من مدرسة الإمام علي (عليه السلام)

من مدرسة  الإمام علي (عليه السلام)0%

من مدرسة  الإمام علي (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 189

  • البداية
  • السابق
  • 189 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16907 / تحميل: 5127
الحجم الحجم الحجم
من مدرسة  الإمام علي (عليه السلام)

من مدرسة الإمام علي (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وتشتّتَ شمل أصحاب ابن أبي بكر، وكان من بينهم محمد ابن أبي حذيفة.

واضطر الرجل المجاهد أنْ يتسلّل من مصر رغم عيون ابن العاص، الذي كان يعلم وجود ابن أبي حذيفة في الجيش، وإنّ هذا خير هديّة يقدِّمها لمعاوية، لأنّه من صحابة علي، ولا يهمّه أنْ يكون من أقربائه.

ودخل الشام متخفّياً، يُغَيّر من سيمائه ما أمكنه، ومن مشخّصاته ما استطاع. ولكنّ عيون معاوية لا تخفى عليها خافيةٌ، واتصلت بصورة عاجِلَة بمعاوية. فرقص لهذا النبأ وأعطى للمـُخْبِرين جوائزهم.

وتمّ إلقاء القبض على محمد بن أبي حذيفة، وأُحضر بين يدي معاوية.

ولمعاوية رَحِمٌ من محمد - كما تقول الرواة - ولكنّه لا يمنع هذا من كراهية معاوية له، ويعتبره من أنشط المؤلِّبين عليه.

وضحك معاوية ضحكةً طويلة في وجه الأسير، وبسيفه استعرض خدّ محمّد يحاول تهديده. ثم خاطبه:

أمَا آنَ لك أنْ ترعوي عن غيك، وتعود إلى رشدك، وتتخلّى عن حب علي؟ فإنّي اكره أنْ أقتلك لقربي منك.

وأشاح محمد بوجهه عنه، وفضّل أنْ يقابله بالاحتقار والسكوت على الإجابة.

وعجز معاوية عن استمالة محمد. فأمر بسَجْنه. وأوصى السجّان أنْ يكون سِجْنه عسيراً.

١٨١

وأُودِع سجناً لا يعرف الليل فيه من النهار، قد جلّلَتْ الرطوبة أطرافه، وطال به السجن، كما طال عليه العذاب.

ووصل خبر مقتل علي إلى معاوية، وهو في رهج الفرحة، تذكّر محمدَ بن أبي حذيفة، وهذا وقت الشماتة، فأمر بأنْ يُأْتَى به من السجن إلى مجلسه، وقد تجمّع حوله كل نهّاز نميم.

ودخل محمد إلى المجلس، وهو يتكئ على بعض الحراس إذ لا يكاد يُبصر النور، فقد أثّر فيه السجن، وأطبق أنيابه عليه، بالإضافة إلى طول شعره، ورداءة ثيابه.

وعندما عرف محمد إنّه في مجلس معاوية أفلتَ يديه من حُرّاسه، وزحف بقيوده إلى كرسي الطاغية. فجفل معاوية من هذه المفاجأة، ولو لا شيء من حياءٍ مَنَعَهُ من ذلك، لقفز من عرشه.

وزاغت عيون الملتفّين حول معاوية، وصرخ المتملِّقون: امسكوا الرجل. وامنعوه من التقدم، حِيْلُوا بينه وبين معاوية.

ووقف محمد على مقربة منه، وهو يطيل النظر إليه، يحاول أنْ يقشع عن عينيه ظلمة السجن، ونفرتْ ضحكةٌ ساخرة من هذا المـُكَبّل بالحديد.

وجمع معاوية أطرافه، ودحرج من فمه الكلمات:

يا محمد: ارفق بحالك وبأهلك، أَلَمْ يَأْنِ لك أنْ تتبصّر.

وتترك موالاتك لعلي، فقد قُتل واسترحنا منه؟ وحاول معاوية أنْ يسترسل في حديثه، إلاّ أنّ بعض أصحابه لكزه بإبهامه، وغمز له بعينه.

١٨٢

وفهم معاوية مراده فمسك عن الكلام، وأرخى له عينين ساهمتين.

والتفت محمد إلى معاوية، وقد بدتْ على سِحْنته موجةٌ من السخط: إنّك لتعلم إنيّ أَمَسّ القوم بك رَحِمَاً، وأعرفهم بك.

- أجل. أجل. ثم ماذا.

- إنّك تطالب بدم عثمان. فو الذي لا آله غيره ما أعلم أحداً شُرك في دم عثمان، وألّبَ الناسَ عليه غيرك؛ لمـّا استعملك على الشام، فسأله المهاجرون والأنصار أنْ يعزلك، فأبى، ففعلوا به ما بلغك، وأنت تطلب منّي أنْ أتبرأ من علي، لأنّ عليّاً - كما تدّعي - ساعد في قتل عثمان، فلماذا لا أتبرأ مِمّن كان السبب في ذلك وهو أنت (اللّهم اشهد بأنّي بريء من معاوية، وإنّي لأشهد أنّك منذ عرفتك في الجاهلية، والإسلام على حدٍّ سواء).

وقاطعه معاوية ضاحكاً، وهو يرمقه بنظرات حادّة، تكاد تكون شُعلة من لَهَبٍ.

- يا محمد، لي إليك حاجة، فهل لك أنْ تُجيب؟

- إذا كان فيها ما يرضي الله، ورسوله.

- إنّك رحمي، وأعز الناس لي، وقد رأيتَ من الظلم أنْ أُعذّبك إلى هذا الحد، ورغبتَ أنْ أُسدي لك خدمة تُنسيك ما لاقيته منّا. اخْتَر أيَّ ولايةٍ تشاء نولِّيك عليها، ولك في كل عام ألف ألف دينار ذهبٍ وما تحتاج، دون قيدٍ وشرط.

وصاح محمد، وهو يقطع عليه حديثه: كفى كفى يا معاوية لا أبيع ديني بدنياي، أبْعد الله عنّي ولايتك، وأغناني عن

١٨٣

مالك، وعوّضني عن جاهِك، بما أحب وأصبو إليه.

والتفت إليه أحد جلاوزته: يا محمّد إنّ معاوية بذل لك الذي لا تستحقّه، ولو بذل نصف ما بذله لك لأطعتُه، ولم أعصِ له أمراً.

فأجابه محمد: اخسأ، يا رجل فالنفوس لا تُباع ولا تُشرى، إنّ طاعة الله خيرٌ لي من طاعة إنسان.

وخابتْ ظنون معاوية، وقد انهارتْ أعصابه أمام صلابة هذا الرجل الذي بين يديه، وكأنّه لا يخشى سطوتَه، ولا يهاب قوّته. وألقى نظرةً على الجالسين فرآهم قد ذُهِلُوا بجرأة ابن أبي حذيفة وشجاعته الفائقة. وصراحته التامّة.

والتفت إلى أصحابه المتملّقين، وهو يحرق الأرم من الغيظ، والحنق قلّص وجهَه، والعَرَق يتصبّب من جوانبه، وعيناه قد غامتا في كهوفهما.

فصاح به أحدُهم ما بالك يا أبا يزيد؟

إنّ هذا الذي واقف بين يديك أثارني. إنّ وجوده أصبح خطراً علينا، أمَا ترى العيون تكاد تلتهمه احتراماً وإكباراً ليعود لسجنه، ولعل الليل ينهي أمره فتستريح منه.

وتوجّه إلى محمد قائلاً: إنيّ يا محمد أراك على ضلالك بعد، فَعُد إلى سجنك والموت ينتظرك.

يا حرّاس اذهبوا به إلى أفظع سجنٍ عندنا، ولا تدعوه يستريح.

وضحك محمد وازداد ضحكاً، وهو يرى معاوية في ثورة

١٨٤

عارمة، وقبل أنْ يودّعه التفت إليه، وقال: يا معاوية: إنّ الله لك بالمرصاد، وإنّ حسابك لعسير بين يديه، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون.

خذوه يا حرّاس، وأريحوني منه.

ويلقي ابن أبي حذيفة نظرته الأخيرة على هذه الجموع المـُحْشَدَة في مجلس معاوية، فيها الكثير من الشفقة على هذه النفوس المشدودة إلى معاوية، برباط الذهب والمال والجاه والسلطان.

ويسحب الجلاوزة أسير سيّدهم، ويودّعه الجالسون بإعجاب وإكبار.

ولم يمر زمان حتّى يُعلن السجّانون في مجلس معاوية بأنّ محمد بن أبي حذيفة مات في سجنه، وتطلّ على الجالسين سحابةُ حزنٍ وكآبة، ويتساءل المتسائلون، هل مات محمد حَتْفَ أنْفِه، أم هناك سبب لم يذكره معاوية، ولم يشأ أنْ يذكره. وهذا ما كَتَمَهُ التأريخ؟؟.

ويبقى ابن أبي حذيفة خالداً، رغم اندثار الأمويين؛ لأنّه على الحق، وجاهد ضدّ الباطل، وأرخَصَ حياته في سبيل عقيدته. وهكذا جزاء المخلصين..

١٨٥

١٨٦

مصادر الكتاب

١ - رجال الشيخ الطوسي

٢ - تاريخ الطبري، لابن جرير

٣ - طبقات الكبرى، لابن سعد

٤ - مروج الذهب، للمسعودي

٥ - السيرة النبوية، لابن هشام

٦ - حلية الأولياء، لأبي نعيم

٧ - شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد

٨ - الإصابة، لابن حجر

٩ - الاستيعاب، لابن عبد البر

١٠ - أسد الغابة، لابن الأثير الجزري

١١ - صفين، لنصر بن مزاحم

١٢ - الجامع الكبير للسيوطي

١٣ - المستدرك، للحاكم النيسابوري

١٤ - كنز العمال، للمتقي الهندي

١٥ - الغدير، للشيخ الأميني

١٨٧

١٦ - أعيان الشيعة، للسيد محسن الأمين

١٧ - تهذيب التهذيب، لابن حجر

١٨ - لسان الميزان، لابن حجر

١٩ - تاريخ الإسلام، للذهبي

٢٠ - رجال الشيخ عبد الله المامقاني

٢١ - تأريخ ابن عساكر

٢٢ - التذكرة، لابن الجوزي

٢٣ - تاريخ الخلفاء، للسيوطي

٢٤ - الصواعق المحرقة، لابن حجر

٢٥ - تاريخ ابن كثير

٢٦ - بحار الأنوار، للمجلسي

٢٧ - الإرشاد، للشيخ المفيد

٢٨ - تاريخ اليعقوبي

٢٩ - إيمان أبي طالب، لفخار بن معد، تحقيق محمد بحر العلوم

٣٠ - ضحايا العقيدة، محمد بحر العلوم

٣١ - مواقف حاسمة، محمد بحر العلوم

٣٢ - الولاة والقضاة، للكندي

١٨٨

الفهرس

رنة عطرٍ ودنيا نورٍ ٥

عَمَّار بْن يَاسِر ٩

مَالِكُ الأَشْتَر. ٢٣

حِجْرُ بنُ عَدِيٍّ. ٣٣

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ. ٤٣

عَبْدُ اللهِ بْن بديل. ٥٥

مَيْثًمُ التمَّار ٦٧

عَمْرو بْن الحَمِق. ٧٧

رَشِيْدُ الْهُجَرِي. ٩٣

مُحَمَّدُ بْنُ أَبِيْ بَكْر ١٠٧

هَاشِمُ الْمِرْقَال. ١٢١

عَبْدُ الرَّحْمَنْ بْنُ حَسَّان. ١٤٥

أَبُو الأَسْوَد الدُّؤَلِي. ١٥٧

جُوَيْرِيّة بْنُ مِسْهِر ١٦٧

مُحَمَّد بْنُ أَبِيْ حُذَيْفَة ١٧٥

مصادر الكتاب.. ١٨٧

١٨٩