبو بكر و حدثنا أبو زيد قال حدثنا إسحاق بن إدريس قال حدثنا عبد الله بن المبارك قال حدثني يونس عن الزهري قال حدثني مالك بن أوس بن الحدثان بنحوه قال فذكرت ذلك لعروة فقال صدق مالك بن أوس أنا سمعت عائشة تقول أرسل أزواج النبي ص عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسأل لهن ميراثهن من رسول الله ص مما أفاء الله عليه حتى كنت أردهن عن ذلك فقلت أ لا تتقين الله أ لم تعلمن أن رسول الله ص كان يقول لا نورث ما تركناه صدقة يريد بذلك نفسه إنما يأكل آل محمد من هذا المال فانتهى أزواج النبي ص إلى ما أمرتهن به قلت هذا مشكل لأن الحديث الأول يتضمن أن عمر أقسم على جماعة فيهم عثمان فقال نشدتكم الله أ لستم تعلمون أن رسول الله ص قال لا نورث ما تركناه صدقة يعني نفسه فقالوا نعم و من جملتهم عثمان فكيف يعلم بذلك فيكون مترسلا لأزواج النبي ص يسأله أن يعطيهن الميراث اللهم إلا أن يكون عثمان و سعد و عبد الرحمن و الزبير صدقوا عمر على سبيل التقليد لأبي بكر فيما رواه و حسن الظن و سموا ذلك علما لأنه قد يطلق على الظن اسم العلم.

٢٢٣

فإن قال قائل فهلا حسن ظن عثمان برواية أبي بكر في مبدإ الأمر فلم يكن رسولا لزوجات النبي ص في طلب الميراث قيل له يجوز أن يكون في مبدإ الأمر شاكا ثم يغلب على ظنه صدقه لأمارات اقتضت تصديقه و كل الناس يقع لهم مثل ذلك.و هاهنا إشكال آخر و هو أن عمر ناشد عليا و العباس هل تعلمان ذلك فقالا نعم فإذا كانا يعلمانه فكيف جاء العباس و فاطمة إلى أبي بكر يطلبان الميراث على ما ذكره في خبر سابق على هذا الخبر و قد أوردناه نحن و هل يجوز أن يقال كان العباس يعلم ذلك ثم يطلب الإرث الذي لا يستحقه و هل يجوز أن يقال أن عليا كان يعلم ذلك و يمكن زوجته أن تطلب ما لا تستحقه خرجت من دارها إلى المسجد و نازعت أبا بكر و كلمته بما كلمته إلا بقوله و إذنه و رأيه و أيضا فإنه إذا كان ص لا يورث فقد أشكل دفع آلته و دابته و حذائه إلى علي ع لأنه غير وارث في الأصل و إن كان أعطاه ذلك لأن زوجته بعرضه أن ترث لو لا الخبر فهو أيضا غير جائز لأن الخبر قد منع أن يرث منه شيئا قليلا كان أو كثيرا.فإن قال قائل نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا و لا فضة و لا أرضا و لا عقارا و لا دارا قيل هذا الكلام يفهم من مضمونه أنهم لا يورثون شيئا أصلا لأن عادة العرب جارية بمثل ذلك و ليس يقصدون نفي ميراث هذه الأجناس المعدودة دون غيرها بل يجعلون ذلك كالتصريح بنفي أن يورثوا شيئا ما على الإطلاق.و أيضا فإنه جاء في خبر الدابة و الآلة و الحذاء أنه روي عن النبي ص لا نورث ما تركناه صدقة و لم يقل لا نورث كذا و لا كذا و ذلك يقتضي عموم انتفاء الإرث عن كل شي‏ء

٢٢٤

و أما الخبر الثاني و هو الذي رواه هشام بن محمد الكلبي عن أبيه ففيه إشكال أيضا لأنه قال إنها طلبت فدك و قالت إن أبي أعطانيها و إن أم أيمن تشهد لي بذلك فقال لها أبو بكر في الجواب إن هذا المال لم يكن لرسول الله ص و إنما كان مالا من أموال المسلمين يحمل به الرجال و ينفقه في سبيل الله فلقائل أن يقول له أ يجوز للنبي ص أن يملك ابنته أو غير ابنته من أفناء الناس ضيعة مخصوصة أو عقارا مخصوصا من مال المسلمين لوحي أوحى الله تعالى إليه أو لاجتهاد رأيه على قول من أجاز له أن يحكم بالاجتهاد أو لا يجوز للنبي ص ذلك فإن قال لا يجوز قال ما لا يوافقه العقل و لا المسلمون عليه و إن قال يجوز ذلك قيل فإن المرأة ما اقتصرت على الدعوى بل قالت أم أيمن تشهد لي فكان ينبغي أن يقول لها في الجواب شهادة أم أيمن وحدها غير مقبولة و لم يتضمن هذا الخبر ذلك بل قال لها لما ادعت و ذكرت من يشهد لها هذا مال من مال الله لم يكن لرسول الله ص و هذا ليس بجواب صحيح.و أما الخبر الذي رواه محمد بن زكريا عن عائشة ففيه من الإشكال مثل ما في هذا الخبر لأنه إذا شهد لها علي ع و أم أيمن أن رسول الله ص وهب لها فدك لم يصح اجتماع صدقها و صدق عبد الرحمن و عمر و لا ما تكلفه أبو بكر من تأويل ذلك بمستقيم لأن كونها هبة من رسول الله ص لها يمنع من قوله كان يأخذ منها قوتكم و يقسم الباقي و يحمل منه في سبيل الله لأن هذا ينافي كونها هبة لها لأن معنى كونها لها انتقالها إلى ملكيتها و أن تتصرف فيها خاصة دون كل أحد من الناس و ما هذه صفته كيف يقسم و يحمل منه في سبيل الله.

٢٢٥

فإن قال قائل هو ص أبوها و حكمه في مالها كحكمه في ماله و في بيت مال المسلمين فلعله كان بحكم الأبوة يفعل ذلك قيل فإذا كان يتصرف فيها تصرف الأب في مال ولده لا يخرجه ذلك عن كونه مال ولده فإذا مات الأب لم يجز لأحد أن يتصرف في مال ذلك الولد لأنه ليس باب له فيتصرف في ماله تصرف الآباء في أموال أولادهم على أن الفقهاء أو معظمهم لا يجيزون للأب أن يتصرف في مال الابن.و هاهنا إشكال آخر و هو قول عمر لعلي ع و العباس و أنتما حينئذ تزعمان أن أبا بكر فيها ظالم فاجر ثم قال لما ذكر نفسه و أنتما تزعمان أني فيها ظالم فاجر فإذا كانا يزعمان ذلك فكيف يزعم هذا الزعم مع كونهما يعلمان أن رسول الله ص قال لا أورث إن هذا لمن أعجب العجائب و لو لا أن هذا الحديث أعني حديث خصومة العباس و علي عند عمر مذكور في الصحاح المجمع عليها لما أطلت العجب من مضمونه إذ لو كان غير مذكور في الصحاح لكان بعض ما ذكرناه يطعن في صحته و إنما الحديث في الصحاح لا ريب في ذلك.قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا ابن أبي شيبة قال حدثنا ابن علية عن أيوب عن عكرمة عن مالك بن أوس بن الحدثان قال جاء العباس و علي إلى عمر فقال العباس اقض بيني و بين هذا الكذا و كذا أي يشتمه فقال الناس افصل بينهما فقال لا أفصل بينهما قد علما أن رسول الله ص قال لا نورث ما تركناه صدقة.قلت و هذا أيضا مشكل لأنهما حضرا يتنازعان لا في الميراث بل في ولاية صدقة رسول الله ص أيهما يتولاها ولاية لا إرثا و على هذا كانت الخصومة

٢٢٦

فهل يكون جواب ذلك قد علما أن رسول الله ص قال لا نورث.قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثني يحيى بن كثير أبو غسان قال حدثنا شعبة عن عمر بن مرة عن أبي البختري قال جاء العباس و علي إلى عمر و هما يختصمان فقال عمر لطلحة و الزبير و عبد الرحمن و سعد أنشدكم الله أ سمعتم رسول الله ص يقول كل مال نبي فهو صدقة إلا ما أطعمه أهله إنا لا نورث فقالوا نعم قال و كان رسول الله يتصدق به و يقسم فضله ثم توفي فوليه أبو بكر سنتين يصنع فيه ما كان يصنع رسول الله ص و أنتما تقولان أنه كان بذلك خاطئا و كان بذلك ظالما و ما كان بذلك إلا راشدا ثم وليته بعد أبي بكر فقلت لكما إن شئتما قبلتماه على عمل رسول الله ص و عهده الذي عهد فيه فقلتما نعم و جئتماني الآن تختصمان يقول هذا أريد نصيبي من ابن أخي و يقول هذا أريد نصيبي من امرأتي و الله لا أقضي بينكما إلا بذلك.قلت و هذا أيضا مشكل لأن أكثر الروايات أنه لم يرو هذا الخبر إلا أبو بكر وحده ذكر ذلك أعظم المحدثين حتى إن الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر برواية الصحابي الواحد و قال شيخنا أبو علي لا تقبل في الرواية إلا رواية اثنين كالشهادة فخالفه المتكلمون و الفقهاء كلهم و احتجوا عليه بقبول الصحابة رواية أبي بكر وحده نحن معاشر الأنبياء لا نورث حتى إن بعض أصحاب أبي علي تكلف لذلك جوابا فقال قد روي أن أبا بكر يوم حاج فاطمة ع قال أنشد الله امرأ سمع من رسول الله ص في هذا شيئا فروى مالك بن أوس بن الحدثان أنه سمعه من رسول الله ص و هذا الحديث ينطق

٢٢٧

بأنه استشهد عمر و طلحة و الزبير و عبد الرحمن و سعدا فقالوا سمعناه من رسول الله ص فأين كانت هذه الروايات أيام أبي بكر ما نقل أن أحدا من هؤلاء يوم خصومة فاطمة ع و أبي بكر روى من هذا شيئا.قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى عن إبراهيم بن أبي يحيى عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أزواج النبي ص أرسلن عثمان إلى أبي بكر فذكر الحديث قال عروة و كانت فاطمة قد سألت ميراثها من أبي بكر مما تركه النبي ص فقال لها بأبي أنت و أمي و بأبي أبوك و أمي و نفسي إن كنت سمعت من رسول الله ص شيئا أو أمرك بشي‏ء لم أتبع غير ما تقولين و أعطيتك ما تبتغين و إلا فإني أتبع ما أمرت به.

قال أبو بكر و حدثنا أبو زيد قال حدثنا عمرو بن مرزوق عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري قال قال لها أبو بكر لما طلبت فدك بأبي أنت و أمي أنت عندي الصادقة الأمينة إن كان رسول الله ص عهد إليك في ذلك عهدا أو وعدك به وعدا صدقتك و سلمت إليك فقالت لم يعهد إلي في ذلك بشي‏ء و لكن الله تعالى يقول( يُوصِيكُمُ اَللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) فقال أشهد لقد سمعت رسول الله ص يقول إنا معاشر الأنبياء لا نورث.قلت و في هذا من الإشكال ما هو ظاهر لأنها قد ادعت أنه عهد إليها رسول الله ص في ذلك أعظم العهد و هو النحلة فكيف سكتت عن ذكر هذا لما سألها أبو بكر و هذا أعجب من العجب.

٢٢٨

قال أبو بكر و حدثنا أبو زيد قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عبد الله الأنصاري عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان قال سمعت عمر و هو يقول للعباس و علي و عبد الرحمن بن عوف و الزبير و طلحة أنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله ص قال إنا لا نورث معاشر الأنبياء ما تركنا صدقة قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله ص يدخل في فيئه أهله السنة من صدقاته ثم يجعل ما بقي في بيت المال قالوا اللهم نعم فلما توفي رسول الله ص قبضها أبو بكر فجئت يا عباس تطلب ميراثك من ابن أخيك و جئت يا علي تطلب ميراث زوجتك من أبيها و زعمتما أن أبا بكر كان فيها خائنا فاجرا و الله لقد كان امرأ مطيعا تابعا للحق ثم توفي أبو بكر فقبضتها فجئتماني تطلبان ميراثكما أما أنت يا عباس فتطلب ميراثك من ابن أخيك و أما علي فيطلب ميراث زوجته من أبيها و زعمتما أني فيها خائن و فاجر و الله يعلم أني فيها مطيع تابع للحق فأصلحا أمركما و إلا و الله لم ترجع إليكما فقاما و تركا الخصومة و أمضيت صدقة.قال أبو زيد قال أبو غسان فحدثنا عبد الرزاق الصنعاني عن معمر بن شهاب عن مالك بنحوه و قال في آخره فغلب علي عباسا عليها فكانت بيد علي ثم كانت بيد الحسن ثم كانت بيد الحسين ثم علي بن الحسين ثم الحسن بن الحسن ثم زيد بن الحسن.قلت و هذا الحديث يدل صريحا على أنهما جاءا يطلبان الميراث لا الولاية و هذا من المشكلات لأن أبا بكر حسم المادة أولا و قرر عند العباس و علي و غيرهما أن النبي ص لا يورث و كان عمر من المساعدين له على ذلك فكيف يعود

٢٢٩

العباس و علي بعد وفاة أبي بكر يحاولان امرأ قد كان فرغ منه و يئس من حصوله اللهم إلا أن يكونا ظنا أن عمر ينقض قضاء أبي بكر في هذه المسألة و هذا بعيد لأن عليا و العباس كانا في هذه المسألة يتهمان عمر بممالأة أبي بكر على ذلك أ لا تراه يقول نسبتماني و نسبتما أبا بكر إلى الظلم و الخيانة فكيف يظنان أنه ينقض قضاء أبي بكر و يورثهما و اعلم أن الناس يظنون أن نزاع فاطمة أبا بكر كان في أمرين في الميراث و النحلة و قد وجدت في الحديث أنها نازعت في أمر ثالث و منعها أبو بكر إياه أيضا و هو سهم ذوي القربى

قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري أخبرني أبو زيد عمر بن شبة قال حدثني هارون بن عمير قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثني صدقة أبو معاوية عن محمد بن عبد الله عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك أن فاطمة ع أتت أبا بكر فقالت لقد علمت الذي ظلمتنا عنه أهل البيت من الصدقات و ما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى ثم قرأت عليه قوله تعالى( وَ اِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبى‏... ) الآية فقال لها أبو بكر بأبي أنت و أمي و والد ولدك السمع و الطاعة لكتاب الله و لحق رسول الله ص و حق قرابته و أنا أقرأ من كتاب الله الذي تقرءين منه و لم يبلغ علمي منه أن هذا السهم من الخمس يسلم إليكم كاملا قالت أ فلك هو و لأقربائك قال لا بل أنفق عليكم منه و أصرف الباقي في مصالح المسلمين قالت ليس هذا حكم الله تعالى قال هذا حكم الله فإن كان رسول الله عهد إليك

٢٣٠

في هذا عهدا أو أوجبه لكم حقا صدقتك و سلمته كله إليك و إلى أهلك قالت إن رسول الله ص لم يعهد إلي في ذلك بشي‏ء إلا أني سمعته يقول لما أنزلت هذه الآية أبشروا آل محمد فقد جاءكم الغنى قال أبو بكر لم يبلغ علمي من هذه الآية أن أسلم إليكم هذا السهم كله كاملا و لكن لكم الغنى الذي يغنيكم و يفضل عنكم و هذا عمر بن الخطاب و أبو عبيدة بن الجراح فاسأليهم عن ذلك و انظري هل يوافقك على ما طلبت أحد منهم فانصرفت إلى عمر فقالت له مثل ما قالت لأبي بكر فقال لها مثل ما قاله لها أبو بكر فعجبت فاطمة ع من ذلك و تظنت أنهما كانا قد تذاكرا ذلك و اجتمعا عليه.قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا هارون بن عمير قال حدثنا الوليد عن ابن أبي لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال أرادت فاطمة أبا بكر على فدك و سهم ذوي القربى فأبى عليها و جعلهما في مال الله تعالى.قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا أحمد بن معاوية عن هيثم عن جويبر عن أبي الضحاك عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب ع أن أبا بكر منع فاطمة و بني هاشم سهم ذوي القربى و جعله في سبيل الله في السلاح و الكراع.

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا حيان بن هلال عن محمد بن يزيد بن ذريع عن محمد بن إسحاق قال سألت أبا جعفر محمد بن علي ع قلت أ رأيت عليا حين ولي العراق و ما ولي من أمر الناس كيف صنع في سهم ذوي القربى قال سلك بهم طريق أبي بكر و عمر قلت و كيف و لم و أنتم تقولون ما تقولون قال أما و الله ما كان أهله يصدرون إلا عن رأيه فقلت فما منعه قال كان يكره

٢٣١

أن يدعى عليه مخالفة أبي بكر و عمر قال أبو بكر و حدثني المؤمل بن جعفر قال حدثني محمد بن ميمون عن داود بن المبارك قال أتينا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن بن الحسن و نحن راجعون من الحج في جماعة فسألناه عن مسائل و كنت أحد من سأله فسألته عن أبي بكر و عمر فقال سئل جدي عبد الله بن الحسن بن الحسن عن هذه المسألة فقال كانت أمي صديقة بنت نبي مرسل فماتت و هي غضبى على إنسان فنحن غضاب لغضبها و إذا رضيت رضينا.قال أبو بكر و حدثني أبو جعفر محمد بن القاسم قال حدثني علي بن الصباح قال أنشدنا أبو الحسن رواية المفضل للكميت:

أهوى عليا أمير المؤمنين و لا

أرضى بشتم أبي بكر و لا عمرا

و لا أقول و إن لم يعطيا فدكا

بنت النبي و لا ميراثها كفرا

الله يعلم ما ذا يحضران به

يوم القيامة من عذر إذا اعتذرا

قال ابن الصباح فقال لي أبو الحسن أ تقول إنه قد أكفرهما في هذا الشعر قلت نعم قال كذاك هو.

قال أبو بكر حدثنا أبو زيد عن هارون بن عمير عن الوليد بن مسلم عن إسماعيل بن عباس عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن مولى أم هانئ قال دخلت فاطمة على أبي بكر بعد ما استخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها فقالت له لئن مت اليوم من كان يرثك قال ولدي و أهلي قالت فلم ورثت أنت رسول الله ص دون ولده و أهله قال فما فعلت يا بنت رسول الله ص قالت بلى إنك عمدت إلى فدك و كانت صافية لرسول الله ص فأخذتها و عمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا فقال يا بنت رسول الله

٢٣٢

ص لم أفعل حدثني رسول الله ص أن الله تعالى يطعم النبي ص الطعمة ما كان حيا فإذا قبضه الله إليه رفعت فقالت أنت و رسول الله أعلم ما أنا بسائلتك بعد مجلسي ثم انصرفت

قال أبو بكر و حدثنا محمد بن زكريا قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي عن عبد الله بن حماد بن سليمان عن أبيه عن عبد الله بن حسن بن حسن عن أمه فاطمة بنت الحسين ع قالت لما اشتد بفاطمة بنت رسول الله ص الوجع و ثقلت في علتها اجتمع عندها نساء من نساء المهاجرين و الأنصار فقلن لها كيف أصبحت يا ابنة رسول الله ص قالت و الله أصبحت عائفة لدنياكم قالية لرجالكم لفظتهم بعد أن عجمتهم و شنئتهم بعد أن سبرتهم فقبحا لفلول الحد و خور القناة و خطل الرأي و بئسما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم و في العذاب هم خالدون لا جرم قد قلدتهم ربقتها و شنت عليهم غارتها فجدعا و عقرا و سحقا للقوم الظالمين ويحهم أين زحزحوها عن رواسي الرسالة و قواعد النبوة و مهبط الروح الأمين و الطيبين بأمر الدنيا و الدين ألا ذلك هو الخسران المبين و ما الذي نقموا من أبي حسن نقموا و الله نكير سيفه و شدة وطأته و نكال وقعته و تنمره في ذات الله و تالله لو تكافوا عن زمام نبذه إليه رسول الله ص لاعتلقه و لسار إليهم سيرا سجحا لا تكلم حشاشته و لا يتعتع راكبه و لأوردهم منهلا نميرا فضفاضا يطفح ضفتاه و لأصدرهم بطانا قد تحير بهم الرأي غير متحل بطائل إلا بغمر الناهل و ردعه سورة الساغب و لفتحت عليهم بركات من السماء و الأرض و سيأخذهم الله بما كانوا يكسبون ألا هلم فاستمع و ما عشت

٢٣٣

أراك الدهر عجبه و إن تعجب فقد أعجبك الحادث إلى أي لجإ استندوا و بأي عروة تمسكوا لبئس المولى و لبئس العشير و لبئس للظالمين بدلا استبدلوا و الله الذنابى بالقوادم و العجز بالكاهل فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا( ألا إنهم هم المفسدون و لكن لا يشعرون ) ويحهم( أ فمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ) أما لعمر الله لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ثم احتلبوها طلاع العقب دما عبيطا و ذعاقا ممقرا هنالك يخسر المبطلون و يعرف التالون غب ما أسس الأولون ثم طيبوا عن أنفسكم نفسا و اطمئنوا للفتنة جأشا و أبشروا بسيف صارم و هرج شامل و استبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيدا و جمعكم حصيدا فيا حسرة عليكم و أنى لكم و قد عميت عليكم أ نلزمكموها و أنتم لها كارهون و الحمد لله رب العالمين و صلاته على محمد خاتم النبيين و سيد المرسلين.قلت هذا الكلام و إن لم يكن فيه ذكر فدك و الميراث إلا أنه من تتمة ذلك و فيه إيضاح لما كان عندها و بيان لشدة غيظها و غضبها فإنه سيأتي فيما بعد ذكر ما يناقض به قاضي القضاة و المرتضى في أنها هل كانت غضبى أم لا و نحن لا ننصر مذهبا بعينه و إنما نذكر ما قيل و إذا جرى بحث نظري قلنا ما يقوى في أنفسنا منه.و اعلم أنا إنما نذكر في هذا الفصل ما رواه رجال الحديث و ثقاتهم و ما أودعه أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتابه و هو من الثقات الأمناء عند أصحاب الحديث و أما ما يرويه رجال الشيعة و الأخباريون منهم في كتبهم من قولهم إنهما أهاناها و أسمعاها كلاما غليظا و إن أبا بكر رق لها حيث لم يكن عمر حاضرا فكتب لها بفدك كتابا فلما خرجت به وجدها عمر فمد يده إليه ليأخذه مغالبة فمنعته فدفع بيده في صدرها

٢٣٤

و أخذ الصحيفة فخرقها بعد أن تفل فيها فمحاها و إنها دعت عليه فقالت بقر الله بطنك كما بقرت صحيفتي فشي‏ء لا يرويه أصحاب الحديث و لا ينقلونه و قدر الصحابة يجل عنه و كان عمر أتقى لله و أعرف لحقوق الله من ذلك و قد نظمت الشيعة بعض هذه الواقعة التي يذكرونها شعرا أوله أبيات لمهيار بن مرزويه الشاعر من قصيدته التي أولها:

يا ابنة القوم تراك

بالغ قتلي رضاك

و قد ذيل عليها بعض الشيعة و أتمها و الأبيات:

يا ابنة الطاهر كم تقرع

بالظلم عصاك

غضب الله لخطب

ليلة الطف عراك

و رعى النار غدا قط

رعى أمس حماك

مر لم يعطفه شكوى

و لا استحيا بكاك

و اقتدى الناس به بعد

فأردى ولداك

يا ابنة الراقي إلى السدرة

في لوح السكاك

لهف نفسي و على مثلك

فلتبك البواكي

كيف لم تقطع يد مد

إليك ابن صحاك

فرحوا يوم أهانوك

بما ساء أباك

و لقد أخبرهم أن

رضاه في رضاك

دفعا النص على إرثك

لما دفعاك

و تعرضت لقدر

تافه و انتهراك

٢٣٥

و ادعيت النحلة المشهود

فيها بالصكاك

فاستشاطا ثم ما إن

كذبا إن كذباك

فزوى الله عن الرحمة

زنديقا ذواك

و نفى عن بابه الواسع

شيطانا نفاك

فانظر إلى هذه البلية التي صبت من هؤلاء على سادات المسلمين و أعلام المهاجرين و ليس ذلك بقادح في علو شأنهم و جلالة مكانهم كما أن مبغضي الأنبياء و حسدتهم و مصنفي الكتب في إلحاق العيب و التهجين لشرائعهم لم تزدد لأنبيائهم إلا رفعة و لا زادت شرائعهم إلا انتشارا في الأرض و قبولا في النفس و بهجة و نورا عند ذوي الألباب و العقول.و قال لي علوي في الحلة يعرف بعلي بن مهنإ ذكي ذو فضائل ما تظن قصد أبي بكر و عمر بمنع فاطمة فدك قلت ما قصدا قال أرادا ألا يظهرا لعلي و قد اغتصباه الخلافة رقة ولينا و خذلانا و لا يرى عندهما خورا فأتبعا القرح بالقرح.و قلت لمتكلم من متكلمي الإمامية يعرف بعلي بن تقي من بلدة النيل و هل كانت فدك إلا نخلا يسيرا و عقارا ليس بذلك الخطير فقال لي ليس الأمر كذلك بل كانت جليلة جدا و كان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن من النخل و ما قصد أبو بكر و عمر بمنع فاطمة عنها إلا ألا يتقوى علي بحاصلها و غلتها على المنازعة في الخلافة و لهذا أتبعا ذلك بمنع فاطمة و علي و سائر بني هاشم و بني المطلب حقهم في الخمس فإن

٢٣٦

الفقير الذي لا مال له تضعف همته و يتصاغر عند نفسه و يكون مشغولا بالاحتراف و الاكتساب عن طلب الملك و الرئاسة فانظر إلى ما قد وقر في صدور هؤلاء و هو داء لا دواء له و ما أكثر ما تزول الأخلاق و الشيم فأما العقائد الراسخة فلا سبيل إلى زوالها

الفصل الثاني في النظر في أن النبي ص هل يورث أم لا

نذكر في هذا الموضع ما حكاه المرتضىرحمه‌الله في الشافي عن قاضي القضاة في هذا المعنى و ما اعترضه به و إن استضعفنا شيئا من ذلك قلنا ما عندنا و إلا تركناه على حاله.قال المرتضى أول ما ابتدأ به قاضي القضاة حكايته عنا استدلالنا على أنه ص مورث بقوله تعالى( يُوصِيكُمُ اَللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ ) و هذا الخطاب عام يدخل فيه النبي و غيره.ثم أجاب يعني قاضي القضاة عن ذلك فقال إن الخبر الذي احتج به أبو بكر يعني قوله نحن معاشر الأنبياء لا نورث لم يقتصر على روايته هو وحده حتى استشهد عليه عمر و عثمان و طلحة و الزبير و سعدا و عبد الرحمن فشهدوا به فكان لا يحل لأبي بكر و قد صار الأمر إليه أن يقسم التركة ميراثا و قد خبر رسول الله ص بأنها صدقة و ليست بميراث و أقل ما في هذا الباب أن يكون الخبر من أخبار الآحاد

٢٣٧

فلو أن شاهدين شهدا في التركة أن فيها حقا أ ليس كان يجب أن يصرف ذلك عن الإرث فعلمه بما قال رسول الله ص مع شهادة غيره أقوى و لسنا نجعله مدعيا لأنه لم يدع ذلك لنفسه و إنما بين أنه ليس بميراث و أنه صدقة و لا يمتنع تخصيص القرآن بذلك كما يخص في العبد و القاتل و غيرهما و ليس ذلك بنقص في الأنبياء بل هو إجلال لهم يرفع الله به قدرهم عن أن يورثوا المال و صار ذلك من أوكد الدواعي ألا يتشاغلوا بجمعه لأن أحد الدواعي القوية إلى ذلك تركه على الأولاد و الأهلين و لما سمعت فاطمة ع ذلك من أبي بكر كفت عن الطلب فيما ثبت من الأخبار الصحيحة فلا يمتنع أن تكون غير عارفة بذلك فطلبت الإرث فلما روى لها ما روى كفت فأصابت أولا و أصابت ثانيا.و ليس لأحد أن يقول كيف يجوز أن يبين النبي ص ذلك للقوم و لا حق لهم في الإرث و يدع أن يبين ذلك لمن له حق في الإرث مع أن التكليف يتصل به و ذلك لأن التكليف في ذلك يتعلق بالإمام فإذا بين له جاز ألا يبين لغيره و يصير البيان له بيانا لغيره و إن لم يسمعه من الرسول لأن هذا الجنس من البيان يجب أن يكون بحسب المصلحة.قال ثم حكى عن أبي علي أنه قال أ تعلمون كذب أبي بكر في هذه الرواية أم تجوزون أن يكون صادقا قال و قد علم أنه لا شي‏ء يقطع به على كذبه فلا بد من تجويز كونه صادقا و إذا صح ذلك قيل لهم فهل كان يحل له مخالفة الرسول فإن قالوا لو كان صدقا لظهر و اشتهر قيل لهم إن ذلك من باب العمل و لا يمتنع أن ينفرد بروايته جماعة يسيرة بل الواحد و الاثنان مثل سائر الأحكام و مثل الشهادات فإن قالوا نعلم أنه لا يصح لقوله تعالى في كتابه( وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ) قيل لهم

٢٣٨

و من أين أنه ورثه الأموال مع تجويز أن يكون ورثه العلم و الحكمة فإن قالوا إطلاق الميراث لا يكون إلا في الأموال قيل لهم إن كتاب الله يبطل قولكم لأنه قال( ثُمَّ أَوْرَثْنَا اَلْكِتابَ اَلَّذِينَ اِصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ) و الكتاب ليس بمال و يقال في اللغة ما ورثت الأبناء عن الآباء شيئا أفضل من أدب حسن و قالوا العلماء ورثة الأنبياء و إنما ورثوا منهم العلم دون المال على أن في آخر الآية ما يدل على ما قلناه و هو قوله تعالى حاكيا عنه( وَ قالَ يا أَيُّهَا اَلنَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ اَلطَّيْرِ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ اَلْفَضْلُ اَلْمُبِينُ ) فنبه على أن الذي ورث هو هذا العلم و هذا الفضل و إلا لم يكن لهذا القول تعلق بالأول فإن قالوا فقد قال تعالى( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) و ذلك يبطل الخبر قيل لهم ليس في ذلك بيان المال أيضا و في الآية ما يدل على أن المراد النبوة و العلم لأن زكريا خاف على العلم أن يندرس و قوله( وَ إِنِّي خِفْتُ اَلْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) يدل على ذلك لأن الأنبياء لا تحرص على الأموال حرصا يتعلق خوفها بها و إنما أراد خوفه على العلم أن يضيع فسأل الله تعالى وليا يقوم بالدين مقامه و قوله( وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) يدل على أن المراد العلم و الحكمة لأنه لا يرث أموال يعقوب في الحقيقة و إنما يرث ذلك غيره قال فأما من يقول إن المراد أنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة أي ما جعلناه صدقة في حال حياتنا لا نورثه فركيك من القول لأن إجماع الصحابة يخالفه لأن أحدا لم يتأوله على هذا الوجه لأنه لا يكون في ذلك تخصيص الأنبياء و لا مزية لهم و لأن قوله ما تركناه صدقة جملة من الكلام مستقلة بنفسها كأنه

٢٣٩

ع مع بيانه أنهم لا يورثون المال يبين أنه صدقة لأنه كان يجوز ألا يكون ميراثا و يصرف إلى وجه آخر غير الصدقة.قال فأما خبر السيف و البغلة و العمامة و غير ذلك فقد قال أبو علي إنه لم يثبت أن أبا بكر دفع ذلك إلى أمير المؤمنين ع على جهة الإرث كيف يجوز ذلك مع الخبر الذي رواه و كيف يجوز لو كان وارثا أن يخصه بذلك و لا إرث له مع العم لأنه عصبة فإن كان وصل إلى فاطمة ع فقد كان ينبغي أن يكون العباس شريكا في ذلك و أزواج رسول الله ص و لوجب أن يكون ذلك ظاهرا مشهورا ليعرف أنهم أخذوا نصيبهم من ذلك أو بدله و لا يجب إذا لم يدفع أبو بكر ذلك إليه على جهة الإرث ألا يحصل ذلك في يده لأنه قد يجوز أن يكون النبي ص نحله ذلك و يجوز أيضا أن يكون أبو بكر رأى الصلاح في ذلك أن يكون بيده لما فيه من تقوية الدين و تصدق ببدله بعد التقويم لأن الإمام له أن يفعل ذلك.قال و حكى عن أبي علي في البرد و القضيب أنه لم يمتنع أن يكون جعله عدة في سبيل الله و تقوية على المشركين فتداولته الأئمة لما فيه من التقوية و رأى أن ذلك أولى من أن يتصدق به إن ثبت أنه ع لم يكن قد نحله غيره في حياته ثم عارض نفسه بطلب أزواج النبي ص الميراث و تنازع أمير المؤمنين ع و العباس بعد موت فاطمة ع و أجاب عن ذلك بأن قال يجوز أن يكونوا لم يعرفوا رواية أبي بكر و غيره للخبر.و قد روي أن عائشة لما عرفتهن الخبر أمسكن و قد بينا أنه لا يمتنع في مثل ذلك أن يخفى على من يستحق الإرث و يعرفه من يتقلد الأمر كما يعرف العلماء و الحكام من أحكام المواريث ما لا يعلمه أرباب الإرث و قد بينا أن رواية أبي بكر مع الجماعة

٢٤٠