فرائد الاصول الجزء ٢

فرائد الاصول0%

فرائد الاصول مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 438

  • البداية
  • السابق
  • 438 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 23145 / تحميل: 4602
الحجم الحجم الحجم
فرائد الاصول

فرائد الاصول الجزء 2

مؤلف:
العربية

الصفحة ٤٠٤

الموضع الثاني في الشك في المكلف به

مع العلم بنوع التكليف بأن يعلم الحرمة أو الوجوب ويشتبه الحرام أو الواجب ومطالبه أيضا ثلاثة

المطلب الاول: دوران الامر بين الحرام وغير الواجب

ومسائله أربع

[ المسألة ] الاولى: لو علم التحريم وشك في الحرام من جهة إشتباه الموضوع الخارجي وإنما قدمنا الشبهة الموضوعية هنا، لاشتهار عنوانها في كلام العلماء، بخلاف عنوان الشبهة الحكمية.

ثم الحرام المشتبه بغيره إما مشتبه في أمور محصورة، كما لو دار الامر بين أمرين أو أمور محصورة، و يسمى بالشبهة المحصورة، وإما مشتبه في أمور غير محصورة.

أما [ المقام ] الاول [ الشبهة المحصورة ] فالكلام فيه يقع في مقامين أحدهما جواز إرتكاب كلا الامرين أو الامور وطرح العلم الاجمالي وعدمه، وبعبارة أخرى حرمة المخالفة القطعية للتكليف المعلوم وعدمها.

الثاني وجوب إجتناب الكل وعدمه، وبعبارة أخرى وجوب الموافقة القطعية للتكليف المعلوم وعدمه.

١

الصفحة ٤٠٤

أما المقام الاول [ وهو جواز إرتكاب الامرين أو عدمه ] فالحق فيه عدم الجواز وحرمة المخالفة القطعية، وحكي عن ظاهر بعض جوازه.لنا على ذلك وجود المقتضي للحرمة وعدم المانع عنها.

أما ثبوت المقتضي فلعموم دليل تحريم ذلك العنوان المشتبه، فإن قول الشارع: (إجتنب عن الخمر)، يشمل الخمر الموجود المعلوم المشتبه بين الانائين أو أزيد.ولا وجه لتخصيصه بالخمر المعلوم تفصيلا.

مع أنه لو خص الدليل بالمعلوم تفصيلا خرج الفرد المعلوم إجمالا عن كونه خمرا واقعيا و كان حلالا واقعيا.

ولا أظن أحدا يلتزم بذلك حتى من يقول بكون الالفاظ أسامي للامور المعلومة.فإن الظاهر إرادتهم الاعم من المعلوم إجمالا.

وأما عدم المانع فلان العقل لا يمنع من التكليف عموما أو خصوصا بالاجتناب عن عنوان الحرام المشتبه في أمرين أو أمور والعقاب على مخالفة هذا التكليف.

وأما الشرع فلم يرد فيه ما يصلح للمنع عدا ما ورد من قولهم عليهم السلام: (كل شئ حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه).

و (كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه)، وغير ذلك.

بناء على أن هذه الاخبار كما دلت على حلية المشتبه مع عدم العلم الاجمالي وإن كان محرما في علم الله سبحانه، كذلك دلت على حلية المشتبه مع العلم الاجمالي.

ويؤيده إطلاق الامثلة المذكورة في بعض هذه الروايات، مثل الثوب المحتمل للسرقة والمملوك المحتمل للحرية والمرأة المحتملة للرضيعة.فإن إطلاقها يشمل الاشتباه مع العلم الاجمالي، بل الغالب ثبوت العلم الاجمالي.

لكن مع كون الشبهة غير محصورة.

ولكن هذه الاخبار لا تصلح للمنع، لانها كما تدل على حلية كل واحد من المشتبهين، كذلك تدل على حرمة ذلك المعلوم إجمالا، لانه أيضا شئ علم حرمته.

٢

الصفحة ٤٠٥

فإن قلت: إن غاية الحل معرفة الحرام بشخصه ولم يتحقق في المعلوم الاجمالي.

قلت: أما قوله عليه السلام: (كل شئ حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه)، فلا يدل على ما ذكرت، لانه قوله عليه السلام (بعينه) تأكيد للضمير جئ به للاهتمام في إعتبار العلم.

كما يقال: (رأيت زيدا نفسه بعينه)، لدفع توهم وقوع الاشتباه في الرؤية.وإلا فكل شئ علم حرمته فقد علم حرمة نفسه.

فإذا علم نجاسة إناء زيد وطهارة إناء عمرو فاشتبه الاناء‌ان، فاناء زيد شئ علم حرمته بعينه.

نعم يتصف هذا المعلوم المعين بكونه لا بعينه إذا أطلق عليه عنوان أحدهما فيقال أحدهما لا بعينه في مقابل أحدهما المعين عند القائل.

وأما قوله عليه السلام: (فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه)، فله ظهور في ما ذكر، حيث أن قوله (بعينه) قيد للمعرفه، فمؤداه إعتبار معرفة الحرام بشخصه.

ولا يتحقق ذلك إلا إذا أمكنت الاشارة الحسية إليه.

وأما إناء زيد المشتبه باناء عمرو في المثال وإن كان معلوما بهذا العنوان إلا أنه مجهول بإعتبار الامور المميزة له في الخارج عن إناء عمرو، فليس معروفا بشخصه.

إلا أن بقاء الصحيحة على هذا الظهور يوجب المنافاة لما دل على حرمة ذلك العنوان المشتبه، مثل قوله: (إجتنب عن الخمر).

لان الاذن في كلا المشتبهين ينافي المنع عن عنوان مردد بينهما يوجب الحكم بعدم حرمة الخمر المعلوم إجمالا في متن الواقع.

وهو مما يشهد الاتفاق والنص على خلافه حتى نفس هذه الاخبار حيث أن مؤداها ثبوت الحرمة الواقعية للامر المشتبه.

فإن قلت: مخالفة الحكم الظاهري للحكم الواقعي لا يوجب إرتفاع [ الحكم ] الواقعي، كما في الشبهة المجردة عن العلم الاجمالي.

مثلا قول الشارع (إجتنب عن الخمر) شامل للخمر الواقعي الذي لم يعلم به المكلف ولو إجمالا، وحليته في الظاهر لا يوجب خروجه عن العموم المذكور حتى لا يكون حراما واقعيا فلا ضير في إلتزام ذلك في الخمر الواقعي المعلوم إجمالا.

قلت: الحكم الظاهري لا يقدح مخالفته للحكم الواقعي في نظر الحاكم مع جهل المحكوم بالمخالفة، لرجوع ذلك إلى معذورية المحكوم الجاهل، كما في أصالة البراء‌ة، وإلى بدلية الحكم الظاهري عن الواقع أو كونه طريقا مجعولا إليه على الوجهين في الطرق الظاهرية المجعولة.

وأما مع علم المحكوم بالمخالفة فيقبح من الجاعل جعل كلا الحكمين، لان العلم بالتحرين يقتضي وجوب الامتثال بالاجتناب عن ذلك المحرم.فإذن الشارع في فعله ينافي حكم العقل بوجوب الاطاعة.

فإن قلت: إذن الشارع في فعل المحرم مع علم المكلف بتحريمه إنما ينافي حكم العقل من حيث أنه إذن في المعصية والمخالفة.وهو إنما يقبح مع علم المكلف بتحقق المعصية حين إرتكابها حينئذ.

٣

الصفحة ٤٠٦

والاذن في إرتكاب المشتبهين ليس كذلك إذا كان على التدريج، بل هو إذن في المخالفة مع عدم علم المكلف بها إلا بعدها.

وليس في العقل ما يقبح ذلك وإلا لقبح الاذن في إرتكاب جميع المشتبهات بالشبهة الغير المحصورة أو في إرتكاب مقدار يعلم عادة بكون الحرام فيها وفي إرتكاب الشبهة المجردة التي يعلم المولى إطلاع العبد بعد الفعل على كونه معصية، وفي الحكم بالتخيير الاستمراري بين الخبرين أو فتوى المجتهدين.

قلت: إذن الشارع في أحد المشتبهين ينافي أيضا حكم العقل بوجوب إمتثال التكليف المعلوم المتعلق بالمصداق المشتبه لايجاب العقل حينئذ الاجتناب عن كلا المشتبهين.

نعم لو أذن الشارع في إرتكاب أحدهما مع جعل الاخر بدلا عن الواقع في الاجتزاء بالاجتناب عنه جاز.

فإذن الشارع في أحدهما لا يحسن إلا بعد الامر بالاجتناب عن الاخر بدلا ظاهريا عن الحرام الواقعي، فيكون المحرم الظاهري هو أحدهما على التخيير.وكذا المحلل الظاهري، ويثبت المطلوب، وهو حرمة المخالفة القطعية بفعل المشتبهين.

[ وحاصل معنى تلك الصحيحة (أن كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف أن في إرتكابه فقط أو في إرتكابه المقرون مع إرتكاب غيره إرتكابا للحرام)، والاول في العلم التفصيلي والثاني في العلم الاجمالي ].

فإن قلت: إذا فرضنا المشتبهين مما لا يمكن إرتكابهما إلا تدريجا، ففي زمان إرتكاب أحدهما يتحقق الاجتناب عن الاخر قهرا.

فالمقصود من التخيير وهو ترك أحدهما حاصل مع الاذن في إرتكاب كليهما، إذ لا يعتبر في ترك الحرام القصد، فضلا عن قصد الامتثال.

قلت: الاذن في فعلهما في هذه الصورة أيضا ينافي الامر بالاجتناب عن العنوان الواقعي المحرم، لما تقدم من أنه، مع وجود دليل حرمة ذلك العنوان المعلوم وجوده في المشتبهين، لا يصح الاذن في أحدهما إلا بعد المنع عن الاخر بدلا عن المحرم الواقعي.

ومعناه المنع عن فعله بعده، لان هذا هو الذي يمكن أن يجعله الشارع بدلا عن الحرام الواقعي حتى لا ينافي أمره بالاجتناب عنه، إذ تركه في زمان فعل الاخر لا يصلح أن يكون بدلا [ عن حرمته ].

وحنيئذ فإن منع في هذه الصورة عن واحد من الامرين المتدرجين في الوجود لم يجز إرتكاب الثاني بعد إرتكاب الاول وإلا لغى المنع المذكور.

فإن قلت: الاذن في أحدهما يتوقف على المنع عن الاخر في نفس تلك الواقعة بأن يرتكبهما دفعة والمفروض إمتناع ذلك في ما نحن فيه من غير حاجة إلى المنع المذكور ولا يتوقف على المنع عن الاخر بعد إرتكاب الاول، كما في التخيير الظاهري الاستمراري.

٤

الصفحة ٤٠٧

قلت: تجويز إرتكابهما من أول الامر ولو تدريجا طرح لدليل حرمة الحرام الواقعي والتخيير الاستمراري في مثل ذلك ممنوع.

والمسلم منه ما إذا لم يسبق التكليف بمعين أو يسبق التكليف بالفعل حتى يكون المأتي به في كل دفعة بدلا عن المتروك على تقدير وجوبه دون العكس بأن يكون المتروك في زمان الاتيان بالاخر بدلا عن المأتي به على تقدير حرمته، وسيأتي تتمة ذلك في الشبهة الغير المحصورة.

فإن قلت: إن المخالفة القطعية للعلم الاجمالي فوق حد الاحصاء في الشرعيات، كما في الشبهة الغير المحصورة، وكما لو قال القائل في مقام الاقرار: هذا لزيد بل لعمرو، فإن الحاكم يأخذ المال لزيد وقيمته لعمرو، مع أن أحدهما أخذ للمال بالباطل.

وكذا يجوز للثالث أن يأخذ المال من يد زيد وقيمته من يد عمرو، مع علمه بأن أحد الاخذين تصرف في مال الغير بغير إذنه.

ولو قال: هذا لزيد بل لعمرو بل لخالد، حيث أنه يغرم لكل من عمور وخالد تمام القيمة، مع أن حكم الحاكم بإشتغال ذمته بقيمتين مخالف للواقع قطعا.

وأي فرق بين قوله عليه السلام: (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز)، وبين أدلة حل ما لم يعرف كونه حراما، حتى أن الاول يعم الاقرارين المعلوم مخالفة أحدهما للواقع، والثاني لا يعم الشيئين المعلوم حرمة أحدهما.

وكذلك لو تداعيا عينا في موضوع يحكم يتنصيفها بينهما مع العلم بأنها ليست إلا لاحدهما.

وذكروا ايضا في باب الصلح أنه لو كان لاحد الودعيين درهم وللاخر درهمان، فتلف عند الودعي أحد الدراهم، فإنه يقسم أحد الدرهمين الباقيين بين المالكين، مع العلم الاجمالي بأن دفع أحد النصفين دفع للمال إلى غير صاحبه.

وكذا لو إختلف المتبايعان في المبيع والثمن وحكم بالتحالف وإنفساخ البيع، فإنه يلزم مخالفة العلم الاجمالي بل الفصيلي في بعض الفروض، كما لا يخفى.

قلت: أما الشبهة الغير المحصورة فسيجئ وجه جواز المخالفة فيها.

وأما الحاكم فوظيفته أخذ ما يستحقه المحكوم له على المحكوم عليه بالاسباب الظاهرية، كالاقرار والحلف والبينة وغيرها.فهو قائم مقام المستحق في أخذ حقه.ولا عبرة بعلمه الاجمالي.

نظير ذلك ما إذا أذن المفتي لكل واحد من واجدي المني في الثوب المشترك في دخول المسجد، فإنه إنما يأذن كلا منهما بملاحظة تكليفه في نفسه.فلا يقال إنه يلزم من ذلك إذن الجنب في دخول المسجد وهو حرام.

وأما غير الحاكم ممن إتفق له أخذ المالين من الشخصين المقر لهما في مسألة الاقرار، فلا نسلم

٥

الصفحة ٤٠٨

جواز أخذه لهما، بل ولا لشئ منهما إلا إذا قلنا بأن ما يؤخذه منهما يعامل [ معه ] معاملة الملك الواقعي، نظير ما يملكه ظاهرا بتقليد أو إجتهاد يخالف لمذهب من يريد ترتيب الاثار، بناء على أن العبرة في ترتيب آثار الموضوعات الثابتة في الشريعة، كالملكية والزوجية وغيرهما، بصحتهما عند المتلبس بهما، كالمالك والزوجين، ما لم يعلم تفصيلا من يريد ترتيب الاثر خلاف ذلك، ولذلك قيل بجواز الاقتداء في الظهرين بواجدي المني في صلاة واحدة، بناء على أن المناط في صحة الاقتداء الصحة عند المصلي ما لم يعلم تفصيلا فساده.

وأما مسألة الصلح فالحكم فيها تعبدي، وكأنه صلح قهري بين المالكين أو يحمل على حصول الشركة بالاختلاط.

وقد ذكر بعض الاصحاب أن مقتضى القاعدة الرجوع إلى القرعة.

وبالجملة فلا بد من التوجيه في جميع ما يوهم جواز المخالفة القطعية الراجعة إلى طرح دليل شرعي، لانها كما عرفت ممنا يمنع عنها العقل والنقل، خصوصا إذا قصد من إرتكاب المشتبهين التوصل إلى الحرام، هذا مما لا تأمل فيه، ومن يظهر منه جواز الارتكاب فالظاهر أنه قصد غير هذه الصورة.

ومنه يظهر أن إلزام القائل بالجواز بأن تجويز ذلك يفضي إلى إمكان التوصل إلى فعل جميع المحرمات على وجه مباح، بأن يجمع بين الحلال والحرام المعلومين تفصيلا، كالخمر والخل، على وجه يوجب الاشتباه فيرتكبهما محل نظر، خصوصا على ما مثل به من الجمع بين الاجنبية والزوجة.هذا كله فيما إذا كان الحرام المشتبه عنوانا واحدا مرددا بين أمرين.وأما إذا كان مرددا بين عنوانين.كما مثلنا سابقا بالعلم الاجمالي بأن أحد المايعين إما خمر أو الاخر مغصوب.

فالظاهر أن حكمه كذلك، إذ لا فرق في عدم جواز المخالفة للدليل الشرعي بين كون ذلك الدليل معلوما بالتفصيل وكونه معلوما بالاجمال، فإن من إرتكب الانائين في المثال يعلم بأنه خالف دليل حرمة الخمر أو دليل حرمة المغصوب، ولذا لو كان إناء واحد مرددا بين الخمر والمغصوب لم يجز إرتكابه، مع أنه لا يلزم منه إلا مخالفة أحد الدليلين لا بعينه.

وليس ذلك إلا من جهة أن مخالفة الدليل الشرعي محرم عقلا وشرعا، سواء تعين للمكلف أو تردد بين دليلين.

ويظهر من صاحب الحدائق التفصيل في باب الشبهة المحصورة بين كون المردد بين المشتبهين فردا من عنوان فيجب الاجتناب عنه وبين كونه مرددا بين عنوانين فلا يجب.

فإن أراد عدم وجوب الاجتناب عن شئ منهما في الثاني وجواز إرتكابهما معا فظهر ضعفه بما ذكرنا، وإن أراد عدم وجوب الاحتياط فيه فسيجئ ما فيه.

٦

الصفحة ٤٠٩

وأما المقام الثاني: [ وهو وجوب إجتناب الكل وعمدمه ] فالحق فيه وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين وفاقا للمشهور، وفي المدارك أنه مقطوع به في كلام الاصحاب، ونسبه المحقق البهبهاني في فوائده إلى الاصحاب، وعن المحقق المقدس الكاظمي في شرح الوافية دعوى الاجماع صريحا، وذهب جماعة إلى عدم وجوبه، وحكي عن بعض القرعة.

لنا على ما ذكرنا أنه إذا ثبت كون أدلة تحريم المحرمات شاملة للمعلوم إجمالا ولم يكن هنا مانع عقلي أو شرعي من تنجز التكليف به، لزم بحكم العقل الاحتراز عن إرتكاب ذلك المحرم بالاجتناب عن كلا المشتبهين.

وبعبارة أخرى: التكليف بذلك المعلوم إجمالا إن لم يكن ثابتا جازت المخالفة القطعية، والمفروض في هذا المقام التسالم على حرمتها، وإن كان ثابتا وجب الاحتياط فيه بحكم العقل، إذ يحتمل أن يكون ما يرتكبه من المشتبهين هو الحرام الواقعي، فيعاقب عليه، لان المفروض لما كان ثبوت التكليف بذلك المحرم لم يقبح العقاب عليه إذا إتفق إرتكابه ولو لم يعلم به حين الارتكاب واختبر ذلك من حال العبد إذا قال له المولى: (إجتنب، وتحرز عن الخمر المردد بين هذين الانائين)، فإنك لا تكاد ترتاب في وجوب الاحتياط.

ولا فرق بين هذا الخطاب وبين الادلة المحرمات الثابتة في الشريعة إلا العموم والخصوص.

فإن قلت: أصالة الحل في كلا المشتبهين جارية في نفسها ومعتبرة لولا المعارض.

وغاية ما يلزم في المقام تعارض الاصلين، فتخيير في العمل في أحد المشتبهين، ولا وجه لطرح كليهما.

قلت: أصالة الحل غير جارية هنا بعد فرض كون المحرم الواقعي مكلفا بالاجتناب عنه منجزا على ما هو مقتضى الخطاب بالاجتناب عنه لان مقتضى العقل في الاشتغال اليقيني بترك الحرام الواقعي هو الاحتياط والتحرز عن كلا المشتبهين حتى لا يقع في محذور فعل الحرام.وهو معنى

٧

الصفحة ٤١٠

المرسل المروي في بعض كتب الفتاوى: (أترك ما لا بأس به حذرا عما به البأس).فلا يبقى مجال للاذن في فعل أحدهما.

وسيجئ في باب الاستصحاب أيضا أن الحكم في تعارض كل أصلين إذا لم يكن أحدهما حاكما على الاخر هو التساقط، لا التخيير.

فإن قلت: قوله: (كل شئ لك حلال حتى تعرف أنه حرام) ونحوه، يستفاد منه حلية المشتبهات بالشبهة المجردة عن العلم الاجمالي جميعا، وحلية الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي على البدل، لان الرخصة في كل شبهة مجردة لا تنافي الرخصة في غيرها، لاحتمال كون الجميع حلالا في الواقع.فالبناء على كون هذا المشتبه بالخمر خلا، لا ينافي البناء على كون المشتبه الاخر خلا.

وأما الرخصة في شبهة مقرونة بالعلم الاجمالي والبناء على كونه خلا لما تستلزم وجوب البناء على كون المحرم هو المشتبه الاخر، فلا يجوز الرخصة فيه جميعا نعم يجوز الرخصة فيه بمعنى جواز إرتكابه والبناء على أن المحرم غيره، مثلا الرخصة في إرتكاب أحد المشتبهين بالخمر مع العلم بكون أحدهما خمرا، فإنه لما علم من الادلة تحريم الخمر الواقعي ولو تردد بين الامرين كان معنى الرخصة في إرتكاب أحدهما الاذن في البناء على عدم كونه هو الخمر المحرم عليه وأن المحرم غيره، فكل منهما حلال، بمعنى جواز البناء على كون المحرم غيره.

والحاصل أن مقصود الشارع من هذه الاخبار أن يلغى من طرفي الشك في حرمة الشئ و حلية إحتمل الحرمة ويجعل الحلية في حكم متيقنها.

ولما كان في المشتبهين بالشبهة المحصورة شك واحد ولم يكن فيه إلا إحتمال كونه هذا حلالا وذاك حراما واحتمال العكس، كان إلغاء إحتمال الحرمة في أحدهما إعمالا له في الاخر وبالعكس، وكان الحكم الظاهري في احدهما بالحل حكما ظاهريا بالحرمة في الاخر، وليس في معنى حلية كل منهما إلا الاذن في إرتكابه وإلغاء إحتمال الحرمة فيه المستلزم لاعماله في الاخر.

فتأمل حتى لا تتوهم أن إستعمال قوله: (كل شئ لك حلال)، بالنسبة إلى الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي والشبهات المجردة إستعمال في معنيين.

قلت: الظاهر من الاخبار المذكورة البناء على حلية محتمل التحريم والرخصة فيه، لا وجوب البناء على كونه هو الموضوع المحلل.ولو سلم فظاهرها البناء على كون كل مشتبه كذلك.وليس الامر بالبناء على كون أحد المشتبهين هو الخل أمرا بالبناء على كون الاخر هو الخمر، فليس في الروايات من البدلية عين ولا أثر، فتدبر.

٨

الصفحة ٤١١

احتج من جوز إرتكاب ما عدا مقدار الحرام ومنع عنه بوجهين الاول: الاخبار الدالة على حل ما لم يعلم حرمته التي تقدم بعضها.

وإنما منع من إرتكاب مقدار الحرام إما لاستلزامه لعلم بارتكاب الحرام وهو حرام، وإما لما ذكره بعضهم من أن إرتكاب مجموع المشتبهين حرام لاشتماله على الحرام.

قال في توضيح ذلك: (إن الشارع منع عن إستعمال الحرام المعلوم وجوز إستعمال ما لم يعلم حرمته والمجموع من حيث المجموع معلوم الحرمة ولو بإعتبار جزئه وكذا كل منهما بشرط الاجتماع مع الاخر فيجب إجتنابه، وكل منهما بشرط الانفراد مجهول الحرمة فيكون حلالا).

والجواب عن ذلك أن أخبار المتقدمة على ما عرفت إما أن لا تشمل شيئا من المشتبهين وإما أن تشملهما جميعا.

وما ذكر من الوجهين لعدم جواز إرتكاب الاخير بعد إرتكاب الاول فغير صالح للمنع.

أما (الاول)، فلانه إن أريد أن مجرد تحصيل العلم بإرتكاب الحرام حرام، فلم يدل دليل عليه، نعم تحصيل العلم بإرتكاب الغير للحرام حرام من حيث التجسس المنهي عنه وإن لم يحصل له العلم.

وإن أريد أن الممنوع عنه عقلا من مخالفة أحكام الشرع بل مطلق الموالي هي المخالفة العلمية، دون الاحتمالية فإنها لا تعد عصايانا في العرف، فعصيان الخطاب بإجتناب الخمر المشتبه هو إرتكاب المجموع المحرم الواقعي وإن لم يعرف حين الارتكاب.وحاصله منع وجوب المقدمة العلمية.

ففيه، مع إطباق العلماء بل العقلاء، كما حكي، على وجوب المقدمة العلمية، أنه إن أريد من حرمة المخالفة العلمية المخالفة المعلومة حين المخالفة، فهذا إعتراف بجواز إرتكاب المجموع تدريجا، إذ

٩

الصفحة ٤١٢

لا يحصل معه مخالفة معلومة تفصيلا، وإن أريد منها حرمة المخالفة التي تعلق العلم بها ولو بعدها، فمرجعها إلى حرمة تحصيل العلم الذي به يصير المخالفة المعلومة، وقد عرفت منع حرمتها جدا.

مما ذكرنا يظهر فساد (الوجه الثاني)، فإن حرمة المجموع إذا كان بإعتبار جزئه الغير المعين فضم الجزء الاخر لا دخل له في حرمته.

نعم له دخل في كون الحرام معلوم التحقق، فهي مقدمة للعلم بإرتكاب الحرام لا لنفسه، فلا وجه لحرمتها بعد عدم حرمة العلم بإرتكاب الحرام.

ومن ذلك يظهر فساد جعل الحرام كلا منهما بشرط الاجتماع مع الاخر، فإن حرمته وإن كانت معلومة إلا أن الشرط شرط لوصف كونه معلوم التحقق لا لذات الحرام، فلا يحرم إيجاد الاجتماع إلا إذا حرم جعل ذات الحرام معلومة التحقق ومرجعه إلى حرمة تحصيل العلم بالحرام.

الثاني: ما دل بنفسه أو بضميمة ما دل على المنع عن إرتكاب الحرام الواقعي على جواز تناول الشبهة المحصورة، فيجمع بينه على تقدير ظهوره في جواز تناول الجميع وبين ما دل على تحريم العنوان الواقعي بأن الشارع جعل بعض المحتملات بدلا عن الحرام الواقعي فيكفي تركه في الامتثال الظاهري.

كما لو إكتفى بفعل الصلاة إلى بعض الجهات المشتبهة ورخص في ترك الصلاة إلى بعضها، وهذه الاخبار كثيرة: منها: موثقة سماعة.

قال: (سألت أبا عبدالله، عليه السلام، عن رجل أصاب مالا من عمال بني أمية، وهو يتصدق منه ويصل قرابته ويحج ليغفر له ما اكتسب، ويقول: إن الحسنات يذهبن السيئات.

فقال عليه السلام: إن الخطيئة لا تكفر الخطيئة وإن الحسنة تحط الخطيئه.

ثم قال: إن كان خلط الحرام حلالا فاختلطا جميعا فلم يعرف الحرام من الحلال فلا بأس)(١).

فإن ظاهره نفي البأس عن التصدق والصلة والحج من المال المختلط وحصول الاجر في ذلك.وليس فيه دلالة على جواز التصرف في الجميع.

ولو فرض ظهوره فيه صرف عنه بما دل على وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعي، وهو مقتضى بنفس لحرمة التصرف في الكل، فلا يجوز ورود الدليل على خلافها ومن جهة حكم العقل بلزوم الاحتياط لحرمة التصرف في البعض المحتمل أيضا.

لكن عرفت أنه يجوز الاذن في ترك بعض المقدمات العلمية بجعل بعضها الاخر بدلا ظاهريا عن ذي المقدمة.

____________________

(١) وسائل الشيعة، ج ٨، ١٠٤

١٠

الصفحة ٤١٣

والجواب عن هذا الخبر: أن ظاهره جواز التصرف في الجميع، لانه يتصدق ويصل ويحج بالبعض ويمسك الباقي، فقد تصرف في الجميع بصرف البعض وإمساك البعض الاخر، فلا بد إما من الاخذ به وتجويز المخالفة القطعية وإما من صرفه عن ظاهره وحينئذ فحمله على إرادة نفي البأس عن التصرف في البعض وإن حرم عليه إمساك مقدار الحرام ليس بأولى من حمل الحرام على حرام خاص يعذر فيه الجاهل، كالربا، بناء على ما ورد في عدة أخبار من حلية الربا الذي أخذ جهلا ثم لم يعرف بعينه في المال المخلوط.

وبالجملة فالاخبار الواردة في حلية ما لم يعلم حرمته على أصناف.

منها: ما كان من قبيل قوله عليه السلام (كل شئ لك حلالا حتى تعرف أنه حرام)(١).

وهذا الصنف لا يجوز الاستدلال به لمن لا يرى جواز إرتكاب المشتبهين، لان حمل تلك الاخبار على الواحد لا بعينه في الشبهة المحصورة والآحاد المعينه في المجردة من العلم الاجمالي، والشبهة الغير المحصورة متعسر بل متعذر، فيجب حملها على صورة عدم التكليف الفعلي بالحرام الواقعي.

ومنها: ما دل ارتكاب كلا المشتبهين في خصوص الشبهة المحصورة مثل الخبر المتقدم.

وهذا أيضا لا يلتزم المستدل بمضمونه ولا يجوز حمله على غير الشبهة المحصورة، لان موردها فيها، فيجب حملها على أقرب المحتملين من إرتكاب البعض مع إبقاء ما عدا المقدار ومن وروده في مورد خاص، كالربا ونحوه، مما يمكن إلتزام خروجه عن قاعدة الشبهة المحصورة.ومن ذلك يعلم حال ما ورد في الربا من حل جميع المال المختلط به.

ومنها: ما دل على جواز أخذ ما علم فيه الحرام إجمالا، كأخبار جواز الاخذ من العامل والسارق والسلطان.

وسيجئ حمل جلها أو كلها على كون الحكم بالحل مستندا إلى كون الشئ مأخوذا من يد المسلم ومتفرعا على تصرفه المحمول على الصحة عند الشك.

فالخروج، بهذه الاصناف من الاخبار، عن القاعدة العقلية الناشية عما دل من الادلة القطعية على وجوب الاجتناب عن العناوين المحرمة الواقعية، وهي وجوب دفع الضرر المقطوع به بين المشتبهين ووجوب إطاعة التكاليف المعلومة المتوقفة على الاجتناب عن كلا المشتبهين، مشكل

____________________

(١) الكافي، ج ٥، ص ٣١٣ وسائل الشيعة، ح ١٢، ص ٦٠، ح ٢٢٠٥٠

١١

الصفحة ٤١٤

حدا، خصوصا مع إعتضاد القاعدة بوجهين آخرين، هما كالدليل على المطلب.

أحدهما الاخبار الدالة على هذا المعنى: منها: قوله عليه السلام: (ما إجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام الحلال)(١)، والمرسل المتقدم: (أتركوا ما لا بأس به حذرا عما به الباس)،(٢) وضعفها ينجبر بالشهرة المحققة والاجماع المدعى في كلام من تقدم.

ومنها: رواية ضريس عن السمن والجبن في أرض المشركين: (قال أما ما علمت أنه قد خلطه الحرام فلا تأكل، وأما ما لم تعلم فكل)، فإن الخلط يصدق مع الاشتباه.

ورواية إبن سنان: (كل شئ حلال حتى يجيئك شاهدان أن فيه الميتة)، فإنه يصدق على مجموع قطعات اللحم أن فيه الميتة.

ومنها: قوله، صلى الله عليه وآله، في حديث التثليث: (وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم)، بناء على أن المراد بالهلاكة ما هو أثر للحرام.

فإن كان الحرام لم يتنجز التكليف به فالهلاك المترتب عليه منقصته الذاتية، وإن كان مما يتنجز التكليف به، كما في ما نحن فيه، كان المترتب عليه هو العقاب الاخروي.

وحيث أن دفع العقاب المحتمل واجب بحكم العقل وجب الاجتناب عن كل مشتبه بالشبهة المحصورة.

وما كان دفع الضرر غير العقاب غير لازم إجماع كان الاجتناب عن الشبهة المجردة غير واجب بل مستحبا.

وفائدء‌ة الاستدلال بمثل هذا الخبر معارضته لما يفرض من الدليل على جواز إرتكاب أحد المشتبهين مخيرا وجعل الاخر بدلا عن الحرام الواقعي، فإن مثل هذا الدليل لو فرض وجوده حاكم على الادلة الدالة على الاجتناب عن عنوان المحرم الواقعي، لكنه معارض بمثل خبر التثليث و بالنبويين، بل مخصص بهما.

[ لو فرض عمومه للشبهة الابتدائية، فيسلم ] تلك الادلة، [ فتأمل ].

الثاني ما يستفاد من أخبار كثيرة من كون الاجتناب عن كل واحد من المشتبهين أمرا مسلما مفروغا عنه بين الائمة عليهم السلام والشيعة بل العامة أيضا، بل استدل صاحب الحدائق على أصل القاعدة باستقراء مواردها في الشريعة.

لكن الانصاف عدم بلوغ ذلك حدا يمكن الاعتماد عليه مستقلا، وإن كان ما يستشم منها قولا وتقريرا من الروايات كثيرة:

____________________

(١) عوالي اللئالي، ج ٢، ص ١٣٢.

(٢) تهذيب الاحكام، ج ٩، ص ٧٩.

وسائل الشيعة، ج ١٦، ص ٤٩٤.

١٢

الصفحة ٤١٥

منها: ما ورد في المائين المشتبهين، خصوصا مع فتوى الاصحاب بلا خلاف بينهم على وجوب الاجتناب عن إستعمالهما مطلقا.

ومنها: ما ورد في الصلاة في الثوبين المشتبهين.

ومنها: ما ورد في وجوب غسل الثوب من الناحية التي يعلم باصابة بعضها للنجاسة معللا بقوله: (حتى يكون على يقين من طهارته)، فإن وجوب تحصيل اليقين بالطهارة على ما يستفاد عن التعليل يدل على عدم جريان أصالة الطهارة بعد العلم الاجمالي بالنجاسة.

وهو الذي بنينا عليه وجوب الاحتياط في الشبهة المحصورة وعدم جواز الرجوع فيها إلى أصالة الحل، فإنه لو جرى أصالة الطهارة وأصالة حل الطهارة والصلاة في بعض المشتبهين لم يكن للاحكام المذكورة وجه ولا للتعليل في الحكم الاخير لوجوب تحصيل اليقين بالطهارة بعد اليقين بالنجاسة.

و [ منها ]: ما دل على بيع الذبائح المختلط ميتتها بمذكيها [ ممن يستحل الميتة ] من أهل الكتاب، بناء على حملها على ما لا يخالف عمومات حرمة بيع المشتبه بأن يقصد بيع المذكى خاصة أو مع مالا تحله الحياة من الميتة.

وقد يستأنس له مما ورد من وجوب القرعة في قطيع الغنم المعلوم وجود الموطوء في بعضها.

و هي الرواية المحكية في جواب الامام الجواد، عليه السلام، لسؤال يحيى بن أكثم عن قطيع غنم نزى الراعي على واحدة منها ثم أرسلها في الغنم، حيث قال عليه السلام: (يقسم الغنم نصفين ثم يقرع بينهما.

فكل ما وقع السهم عليه قسم غيره قسمين.وهكذا حتى يبقى واحد ونجى الباقي)(١).

وهو حجة القول بوجوب القرعة، لكنها لا تنهض لاثبات حكم مخالف للاصول.نعم هي دالة على عدم جواز إرتكاب شئ منها قبل القرعة.

فإن التكليف بالاجتناب عن الموطوء‌ة الواقعية واجب بالاجتناب عن الكل حتى يتميز الحلال ولو بطريق شرعي، هذا.

ولكن الانصاف أن الرواية أدل على مطلب الخصم بناء على حمل القرعة على الاستحباب، إذ على قول المشهور لا بد من طرح الرواية أو العمل بها في خصوص موردها.

____________________

(١) تحف العقول، ص ٤٨٠ وسائل الشيعة، ج ١٦، ص ٤٣٦، ح ٣٠٢٦٩.

١٣

الصفحة ٤١٦

وينبغي التنبيه على أمور الاول إنه لا فرق في وجوب الاجتناب عن المشتبه الحرام بين كون المشتبهين مندرجين تحت حقيقة واحدة وغير ذلك، لعموم ما تقدم من الادلة.

ويظهر من كلام صاحب الحدائق التفصيل، فإنه ذكر كلام صاحب المدارك في مقام تأييد ما قواه من عدم وجوب الاجتناب من المشتبهين.

وهو: (أن المستفاد من قواعد الاصحاب أنه لو تعلق الشك بوقوع النجاسة في الاناء وخارجه لم يمنع من إستعماله.

وهو مؤيد لما ذكرناه.

قال مجيبا عن ذلك: أولا بأنه من باب الشبهة الغير المحصورة.

وثانيا أن القاعدة المذكورة إنما تتعلق بالافراد المندرجة تحت ماهية واحدة والجزئيات التي تحويها حقيقة واحدة إذا إشتبه طاهرها بنجسها وحلالها بحرامها، فيفرق بين المحصور وغير المحصور بما تضمنه تلك الاخبار، لا وقوع الاشتباه كيف إتفق)(١)، إنتهى كلامه رفع مقامه.

وفيه بعد منع كون ما حكاه صاحب المدارك عن الاصحاب مختصا بغير المحصور، بل لو شك في وقوع النجاسة في الاناء، فظاهرهم الحكم بطهارة الماء.

كما يدل عليه تأويلهم لصحيحة علي بن جعفر الواردة في الدم الغير المستبين في الماء بذلك أنه لا وجه لما ذكره من إختصاص القاعدة.

أما أولا، فلعموم المذكورة خصوصا عمدتها، وهي أدلة الاجتناب من العناوين المحرمة الواقعية، كالنجس والخمر ومال الغير وغير ذلك [ بضميمة حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل ].

وأما ثانيا، فلانه لا ضابطة لما ذكره من الاندارج تحت ماهية واحدة، ولم يعلم الفرق بين تردد

____________________

(١) الحدائق الناضرة، ١، ص ٥١٧.

١٤

الصفحة ٤١٧

النجس بين ظاهر الاناء وباطنه أو بين الماء وقطعة من الارض أو بين الماء ومايع آخر، أو بين مائعين مختلفي الحقيقة وبين تردده ما بين مائين أو ثوبين أو مائعين متحدي الحقيقة.

نعم هنا شئ آخر: وهو أنه هل يشترط في العنوان المحرم الواقعي والنجس الواقعي المردد بين المشتبهين أن يكون على كل تقدير متعلقا لحكم واحد أم لا.مثلا، إذا كان أحد المشتبهين ثوبا و الآخر مسجدا.حيث أن المحرم في أحدهما اللبس وفي الآخر السجدة.

فليس هنا خطاب جامع للجنس الواقعي، بل العلم بالتكليف مستفاد من مجموع قول الشارع: (لا تلبس النجس في الصلاة ولا تسجد على النجس).وأولى من ذلك بالاشكال ما لو كان المحرم على كل تقدير عنوانا غيره على التقدير الآخر.

كما لو دار الامر بين كون أحد المائعين نجسا وكون الآخر مال الغير لامكان تكليف إدراج الفرض الاول تحت خطاب الاجتناب عن النجس بخلاف الثاني.وأولى من ذلك ما لو تردد الامر بين كون هذه المرأة أجنبية أو كون هذا المايع خمرا.

وتوهم إدراج ذلك كله في وجوب الاجتناب عن الحرام مدفوع بأنالاجتناب عن الحرام عنوان منتزع من الادلة المتعلقة بالعناوين الواقعية.فالاعتبار بها لا به، كما لا يخفى.والاقوى أن المخالفة القطعية في جميع ذلك غير جائز، ولا فرق عقلا وعرفا في مخالفة نواهي الشارع بين العلم التفصيلي بخصوص ما خالفه وبين العلم الاجمالي بمخالفة أحد النهيين.

ألا ترى أنه لو إرتكب مايعا واحد يعلم أنه مال الغير أو نجس لم يعذر لجهله التفصيلي بما خالفه، فكذا حال من ارتكب النظر إلى المرأة وشرب المايع في المثال الاخير.

والحاصل أن النواهي الشرعية بعد الاطلاع عليها بمنزلة نهي واحد عن عدة أمور.

فكما تقدم أنه لا يجتمع نهي الشارع عن أمر واقعي واحد، كالخمر مع الاذن في إرتكاب المائعين المردد بينهما الخمر، فكذا لا يجتمع النهي عن عدة أمور مع الاذن في إرتكاب كلا الامرين المعلوم وجودا أحد تلك الامور فيهما.

وأما الموافقة القطعية فالاقوى أيضا وجوبها، لعدم جريان أدلة الحلية ولا أدلة البراء‌ة عقليها و نقليها.

أما النقلية، فلما تقدم من إستوائها بالنسبة إلى كل من المشتبهين وإبقاؤهما يوجب التنافي مع أدلة تحريم العناوين الواقعية، وإبقاء واحد على سبيل البدل غير جائز، إذ بعد خروج كل منهما بالخصوص ليس الواحد لا بعينه فردا ثالثا يبقى تحت أصالة العموم.

١٥

الصفحة ٤١٨

وأما العقلية، فلمنع إستقلاله في المقام بقبح مؤاخذة من إرتكب الحرام المردد بين الامرين، بل الظاهر إستقلال العقل في المقام بعد عدم القبح المذكور بوجوب دفع الضرر، أعني العقاب المحتمل في إرتكاب احدهما.

وبالجملة فالظاهر عدم التفكيك في هذا المقام بين المخالفة القطعية والمخالفة الاحتمالية.

فإما أن يجوز الاولى وإما أن يمنع الثانية.

الثاني: أن وجوب الاجتناب عن كل من المشتبهين هل هو بمعنى لزوم الاحتراز عنه حذرا من الوقوع في المؤاخذة بمصادفة ما إرتكبه للحرام الواقعي، فلا مؤاخذه إلا على تقدير الوقوع في الحرام، أو هو بمعنى لزوم الاحتراز عنه من حيث أنه مشتبه فيستحق المؤاخذة بإرتكاب احدهما، ولو لم يصادف الحرام.

ولو إرتكبهما إستحق عقابين فيه وجهان بل قولان، أقواهما الاول، لان حكم العقل بوجوب دفع الضرر هو بمعنى العقاب المحتمل، بل المقطوع حكم إرشادي.

وكذا لو فرض أمر الشارع بالاجتناب عن عقاب محتمل أو مقطوع بقوله (تحرز عن الوقوع في معصية النهي عن الزنا)، لم يكن إلا إرشاديا، ولم يترتب على موافقته ومخالفته سوى خاصية نفس المأمور به وتركه، كما هو شأن الطلب الارشادي.

وإلى هذا المعنى أشار، صلوات الله عليه، بقوله: (أتركوا ما لا بأس به حذرا ما به البأس)، وقوله: (من إرتكب الشبهات وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم).

ومن هنا ظهر أنه لا فرق في ذلك بين الاستناد في وجوب الاجتناب إلى حكم العقل وبين الاستناد فيه إلى حكم الشرع بوجوب الاحتياط.

وأما حكمهم بوجوب دفع الضرر المظنون شرعا و إستحقاق العقاب على تركه وإن لم يصادف الواقع فهو خارج عما نحن فيه، لان الضرر الدنيوي إرتكابه مع العلم حراما شرعا.والمفروض أن الظن في باب الضرر طريق شرعي.

فالمقدم مع الظن كالمقدم مع القطع مستحق للعقاب.كما لو ظن سائر المحرمات بالظن المعتبر.

نعم لو شك في هذا الضرر يرجع إلى أصالة الاباحة وعدم الضرر إستحالة ترخيص الشارع في الاقدام على الضرر الدنيوي المقطوع إذا كان في الترخيص مصلحة أخروية فيجوز ترخيصه بالاقدام على المحتمل لمصلحة ولو كانت تسهيل الامر على المكلف بوكول الاقدام على إرادته.

وهذا بخلاف الضرر الاخروي، فإنه على تقدير ثبوته يقبح من الشارع الترخيص فيه.

١٦

الصفحة ٤١٩

نعم وجوب دفعه عقلي ولو مع الشك، لكن لا يترتب على ترك دفعه إلا نفسه على تقدير ثبوته واقعا حتى أنه لو قطع به ثم لم يدفعه واتفق عدمه واقعا لم يعاقب عليه إلا من باب التجري، وقد تقدم في المقصد الاول المتكفل لبيان مسائل حجية القطع الكلام فيه وسيجئ أيضا.

فإن قلت: قد ذكر العدلية في الاستدلال بوجوب دفع الضرر على وجوب شكر المنعم بأن في تركه إحتمال المضرة وجعلوا ثمرة وجوب شكر المنعم وعدم وجوبه إستحقاق العقاب على ترك الشكر لمن لم يبلغه دعوة نبي، فيدل ذلك على إستحقاق العقاب بمجرد ترك دفع الضرر الاخروي المحتمل.

قلت: حكمهم بإستحقاق العقاب على ترك الشكر بمجرد إحتمال الضرر في تركه لاجل مصادفة الاحتمال للواقع، فإنا لما علمنا بوجوبه عند الشارع وترتب العقاب على تركه.

فإذا احتمل العاقل العقاب على تركه، فإن قلنا بحكومة العقل في مسألة دفع الضرر المحتمل صح عقاب تارك الشكر من أجل إتمام الحجة عليه بمخالفة عقله، وإلا فلا.

فغرضهم أن ثمرة حكومة العقل بدفع الضرر المحتمل إنما يظهر في الضرر الثابت شرعا مع عدم العلم به من طريق الشرع، لان الشخص بمخالفة العقل وإن لم يكن ضرر في الواقع، وقد تقدم في بعض مسائل الشبهة التحريمية شطر من الكلام في ذلك.

وقد يتمسك لاثبات الحرمة في المقام بكونه تجريا فيكون قبيحا عقلا فيحرم شرعا، وقد تقدم في فروع حجيه العلم الكلام في حرمة التجري حتى مع القطع بالحرمة إذا كان مخالفا للواقع.

كما أفتى به في التذكره فيما إذا اعتقد ضيق الوقت فأخر وانكشف بقاء الوقت وإن تردد في النهاية.

وأضعف من ذلك التمسك بالادلة الشرعيه الدالة على الاحتياط، لما تقدم من أن الظاهر من مادة الاحتياط التحرز عن الوقوع في الحرام، كما يوضح ذلك النبويان السابقان وقولهم صلوات الله عليهم: (إن الوقوف عند الشبهة اولى من الاقتحام في الهلكة).

(١) الثالث: إن وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين إنما هو مع تنجز التكليف بالحرام الواقعي على كل

____________________

(١) المحاسن، ص ٢١٥ بحار الانوار، ج ٢، ص ٢٥٩.

١٧

الصفحة ٤٢٠

تقدير بأن يكون كل منهما بحيث لو فرض القطع بكونه الحرام كان التكليف بالاجتناب منجزا.

فلو لم يكن كذلك بأن لم يكلف به أصلا.

كما لو علم بوقوع قطرة من البول في أحد الانائين أحدهما بول أو متنجس بالبول أو كثير لا ينفعل بالنجاسة أو أحد ثوبين أحدهما نجس بتمامه لم يجب الاجتناب عن الاخر.لعدم العلم بحدوث التكليف بالاجتناب عن ملاقي هذه القطرة.

إذ لو كان ملاقيها هو الاناء النجس لم يحدث بسببه تكليف بالاجتناب أصلا.فالشك في التكليف بالاجتناب عن الاخر شك في أصل التكليف، لا المكلف به.

وكذا لو كان التكليف في أحدهما معلوما، لكن لا على وجه التنجز، بل معلقا على تمكن المكلف منه، فإن ما لا يمكن المكلف من إرتكابه لا يكلف منجزا بالاجتناب عنه، كما لو علم وقوع النجاسة في أحد شيئين لا يتمكن المكلف من إرتكاب واحد معين منهما، فلا يجب الاجتناب عن الاخر، لان الشك في أصل تنجز التكليف، لا في المكلف به تكليفا منجزا.

وكذا لو كان إرتكاب الواحد المعين ممكنا عقلا، لكن المكلف أجنبي عنه وغير مبتلى به بحسب حاله، كما إذا تردد النجس بين إنائه وإناء لا دخل للمكلف فيه أصلا، فإن التكليف بالاجتناب عن هذا الاناء الاخر الممكن عقلا غير منجز عرفا.

ولهذا لا يحسن التكليف المنجز بالاجتناب عن الطعام او الثوب الذي ليس من شأن المكلف الابتلاء به.

نعم يحسن الامر بالاجتناب عنه مقيدا بقوله: إذا إتفق لك الابتلاء بذلك العارة أو بملك أو إباحة فاجتنب عنه.

والحاصل: أن النواهي المطلوب فيها حمل المكلف على الترك مختصة بحكم العقل والعرف بمن يعد مبتلى بالواقعة المنهي عنها.ولذا يعد خطاب غيره بالترك مستهجنا إلا على وجه التقييد بصورة الابتلاء.

ولعل السر في ذلك ان غير المبتلى تارك للمنهي عنه بنفس عدم الابتلاء، فلا حاجة إلى نهيه، فعند الاشتباه لا يعلم المكلف تنجز التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي.

وهذا باب واسع ينحل به الاشكال عما علم من عدم وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة في مواق، مثل ما إذا علم إجمالا بوقوع النجاسة في إنائه أو في موضع من الارض التي لا يبتلى به المكلف عادة أو بوقوع النجاسة في ثوبه او ثوب غيره، فإن الثوبين لكل منهما من باب الشبهة المحصورة مع عدم وجوب إجتنابهما.

فإذا جرى أحدهما في ثوبه أصالة الحل والطهارة لم يعارض بجريانها في ثوب غيره، إذ لا يترتب على هذا المعارض ثمرة عملية للمكلف يلزم من ترتبها مع العمل

١٨

الصفحة ٤٢١

بذلك الاصل طرح التكليف المنجز بالامر المعلوم إجمالا.

ألا ترى أن زوجة شخص لو شكت في أنها هي المطلقة أوغيرها من ضراتها جاز لها ترتيب أحكام الزوجية على نفسها، ولو شك الزوج هذا الشك لم يجز له النظر إلى إحداهما.

وليس ذلك إلا لان أصالة عدم تطليقة كل منهما متعارضان في حق الزوج بخلاف الزوجة، فإن أصالة عدم تطلق ضرتها لا تثمر لها ثمرة عملية.

نعم لو إتفق ترتب تكليف على زوجية ضرتها دخلت في الشبهة المحصورة، ومثل ذلك كثر في الغاية.

ومما ذكرنا يندفع ما تقدم من صاحب المدارك، رحمه الله، من الاستنهاض على ما اختاره من عدم وجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة بما يستفاد من الاصحاب من عدم وجوب الاجتناب عن الاناء الذي علم بوقوع النجاسة فيه أو في خارجه، إذ لا يخفى أن خارج الاناء، سواء كان ظهره أو الارض القريبة منه، ليس مما يبتلى به المكلف عادة، ولو فرض كون الخارج مما يسجد عليه المكلف إلتزمنا وجوب الاجتناب عنهما، للعلم الاجمالي بالتكليف المردد بين حرمة الوضوء بالماء النجس وحرمة السجدة على الارض النجسة.

ويؤيد ما ذكرنا صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام فيمن رعف فامتخط فصار الدم قطعا صغارا فأصاب إناء‌ه، هل يصلح الوضوء منه؟ فقال عليه السلام: (إن لم يكن شئ يستبين في الماء فلا بأس به، وإن كان شيئا بينا فلا)(١).

حيث إستدل به الشيخ، قدس سره، على العفو عما لا يدركه الطرف من الدم، وحملها المشهور على أن إصابة الاناء لا يستلزم إصابة الماء.فالمراد أنه مع عدم تبين شئ في الماء يحكم بطهارته.

و معلوم أن ظهر الاناء وباطنه الحاوي للماء من الشبهة المحصورة.وما ذكرنا واضح لمن تدبر.

إلا أن الانصاف: أن تشخيص موارد الابتلاء لكل من المشتبهين وعدم الابتلاء بواحد معين منهما كثيرا ما يخفى.

ألا ترى أنه لو دار الامبر بين وقوع النجاسة على الثوب ووقوعها على ظهر طائر أو حيوان قريب منه لا يتفق عادة إبتلاؤه بالموضع النجس منه لم يشك أحد في عدم وجوب الاجتناب عن الثوب.

أما لو كان الطرف الاخر أرضا لا يبعد إبتلاء المكلف به في السجود و التيمم وإن لم يحتج إلى ذلك فعلا، ففيه تأمل.

____________________

(١) الكافي، ج ٣، ص ٧٤ وسائل الشيعة، ج ١، ص ١١٢، ح ٣٧٥.

١٩

الصفحة ٤٢٢

والمعيار في ذلك وإن كان صحة التكليف بالاجتناب عنه على تقدير العلم بنجاسته وحسن ذلك من غير تقييد التكليف بصورة الابتلاء وإتفاق صيرورته واقعة له، إلا أن تشخيص ذلك مشكل جدا.

نعم يمكن أن يقال عند الشك في حسن التكليف التنجيزي عرفا بالاجتناب وعدم حسنه إلا معلقا لاصل البراء‌ة من التكليف المنجز، كما هو المقرر في كل ما شك فيه في كون التكليف منجزا او معلقا على أمر محقق العدم او علم التعليق على أمر.لكن شك في تحققه أو كون المتحقق من أفراده، كما في المقام.

إلا أن هذا ليس بأولى من أن يقال إن الخطابات بالاجتناب عن المحرمات مطلقة غير معلقة والمعلوم تقييدها بالابتلاء في موضع العلم بتقبيح العرف توجيهها من غير تعلق بالابتلاء.

كما لو قال: (اجتنب عن ذلك الطعام النجس الموضوع قدام أمير البلد)، مع عرم جريان العادة بإبتلاء المكلف به، أو: (لا تصرف في اللباس المغصوب الذي لبسه ذلك الملك أو الجارية التي غصبها الملك وجعلها من خواص نسوانه)، مع عدم إستحالة إبتلاء الملكف بذلك كله عقلا ولا عادة، إلا أنه بعيد الاتفاق.وأما لو شك في قبح التنجيز فيرجع إلى الاطلاقات.

فمرجع المسألة إلى أن المطلق المقيد بقيد مشكوك التحقق في بعض الموارد لتعذر ضبط مفهومه على وجه لا يخفى مصداق من مصاديقه، كما هو شأن أغلب المفاهيم العرفية، هل يجوز التمسك به أولا.والاقوى الجواز.

فيصير الاصل في المسألة وجوب الاجتناب، إلا ما علم عدم تنجز التكليف بأحد المشتبهين على تقدير العلم بكونه الحرام، إلا أن يقال: إن المستفاد من صحيحة علي بن جعفر المتقدمه كون الماء وظاهر الاناء من قبيل عدم تنجز التكليف، فيكون ذلك ضابطا في الابتلاء و عدمه، إذ يبعد حملها على خروج ذلك عن قاعدة الشبهة لاجل النص فافهم.

الرابع: أن الثابت في كل المشتبهين لاجل العلم الاجمالي بوجوبد الحرام الواقعى فيهما هو وجوب الاجتناب، لانه اللازم من باب المقدمة من التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي.

أما سائر الاثار الشرعيه المترتبة على ذلك الحرام، فلا تترتب عليهما، لعدم جريان باب المقدمة فيها فيرجع فيها إلى الاصول الجارية في كل المشتبهين بالخصوص، فإرتكاب أحد المشتبهين لا يوجب حد الخمر على المرتكب، بل يجري أصالة عدم موجب الحد ووجوبه.وهل يحكم بتنجس ملاقيه وجهان بل قولان مبنيان على أن تنجس الملاقي إنما جاء من

٢٠