كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٧

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 286

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 286
المشاهدات: 39851
تحميل: 4250


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 286 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39851 / تحميل: 4250
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 17

مؤلف:
العربية

غضب فالزيادة فيما ذكره المرتضى في قوله إن لي شيطانا يعتريني عند غضبي تحريف لا محالة و لو كان له شيطان من الجن يعتاده و ينوبه لكان في عداد المصروعين من المجانين و ما ادعى أحد على أبي بكر هذا لا من أوليائه و لا من أعدائه و إنما ذكرنا خطبته على طولها و المراد منها كلمة واحدة لما فيها من الفصاحة و الموعظة على عادتنا في الاعتناء بإيداع هذا الكتاب ما كان ذاهبا هذا المذهب و سالكا هذا السبيل فأما قول المرتضى فهذه صفة من ليس بمعصوم فالأمر كذلك و العصمة عندنا ليست شرطا في الإمامة و لو لم يدل على عدم اشتراطها إلا أنه قال على المنبر بحضور الصحابة هذا القول و أقروه على الإمامة لكفى في عدم كون العصمة شرطا لأنه قد حصل الإجماع على عدم اشتراط ذلك إذ لو كان شرطا لأنكر منكر إمامته كما لو قال إني لا أصبر عن شرب الخمر و عن الزنا فأما قوله هذه صفة طائش لا يملك نفسه فلعمري إن أبا بكر كان حديدا و قد ذكره عمر بذلك و ذكره غيره من الصحابة بالحدة و السرعة و لكن لا بحيث أن تبطل به أهليته للإمامة لأن الذي يبطل الإمامة من ذلك و ما يخرج الإنسان عن العقل و أما ما هو دون ذلك فلا و ليس قوله فاجتنبوني لا أؤثر في أشعاركم و أبشاركم محمول على ظاهره و إنما أراد به المبالغة في وصف القوة الغضبية عنده و إلا فما سمعنا و لا نقل ناقل من الشيعة و لا من غير الشيعة أن أبا بكر في أيام رسول الله ص و لا في الجاهلية و لا في أيام خلافته احتد على إنسان فقام إليه فضربه بيده و مزق شعره فأما ما حكاه قاضي القضاة عن الشيخ أبي علي من تشبيه هذه اللفظة بما ورد في القرآن فهو على تقدير أن يكون أبو بكر عنى الشيطان حقيقة و ما اعترض به المرتضى ثانية عليه غير لازم لأن الله تعالى قال( فَوَسْوَسَ لَهُمَا اَلشَّيْطانُ ) و تعقب ذلك قبولهما

١٦١

وسوسته و أكلهما من الشجرة فكيف يقول المرتضى ليس قول أبي بكر بمنزلة من وسوس له الشيطان فلم يطعه و كذلك قوله تعالى في قصة موسى لما قتل القبطي( هذا مِنْ عَمَلِ اَلشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ) و كذلك قوله( فَأَزَلَّهُمَا اَلشَّيْطانُ عَنْها ) و قوله( أَلْقَى اَلشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) و ما ذهب إليه المرتضى من التأويلات مبني على مذهبه في العصمة الكلية و هو مذهب يحتاج في نصرته إلى تكلف شديد و تعسف عظيم في تأويل الآيات على أنه إذا سلم أن الشيطان ألقى في تلاوة الرسول ص ما ليس من القرآن حتى ظنه السامعون كلاما من كلام الرسول فقد نقض دلالة التنفير المقتضية عنده في العصمة لأنه لا تنفير عنده أبلغ من تمكين الله الشيطان أن يخلط كلامه بكلامه و رسوله يؤديه إلى المكلفين حتى يعتقد السامعون كلهم أن الكلامين كلام واحد و أما قوله إن آدم كان مندوبا إلى ألا يأكل من الشجرة لا محرم عليه أكلها و لفظة عصى إنما المراد بها خالف المندوب و لفظه غوى إنما المراد خاب من حيث لم يستحق الثواب على اعتماد ما ندب إليه فقول يدفعه ظاهر الآية لأن الصيغة صيغة النهي و هي قوله( وَ لا تَقْرَبا هذِهِ اَلشَّجَرَةَ ) و النهي عند المرتضى يقتضي التحريم لا محالة و ليس الأمر الذي قد يراد به الندب و قد يراد به الوجوب و أما قول شيخنا أبي علي إن كلام أبي بكر خرج مخرج الإشفاق و الحذر من المعصية عند الغضب فجيد و اعتراض المرتضى عليه بأنه ليس ظاهر اللفظ ذاك غير لازم لأن هذه عادة العرب يعبرون عن الأمر بما هو منه بسبب و سبيل كقولهم لا تدن من الأسد فيأكلك فليس أنهم قطعوا على الأكل عند الدنو و إنما المراد الحذر و الخوف و التوقع للأكل عند الدنو

١٦٢

و أما الكلام في قوله أقيلوني فلو صح الخبر لم يكن فيه مطعن عليه لأنه إنما أراد في اليوم الثاني اختبار حالهم في البيعة التي وقعت في اليوم الأول ليعلم وليه من عدوه منهم و قد روى جميع أصحاب السير أن أمير المؤمنين خطب في اليوم الثاني من بيعته فقال أيها الناس إنكم بايعتموني على السمع و الطاعة و أنا أعرض اليوم عليكم ما دعوتموني إليه أمس فإن أجبتم قعدت لكم و إلا فلا أجد على أحد و ليس بجيد قول المرتضى إنه لو كان يريد العرض و البذل لكان قد قال كذا و كذا فإن هذه مضايقة منه شديدة للألفاظ و لو شرعنا في مثل هذا لفسد أكثر ما يتكلم به الناس على أنا لو سلمنا أنه استقالهم البيعة حقيقة فلم قال المرتضى إن ذلك لا يجوز أ ليس يجوز للقاضي أن يستقيل من القضاء بعد توليته إياه و دخوله فيه فكذلك يجوز للإمام أن يستقيل من الإمامة إذا أنس من نفسه ضعفا عنها أو أنس من رعيته نبوة عنه أو أحس بفساد ينشأ في الأرض من جهة ولايته على الناس و من يذهب إلى أن الإمامة تكون بالاختيار كيف يمنع من جواز استقالة الإمام و طلبه إلى الأمة أن يختاروا غيره لعذر يعلمه من حال نفسه و إنما يمنع من ذلك المرتضى و أصحابه القائلون بأن الإمامة بالنص و إن الإمام محرم عليه ألا يقوم بالإمامة لأنه مأمور بالقيام بها لتعينه خاصة دون كل أحد من المكلفين و أصحاب الاختيار يقولون إذا لم يكن زيد إماما كان عمرو إماما عوضه لأنهم لا يعتبرون الشروط التي يعتبرها الإمامية من العصمة و أنه أفضل أهل عصره و أكثرهم ثوابا و أعلمهم و أشجعهم و غير ذلك من الشروط التي تقتضي تفرده و توحده بالأمر على أنه إذا جاز عندهم أن يترك الإمام الإمامة في الظاهر كما فعله الحسن و كما فعله غيره من الأئمة بعد الحسين ع للتقية جاز للإمام

١٦٣

على مذهب أصحاب الاختيار أن يترك الإمامة ظاهرا و باطنا لعذر يعلمه من حال نفسه أو حال رعيته

الطعن الثاني

قال قاضي القضاة بعد أن ذكر قول عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة و قد تقدم منا القول في ذلك في أول هذا الكتاب و مما طعنوا به على أبي بكر أنه قال عند موته ليتني كنت سألت رسول الله ص عن ثلاثة فذكر في أحدها ليتني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر حق قالوا و ذلك يدل على شكه في صحة بيعته و ربما قالوا قد روي أنه قال في مرضه ليتني كنت تركت بيت فاطمة لم أكشفه و ليتني في ظلة بني ساعدة كنت ضربت على يد أحد الرجلين فكان هو الأمير و كنت الوزير قالوا و ذلك يدل على ما روي من إقدامه على بيت فاطمة ع عند اجتماع علي ع و الزبير و غيرهما فيه و يدل على أنه كان يرى الفضل لغيره لا لنفسه قال قاضي القضاة و الجواب أن قوله ليتني لا يدل على الشك فيما تمناه و قول إبراهيم ع( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ اَلْمَوْتى‏ قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى‏ وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) أقوى من ذلك في الشبهة ثم حمل تمنيه على أنه أراد سماع شي‏ء مفصل أو أراد ليتني سألته عند الموت لقرب العهد لأن ما قرب عهده لا ينسى و يكون أردع للأنصار على ما حاولوه ثم قال على أنه ليس في ظاهره أنه تمنى أن

١٦٤

يسأل هل لهم حق في الإمامة أم لا لأن الإمامة قد يتعلق بها حقوق سواها ثم دفع الرواية المتعلقة ببيت فاطمة ع و قال فأما تمنيه أن يبايع غيره فلو ثبت لم يكن ذما لأن من اشتد التكليف عليه فهو يتمنى خلافه اعترض المرتضىرحمه‌الله هذا الكلام فقال ليس يجوز أن يقول أبو بكر ليتني كنت سألت عن كذا إلا مع الشك و الشبهة لأن مع العلم و اليقين لا يجوز مثل هذا القول هكذا يقتضي الظاهر فأما قول إبراهيم ع فإنما ساغ أن يعدل عن ظاهره لأن الشك لا يجوز على الأنبياء و يجوز على غيرهم على أنه ع قد نفى عن نفسه الشك بقوله( بَلى‏ وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) و قد قيل إن نمرود قال له إذا كنت تزعم أن لك ربا يحيي الموتى فاسأله أن يحيي لنا ميتا إن كان على ذلك قادرا فإن لم تفعل ذلك قتلتك فأراد بقوله( وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) أي لآمن توعد عدوك لي بالقتل و قد يجوز أن يكون طلب ذلك لقومه و قد سألوه أن يرغب إلى الله تعالى فيه فقال ليطمئن قلبي إلى إجابتك لي و إلى إزاحة علة قومي و لم يرد ليطمئن قلبي إلى أنك تقدر على أن تحيي الموتى لأن قلبه قد كان بذلك مطمئنا و أي شي‏ء يريد أبو بكر من التفضيل أكثر من قوله إن هذا الأمر لا يصلح إلا لهذا الحي من قريش و أي فرق بين ما يقال عند الموت و بين ما يقال قبله إذا كان محفوظا معلوما لم ترفع كلمة و لم تنسخ و بعد فظاهر الكلام لا يقتضي هذا التخصيص و نحن مع الإطلاق و الظاهر و أي حق يجوز أن يكون للأنصار في الإمامة غير أن يتولاها رجل منهم حتى يجوز أن يكون الحق الذي تمنى أن يسأل عنه غير الإمامة و هل هذا إلا تعسف و تكلف

١٦٥

و أي شبهة تبقى بعد قول أبي بكر ليتني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر حق فكنا لا ننازعه أهله و معلوم أن التنازع لم يقع بينهم إلا في الإمامة نفسها لا في حق آخر من حقوقها فأما قوله إنا قد بينا أنه لم يكن منه في بيت فاطمة ما يوجب أن يتمنى أنه لم يفعله فقد بينا فساد ما ظنه فيما تقدم فأما قوله إن من اشتد التكليف عليه قد يتمنى خلافه فليس بصحيح لأن ولاية أبي بكر إذا كانت هي التي اقتضاها الدين و النظر للمسلمين في تلك الحال و ما عداها كان مفسدة و مؤديا إلى الفتنة فالتمني لخلافها لا يكون إلا قبيحا قلت أما قول قاضي القضاة إن هذا التمني لا يقتضي الشك في أن الإمامة لا تكون إلا في قريش كما أن قول إبراهيم( وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) لا يقتضي الشك في أنه تعالى قادر على ذلك فجيد فأما قول المرتضى إنما ساغ أن يعدل عن الظاهر في حق إبراهيم لأنه نبي معصوم لا يجوز عليه الشك فيقال له و كذلك ينبغي أن يعدل عن ظاهر كلام أبي بكر لأنه رجل مسلم عاقل فحسن الظن به يقتضي صيانة أفعاله و أقواله عن التناقض قوله إن إبراهيم قد نفى عن نفسه الشك بقوله بَلى‏ وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قلنا إن أبا بكر قد نفى عن نفسه الشك بدفع الأنصار عن الإمامة و إثباتها في قريش خاصة فإن كانت لفظة بلى دافعة لشك إبراهيم الذي يقتضيه قوله( وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) ففعل أبي بكر و قوله يوم السقيفة

١٦٦

يدفع الشك الذي يقتضيه قوله ليتني سألته و لا فرق في دفع الشك بين أن يتقدم الدافع أو يتأخر أو يقارن ثم يقال للمرتضى أ لست في هذا الكتاب و هو الشافي بينت أن قصة السقيفة لم يجر فيها ذكر نص عن رسول الله ص بأن الأئمة من قريش و أنه لم يكن هناك إلا احتجاج أبي بكر و عمر بأن قريشا أهل النبي ص و عشيرته و أن العرب لا تطيع غير قريش و ذكرت عن الزهري و غيره أن القول الصادر عن أبي بكر إن هذا الأمر لا يصلح إلا لهذا الحي من قريش ليس نصا مرويا عن رسول الله ص و إنما هو قول قاله أبو بكر من تلقاء نفسه و رويت في ذلك الروايات و نقلت من الكتب من تاريخ الطبري و غيره صورة الكلام و الجدال الدائر بينه و بين الأنصار فإذا كان هذا قولك فلم تنكر على أبي بكر قوله ليتني كنت سألت رسول الله ص هل للأنصار في هذا الأمر حق لأنه لم يسمع النص و لا رواه و لا روي له و إنما دفع الأنصار بنوع من الجدل فلا جرم بقي في نفسه شي‏ء من ذلك و قال عند موته ليتني كنت سألت رسول الله ص و ليس ذلك مما يقتضي شكه في بيعته كما زعم الطاعن لأنه إنما يشك في بيعته لو كان قال قائل أو ذهب ذاهب إلى أن الإمامة ليست إلا في الأنصار و لم يقل أحد ذلك بل النزاع كان في هل الإمامة مقصورة على قريش خاصة أم هي فوضى بين الناس كلهم و إذا كانت الحال هذه لم يكن شاكا في إمامته و بيعته بقوله ليتني سألت رسول الله ص هل للأنصار في هذا حق لأن بيعته على كلا التقديرين تكون صحيحة

١٦٧

فأما قول قاضي القضاة لعله أراد حقا للأنصار غير الإمامة نفسها فليس بجيد و الذي اعترضه به المرتضى جيد فإن الكلام لا يدل إلا على الإمامة نفسها و لفظة المنازعة تؤكد ذلك و أما حديث الهجوم على بيت فاطمة ع فقد تقدم الكلام فيه و الظاهر عندي صحة ما يرويه المرتضى و الشيعة و لكن لا كل ما يزعمونه بل كان بعض ذلك و حق لأبي بكر أن يندم و يتأسف على ذلك و هذا يدل على قوة دينه و خوفه من الله تعالى فهو بأن يكون منقبة له أولى من كونه طعنا عليه فأما قول قاضي القضاة إن من اشتد التكليف عليه فقد يتمنى خلافه و اعتراض المرتضى عليه فكلام قاضي القضاة أصح و أصوب لأن أبا بكر و إن كانت ولايته مصلحة و ولاية غير مفسدة فإنه ما يتمنى أن يكون الإمام غيره مع استلزام ذلك للمفسدة بل تمنى أن يلي الأمر غيره و تكون المصلحة بحالها أ لا ترى أن خصال الكفارة في اليمين كل واحدة منها مصلحة و ما عداها لا يقوم مقامها في المصلحة و أحدها يقوم مقام الأخرى في المصلحة فأبو بكر تمنى أن يلي الأمر عمر أو أبو عبيدة بشرط أن تكون المصلحة الدينية التي تحصل من بيعته حاصلة من بيعة كل واحد من الآخرين

الطعن الثالث

قالوا إنه ولي عمر الخلافة و لم يوله رسول الله ص شيئا

١٦٨

من أعماله البتة إلا ما ولاه يوم خيبر فرجع منهزما و ولاه الصدقة فلما شكاه العباس عزله أجاب قاضي القضاة بأن تركه ع أن يوليه لا يدل على أنه لا يصلح لذلك و توليته إياه لا يدل على صلاحيته للإمامة فإنه ص قد ولى خالد بن الوليد و عمرو بن العاص و لم يدل ذلك على صلاحيتهما للإمامة و كذلك تركه أن يولي لا يدل على أنه غير صالح بل المعتبر بالصفات التي تصلح للإمامة فإذا كملت صلح لذلك ولي من قبل أو لم يول و قد ثبت أن النبي ص ترك أن يولي أمير المؤمنين ع أمورا كثيرة و لم يجب إلا من يصلح لها و ثبت أن أمير المؤمنين ع لم يول الحسين ع ابنه و لم يمنع ذلك من أن يصلح للإمامة و حكي عن أبي علي أن ذلك إنما كان يصح أن يتعلق به لو ظفروا بتقصير من عمر فيما تولاه فأما و أحواله معروفة في قيامه بالأمر حين يعجز غيره فكيف يصح ما قالوه و بعد فهلا دل ما روي من قوله و إن تولوا عمر تجدوه قويا في أمر الله قويا في بدنه على جواز ذلك و إن ترك النبي ص توليته لأن هذا القول أقوى من الفعل اعترض المرتضىرحمه‌الله فقال قد علمنا بالعادة أن من ترشح لكبار الأمور لا بد من أن يدرج إليها بصغارها لأن من يريد بعض الملوك تأهيله للأمر من بعده لا بد من أن ينبه عليه بكل قول و فعل يدل على ترشيحه لهذه المنزلة و يستكفيه من أمور ولاياته ما يعلم عنده أو يغلب على ظنه صلاحه لما يريده له و إن من يرى الملك مع حضوره و امتداد الزمان و تطاوله لا يستكفيه شيئا من الولايات و متى ولاه عزله و إنما يولي غيره و يستكفي سواه لا بد أن يغلب في الظن أنه ليس بأهل للولاية و إن جوزنا أنه لم يوله لأسباب كثيرة سوى أنه لا يصلح للولاية إلا أن مع هذا التجويز لا بد أن

١٦٩

يغلب على الظن بما ذكرناه فأما خالد و عمرو فإنما لم يصلحا للإمامة لفقد شروط الإمامة فيهما و إن كانا يصلحان لما ولياه من الإمارة فترك الولاية مع امتداد الزمان و تطاول الأيام و جميع الشروط التي ذكرناها تقتضي غلبه الظن لفقد الصلاح و الولاية لشي‏ء لا تدل على الصلاح لغيره إذا كانت الشرائط في القيام بذلك الغير معلوما فقدها و قد نجد الملك يولي بعض أموره من لا يصلح للملك بعده لظهور فقد الشرائط فيه و لا يجوز أن يكون بحضرته من يرشحه للملك بعده ثم لا يوليه على تطاول الزمان شيئا من الولايات فبان الفرق بين الولاية و تركها فيما ذكرناه فأما أمير المؤمنين ع و إن يتول جميع أمور النبي ص في حياته فقد تولى أكثرها و أعظمها و خلفه في المدينة و كان الأمير على الجيش المبعوث إلى خيبر و جرى الفتح على يديه بعد انهزام من انهزم منها و كان المؤدي عنه سورة براءة بعد عزل من عزل عنها و ارتجاعها منه إلى غير ذلك من عظيم الولايات و المقامات بما يطول شرحه و لو لم يكن إلا أنه لم يول عليه واليا قط لكفى فأما اعتراضه بأن أمير المؤمنين ع لم يول الحسين فبعيد عن الصواب لأن أيام أمير المؤمنين ع لم تطل فيتمكن فيها من مراداته و كانت على قصرها منقسمة بين قتال الأعداء لأنه ع لما بويع لم يلبث أن خرج عليه أهل البصرة فاحتاج إلى قتالهم ثم انكفأ من قتالهم إلى قتال أهل الشام و تعقب ذلك قتال أهل النهروان و لم تستقر به الدار و لا امتد به الزمان و هذا بخلاف أيام النبي ص التي تطاولت و امتدت على أنه قد نص عليه بالإمامة بعد أخيه الحسن و إنما تطلب الولايات لغلبة الظن بالصلاح للإمامة فإن كان هناك وجه يقتضي العلم بالصلاح لها كان أولى من طريق الظن على أنه

١٧٠

لا خلاف بين المسلمين أن الحسين ع كان يصلح للإمامة و إن لم يوله أبوه الولايات و في مثل ذلك خلاف من حال عمر فافترق الأمران فأما قوله إنه لم يعثر على عمر بتقصير في الولاية فمن سلم بذلك أ و ليس يعلم أن مخالفته تعد تقصيرا كثيرا و لو لم يكن إلا ما اتفق عليه من خطئه في الأحكام و رجوعه من قول إلى غيره و استفتائه الناس في الصغير و الكبير و قوله كل الناس أفقه من عمر لكان فيه كفاية و ليس كل النهوض بالإمامة يرجع إلى حسن التدبير و السياسة الدنياوية و رم الأعمال و الاستظهار في جباية الأموال و تمصير الأمصار و وضع الأعشار بل حظ الإمامة من العلم بالأحكام و الفتيا بالحلال و الحرام و الناسخ و المنسوخ و المحكم و المتشابه أقوى فمن قصر في هذا لم ينفعه أن يكون كاملا في ذلك فأما قوله فهلا دل ما روي من قوله ع فإن وليتم عمر وجدتموه قويا في أمر الله قويا في بدنه فهذا لو ثبت لدل و قد تقدم القول عليه و أقوى ما يبطله عدول أبي بكر عن ذكره و الاحتجاج به لما أراد النص على عمر فعوتب على ذلك و قيل له ما تقول لربك إذ وليت علينا فظا غليظا فلو كان صحيحا لكان يحتج به و يقول وليت عليكم من شهد النبي ص بأنه قوي في أمر الله قوي في بدنه و قد قيل في الطعن على صحة هذا الخبر إن ظاهره يقتضي تفضيل عمر على أبي بكر و الإجماع بخلاف ذلك لأن القوة في الجسم فضل قال الله تعالى( إِنَّ اَللَّهَ اِصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي اَلْعِلْمِ وَ اَلْجِسْمِ ) و بعد فكيف يعارض ما اعتمدناه من عدوله ع عن ولايته و هو أمر معلوم بهذا الخبر المردود المدفوع قلت أما ما ادعاه من عادة الملوك فالأمر بخلافه فإنا قد وقفنا على سير الأكاسرة و ملوك الروم و غيرهم فما سمعنا أن أحدا منهم رشح ولده

١٧١

للملك بعده باستعماله على طرف من الأطراف و لا جيش من الجيوش و إنما كانوا يثقفونهم بالآداب و الفروسية في مقار ملكهم لا غير و الحال في ملوك الإسلام كذلك فقد سمعنا بالدولة الأموية و رأينا الدولة العباسية فلم نعرف الدولة التي ادعاها المرتضى و إنما قد يقع في الأقل النادر شي‏ء مما أشار إليه و الأغلب الأكثر خلاف ذلك على أن أصحابنا لا يقولون إن عمر كان مرشحا للخلافة بعد رسول الله ص ليقال لهم فلو كان قد رشحه للخلافة بعده لاستكفاه كثيرا من أموره و إنما عمر مرشح عندهم في أيام أبي بكر للخلافة بعد أبي بكر و قد كان أبو بكر استعمله على القضاء مدة خلافته بل كان هو الخليفة في المعنى لأنه فوض إليه أكثر التدبير فعلى هذا يكون قد سلمنا أن ترك استعمال النبي ص لعمر يدل على أنه غير مرشح في نظره للخلافة بعده و كذلك نقول و لا يلزم من ذلك ألا يكون خليفة بعد أبي بكر على أنا لا نسلم أنه ما استعمله فقد ذكر الواقدي و ابن إسحاق أنه بعثه في سرية في سنة سبع من الهجرة إلى الوادي المعروف ببرمة بضم الباء و فتح الراء و بها جمع من هوازن فخرج و معه دليل من بني هلال و كانوا يسيرون الليل و يكمنون النهار و أتى الخبر هوازن فهربوا و جاء عمر محالهم فلم يلق منهم أحدا فانصرف إلى المدينة ثم يعارض المرتضى بما ذكره قاضي القضاة من ترك تولية علي ابنه الحسين ع و قوله في العذر عن ذلك إن عليا ع كان ممنوا بحرب البغاة و الخوارج لا يدفع المعارضة لأن تلك الأيام التي هي أيام حروبه مع هؤلاء هي الأيام التي كان ينبغي أن يولي الحسين ع بعض الأمور فيها كاستعماله على جيش ينفذه سرية إلى بعض الجهات و استعماله على الكوفة بعد خروجه منها إلى حرب صفين أو استعماله على القضاء

١٧٢

و ليس اشتغاله بالحرب بمانع له عن ولاية ولده و قد كان مشتغلا بالحرب و هو يولي بني عمه العباس الولايات و البلاد الجليلة فأما قوله على أنه قد نص عليه بالإمامة بعد أخيه الحسن فهذا يغني عن توليته شيئا من الأعمال فلقائل أن يمنع ما ذكره من حديث النص فإنه أمر تنفرد به الشيعة و أكثر أرباب السير و التواريخ لا يذكرون أن أمير المؤمنين ع نص على أحد ثم إن ساغ له ذلك ساغ لقاضي القضاة أن يقول إن قول النبي ص اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر و عمر يغني عن تولية عمر شيئا من الولايات لأن هذا القول آكد من الولاية في ترشحه للخلافة فأما قوله على أنه لا خلاف بين المسلمين في صلاحية الحسين للخلافة و إن لم يوله أبوه الولايات و في عمر خلاف ظاهر بين المسلمين فلقائل أن يقول له إجماع المسلمين على صلاحية الحسين للخلافة لا يدفع المعارضة بل يؤكدها لأنه إذا كان المسلمون قد أجمعوا على صلاحيته للخلافة و لم يكن ترك تولية أبيه إياه الولايات قادحا في صلاحيته لها بعده جاز أيضا أن يكون ترك تولية رسول الله ص عمر الولايات في حياته غير قادح في صلاحيته للخلافة بعده ثم ما ذكره من تقصير عمر في الخلافة بطريق اختلاف أحكامه و رجوعه إلى فتاوى العلماء فقد ذكرنا ذلك فيما تقدم لما تكلمنا في مطاعن الشيعة على عمر و أجبنا عنه و أما قوله لا يغني حسن التدبير و السياسة و رم الأمور مر القصور في الفقه فأصحابنا يذهبون إلى أنه إذا تساوى اثنان في خصال الإمامة إلا أنه كان أحدهما أعلم و الآخر

١٧٣

أسوس فإن الأسوس أولى بالإمامة لأن حاجة الإمامة إلى السياسة و حسن التدبير آكد من حاجتها إلى العلم و الفقه و أما الخبر المروي في عمر و هو قوله و إن تولوها عمر فيجوز ألا يكون أبو بكر سمعه من رسول الله ص و يكون الراوي له غيره و يجوز أن يكون سمعه و شذ عنه أن يحتج به على طلحة لما أنكر استخلاف عمر و يجوز ألا يكون شذ عنه و ترك الاحتجاج به استغناء عنه لعلمه أن طلحة لا يعتد بقوله عند الناس إذا عارض قوله و لعله كنى عن هذا النص بقوله إذا سألني ربي قلت له استخلفت عليهم خير أهلك على أنا متى فتحنا باب هلا احتج فلان بكذا جر علينا ما لا قبل لنا به و قيل هلا احتج علي ع على طلحة و عائشة و الزبير بقول رسول الله ص من كنت مولاه فهذا علي مولاه و هلا احتج عليهم بقوله أنت مني بمنزله هارون من موسى و لا يمكن الشيعة أن يعتذروا هاهنا بالتقية لأن السيوف كانت قد سلت من الفريقين و لم يكن مقام تقية و أما قوله هذا الخبر لو صح لاقتضى أن يكون عمر أفضل من أبي بكر و هو خلاف إجماع المسلمين فلقائل أن يقول لم قلت إن المسلمين أجمعوا على أن أبا بكر أفضل من عمر مع أن كتب الكلام و التصانيف المصنفة في المقالات مشحونة بذكر الفرقة العمرية و هم القائلون إن عمر أفضل من أبي بكر و هي طائفة عظيمة من المسلمين يقال إن عبد الله بن مسعود منهم و قد رأيت أن جماعة من الفقهاء يذهبون إلى هذا و يناظرون عليه على أنه لا يدل الخبر على ما ذكره المرتضى لأنه و إن كان عمر أفضل منه باعتبار قوة البدن فلا يدل على أنه أفضل منه مطلقا فمن الجائز أن يكون بإزاء هذه الخصلة خصال كثيرة في أبي بكر من خصال الخير يفضل بها على عمر

١٧٤

أ لا ترى أنا نقول أبو دجانة أفضل من أبي بكر بجهاده بالسيف في مقام الحرب و لا يلزم من ذلك أن يكون أفضل منه مطلقا لأن في أبي بكر من خصال الفضل ما إذا قيس بهذه الخصلة أربى عليها أضعافا مضاعفة

الطعن الرابع

قالوا إن أبا بكر كان في جيش أسامة و إن رسول الله ص كرر حين موته الأمر بتنفيذ جيش أسامة فتأخره يقتضي مخالفة الرسول ص فإن قلتم إنه لم يكن في الجيش قيل لكم لا شك أن عمر بن الخطاب كان في الجيش و أنه حبسه و منعه من النفوذ مع القوم و هذا كالأول في أنه معصية و ربما قالوا إنه ص جعل هؤلاء القوم في جيش أسامة ليبعدوا بعد وفاته عن المدينة فلا يقع منهم توثب على الإمامة و لذلك لم يجعل أمير المؤمنين ع في ذلك الجيش و جعل فيه أبا بكر و عمر و عثمان و غيرهم و ذلك من أوكد الدلالة على أنه لم يرد أن يختاروا للإمامة أجاب قاضي القضاة بأن أنكر أولا أن يكون أبو بكر في جيش أسامة و أحال على كتب المغازي ثم سلم ذلك و قال إن الأمر لا يقتضي الفور فلا يلزم من تأخر أبي بكر عن النفوذ أن يكون عاصيا ثم قال إن خطابه ص بتنفيذ الجيش يجب أن يكون متوجها إلى القائم بعده لأنه من خطاب الأئمة و هذا يقتضي ألا يدخل المخاطب بالتنفيذ في الجملة ثم قال و هذا يدل على أنه لم يكن هناك إمام منصوص عليه لأنه لو كان لأقبل بالخطاب عليه و خصه بالأمر بالتنفيذ دون الجميع

١٧٥

ثم ذكر أن أمر رسول الله ص لا بد أن يكون مشروطا بالمصلحة و بأن لا يعرض ما هو أهم منه لأنه لا يجوز أن يأمرهم بالنفوذ و إن أعقب ضررا في الدين ثم قوى ذلك بأنه لم ينكر على أسامة تأخره و قوله لم أكن لأسأل عنك الركب ثم قال لو كان الإمام منصوصا عليه لجاز أن يسترد جيش أسامة أو بعضه لنصرته و كذلك إذا كان بالاختيار ثم حكى عن الشيخ أبي علي استدلاله على أن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة بأنه ولاه الصلاة في مرضه مع تكريره أمر الجيش بالنفوذ و الخروج ثم ذكر أن الرسول ص إنما يأمر بما يتعلق بمصالح الدنيا من الحروب و نحوها عن اجتهاده و ليس بواجب أن يكون ذلك عن وحي كما يجب في الأحكام الشرعية و أن اجتهاده يجوز أن يخالف بعد وفاته و إن لم يجز في حياته لأن اجتهاده في الحياة أولى من اجتهاد غيره ثم ذكر أن العلة في احتباس عمر عن الجيش حاجة أبي بكر إليه و قيامه بما لا يقوم به غيره و أن ذلك أحوط للدين من نفوذه ثم ذكر أن أمير المؤمنين ع حارب معاوية بأمر الله تعالى و أمر رسوله و مع هذا فقد ترك محاربته في بعض الأوقات و لم يجب بذلك ألا يكون متمثلا للأمر و ذكر توليته ع أبا موسى و تولية الرسول ص خالد بن الوليد مع ما جرى منهما و أن ذلك يقتضي الشرط ثم ذكر أن من يصلح للإمامة ممن ضمه جيش أسامة يجب تأخيره ليختار للإمامة أحدهم فإن ذلك أهم من نفوذهم فإذا جاز لهذه العلة التأخير قبل العقد جاز التأخير بعده للمعاضدة و غيرها و طعن في قول من جعل أن إخراجهم في الجيش على جهة الإبعاد لهم عن المدينة بأن قال إن بعدهم عن المدينة لا يمنع من أن يختاروا للإمامة

١٧٦

و لأنه ع لم يكن قاطعا على موته لا محالة لأنه لم يرد نفذوا جيش أسامة في حياتي ثم ذكر أن ولاية أسامة عليهما لا تقتضي فضله و أنهما دونه و ذكر ولاية عمرو بن العاص عليهما و إن لم يكونا دونه في الفضل و أن أحدا لم يفضل أسامة عليهما ثم ذكر أن السبب في كون عمر من جملة جيش أسامة أن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي قال عند ولاية أسامة تولى علينا شاب حدث و نحن مشيخة قريش فقال عمر يا رسول الله مرني حتى أضرب عنقه فقد طعن في تأميرك إياه ثم قال أنا أخرج في جيش أسامة تواضعا و تعظيما لأمره ع اعترض المرتضى هذه الأجوبة فقال أما كون أبي بكر في جملة جيش أسامة فظاهر قد ذكره أصحاب السير و التواريخ و قد روى البلاذري في تاريخه و هو معروف بالثقة و الضبط و بري‏ء من ممالاة الشيعة و مقاربتها أن أبا بكر و عمر معا كانا في جيش أسامة و الإنكار لما يجري هذا المجرى لا يغني شيئا و قد كان يجب على من أحال بذلك على كتب المغازي في الجملة أن يومئ إلى الكتاب المتضمن لذلك بعينه ليرجع إليه فأما خطابه ع بالتنفيذ للجيش فالمقصود به الفور دون التراخي إما من حيث مقتضى الأمر على مذهب من يرى ذلك لغة و إما شرعا من حيث وجدنا جميع الأمة من لدن الصحابة إلى هذا الوقت يحملون أوامره على الفور و يطلبون في تراخيها الأدلة ثم لو لم يثبت كل ذلك لكان قول أسامة لم أكن لأسأل عنك الركب أوضح دليل على أنه عقل من الأمر الفور لأن سؤال الركب عنه ع بعد وفاته لا معنى له

١٧٧

و أما قول صاحب الكتاب إنه لم ينكر على أسامة تأخره فليس بشي‏ء و أي إنكار أبلغ من تكراره الأمر و ترداده القول في حال يشغل عن المهم و يقطع الفكر إلا فيها و قد كرر الأمر على المأمور تارة بتكرار الأمر و أخرى بغيره و إذا سلمنا أن أمره ع كان متوجها إلى القائم بعده بالأمر لتنفيذ الجيش بعد الوفاة لم يلزم ما ذكره من خروج المخاطب بالتنفيذ عن الجملة و كيف يصح ذلك و هو من جملة الجيش و الأمر متضمن تنفيذ الجيش فلا بد من نفوذ كل من كان في جملته لأن تأخر بعضهم يسلب النافذين اسم الجيش على الإطلاق أ و ليس من مذهب صاحب الكتاب أن الأمر بالشي‏ء أمر بما لا يتم إلا معه و قد اعتمد على هذا في مواضع كثيرة فإن كان خروج الجيش و نفوذه لا يتم إلا بخروج أبي بكر فالأمر بخروج الجيش أمر لأبي بكر بالنفوذ و الخروج و كذلك لو أقبل عليه على سبيل التخصيص و قال نفذوا جيش أسامة و كان هو من جملة الجيش فلا بد أن يكون ذلك أمرا له بالخروج و استدلاله على أنه لم يكن هناك إمام منصوص عليه بعموم الأمر بالتنفيذ ليس بصحيح لأنا قد بينا أن الخطاب إنما توجه إلى الحاضرين و لم يتوجه إلى الإمام بعده على أن هذا لازم له لأن الإمام بعده لا يكون إلا واحدا فلم عمم الخطاب و لم يفرد به الواحد فيقول لينفذ القائم من بعدي بالأمر جيش أسامة فإن الحال لا يختلف في كون الإمام بعده واحدا بين أن يكون منصوصا عليه أو مختارا و أما ما ادعاه أن الشرط في أمره ع لهم بالنفوذ فباطل لأن إطلاق الأمر يمنع من إثبات الشرط و إنما يثبت من الشروط ما يقتضي الدليل إثباته من التمكن و القدرة لأن ذلك شرط ثابت في كل أمر ورد من حكيم و المصلحة بخلاف ذلك لأن الحكيم لا يأمر بشرط المصلحة بل إطلاق الأمر منه يقتضي ثبوت المصلحة و انتفاء المفسدة و ليس كذلك التمكن و ما يجري مجراه و لهذا لا يشترط

١٧٨

أحد في أوامر الله تعالى و رسوله ص بالشرائع المصلحة و انتفاء المفسدة و شرطوا في ذلك التمكن و رفع التعذر و لو كان الإمام منصوصا عليه بعينه و اسمه لما جاز أن يسترد جيش أسامة بخلاف ما ظنه و لا يعزل من ولاه ع و لا يولي من عزله للعلة التي ذكرناها فأما استدلال أبي علي على أن أبا بكر لم يكن في الجيش بحديث الصلاة فأول ما فيه أنه اعتراف بأن الأمر بتنفيذ الجيش كان في الحياة دون بعد الوفاة و هذا ناقض لما بنى صاحب الكتاب عليه أمره ع ثم إنا قد بينا أنه ع لم يوله الصلاة و ذكرنا ما في ذلك ثم ما المانع من أن يوليه تلك الصلاة إن كان ولاه إياها ثم يأمره بالنفوذ من بعد مع الجيش فإن الأمر بالصلاة في تلك الحال لا يقتضي أمره بها على التأبيد و أما ادعاؤه أن النبي ص يأمر بالحروب و ما يتصل بها عن اجتهاد دون الوحي فمعاذ الله أن يكون صحيحا لأن حروبه ع لم تكن مما يختص بمصالح أمور الدنيا بل للدين فيها أقوى تعلق لما يعود على الإسلام و أهله بفتوحه من العز و القوة و علو الكلمة و ليس يجري ذلك مجرى أكله و شربه و نومه لأن ذلك لا تعلق له بالدين فيجوز أن يكون عن رأيه و لو جاز أن تكون مغازيه و بعوثه مع التعلق القوي لها بالدين عن اجتهاد لجاز ذلك في الأحكام ثم لو كان ذلك عن اجتهاد لما ساغت مخالفته فيه بعد وفاته كما لا تسوغ في حياته فكل علة تمنع من أحد الأمرين هي مانعة من الآخر فأما الاعتذار له عن حبس عمر عن الجيش بما ذكره فباطل لأنا قد قلنا إن ما يأمر به ع لا يسوغ مخالفته مع الإمكان و لا مراعاة لما عساه يعرض فيه من رأي غيره و أي حاجة إلى عمر بعد تمام العقد و استقراره و رضا الأمة به على طريق المخالف و إجماعها عليه و لم يكن

١٧٩

هناك فتنة و لا تنازع و لا اختلاف يحتاج فيه إلى مشاورته و تدبيره و كل هذا تعلل باطل فأما محاربة أمير المؤمنين ع معاوية فإنما كان مأمورا بها مع التمكن و وجود الأنصار و قد فعل ع من ذلك ما وجب عليه لما تمكن منه فأما مع التعذر و فقد الأنصار فما كان مأمورا بها و ليس كذلك القول في جيش أسامة لأن تأخر من تأخر عنه كان مع القدرة و التمكن فأما تولية أبي موسى فلا ندري كيف يشبه ما نحن فيه لأنه إنما ولاه بأن يرجع إلى كتاب الله تعالى فيحكم فيه و في خصمه بما يقتضيه و أبو موسى فعل خلاف ما جعل إليه فلم يكن ممتثلا لأمر من ولاه و كذلك خالد بن الوليد إنما خالف ما أمره به الرسول ص فتبرأ من فعله و كل هذا لا يشبه أمره ع بتنفيذ جيش أسامة أمرا مطلقا و تأكيده ذلك و تكراره له فأما جيش أسامة فإنه لم يضم من يصلح للإمامة فيجوز تأخرهم ليختار أحدهم على ما ظنه صاحب الكتاب على أن ذلك لو صح أيضا لم يكن عذرا في التأخر لأن من خرج في الجيش يمكن أن يختار و إن كان بعيدا و لا يمنع بعده من صحة الاختيار و قد صرح صاحب الكتاب بذلك ثم لو صح هذا العذر لكان عذرا في التأخر قبل العقد فأما بعد إبرامه فلا عذر فيه و المعاضدة التي ادعاها قد بينا ما فيها فأما ادعاء صاحب الكتاب رادا على من جعل إخراج القوم في الجيش ليتم أمر النص أن من أبعدهم لا يمنع أن يختاروا للإمامة فيدل على أنه لم يتبين معنى هذا الطعن على حقيقته لأن الطاعن به لا يقول إنه أبعدهم لئلا يختاروا للإمامة و إنما يقول إنه أبعدهم حتى ينتصب بعده في الأرض من نص عليه و لا يكون هناك من ينازعه و يخالفه

١٨٠