كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٧

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 286

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 286
المشاهدات: 39841
تحميل: 4249


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 286 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39841 / تحميل: 4249
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 17

مؤلف:
العربية

58 و من كتاب له ع كتبه إلى أهل الأمصار يقص فيه ما جرى بينه و بين أهل صفين

وَ كَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا أَنَّا اِلْتَقَيْنَا بِالْقَوْمِ وَ اَلْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ اَلظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ وَ نَبِيَّنَا وَاحِدٌ وَ دَعْوَتَنَا فِي اَلْإِسْلاَمِ وَاحِدَةٌ وَ لاَ نَسْتَزِيدُهُمْ فِي اَلْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَ اَلتَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ وَ لاَ يَسْتَزِيدُونَنَا وَ اَلْأَمْرُ وَاحِدٌ إِلاَّ مَا اِخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ وَ نَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ فَقُلْنَا تَعَالَوْا نُدَاوِي نُدَاوِ مَا لاَ يُدْرَكُ اَلْيَوْمَ بِإِطْفَاءِ اَلنَّائِرَةِ وَ تَسْكِينِ اَلْعَامَّةِ حَتَّى يَشْتَدَّ اَلْأَمْرُ وَ يَسْتَجْمِعَ فَنَقْوَى عَلَى وَضْعِ اَلْحَقِّ فِي مَوَاضِعِهِ مَوَاضِعَهُ فَقَالُوا بَلْ نُدَاوِيهِ بِالْمُكَابَرَةِ فَأَبَوْا حَتَّى جَنَحَتِ اَلْحَرْبُ وَ رَكَدَتْ وَ وَقَدَتْ نِيرَانُهَا وَ حَمِشَتْ فَلَمَّا ضَرَّسَتْنَا وَ إِيَّاهُمْ وَ وَضَعَتْ مَخَالِبَهَا فِينَا وَ فِيهِمْ أَجَابُوا عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى اَلَّذِي دَعَوْنَاهُمْ إِلَيْهِ فَأَجَبْنَاهُمْ إِلَى مَا دَعَوْا وَ سَارَعْنَاهُمْ إِلَى مَا طَلَبُوا حَتَّى اِسْتَبَانَتْ عَلَيْهِمُ اَلْحُجَّةُ وَ اِنْقَطَعَتْ مِنْهُمُ اَلْمَعْذِرَةُ فَمَنْ تَمَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ فَهُوَ اَلَّذِي أَنْقَذَهُ اَللَّهُ مِنَ اَلْهَلَكَةِ وَ مَنْ لَجَّ وَ تَمَادَى فَهُوَ اَلرَّاكِسُ اَلَّذِي رَانَ اَللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ وَ صَارَتْ دَائِرَةُ اَلسَّوْءِ عَلَى رَأْسِهِ

١٤١

روي التقينا و القوم بالواو كما قال:

قلت إذ أقبلت و زهر تهادى

و من لم يروها بالواو فقد استراح من التكلف قوله و الظاهر أن ربنا واحد كلام من لم يحكم لأهل صفين من جانب معاوية حكما قاطعا بالإسلام بل قال ظاهرهم الإسلام و لا خلف بيننا و بينهم فيه بل الخلف في دم عثمان قال ع قلنا لهم تعالوا فلنطفئ هذه النائرة الآن يوضع الحرب إلى أن تتمهد قاعدتي في الخلافة و تزول هذه الشوائب التي تكدر علي الأمر و يكون للناس جماعة ترجع إليها و بعد ذلك أتمكن من قتلة عثمان بأعيانهم فأقتص منهم فأبوا إلا المكابرة و المغالبة و الحرب قوله حتى جنحت الحرب و ركدت جنحت أقبلت و منه قد جنح الليل أي أقبل و ركدت دامت و ثبتت قوله و وقدت نيرانها أي التهبت قوله و حمشت أي استعرت و شبت و روي و استحشمت و هو أصح و من رواها حمست بالسين المهملة أراد اشتدت و صلبت قوله فلما ضرستنا و إياهم أي عضتنا بأضراسها و يقال ضرسهم الدهر أي اشتد عليهم

١٤٢

قال لما اشتدت الحرب علينا و عليهم و أكلت منا و منهم عادوا إلى ما كنا سألناهم ابتداء و ضرعوا إلينا في رفع الحرب و رفعوا المصاحف يسألون النزول على حكمها و إغماد السيف فأجبناهم إلى ذلك قوله و سارعناهم إلى ما طلبوا كلمة فصيحة و هي تعدية الفعل اللازم كأنها لما كانت في معنى المسابقة و المسابقة متعدية عدي المسارعة قوله حتى استبانت يقول استمررنا على كف الحرب و وضعها إجابة لسؤالهم إلى أن استبانت عليهم حجتنا و بطلت معاذيرهم و شبهتهم في الحرب و شق العصا فمن تم منهم على ذلك أي على انقياده إلى الحق بعد ظهوره له فذاك الذي خلصه الله من الهلاك و عذاب الآخرة و من لج منهم على ذلك و تمادى في ضلاله فهو الراكس قال قوم الراكس هنا بمعنى المركوس فهو مقلوب فاعل بمعنى مفعول كقوله تعالى( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ) أي مرضية و عندي أن اللفظة على بابها يعني أن من لج فقد ركس نفسه فهو الراكس و هو المركوس يقال ركسه و أركسه بمعنى و الكتاب العزيز جاء بالهمز فقال( وَ اَللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا ) أي ردهم إلى كفرهم و يقول ارتكس فلان في أمر كان نجا منه و ران على قلبه أي ران هو على قلبه كما قلنا في الراكس و لا يجوز أن يكون الفاعل و هو الله محذوفا لأن الفاعل لا يحذف بل يجوز أن يكون الفاعل كالمحذوف و ليس بمحذوف و يكون المصدر و هو الرين و دل الفعل عليه كقوله تعالى( ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا اَلْآياتِ ) أي بدا لهم البداء و ران بمعنى غلب و غطى و روي فهو الراكس الذي رين على قلبه

١٤٣

قال و صارت دائرة السوء على رأسه من ألفاظ القرآن العزيز قال الله تعالى( عَلَيْهِمْ دائِرَةُ اَلسَّوْءِ ) و الدوائر الدول

و إن على الباغي تدور الدوائر

و الدائرة أيضا الهزيمة يقال على من الدائرة منهما و الدوائر أيضا الدواهي

١٤٤

59 و من كتاب له ع إلى الأسود بن قطبة صاحب جند حلوان

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَلْوَالِيَ إِذَا اِخْتَلَفَ هَوَاهُ مَنَعَهُ ذَلِكَ كَثِيراً مِنَ اَلْعَدْلِ فَلْيَكُنْ أَمْرُ اَلنَّاسِ عِنْدَكَ فِي اَلْحَقِّ سَوَاءً فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي اَلْجَوْرِ عِوَضٌ مِنَ اَلْعَدْلِ فَاجْتَنِبْ مَا تُنْكِرُ أَمْثَالَهُ وَ اِبْتَذِلْ نَفْسَكَ فِيمَا اِفْتَرَضَ اَللَّهُ عَلَيْكَ رَاجِياً ثَوَابَهُ وَ مُتَخَوِّفاً عِقَابَهُ وَ اِعْلَمْ أَنَّ اَلدُّنْيَا دَارُ بَلِيَّةٍ لَمْ يَفْرُغْ صَاحِبُهَا فِيهَا قَطُّ سَاعَةً إِلاَّ كَانَتْ فَرْغَتُهُ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَ أَنَّهُ لَنْ يُغْنِيَكَ عَنِ اَلْحَقِّ شَيْ‏ءٌ أَبَداً وَ مِنَ اَلْحَقِّ عَلَيْكَ حِفْظُ نَفْسِكَ وَ اَلاِحْتِسَابُ عَلَى اَلرَّعِيَّةِ بِجُهْدِكَ فَإِنَّ اَلَّذِي يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنَ اَلَّذِي يَصِلُ بِكَ وَ اَلسَّلاَمُ

الأسود بن قطبة

لم أقف إلى الآن على نسب الأسود بن قطبة و قرأت في كثير من النسخ أنه حارثي من بني الحارث بن كعب و لم أتحقق ذلك و الذي يغلب على ظني أنه الأسود بن زيد بن قطبة بن غنم الأنصاري من بني عبيد بن عدي ذكره أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب و قال إن موسى بن عقبة عده فيمن شهد بدرا

١٤٥

قوله ع إذا اختلف هوى الوالي منعه كثيرا من الحق قول صدق لأنه متى لم يكن الخصمان عند الوالي سواء في الحق جار و ظلم ثم قال له فإنه ليس في الجور عوض من العدل و هذا أيضا حق و في العدل كل العوض من الجور ثم أمره باجتناب ما ينكر مثله من غيره و قد تقدم نحو هذا و قوله إلا كانت فرغته كلمة فصيحة و هي المرة الواحدة من الفراغ و قد روي عن النبي ص أن الله يبغض الصحيح الفارغ لا في شغل الدنيا و لا في شغل الآخرة و مراد أمير المؤمنين ع هاهنا الفراغ من عمل الآخرة خاصة قوله فإن الذي يصل إليك من ذلك أفضل من الذي يصل بك معناه فإن الذي يصل إليك من ثواب الاحتساب على الرعية و حفظ نفسك من مظالمهم و الحيف عليهم أفضل من الذي يصل بك من حراسة دمائهم و أعراضهم و أموالهم و لا شبهة في ذلك لأن إحدى المنفعتين دائمة و الأخرى منقطعة و النفع الدائم أفضل من المنقطع

١٤٦

60 و من كتاب له ع إلى العمال الذين يطأ عملهم الجيوش

مِنْ عَبْدِ اَللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَنْ مَرَّ بِهِ اَلْجَيْشُ مِنْ جُبَاةِ اَلْخَرَاجِ وَ عُمَّالِ اَلْبِلاَدِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ سَيَّرْتُ جُنُوداً هِيَ مَارَّةٌ بِكُمْ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ وَ قَدْ أَوْصَيْتُهُمْ بِمَا يَجِبُ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ مِنْ كَفِّ اَلْأَذَى وَ صَرْفِ اَلشَّذَا وَ أَنَا أَبْرَأُ إِلَيْكُمْ وَ إِلَى ذِمَّتِكُمْ مِنْ مَعَرَّةِ اَلْجَيْشِ إِلاَّ مِنْ جَوْعَةِ اَلْمُضْطَرِّ لاَ يَجِدُ عَنْهَا مَذْهَباً إِلَى شِبَعِهِ فَنَكِّلُوا مَنْ تَنَاوَلَ مِنْهُمْ شَيْئاً ظُلْماً عَنْ ظُلْمِهِمْ وَ كُفُّوا أَيْدِيَ سُفَهَائِكُمْ عَنْ مُضَادَّتِهِمْ مُضَارَّتِهِمْ وَ اَلتَّعَرُّضِ لَهُمْ فِيمَا اِسْتَثْنَيْنَاهُ مِنْهُمْ وَ أَنَا بَيْنَ أَظْهُرِ اَلْجَيْشِ فَارْفَعُوا إِلَيَّ مَظَالِمَكُمْ وَ مَا عَرَاكُمْ مِمَّا يَغْلِبُكُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَا لاَ تُطِيقُونَ دَفَعَهُ إِلاَّ بِاللَّهِ وَ بِي أُغَيِّرُهُ بِمَعُونَةِ اَللَّهِ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ روي عن مضارتهم بالراء المشددة و جباة الخراج الذين يجمعونه جبيت الماء في الحوض أي جمعته و الشذا و الضر الشر تقول لقد أشذيت و آذيت و إلى ذمتكم أي إلى اليهود و النصارى الذين بينكم

قال ع من آذى ذميا فكأنما آذاني

١٤٧

و قال إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا و أموالهم كأموالنا و يسمى هؤلاء ذمة أي أهل ذمة بحذف المضاف و المعرة المضرة قال الجيش ممنوع من أذى من يمر به من المسلمين و أهل الذمة إلا من سد جوعة المضطر منهم خاصة لأن المضطر تباح له الميتة فضلا عن غيرها ثم قال فنكلوا من تناول و روي بمن تناول بالباء أي عاقبوه و عن في قوله عن ظلمهم يتعلق بنكلوا لأنها في معنى اردعوا لأن النكال يوجب الردع ثم أمرهم أن يكفوا أيدي أحداثهم و سفهائهم عن منازعة الجيش و مصادمته و التعرض لمنعه عما استثناه و هو سد الجوعة عند الاضطرار فإن ذلك لا يجوز في الشرع و أيضا فإنه يفضي إلى فتنة و هرج ثم قال و أنا بين أظهر الجيش أي أنا قريب منكم و سائر على أثر الجيش فارفعوا إلي مظالمكم و ما عراكم منهم على وجه الغلبة و القهر فإني مغير ذلك و منتصف لكم منهم

١٤٨

61 و من كتاب له ع إلى كميل بن زياد النخعي

و هو عامله على هيت ينكر عليه تركه دفع من يجتاز به من جيش العدو طالبا للغارة : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ تَضْيِيعَ اَلْمَرْءِ مَا وُلِّيَ وَ تَكَلُّفَهُ مَا كُفِيَ لَعَجْزٌ حَاضِرٌ وَ رَأْيٌ مُتَبَّرٌ وَ إِنَّ تَعَاطِيَكَ اَلْغَارَةَ عَلَى أَهْلِ قِرْقِيسِيَا وَ تَعْطِيلَكَ مَسَالِحَكَ اَلَّتِي وَلَّيْنَاكَ لَيْسَ لَهَا بِهَا مَنْ يَمْنَعُهَا وَ لاَ يَرُدُّ اَلْجَيْشَ عَنْهَا لَرَأْيٌ شَعَاعٌ فَقَدْ صِرْتَ جِسْراً لِمَنْ أَرَادَ اَلْغَارَةَ مِنْ أَعْدَائِكَ عَلَى أَوْلِيَائِكَ غَيْرَ شَدِيدِ اَلْمَنْكِبِ وَ لاَ مَهِيبِ اَلْجَانِبِ وَ لاَ سَادٍّ ثُغْرَةً وَ لاَ كَاسِرٍ لِعَدُوٍّ شَوْكَةً وَ لاَ مُغْنٍ عَنْ أَهْلِ مِصْرِهِ وَ لاَ مُجْزٍ عَنْ أَمِيرِهِ

كميل بن زياد و نسبه

هو كميل بن زياد بن سهيل بن هيثم بن سعد بن مالك بن الحارث بن صهبان بن سعد بن مالك بن النخع بن عمرو بن وعلة بن خالد بن مالك بن أدد كان من أصحاب علي ع و شيعته و خاصته و قتله الحجاج على المذهب فيمن قتل من الشيعة و كان كميل بن زياد عامل علي ع على هيت و كان ضعيفا يمر عليه سرايا معاوية تنهب أطراف العراق و لا يردها و يحاول أن يجبر ما عنده من الضعف بأن يغير

١٤٩

على أطراف أعمال معاوية مثل قرقيسيا و ما يجري مجراها من القرى التي على الفرات فأنكر ع ذلك من فعله و قال إن من العجز الحاضر أن يهمل الوالي ما وليه و يتكلف ما ليس من تكليفه و المتبر الهالك قال تعالى( إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ ) . و المسالح جمع مسلحة و هي المواضع التي يقام فيها طائفة من الجند لحمايتها و رأي شعاع بالفتح أي متفرق ثم قال له قد صرت جسرا أي يعبر عليك العدو كما يعبر الناس على الجسور و كما أن الجسر لا يمنع من يعبر به و يمر عليه فكذاك أنت و الثغرة الثلمة و مجز كاف و مغن و الأصل مجزئ بالهمز فخفف

١٥٠

62 و من كتاب له ع إلى أهل مصر مع مالك الأشتررحمه‌الله لما ولاه إمارتها

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً ص نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ وَ مُهَيْمِناً عَلَى اَلْمُرْسَلِينَ فَلَمَّا مَضَى ص تَنَازَعَ اَلْمُسْلِمُونَ اَلْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ فَوَاللَّهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي وَ لاَ يَخْطُرُ بِبَالِي أَنَّ اَلْعَرَبَ تُزْعِجُ هَذَا اَلْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ ص عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ لاَ أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ اِنْثِيَالُ اَلنَّاسِ عَلَى فُلاَنٍ يُبَايِعُونَهُ فَأَمْسَكْتُ بِيَدِي يَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ اَلنَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ اَلْإِسْلاَمِ يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ ص فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ اَلْإِسْلاَمَ وَ أَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً تَكُونُ اَلْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلاَيَتِكُمُ اَلَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلاَئِلَ يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَمَا يَزُولُ اَلسَّرَابُ وَ أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ اَلسَّحَابُ فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ اَلْأَحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ اَلْبَاطِلُ وَ زَهَقَ وَ اِطْمَأَنَّ اَلدِّينُ وَ تَنَهْنَهَ المهيمن الشاهد قال الله تعالى( إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً ) أي تشهد بإيمان من آمن و كفر من كفر و قيل تشهد بصحة نبوة الأنبياء قبلك

١٥١

و قوله على المرسلين يؤكد صحة هذا التفسير الثاني و أصل اللفظة من آمن غيره من الخوف لأن الشاهد يؤمن غيره من الخوف بشهادته ثم تصرفوا فيها فابدلوا إحدى همزتي مؤامن ياء فصار مؤيمن ثم قلبوا الهمزة هاء كأرقت و هرقت فصار مهيمن و الروع الخلد و ي الحديث أن روح القدس نفث في روعي قال ما يخطر لي ببال أن العرب تعدل بالأمر بعد وفاة محمد ص عن بني هاشم ثم من بني هاشم عني لأنه كان المتيقن بحكم الحال الحاضرة و هذا الكلام يدل على بطلان دعوى الإمامية النص و خصوصا الجلي قال فما راعني إلا انثيال الناس تقول للشي‏ء يفجؤك بغتة ما راعني إلا كذا و الروع بالفتح الفزع كأنه يقول ما أفزعني شي‏ء بعد ذلك السكون الذي كان عندي و تلك الثقة التي اطمأننت إليها إلا وقوع ما وقع من انثيال الناس أي انصبابهم من كل وجه كما ينثاب التراب على أبي بكر و هكذا لفظ الكتاب الذي كتبه للأشتر و إنما الناس يكتبونه الآن إلى فلان تذمما من ذكر الاسم كما يكتبون في أول الشقشقية أما و الله لقد تقمصها فلان و اللفظ أما و الله لقد تقمصها ابن أبي قحافة قوله فأمسكت يدي أي امتنعت عن بيعته حتى رأيت راجعة الناس يعني أهل الردة كمسيلمة و سجاح و طليحة بن خويلد و مانعي الزكاة و إن كان مانعو الزكاة قد اختلف في أنهم أهل ردة أم لا و محق الدين إبطاله و زهق خرج و زال تنهنه سكن و أصله الكف تقول نهنهت السبع فتنهنه

١٥٢

أي كف عن حركته و إقدامه فكان الدين كان متحركا مضطربا فسكن و كف عن ذلك الاضطراب روى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في التاريخ الكبير أن رسول الله ص لما مات اجتمعت أسد و غطفان و طي‏ء على طليحة بن خويلد إلا ما كان من خواص أقوام في الطوائف الثلاث فاجتمعت أسد بسميراء و غطفان بجنوب طيبة و طي‏ء في حدود أرضهم و اجتمعت ثعلبة بن أسد و من يليهم من قيس بالأبرق من الربذة و تأشب إليهم ناس من بني كنانة و لم تحملهم البلاد فافترقوا فرقتين أقامت إحداهما بالأبرق و سارت الأخرى إلى ذي القصة و بعثوا وفودا إلى أبي بكر يسألونه أن يقارهم على إقامة الصلاة و منع الزكاة فعزم الله لأبي بكر على الحق فقال لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه و رجع الوفود إلى قومهم فأخبروهم بقلة من أهل المدينة فأطمعوهم فيها و علم أبو بكر و المسلمون بذلك و قال لهم أبو بكر أيها المسلمون إن الأرض كافرة و قد رأى وفدهم منكم قلة و إنكم لا تدرون أ ليلا تؤتون أم نهارا و أدناهم منكم على بريد و قد كان القوم يأملون أن نقبل منهم و نوادعهم و قد أبينا عليهم و نبذنا إليهم فأعدوا و استعدوا فخرج علي ع بنفسه و كان على نقب من أنقاب المدينة و خرج الزبير و طلحة و عبد الله بن مسعود و غيرهم فكانوا على الأنقاب الثلاثة فلم يلبثوا إلا قليلا حتى طرق القوم المدينة غارة مع الليل و خلفوا بعضهم بذي حسى

١٥٣

ليكونوا ردءا لهم فوافوا الأنقاب و عليها المسلمون فأرسلوا إلى أبي بكر بالخبر فأرسل إليهم أن الزموا مكانكم ففعلوا و خرج أبو بكر في جمع من أهل المدينة على النواضح فانتشر العدو بين أيديهم و اتبعهم المسلمون على النواضح حتى بلغوا ذا حسى فخرج عليهم الكمين بأنحاء قد نفخوها و جعلوا فيها الحبال ثم دهدهوها بأرجلهم في وجوه الإبل فتدهده كل نحي منها في طوله فنفرت إبل المسلمين و هم عليها و لا تنفر الإبل من شي‏ء نفارها من الأنحاء فعاجت بهم لا يملكونها حتى دخلت بهم المدينة و لم يصرع منهم أحد و لم يصب فبات المسلمون تلك الليلة يتهيئون ثم خرجوا على تعبئة فما طلع الفجر إلا و هم و القوم على صعيد واحد فلم يسمعوا للمسلمين حسا و لا همسا حتى وضعوا فيهم السيف فاقتتلوا أعجاز ليلتهم فما ذر قرن الشمس إلا و قد ولوا الأدبار و غلبوهم على عامة ظهرهم و رجعوا إلى المدينة ظافرين قلت هذا هو الحديث الذي أشار ع إلى أنه نهض فيه أيام أبي بكر و كأنه جواب عن قول قائل إنه عمل لأبي بكر و جاهد بين يدي أبي بكر فبين ع عذره في ذلك و قال إنه لم يكن كما ظنه القائل و لكنه من باب دفع الضرر عن النفس و الدين فإنه واجب سواء كان للناس إمام أو لم يكن

ذكر ما طعن به الشيعة في إمامة أبي بكر و الجواب عنها

و ينبغي حيث جرى ذكر أبي بكر في كلام أمير المؤمنين ع أن نذكر ما أورده قاضي القضاة في المغني من المطاعن التي طعن بها فيه و جواب قاضي القضاة

١٥٤

عنها و اعتراض المرتضى في الشافي على قاضي القضاة و نذكر ما عندنا في ذلك ثم نذكر مطاعن أخرى لم يذكرها قاضي القضاة

الطعن الأول

قال قاضي القضاة بعد أن ذكر ما طعن به فيه في أمر فدك و قد سبق القول فيه و مما طعن به عليه قولهم كيف يصلح للإمامة من يخبر عن نفسه أن له شيطانا يعتريه و من يحذر الناس نفسه و من يقول أقيلوني بعد دخوله في الإمامة مع أنه لا يحل للإمام أن يقول أقيلوني البيعة أجاب قاضي القضاة فقال إن شيخنا أبا علي قال لو كان ذلك نقصا فيه لكان قول الله في آدم و حواء( فَوَسْوَسَ لَهُمَا اَلشَّيْطانُ ) و قوله( فَأَزَلَّهُمَا اَلشَّيْطانُ ) و قوله( وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى اَلشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) يوجب النقص في الأنبياء و إذا لم يجب ذلك فكذلك ما وصف به أبو بكر نفسه و إنما أراد أنه عند الغضب يشفق من المعصية و يحذر منها و يخاف أن يكون الشيطان يعتريه في تلك الحال فيوسوس إليه و ذلك منه على طريقة الزجر لنفسه عن المعاصي و قد روي عن أمير المؤمنين ع أنه ترك مخاصمة الناس في حقوقه إشفاقا من المعصية و كان يولي ذلك عقيلا فلما أسن عقيل كان يوليها عبد الله بن جعفر فأما ما روي في إقالة البيعة فهو خبر ضعيف و إن صح فالمراد به التنبيه على أنه لا يبالي لأمر يرجع إليه أن يقيله الناس البيعة و إنما يضرون بذلك أنفسهم و كأنه نبه بذلك

١٥٥

على أنه غير مكره لهم و أنه قد خلاهم و ما يريدون إلا أن يعرض ما يوجب خلافه و قد روي أن أمير المؤمنين ع أقال عبد الله بن عمر البيعة حين استقاله و المراد بذلك أنه تركه و ما يختار اعترض المرتضىرضي‌الله‌عنه فقال أما قول أبي بكر وليتكم و لست بخيركم فإن استقمت فاتبعوني و إن اعوججت فقوموني فإن لي شيطانا يعتريني عند غضبي فإذا رأيتموني مغضبا فاجتنبوني لا أؤثر في أشعاركم و أبشاركم فإنه يدل على أنه لا يصلح للإمامة من وجهين أحدهما أن هذا صفة من ليس بمعصوم و لا يأمن الغلط على نفسه من يحتاج إلى تقويم رعيته له إذا وقع في المعصية و قد بينا أن الإمام لا بد أن يكون معصوما موفقا مسددا و الوجه الآخر أن هذه صفة من لا يملك نفسه و لا يضبط غضبه و من هو في نهاية الطيش و الحدة و الخرق و العجلة و لا خلاف أن الإمام يجب أن يكون منزها عن هذه الأوصاف غير حاصل عليها و ليس يشبه قول أبي بكر ما تلاه من الآيات كلها لأن أبا بكر خبر عن نفسه بطاعة الشيطان عند الغضب و أن عادته بذلك جارية و ليس هذا بمنزلة من يوسوس إليه الشيطان و لا يطيعه و يزين له القبيح فلا يأتيه و ليس وسوسة الشيطان بعيب على الموسوس له إذا لم يستزله ذلك عن الصواب بل هو زيادة في التكليف و وجه يتضاعف معه الثواب و قوله تعالى( أَلْقَى اَلشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) قيل معناه في تلاوته و قيل في فكرته على سبيل الخاطر و أي الأمرين كان فلا عار في ذلك على النبي ص و لا نقص و إنما العار و النقص على من يطيع الشيطان و يتبع ما يدعو إليه و ليس لأحد أن يقول هذا إن سلم لكم في جميع الآيات لم يسلم في قوله تعالى( فَأَزَلَّهُمَا اَلشَّيْطانُ ) لأنه قد خبر عن تأثير غوايته و وسوسته بما كان منهما من الفعل و ذلك أن المعنى الصحيح في هذه الآية أن آدم و حواء كانا مندوبين إلى اجتناب الشجرة و ترك التناول منها و لم يكن ذلك عليهما واجبا لازما

١٥٦

لأن الأنبياء لا يخلون بالواجب فوسوس لهما الشيطان حتى تناولا من الشجرة فتركا مندوبا إليه و حرما بذلك أنفسهما الثواب و سماه إزلالا لأنه حط لهما عن درجة الثواب و فعل الأفضل و قوله تعالى في موضع آخر( وَ عَصى‏ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى‏ ) لا ينافي هذا المعنى لأن المعصية قد يسمى بها من أخل بالواجب و الندب معا قوله فغوى أي خاب من حيث لم يستحق الثواب على ما ندب إليه على أن صاحب الكتاب يقول إن هذه المعصية من آدم كانت صغيرة لا يستحق بها عقابا و لا ذما فعلى مذهبه أيضا تكون المفارقة بينه و بين أبي بكر ظاهرة لأن أبا بكر خبر عن نفسه أن الشيطان يعتريه حتى يؤثر في الأشعار و الأبشار و يأتي ما يستحق به التقويم فأين هذا من ذنب صغير لا ذم و لا عقاب عليه و هو يجري من وجه من الوجوه مجرى المباح لأنه لا يؤثر في أحوال فاعله و حط رتبته و ليس يجوز أن يكون ذلك منه على سبيل الخشية و الإشفاق على ما ظن لأن مفهوم خطابه يقتضي خلاف ذلك أ لا ترى أنه قال إن لي شيطانا يعتريني و هذا قول من قد عرف عادته و لو كان على سبيل الإشفاق و الخوف لخرج عن هذا المخرج و لكان يقول فإني آمن من كذا و إني لمشفق منه فأما ترك أمير المؤمنين ع مخاصمة الناس في حقوقه فكأنه إنما كان تنزها و تكرما و أي نسبة بين ذلك و بين من صرح و شهد على نفسه بما لا يليق بالأئمة و أما خبر استقالة البيعة و تضعيف صاحب الكتاب له فهو أبدا يضعف ما لا يوافقه من غير حجة يعتمدها في تضعيفه و قوله إنه ما استقال على التحقيق و إنما نبه على أنه لا يبالي بخروج الأمر عنه و أنه غير مكره لهم عليه فبعيد من الصواب لأن ظاهر قوله أقيلوني أمر بالإقالة و أقل أحواله أن يكون عرضا لها و بذلا و كلا الأمرين قبيح و لو أراد ما ظنه لكان له

١٥٧

في غير هذا القول مندوحة و لكان يقول إني ما أكرهتكم و لا حملتكم على مبايعتي و ما كنت أبالي ألا يكون هذا الأمر في و لا إلي و إن مفارقته لتسرني لو لا ما ألزمنيه الدخول فيه من التمسك به و متى عدلنا عن ظواهر الكلام بلا دليل جر ذلك علينا ما لا قبل لنا به و أما أمير المؤمنين ع فإنه لم يقل ابن عمر البيعة بعد دخولها فيها و إنما استعفاه من أن يلزمه البيعة ابتداء فأعفاه قلة فكر فيه و علما بأن إمامته لا تثبت بمبايعة من يبايعه عليها فأين هذا من استقالة بيعة قد تقدمت و استقرت قلت أما قول أبي بكر وليتكم و لست بخيركم فقد صدق عند كثير من أصحابنا لأن خيرهم علي بن أبي طالب ع و من لا يقول بذلك يقول بما قاله الحسن البصري و الله إنه ليعلم أنه خيرهم و لكن المؤمن يهضم نفسه و لم يطعن المرتضى فيه بهذه اللفظة لنطيل القول فيها و أما قول المرتضى عنه أنه قال فإن لي شيطانا يعتريني عند غضبى فالمشهور في الرواية فإن لي شيطانا يعتريني قال المفسرون أراد بالشيطان الغضب و سماه شيطانا على طريق الاستعارة و كذا ذكره شيخنا أبو الحسين في الغرر قال معاوية لإنسان غضب في حضرته فتكلم بما لا يتكلم بمثله في حضرة الخلفاء اربع على ظلعك أيها الإنسان فإنما الغضب شيطان و أنا لم نقل إلا خيرا و قد ذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتاب التاريخ الكبير خطبتي أبي بكر عقيب بيعته بالسقيفة و نحن نذكرهما نقلا من كتابه أما الخطبة الأولى فهي

١٥٨

أما بعد أيها الناس فإني وليتكم و لست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني و إن أسأت فقوموني لأن الصدق أمانة و الكذب خيانة الضعيف منكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه و القوي منكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل و لا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء أطيعوني ما أطعت الله و رسوله فإذا عصيت الله و رسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم رحمكم الله و أما الخطبة الثانية فهي أيها الناس إنما أنا مثلكم و إني لا أدري لعلكم ستكلفونني ما كان رسول الله ص يطيقه إن الله اصطفى محمدا ص على العالمين و عصمه من الآفات و إنما أنا متبع و لست بمتبوع فإن استقمت فاتبعوني و إن زغت فقوموني و إن رسول الله ص قبض و ليس أحد من هذه الأمة يطلبه بمظلمة ضربة سوط فما دونها ألا و إن لي شيطانا يعتريني فإذا غضبت فاجتنبوني لا أؤثر في أشعاركم و أبشاركم ألا و إنكم تغدون و تروحون في أجل قد غيب عنكم علمه فإن استطعتم ألا يمضي هذا الأجل إلا و أنتم في عمل صالح فافعلوا و لن تستطيعوا ذلك إلا بالله فسابقوا في مهل آجالكم من قبل أن تسلمكم آجالكم إلى انقطاع الأعمال فإن قوما نسوا آجالهم و جعلوا أعمالهم لغيرهم فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم الجد الجد الوحا الوحا فإن وراءكم طالبا حثيثا أجل مره سريع احذروا الموت و اعتبروا بالآباء و الأبناء و الإخوان و لا تغبطوا الأحياء إلا بما يغبط به الأموات إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما يراد به وجهه فأريدوا وجه الله بأعمالكم و اعلموا

١٥٩

أن ما أخلصتم لله من أعمالكم فلطاعة أتيتموها و حظ ظفرتم به و ضرائب أديتموها و سلف قدمتموه من أيام فانية لأخرى باقية لحين فقركم و حاجتكم فاعتبروا عباد الله بمن مات منكم و تفكروا فيمن كان قبلكم أين كانوا أمس و أين هم اليوم أين الجبارون أين الذين كان لهم ذكر القتال و الغلبة في مواطن الحرب قد تضعضع بهم الدهر و صاروا رميما قد تركت عليهم القالات الخبيثات و إنما الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات و أين الملوك الذين أثاروا الأرض و عمروها قد بعدوا بسيئ ذكرهم و بقي ذكرهم و صاروا كلا شي‏ء ألا إن الله قد أبقى عليهم التبعات و قطع عنهم الشهوات و مضوا و الأعمال أعمالهم و الدنيا دنيا غيرهم و بقينا خلفا من بعدهم فإن نحن اعتبرنا بهم نجونا و إن اغتررنا كنا مثلهم أين الوضاء الحسنة وجوههم المعجبون بشبابهم صاروا ترابا و صار ما فرطوا فيه حسرة عليهم أين الذين بنوا المدائن و حصنوها بالحوائط و جعلوا فيها العجائب و تركوها لمن خلفهم فتلك مساكنهم خاوية و هم في ظلم القبور( هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ) أين من تعرفون من آبائكم و إخوانكم قد انتهت بهم آجالهم فوردوا على ما قدموا عليه و أقاموا للشقوة و للسعادة إلا إن الله لا شريك له ليس بينه و بين أحد من خلقه سبب يعطيه به خيرا و لا يصرف عنه به شرا إلا بطاعته و اتباع أمره و اعلموا أنكم عباد مدينون و أن ما عنده لا يدرك إلا بتقواه و عبادته ألا و إنه لا خير بخير بعده النار و لا شر بشر بعد الجنة فهذه خطبتا أبي بكر يوم السقيفة و اليوم الذي يليه إنما قال إن لي شيطانا يعتريني و أراد بالشيطان الغضب و لم يرد أن له شيطانا من مردة الجن يعتريه إذا

١٦٠