كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٦

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 297

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 297
المشاهدات: 29027
تحميل: 4043


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 297 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29027 / تحميل: 4043
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 16

مؤلف:
العربية

من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري و لا تردوا على رأيي غفر الله لي و لكم و أرشدني و إياكم لما فيه محبته و رضاه إن شاء الله ثم نزل.قال فنظر الناس بعضهم إلى بعض و قالوا ما ترونه يريد بما قال قالوا نظنه يريد أن يصالح معاوية و يكل الأمر إليه كفر و الله الرجل ثم شدوا على فسطاطه فانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي فنزع مطرفه عن عاتقه فبقي جالسا متقلدا سيفا بغير رداء فدعا بفرسه فركبه و أحدق به طوائف من خاصته و شيعته و منعوا منه من أراده و لاموه و ضعفوه لما تكلم به فقال ادعوا إلي ربيعة و همدان فدعوا له فأطافوا به و دفعوا الناس عنه و معهم شوب من غيرهم فلما مر في مظلم ساباط قام إليه رجل من بني أسد ثم من بني نصر بن قعين يقال له جراح بن سنان و بيده معول فأخذ بلجام فرسه و قال الله أكبر يا حسن أشرك أبوك ثم أشركت أنت و طعنه بالمعول فوقعت في فخذه فشقته حتى بلغت أربيته و سقط الحسن ع إلى الأرض بعد أن ضرب الذي طعنه بسيف كان بيده و اعتنقه فخرا جميعا إلى الأرض فوثب عبد الله بن الأخطل الطائي و نزع المعول من يد جراح بن سنان فخضخضه به و أكب ظبيان بن عمارة عليه فقطع أنفه ثم أخذا له الآجر فشدخا رأسه و وجهه حتى قتلوه.

٤١

و حمل الحسن ع على سرير إلى المدائن و بها سعيد بن مسعود الثقفي واليا عليها من قبله و قد كان علي ع ولاه المدائن فأقره الحسن ع عليها فأقام عنده يعالج نفسه فأما معاوية فإنه وافى حتى نزل قرية يقال لها الحلوبية بمسكن و أقبل عبيد الله بن عباس حتى نزل بإزائه فلما كان من غد وجه معاوية بخيله إليه فخرج إليهم عبيد الله فيمن معه فضربهم حتى ردهم إلى معسكرهم فلما كان الليل أرسل معاوية إلى عبيد الله بن عباس أن الحسن قد راسلني في الصلح و هو مسلم الأمر إلي فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعا و إلا دخلت و أنت تابع و لك إن أجبتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم أعجل لك في هذا الوقت نصفها و إذا دخلت الكوفة النصف الآخر فانسل عبيد الله إليه ليلا فدخل عسكر معاوية فوفى له بما وعده و أصبح الناس ينتظرون عبيد الله أن يخرج فيصلي بهم فلم يخرج حتى أصبحوا فطلبوه فلم يجدوه فصلى بهم قيس بن سعد بن عبادة ثم خطبهم فثبتهم و ذكر عبيد الله فنال منه ثم أمرهم بالصبر و النهوض إلى العدو فأجابوه بالطاعة و قالوا له انهض بنا إلى عدونا على اسم الله فنزل فنهض بهم.و خرج إليه بسر بن أرطاة فصاح إلى أهل العراق ويحكم هذا أميركم عندنا قد بايع و إمامكم الحسن قد صالح فعلام تقتلون أنفسكم.

٤٢

فقال لهم قيس بن سعد اختاروا إحدى اثنتين إما القتال مع غير إمام و إما أن تبايعوا بيعة ضلال فقالوا بل نقاتل بلا إمام فخرجوا فضربوا أهل الشام حتى ردوهم إلى مصافهم.فكتب معاوية إلى قيس بن سعد يدعوه و يمنيه فكتب إليه قيس لا و الله لا تلقاني أبدا إلا بيني و بينك الرمح فكتب إليه معاوية حينئذ لما يئس منه أما بعد فإنك يهودي ابن يهودي تشقي نفسك و تقتلها فيما ليس لك فإن ظهر أحب الفريقين إليك نبذك و غدرك و إن ظهر أبغضهم إليك نكل بك و قتلك و قد كان أبوك أوتر غير قوسه و رمى غير غرضه فأكثر الحز و أخطأ المفصل فخذله قومه و أدركه يومه فمات بحوران طريدا غريبا و السلام.فكتب إليه قيس بن سعد أما بعد فإنما أنت وثن ابن وثن دخلت في الإسلام كرها و أقمت فيه فرقا و خرجت منه طوعا و لم يجعل الله لك فيه نصيبا لم يقدم إسلامك و لم يحدث نفاقك و لم تزل حربا لله و لرسوله و حزبا من أحزاب المشركين و عدوا لله و لنبيه و للمؤمنين من عباده و ذكرت أبي فلعمري ما أوتر إلا قوسه و لا رمى إلا غرضه فشغب عليه من لا يشق غباره و لا يبلغ كعبه و زعمت أني يهودي ابن يهودي و قد علمت و علم الناس أني و أبي أعداء الدين الذي خرجت منه و أنصار الدين الذي دخلت فيه و صرت إليه و السلام.فلما قرأ معاوية كتابه غاظه و أراد إجابته فقال له عمرو مهلا فإنك إن كاتبته أجابك بأشد من هذا و إن تركته دخل فيما دخل فيه الناس فأمسك عنه.قال و بعث معاوية عبد الله بن عامر و عبد الرحمن بن سمرة إلى الحسن للصلح فدعواه

٤٣

إليه فزهداه في الأمر و أعطياه ما شرط له معاوية و ألا يتبع أحد بما مضى و لا ينال أحد من شيعة علي بمكروه و لا يذكر علي إلا بخير و أشياء شرطها الحسن فأجاب إلى ذلك و انصرف قيس بن سعد فيمن معه إلى الكوفة و انصرف الحسن أيضا إليها و أقبل معاوية قاصدا نحو الكوفة و اجتمع إلى الحسن ع وجوه الشيعة و أكابر أصحاب أمير المؤمنين ع يلومونه و يبكون إليه جزعا مما فعله

قال أبو الفرج فحدثني محمد بن أحمد بن عبيد قال حدثنا الفضل بن الحسن البصري قال حدثنا ابن عمرو قال حدثنا مكي بن إبراهيم قال حدثنا السري بن إسماعيل عن الشعبي عن سفيان بن أبي ليلى قال أبو الفرج و حدثني به أيضا محمد بن الحسين الأشنانداني و علي بن العباس المقانعي عن عباد بن يعقوب عن عمرو بن ثابت عن الحسن بن الحكم عن عدي بن ثابت عن سفيان بن أبي ليلى قال أتيت الحسن بن علي حين بايع معاوية فوجدته بفناء داره و عنده رهط فقلت السلام عليك يا مذل المؤمنين قال و عليك السلام يا سفيان و نزلت فعقلت راحلتي ثم أتيته فجلست إليه فقال كيف قلت يا سفيان قلت السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال لم جرى هذا منك إلينا قلت أنت و الله بأبي و أمي أذللت رقابنا حيث أعطيت هذا الطاغية البيعة و سلمت الأمر إلى اللعين ابن آكلة الأكباد و معك مائة ألف كلهم يموت دونك فقد جمع الله عليك أمر الناس فقال يا سفيان إنا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسكنا به و إني سمعت عليا يقول سمعت رسول الله ص يقول لا تذهب الليالي و الأيام حتى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع السرم

٤٤

ضخم البلعوم يأكل و لا يشبع لا ينظر الله إليه و لا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر و لا في الأرض ناصر و إنه لمعاوية و إني عرفت أن الله بالغ أمره ثم أذن المؤذن فقمنا على حالب نحلب ناقته فتناول الإناء فشرب قائما ثم سقاني و خرجنا نمشي إلى المسجد فقال لي ما جاء بك يا سفيان قلت حبكم و الذي بعث محمدا بالهدى و دين الحق قال فأبشر يا سفيان فإني سمعت عليا يقول سمعت رسول الله ص يقول يرد علي الحوض أهل بيتي و من أحبهم من أمتي كهاتين يعني السبابتين أو كهاتين يعني السبابة و الوسطى إحداهما تفضل على الأخرى أبشر يا سفيان فإن الدنيا تسع البر و الفاجر حتى يبعث الله إمام الحق من آل محمد ص.قلت قوله و لا في الأرض ناصر أي ناصر ديني أي لا يمكن أحدا أن ينتصر له بتأويل ديني يتكلف به عذرا لأفعاله القبيحة.فإن قلت قوله و إنه لمعاوية من الحديث المرفوع أو من كلام علي ع أو من كلام الحسن ع قلت الظاهر أنه من كلام الحسن ع فإنه قد غلب على ظنه أن معاوية صاحب هذه الصفات و إن كان القسمان الأولان غير ممتنعين.فإن قلت فمن هو إمام الحق من آل محمد قلت أما الإمامية فتزعم أنه صاحبهم الذي يعتقدون أنه الآن حي في الأرض و أما أصحابنا فيزعمون أنه فاطمي يخلقه الله في آخر الزمان.

٤٥

قال أبو الفرج و سار معاوية حتى نزل النخيلة و جمع الناس بها فخطبهم قبل أن يدخل الكوفة خطبة طويلة لم ينقلها أحد من الرواة تامة و جاءت منقطعة في الحديث و سنذكر ما انتهى إلينا منها.فأما الشعبي فإنه روى أنه قال في الخطبة ما اختلف أمر أمة بعد نبيها إلا و ظهر أهل باطلها على أهل حقها ثم انتبه فندم فقال إلا هذه الأمة فإنها و إنها و أما أبو إسحاق السبيعي فقال إن معاوية قال في خطبته بالنخيلة ألا إن كل شي‏ء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به.قال أبو إسحاق و كان و الله غدارا.و روى الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن سويد قال صلى بنا معاوية بالنخيلة الجمعة ثم خطبنا فقال و الله إني ما قاتلتكم لتصلوا و لا لتصوموا و لا لتحجوا و لا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك و إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم و قد أعطاني الله ذلك و أنتم كارهون.قال و كان عبد الرحمن بن شريك إذا حدث بذلك يقول هذا و الله هو التهتك.

قال أبو الفرج و حدثني أبو عبيد محمد بن أحمد قال حدثني الفضل بن الحسن البصري قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني أبو حفص اللبان عن عبد الرحمن بن شريك عن إسماعيل بن أبي خالد عن حبيب بن أبي ثابت قال خطب معاوية بالكوفة حين دخلها و الحسن و الحسين ع جالسان تحت المنبر فذكر عليا ع

٤٦

فنال منه ثم نال من الحسن فقام الحسين ع ليرد عليه فأخذه الحسن بيده فأجلسه ثم قام فقال أيها الذاكر عليا أنا الحسن و أبي علي و أنت معاوية و أبوك صخر و أمي فاطمة و أمك هند و جدي رسول الله و جدك عتبة بن ربيعة و جدتي خديجة و جدتك قتيلة فلعن الله أخملنا ذكرا و ألأمنا حسبا و شرنا قديما و حديثا و أقدمنا كفرا و نفاقا فقال طوائف من أهل المسجد آمين قال الفضل قال يحيى بن معين و أنا أقول آمين.قال أبو الفرج قال أبو عبيد قال الفضل و أنا أقول آمين و يقول علي بن الحسين الأصفهاني آمين.قلت و يقول عبد الحميد بن أبي الحديد مصنف هذا الكتاب آمين.قال أبو الفرج و دخل معاوية الكوفة بعد فراغه من خطبته بالنخيلة و بين يديه خالد ابن عرفطة و معه حبيب بن حماد يحمل رايته فلما صار بالكوفة دخل المسجد من باب الفيل و اجتمع الناس إليه.

قال أبو الفرج فحدثني أبو عبيد الصيرفي و أحمد بن عبيد الله بن عمار عن محمد بن علي بن خلف عن محمد بن عمرو الرازي عن مالك بن سعيد عن محمد بن عبد الله الليثي عن عطاء بن السائب عن أبيه قال بينما علي بن أبي طالب ع على منبر الكوفة إذ دخل رجل فقال يا أمير المؤمنين مات خالد بن عرفطة فقال لا و الله ما مات و لا يموت حتى يدخل من باب المسجد و أشار إلى باب الفيل و معه راية ضلالة يحملها حبيب بن حماد قال فوثب رجل فقال يا أمير المؤمنين أنا حبيب بن حماد و أنا لك شيعة فقال

٤٧

فإنه كما أقول فو الله لقد قدم خالد بن عرفطة على مقدمة معاوية يحمل رايته حبيب بن حماد : قال أبو الفرج و قال مالك بن سعيد و حدثني الأعمش بهذا الحديث قال حدثني صاحب هذه الدار و أشار إلى دار السائب أبي عطاء إنه سمع عليا ع يقول هذا.قال أبو الفرج فلما تم الصلح بين الحسن و معاوية أرسل إلى قيس بن سعد يدعوه إلى البيعة فجاءه و كان رجلا طوالا يركب الفرس المشرف و رجلاه تخطان في الأرض و ما في وجهه طاقة شعر و كان يسمى خصي الأنصار فلما أرادوا إدخاله إليه قال إني حلفت ألا ألقاه إلا و بيني و بينه الرمح أو السيف فأمر معاوية برمح و سيف فوضعا بينه و بينه ليبر يمينه.قال أبو الفرج و قد روي أن الحسن لما صالح معاوية اعتزل قيس بن سعد في أربعة آلاف فارس فأبى أن يبايع فلما بايع الحسن أدخل قيس ليبايع فأقبل على الحسن فقال أ في حل أنا من بيعتك فقال نعم فألقي له كرسي و جلس معاوية على سرير و الحسن معه فقال له معاوية أ تبايع يا قيس قال نعم و وضع يده على فخذه و لم يمدها إلى معاوية فجاء معاوية من سريره و أكب على قيس حتى مسح يده على يده و ما رفع إليه قيس يده.

٤٨

قال أبو الفرج ثم إن معاوية أمر الحسن أن يخطب فظن أنه سيحصر فقام فخطب

فقال في خطبته إنما الخليفة من سار بكتاب الله و سنة نبيه و ليس الخليفة من سار بالجور ذاك رجل ملك ملكا تمتع به قليلا ثم تنخمه تنقطع لذته و تبقى تبعته( وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى‏ حِينٍ ) قال و انصرف الحسن إلى المدينة فأقام بها و أراد معاوية البيعة لابنه يزيد فلم يكن عليه شي‏ء أثقل من أمر الحسن بن علي و سعد بن أبي وقاص فدس إليهما سما فماتا منه.قال أبو الفرج فحدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار عن عيسى بن مهران عن عبيد بن الصباح الخراز عن جرير عن مغيرة قال أرسل معاوية إلى بنت الأشعث بن قيس و هي تحت الحسن فقال لها إني مزوجك يزيد ابني على أن تسمي الحسن و بعث إليها بمائة ألف درهم ففعلت و سمت الحسن فسوغها المال و لم يزوجها منه فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها فكان إذا وقع بينهم و بين بطون قريش كلام عيروهم و قالوا يا بني مسمة الأزواج.قال حدثني أحمد قال حدثني يحيى بن بكير عن شعبة عن أبي بكر بن حفص قال توفي الحسن بن علي و سعد بن أبي وقاص في أيام متقاربة و ذلك بعد ما مضى من ولاية إمارة معاوية عشر سنين و كانوا يروون أنه سقاهما السم

قال أبو الفرج و حدثني أحمد بن عون عن عمران بن إسحاق قال كنت مع الحسن و الحسين ع في الدار فدخل الحسن المخرج ثم خرج فقال لقد سقيت السم مرارا ما سقيت مثل هذه المرة لقد لفظت قطعة من كبدي فجعلت

٤٩

أقلبها بعود معي فقال الحسين و من سقاك قال و ما تريد منه أ تريد أن تقتله إن يكن هو هو فالله أشد نقمة منك و إن لم يكن هو فما أحب أن يؤخذ بي بري‏ء.قال أبو الفرج دفن الحسن ع في قبر فاطمة بنت رسول الله ص في البقيع و قد كان أوصى أن يدفن مع النبي ص فمنع مروان بن الحكم من ذلك و ركبت بنو أمية في السلاح و جعل مروان يقول

يا رب هيجا هي خير من دعه

يدفن عثمان في البقيع و يدفن الحسن في بيت النبي ص و الله لا يكون ذلك أبدا و أنا أحمل السيف و كادت الفتنة تقع و أبى الحسين ع أن يدفنه إلا مع النبي ص فقال له عبد الله بن جعفر عزمت عليك يا أبا عبد الله بحقي ألا تكلم بكلمة فمضوا به إلى البقيع و انصرف مروان.

قال أبو الفرج و قد روى الزبير بن بكار أن الحسن ع أرسل إلى عائشة أن تأذن له أن يدفن مع النبي ص فقالت نعم فلما سمعت بنو أمية بذلك استلأموا في السلاح و تنادوا هم و بنو هاشم في القتال فبلغ ذلك الحسن فأرسل إلى بني هاشم أما إذا كان هذا فلا حاجة لي فيه ادفنوني إلى جنب أمي فدفن إلى جنب فاطمة ع.قال أبو الفرج فأما يحيى بن الحسن صاحب كتاب النسب فإنه روى أن عائشة

٥٠

ركبت ذلك اليوم بغلا و استنفرت بنو أمية مروان بن الحكم و من كان هناك منهم و من حشمهم و هو قول القائل

فيوما على بغل و يوما على جمل

قلت و ليس في رواية يحيى بن الحسن ما يؤخذ على عائشة لأنه لم يرو أنها استنفرت الناس لما ركبت البغل و إنما المستنفرون هم بنو أمية و يجوز أن تكون عائشة ركبت لتسكين الفتنة لا سيما و قد روي عنها أنه لما طلب منها الدفن قالت نعم فهذه الحال و القصة منقبة من مناقب عائشة.

قال أبو الفرج و قال جويرية بن أسماء لما مات الحسن و أخرجوا جنازته جاء مروان حتى دخل تحته فحمل سريره فقال له الحسين ع أ تحمل اليوم سريره و بالأمس كنت تجرعه الغيظ قال مروان كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال.قال و قدم الحسين ع للصلاة عليه سعيد بن العاص و هو يومئذ أمير المدينة و قال تقدم فلو لا أنها سنة لما قدمتك.قال قيل لأبي إسحاق السبيعي متى ذل الناس فقال حين مات الحسن و ادعي زياد و قتل حجر بن عدي.قال اختلف الناس في سن الحسن ع وقت وفاته فقيل ابن ثمان و أربعين و هو المروي عن جعفر بن محمد ع في رواية هشام بن سالم و قيل ابن ست و أربعين و هو المروي أيضا عن جعفر بن محمد ع في رواية أبي بصير.

٥١

قال و في الحسن ع يقول سليمان بن قتة يرثيه و كان محبا له:

يا كذب الله من نعى حسنا

ليس لتكذيب نعيه ثمن

كنت خليلي و كنت خالصتي

لكل حي من أهله سكن

أجول في الدار لا أراك و في

الدار أناس جوارهم غبن

بدلتهم منك ليت أنهم

أضحوا و بيني و بينهم عدن

ثم نرجع إلى تفسير ألفاظ الفصل أما قوله كتبها إليه بحاضرين فالذي كنا نقرؤه قديما كتبها إليه بالحاضرين على صيغة التثنية يعني حاضر حلب و حاضر قنسرين و هي الأرباض و الضواحي المحيطة بهذه البلاد ثم قرأناه بعد ذلك على جماعة من الشيوخ بغير لام و لم يفسروه و منهم من يذكره بصيغة الجمع لا بصيغة التثنية و منهم من يقول بخناصرين يظنونه تثنية خناصرة أو جمعها و قد طلبت هذه الكلمة في الكتب المصنفة سيما في البلاد و الأرضين فلم أجدها و لعلي أظفر بها فيما بعد فألحقها في هذا الموضع.قوله من الوالد الفان حذف الياء ها هنا للازدواج بين الفان و الزمان و لأنه وقف و في الوقف على المنقوص يجوز مع اللام حذف الياء و إثباتها و الإثبات هو الوجه و مع عدم اللام يجوز الأمران و إسقاط الياء هو الوجه.قوله المقر للزمان أي المقر له بالغلبة كأنه جعل نفسه فيما مضى خصما للزمان بالقهر.قوله المدبر العمر لأنه كان قد جاوز الستين و لم يبق بعد مجاوزة الستين إلا إدبار العمر لأنها نصف العمر الطبيعي الذي قل أن يبلغه أحد فعلى تقدير أنه

٥٢

يبلغه فكل ما بعد الستين أقل مما مضى فلا جرم يكون العمر قد أدبر.قوله المستسلم للدهر هذا آكد من قوله المقر للزمان لأنه قد يقر الإنسان لخصمه و لا يستسلم.قوله الذام للدنيا هذا وصف لم يستحدثه عند الكبر بل لم يزل عليه و لكن يجوز أن يزيد ذمه لها لأن الشيخ تنقص قواه التي يستعين بها على الدنيا و الدين جميعا و لا يزال يتأفف من الدنيا.قوله الساكن مساكن الموتى إشعار بأنه سيموت و هذا من قوله تعالى( وَ سَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ) .قوله الظاعن عنها غدا لا يريد الغد بعينه بل يريد قرب الرحيل و الظعن.و هذا الكلام من أمير المؤمنين ع كلام من قد أيقن بالفراق و لا ريب في ظهور الاستكانة و الخضوع عليه و يدل أيضا على كرب و ضيق عطن لكونه لم يبلغ أربه من حرب أهل الشام و انعكس ما قدره بتخاذل أصحابه عنه و نفوذ حكم عمرو بن العاص فيه لحمق أبي موسى و غباوته و انحرافه أيضا.قوله إلى المولود هذه اللفظة بإزاء الوالد.قوله المؤمل ما لا يدرك لو قال قائل إنه كنى بذلك عن أنه لا ينال الخلافة بعد موتي و إن كان مؤملا لها لم يبعد و يكون ذلك إخبارا عن غيب و لكن الأظهر أنه لم يرد ذلك إنما أراد جنس البشر لا خصوص الحسن و كذلك سائر الأوصاف التي تلي هذه اللفظة لا تخص الحسن ع بعينه بل هي و إن كانت له في الظاهر بل هي للناس كلهم في الحقيقة أ لا ترى إلى قوله بعدها السالك سبيل من قد هلك فإن كل واحد من الناس يؤمل أمورا لا يدركها و كل واحد من الناس سألك سبيل من هلك قبله.

٥٣

قوله ع غرض الأسقام لأن الإنسان كالهدف لآفات الدنيا و أعراضها.قوله ع و رهينة الأيام الرهينة هاهنا المهزول يقال إنه لرهن و إنه لرهينة إذا كان مهزولا بالياء قال الراجز:

أما ترى جسمي خلاء قد رهن

هزلا و ما مجد الرجال في السمن

و يجوز أن يريد بالرهينة واحدة الرهائن يقال للأسير أو للزمن أو للعاجز عند الرحيل أنه لرهينة و ذلك لأن الرهائن محتبسة عند مرتهنها.قوله و رمية المصائب الرمية ما يرمى.قوله و عبد الدنيا و تاجر الغرور و غريم المنايا لأن الإنسان طوع شهواته فهو عبد الدنيا و حركاته فيها مبنية على غرور لا أصل له فهو تاجر الغرور لا محالة و لما كانت المنايا تطالبه بالرحيل عن هذه الدار كانت غريما له يقتضيه ما لا بد له من أدائه.قوله و أسير الموت و حليف الهموم و قرين الأحزان و نصب الآفات و سريع الشهوات لما كان الإنسان مع الموت كما قال طرفة:

لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى

لكالطول المرخى و ثنياه باليد

كان أسيرا له لا محالة و لما كان لا بد لكل إنسان من الهم كان حليف الهموم و كذلك لا يخلو و لا ينفك من الحزن فكان قرينا له و لما كان معرضا للآفات كان نصبا لها و لما كان إنما يهلك بشهواته كان صريعا لها.قوله و خليفة الأموات قد أخذه من قال إن أمرا ليس بينه و بين آدم إلا أب ميت لمعرق في الموت.و اعلم أنه عد من صفات نفسه سبعا و عد من صفات ولده أربع عشرة صفة فجعل

٥٤

بإزاء كل واحدة مما له اثنتين فليلمح ذلك

بعض ما قيل من الشعر في الدهر و فعله بالإنسان

و من جيد ما نعى به شاعر نفسه و وصف ما نقص الدهر من قواه قول عوف بن محلم الشيباني في عبد الله بن طاهر أمير خراسان:

يا ابن الذي دان له المشرقان

و ألبس الأمن به المغربان

إن الثمانين و بلغتها

قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

و بدلتني بالشطاط انحنا

و كنت كالصعدة تحت السنان

و قاربت مني خطا لم تكن

مقاربات و ثنت من عنان

و عوضتني من زماع الفتى

و همه هم الجبان الهدان

و أنشأت بيني و بين الورى

عنانة من غير نسج العنان

و لم تدع في لمستمتع

إلا لساني و كفاني لسان

أدعو به الله و أثني به

على الأمير المصعبي الهجان

٥٥

و من الشعر القديم الجيد في هذا المعنى قول سالم بن عونة الضبي:

لا يبعدن عصر الشباب و لا

لذاته و نباته النضر

و المشرفات من الخدور كإيماض

الغمام يجوز بالقطر

و طراد خيل مثلها التقتا

لحفيظة و مقاعد الخمر

لو لا أولئك ما حلفت متى

عوليت في خرج إلى قبري

هربت زبيبة أن رأت ثرمي

و أن انحنى لتقادم ظهري

من بعد ما عهدت فأدلفني

يوم يمر و ليلة تسري

حتى كأني خاتل قنصا

و المرء بعد تمامه يجري

لا تهزئي مني زبيب فما

في ذاك من عجب و لا سخر

أ و لم تري لقمان أهلكه

ما اقتات من سنة و من شهر

و بقاء نسر كلما انقرضت

أيامه عادت إلى نسر

ما طال من أمد على لبد

رجعت محارته إلى قصر

و لقد حلبت الدهر أشطره

و علمت ما آتي من الأمر

أنا أستفصح قوله ما اقتات من سنة و من شهر جعل الزمان كالقوت له و من اقتات الشي‏ء فقد أكله و الأكل سبب المرض و المرض سبب الهلاك

٥٦

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ فِيمَا تَبَيَّنْتُ مِنْ إِدْبَارِ اَلدُّنْيَا عَنِّي وَ جُمُوحِ اَلدَّهْرِ عَلَيَّ وَ إِقْبَالِ اَلآْخِرَةِ إِلَيَّ مَا يَزَعُنِي عَنْ ذِكْرِ مَنْ سِوَايَ وَ اَلاِهْتِمَامِ بِمَا وَرَائِي غَيْرَ أَنِّي حَيْثُ تَفَرَّدَ بِي دُونَ هُمُومِ اَلنَّاسِ هَمُّ نَفْسِي فَصَدَّقَنِي فَصَدَفَنِي رَأْيِي وَ صَرَفَنِي عَنْ هَوَايَ وَ صَرَّحَ لِي مَحْضُ أَمْرِي فَأَفْضَى بِي إِلَى جَدٍّ لاَ يَكُونُ فِيهِ لَعِبٌ وَ صِدْقٍ لاَ يَشُوبُهُ كَذِبٌ وَجَدْتُكَ بَعْضِي بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي وَ كَأَنَّ اَلْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِينِي مِنْ أَمْرِ نَفْسِي فَكَتَبْتُ إِلَيْكَ كِتَابِي هَذَا مُسْتَظْهِراً بِهِ إِنْ أَنَا بَقِيتُ لَكَ أَوْ فَنِيتُ يزعني يكفني و يصدني وزعت فلانا و لا بد للناس من وزعة.و سوى لفظة تقصر إذا كسرت سينها و تمد إذا فتحتها و هي هاهنا بمعنى غير و من قبلها بمعنى شي‏ء منكر كقوله

رب من أنضجت غيظا قلبه

و التقدير غير ذكر إنسان سواي و يجوز أن تكون من موصولة و قد حذف أحد جزأي الصلة و التقدير عن ذكر الذي هو غيري كما قالوا في( لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ ) أي هو أشد يقول ع إن فيما قد بان لي من تنكر الوقت و إدبار الدنيا و إقبال الآخرة شاغلا لي عن الاهتمام بأحد غيري و الاهتمام و الفكر في أمر الولد و غيره ممن أخلفه ورائي.

٥٧

ثم عاد فقال ألا إن همي بنفسي يقتضي اهتمامي بك لأنك بعضي بل كلي فإن كان اهتمامي بنفسي يصرفني عن غيري لم تكن أنت داخلا في جملة من يصرفني همي بنفسي عنهم لأنك لست غيري.فإن قلت أ فهذا الهم حدث لأمير المؤمنين ع الآن أو من قبل لم يكن عالما بأن الدنيا مدبرة و الآخرة مقبلة.قلت كلا بل لم يزل عالما عارفا بذلك و لكنه الآن تأكد و قوي بطريق علو السن و ضعف القوى و هذا أمر يحصل للإنسان على سبيل الإيجاب لا بد من حصوله لكل أحد و إن كان عالما بالحال من قبل و لكن ليس العيان كالخبر.و من مستحسن ما قيل في هذا المعنى قول أبي إسحاق الصابئ:

أقيك الردى إني تنبهت من كرى

و سهو على طول المدى اعترياني

فأثبت شخصا دانيا كان خافيا

على البعد حتى صار نصب عياني

هو الأجل المحتوم لي جد جده

و كان يريني غفلة المتواني

له نذر قد آذنتني بهجمة

له لست منها آخذا بأمان

و لا بد منه ممهلا أو معاجلا

سيأتي فلا يثنيه عني ثان

و أول هذه القصيدة و هو داخل له في هذا المعنى أيضا:

إذا ما تعدت بي و سارت محفة

لها أرجل يسعى بها رجلان

و ما كنت من فرسانها غير أنها

وفت لي لما خانت القدمان

نزلت إليها عن سراة حصاني

بحكم مشيب أو فراش حصان

فقد حملت مني ابن سبعين سالكا

سبيلا عليها يسلك الثقلان

٥٨

كما حمل المهد الصبي و قبلها

ذعرت أسود الغيل بالنزوان

و لي بعدها أخرى تسمى جنازة

جنيبة يوم للمنية دان

تسير على أقدام أربعة إلى

ديار البلى معدودهن ثمان

و إني على عيث الردى في جوارحي

و ما كف من خطوي و بطش بناني

و إن لم يدع إلا فؤادا مروعا

به غير باق من الحدثان

تلوم تحت الحجب ينفث حكمه

إلى أذن تصغي لنطق لسان

لأعلم أني ميت عاق دفنه

ذماء قليل في غد هو فان

و إن فما للأرض غرثان حائما

يراصد من أكلي حضور أوان

به شره عم الورى بفجائع

تركن فلانا ثاكلا لفلان

غدا فاغرا يشكو الطوى و هو راتع

فما تلتقي يوما له الشفتان

إذا عاضنا بالنسل ممن نعوله

تلا أولا منه بمهلك ثان

إلى ذات يوم لا ترى الأرض وارثا

سوى الله من إنس تراه و جان

قوله تفرد بي دون هموم الناس هم نفسي أي دون الهموم التي قد كانت تعتريني لأجل أحوال الناس.فصدقني رأيي يقال صدقته كذا أي عن كذا و في المثل صدقني سن بكره لأنه لما نفر قال له هدع و هي كلمة تسكن بها صغار الإبل إذا نفرت و المعنى أن هذا الهم صدقني عن الصفة التي يجب أن يكون رأيي عليها و تلك الصفة هي ألا يفكر في

٥٩

أمر شي‏ء من الموجودات أصلا إلا الله تعالى و نفسه و فوق هذه الطبقة طبقة أخرى جدا و هي ألا تفكر في شي‏ء قط إلا في الله وحده و فوق هذه الطبقة طبقة أخرى تجل عن الذكر و التفسير و لا تصلح لأحد من المخلوقين إلا النادر الشاذ و قد ذكرها هو فيما سبق و هو ألا يفكر في شي‏ء أصلا لا في المخلوق و لا في الخالق لأنه قد قارب أن يتحد بالخالق و يستغني عن الفكر فيه.قوله و صرفني عن هواي أي عن هواي و فكري في تدبير الخلافة و سياسة الرعية و القيام بما يقوم به الأئمة.قوله ع و صرح لي محض أمري يروى بنصب محض و رفعه فمن نصب فتقديره عن محض أمري فلما حذف الجار نصب و من رفع جعله فاعلا و صرح كشف أو انكشف.قوله فأفضى بي إلى كذا ليس بمعنى أنه قد كان من قبل يمازج جده باللعب بل المعنى أن همومه الأولى قد كانت بحيث يمكن أن يتخللها وقت راحة أو دعابة لا يخرج بها عن الحق كما كان رسول الله ص يمزح و لا يقول إلا حقا فالآن قد حدث عنده هم لا يمكن أن يتخلله من ذلك شي‏ء أصلا و مدار الفرق بين الحالتين أعني الأولى و الثانية على إمكان اللعب لا نفس اللعب و ما يلزم من قوله أفضى لك بي هذا الهم إلى انتفاء إمكان اللعب أن تكون همومه الأولى قد كان يمازجها اللعب و لكن يلزم من ذلك أنها قد كانت يمكن ذلك فيها إمكانا محضا على أن اللعب غير منكر إذا لم يكن باطلا أ لا ترى إلى قول النبي ص المؤمن دعب لعب و كذلك القول في قوله و صدق لا يشوبه كذب أي لا يمكن أن يشوبه كذب و ليس المراد بالصدق و الكذب هاهنا مفهومهما المشهورين بل هو من قولهم صدقونا اللقاء و من قولهم حمل عليهم فما كذب قال زهير

٦٠