• البداية
  • السابق
  • 401 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 13155 / تحميل: 4867
الحجم الحجم الحجم
قوانين الاصول

قوانين الاصول

مؤلف:
العربية

وتوطين النفس ووقوعه في الايات والاخبار أكثر من أن يحتاج إلى الذكر وقد سمعت بعضها و ستسمع ثم أن هيهنا فروعا مهمة الاول ذهب أكثر الاصوليين إلى أنه لا إجمال في آية السرقة لا من جهة اليد ولا من جهة القطع وذهب السيد المرتضىرحمه‌الله وجماعة من العامة إلى إجمالها بسبب إشتراك اليد بين جملتها وبين كل واحد من أبعاضها وقيل بإجمالها بإعتبار القطع أيضا لاشتراكه بين الابانة والجرح حجة السيد مع تحرير مني لها أن اليد تطلق على الجملة وعلى كل بعض منه كما يقال غوصت يدي في الماء إذا غوصه إلى الاشاجع أو إلى الزند أو إلى المرفق وأعطيته بيدي وكتبت بيدي مع أنهما إنما حصلا بالانامل والاستعمال دليل الحقيقة فثبت الاشتراك قال و ليس قلونا يد يجري مجرى قولنا إنسان كما ظنه قوم لان الانسان يقع على جملة يختص كل بعض منها بإسم من غير أن يقع إنسان على أبعاضها بخلاف اليد ويظهر من ذلك إستدلال من يعتبر القطع أيضا في الاجمال والجواب أن الاستعمال أعم من الحقيقة كما مر مرارا والتبادر علامة الحقيقة والمتبادر من اليد إنما هو المجموع إلى المنكب والشاهد على ما ذكرنا أنه إذا قيل فلان بيده وجع يقال له أي موضع من يده به وجع لا أي يد منه به وجع نعم يصح الاستفهام بالنسبة إلى اليمنى واليسرى فعلم أنه موضوع للمفهوم الكلي الذي مصداقه هو مجموع ذلك العضو ولا ريب أنه لو كان اليد موضوعا لكل واحد من الاجزاء لصح الاستفهام بأنه أي الايدي ومن القطع الابانة والمقايسة بالانسان وتمثيله في مقابل اليد دون زيد لان الانسان لم يوضع إلا للمفهوم الكلي وإطلاقه على الشخص من باب إطلاق الكلي على الفرد فهو المناسب للمقايسة والتمثيل ولا يخفى عليك أن كليهما مثل اليد فيقال قبلت زيدا أو إنسانا وإنما قبل وجهه أو ضربت زيدا أو إنسانا وإنما ضرب رجله وهكذا بل الظاهر أن مرادهم في النزاع إنما هو بعنوان المثال وهذا الكلام يجري في الرجل و الوجه والرأس والجسد واليوم والليل وغير ذلك مما يكون ذا أجزاء وكل جزء منه مسمى بإسم عليحدة ويطلق إسم المجموع على كل منها والتحقيق في الكل أن الاسامي في الكل موضوعة للمجموع وإطلاقها على الابعاض مجاز نعم هيهنا معنى دقيق خالجني في حل الاشكال في بعض موارد هذه ال‍ مسألة وهو أنهم إختلفوا في حقيقة الليل والنهار وطال التشاجر بينهم فقيل بأنه ما بين طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس وقيل ما بين طلوع الشمس إلى الغروب وقيل بالاشتراك وقيل بكون ما بين الطلوعين واسطة والتحقيق عندي القول الاول ولكني أقول ان من إشتغل من أول طلوع الشمس إلى الغروب بعمل فيصدق عليه أنه عمل يوما حقيقة فلو صار أجير يوم برء ذمته وكذا لو وقع مورد نذر وكذا لو دخل

٢٦١

في بلد في أول طلوع الشمس يحسب ذلك اليوم من أيام إقامته وبيان ذلك أن هذا من خواص الاضافة لا أن المضاف إليه حقيقة في هذا القدر فهذا عمل يوم حقيقة لا أنه عمل اليوم الحقيقي وإقامة في اليوم الحقيقي فهذا حقيقة عرفية للتركيب الاضافي ولذلك يقال نمت ليلة في هذه الدار ويراد منه القدر المتعارف بعد التعشي والجلوس بعده وهو معنى حقيقي وعليه يتفرع مقدار المضاجعة في قسم الزوجة وهكذا في النظائر فلو قيل فلان ضرب زيدا فلا ريب أنه حقيقة وإن كان الضرب وقع على بعض أعضائه وكذلك لو قال جرح زيدا وكذلك جرح يده ورجله ونحو ذلك و لكن إذا قيل أبن يده عن جسده لا يتأمل في أن المراد هو مجموع العضو إلى المنكب ولا يسئل هل أبين كفه أو ساعده أو عضده وكذلك إذا قيل اغسل جسدك يفهم منه تمام الجسد وأما إذا قيل جرح يد زيد أو جسد زيد أو ضرب على جسد زيد يفهم تمامه بل يكفي حصوله في الجملة ولذلك يحسن الاستفهام بأنه في أي موضع منه لا أي يد ولا أي جسد وعلى هذا فإذا قيل اغسلوا وجوهكم فيجب غسل تمام الوجه وكذلك اغسلوا أيديكم لو لم يكن قوله تعالى إلى المرافق وكذلك لو قيل امسحوا رؤسكم ولذلك اختلفوا في قوله تعالى وامسحوا برؤسكم مع ذكر الباء في كونه مجملا وعدمه ونحن قد تخلصنا عن الاجمال ببيان أئمتنا عليهم الصلاة والسلام من كون الباء للتبعيض بالنص الصحيح وإختلف الناس فيه على أقوال فذهب الحنفية إلى أنها مجملة وبينها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بمسح ناصيته ودليله أن الباء إذا دخلت في محل المسح تعدى الفعل إلى الالة فيستوعبها دون المحل كما في الآية وإذا دخلت في آلة المسح تعدى الفعل إلى محله فيستوعبه دون الآلة مثل مسحت رأس اليتيم بيدي وموجب ذلك في الآية مسح بعض الرأس والبعض يحتمل السدس والربع وغيرهما وفيه أن المراد هو مطلق البعض ومسماه وهو يحصل في ضمن أي الابعاض اختاره فلا إجمال وذهب جماعة منهم إلى وجوب مسح الكل لمنعهم مجئ الباء للتبعيض ويقولون أنه للالصاق والعضو حقيقه في المجموع و ذهب بعضهم إلى القدر المشترك لمجيئها لكلا المعنيين والمجاز والاشتراك خلاف الاصل فتعين القدر المشترك ووافقنا جماعة منهم انها للتبعيض مدعين أنها إذا دخلت على اللازم كانت للتعدية وإذا دخلت على المتعدي كانت للتبعيض ولان العرف إنما يفهم في مثل مسحت يدي بالمنديل البعض وأجيب بالمنع وبأن الباء في المنديل للاستعانة والاليته وهو يقتضي ذلك بخلاف ما نحن فيه والحق مجيئه للتبعيض كما هو مذهب الكوفيين ونص الاصمعي على مجيئها له في نظمهم ونثرهم وهو المنقول عن أبي علي الفارسي وإبن كيسان وعده صاحب القاموس من معانيه وكذلك إبن

٢٦٢

هشام في المغني فلا عبرة بإنكار سيبويه وإبن جني ذلك مع أن الشهادة على الاثبات مقدم ومع جميع ذلك فصحيحة زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام ناطقة بذلك الثاني إختلفوا في نحو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا صلاة إلا بطهور ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ولا صيام لمن لم يبت الصيام من الليل ولا نكاح إلا بولي مما نفي فيه الفعل ظاهرا والمراد نفي صفة من صفاته هل هو مجمل أم لا على أقوال ثالثها إن كان الفعل المنفي شرعيان كالصلاة والصيام أو لغويا ذا حكم واحد فلا إجمال وإن كان لغويا له أكثر من معنى فهو مجمل والحق عدم الاجمال كما إختاره الاكثر واحتجوا عليه بما تحريره وتوضيحه أن الفعل المنفي في هذه التراكيب إن كان من قبيل العبادات وقلنا بأنها حقيقة شرعية في الصحيحة منها فحينئذ يصح نفي الذات ويمكن حمل التركيب على الحقيقة اللغوية لعدم منافاة وجود عامة أركان الصلاة التي يطلق عليها الصلاة حقيقة على القول بكونها أسامي للاعم لنفي إسم الصلاة حقيقة عنها على هذا القول وحينئذ فإذا صح الحمل على المعنى الحقيقي فنحملها عليه إذ المانع عنه لم يكن الا عدم الامكان بإعتبار وجود الاركان في الجلة وقد إنتفى إعتبار ذلك على هذا القول فإذا صح الحمل على نفي الذات فيعلم ان ذلك بسبب كون ما فقد مع تلك الاركان من مثل الطهور والفاتحة شرطا أو جزء وإلا لما صح نفي الذات فعلم بذلك النفي كونهما شرطا أو جزء أيضا فينتفي الاجمال فلا إجمال وإن لم يكن من قبيل العبادات أو كان ولم نقل بكونها حقايق في الصحيحة بل تكون حقيقة في الاعم فإن قلنا بثبوت معنى عرفي لهذه التراكيب بأن يقال المراد من أمثالها نفي الفايدة كما في قولهم لا علم إلا ما نفع ولا كلام إلا ما افاد فيحمل عليه ويعبر عن الفايدة بالصحة إذا كان في مثل العبادات إذ الصحة هو ترتب الاثر وهو مساوق الفايدة وإن لم نقل بثبوت ذلك فالامر متردد فيها بين أن يكون المراد نفي الفائدة او نفي الكمال وإذا تردد الامر بين هذين المجازين فنقول ان نفي الفايدة والصحة اقرب إلى الحقيقة نم نفي الكمال فيحمل عليه فلا إجمال أيضا أقول وبما حققنا في أوائل الكتاب تعرف أنه لا حاجة إلى إقحام كونها حقيقة شرعية في الصحيحة بل يكفي إرادة الشارع من الاركان المخترعة الصحيحة منها ثم أن التمسك بأقربية المجاز ليس من باب إثبات اللغة بالترجيح بل من باب تعيين أحد المجازات بكثرة التعارف ولذلك يقال هو العدم إذا كان بلا منفعة والمراد بكثرة التعارف كثرة إرادة هذا المجاز وظهوره في العرف لا صيرورتها حقيقة فيه ليناقض ما تقدم احتج القائل بالاجمال بإختلاف العرف في نفي الصحة والكمال وتردده فيلزم الاجمال والجواب إن أريد أن أهل العرف مختلفون في الفهم فبعضهم يدعي ظهور هذا وبعضهم ظهور ذلك فلا إجمال عند أحد منهم وكل يحمل على ما يفهمه

٢٦٣

وإن أريد أن العرف مترددون بمعنى عدم إستقرار رأي أحدهم على شئ لتساوي الاحتمالين في كل مورد قلنا لا نسلم التردد وإن سلم فهو في البادي وأما بعد التأمل ففي الصحة أرجح لكونه أقرب إلى الحقيقة فيقدم على غيره وإن أريد أن الالفاظ مختلفة في الفهم فيفهم من قوله لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد نفي الكمال ومن قولهعليه‌السلام لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب نفي الصحة وهكذا قلنا ممنوع بل الظاهر في الكل نفي الصحة والاجماع وسائر الادلة هو المخرج عن مقتضى الظاهر في الاول ويظهر حجة المفصل وجوابها مما تقدم بالتأمل والظاهر أن المفصل ممن يدعي كون الالفاظ الشرعية كلها حقيقة في الصحيحة الثالث إختلفوا في التحليل والتحريم المضافين إلى الاعيان مثل حرمت عليكم أمهاتكم والخمر والخنزير والميتة وأحلت لكم بهيمة الانعام وما وراء ذلكم والطيبات وغير ذلك وكذلك غير لفظ الحل والحرمة من الاحكام والاكثر على عدم الاجمال واحتجوا عليه بأن إستقراء كلام العرب يفيد أن في مثل ذلك المراد هو الفعل المقصود من ذلك كالاكل من المأكول والشرب من المشروب واللبس من الملبوس والوطي من الموطوء وأنت خبير بأن المقامات في أمثال ذلك مختلفة إذ الشئ قد يتصف بكونه مأكولا وبكونه مبيعا وبكونه مشترى وهكذا المشروب فقد يقصد بالخمر الشرب وقد يقصد البيع وقد يقصد الشري وغير ذلك وكذلك قد يكون الشئ الواحد مشتملا على أشياء كالميتة المشتملة على اللحم والشحم والاهاب والعظم والصوف و المقصود من الاهاب قد يكون هو اللبس وقد يكون هو الاستسقاء به وغير ذلك فلا بد من ملاحظة ذلك فإرادة المنكوح والموطوء من الامهات والبنات ونحوها والقول بأن المقصود منها ذلك لا معنى له إلا بإرادة بعض النسوان منها نعم مقابلة المرئة بالرجل وخلقة النسوان يصحح أن يقال المقصود المتعارف منها الوطئ وأما مع عنوان الام والبنت بدون قرينة على أن ذكرها في مقام بيان المحرمات والمحللات من حيث النكاح فيشكل دعوى ذلك وكذلك الميتة في مقام لم يظهر قرينة على أن المراد بيان المأكولات فالاستصباح والاكل وإتخاذ الصابون بالنسبة إلى الشحم متساوية فلو قيل حرم عليكم شحوم الميتة فلا يخفى أن الاجمال ثابت ولا كلام فيما ظهر من القرائن إرادة فرد من الافراد والظاهر أن مراد المنكر هو عدم دلالة اللفظ بالذات على شئ مع تعدد الافعال لا في (مثل) آية التحريم المنادية بأن المراد بيان من يجوز نكاحها من النساء ومن لا يجوز ولا ريب أن الاجمال فيما لا قرينة فيه ثابت ويمكن دفع الاجمال في أمثال ذلك بحملها على الجميع لئلا يلزم القبيح في كلام الحكيم وعراه عن الفايدة واحتج القائل بالاجمال بأن تحريم العين غير معقول فلا بد

٢٦٤

من إضمار فعل يصلح متعلقا له لان الاحكام إنما تتعلق بأفعال المكلفين ولا يمكن إضمار كل الافعال المتعلقة بها لان الاضمار خلاف الاصل فلا يرتكب إلا بقدر الضرورة وهي ترتفع بإضمار البعض ولا دليل على خصوصية شئ منها فيقع الاجمال وأجابوا عنه بمنع عدم الدليل على الخصوصية لان ظهور ما هو المقصود منه في العرف يرجح ذلك أقول وقد عرفت ما في ذلك فالتحقيق في الجواب أن ما لم يثبت من الخارج مرجح لاحد المعاني فنحملها على الجميع إذ قد لا يرتفع الضرورة إلا بذلك فقوله وهو يرتفع بإضمار البعض مطلقا ممنوع قانون المبين نقيض المجمل فهو ما دلالته على المراد واضحة وهو قد يكون بينا بنفسه مثل قوله تعالى والله بكل شئ عليم فإن أفادته لشمول علمه تعالى لجميع الاشياء بنفس اللغة لا بشئ خارج وفي هذا المثال تأمل إذ العام ظاهر في الشمول وليس بنص نعم مع إنضمام الخارج إليه يصير نصا لكنه ليس مقتضى اللغة وقد مر في الفرق بين النص والظاهر في محله ما ينفعك هنا وقد يكون مع تقدم إجمال كقوله تعالى أقيموا الصلاة بعد حصول البيان بفعلهعليه‌السلام والعام المخصص وغيرهما وتسمية القسم الاول بالمبين إما مسامحة وإما لانه من باب ضيق فم الركية فإن أهل اللغة وضعوه مبينا والبيان مأخوذ من بان بمعنى ظهر أو من البين وهو الفرقة بين الشيئين وهو إما المراد به فعل المبين وهو التبيين كالكلام بمعنى التكليم والسلام بمعنى التسليم وأما الدليل على ذلك أي ما به التبيين وأما متعلق التبيين وهو المدلول ومعناه حينئذ العلم من الدليل وقد يسمى ما به البيان مبينا على لفظ الفاعل وهو يحصل بالقول إجماعا وبالفعل على الاقوى أما القول فمن الله تعالى كقوله عزوجل صفراء فاقع إلخ فإنه بيان للبقرة في قوله تعالى أن تذبحوا بقرة على الاصح ومن الرسول كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما سقت السماء العشر فإنه بيان لمقدار الزكاة المأمور بإتيانها وأما الفعل فهو قد يكون دلالته على البيان بمواضعه كالكتابة وعقد الاصابع والاشارة بالاصابع في تعيين عدد أيام الشهر وغيره أو بغيرها كما بينصلى‌الله‌عليه‌وآله الصلاة والحج بفعله وإتيانه بالاركان على ما هي عليه وقد يكون تركا كما لو ركع في الثانية بغير قنوت فإنه يدل على عدم وجوبه ثم العلم بكون الفعل بيانا إما يعلم بالضرورة من قصده أو بقوله إن ما فعله بيان للمجمل أو أمره بأن يفعل مشابها لما فعله مثل قولهعليه‌السلام صلوا كما رأيتموني أصلي فإنه ليس فيه بيان قولي لافعال الصلاة بل إحالة على ما فعله في الخارج فبطل ما توهم أن هذا بيان قولي الا فعلي أو بالدليل العقلي كما لو أمر بفعل مضيق مجمل وفعل فعلا يصلح لكونه بيانا فالعقل يحكم بأنه بيان له وإلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وخالف بعض العامة في جواز كون الفعل بيانا

٢٦٥

محتجا بأن البيان بالفعل يوجب الطول فيتأخر البيان مع إمكان تعجيله وفيه أولا أنه قد يكون القول أطول من الفعل وثانيا أنه يلزم تأخير البيان لو لم يشرع بالفعل بعد إمكان الشروع وبعدما شرع فإذا إحتاج إتمامه إلى زمان طويل لا يسمى ذلك تأخير البيان عرفا كما لا يسمى بذلك في القول في الزمان المحتاج إليه وثالثا أنه لا قبح في هذا التأخير سيما إذا كان أصلح ورابعا أن إمتناع تأخير البيان مع إمكان التعجيل إنما يسلم قبحه إذا كان عن وقت الحاجة وهو خارج عن الفرض قانون ذهب أصحابنا وجميع أهل العدل إلى إمتناع تأخير بيان المجمل عن وقت الحاجة لاستلزامه تكليف ما لا يطاق وأما تأخيره عن وقت الخطاب ففيه اقوال ثلاثة المشهور الجواز وفصل بعضهم فجوز في غير ما له ظاهر وأما ما له ظاهر كالعام والمطلق والامر الظاهر في الوجوب فلا يجوز فيه تأخير البيان رأسا وأما مع البيان الاجمالي فلا بأس وربما زاد بعض العامة عدم جواز تأخير البيان في المنسوخ أيضا فذهب إلى لزوم إقترانه بالبيان الاجمالي بأن يقال وقت الخطاب إن هذا الحكم سينسخ وهو في غاية الضعف للاجماع من العامة والخاصة على عدمه بل جعلوا تأخير بيان الناسخ من شرائط النسخ لنا على الجواز مطلقا عدم المانع عقلا ووقوعه في العرف والشرع أما الاول فلما سنبين من ضعف ما تمسك به المانع وإمكان المصلحة في التأخير مثل توطين المكلف نفسه على الفعل والعزم عليه إلى وقت الحاجة وتهيؤه للفعل حتى يكون عليه أسهل بل قد يكون التأخير أصلح لان مع إقتران البيان ربما يعلم سهولة التكليف والتوطين عليه إلى وقت الحاجة سهل وأما مع عدم الاقتران فربما يحتمل كون المكلف به أشق مما هو مراد في نفس الامر ويوطن نفسه على الاشق والاسهل مع أن المط منه هو الاسهل وفي صورة إقتران البيان بإرادة الاسهل لا يوطن إلا على الاسهل ولا فرق في ذلك بين الاوامر والتكاليف والحكايات والقصص فما توهم بعض القائلين بجواز تأخير البيان عن وقت الخطاب مطلقا من عدم جوازه في الاخبار والحكايات نظرا إلى أنها ليس لها وقت الحاجة بل المراد منها التفهيم ولا بد أن يكون مقترنا بالخطاب لا وجه له إذ من الجائز أن يكون المراد من الخبر لازم فايدته مثل أن يعتقد على ما هو ظاهر ليحصل به ما يحصل من حقيقة المراد فيمكن تأخر زمان الاحتياج إلى بيان نفس المراد والعلم بأصل الخبر وحصول فائدته بذاته مثل أن يقال قتل فلان مع أنه ضرب ضربا شديدا لاجل تعذيب أوليائه وتشويشهم أو لاجل تفريح أعدائه وتجريتهم ثم يبين أن المراد الضرب الشديد وأما الثاني فكثير لا حاجة إلى البيان أما في العرف فلانه يصح عرفا أن يقول الملك لاحد من غلمانه قد وليتك البلد الفلاني فاذهب إليه إلى وقت كذا وسأكتب لك

٢٦٦

كتابا فيه بيان ما تعمله هناك وأرسله إليك بعد إستقرارك في عملك وأما في الشرع فمنها قوله تعالى إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة وهي كانت معينة في الواقع وإلا لما سئلوا عن التعيين بقوله أدع إلى ربك يبين لنا ما هي وما لونها ولم يبينه تعالى بقوله بقرة لا فارض ولا بكر إلى قوله تعالى فاقع لونها تسر الناظرين وقيل انه ليس من هذا الباب لظاهر قوله ان تذبحوا بقرة فإنه يفيد التخيير وقوله وما كادوا يفعلون فإنه ظاهر في قدرتهم على الفعل وإنما وقع السؤال تعنتا فشدد الله عليهم ونقل عن إبن عباس أنه قال لو ذبحوا أي بقرة لاجزأتهم ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم وفي عيون أخبار الرضاعليه‌السلام عنهعليه‌السلام لو عمدوا إلى أي بقرة أجزئتهم ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم أقول ظاهر تنكير يندفع بالقرائن المتأخرة وقوله وما كادوا يفعلون يعني من جهة التواني في الامتثال ومن جهة عظم ثمن البقرة فقد روي أنه بلغ إلى ملاء مسكها ذهبا فأرادوا أن لا يفعلوا ولكن اللجاج حملهم على ذلك وإتهامهم موسىعليه‌السلام حداهم عليه و أما قول إبن عباس فعلى فرض تسليمه لا حجة فيه وأما حديث العيون فمعارض بما في تفسير الامامعليه‌السلام وبما في تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق عليه الصلاة والسلام وغيرهما ومنها قوله تعالى وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مع تأخر بيان تفاصيلها من الاركان والمقدار وإشتراط (الحرز)؟ والنصاب وتخصيص الزاني بالمحصن وأما بيان الفائدة في تأخير بيان ما له ظاهر فسيجئ وأما وقوعه في العرف والشرع أيضا فأكثر من أن يحصى ومنها الآيات المتقدمة في حكم السارق والزاني وغيرهما وكفاك ملاحظة عموم التكاليف للظانين لبقائهم إلى آخر الامتثال جامعا للشرائط مع أن الصائم قد يمرض والصائمة قد تحيض والمصلي قد يموت بين الصلاة إلى غير ذلك واحتج المانع مطلقا اما على عدم التأخير في المجمل فبأنه لو جاز لجاز خطاب العربي بالزنجية من غير بيان في الحال وهو قبيح لعدم فهم المراد وجوابه منع الملازمة للفرق بينهما فإن خطاب العربي بالزنجية لا يحصل منه العلم بشئ من أصناف الكلام وضروب القول حتى أنه لا يميز بين كونه خبرا أو إنشاء مدحا أو ذما ثناء أو شتما بخلاف المجمل فإن المخاطب يفهم أنه يريد به أحد معانيه المحتملة ويوطن نفسه على الامتثال بأيهما تبين له أنه مراد ولو فرض في خطاب العربي بالزنجية حصول فهم في الجملة للسامع بقرائن المقام وكان له رجاء تفسير له فلا نسلم بطلان اللازم حينئذ وأما على عدم الجواز فيما له ظاهر فيما احتج به المفصل وسنذكره ونجيب عنه واحتج المفصل أما في المجمل فبما بيناه فيما إخترناه و

٢٦٧

أما على عدم جواز تأخير بيان ما له ظاهر فيقبح خطاب الحكيم بلفظ له حقيقة وهو لا يريدها من دون نصب قرينة على المراد بل ذلك دلالة له على غير المراد لان الاصل في اللفظ حمله على معناه الحقيقي وأما المجمل فلما لم يكن فيه مرجح لارادة أحد معانيه فيقتصر على إقتضاه الوضع الحقيقي ويتوقف بسبب الاجمال الحاصل في الوضع فليس فيه دلالة على المراد في الجملة أيضا بخلاف الحقيقة التي أريد منها المعنى المجازي بدون نصب القرينة وبأن الخطاب وضع للافادة ومن سمع العام مثلا مع تجويزه أن يكون مخصصا ويبين في المستقبل فلا يستفيد في هذه الحالة به شيئا والتحقيق في الجواب عن الدليل الاول ان مناطه لزوم القبح من جهة أنه إغراء بالجهل وهو قبيح وفيه منع كلية الكبرى لغاية وفور التكليفات الابتدائية كتكليف إبراهيمعليه‌السلام بذبح ولده وما قيل أن التكليف إنما كان بالمقدمات وجزعه إنما كان من جهة خوفه من أن يؤمر بنفس الذبح بعده لا يليق مدح إبراهيمعليه‌السلام ذلك المدح وقد مر الاشارة إلى ذلك والتكليفات الامتحانية في العرف والعادة أكثر من أن تحصى وقد حققناه في مبحث تكليف الامر مع العلم بإنتفاء الشرط فإذا كان مصلحة في توطين المكلف نفسه على ظاهر العموم إلى وقت الحاجة أو على الوجوب في الامر إلى وقت الحاجة ويحصل له هذا الثواب ثم يبين له أن المراد هو الخصوص والندب فأي مانع منه وقد يجاب بمنع لزوم الاغراء لانه يلزم حيث ينتفي إحتمال التجوز وإنتفائه فيما قبل وقت الحاجة موقوف على ثبوت منع التأخير مطلقا وقد فرضنا عدمه وما يقال أن الاصل في الكلام الحقيقة معناه أنه مع فوات وقت القرينة وهو الحاجة في هذا المقام وتجرده عنها يحمل على الحقيقة لا مطلقا ألا ترى أنه لا يحمل اللفظ على حقيقته حتى يتم الكلام وأنه يجوز تأخير القرينة عن وقت التلفظ كما في الجمل المتعاطفة المتعقبة بمخصص وأيضا قد حكموا بجواز إسماع العام المخصوص بأدلة العقل وإن لم يعلم السامع أن العقل يدل على تخصيصه فيثبت جواز تأخير القرينة عن اللفظ وعدم لزوم الاغراء وكذلك قد جوزوا إسماع العام المخصوص بالدليل السمعي من دون إسماع المخصص فكما أن إحتمال وجود المخصص يوجب عدم الحمل على الحقيقة حتى يحصل الفحص فكذلك إحتمال ذكر القرينة في زمان الحاجة يوجب ذلك وفيه أن الحمل على الحقيقة هو مقتضى الظاهر والظن والمدار على الظنون في مباحث الالفاظ ولا ريب أن إحتمال التجوز ضعيف في جنب إرادة الحقيقة ولا ريب في حصول الظن بعد الفراغ من الكلام بعدم القرينة وأن المراد هو الحقيقة وقد صرحوا بأن معنى الاصل في قولهم الاصل هو الحقيقة هو الظاهر وما ذكره المجيب في معنى أصالة الحقيقة فهو مختص به وما

٢٦٨

استشهد به من جواز تأخير القرينة عن اللفظ إلى أخر الكلام فهو قياس مع الفارق لان وقت تشاغل المتكلم بالكلام محتمل لما لا يحتمله حال السكوت عنه كما تقتضيه العرف والعادة وذلك ليس لتفاوت زمان التأخير في الطول والقصر كما توهم بل لمدخلية التشاغل وعدم التشاغل في ذلك وأما الاستشهاد بالعام المخصوص بدليل العقل من دون إعلام السامع ذلك ففيه أنه غير مضر لان إعطاء العقل للمكلف رافع للاغراء ودلالته قرينة على إرادة التخصيص فإن العقل والشرع متطابقان يفسر كل منهما الاخر ومع عدم تعقل المخاطب فلا ريب في قبحه إلا أن لا يتعقل العموم بحيث يشمل الفرد المخرج بالعقل وهو أيضا كاف في عدم الاغراء ولو فرض تعقله للعموم وعدم تعقله للتخصيص إلا بعد زمان فهذا يكون من باب تأخير البيان عن وقت الخطاب ونلتزم فيه الاغراء ونمنع قبحه كما مر وأما تجويز إسماع العام المخصص بالدليل السمعي فلا دخل له بما نحن فيه إذ العام إن كان مما خوطب به المخاطب من لسان الشارع مواجها له مريدا إفهامه والعمل على مقتضاه فعلا أو تعليما للغير ليجري فيه ما سبق من عدم جواز تأخير بيان المخصص عن وقت الحاجة واما عن وقت الخطاب فإذا أخره فيلزم الاغراء جزما لانه يحمله على ظاهره فالتحقيق في الجواب منع قبح ذلك الاغراء حتى يتبين له المخصص إما بذكره له قبل وقت الحاجة أو إحالته على (راو)؟ أو أصل أو كتاب وأما إذا لم يكن السامع ممن يراد فهمه للخطاب كالعجمي القح والعامي البحت فهو ليس بمخاطب بذلك حتى يترتب عليه أحكام الخطاب بل هو مخاطب بالاخذ من العالم وكذلك من يفهم الخطاب لكن لا يحتاج إلى العمل به وأما إذا كان العام من باب الادلة الواردة من الشرع لا من باب الخطاب كما هو كذلك بالنسبة إلى زماننا على ما هو الحق من إختصاص الخطابات بالمشافهين فيخرج عن محل النزاع فإن الكلام في لزوم الاغراء وقبح الخطاب فخطابنا حينئذ هو العمل بمقتضى هذا العام الذي رأيناه أو سمعناه مع ما يقتضيه سائر الادلة التي لم نعثر عليها وهي في الاصول يقينا أو ظنا لا خصوص العام وهذا المقام هو الذي يقولون يجب الفحص عن المخصص في الاصول فخطابنا حينئذ هو العمل بما نفهمه من مجموع الادلة ولا إجمال في هذا الخطاب وليس من باب الخطاب بما له ظاهر وإرادة غيره أيضا وهذا الغرض الحاصل في زماننا الآن هو أيضا قد يحصل في زمن الشارع أيضا إذ ليس كل أحد في زمن الشارع يسمع الخطابات شفاها عموما كان أو خصوصا بعنوان أن يراد منه فهمه والعمل به بل الائمةعليهم‌السلام كانوا يقررون أصحابهم على العمل بما يفهمون من الجمع بين أخبارهم وفهمهم وإجتهادهم في تطبيق الروايات بالكتاب وبمذاهب العامة و بسنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وغيرها فالكلام في الاذعان بكون العام باقيا على عموم أم لا في غير محل

٢٦٩

الخطاب الشفاهي وما في معناه غير خطاب بالعام المخصوص شفاها مريدا به الافهام مع عدم إسماع مخصصه وما نحن فيه من قبيل الاول وما ذكره المجيب من قبيل الثاني وبينهما بون بعيد هذا مع أن الشيوع والغلبة في التخصيص زاحم أصالة الحقيقة في العام وذلك لا يوجب تأسيس القاعدة التي بنى عليه الامر وهو أن مجرد إحتمال التجوز يوجب التوقف عن الحمل على أصل الحقيقة مع انا قد أشرنا في مبحث البحث عن المخصص أن البحث عن المجاز معنى والبحث عن المعارض معنى آخر ولزوم التوقف عن العمل بظاهر الدليل حتى يتفحص عن معارضه عاماكان الدليل أو غيره من الظواهر مثل الامر و النهي غير التوقف عن حمله على أصالة الحقيقة حتى يعلم عدم القرينة على المجاز وهذاالتوقف الذي أورده المجيب من باب الاول لا الثاني وقد يجاب بالنقض بالنسخ وتوجيهه أن المنسوخ لا بد أن يكون ظاهرا في الدوام وإن كان عن القرائن الخارجية لا من دلالة اللفظ والحقيقة فبعد مجئ الناسخ يعلم أنه غير مراد ومن هنا إلتجاء بعضهم إلى القول بلزوم إقتران المنسوخ بالبيان الاجمالي وهو باطل وأما الجواب عن قوله أن الخطاب وضع للافادة إلخ فهو أولا منقوض بتأخير بيان المجمل وثانيا بأن الفايدة حاصلة من العزم والتوطين على الظاهر تنبيه قد عرفت وجوب البيان في الجملة فاعلم أن البيان إنما يجب لمن أراد الله إفهامه الخطاب دون من لا يريد إفهامه للزوم التكليف بالمحال لولاه في الاول دون الثاني ثم الاول قد يراد منه فعل ما تضمنه الخطاب إن تضمن فعلا كالعالم في الصلاه وقد لا يراد منه إلا معرفة المضمون لارشاد الغير كمسائل الحيض له والثاني قد لا يراد منه العمل بمضمون الخطاب أيضا كالعوام بالنسبة إلى مسائل الحيض وقد يراد (فعلا)؟ كالعبادات بالنسبة إلى العوام ومسائل الحيض بالنسبة إلى النساء فإن وظيفتهم الاخذ عن العالم قانون قد عرفت معنى الظاهر في أقسام المحكم وتنبهت على معنى المأول أيضا ونقول هيهنا أيضا الظاهر ما دل على معنى دلالة ظنية راجحة مع إحتمال غيره كالالفاظ التي لها معان حقيقة إذا استعملت بلا قرينة تجوز سواء كانت لغوية أو شرعية أو غيرهما ومنه المجاز المقترن بالقرينة الواضحة على ما أشرنا إليه سابقا وأما المؤول فهو في الاصطلاح اللفظ المحمول على معناه المرجوح وإن أردت تعريف الصحيح منه فرد عليه بقرينة مقتضية له والقرينة إما عقلية مثل قوله تعالى يد الله فوق أيديهم ومثل يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وإما لفظية كحمل آية الصدقة على بيان المصرف لا الاستحقاق والملك بقرينة ملاحظة ما قبلها وهو قوله تعالى ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا إذا هو يسخطون فالآية رد عليهم وردع عما اعتقدوا أنه

٢٧٠

يجوز في ذلك بل أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصرف في مصرفه وثمرة ذلك عدم وجوب التوزيع على الاصناف (واخاصهم)؟ وربما يكون القرينة مفصولة مثل الاخبار المخصوصة بالسنة والاجماع وغيرهما وإن شئت جعلت المجازات كلها من باب المأول بالنسبة إلى اللفظ مع قطع النظر عن القرينة سواء قارنها القرينة أو فارقها فمع ملاحظة الهيئة المركبة من اللفظ والقرينة ظاهر ومع قطع النظر عن القرينة مأول وهو بعيد والتحقيق أن يقال ان المجاز ما اقترن بالقرينة الدالة على خلاف ما وضع له اللفظ والمأول ما لم يقترن به وعلى هذا فاليد في الاية ليست بمجاز بل هي ظاهرة في معناها الحقيقي عند عامة العرب محمولة على خلاف ظاهرها عند أهل المعرفة والقرينة على هذا الحمل هو العقل وعلى هذا يظهر الفرق بين قولنا رأيت أسدا يرمي وبين يد الله فوق أيديهم وعلى هذا فكل المجملات التي لها ظاهر وتأخر بياناتها عن وقت الخطاب مأولات وكذلك العمومات المخصصة بما هو مفصول عنها وأطلق عليها المجاز توسعا من أجل إحتمال أن يكون القائل أراد منها حين التكلم ما ظهر إرادته أخيرا و نصب قرينة عليها حين التكلم بها قد إختفت علينا ولا يجوز إرتكاب التأويل إلا مع تعذر الحمل على الظاهر بأن يتحقق عليه دليل يترجح على ظهور اللفظ وكما أن الراجح متفاوت في مقدار الرجحان فالمرجوح أيضا متفاوت فمنها قريب ومنها بعيد ومنها أبعد وأما ما لا يحتمله اللفظ فلا يجوز تنزيله عليه وتفاوت القرب والبعد إنما يكون بسبب تفاوت افهام الناظرين وانتقالاتهم وتفاوت القرائن فربما يكون اللفظ عند أحدهم ظاهرا وعند الاخر مأولا وبالعكس وقد ذكر الاصوليون لاقسام التأويل وقريبها وبعيدها في كتبهم الاصولية أمثلة لا فايدة في التعرض لها والكلام عليها

٢٧١

الباب السادس في الادلة الشرعية

وفيه مقاصد:

المقصد الاول في الاجماع: قانون الاجماع لغة العزم والاتفاق وفي الاصطلاح إتفاق خاص يدل عليه حقية مورده واختلف العلماء في حده ولا فايدة في ذكر ما ذكروه وجرحها وتعديلها فلنقتصر على تعريف واحد يناسب مذهب العامة ثم نذكر ما يناسب مذهب الخاصة أما الاول فهو أنه إتفاق المجتهدين من هذه الامة على أمر ديني في عصر من الاعصار فقيد الاجتهاد لعدم إعتبار وفاق العوام وخلافهم والتخصيص بهذه الامة لانهم لا يقولون بحجية إجماع سائر الامم وإن إقتضى بعض أدلتهم ذلك وأما الشيعة فيلزمهم القول بالحجية لان حجية الاجماع عندهم إعتبار دخول المعصومعليه‌السلام وهو لا يختص عندهم بزمان دون زمان وأما ما ذكره العلامة في أول نكاح القواعد وغيره من أن عصمة الامة من خواص نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد نقل المحقق البهائيرحمه‌الله

٢٧٢

عن والده وعن مشايخهرحمهم‌الله تعالى أن مراده العصمة من المسخ والخسف ونحو ذلك فلا إعتراض عليه والتقييد بالامر الديني لاخراج ما ليس منه مثل العقليات المحضة والديني أعم من الاعتقادي والفروعي وقيد عصر من الاعصار لعدم إشتراط إجتماع ما معنى وما يأتي وإلا فلا يتحقق بعد إجماع وأما الثاني فهو إتفاق جماعة يكشف إتفاقهم عن رأي المعصومعليه‌السلام فقد يوافق ذلك مع ما حده العامة به وقد يتخلف عنه فإنهم يعتبرون إتفاق جميع علماء الامة ومع إتفاق الجميع يظهر موافقة المعصومعليه‌السلام أيضا لعدم خلو العصر عن معصومعليه‌السلام عندهم أو لان مع إتفاق جميعهم يحصل العلم بأنه مأخوذ من رئيسهم ثم ان أصحابنا متفقون على حجية الاجماع ووقوعه موافقا لاكثر المخالفين ولكن منهم من أنكر إمكان حصوله ومنه من أنكر إمكان العلم به و منهم من أنكر حجيته والكل ضعيف وأدلتهم سخيفة وسنشير إليها بعد ذلك فلنقدم الكلام في مدرك حجية الاجماع وكونه مناطا للاحتجاج ثم نتبعه بذكر الشكوك والشبهات في المقامات الثلاثة ولما كان مدرك حجيته مختلفا بالنسبة إلى مذاهب العامة والخاصة فلنذكر أولا ما اعتمد عليه الخاصة ثم نذكر ما اعتمد عليه العامة أما الخاصة فاعتمدوا في ذلك على كشفه عن رأي المعصومعليه‌السلام فلا حجية عندهم في الاجماع من حيث أنه إجماع بل لانه كاشف عن رأي رئيسهم المعصومعليه‌السلام ولهم في بيان ذلك وجوه ثلاثة أولها ما اشتهر بين قدمائهم وهو أنهم يقولون إذا إجتمع علماء أمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على قول فهو قول الامام المعصومعليه‌السلام القائم بعده لانهعليه‌السلام من جملة الامة وسيدها فإذا ثبت إجتماع الامة على حكم ثبت موافقته لهم فإن قيل إن علم أنه قال بمثل ما قال سائر الامة فلا معنى للاعتماد على إتفاق سائرهم فالمعتمد هو قولهعليه‌السلام وإلا فكيف يقال أنه موافق لهم قلنا فرق بين العلم الاجمالي والتفصيلي وكلامنا إنما هو في العلم الاجمالي وما علم قوله فيه بالتفصيل فالكلام فيه هو ما ذكرت وذلك من باب كلية الكبرى في الشكل الاول فإن العلم بجسمية الانسان في ضمن قولنا كل حيوان جسم إنما هو بالاجمال لا بالتفصيل حتى يستلزم الدور كما أورده بعض المتصوفة على أهل الاستدلال وبهذا يندفع الشبهة التي أوردوها من عدم إمكان العلم بمذاهب العلماء المنتشرين في شرق العالم وغربه مع عدم معرفتهم وعدم إمكان لقائهم فإن العلم الاجمالي مما يمكن حصوله بلا شك ولا ريب كما في ضروريات المذهب وسيجئ تمام الكلام وبالجملة مناط هذا التقرير في حجية الاجماع إني علمت بالعلم الاجمالي أن جميع أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله متفقون على كذا فكلما كان كذلك فهو حجة لان الامامعليه‌السلام في

٢٧٣

جملتهم فهو حجة وهذا هو السر في إعتبار هؤلاء وجود شخص مجهول النسب في جملة المجمعين ليجامع العلم الاجمالي ولو (بذلوا)؟ إعتبار وجود مجهول النسب بعدم العلم بأجمعهم تفصيلا لكان أولى و لعلهم أيضا يريدون بمجهول النسب ذلك وحاصله فرض إمكان صورة يمكن القول بكون الامام فيهم إجمالا لا تفصيلا وعلى هذه الطريقة فإن حصل العلم بإتفاق الجميع إجمالا فيتم المطلوب وكذا إن خرج منهم بعض من يعرف بشخصه ونسبه مع العلم الاجمالي بإتفاق الباقين ولكن الانصاف إن على هذه الطريقة لا يمكن الاطلاع على الاجماع في أمثال زماننا إلا على سبيل النقل وإن قال بعضهم أن المراد من موافقة الامامعليه‌السلام موافقة قوله لقولهم لا دخول شخصه في أشخاصهم حتى يستبعد ذلك في الامام المنتظرعليه‌السلام وثانيها مااختاره الشيخ في عدته بعدما وافق القوم في الطريقة السابقة والظاهر أن له موافقا من أصحابنا أيضا ممن تقدم عليه وممن تأخر في هذه الطريقة و هي أنه اعتمد في ذلك على ما رواه أصحابنا من الاخبار المتواترة من أن الزمان لا يخلو من حجة كي إن زاد المؤمنون شيئا ردهم وإن نقصوا أتمه لهم ولولا ذلك لاختلط على الناس أمورهم و يظهر ثمره هذه الطريقة حيث لم يحصل العلم بالطريقة الاولى كما لو وجد في الامامية قول ولم يعرف له دليل ولم يعرف له مخالف أيضا ولكن لم يعرف مع ذلك أيضا كونه قول الامام ومختاره فقال حينئذ انا نعلم أنه قول الامامعليه‌السلام ومختاره لانه لو لم يكن كذا لوجب عليه أن يظهر القول بخلاف ما أجمعوا عليه لو كان باطلا فلما لم يظهر ظهر أنه حق ويظهر ذلك منه في مواضع وبعض عباراته في العدة هو هذا إذا ظهر قول بين الطائفة ولم يعرف له مخالف ولم نجد ما يدل على صحة ذلك القول ولا على فساده وجب القطع على صحة ذلك القول وأنه موافق لقول المعصومعليه‌السلام لانه لو كان قول المعصوم مخالفا لوجب أن يظهره وإلا كان يقبح التكليف الذي ذلك القول لطف فيه وقد علمنا خلاف ذلك وقال قبل ذلك في مقام أخر وهو فيما لو إختلف الامامية على قولين لا يجري فيهما التخيير كالوجوب والحرمة مثلا وكان أحدهما قول الامامعليه‌السلام ولم يشاركه أحد من العلماء فيه وكان الجميع متفقين على الباطل فقال ومتى إتفق ذلك وكان على القول الذي إنفرد به الامامعليه‌السلام دليل من كتاب أو سنة مقطوع بها لم يجب عليه الظهور والدلالة على ذلك لان ما هو موجود من الكتاب والسنة كاف في باب إزاحة التكليف ومتى لم يكن على القول الذي إنفرد به دليل على ما قلناه يعني على النحو الذي فرضه من الكتاب أو السنة المقطوع بها وجب عليه الظهور وإظهار الحق وإعلام بعض ثقاته حتى يؤدي الحق إلى الامة بشرط أن يكون معه معجزة تدل على صدقه وإلا لم يحسن التكليف وقد أورد عليه

٢٧٤

بعض المحققين بأنه يكفي في إلقاء الخلاف بينهم بأن يظهر القول وإن لم يعرفه العلماء أنه إمام بل يكفي قول الفقيه المعلوم النسب في ذلك أيضا بل يكفي وجود رواية بين روايات أصحابنا دالة على خلاف ما أجمعوا وفيه نظر ظاهر إذ مناط كلام الشيخ ليس ان الاجتماع على الخطأ لما كان باطلا وجب على الامامعليه‌السلام دفع ذلك وهذا يتم بنقض الاجماع ولو كان بوجود مخالف بل مناط كلامه أن لطفه تعالى الداعي إلى نصب الامامعليه‌السلام أوجب ردع الامة عن الباطل وذلك لا يتم إلا بما يوجب ردعهم فلما لم يحصل ذلك علم أنه راض على ما اجتمعوا عليه والتحقيق في جوابه منع ذلك وإنما الواجب على الله تعالى نصبهعليه‌السلام والواجب عليهعليه‌السلام الابلاغ والردع عن الباطل إن لم يمنعه مانع ولم يثبت حكمة في غيبته وإستتارهعليه‌السلام لا مطلقا وبهذا رد هذا القول السيد المرتضىرحمه‌الله وقال ولا يجب عليه الظهور لانه إذا كنا نحن السبب في إستتاره فكل ما يفوتنا من الانتفاع به (وبتصرفه)؟ وبما معه من الاحكام يكون قد أتينا من قبل نفوسنا فيه ولو أزلنا سبب الاستتار لظهر وانتفعنا به وأدى إلينا الحق الذي عنده وحاصل هذا الكلام هو الذي ذكره المحقق الطوسيرحمه‌الله في التجريد حيث قال وجودهعليه‌السلام لطف وتصرفه لطف آخر وعدمه منا هذا مع أنا نرى أن خلاف مقتضى اللطف والتبليغ موجود إلى غير النهاية والاقوال المختلفة في غاية الكثرة مع تعطل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وإجراء الاحكام والحدود وقد يجاب عن وجود الاختلاف في الاقوال بأنهم أوقعوا الخلاف وبينوا لنا علاجه وهو وإن كان كذلك في الغالب لكن بعض الخلافات الذي لا يمكن ذلك فيه لا يتم فيه ما ذكر بل لا يتم في الغالب أيضا كما سيجئ وقد ينتصر لطريقة الشيخ ردا على الجواب الذي ذكرنا من أن عدم إظهار الامامعليه‌السلام المخالفة لعله كان لاجل تقية أو مصلحة بأن هذا هو الذي يذكره العامة في الرد على الشيعة من أن الحكمة لعلها إقتضت خلو الزمان عن الحجة أيضا وبأن ذلك ينافي كون تقرير المعصومعليه‌السلام حجة خصوصا تقرير كل الشيعة على أمر مع أن الحكمة إذا إقتضت إبقائهم على ذلك فيكون راضيا بما إتفقوا عليه حتى يتغير المصلحة فيثبت المطلوب مع أنه يمكنه ردعهم بأن يظهر بعنوان المجهول النسب ويلقي الخلاف الخلاف بينهم ويبين لهم ولا يكفي في ذلك وجود رواية أو مجتهد معروف مخالف كما توهم لانه لا يوجب ردعهم كما هو المعهود من طريقتهم من طرحهم (مقتضى اللطف) الرواية الشاذة والقول النادر واما عدم ردعهم في المسائل الخلافية وعدم رفع الخلاف من بينهم فلانه رضى باجتهاد المجتهدين وتقليد المقليدين مع أنهم أوقعوا الخلاف بينهم فيظهر منه في الخلافيات بأنه راض بأحد طرفي النقيض لمجتهد وبآخر لمجتهد آخر وأما فيما إجتمعوا عليه فليس إلا

٢٧٥

رضاه بشئ واحد فلا يجوز مخالفته أقول فرق بين بين الحكمة الباعثة على نصب الامام وعلى إنفاذه جميع الاحكام سيما إذا تسبب لعدمه المكلفون فلا يرد نقض العامة وليس هنا مقام بسط الكلام وهذا واضح سيما في مسائل الفروع وأما كون تقرير المعصومعليه‌السلام حجة فهو إنما يسلم إذا علم إطلاعه عليه وتمكنه من المنع لو كان باطلا ولم يمنع وهو فيما نحن فيه ممنوع وأما رضاه على بقائهم على معتقدهم فهو لا ينافي جواز مخالفتهم بدليل دل المتأخر منهم على المخالفة إذ ذلك أيضا من باب الرضا بإجتهادهم في حال الاضطرار كما في الخلافيات إذ ليس في كل قول من الاقوال المتخالفة حديث أو آية بل ربما اعتمد بعضهم على دليل ضعيف من قياس ونحوه خطاء وغفلة ومع ذلك نقول بأن الامامعليه‌السلام راض بإجتهاده وبتقليد مقلده له فلعل إجتماع هؤلاء أيضا يكون من هذا القبيل ولا مانع من مخالفتهم إذا دل عليه دليل لمن بعدهم إلا مخالفتهم للشهرة فهذا الكلام يفيد عدم جوازمخالفة الشهرة وإنه لا يمكن ان يثبت دليل يترجح على الشهرة وهو ممنوع لم يقم عليه دليل ولا يفيد إثباث الاجماع كما هو مرادك والعلم برضا الامامعليه‌السلام بذلك بالخصوص من حيث هؤلاء من حيث أنه أيضا من الاجتهادات المعفوة وأما ردعهم بعنوان مجهول النسب فمع تجويز رضا الامامعليه‌السلام بإجتهاد المجتهد وعمل المقلد به كما ذكرت فلا دليل على وجوب الردع عن هذاالاجتهاد الخاطى الذي إجتمع عليه جماعة ورضاه على هذا الاجتماع لا يسلم إلا من جهة كونهم بإجتهادهم المعفو عنهم و ذلك لا يوجب عدم رضاه بمخالفتهم إذا أدى دليل إلى مخالفتهم مع أن جريان ما ذكره في مثل زماننا في غاية البعد بل لا وجه له نعم يمكن تتميم هذه الطريقة فيما لو إجتمع الطائفة على فتوى ولم يعلم موافقة الامامعليه‌السلام لهم وكذا على قولين أو ثلاثة بالاخبار مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تجتمع أمتي على الخطاء ونحوه بأن يقول يمتنع إجتماعهم على الخطأ فلو كان ما إجتمعوا عليه خطأ لوجب على الامامعليه‌السلام ردعهم عن الاجتماع ويلزمه الاكتفاء بمجرد إلقاء الخلاف ولكن الكلام في إثبات دلالة تلك الاخبار وحجيتها وسيجئ الكلام فيها مع أن مدلولها المطابقي يقتضي إجتماع كل الامة ومع عدم العلم بقول الامامعليه‌السلام يخرج عن مدلولها وثالثها ما اختاره جماعة من محققي المتأخرين وهو أنه يمكن حصول العلم برأي الامامعليه‌السلام من إجتماع جماعة من خواصه على فتوى مع عدم ظهور مخالف لهم وكذلك يمكن العلم برأي كل رئيس بملاحظة أقوال تبعته فكما لو فرض أن فقيها له تلامذة ثقات عدول لا يروون إلا عن رأي فقيههم ولا يصدرون إلا عن معتقده فاجتمعوا على فتوى من ان دون ان يسندوه إلى فقيههم ولم يعلم مخالفة لاحدهم فيه يمكن حصول العلم بذلك

٢٧٦

بأنه رأي فقيههم فكذلك يمكن العلم بفتوى جمع كثير من اصحاب الصادق عليه الصلاة والسلام من قبيل زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم وليث المرادي وبريد بن معاوية العجلي والفضيل بن يسار من الفضلاء الثقات العدول وأمثالهم من دون ظهورمخالف منهم أن ذلك فتوى إمامهمعليه‌السلام ومعتقده وطريقة ذلك هو الحدس والوجدان وهذه طريقة معروفة لا يجوز إنكارها فإذا حصل العلم بذلك بمعتقد الامامعليه‌السلام فلا ريب في حجيته بل يمكن أن يدعى ثبوته في أمثال زماننا أيضا بملاحظة تتبع أقوال علمائنا فإنه لا شك في أنه إذا أفتى فقيه عادل ماهر يحكم فهو بنفسه يورث ظنا بحقيته وأنه مأخوذ من إمامه وإذا ضم إليه فتوى فقيه آخر مثله يزيد ذلك الظن فإذا إنضم إليه آخر وآخر إستوعب فتويهم بحيث لم يعرف لهم مخالف فيمكن حصول العلم بأنه رأي إمامهم و إذا إنضم إلى ذلك البعض المؤيدات الآخر مثل أن جمعا منهم نسبوه في كتبهم إلى مذهب علمائنا وجمعا منهم نفي الخلاف فيه وبعضهم ذكر المذهب مع سكوته عن ذكر مخالف بل وإذا رأى بعضهم أو جماعة منهم ذكر في كتابه أنه إجماعي فيزيد ذلك الدعوى وضوحا وإذا إنضم إلى ذلك كون الطرف المخالف مدلولا عليه بأخبار كثيرة صحيح السند فيزيد وضوحا أكثر مما مر وإذا إنضم إلى ذلك عدم ورود خبر في اصل الحكم أو ورود خبر ضعيف غير ظاهر الدلالة فيتضح غاية الوضوح إذا إنضم إلى ذلك ملاحظة إختلاف مشاربهم ووقوع الخلاف بينهم في أكثر المسائل وقلما يوجد خبر ضعيف إلا وبه قائل وملاحظة غاية إهتمامهم في نقل الخلافات ولو كان قولا شاذا نادرا بل القول النادر من العامة فضلا عن الخاصة وملاحظة أنهم لا يجوزون التقليد للمجتهدين سيما تقليد الموتى و أن كثيرا منهم يوجبون تجديد النظر فلو قيل لا يمكن حصول العلم من جميع ذلك بأن الباعث على هذا الاجتماع هو كونه رأيا لامامهم ورئيسهم الواجب الاطاعة على معتقدهم سيما ولا يجوزون العمل بالقياس والاستحسان والخروج عن مدلولات النصوص وخصوصا مع كون القياس و أمثاله من الادلة العقلية مما يختلف فيه المشرب غاية الاختلاف من جهة تخريج المناط بالمناسبات الذوقية وإستنباط العلة بالترديد والدوران ونفي الفارق ونحو ذلك لكان ذلك مكابرة صرفة لا يستحق منكره الجواب بل الظاهر أن مدار كل من يدعي الاجماع من علمائنا المتأخرين على هذه الطريقة ولا يتفاوت فيه زمان الغيبة والحضور مع أنه إذا كان يمكن حصول العلم بمذهب الرئيس إلى حد الضرورة كما وصل في ضروريات الدين والمذهب كوجوب الصلوات الخمس ومسح الرجلين وحلية المتعتين فجواز حصول العلم إلى حد اليقين بالنظر أولى وكما أنه يجوز

٢٧٧

أن يصير بعض أحكام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والامامعليه‌السلام بديهيا للنساء والصبيان بحيث يحصل لهم العلم بالبديهة أنه من دين نبيهم ومذهب إمامهم بسبب كثرة التضافر والتسامع فكذا يجوز أن يصير بعض أحكامه يقينيا نظريا للعلماء بسبب ملاحظة أقوال العلماء وفتاوي أهل هذا الدين والمذهب إذ الغالب في الضروريات أنه مسبوق باليقين النظري فكيف يمكن حصول المسبوق بدون حصول السابق وبالجملة فعلى هذه الطريقة الاجماع عبارة عن إجتماع طائفة دل بنفسه أو مع إنضمام بعض القرائن الاخر على رضا المعصومعليه‌السلام بالحكم ويكون كاشفا عن رأيه فلا يضره مخالفة بعضهم ولا يشترط فيه وجود مجهول النسب ولا العلم بدخول شخص الامامعليه‌السلام فيهم ولا قولهعليه‌السلام فيهم ولا يتفاوت الامر بين زمان الحضور والغيبة ويعلم من ذلك أنه لا يشترط وحدة العصر في تعريفهم الاجماع أيضا بل يجوز إنضمام أهل عصر آخر في إفادة المطلوب فإن قلت أمثال ذلك لا تكون إلا من ضروريات الدين أو المذهب قلت إن كنت من أهل الفقه و التتبع فلا يليق لك القول بذلك وإن لم تكن من أهله فاستمع لبعض الامثلة تهتدي إلى الحق فنقول لك قل أي ضرورة دلت على نجاسة ألف كر من الجلاب بملاقاة مقدار رأس إبرة من البول فهل يعرف ذلك العوام والنسوان والصبيان وهل يعلم ذلك العلماء الفحول من جهة الاخبار المتواترة مع أنه لم يرد به خبر واحد فضلا عن المتواتر فإن قلت أنهم قالوا في ذلك هذا القول من غير دليل فقد جفوت عليهم جدا وإن قلت دليلهم غير الاجماع من آية أو عقل أو غيره فأت به إن كنت من الصادقين وإلا فاعتقد بأن الدليل هو الاجماع بل مدار العلماء في جميع الاعصار والامصار على ذلك ووافقنا المنكرون على ذلك من حيث لا يشعرون بل لايتم مسألة من المسائل الفقهية من الكتاب والسنة إلا بإنضمام الاجماع إليه بسيطا أو مركبا فانظر إليهم يستدلون على نجاسة أبوال وأرواث ما لا يؤكل لحمه مطلقا بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه مطلقا من أن ذلك ليس مدلولا مطابقيا لللفظ ولا تضمنيا ولا إلتزاميا إذ وجوب الغسل أعم من النجاسة والثوب غير البدن وغيره من الملاقيات المأكولة والمشروبة وغيرهما وكذلك البول غير الروث إلى غير ذلك من المخالفات فليس فهم النجاسة الشرعية منه إلا من جهة إجماعهم على أن العلة في هذا الحكم هو النجاسة وليس من باب التعبد و أنه لا فرق بين الثوب والجسد ولا البول والروث وكذلك غيرهما من المخالفات وكذلك في مسألة نجاسة الماء القليل كل من يستدل على التنجيس فيستدل ببعض الاخبار الخاصة ببعض

٢٧٨

النجاسات وبعض المياه الخاصة كالكلب والماء الذي ولغ فيه في الاناء وكل من يستدل على الطهارة يستدل ببعض آخر مختص ببعض النجاسات وبعض المياه كالجرز الميتة والقربة من الماء مع أن في الخبر الاول فهم النجاسة من الامر بالصب أو النهي عن الوضوء ومن الثاني من جهة الامر بالتوضي ولا ريب أن الصب لا يدل على النجاسة وكذا النهي عن التوضى ومع ذلك لم يفصلوا بالعمل بالروايتين ولم يبقوهما على حالهما مع عدم التعارض بينهما وليس ذلك إلا الاجماع المركب وعدم القول بالفرق بين المسئلتين وليت شعري من ينكر حجية الاجماع أو إمكان وقوعه أو العلم به بأي شئ يعتمد في هذه المسائل فإن كان يقول إفهم كذا من اللفظ فمع أنه مكابرة وإقتراح وخروج عن اللغة والعرف فلم لا يفهم فيما لو أمر الشارع بالجهر في الصلاة للرجل وجوبه على المرئة ويفهم من قوله إغسل ثوبك دون قوله إغسلي وجوبه عليها وبالجملة لو أردنا شرح هذه المقامات وإيراد ما ليس فيها مناص عن الاحتجاج بالاجماع بسيطا أو مركبا لكنا إرتكبنا بيان المعسور أو المحال وفيما ذكرنا كفاية لمن كان له دراية ومن لا دراية له لا يفيده ألف حكاية ثم لا بأس أن نجدد المقال في توضيح الحال لرفع الاشكال ونقول كل طريقة أحدثها نبي فبعضها مما يعلم به البلوى ويحتاج إليه الناس في كل يوم أو في أغلب الاوان كنجاسة البول والغايط ووجوب الصلوات الخمس وأمثال ذلك فذلك بسبب كثرة تكرره وكثرة التسامع والتضافر بين أهل هذا الدين والملة يصير ضروريا يحصل العلم به لكل منهم ولكل من كان خارج هذه الملة إذا دخل فيهم وعاشرهم يوما أو يومين أو أزيد فيحصل له العلم بأن الطريقة من رئيسهم والعمدة فيه ملاحظتهم متلقين ذلك بالقبول من دون منكر في ذلك ومخالف لهم أن منكر لا يعتد به لندرته أو ظهور نفاقه وعناده فهذا يسمى بديهي الدين ودون ذلك بعض المسائل الغير العامة البلوى التي لا يحتاج إليها جميعهم ولكن علماء هذه الامة وأرباب إفهامهم المترددين عند ذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و الرئيس الذين هم الواسطة بينهم وبينه غالبا يتداولون هذه المسألة بينهم لاجل ضبط المسائل أو لرجوع من يحتاج في هذه المسائل إلى الرجوع بهم فيحصل من الاطلاع على إتفاقهم في هذه المسألة وتسامعهم بينهم من دون إنكار من أحدهم على الاخر العلم بأنه طريقة رئيسهم فكما في البديهي ليس وجه حصول اليقين إلا التسامع والتضافر بدون إنكار المنكر مع ملاحظة إقتضاء العادة ذكر المخالفة لو كان هناك مخالف فكذلك في الاجماعي الوجه هو ملاحظة تسامع العلماء وتضافرهم و إتفاقهم في الفتوى مع كون العادة قاضية بذكر الخلاف لو كان فوجود المخالف لو فرض في عصر

٢٧٩

(التتبع)؟ وحصول الحدس فهو من باب النادر والذي ذكرنا في الضرورة بأن يكون بحيث ثبت عندهم غفلته وخطأه من أجل شبهة أولم لم يقفوا عليه وأدى إجتهادهم وسعيهم إلى الاعتماد على حدسهم الذي استقر عليه رأيهم إذ لا ننكر إحتمال الخطأ في مدعى الاجماع كما سنحققه فيما بعد وبالجملة فكما يمكن حصول العلم بضروريات الدين من جهة تسامع وتضافر العلماء والعوام والنسوان فيمكن حصول العلم بالنظريات من تسامع العلماء وتضافرهم وهذا نسميه إجماعا ونظير ذلك في المتواترات موجود فإن التواتر قد يحصل من دون طلب وتتبع كما لو جاء ألف رجل من مكة وأخبروا بوجود مكة فيحصل العلم اليقيني بذلك للعلماء والنسوان والصبيان وقد يحتاج ذلك إلى تتبع وإعمال روية كقولهعليه‌السلام إنما الاعمال بالنيات على ما ذكروه فإن اليقين بكون ذلك قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مختص بالعلماء بل ببعضهم لاحتياجه إلى معرفة الوسائط وتعددها بالعدد المعتبر في كل طبقة فهناك النظر إلى كثرة الرواة والنقلة وثمة إلى كثرة المفتين والقائلين (والعاملين) ولنرجع إلى بيان مدرك الاجماع على طريقة العامة وهو من وجوه وليعلم أولا أنه لا جدوى لنا في التعرض إلى القدح في أدلتهم التي أقاموها على حجية الاجماع لان الاجماع على مصطلحهم إذا ثبت فلا ريب أنه حجة عندنا أيضا ولكن نتعرض لذكر أدلتهم والكلام فيها على وجهين أحدهما بيان نفس الامر والثاني إظهار أن ما تشبثوا به في وجه حجية الاجماع لا يمكن أن يعتمد عليه فيبطل كل ما يعتمدون في إثباته على إلزاما عليهم بعد إبطال المستند ومن ذلك أصل مذهبهم ودينهم فنحن نلزمهم إما ببطلان طريقتهم من جهة عدم حجية الاجماع إن كان مستنده ما ذكروه على معتقدهم إلزاما أو بمنع تحقق الاجماع المصطلح فيما يضرنا تسليمه في مذهبنا سؤاء سلمنا مستندهم فيه أم لا مع أن حجية الاجماع عندهم ليس (بوفاقي)؟ بل أنكره النظام وجعفر بن حرب وغيرهما على ما نقل عنهم وبعضهم أنكر إمكان وقوعه وبعضهم العلم به ولكن جمهورهم على حجيته وإن إختلفوا أيضا في إنحصارها في إجماع الصحابة أو أهل المدينة وعدم الانحصار واستدل القائلون بحجيته بوجوه من العقل والنقل من الآيات والاخبار ونحن نقتصر بما هو أظهر دلالة منها فأما الآيات فمنها قوله تعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم الآية فإنه تعالى جمع في الوعيد بين مخالفة سبيل المؤمنين ومشاقة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا ريب في حرمة الثاني فكذا الاول وفيه أن الوعيد على المجموع من حيث المجموع لا على كل واحد وما قيل ان مشاقة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كافية فيه مستقلا فلا حاجة إلى ضم غيره ففيه أنه كذلك لكن متابعة غير

٢٨٠