كلّ يومٍ، ومِنَ الآن فصاعداً، مَنْ أراد الاجتماع به، وأراد أنْ يجتمع بِأَحَدٍ، لا يجوز له ذلك إلاّ في رَحُبَةِ المسجد، على مرأى ومَسْمَع مِنْ عيون الأمويين، وآذانهم.
ورضي عمرو بن حريث بذلك، مُعتَقِدَاً أَنّ هذه البادِرَة هي الشرارة الأُولى لِحَرْقِ دُعَاةِ الله.
وقصد بعض الشيوخ، الذين يرغبون أن يكون البلد بمعزل عن المشاكل، إلى عمرو بن الحمق وحجر وجماعتهما، وطلبوا منهم الخلود إلى الهدوء والسكينة، لتبقى البلاد في دعة المشاكل.
ولكنّ عمرو، ذلك الرجل الذي ما عرف المهادنة يوماً ما، لا يمكنه السكوت، والإغضاء عن الباطل مهما اقتضى الأمر، فهو عنيف في إيمانه لا تأخذه في الله لومة لائم.
والتفتَ كوفي إلى صاحبه، وهما في زاوية من المسجد يتحدّثان عن موقف زياد والمعارضة.
اعتقد - يا أبا الوليد - إنّ عمرو بن الحمق سيجبُن عن مقابلة الأمير زياد.
فيرُدُّ عليه صاحبه قائلاً:
كلاّ إنّ الرجل صلبٌ في إيمانه لا يخشى الموت، أليس هو أحد الأربعة الداخلين على عثمان داره؟ وقد جابهه وجهاً لوجهٍ بأغلاطه، وموقفه العاطفي مع الأمويين المنافي للإسلام.
نعم هكذا يتحدّث المتحدِّثون، وتدل الوقائع بأنّ عثمان أعطى مرّةً لأبي سفيان مائتي ألف دينار ذهباً، كما أعطى لمروان بن الحكم مائة ألف من بيت مال المسلمين.