من مدرسة الإمام علي (عليه السلام)

من مدرسة  الإمام علي (عليه السلام)0%

من مدرسة  الإمام علي (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 189

  • البداية
  • السابق
  • 189 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16902 / تحميل: 5127
الحجم الحجم الحجم
من مدرسة  الإمام علي (عليه السلام)

من مدرسة الإمام علي (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بأنّ معاوية طلب مِنَ المغيرة مالاً، والمغيرة يهم بإرسال المال له في عشيَّة غدٍ.

فالتَفَتَ حِجْر بن عَدِي إلى إخوانه قائلاً: لقد آنَ أنْ نَضَعَ حَدَّاً لأمر هذا الطاغية، فهل إنّ أموال الشام قد نَفَدَتْ حتّى أرسل على أموال المسلمين هنا؟ أَيُرِيْدُ أنْ يَقْضِمَ حقوقَ إخواننا؟ لا كان ذلك أبداً..

وباتوا على فِكْرَةٍ، وترقَّبوا بريدَ المغيرة، وعرفوا أنّ الأموال سَتُرْسَلُ في عشيَّةِ الليلة، فاستعدتْ الجماعة، وزحفتْ إلى عَرْضِ الطريق، حتّى إذا مرَّتْ القافِلَةُ كَبَسَتْ الأموال، وأعلَنَتْهَا مظاهرةً صاخبةً في وجه الرُسُل، وعادوا خائبين إلى المغيرة يُخبِرونه بالخبر. وَيَهْرَعُ بِعِدَّةٍ مِنْ مُنافِقِيْهِ إلى محلِّ الحادِث، فيرى حِجْر وعَمْرو وبقيَّة الصحابة مِنْ شِيْعَةِ الحقِّ قَدْ أوقفوا المال، فَسَأَلَهُم عَنْ سبب هذا العمل، فقالوا له:

لا تذهبُ الأموال إلى الشام، إنّ هذه أموالنا، فاصرفها علينا، وأعطِ كلّ ذي حقٍّ حقَّه، إنّ معاوية تكفيه أموالُ الشام، وسائرُ الأقطار. واضطرَّ المغيرةُ أمام هذه الموجة الصاخِبَة أنْ يُعِيْدَ الأموال إلى قصر الإمارة، ويوزِّعها على المسلمين، ويتدارك الأمرَ بالحُسْنَى، ويطلب المـُتَمَلِّقون منه مُعاقبةَ حِجْر وجماعته. ويعرِضُ عنهم لِئَلاّ يتفاقم الأمر.

ويصل الخبر إلى معاوية، ويتأثّر ويغضب على المغيرة، لأنّه فَلَسَ مِنَ المال، ثُمّ لَمْ يستجب لطلب المـُنادِين بِعِقَاب حِجْر وجماعته، ويشتدُّ به الغضبُ، فيكتب كتابه بِعَزْل المغيرة، ونَصَبَ زياد ابن أبيه على الكوفة.

٨١

وينتشر الخبر في أرجاء الكوفة، يُحيطه شيءٌ مِنَ الرعب. إنّ أهالي الكوفة قد عرفوا في هذا الوالي الجديد كيف يحمل في جنبيه حِقْداً عارِماً على البشر عامّةً، وعلى الإمام عليٍّ ودعاة الإسلام خاصّةً. وإنّ بغضه وحقده ناشئان مِنْ عُقَدٍ نفسيّة قد اختمرتْ في أعماقه تعود إلى الشكوك في نَسَبِهِ، وعدم معرفة الناس بأبيه مَنْ يَكُوْنُ؟!

وكانتْ مِنَّةُ معاوية عليه أنْ نَسَبَهُ لأبيه، وزيادٌ لابُدَّ أنْ يقبل هذه المِنَّة، ويقابلها بالجزاء الأوفى.. لهذا كلِّه فهو ما أنْ أوصاه معاوية بالتشديد على مطاردة أصحاب خليفة رسول الله (عليه السلام) فحمل الناس على شَتْمِهِ، حتّى ألزم نفسه لتنفيذها أمراً أمراً، وأهالي الكوفة يعرفون قسوته، ويعرفون صلفه، ويعرفون تهوُّرَه. إذنْ لتستعد الكوفة إلى هذا الوالي، وتجاهِد أمرها في عهده.

أمّا حزب المعارضة لسياسة الأمويين، فقد نشطوا في الأيّام الأخيرة قبل مجيئه، وعقدوا عِدَّة اجتماعات، يضعون فيها الخطط لمعارضته، ولمْ يبقَ أملٌ في التسوية، بعد أنْ أعلنَ عَنْ نصب زيادٍ للولاية، فهو جاء مِنْ أجلهم، وتصفِيَتِهِم.

ووصل زيادٌ إلى الكوفة، واستقبله الناس إلاّ صحابة عليٍّ فقد أعرضتْ عَنْ ذلك، ولَمْ تُكلِّف نفسها مشقّةَ الاستقبال، أو أيّ إجراءٍ آخر يدل على اهتمامها له، وكاد ينْسَى زيادٌ هذه الحوادث لولا أفاعيل الحاشية حوله، يذكِّرونه بمعارِضِيْه والمؤمنين بالذات، ويثيرونه بكلّ ألوان الإثارة على هؤلاء.

٨٢

ومع الأيّام اتضحتْ المعارضة بأجلى صُوَرِهَا، يتحدّون زياداً وهو على المنبر، ويعلنون محاربته جِهَاراً، ولكنّ زياداً لَمْ يكنْ مِنْ الحَمِق إلى درجةٍ أنْ يُفْسَد عليه الأمر، وهو بعد لَمْ يتركّز في الكوفة.

أمّا بالنسبة إلى أعداء هذه الصفوة، فقد بلغ مَبْلَغَاً كبيراً، بحيث صمَّمُوا على التخلُّص مِنْ مُعارِضِيْهِم، وخصوصاً أصحاب الحق مهما كلَّفَهُم الأمر؛ لأنّ وجودهم أصبح خَطَرَاً عليهم، وسدّاً دونَ أطماعهم المادِّيّة، ومنزلتهم عند الوالي.

وفي مكانٍ مِنَ الكوفة عقدتْ الحاشية اجتماعها، يَتَوسَّطهم عمرو بن حريث، يفكّرون في أمر هؤلاء، فكانَ أَنْ اتفقوا على رأيٍ وخطّةٍ.

وقَدِمُوا على زيادٍ صباح اليوم التالي، فوقف أمامه عمارةُ بن عقبة بن أبي مَعِيْط قائلا: إنّ عمرو بن الحَمِق يجتمع إليه مِنْ شيعة أبي تُرَاب، ويعمل على تقويض الحكم الأمويّ.

ويسكُتُ زيادٌ ويُطيلُ التفكير، ويُبَدِّدُ عمرو بن حريث هذا الصمتَ بأَنْ يستمرَّ في غرضه، فيخاطِبُ زياداً: يا أمير ارفع هذا الأمر إلى معاوية إنْ كنتَ لا تحبُّ أنْ تَصْدُرَ في حقِّ أعداء آبائك حُكْمَاً.

وتكلّم ثالثٌ مِنْ زاوية المجلس، وأيَّده رابعٌ. وكاد الهرج يسود المجلس، كلّ ذلك حَسْب الخطّة المرسومة، واعتقد زيادٌ أَنّ الزمام سَيَفْلِتُ مِنْه إنْ لَمْ يتداركْه بشيءٍ، فأمر رسوله أنْ يذهب إلى عمرو بن الحَمِق يبلِّغه بأَنّه عَلِمَ بأمر الاجتماعات التي تَتِمُّ عنده

٨٣

كلّ يومٍ، ومِنَ الآن فصاعداً، مَنْ أراد الاجتماع به، وأراد أنْ يجتمع بِأَحَدٍ، لا يجوز له ذلك إلاّ في رَحُبَةِ المسجد، على مرأى ومَسْمَع مِنْ عيون الأمويين، وآذانهم.

ورضي عمرو بن حريث بذلك، مُعتَقِدَاً أَنّ هذه البادِرَة هي الشرارة الأُولى لِحَرْقِ دُعَاةِ الله.

وقصد بعض الشيوخ، الذين يرغبون أن يكون البلد بمعزل عن المشاكل، إلى عمرو بن الحمق وحجر وجماعتهما، وطلبوا منهم الخلود إلى الهدوء والسكينة، لتبقى البلاد في دعة المشاكل.

ولكنّ عمرو، ذلك الرجل الذي ما عرف المهادنة يوماً ما، لا يمكنه السكوت، والإغضاء عن الباطل مهما اقتضى الأمر، فهو عنيف في إيمانه لا تأخذه في الله لومة لائم.

والتفتَ كوفي إلى صاحبه، وهما في زاوية من المسجد يتحدّثان عن موقف زياد والمعارضة.

اعتقد - يا أبا الوليد - إنّ عمرو بن الحمق سيجبُن عن مقابلة الأمير زياد.

فيرُدُّ عليه صاحبه قائلاً:

كلاّ إنّ الرجل صلبٌ في إيمانه لا يخشى الموت، أليس هو أحد الأربعة الداخلين على عثمان داره؟ وقد جابهه وجهاً لوجهٍ بأغلاطه، وموقفه العاطفي مع الأمويين المنافي للإسلام.

نعم هكذا يتحدّث المتحدِّثون، وتدل الوقائع بأنّ عثمان أعطى مرّةً لأبي سفيان مائتي ألف دينار ذهباً، كما أعطى لمروان بن الحكم مائة ألف من بيت مال المسلمين.

٨٤

- وحجر ما رأيك فيه؟

- أليس هو الذي امتنع عن الصلح مع معاوية بعد صلح الحسن (عليه السلام)، إلاّ بعد مماطلةٍ وإصرار.

إنّ هذه الصلابة بالمبدأ هي طبيعة جميع شيعة علي، دعاة الإسلام ومخلصيه.

أتعْلم يا أبا الوليد: إنّ هذا الخزاعي الذي يمثّل المعارضة لسياسة الأمير هو من أولئك الموالين لعليٍّ (عليه السلام)، والمتفانين في محبّته. ولقد قال لأبي الحسن مرةً: (والله ما جئتك لمالٍ من الدنيا تعطيها، ولا لالتماس سلطانٍ يرفع به ذكري، إلاّ لأنّك ابن عمِّ رسول الله، وأولى الناس بالناس، وزوج فاطمة الزهراء، سيدة نساء العالمين، وأبو الذرية التي هي بقية رسول الله، وأعظم سهماً للإسلام من المهاجرين والأنصار، والله لو كلَّفْتني بنقل الجبال الرواسي، ونزح البحور الطوامي أبداً حتى يأتي عَلَيّ يَوْمِي، وفي يدي سيفي أهزُّ به عدوَّك، وأُقوِّي به وَلِيَّك، ويُعَلِّي به الله كَعْبَك، ويُفْلِح به حُجَّتك، ما ظننتُ أنّي أَدَّيتُ من حقِّك كلّ الحقّ الذي يجب لك عَلَيَّ) فما سمع منه عليٌّ (عليه السلام) هذا القول حتى رفع يديه للدعاء وقال:

((اللهم نوّر قلبه، واهده إلى الصراط المستقيم، ليت أنّ في شيعتي مائة مثلك)).

وسمع أبو الوليد من صاحبه هذه الكلمات، التي ألقاها عمرو بن الحمق بين يدي إمامه في يوم من الأيّام، وهو غارق في بحرٍ من التفكير: وهزَّ رأسه دليل الإعجاب، ثمّ أردف إليه أبو

٨٥

الوليد قائلاً: أَتَعْتقد مثل هذا المـُخْلِص سيجْبُن أمام تهديدات زياد، أبداً، والذي نفسي بيده..

ولم ينتهِ كلامهما حتى أطلَّ عمرو على المسجد، وزحف إليه الرجلان، وسَلّمَاَ عليه، ثمّ قال له أبو الوليد: ما ضرّك يا عمرو لو تهادنْتَ مع الأمير، وأمِنْتَ على حياتك من بطشه وجبروته، فإنّه ظلومٌ غشومٌ. وليس مِنْ قتلك ما يمنعه في جاهليته..

غير أنّ عمرو التفت إليه، وضحك ضحكةً عاليةً فيها كلّ علائم السخرية، وقال: يا أبا الوليد لقد أتيتُ يوماً إلى رسول الله، وهو في المسجد الحرام. فقال لي: ((يا عمرو هل تريد أنْ أُرِيك رجلاً مِن أهل الجنّة، ورجلاً مِن أهل النار)). فقلتُ: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله أرينيهما. فجلسْنا هُنَيْهة حتى دخل علينا علي بن أبي طالب فَسَلّم وجلس، فالتفتَ إليَّ رسول الله وقال: ((يا عمرو هذا وقومه آية أهل الجنة))، ومضتْ هنيهة فدخل علينا معاوية، ثم أقبل فسلّم وجلس، فقال رسولُ الله: ((يا عمرو هذا وقومه آية أهل النار)).

أتريد يا أبا الوليد أنْ أتَغَاضَى عن بغض معاوية، وهو آية أهل النار؟ وأنْ أَتَهاون في حبّ عليٍّ، وهو آية أهل الجنة؟ لا والذي نفسي بيده، لا أسكتُ عن الحق، ولا أكون عوناً للباطل.

وساد الجميع سكونٌ عميق، ووقف عمرو يصلِّي لِرَبِّه ركعتين

٨٦

بينما العيون لا تفارقه، وهو ينقطع لخالقه يرجوه القوّة والعزم؛ لمجابهة الظالمين.

وضاق زياد ذرعاً بالمعارضة، واستشار سيِّده معاوية بأمرهم، فطلب منه أنْ يقبض عليهم ويقتلهم جميعاً.. وأرسل زيادٌ في طلب عمرو وبعض إخوانه في الجهاد، ودارتْ معاركٌ خفيفة بين القوم، ورجال زيادٍ، وتمكّن عمرو أنْ يفلتَ من أيدي الجنود، وهرب إلى خارج الكوفة، وأخبر زياداً بذلك. فثار غاضِباً، وصاح بجُنْدِه أنْ يأتوه بالخزاعي، ولا يرضى عنه بديلاً، ولو هدَّموا الكون داراً داراً.

ولكنَّ محاولات الجنود باءت بالفشل، وعادوا لأميرهم خائبين، وتألَّمَ كثيراً، وقضى يومه، لمْ تظهر البسمة على شَفَتَيْهِ غضباً وحَنَقَاً، وتقدّم إليه عمارة بن عقبة وقال: لي رأيٌ بواسطته ستتمكّن من إلقاء القبض على طَلِبَتِكَ عمرو بن الحمق.

فصاح به زيادٌ: قل ولا تُطِل الحديث، إنّي أكاد أجْزع.

قال: عليك بزوجته فاحبِسْها، وشدِّد عليها النكير، وأعْلِن ذلك فسيسمع بهذا النبأ، وسيضْطر إلى التسليم، وتكشَّفَتْ أسارير جاهليّة زيادٍ، فرحاً لهذا الرأي، وصاح بجلاوزته: أسرعوا إلى دار عمرو بن الحمق، وأْتُونِي بزوجته (آمنة بنت الشريد) وفعلاً نفَّذوا ما أراد، وأحضروها، وساءلها عن زوجها فقالتْ: لا علم لي به، شَرَّدَهُ أمرُ معاوية.

فصاح زياد بِجُنْده، وأَمَرَهم بِحَجزها ريثما يحصل على ضالَّته. والْتقى أبو الوليد في رَحُبَةِ المسجد، والليل في عنفوان

٨٧

شبابه، وأنواره زاهيةٌ، وهواءه عَذِبٌ، سوى ظِلٍ مِنْ رَهْبَةٍ ورُعْبٍ، تُخَيِّمان على المكان، وحديثٌ خافتٌ يطفو على الشفاه يدور حول مصير هذا الأسير، الذي وقع في يَدَي والي الموصل بعد قتالٍ عنيفٍ.

وارتسم على وجه الكوفي أكثرُ مِنْ سؤالٍ، فَغَرَّ فاهُ: عجيبٌ هل قَبَضَ عبد الرحمن بن عثمان الثقفي على عمرو بن الحمق؟ فأجابه صاحبُه، والوجوم مسيطرٌ عليه: نعم، لقد قبض عليه بعد قتالٍ عنيفٍ.

ماذا سيعمل فيه. أَيَقتُله، أمْ سيبقِيه حيّاً. إنّ هذا العامل الذي يُعرف بابن أمِّ الحَكَم، قد وَلَغَ من حقد الأمويين ما يُهدِّد مصير هذا العبد الصالح على يده.

- ولماذا يا أبا الوليد؟

- لأنّه ابن أخت معاوية، ومُتَفَانٍ في حُبِّهِ.

وتحدَّثَ الكلُّ عن مصير عمرو، إنّ معاوية لنْ يتورّع عن إصدار الأمر بالقتل في حقِّه، والتمثيل به. وبات أكثر سُكّان الكوفة ينتظرون أخبار الموصل، ماذا تَحْمِل لهم، فقد كتب ابنُ أُمِّ الحَكَم إلى زيادٍ يسأله رأيه في عمرو، وقام هذا بدوره ليُسائل معاوية، وعمرو في سجنه يَلْقَى أعنفَ ألوان العذاب، ويُعاني من ظلم هذا العامِل ما يعجز عنه الحديث.

لقد كان عبد الرحمن يخرجه أغلب الأيّام، وهو يَرْسِفُ في قيوده إلى مجلسه، ويطلب منه البراءة من عليٍّ، والولاء لمعاوية، فما كان جوابه إلاّ السخرية والاستهزاء بسيِّده معاوية، وأميره

٨٨

زيادٍ، وكان يَلْقَى جزاء هذه السُّخْرِيَة المـُرَّة من هذا الطاغي. الضربَ والحَرْقَ، ونَتْفَ الشعر، وإعادته إلى السجن.

ومر عليه يوماً في سجنه صديقٌ له قد تعرّف عليه من أيّام الرسول الأعظم وقال له:

يا عمرو ما ضرَّك لو تُسالم هذا الطاغية، وتَحْقِن دَمَك، ودم زوجتك السجينة في دمشق.

فقال له عمرو: وماذا تريد أَأُسَالِمُ معاوية؟ إنّه يريد أنْ أتبرأ منْ رمز الدعاة إلى الله، وأنا الذي سمعتُ من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قولَه: ((إنّ علياً وقومه في الجنّة، ومعاوية وصحبه في النار)). لقد جاهدتُ مع عليٍّ في جميع وقائعه: الجمل، والنهروان، وصفِّين، عِلْمَاً مِنِّي بأنّه على الحقِّ، وكنتُ أتمنَّى الشهادة على يده، وما حصلتُ ذلك، وبقيتُ انتظر هذا اليوم، وتولّى معاوية الحُكْم، وجاهر بكلِّ ما يخالِفُ الإسلام. أَتَرَانِي أسكتُ على الباطل؟ وأغضي على هذه المخالفات التي يرتكِبُها معاوية وعامِلُه؟ إنّه خالَفَ القرآن، والعدالة في أحكامه، وأعماله. بماذا يُفسِّر المسلمون سكوتي، لا، والذي نفس عمرو بيده لا أسكُتُ عن ذلك حتى لو قُتِلْتُ، ثم حُييت، ثمّ قُتلتُ، وهكذا يُفْعَل بي عِدَّة مرّات، فأنا لا أمنعُ لساني عن المجاهرة بِنَقْدِهِم، ولا أُعطي من نفسي مجالاً للطعن بأمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام). كيف وهي قتلةٌ واحدةٌ ؟..

ودبَّ اليأس إلى وجه الرجل، وغادر السجن، وترك عمرو يُعاني عذاب الأمويين، حتى ورد أمر معاوية لهذا الطاغي

٨٩

فعقد المجلس له، وأُتِيَ به، وهو يَجُرُّ نَفْسَه جرّاً؛ لثقل الحديد الذي كُبِّلَ به، وأوقفه في حرارة الشمس، وهو الشيخ الذي ذَرَفَ على الثمانين، والناس مُحْتشِدون، كأَنّ على رُؤوسهم الطير، يستمِعون إلى حكم معاوية.

وارتقى عاملُ الموصل عبد الرحمن بن عثمان المِنْبَرَ، وأعلن أنّه سيقرأ كتاب معاوية، وامتدّتْ الأعناق إليه تتطلّع إلى الحكم، وأَرْهَفَتْ الآذان، وظلَّلَتْ المجلسَ سحابةُ حزنٍ قاتِمَة، ثُمّ قرأ الكتاب:

إلى عبد الرحمن بن عثمان الثقفي عامل أمير المؤمنين معاوية في الموصل: لقد أمر معاوية أنْ أكتب لك في أمر عمرو بن الحَمِق الخزاعي، الخارج على طاعة الأمويين، والموالي لأبي ترابٍ، فقد أمر بأنْ تُخَيِّرَهُ: إمّا أنْ يتبرَّأ من عليٍّ، ويسبَّه ويمدح الأمويين ويذكر مَحَاسِنَهم، وإمّا أنْ تَطْعَنَهُ تِسْعَ طعناتٍ؛ لأنّه زعم أنّه طعن عثمان تسع طعناتٍ بمشاقص معه، وابعث إلَيّ َبرأسه؛ لأُرسله إلى معاوية والسلام.

واصفرتْ الوجوه، وبلغتْ القلوب الحَنَاجِر، وراقبتْ العيون هذا الشيخ الأسير الذي يسمع الحُكْم على نفسه، وهو يقابله بمعنويّة عالية، أصْلَبُ من الحديد، فَلَمْ يُبْدِ عليه أيُّ اضطرابٍ.

ويصيح ابن أُمِّ الحَكَم بعمرو: أَجِبْ أَيَّ الأمرَيْن تختار؟.

ردَّ عمرو وهو ثابِتُ الجِنَان، قويُّ الشَكِيْمَة -: لقد خابتْ ظُنُونُكُم، وماتتْ آمالُكم: أمّا البراءة من عليٍّ فلا

٩٠

لأَنِّي أعلم أنّه على الحقّ، وأنّ معاوية وصَحْبَه على الباطل، وأمّا القتل فأنا مُستعِدٌ له ومُتَقَبِّلُهُ، وسَأقِفُ غداً بين يدي الله ورسوله وعليٍّ، اقتصُّ ظُلامَتِي من طاغية الأمويين معاوية.

وتقدّم الجلاد إلى عمرو بن الحَمِق لينفّذ فيه أمر سيّده والمشاهدون يُكْبِرُوْنَ بطولتَه، فطلب منه أنْ يُمْهِلُهُ دقائق؛ كي يصلّي ركعتين. ولكنّ عبد الرحمن أمر جلاّده بأنْ يُنفِّذ أمره ولا يَدَعه يصلي، وكان ما أراد، ولفظ عمرو بن الحمق أنفاسه في الطعنة الثانية، وقفز هو مِنْ على سريره، وحزَّ رأسه، وأرسله إلى زيادٍ، ثمّ أرسل زيادٌ الرأسَ إلى معاوية.

وبلغ البريدُ معاويةَ، وهو في مجلسه، وَوُضِعَ رأسُ عمرو بن الحمق بين يديه، وقرأ كتاب زياد:

(لقد امتنع عمرو من البراءة من عليٍّ، فنفَّذْنا فيه أمرك).

ورمق معاويةُ الرأس طويلاً، وَرِعْدَةٌ خفيفةٌ مَشَتْ في أوصاله ثمّ تَمْتَمَ وقال: إنّي أخاف حتى أشباحهم، وأمر بأنْ يُحْمَل الرأس إلى السجن ليوضع أمام زوجته آمنة.

وهكذا تنتهي حياة هذا الصحابي الجليل الذي وقف مع النبي في بعض غزواته، ووقف إلى جنْب عليٍّ (عليه السلام) في جميع وقائعه، ورثاه الإمام الحسين وهو يكتب إلى معاوية. ((أَوَلَسْتَ قاتِل عمرو بن الحَمِق، صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) العبد الصالح الذي أبْلَتْهُ العبادة، فنحل جسمُه، واصفر لونُه، بعد ما آمنْتَه، وأعطيتَه من عهود الله ومواثيقه ما لو أعطيتَه طائراً

٩١

لنزل إليك من رأس الجبل، ثم قتلْتَه جُرْأةً على ربّك، واستِخْفَافَاً بذلك العهد)).

رحمك الله يا عمرو، فقد أدّيتَ واجبك تجاه عقيدتك، ودافعتَ عنها دفاع الأبطال، وكان موقفك الرائع درساً للأجيال، تُعَرِّفُهُمْ كيف تكون التضحية عند الفدائي أَيْسَرَ من اليسير.

٩٢

رَشِيْدُ الْهُجَرِي

٩٣

٩٤

وانتفض أبو أراكة فزعاً ورعباً، وعلتْ الدهشة وجهه وجفّ ريقُه، وخَفَتَ صوتُه، ثم أخذ يُدير طرفه في الجالسين كأنّه يستَنْجِد بهم، وحاول أنْ يصيح، ولكنّ الكلمات ماتتْ على شَفَتَيه. ماذا يرى وأيّ مصيبة حلّتْ به، وشدّ عينه بخطوات هذا القادِم، وهو يَقترب منه، ثمّ لمْ يَلبث أنْ وقف على رأسه، ولمْ يطقْ أبو أراكة الحديث، بل لاذَ بالصمت وعيناه قد تَسَمَّرَتْ بِخُطَى الطارق الجديد، وسرتْ في جسمه رعشةٌ خفيفة عندما لمح هذا الشخص المطارَد مِنْ قِبَلِ الوالي الأموي يَلِجُ دارَه.

ونهض أبو أراكة من مجلسه، والأرض تَمِيْدُ به، ودخل على زوجته، وأسنانه تَصْطَكُّ مِنَ الرعب، والصُفْرة قد غطّتْ وجهه المـَتَجَعِّد، وهو يسحب رجلَيه سَحْبَاً.

وخفتْ إليه زوجته مندهِشة من حاله لتسأله عمّا دهاه؟.

ويَجذِب أنفاسه المـُتَهَرِّئَة، وكأنّه يجمعها من هنا وهناك، ويحاوِل أنْ يُجيب زوجته فيخونه التعبيرُ، ويُتَمْتِمُ ثمّ يَبْلَع رِيْقَه ويستعيد أنفاسه مرةً ثانيةً، وثالثةً، ويبحثُ عن الكلمات الجامدة في جوفه، ثمّ يلتفتُ يمنةً ويسرةً، وهو يخشى عليها من الرقيب أنْ يختطفها، ويرسلها إلى حاكم الكوفة العنيد.

٩٥

وتمدُّ زوجتُه أُذُنُهَا المشدوهة إلى فَمِ زوجها المرعوب فيهمس فيها، وهو يشدّ عليها بأطراف أصابعه قائلا: (إنّ رشيد الهجري) دخل بيتنا ليختفي فيه عن عيون الذين ضايقوه في الطريق.

وتفغر الزوجة فاها مدهوشةً ذاهِلَةً، ثمّ تلطُم خدَّها، وتحاول أنْ تصرخ، فَيَكُمُّ زوجُها فمَها، ويهدّئ من خاطرها، وبعد لأْيً تستردّ أنْفاسها ويجلسان معاً للتفكير بتدبير الأمر بِحِنْكَةٍ وحَزمٍ، ويرسمان الخطة وينهض الزوج إلى رشيد يقول له وقد تحامل على نفسه:

ويحك - يا رشيد - قتلْتني، وأيتمتَ ولدي وأهلكتَ عائلتي.

قال رشيد: وما ذاك؟

قال أبو أراكة والغيظ يكاد يخنقه : لا تتجاهل ما صنعتَ بي؟ ألستَ مطلوباً لزيادٍ وإلى الأمويين، وعيونه تبحث عنك في كل مكان، فكيف تدخل عَلَيَّ في وَضَحِ النهار؟

قال رشيد: أرجو لا يكون قد رآني أحد يُخشى منه.

وحَمْلَقَ صاحب البيت في وجهه متعجِّباً، وغَمَزَ زوجته، وقال: وتسخر بي أيضاً.

ثمّ حملا عليه وأمسكاه، وأُدخِل بيتاً بعيداً عن الأنظارْ وأُغْلِقَ عليه بابُه خشيةَ أنْ يخرج فيفسد عليه أمره.

وعاد أبو أراكة إلى أصحابه في مجلسهم في رَحُبَة داره، والاضطراب بادٍ عليه، والتفتَ إليهم قائلا:

٩٦

خُيِّلَ لي أنّ رجلاً شيخاً قد دخل داري آنفاً.

ولكنّ جُلاّسه أنكروا ذلك، وقالوا ما رأينا أحداً.

وكرر ذلك عليهم مرة ومرتين، وجُلاّسه يَنْفُون أنّهم رأوا أحداً يدخل داره.

ولكنّ هذا لم يكن كافياً لراحة أبي أراكة، فقام وجرَّ نفسه جرَّاً - والفزع يأخذ منه - إلى مجلس يتصيَّد فيه الأنباء؛ ليتعرَّف هل سبقه الخبرُ، فإذا علم بأنَّ النبأ طرق سمْعَ زيادٍ، يخبره بأنّه قادمٌ عليه ليُعَلِّمه بأنّ طَلِبَتَهُ في بيته، أوثقه كِتَافَاً وأنّه بانتظار مَنْ يَتَسَلَّمُهُ منه.

وطال الجلوس بالرجل في مجلس زيادٍ، ودبَّ الاطمئنان إليه بأنّ أحداً لمْ يعرف عن أمره شيئاً، ورغم هذا لمْ تتركْهُ أشباح الخوف، وغادر المجلس وفارقه، والاضطراب لم يفارقْهُ. وعاد أبو أراكة إلى بيته، وفي نفسه وجلٌ مُخَيِّمٌ رغم أنّه لمْ يرَ في مجلس الأمير ما يبعث على الخوف، واستقبلتْه زوجته، وهي تفتعل الابتسامة؛ لِتُخَفِّفَ مِن حزن زوجها، وخفّ إليها، وهو يردّ على ابتسامتها بابتسامةٍ ثقيلةٍ وقال لها:

قضيتُ وقتاً طويلاً في مجلس الأمير، فما شعرت بشيء يدل على وصول نبأ رشيد له.

وتقفز الفرحة على بسمات الزوجة، وترفع طرفاً إلى السماء، شاكرةً لها هذا اللطف. وسارع أبو أراكة الى مَخدَع رشيد - وهو يحاول أنْ يخفي خجله منه - والتقى به هاشّاً، خلافاً لعادته وابتدره.

٩٧

- طاب يومك يا رشيد.

- وسعد يومك يا أبا أراكة.

وأحسّ رشيدٌ بأنّ ظِلاً من الطمأنينة قد ألمـّ بصاحبه، وإنْ كانت سحابةٌ من التفكير تُخيِّم عليه، وحاول أنْ يبدِّد هذه السحابة بالاعتذار له عن مضايقته لهم، وموقفه معهم فقال: يا أبا أراكة أعتذر منك كثيراً لقد نغصَّتُ عليكم حياتكم اليوميّة وعرَّضتُكم لخطرٍ كبيرٍ، أمَا كفاني أنْ أكون أنا في خطرٍ، حتى أُشرك معي أحداً بهذا الأمر، أعتذِر منك يا أبا أراكة، وأُكرِّر اعتذاري.

وكأنّ أبا أراكة على رغبةٍ من هذا الحديث، وهذا الاعتذار فالتفتَ إليه قائلاً:

يا رشيد.. أمَا كان الأجدر بك أنْ لا تُلْقِي بنفسك في هذه المآزِق، وهذه المـَهلكة، فما أنت ومعارضة الأمويين، وأنت تعلم أنّ معاوية لا يترك الأمر بالْهَيِّن، وهو لا يهمُّه أنْ يَقتل نصف المسلمين في سبيل استقامة الحُكْم له، وإنّي أنصحك أنْ تُقلِع عن هذا الأمر، وتعود إلى بيتك ترعى أطفالك وتَحْتَضِن أهل بيتك، وتُكَحِّل عيونهم بسلامتك.

وسكت عن الحديث - كما سكت رشيد أيضاً - وشعر أبو أراكة بأنّ سكوتَ رشيد دليلُ قبول كلامه، فالتفتَ إليه وقال: أَتَعِدُنِي بأنْ تُقْلِع عن معارضة معاوية يا رشيد.؟

وضحك رشيدٌ في قرارة نفسه مِن سذاجة هذا الشخص الذي يكيل له النصائح، وهو لا يعلم - أو يعلم ويتغابى -

٩٨

بأنّ على الرجال المخلصين واجباً لا يمكن الفرار منه، ذلك هو الواجب الديني، وكلمة الحق تُقَال مهما كلّفتْ قائلها.

والتفتَ رشيدٌ إلى مُضِيْفِهِ، وهو يتصنّع الهدوء وقال:

يا أبا أراكة: جزاك الله خيراً عن نصيحتك، ولكنْ أَمَا تشعر معي أنّ هذا الحكم الأموي القائم غَيَّرَ جميعَ معالمنا الإسلامية، وأفقدنا العدالة الاجتماعية، التي ضَحّى مِن أجلها - الغالي والنفيس - الرسولُ الأعظم، وابنُ عمِّه عليُّ بنُ أبي طالب، والكثيرُ من قادة المسلمين.

أَتَنْكُر - يا أبا أراكة - أنّ العهد الأموي هذا عندما مَدّ جِنَاحه على المسلمين، ضرب بالإسلام وأحكامه عَرْض الحائط، وأصدر قوانين تنسجم وأهواء هذا البيت المعارِض لرسول الله مِن يومه الأوّل، ثمّ لا يرعوي عن ترك جميع ما نصَّ عليه القرآن، وما دلَّتْ عليه السُّنَّة، حتى صارتْ المصالح النَفْعِيَّة هي الأساس لإدارة أمور المسلمين..

وكان قد بلغ الحماس برشيد مَبْلَغاً، ارتفع صوتُه بحديثه وضاق أبو أراكة بهذا الحديث، وأخذ يَلْتَفِتُ يمنةً ويسرةً، ثمّ أشار إلى ضيفه بأنْ يُخْفِضُ صوته، لأنّه يخشى الرُقَبَاء، وقد اكتسى وجهُهُ بصفرةٍ فاقِعَةٍ.

وبصوت متقطِّع قال أبو أراكة:

هذا صحيحٌ، وقد أكون مؤيِّداً لك في بعضه - وقد فَاهَ بهذه الجملة همساً - ولكنْ ما أنت والدخول في هذا الأمر، أمَا كان في البلد غيرك يحمِلُ راية المعارضة بوجه الأمويين

٩٩

أَمِنَ المـُسْتَحْسَن أنْ تَجْلب اليُتْم - بفعلك هذا - على بيتك وأولادك؟ فهل يتواني زيادٌ - وهو الوالي القاسي - مِن صبِّ غضبه عليك، وتخسر حياتك وتُفْسِد أمر عائلتك؟!

وأشفق رشيدٌ على هذا المخلوق الضعيف الذي مَلَكَهُ حبُّ الدنيا، فسكتَ على الباطل، وحاول أنْ يُسَكِّتَ غيرَه.

ما أكثر أمثال أبي أراكة مِن ضِعَاف القلوب، يكتمون الواقع خشيةَ غضب السلطان، وهم على علمٍ مِنْ بُطْلانه وَزَيْفِه.

واعتقد صاحِبُنا: أنَّ سكوت رشيد يدل على تقبّل حديثه، فتشجَّع على الاسترسال، وعاد للحديث ثانيةً قائلا:

يا رشيد أَعَلِمْتَ أنَّ معاوية كتب إلى وُلاتِهِ في سائر الأقطار يأمرهم بأنْ لا يجيزوا أَحَداً مِن شيعة عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأهل بيته شهادةً، وإنّ مَنْ قامتْ عليه البيِّنة بِمَحبّته له، يُمْحَى اسمه مِنَ الديوان، ويسقط عطاؤه، ورزقه، ويُنَكَّل به، وَيَهْدُم داره.. وعلى هذا الأساس أخذ زيادٌ وأضْرَابُهُ الناس على الظن والتهمة، ووضع في رقابهم السيف، وشدَّد النكير عليهم، بحيث أصبح الفرد يخشى حتى مِنْ ظِلِّه، ثمّ في هذا الجو المحفوف بالمخاطر تُعْلِنُ معارضتك بهذه اللهجة الصريحة؟!.. بالله عليك إلاّ ما تركتَ هذا الأمر، وانْزَوَيْتَ في قَعْرِ دارك ترعى أطفالك، وتحتضن بيتك، وبذلك تريح نفسك، ومُحِبِّيْكَ.

وضاق رشيدٌ ذرعاً بهذا البيت، وانحبستْ أنفاسه من هذا الرجل، وتأكّد له، أنّ بقاءه فيه، سَيُمِيْتُ الرجولة في قلب مُجِيْرِهِ

١٠٠