فرائد الاصول الجزء ١

فرائد الاصول0%

فرائد الاصول مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 406

فرائد الاصول

مؤلف: الشيخ مرتضى الأنصاري
تصنيف:

الصفحات: 406
المشاهدات: 43694
تحميل: 8456


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 406 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43694 / تحميل: 8456
الحجم الحجم الحجم
فرائد الاصول

فرائد الاصول الجزء 1

مؤلف:
العربية

المقامين، وسنحققه فيما يأتي إن شاء الله تعالى.

وذكر هناك ما حاصله: (وجوب الاحتياط عند تساوي إحتمال الامر الوارد بين الوجوب والاستحباب ولو كان ظاهرا في الندب بني على جواز الترك.وكذا لو وردت رواية ضعيفة بوجوب شئ وتمسك في ذلك بحديث: ما حجب الله علمه، وحديث رفع التسعة.

قال: وخرج عن تحتهما كل فعل وجودي لم يقطع بجوازه لحديث التثليث).

أقول: قد عرفت فيما تقدم في نقل كلام المحقق ره، أن التمسك بأصل البراء‌ة منوط بدليل عقلي هو قبح التكليف بما لا طريق إلى العلم به.

وهذا لا دخل فيه لاكمال الدين وعدمه، و لكون الحسن والقبح أو الوجوب والتحريم عقليين أو شرعيين في ذلك.

والعمدة فيما ذكره هذا المحدث من أوله إلى آخره تخيله أن مذهب المجتهدين التمسك بالبراء‌ة الاصلية لنفي الحكم الواقعي ولم أجد أحدا يستدل بها على ذلك.

نعم قد عرفت سابقا أن ظاهر جماعة من الامامية جعل أصل البراء‌ة من الادلة الظنية، كما تقدم في المطلب الاول إستظهار ذلك من صاحبي المعالم والزبدة.

لكن ما ذكره من إكمال الدين لا ينفي حصول الظن، بجواز دعوى أن المظنون بالاستصحاب أو غيره موافقة ما جاء به النبي " ص " للبراء‌ة.

وما ذكره من تبعية خطاب الله تعالى للحكم و المصالح لا ينافي ذلك.

لكن الانصاف: أن الاستصحاب لا يفيد الظن خصوصا في المقام، كما سيجئ إن شاء الله تعالى، في محله ولا أمارة غيره يفيد الظن.

فالاعتراض على مثل هؤلاء إنما هو منع حصول الظن و منع إعتباره على تقدير الحصول.

ولا دخل لاكمال الدين وعدمه، ولا للحسن والقبح العقليين في هذا المنع.

وكيف كان فيظهر من المعارج القول بالاحتياط في المقام عن جماعة حيث قال: (الاحتياط غير لازم.

وصار آخرون إلى لزومه وفصل أخرون)، إنتهى.وحكى عن المعالم نسبته إلى جماعة.

فالظاهر أن المسألة خلافية، لكن لم يعرف القائل به بعينه.

وإن كان يظهر من الشيخ و السيدين، رحمهم الله، التمسك به أحيانا، لكن يعلم مذهبهم من أكثر المسائل.

والاقوى فيه جريان أصالة البراء‌ة للادلة الاربعة المتقدمة مضافا إلى الاجماع المركب.

٣٨١

وينبغي التنبيه على أمور الاول: أن محل الكلام في هذه المسألة هو احتمال الوجوب النفسي المسقتل.

وأما إذا احتمل كون شئ واجبا لكونه جزء وشرطا لواجب آخر، فهو داخل في الشك في المكلف به، وإن كان المختار جريان أصل البراء‌ة فيه أيضا، كما سيجئ إن شاء الله تعالى، لكنه خارج عن هذه المسألة الاتفاقية.

الثاني: إنه لا إشكال في رجحان الاحتياط بالفعل حتى فيما احتمل كراهته.

والظاهر ترتب الثواب عليه إذا اتي به لداعي إحتمال المحبوبية، لانه إنقياد وإطاعة حكمية.

والحكم بالثواب هنا أولى من الحكم بالعقاب على تارك الاحتياط اللازم، بناء على أنها في حكم المعصية وإن لم يفعل محرما واقعيا.

وفي جريان ذلك في العبادات عند دوران الامر بين الوجوب وغير الاستحباب وجهان، أقواهما العدم، لان العبادة لا بد فيها من نية التقرب المتوقفة على العلم بأمر الشارع تفصيلا أو إجمالا كما في كل من الصلوات الاربع عند إشتباه القبلة.

وما ذكرنا من ترتب الثواب على هذا الفعل لا يوجب تعلق الامر به، بل هو لاجل كونه إنقيادا للشارع، والعبد معه في حكم المطيع، بل لا يسمى ذلك ثوابا.

ودعوى: (أن العقل إذا إستقل بحسن هذا الاتيان ثبت بحكم الملازمة الامر به شرعا)، مدفوعة، بما تقدم في المطلب الاول، من أن الامر الشرعي بهذا النحو من الانقياد كأمره بالانقياد الحقيقي والاطاعة الواقعية في معلوم التكليف إرشادي محض، لا يترتب على موافقته ومخالفته أزيد

٣٨٢

مما يترتب على نفس وجود المأمور به أو عدمه، كما هو شأن الاوامر الارشادية، فلا إطاعة لهذا الامر الارشادي، ولا ينفع في جعل الشئ عبادة.

كما أن إطاعة الاوامر المتحققة لم تصر عبادة بسبب الامر الوارد بها في قوله تعالى: (أطيعوا الله ورسوله).

ويحتمل الجريان بناء على أن هذا المقدار من الحسن العقلي يكفي في العبادة ومنع توقفها على ورود أمر بها يكفي الاتيان به لاحتمال كونه مطلوبا أو كون تركه مبغوضا.

ولذا إستقرت سيرة العلماء والصلحاء فتوى وعملا على إعادة العبادات لمجرد الخروج عن مخالفة النصوص الغير المعتبرة والفتاوى النادرة.

واستدل في الذكرى، في خاتمة قضاء الفوائت، على شرعية قضاء الصلاة لمجرد إحتمال خلل فيها موهوم بقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم)، و (اتقوا الله حق تقاته)، وقوله: (واللذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون).

والتحقيق: أنه إن قلنا بكفاية إحتمال المطلوبية في صحة العبادة فيما لا يعلم المطلوبيه ولو إجمالا فهو، وإلا فما أورده، رحمه الله، في الذكرى، كأوامر الاحتياط، لا يجدي في صحتها.

لان موضوع التقوى والاحتياط الذي يتوقف عليه هذه الاوامر لا يتحقق إلا بعد إتيان محتمل العبادة على وجه يجتمع فيه جميع ما يعتبر في العبادة حتى نية التقرب،وإلا لم يكن إحتياطا، فلا يجوز أن يكون تلك الاوامر منشا للقربة المنوية فيها.

اللهم إلا أن يقال - بعد النقض بورود هذا الايراد في الاوامر الواقعية بالعبادات.

مثل قوله: (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)، حيث أن قصد القربة مما يعتبر في موضوع العبادة شطرا أو شرطا.

والمفروض ثبوت مشروعيتها بهذا الامر الوارد فيها - إن المراد من الاحتياط والاتقاء في هذه الاوامر هو مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نية القربة.فمعنى الاحتياط بالصلاة الاتيان بجميع ما يعتبر فيها عدا قصد القربه.فأوامر الاحتياط تتعلق بهذا الفعل.وحينئذ فيقصد المكلف فيه التقرب بإطاعة هذا الامر.

ومن هنا يتجه الفتوى بإستحباب هذا الفعل، وإن لم يعلم المقلد كون هذا الفعل مما شك في كونها عبادة ولم يأت به بداعي إحتمال المطلوبية.

ولو أريد بالاحتياط في هذه الاوامر معناه الحقيقي، وهو إتيان الفعل لداعي إحتمال المطلوبية لم يجز للمجتهد أن يفتي بإستحبابه مع التقييد بإتيانه بداعي الاحتمال حتى يصدق عليه عنوان

٣٨٣

الاحتياط مع إستقرار سيرة أهل الفتوى على خلافه.فيعلم أن المقصود إتيان الفعل بجميع ما يعتبر فيه عدا نية الداعي.

ثم إن منشأ إحتمال الوجوب، إذا كان خبرا ضعيفا، فلا حاجة إلى أخبار الاحتياط وكلفه إثبات أن الامر فيها للاستحباب الشرعي دون الارشاد العقلي، لورود بعض الاخبار بإستحباب فعل كل ما يحتمل فيه الثواب.

كصحيحة هشام بن سالم المحكية عن المحاسن عن ابي عبدالله عليه السلام.

قال: (من بلغه عن النبي، صلى الله عليه وآله، شئ من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول الله " ص " لم يقله).

وعن البحار، بعد ذكرها: (أن هذا الخبر من المشهورات رواه العامة والخاصة بأسانيد).

والظاهر أن المراد من (شئ من الثواب) بقرينة ضمير (فعمله) وإضافة الاجر إليه هو الفعل المشتمل على الثواب.

وفي عدة الداعي عن الكليني، رحمه الله، أني روى بطرقه عن الائمة عليهم السلام: (انه من بلغه شئ من الخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه وإن لم يكن كما بلغه).

وأرسل نحوه السيد، رحمه الله، في الاقبال عن الصادق عليه السلام.

إلا أن فيه: (كان له ذلك.

والاخبار الواردة في هذا الباب كثيرة، إلا أن ما ذكرناه أوضح دلالة على ما نحن فيه.

وإن كان يورد عليه أيضا، تارة بأن ثبوت الاجر لا يدل على الاستحباب الشرعي، وأخرى بما تقدم من أوامر الاحتياط من أن قصد القربة مأخوذ في الفعل المأمور به بهذه الاخبار، فلا يجوز أن تكون هي المصححة لفعله فيختص موردها بصورة تحقق الاستحباب وكون البالغ هو الثواب الخاص فهو المتسامح فيه دون أصل شرعية الفعل.

وثالثة بظهورها فيما بلغ فيه الثواب المحض لا العقاب محضا او مع الثواب.

لكن يرد هذا منع الظهور مع إطلاق الخبر، ويرد ما قبله ما تقدم في أوامر الاحتياط.

وأما الايراد الاول، فالانصاف أنه لا يخلو عن وجه، لان الظاهر من هذه الاخبار كون العمل

٣٨٤

متفرعا على البلوغ وكونه الداعي على العمل.

ويؤيده تقييد العمل في غير واحد من تلك الاخبار بطلب قول النبي " ص " وإلتماس الثواب الموعود.

ومن المعلوم أن العقل مستقل بإستحقاق هذا العامل المدح والثواب.

وحينئذ فإن كان الثابت بهذا الاخبار أصل الثواب كانت مؤكده لحكم العقل بالاستحقاق.

وأما طلب الشارع لهذا الفعل: فإن كان على وجه الارشاد لاجل تحصيل هذا الثواب الموعود فهو لازم للاستحقاق المذكور وهو عين الامر بالاحتياط.

وإن كان على وجه الطلب الشرعي المعبر عنه بالاستحباب فهو غير لازم للحكم بتنجز الثواب، لان هذا الحكم تصديق لحكم العقل بتنجزه فيشبه قوله تعالى: (ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري)، إلا أن هذا وعد على الاطاعة الحقيقية.

وما نحن فيه وعد على الاطاعة الحكمية، وهو الفعل الذي يعد معه العبد في حكم المطيع.

فهو من باب وعد الثواب على نية الخير التي يعد معها العبد في حكم المطيع من حيث الانقياد.

وأما ما يتوهم من: (ان إستفادة الاستحباب الشرعي فيما نحن فيه.

نظير إستفادة الاستحباب الشرعي من الاخبار الواردة في الموارد الكثيرة المقتصر فيها على ذكر الثواب للعمل، مثل قوله عليه السلام: (من سرح لحيته فله كذا)، مدفوع: بأن الاستفادة هناك بإعتبار أن ترتب الثواب لا يكون إلا مع الاطاعة حقيقة أو حكما.

فمرجع تلك الاخبار إلى بيان الثواب على إطاعة الله سبحانه بهذا الفعل، فهي تكشف عن تعلق الامر بها من الشارع.

فالثواب هناك لازم للامر يستدل به عليه إستدلالا إنيا.

ومثل ذلك إستفادة الوجوب والتحريم مما اقتصر فيه على ذكر العقاب على الترك أو الفعل.

وأما الثواب الموعود في هذه الاخبار فهو بإعتبار الاطاعة الحكمية، فهو لازم لنفس عمله المتفرع على السماع و إحتمال الصدق ولو لم يرد به أمر آخر أصلا، فلا يدل على طلب شرعي آخر له.

نعم يلزم من الوعد على الثواب طلب إرشادي لتحصيل ذلك الموعود.

فالغرض من هذه الاوامر، كأوامر الاحتياط، تأييد حكم العقل والترغيب في تحصيل ما وعد الله عباده المنقادين المعدودين بمنزلة المطيعين.

وإن كان الثابت بهذه الاخبار خصوص الثواب البالغ كما هو ظاهر بعضها فهو، وإن كان مغايرا لحكم العقل بإستحقاق أصل الثواب على هذا العمل، بناء على أن العقل لا يحكم بإستحقاق ذلك الثواب المسموع الداعي إلى الفعل، بل قد يناقش في تسمية ما يستحقه هذا العامل لمجرد إحتمال الامر ثوابا وإن كان نوعا من الجزاء والعوض، إلا أن مدلول هذا الاخبار إخبار عن تفضل

٣٨٥

الله سبحانه على العامل بالثواب المسموع.

وهو أيضا ليس لازما لامر شرعي هو الموجب لهذا الثواب، بل هو نظير قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)، ملزوم لامر إرشادي يستقل به العقل بتحصيل ذلك الثواب المضاعف.

والحاصل أنه كان ينبغي للمتوهم أن يقيس ما نحن فيه بما ورد من الثواب على نية الخير، لا على ما ورد من الثواب في بيان المستحبات.

ثم إن الثمرة بين ما ذكرنا وبين الاستحباب الشرعي تظهر في ترتب الاثار الشرعية المترتبة على المستحبات الشرعية، مثل إرتفاع الحدث المترتب على الوضوء المأمور به شرعا، فإن مجرد ورود خبر غير معتبر بالامر به لا يوجب إلا إستحقاق الثواب عليه ولا يترتب عليه رفع الحدث، فتأمل، وكذا الحكم بإستحباب غسل المسترسل من اللحية في الوضوء من باب مجرد الاحتياط لا يسوغ جواز المسح ببلله، بل يحتمل قويا أن يمنع من المسح من بلله وإن قلنا بصيرورته مستحبا شرعيا، فافهم.

الثالث: أن الظاهر إختصاص أدلة البراء‌ه بصورة الشك في الوجوب التعييني، سواء كان أصليا أو عرضيا، كالواجب المخير المتعين لاجل الانحصار.

أما لو شك في الوجوب التخييري والاباحة فلا تجري فيه أدلة البراء‌ه، لظهورها في عدم تعيين المجهول على المكلف بحيث يلزم به ويعاقب عليه.

وفي جريان أصالة عدم الوجوب تفصيل، لانه إن كان الشك في وجوبه في ضمن كلي مشترك بينه وبين غيره أو وجوب ذلك الغير بالخصوص، فيشكل جريان أصالة عدم الوجوب، إذ ليس هنا إلا وجوب واحد متردد بين الكلي والفرد، فتعين هنا أصالة إجراء عدم سقوط ذلك الفرد المتيقن الوجوب بفعل هذا المشكوك، وأما إذا كان الشك في إيجابه بالخصوص جرى أصالة عدم الوجوب وأصالة عدم لازمه الوضعي، وهو سقوط الواجب المعلوم إذا شك في إسقاطه له.

أما إذا قطع بكونه مسقطا للوجوب المعلوم، وشك في كونه واجبا مسقطا للواجب الاخر أو مباحا مسقطا لوجوبه، نظير السفر المباح المسقط لوجوب الصوم، فلا مجرى للاصل إلا بالنسبة إلى طلبه و تجري أصالة البراء‌ه عن وجوبه التعيينى بالعرض إذا فرض تعذر بتعذر ذلك الواجب الاخر.

وربما يتخيل من هذا القبيل ما لو شك في وجوب الايتمام على من عجز عن القراء‌ة وتعلمها، بناء على رجوع المسألة إلى الشك في كون الايتمام مستحبا مسقطا أو واجبا مخيرا بينه وبين الصلاة مع القراء‌ة.

فيدفع وجوبه التخييري بالاصل.

٣٨٦

لكن الظاهر أن المسألة ليست من هذا القبيل، لان صلاة الجماعة فرد من الصلاة الواجبة، فتتصف بالوجوب لا محالة، وإتصافها بالاستحباب من باب أفضل فردي الواجب، فيختص بما إذا تمكن المكلف من غيره.

فإذا عجز تعين وخرج عن الاستحباب.

كما إذا منعه مانع آخر عن الصلاة منفردا، لكن يمكن منع تحقق العجز فيما نحن فيه، فإنه يتمكن من الصلاة منفردا بلا قراء‌ة، لسقوطها عنه بالتعذر، كسقوطها بالايتمام.فتعين أحد المسقطين يحتاج إلى دليل.

قال فخر المحققين في الايضاح في شرح قول والده رحمه الله: (والاقرب وجوب الايتمام على الامي العاجز): ووجه القرب تمكنه من صلاة صحيحة القراء‌ة.

و يحتمل عدمه، لعموم نصين: أحدهما الاكتفاء بما يحسن مع عدم التمكن من التعليم، والثاني ندبية الجماعة.

والاول أقوى، لانه يقوم مقام القراء‌ة إختيارا فيتعين عند الضرورة، لان كل بدل إختياري يجب عينا عند تعذر مبدله، وقد بين ذلك في الاصول.ويحتمل العدم، لان قراء‌ة الامام مسقطة لوجوب القراء‌ة على المأموم.و التعذر أيضا مسقط.

فإذا وجد أحد المسقطين للوجوب لم يجب الاخر، إذ التقدير أن كلا منهما سبب تام والمنشأ أن قراء‌ة الامام بدل أو مسقط)، إنتهى.

والمسأله محتاجة إلى التأمل.

ثم إن الكلام في الشك في الوجوب الكفائي، كوجوب رد السلام على المصلي إذا سلم على جماعة وهو منهم، يظهر مما ذكرنا، فافهم.

٣٨٧

المسألة الثانية: فيما إشتبه حكمه الشرعي من جهة إجمال اللفظ كما إذا قلنا بإشتراك لفظ الامر بين الوجوب والاستحباب أو الاباحة.والمعروف هنا عدم وجوب الاحتياط.

وقد تقدم عن المحدث العاملي في الوسائل أنه لا خلاف في نفي الوجوب عند الشك في الوجوب ويشمله أيضا معقد إجماع المعارج.

لكن تقدم من المعارج أيضا عند ذكر الخلاف في وجوب الاحتياط وجود القائل بوجوبه هنا.

وقد صرح صاحب الحدائق تبعا للمحدث الاسترابادي بوجوب التوقف والاحتياط هنا في الحدائق، بعد ذكر وجوب التوقف: (إن من يعتمد على اصالة البراء‌ة يجعلها هنا مرجحة للاستحباب.

وفيه: أولا منع جواز الاعتماد على البرائة الاصليه في الاحكام الشرعية.

وثانيا أن مرجع ذلك إلى أن الله تعالى حكم بالاستحباب لموافقة البراء‌ة.

ومن المعلوم أن أحكام الله تعالى تابعة للمصالح والحكم الخفية.

ولا يمكن أن يقال: إن مقتضى المصلحة موافقة البراء‌ه الاصلية، فإنه رجم بالغيب وجرء‌ة بلا ريب)، إنتهى.

وفيه ما لا يخفى، فإن القائل بالبراء‌ة الاصلية إن رجع إليها من باب حكم العقل بقبح العقاب من دون البيان فلا يرجع ذلك إلى دعوى كون حكم الله هو الاستحباب، فضلا عن تعليل ذلك بالبراء‌ة الاصلية، وإن رجع إليها بدعوى حصول الظن فحديث تبعية الاحكام للمصالح وعدم تبعيتها، كما عليه الاشاعره، أجنبي عن ذلك، إذ الواجب عليه إقامة الدليل على إعتبار هذا الظن المتعلق بحكم الله الواقعي الصادر عن المصلحة أولا عنها على الخلاف.

وبالجملة، فلا أدري وجها للفرق بين ما لا نص فيه وبين ما أجمل فيه النص، سواء قلنا بإعتبار

٣٨٨

هذا الاصل من باب حكم العقل أو من باب الظن، حتى لو جعل مناط الظن عموم البلوى، فإن عموم البلوى فيما نحن فيه يوجب الظن بعدم قرينة الوجوب مع الكلام المجمل المذكور وإلا لنقل مع توقر الدواعي، بخلاف الاستحباب، لعدم توفر الدواعي على نقله.ثم إن ما ذكرنا من حسن الاحتياط جار هنا.والكلام في إستحبابه شرعا كما تقدم.

نعم الاخبار المتقدمة فيمن بلغه الثواب لا يجري هنا، لان الامر لو دار بين الوجوب والاباحة لم يدخل في مواردها، لان المفروض إحتمال الاباحة، فلا يعلم بلوغ الثواب.

وكذا لو دار بين الوجوب والكراهة ولو دار بين الوجوب و الاستحباب لم يحتج إليها، والله العالم.

٣٨٩

المسألة الثالثة: فيما إشتبه حكمه الشرعي من جهة تعارض النصين وهنا مقامات، لكن المقصود هنا إثبات عدم و جوب التوقف والاحتياط.والمعروف عدم وجوبه هنا.وما تقدم في المسأله الثانية من نقل الوفاق والخلاف آت هنا.

وقد صرح المحدثان المتقدمان لوجوب التوقف والاحتياط هنا.

ولا مدرك له سوى أخبار التوقف التي قد عرفت ما فيها من قصور الدلالة على الوجوب فيما نحن فيه، مع أنها أعم مما دل على التوسعة و التخيير.

وما دل على التوقف في خصوص المتعارضين وعدم العمل بواحد منها مختص أيضا بصورة التمكن من إزالة الشبهة بالرجوع إلى الامام عليه السلام.

وأما رواية عوالي اللئالي المتقدمة الامرة بالاحتياط وإن كانت أخص منها إلا أنك قد عرفت ما فيها مع إمكان حملها على صورة التمكن من الاستعلام.

ومنه يظهر عدم جواز التمسك بصحيحة إبن الحجاج الواردة في جزاء الصيد، بناء على إستظهار شمولها بإعتبار المناط لما نحن فيه.

ومما يدل على الامر بالتخيير، في خصوص ما نحن فيه من إشتباه الوجوب بغير الحرمة، التوقيع المروي في الاحتجاج عن الحميري، حيث كتب إلى الصاحب عجل الله فرجه: سألني بعض الفقهاء عن المصلي إذا قام من التشهد الاول إلى الركعة الثالثة، هل يجب عليه أن يكبر، فإن بعض أصحابنا قال: لا يجب عليه تكبيرة ويجوز أن يقول بحول الله وقوته أقوم وأقعد.

الجواب: في ذلك حديثان.

أما أحدهما، فإنه إذا إنتقل عن حالة إلى أخرى فعليه التكبير.

وأما الحديث الاخر فإنه روي أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبر، ثم جلس، ثم قام، فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير، والتشهد الاول

٣٩٠

يجري هذا المجرى، وبأيهما أخذت من باب التسليم كان صوابا)، الخبر.

فإن الحديث الثاني وإن كان أخص من الاول وكان اللازم تخصيص الاول به والحكم بعدم وجوب التكبير، إلا أن جوابه، صلوات الله عليه وعلى آبائه، بالاخذ بأحد الحديثين من باب التسليم يدل على أن الحديث الاول نقله الامام، عليه السلام، بالمعنى وأراد شموله لحالة الانتقال من القعود إلى القيام بحيث لا يتمكن إرادة ما عدا هذا الفرد منه، فأجاب عليه السلام بالتخيير.

ثم: إن وظيفة الامام وإن كانت إزالة الشبهة عن الحكم الواقعي إلا أن هذا الجواب لعله تعليم طريق العمل عند التعارض مع عدم وجوب التكبير عنده في الواقع وليس فيه الاغراء بالجهل من حيث قصد الوجوب فيما ليس بواجب من جهة كفاية قصد القربة في العمل.

وكيف كان فإذا ثبت التخيير بين دليلي وجوب الشئ على وجه الجزئيه وعدمه يثبت فيما نحن فيه من تعارض الخبرين في ثبوت التكليف المستقل بالاجماع والاولوية القطعية.

ثم إن جماعة من الاصوليين ذكروا في باب التراجح الخلاف في ترجيح الناقل أو المقرر، و حكي عن الاكثر ترجيح الناقل وذكروا تعارض الخبر المفيد للوجوب والمفيد للاباحة.

وذهب جماعة إلى ترجيح الاول وذكروا تعارض الخبر المفيد للاباحة والمفيد للحظر، وحكي عن الاكثر، بل الكل، تقديم الحاظر، ولعل هذا كله مع قطع النظر عن الاخبار.

٣٩١

المسألة الرابعة: دوران الامر بين الوجوب وغيره من جهة الاشتباه في موضوع الحكم ويدل عليه جميع ما تقدم في الشبهة الموضوعية التحريه من أدلة البراء‌ة عند الشك في التكليف، وتقدم فيها أيضا إندفاع توهم أن التكليف إذا تعلق بمفهوم وجب مقدمة لامتثال التكليف في جميع أفراده موافقته في كل ما يحتمل أن يكون فردا له، ومن ذلك يعلم أنه لا وجه للاستناد إلى قاعدة الاشتغال فيما إذا ترددت الفائتة بين الاقل والاكثر، كصلاتين وصلاة واحدة، بناء على أن الامر بقضاء جميع ما فات واقعا يقتضي لزوم الاتيان بالاكثر من باب المقدمة.

توضيح ذلك، مضافا إلى ما تقدم في الشبهة التحريمية، أن قوله: (إقض ما فات)، يوجب العلم التفصيلي بوجوب قضاء ما علم فوته، وهو الاقل، ولا يدل أصلا على وجوب ما شك في فوته وليس فعله مقدمة لواجب حتى يجب من باب المقدمة.

فالامر بقضاء ما فات واقعا لا يقتضي إلا وجوب المعلوم فواته، لا من جهة دلالة اللفظ على المعلوم حتى يقال إن اللفظ ناظر إلى الواقع من غير تقييد بالعلم به بل من جهة أن الامر بقضاء الفائت الواقعي لا يعد دليلا إلا على ما علم صدق الفائت عليه.وهذا لا يحتاج إلى مقدمة ولا يعلم منه وجوب شئ آخر يحتاج إلى المقدمة العلمية.

والحاصل: أن المقدمه العلمية المتصفة بالوجوب لا يكون إلا مع العلم الاجمالي.

نعم لو أجري في المقام أصالة عدم الاتيان بالفعل في الوقت فيجب قضاؤه فله وجه، وسيجئ الكلام عليه.

هذا.

ولكن المشهور بين الاصحاب، رضوان الله عليهم بل المقطوع به من المفيد قدس سره إلى الشهيد الثانى أنه لو لم يعلم كمية ما فات حتى يظن الفراغ بها.

وظاهر ذلك، خصوصا بملاحظة ما يظهر من إستدلال بعضهم من كون الاكتفاء بالظن رخصة وأن القاعدة تقتضي وجوب العلم بالفراغ، كون الحكم على القاعده.

قال في التذكرة:

٣٩٢

(لو فاتته صلوات معلومة العين غير معلومة العدد صلى من تلك الصلوات إلى أن يغلب في ظنه الوفاء لاشتغال الذمة بالفائت، فلا يحصل البراء‌ة قطعا إلا بذلك.

ولو كانت واحدة ولم يعلم العدد صلى تلك الصلاة مكررا حتى يظن الوفاء.

ثم احتمل في المسألة إحتمالين آخرين: أحدهما تحصيل العلم، لعدم البراء‌ة إلا باليقين، والثاني الاخذ بالقدر المعلوم، لان الظاهر أن المسلم لا يفوت الصلاة.

ثم نسب كل الوجهين إلى الشافعية)، إنتهى.

وحكي هذا الكلام بعينه عن النهاية، وصرح الشهيدان بوجوب تحصيل العلم مع الامكان، و صرح في الرياض أيضا بأن مقتضى الاصل القضاء حتى يحصل العلم بالوفاء تحصيلا للبراء‌ة اليقينية.

وقد سبقهم في هذا الاستدلال الشيخ، قدس سره، في التهذيب حيث قال: (أما ما يدل على أنه يجب أن يكثر منها فهو ما ثبت أن قضاء الفرائض واجب، وإذا ثبت وجوبها ولا يمكنه أن يتخلص من ذلك إلا بأن يستكثر منها وجب)، إنتهى.

وقد عرفت أن المورد من موارد جريان أصالة البراء‌ة والاخذ بالاقل عند دوران الامر بينه و بين الاكثر، كما لو شك في مقدار الدين الذي يجب قضاؤه أو في أن الفائت منه صلاة العصر فقط أوهى مع الظهر، فإن الظاهر عدم إفتائهم بلزوم قضاء الظهر.وكذا لو تردد ما فات عن أبويه أو في ما تحمله بالاجارة بين الاقل والاكثر.

وربما يظهر من بعض المحققين الفرق بين هذه الامثلة وبين ما نحن فيه، حيث حكي عنه، في رد صاحب الذخيرة القائل بأن مقتضى القاعدة في المقام الرجوع إلى البراء‌ة قال: (إن المكلف حين علم بالفوائت صار مكلفا بقضاء هذه الفائتة قطعا.و كذلك الحال في الفائتة الثانية والثالثة وهكذا.

ومجرد عروض النسيان كيف يرفع الحكم الثابت من الاطلاقات والاستصحاب بل الاجماع أيضا؟ وأي شخص يحصل منه التأمل في أنه إلى ما قبل صدور النسيان كان مكلفا، وبمجرد عروض النسيان يرتفع التكليف الثابت؟ وإن أنكر حجية الاستصحاب فهو يسلم أن الشغل اليقيني يستدعي البراء‌ة اليقينية إلى أن قال: - نعم في الصورة

٣٩٣

التي يحصل للمكلف علم إجمالي بإشتغال ذمته بفوائت متعددة يعلم قطعا تعددها، لكن لا يعلم مقدارها، فإنه يمكن حينئذ أن يقال: لا نسلم تحقق الشغل بأزيد من المقدار الذي تيقنه - إلى أن قال: - والحاصل: أن المكلف إذا حصل له القطع بإشتغال ذمته بمتعدد والتبس عليه ذلك كما، وأمكنه الخروج عن عهدته، فالامر كما أفتى به الاصحاب، وإن لم يحصل ذلك بأن يكون ما علم به خصوص إثنتين أو ثلاث.وأما أزيد عن ذلك فلا، بل إحتمال احتمله.فالامر كما ذكره في الذخيرة.

ومن هنا لو لم يعلم أصلا بمتعدد في فائتة وعلم أن صلاة صبح يومه فاتت، وأما غيرها فلا يعلم ولا يظن فوته أصلا، فليس عليه إلا الفريضة الواحدة دون الاكثر [ المحتمل خ ل ] لكون شكا بعد خروج الوقت، والمفروض أنه ليس عليه قضاؤها، بل لعله المفتي به)، إنتهى كلامه رفع مقامه.

ويظهر النظر فيه مما ذكرناه سابقا، ولا يحضرني الان حكم لاصحابنا بوجوب الاحتياط في نظير المقام، بل الظاهر منهم إجراء أصل البراء‌ة في أمثال ما نحن فيه مما لا يحصى.

وربما يوجه الحكم فيما نحن فيه بأن الاصل عدم الاتيان بالصلاة الواجبة فيترتب عليه وجوب القضاء إلا في صلاة علم الاتيان بها في وقتها.

ودعوى: (ترتب وجوب القضاء على صدق الفوت الغير الثابت بالاصل، لا مجرد عدم الاتيان الثابت بالاصل)، ممنوعة، لما يظهر من الاخبار وكلمات الاصحاب من أن المراد بالفوت مجرد الترك كما بيناه في الفقه.

وأما ما دل على أن الشك في إتيان الصلاة بعد وقتها لا يعتد به لا يشمل ما نحن فيه.

وإن شئت تطبيق ذلك على قاعدة الاحتياط اللازم، فتوضيحه أن القضاء وإن كان بأمر جديد إلا أن ذلك الامر كاشف عن إستمرار مطلوبية الصلاة من عند دخول وقتها إلى آخر زمان التمكن من المكلف.

غاية الامر كون هذا على سبيل تعدد المطلوب بأن يكون الكلي المشترك بين ما في الوقت و خارجه مطلوبا.

وكون إتيانه في القوت مطلوبا آخر.كما أن أداء الدين ورد السلام واجب في أول أوقات الامكان.ولو لم يفعل ففي الان الثاني وهكذا.وحينئذ فإن دخل الوقت وجب إبراء الذمة

٣٩٤

عن ذلك الكلي، فإذا شك في براء‌ه ذمته بعد الوقت، فمقتضى حكم العقل بإقتضاء الشغل اليقيني للبراء‌ة اليقينية وجوب الاتيان.كما لو شك في البراء‌ة قبل خروج الوقت.

وكما لو شك في أداء الدين الفوري فلا يقال: إن الطلب في الزمان الاول قد إرتفع بالعصيان، ووجوده في الزمان الثاني مشكوك فيه، وكذلك جواب السلام.

والحاصل: أن التكليف المتعدد بالمطلق والمقيد لا ينافي جريان الاستصحاب وقاعدة الاشتغال بالنسبة إلى المطلق فلا يكون المقام مجرى البراء‌ة، هذا.

ولكن الانصاف: ضعف هذا التوجيه لم سلم إستناد الاصحاب إليه في القام.

أما أولا، فلان من المحتمل بل الظاهر، على القول بكون القضاء بأمر جديد، كون كل من الاداء والقضاء تكليفا مغايرا للاخر، فهو من قبيل وجوب الشئ ووجوب تداركه بعد فوته.كما يكشف عن ذلك تعلق أمر الاداء بنفس الفعل وأمر القضاء به بوصف الفوت.

ويؤيده بعض ما دل على أن لكل من الفرائض بدلا وهو قضاؤه عدى الولاية، لا من باب الامر بالكلي والامر بفرد خاص.

منه كقوله: صم وصم يوم الخميس أو الامر الكلى والامر بتعجيله كرد السلام وقضاء الدين فلا مجرى لقاعدة الاشتغال وإستصحابه وأما ثانيا، فلان منع عموم ما دل على أن الشك في الاتيان بعد خروج الوقت لا يعتد به للمقام حال السند، خصوصا مع إعتضاده بما دل على أن الشك في الشئ لا يعتنى به بعد تجازوه.

مثل قوله: عليه السلام: (إنما الشك في شئ لم تجزه)، ومع إعتضاده في بعض المقامات بظاهر حال المسلم في عدم ترك الصلاة.

وأما ثالثا، فلانه لو تم ذلك جرى فيما يقتضيه عن أبويه إذا شك في مقدار ما فات منهما.

ولا أظنهم يلتزمون بذلك، وإن إلتزموا بأنه إذا وجب على الميت لجهله بما فات به مقدار معين يعلم أو يظن معه البراء‌ة وجب على الولي قضاء ذلك المقدار، لوجوبه ظاهرا على الميت، بخلاف ما لم يعلم بوجوبه عليه.

وكيف كان، فالتوجيه المذكور ضعيف.

وأضعف منه التمسك فيما نحن فيه بالنص الوارد ب‍ (أن من عليه من النافلة ما لا يحصيه من كثرته قضى حتى لا يدري كم صلى من كثرته)، بناء على أن ذلك طريق لتدارك ما فات ولم يحص، لا أنه مختص بالنافلة، مع أن الاهتمام في النافلة بمراعاة الاحتياط يوجب ذلك في الفريضة بطريق أولى، فتأمل.

٣٩٥

المطلب الثالث فيما دار الامر فيه بين الوجوب والحرمة

وفيه مسائل

[ المسألة ] الاولى: في حكم دوران الامر بين الوجوب والحرمة من جهة عدم الدليل على تعيين أحدهما بعد قيام الدليل على أحدهما كما إذا اختلفت الامة على القولين بحيث علم عدم الثالث.

فلا ينبغي الاشكال في إجراء أصالة عدم كل من الوجوب والحرمة بمعنى نفي الاثار المتعلقة بكل واحد منهما بالخصوص إذا لم يلزم مخالفة علم تفصيلي، بل لو إستلزم ذلك على وجه تقدم في أول الكتاب في فروع إعتبار العلم الاجمالي.

وإنما الكلام هنا في حكم الواقعة من حيث جريان أصالة البراء‌ة وعدمه، فإن في المسألة وجوها ثلاثة: الحكم بالاباحة ظاهرا، نظير ما يحتمل التحريم وغير الوجوب، والتوقف بمعنى عدم الحكم بشئ لا ظاهرا ولا واقعا، والتخيير.

ومحل هذه الوجوه ما لو كان كل من الوجوب و التحريم توصليا بحيث يسقط بمجرد الموافقة، إذ لو كانا تعبديين محتاجين إلى قصد إمتثال التكليف أو كان أحدهما كان المعين كذلك لم يكن.

ولا إشكال في عدم جواز طرحهما والرجوع إلى الاباحة، لانها مخالفة قطعية عملية.

وكيف كان، فقد يقال في محل الكلام بالاباحة ظاهرا، لعموم أدلة الاباحة الظاهرية، مثل قولهم: (كل شئ لك حلال)، وقولهم: (ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع)، فإن كلا من الوجوب والحرمة قد حجب عن العباد علمه.

وغير ذلك من أدلته، حتى قوله عليه السلام: (كل شئ مطلق حتى يرد فيه أمر أو نهي)، على رواية الشيخ، رحمه الله، إذ الظاهر ورود أحدهما بحيث يعلم تفصيلا، فيصدق هنا أنه لم يرد أمر ولا نهي.

٣٩٦

هذا كله، مضافا إلى حكم العقل بقبح المؤاخذة على كل من الفعل والترك.

فإن الجهل بأصل الوجوب علة تامة عقلا بقبح العقاب على الترك من غير مدخلية لانتفاء إحتمال الحرمة فيه، وكذا الجهل بأصل الحرمة.

وليس العلم بجنس التكليف المردد بين نوعي الوجوب والحرمة، كالعلم بنوع التكليف المتعلق بأمر مردد، حتى يقال: إن التكليف في المقام معلوم إجمالا.

وأما دعوى (وجوب إلالتزام بحكم الله تعالى، لعموم دليل وجوب الانقياد للشرع)، ففيها أن المراد بوجوب الالتزام: إن أريد وجوب موافقة حكم الله فهو حاصل فيما نحن فيه، [ فإن ] في الفعل موافقة للوجوب وفي الترك موافقة للحرمة، إذ المفروض عدم توقف الموافقة على قصد الامتثال، وإن أريد وجوب الانقياد والتدين بحكم الله فهو تابع للعلم بالحكم، فإن علم تفصيلا وجب التدين به كذلك، وإن علم إجمالا وجب التدين بثبوته في الواقع.

ولا ينافى ذلك التدين حينئذ الحكم بإباحته ظاهرا، إذ الحكم الظاهري لا يجوز أن يكون معلوم المخالفة تفصيلا للحكم الواقعي من حيث العمل، لا من حيث التدين به.

ومنه يظهر إندفاع ما يقال من: (أن الالتزام وإن لم يكن واجبا باحدهما إلا أن طرحهما والحكم بالاباحة طرح لحكم الله الواقعي وهو محرم، وعليه يبنى عدم جواز إحداث القول الثالث إذا إختلفت الامة على القولين يعلم دخول الامام عليه السلام في أحدهما).

توضيح الاندفاع: أن المحرم، وهو الطرح في مقام العمل، غير متحقق.

والواجب في مقام التدين الالتزام بحكم الله على ما هو عليه في الواقع.

وهو أيضا متحقق، فلم يبق إلا وجوب تعبد المكلف وتدينه وإلتزامه بما يحتمل الموافقة للحكم الواقعي، وهذا مما لا دليل على وجوبه أصلا.

والحاصل: ان الواجب شرعا هو الالتزام والتدين بما علم أنه حكم الله الواقعي، ووجوب الالتزام بخصوص الوجوب بعينه أو الحرمة بعينها من اللوازم العقلية للعلم العادي التفصيلي يحصل من ضم صغرى معلومة تفصيلا إلى تلك الكبرى، فلا يعقل وجوده مع إنتفائه، وليس حكما شرعيا ثابتا في الواقع حتى يجب مراعاته ولو مع الجهل التفصيلي.

ومن هنا يبطل قياس ما نحن فيه، بصورة تعارض الخبرين الجامعين لشرائط الحجية الدال أحدهما على الامر والاخر على النهي، كما هو مورد بعض الاخبار الواردة في تعارض الخبرين.

ولا يمكن أن يقال: إن المستفاد منه بتنقيح المناط هو وجوب الخذ بأحد الحكمين وإن لم يكن على كل واحد منهما دليل معتبر معارض بدليل آخر.

٣٩٧

فإنه يمكن أن يقال: إن الوجه في حكم الشارع هناك بالاخذ بأحدهما هو أن الشارع أوجب الاخذ بكل من الخبرين المفروض إستجماعهما لشرائط الحجية.

فإذا لم يمكن الاخذ بهما معا، فلا بد من الاخذ بأحدهما.

وهذا تكليف شرعي في المسألة الاصولية غير التكليف المعلوم تعلقه إجمالا في المسألة الفرعية بواحد من الفعل والترك، بل ولولا النص الحاكم هناك بالتخيير أمكن القول به من هذه الجهة، بخلاف ما نحن فيه، إذ لا تكليف إلا بالاخذ بما صدر واقعا في هذه الواقعة، والالتزام به حاصل من غير حاجة إلى الاخذ بأحدهما بالخصوص.

ويشير إلى ما ذكرمنا من الوجه قوله عليه السلام في بعض تلك الاخبار: (بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك).

وقوله عليه السلام: (من باب التسليم) إشارة إلى أنه لما وجب على المكلف التسليم لجميع ما يرد عليه بالطرق المعتبرة من أخبار الائمة عليهم السلام - كما يظهر ذلك من الاخبار الواردة في باب التسليم لما يرد من الائمة عليهم السلام.

منها قوله: (لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا).

وكان التسليم لكلا الخبرين الواردين بالطرق المعتبرة المتعارضين ممتنعا - وجب التسليم لاحدهما مخيرا في تعيينه.

ثم إن هذا الوجه، وإن لم يخل عن مناقشة او منع، إلا أن مجرد إحتماله يصلح فارقا بين المقامين مانعا عن إستفادة حكم ما نحن فيه من حكم الشارع بالتخيير في مقام التعارض، فافهم.

فالاقوى في المسألة التوقف واقعا وظاهرا، فإن الاخذ بأحدهما قول بما لا يعلم لم يقم عليه دليل والعمل على طبق ما التزمه على أنه كذلك لا يخلو من التشريع.

وبما ذكرنا يظهر حال قياس ما نحن فيه على حكم المقلد عند إختلاف المجتهدين في الوجوب والحرمة.

وما ذكروه في مسألة إختلاف الامة لا يعلم شموله لما نحن فيه مما كان الرجوع إلى الثالث غير مخالف من حيث العمل لقول الامام، عليه السلام، مع ان عدم جواز الرجوع إلى الثالث المطابق للاصل ليس إتفاقيا.

على أن ظاهر كلام الشيخ القائل بالتخيير، كما سيجئ، هو إرادة التخيير الواقعي المخالف لقول الامام، عليه السلام، في المسألة.

ولذا اعترض عليه المحقق، رحمه الله، بأنه لا ينفع التخيير فرارا عن الرجوع إلى الثالث المطابق للاصل، لان التخيير أيضا طرح لقول الامام عليه السلام.

وإن إنتصر للشيخ بعض بأن التخيير بين الحكمين ظاهرا وأخذ أحدهما هو المقدار الممكن من الاخذ بقول الشارع في المقام.

لكن ظاهر كلام الشيخ يأبى عن ذلك قال في العدة:

٣٩٨

(إذا إختلفت الامة على قولين فلا يكون إجماعا.

ولاصحابنا في ذلك مذهبان: منهم من يقول: إذا تكافأ الفريقان ولم يكن مع أحدهما دليل يوجب العلم أو يدل على أن قول المعصوم، عليه السلام، داخل فيه سقطا ووجب التمسك بمقتضى العقل من حظر أو إباحة على إختلاف مذاهبهم وهذا القول ليس بقوي.ثم علله باطراح قول الامام عليه السلام.

قال: ولو جاز ذلك لجاز مع تعيين قول الامام عليه السلام تركه والعمل بما في العقل.

و منهم من يقول: (نحن مخيرون في العمل بأي القولين.وذلك يجري مجرى الخبرين إذا تعارضا)، إنتهى.

ثم فرع: (على القول الاول جواز إتفاقهم بعد الاختلاف على قول واحد، و على القول الثانى عدم جواز ذلك، معللا بأنه يلزم من ذلك بطلان القول الاخر، و قد قلنا إنهم مخيرون في العمل ولو كان إجماعهم على أحدهما إنتقض ذلك)، إنتهى.

وما ذكره من التفريع أقوى شاهد على إرادة التخيير الواقعي، وإن كان القول به لا يخلو عن الاشكال.

[ هذا وقد مضى شطر من الكلام في ذلك في (المقصد الاول) من الكتاب، عند التكلم في الفروع إعتبار القطع فراجع].

وكيف كان، فالظاهر بعد التأمل في كلماتهم في باب الاجماع إرادتهم بطرح قول الامام عليه السلام، من حيث العمل، فتأمل.

ولكن الانصاف: أن أدلة الاباحة في محتمل الحرمة تنصرف إلى محتمل الحرمة وغير الوجوب و أدلة نفي التكليف عما لم يعلم نوع التكليف لا تفيد إلا عدم المؤاخذة على الترك أو الفعل وعدم تعيين الحرمة أو الوجوب.

وهذا المقدار لا ينافي وجوب الاخذ بأحدهما مخيرا فيه.

نعم هذا الوجوب يحتاج إلى دليل وهو مفقود، فاللازم هو التوقف وعدم الالتزام إلا بالحكم الواقعي على ما هو عليه في الواقع، ولا دليل على عدم جواز خلو الواقعة عن حكم ظاهري إذا لم يحتج إليه في العمل، نظير ما لو دار الامر بين الوجوب والاستحباب.

ثم على تقدير وجوب الاخذ، هل يتعين الاخذ بالحرمة أو يتخير بينه وبين الاخذ بالوجوب و

٣٩٩

جهان بل قولان: يستدل على الاول، بعد قاعدة الاحتياط حيث يدور الامر بين التخيير والتعيين، بظاهر ما دل على وجوب التوقف عند الشبهة، فإن الظاهر من التوقف ترك الدخول في الشبهة، وبأن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة، لما عند النهاية: (أن الغالب في الحرمة دفع مفسدة ملازمة للفعل وفي الوجوب تحصيل مصلحة لازمة للفعل، واهتمام الشارع والعقلاء بدفع المفسدة أتم، و [ يشهد له ما أرسل عن أمير المؤمنين، عليه السلام، من: (أن إجتناب السيئات أولى من إكتساب الحسنات).

وقوله عليه السلام: (إجتناب السيئات أفضل من إكتساب الحسنات) ].

ولان إفضاء الحرمة إلى مقصودها أتم من إفضاء الوجوب إلى مقصوده، لان مقصود الحرمة يتأتي بالترك، سواء كان مع قصد أم غفلة، بخلاف فعل الواجب)، إنتهى.

وبالاستقراء، بناء على أن الغالب في موارد إشتباه مصاديق الواجب والحرام تغليب الشارع لجانب الحرمة.

مثل له بأيام الاستظهار وتحريم إستعمال الماء المشتبه بالنجس.ويضعف الاخير بمنع الغلبة.

وما ذكر من الامثلة مع عدم ثبوت الغلبة بها خارج عن محل الكلام، فإن ترك العبادة في أيام الاستظهار ليس على سبيل الوجوب عند المشهور، ولو قيل بالوجوب.ولعله لمراعاة أصالة بقاء الحيض وحرمة العبادة.

وأما ترك غير ذات الوقت العبادة بمجرد الرؤية فهو للاطلاقات وقاعدة كل ما أمكن.وإلا فأصالة الطهارة وعدم الحيض هي المرجع.

وأما ترك الانائين المشتبهين في الطهارة، فليس من دوران الامر بين الواجب والحرام، لان الظاهر، كما ثبت في محله، أن حرمة الطهارة بالماء النجس تشريعية لا ذاتية.وإنما منع عن الطهارة مع الاشتباه لاجل النص، مع أنها لو كانت ذاتية.فوجه ترك الواجب وهو الوضوء ثبوت البدل له وهو التيمم.كما لو إشتبه إناء ذهب بغيره مع إنحصار الماء في المشتبهين.وبالجملة، فالوضوء من جهة ثبوت البدل له لا يزاحم محرما.

مع أن القائل بتغليب جانب الحرمة لا يقول بجواز المخالفة القطعية في الواجب لاجل تحصيل الموافقة القطعيه في الحرام، لان العلماء والعقلاء متفقون على عدم جواز ترك الواجب تحفظا عن الوقوع في الحرام.

فهذا مثال أجنبي عما

٤٠٠