كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٧

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 286

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 286
المشاهدات: 39862
تحميل: 4251


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 286 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39862 / تحميل: 4251
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 17

مؤلف:
العربية

و أما قوله لم يكن قاطعا علي موته فلا يضر تسليمه أ ليس كان مشفقا و خائفا و على الخائف أن يتحرز ممن يخاف منه فأما قوله فإنه لم يرد نفذوا الجيش في حياتي فقد بينا ما فيه فأما ولاية أسامة على من ولي عليه فلا بد من اقتضائها لفضله على الجماعة فيما كان واليا فيه و قد دللنا فيما تقدم من الكتاب على أن ولاية المفضول على الفاضل فيما كان أفضل منه فيه قبيحة فكذلك القول في ولاية عمرو بن العاص عليها فيما تقدم و القول في الأمرين واحد و قوله إن أحدا لم يدع فضل أسامة على أبي بكر و عمر فليس الأمر علي ما ظنه لأن من ذهب إلى فساد إمامة المفضول لا بد من أن يفضل أسامة عليهما فيما كان واليا فيه فأما ادعاؤه ما ذكره من السبب في دخول عمر في الجيش فما نعرفه و لا وقفنا عليه إلا من كتابه ثم لو صح لم يغن شيئا لأن عمر لو كان أفضل من أسامة لمنعه الرسول ص من الدخول في إمارته و المسير تحت لوائه و التواضع لا يقتضي فعل القبيح قلت إن الكلام في هذا الفصل قد تشعب شعبا كثيرة و المرتضىرحمه‌الله لا يورد كلام قاضي القضاة بنصه و إنما يختصره و يورده مبتورا و يومئ إلى المعاني إيماء لطيفا و غرضه الإيجاز و لو أورد كلام قاضي القضاة بنصه لكان أليق و كان أبعد عن الظنة و أدفع لقول قائل من خصومه إنه يحرف كلام قاضي القضاة و يذكر على غير وجه أ لا ترى أن من نصب نفسه لاختصار كلام فقد ضمن على نفسه أنه قد فهم معاني ذلك الكلام حتى يصح منه اختصاره و من الجائز أن يظن أنه قد فهم

١٨١

بعض المواضع و لم يكن قد فهمه على الحقيقة فيختصر ما في نفسه لا ما في تصنيف ذلك الشخص و أما من يورد كلام الناس بنصه فقد استراح من هذه التبعة و عرض عقل غيره و عقل نفسه على الناظرين و السامعين ثم نقول إن هذا الفصل ينقسم أقساما منها قول قاضي القضاة لا نسلم أن أبا بكر كان في جيش أسامة و أما قول المرتضى إنه قد ذكره أرباب السير و التواريخ و قوله إن البلاذري ذكره في تاريخه و قوله هلا عين قاضي القضاة الكتاب الذي ذكر أنه يتضمن عدم كون أبي بكر في ذلك الجيش فإن الأمر عندي في هذا الموضع مشتبه و التواريخ مختلفة في هذه القضية فمنهم من يقول إن أبا بكر كان في جملة الجيش و منهم من يقول إنه لم يكن و ما أشار إليه قاضي القضاة بقوله في كتب المغازي لا ينتهي إلى أمر صحيح و لم يكن ممن يستحل القول بالباطل في دينه و لا في رئاسته ذكر الواقدي في كتاب المغازي أن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة و إنما كان عمر و أبو عبيدة و سعد بن أبي وقاص و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل و قتادة بن النعمان و سلمة بن أسلم و رجال كثير من المهاجرين و الأنصار قال و كان المنكر لإمارة أسامة عياش بن أبي ربيعة و غير الواقدي يقول عبد الله بن عياش و قد قيل عبد الله بن أبي ربيعة أخو عياش و قال الواقدي و جاء عمر بن الخطاب فودع رسول الله ص ليسير مع أسامة و قال و جاء أبو بكر فقال يا رسول الله أصبحت مفيقا بحمد الله و اليوم يوم ابنة خارجة فأذن لي فأذن له فذهب إلى منزله بالسنح و سار أسامة في العسكر و هذا تصريح بأن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة

١٨٢

و ذكر موسى بن عقبة في كتاب المغازي أن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة و كثير من المحدثين يقولون بل كان في جيشه فأما أبو جعفر محمد بن جرير الطبري فلم يذكر أنه كان في جيش أسامة إلا عمر و قال أبو جعفر حدثني السدي بإسناد ذكره أن رسول الله ص ضرب قبل وفاته بعثا على أهل المدينة و من حولهم و فيهم عمر بن الخطاب و أمر عليهم أسامة بن زيد فلم يجاوز آخرهم الخندق حتى قبض رسول الله ص فوقف أسامة بالناس ثم قال لعمر ارجع إلى خليفة رسول الله ص فاستأذنه يأذن لي أرجع بالناس فإن معي وجوه الصحابة و لا آمن على خليفة رسول الله ص و ثقل رسول الله ص و أثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون حول المدينة و قالت الأنصار لعمر سرا فإن أبى إلا أن يمضي فأبلغه عنا و اطلب إليه أن يولي أمرنا رجلا أقدم سنا من أسامة فخرج عمر بأمر أسامة فأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة فقال أبو بكر لو تخطفتني الكلاب و الذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله ص قال فإن الأنصار أمروني أن أبلغك أنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلا أقدم سنا من أسامة فوثب أبو بكر و كان جالسا فأخذ بلحية عمر و قال ثكلتك أمك يا ابن الخطاب أ يستعمله رسول الله ص و تأمرني أن أنزعه فخرج عمر إلى الناس فقالوا له ما صنعت فقال امضوا ثكلتكم أمهاتكم ما لقيت في سبيلكم اليوم من خليفة رسول الله ص ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم فأشخصهم و شيعهم و هو ماش و أسامة راكب و عبد الرحمن بن عوف يقود دابة أبي بكر فقال له أسامة بن زيد يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن فقال و الله لا تنزل و لا أركب و ما علي أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة

١٨٣

فإن للغازي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة تكتب له و سبعمائة درجة ترفع له و سبعمائة خطيئة تمحى عنه حتى إذا انتهى قال لأسامة إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل فأذن له ثم

قال أيها الناس قفوا حتى أوصيكم بعشر فاحفظوها عني لا تخونوا و لا تغدروا و لا تغلوا و لا تمثلوا و لا تقتلوا طفلا صغيرا و لا شيخا كبيرا و لا امرأة و لا تعقروا نخلا و لا تحرقوه و لا تقطعوا شجرة مثمرة و لا تذبحوا شاة و لا بعيرا و لا بقرة إلا لمأكلة و سوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم للعبادة في الصوامع فدعوهم فيما فرغوا أنفسهم له و سوف تقدمون على أقوام يأتونكم بصحاف فيها ألوان الطعام فلا تأكلوا من شي‏ء حتى تذكروا اسم الله عليه و سوف تلقون أقواما قد حصوا أوساط رءوسهم و تركوا حولها مثل العصائب فاخفقوهم بالسيوف خفقا أفناهم الله بالطعن و الطاعون سيروا على اسم الله و أما قول الشيخ أبي علي فإنه يدل على أنه لم يكن في جيش أسامة أمره إياه بالصلاة و قول المرتضى هذا اعتراف بأن الأمر بتنفيذ الجيش كان في الحال دون ما بعد الوفاة و هذا ينقض ما بنى عليه قاضي القضاة أمره فلقائل أن يقول إنه لا ينقض ما بناه لأن قاضي القضاة ما قال إن الأمر بتنفيذ الجيش ما كان إلا بعد الوفاة بل قال إنه أمر و الأمر على التراخي فلو نفذ الجيش في الحال لجاز و لو تأخر إلى بعد الوفاة لجاز فأما إنكار المرتضى أن تكون صلاة أبي بكر بالناس كانت عن أمر رسول الله ص فقد ذكرنا ما عندنا في هذا فيما تقدم و أما قوله يجوز أن يكون أمر بصلاة واحدة أو صلاتين ثم أمره بالنفوذ بعد

١٨٤

ذلك فهذا لعمري جائز و قد يمكن أن يقال إنه لما خرج متحاملا من شدة المرض فتأخر أبو بكر عن مقامه و صلى رسول الله ص بالناس أمره بالنفوذ مع الجيش و أسكت رسول الله ص في أثناء ذلك اليوم و استمر أبو بكر على الصلاة بالناس إلى أن توفي ع فقد جاء في الحديث أنه أسكت و أن أسامة دخل عليه فلم يستطع كلامه لكنه كان يرفع يديه و يضعهما عليه كالداعي له و يمكن أن يكون زمان هذه السكتة قد امتد يوما أو يومين و هذا الموضع من المواضع المشتبهة عندي و منها قول قاضي القضاة إن الأمر على التراخي فلا يلزم من تأخر أبي بكر عن النفوذ أن يكون عاصيا فأما قول المرتضى الأمر على الفور إما لغة عند من قال به أو شرعا لإجماع الكل على أن الأوامر الشرعية على الفور إلا ما خرج بالدليل فالظاهر في هذا الموضع صحة ما قاله المرتضى لأن قرائن الأحوال عند من يقرأ السير و يعرف التواريخ تدل على أن الرسول ص كان يحثهم على الخروج و المسير و هذا هو الفور و أما قول المرتضى و قول أسامة لم أكن لأسأل عنك الركب فهو أوضح دليل على أنه عقل من الأمر الفور لأن سؤال الركب عنه بعد الوفاة لا معنى له فلقائل أن يقول إن ذلك لا يدل على الفور بل يدل على أنه مأمور في الجملة بالنفوذ و المسير فإن التعجيل و التأخير مفوضان إلى رأيه فلما قال له النبي ص لم تأخرت عن المسير قال لم أكن لأسير و أسأل عنك الركب إني انتظرت عافيتك فإني إذا سرت و أنت على هذه الحال لم يكن لي قلب للجهاد بل أكون قلقا شديد الجزع أسأل

١٨٥

عنك الركبان و هذا الكلام لا يدل على أنه عقل من الأمر الفور لا محالة بل هو على أن يدل على التراخي أظهر و قول النبي ص لم تأخرت عن المسير لا يدل على الفور لأنه قد يقال مثل ذلك لمن يؤمر بالشي‏ء على جهة التراخي إذا لم يكن سؤال إنكار و قول المرتضى لأن سؤال الركب عنه بعد الوفاة لا معنى له قول من قد توهم على قاضي القضاة أنه يقول إن النبي ص ما أمرهم بالنفوذ إلا بعد وفاته و لم يقل قاضي القضاة ذلك و إنما ادعى أن الأمر على التراخي لا غير و كيف يظن بقاضي القضاة أنه حمل كلام أسامة على سؤال الركب بعد الموت و هل كان أسامة يعلم الغيب فيقول ذاك و هل سأل أحد عن حال أحد من المرضى بعد موته فأما قول المرتضى عقيب هذا الكلام لا معنى لقول قاضي القضاة إنه لم ينكر على أسامة تأخره فإن الإنكار قد وقع بتكرار الأمر حالا بعد حال فلقائل أن يقول إن قاضي القضاة لم يجعل عدم الإنكار على أسامة حجة على كون الأمر على التراخي و إنما جعل ذلك دليلا على أن الأمر كان مشروطا بالمصلحة و من تأمل كلام قاضي القضاة الذي حكاه عنه المرتضى تحقق ذلك فلا يجوز للمرتضى أن ينتزعه من الوضع الذي أورده فيه فيجعله في موضع آخر و منها قول قاضي القضاة الأمر بتنفيذ الجيش يجب أن يكون متوجها إلى الخليفة بعده و المخاطب لا يدخل تحت الخطاب و اعتراض المرتضى عليه بأن لفظة الجيش يدخل تحتها أبو بكر فلا بد من وجوب النفوذ عليه لأن عدم نفوذه يسلب الجماعة اسم الجيش فليس بجيد لأن لفظة الجيش لفظة موضوعة لجماعة من الناس قد أعدت للحرب فإذا خرج منها واحد أو اثنان لم يزل مسمى الجيش عن الباقين و المرتضى

١٨٦

اعتقد أن ذلك مثل الماهيات المركبة نحو العشرة إذا عدم منها واحد زال مسمى العشرة و ليس الأمر كذلك يبين ذلك أنه لو قال بعض الملوك لمائة إنسان أنتم جيشي ثم قال لواحد منهم إذا مت فأعط كل واحد من جيشي درهما من خزانتي فقد جعلتك أميرا عليهم لم يكن له أن يأخذ لنفسه درهما و يقول أنا من جملة الجماعة الذين أطلق عليهم لفظة الجيش و منها قول قاضي القضاة هذه القضية تدل على أنه لم يكن هناك إمام منصوص عليه و أما قول المرتضى فقد بينا أن الخطاب إنما توجه إلى الحاضرين لا إلى القائم بالأمر بعده فلم نجد في كلامه في هذا الفصل بطوله ما بين فيه ذلك و لا أعلم على ما ذا أحال و لو كان قد بين على ما زعم أن الخطاب متوجه إلى الحاضرين لكان الإشكال قائما لأنه يقال له إذا كان الإمام المنصوص عليه حاضرا عنده فلم وجه الخطاب إلى الحاضرين أ لا ترى أنه لا يجوز أن يقول الملك للرعية اقضوا بين هذين الشخصين و القاضي حاضر عنده إلا إذا كان قد عزله عن القضاء في تلك الواقعة عن الرعية فأما قول المرتضى هذا ينقلب عليكم فليس ينقلب و إنما ينقلب لو كان يريد تنفيذ الجيش بعد موته فقط و لا يريده و هو حي فكان يجي‏ء ما قاله المرتضى لينفذ القائم بالأمر بعدي جيش أسامة فأما إذا كان يريد نفوذ الجيش من حين ما أمر بنفوذه فقد سقط القلب لأن الخليفة حينئذ لم يكن قد تعين لأن الاختيار ما وقع بعد و على مذهب المرتضى الإمام متعين حاضر عنده نصب عينه فافترق الوصفان و منها قول قاضي القضاة إن مخالفة أمره ص في النفوذ مع الجيش أو في إنفاذ الجيش لا يكون معصية و بين ذلك من وجوه

١٨٧

أحدها أن أمره ع بذلك لا بد أن يكون مشروطا بالمصلحة و ألا يعرض ما هو أهم من نفوذ الجيش لأنه لا يجوز أن يأمرهم بالنفوذ و إن أعقب ضررا في الدين فأما قول المرتضى الأمر المطلق يدل على ثبوت المصلحة و لا يجوز أن يجعل الأمر المطلق فقول جيد إذا اعترض به على الوجه الذي أورده قاضي القضاة فأما إذا أورده أصحابنا على وجه آخر فإنه يندفع كلام المرتضى و ذلك أنه يجوز تخصيص عمومات النصوص بالقياس الجلي عند كثير من أصحابنا على ما هو مذكور في أصول الفقه فلم لا يجوز لأبي بكر أن يخص عموم قوله انفذوا بعث أسامة لمصلحة غلبت على ظنه في عدم نفوذه نفسه و لمفسدة غلبت على نفسه في نفوذه نفسه مع البعث و ثانيها أنه ع كان يبعث السرايا عن اجتهاد لا عن وحي يحرم مخالفته فأما قول المرتضى إن للدين تعلقا قويا بأمثال ذلك و إنها ليست من الأمور الدنياوية المحضة نحو أكله و شربه و نومه فإنه يعود على الإسلام بفتوحه عز و قوة و علو كلمة فيقال له و إذا أكل اللحم و قوي مزاجه بذلك و نام نوما طبيعيا يزول عنه به المرض و الإعياء اقتضى ذلك أيضا عز الإسلام و قوته فقل إن ذلك أيضا عن وحي ثم إن الذي يقتضيه فتوحه و غزواته و حروبه من العز و علو الكلمة لا ينافي كون تلك الغزوات و الحروب باجتهاده لأنه لا منافاة بين اجتهاده و بين عز الدين و علو كلمته بحروبه و إن الذي ينافي اجتهاده بالرأي هو مثل فرائض الصلوات و مقادير الزكوات و مناسك الحج و نحو ذلك من الأحكام التي تشعر بأنها متلقاة من محض الوحي و ليس للرأي و الاجتهاد فيها مدخل و قد خرج بهذا الكلام الجواب عن قوله

١٨٨

لو جاز أن تكون السرايا و الحروب عن اجتهاده لجاز أن تكون الأحكام كلها عن اجتهاده و أيضا فإن الصحابة كانوا يراجعونه في الحروب و آراءه التي يدبرها بها و يرجع ع إليهم في كثير منها بعد أن قد رأى غيره و أما الأحكام فلم يكن يراجع فيها أصلا فكيف يحمل أحد البابين على الآخر فأما قوله لو كانت عن اجتهاد لوجب أن يحرم مخالفته فيها و هو حي لا فرق بين الحالين فلقائل أن يقول القياس يقتضي ما ذكرت إلا أنه وقع الإجماع على أنه لو كان في الأحكام أو في الحروب و الجهاد ما هو باجتهاده لما جازت مخالفته و العدول عن مذهبه و هو حي لم يختلف أحد من المسلمين في ذلك و أجازوا مخالفته بعد وفاته بتقدير أن يكون ما صار إليه عن اجتهاد و الإجماع حجة فأما قول قاضي القضاة لأن اجتهاده و هو حي أولى من اجتهاد غيره فليس يكاد يظهر لأن اجتهاده و هو ميت أولى أيضا من اجتهاد غيره و يغلب على ظني أنهم فرقوا بين حالتي الحياة و الموت فإن في مخالفته و هو حي نوعا من أذى له و أذاه محرم لقوله تعالى( وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اَللَّهِ ) و الأذى بعد الموت لا يكون فافترق الحالان و ثالثها أنه لو كان الإمام منصوصا عليه لجاز أن يسترد جيش أسامة أو بعضه لنصرته فكذلك إذا كان بالاختيار و هذا قد منع منه المرتضى و قال إنه لا يجوز للمنصوص عليه ذلك و لا أن يولي من عزله رسول الله ص و لا أن يعزل من ولاه رسول الله ص

١٨٩

و رابعها أنه ع ترك حرب معاوية في بعض الحالات و لم يوجب ذلك أن يكون عاصيا فكذلك أبو بكر في ترك النفوذ في جيش أسامة فأما قول المرتضى إن عليا ع كان مأمورا بحرب معاوية مع التمكن و وجود الأنصار فإذا عدما لم يكن مأمورا بحربه فلقائل أن يقول و أبو بكر كان مأمورا بالنفوذ في جيش أسامة مع التمكن و وجود الأنصار و قد عدم التمكن لما استخلف فإنه قد تحمل أعباء الإمامة و تعذر عليه الخروج عن المدينة التي هي دار الإمامة فلم يكن مأمورا و الحال هذه بالنفوذ في جيش أسامة فإن قلت الإشكال عليكم إنما هو من قبل الاستخلاف كيف جاز لأبي بكر أن يتأخر عن المسير و كيف جاز له أن يرجع إلى المدينة و هو مأمور بالمسير و هلا نفذ لوجهه و لم يرجع و إن بلغه موت رسول الله ص قلت لعل أسامة أذن له فهو مأمور بطاعته و لأنه رأى أسامة و قد عاد باللواء فعاد هو لأنه لم يكن يمكنه أن يسير إلى الروم وحده و أيضا فإن أصحابنا قالوا إن ولاية أسامة بطلت بموت النبي ص و عاد الأمر إلى رأي من ينصب للأمر قالوا لأن تصرف أسامة إنما كان من جهة النبي ص ثم زال تصرف النبي ص بموته فوجب أن يزول تصرف أسامة لأن تصرفه تبع لتصرف الرسول ص قالوا و ذلك كالوكيل تبطل وكالته بموت الموكل قالوا و يفارق الوصي لأن ولايته لا تثبت إلا بعد موت الموصي فهو كعهد الإمام إلى غيره لا يثبت إلا بعد موت الإمام ثم فرع أصحابنا على هذا الأصل مسألة و هي الحاكم هل ينعزل بموت الإمام أم لا قال قوم من أصحابنا لا ينعزل و بنوه على أن التولي من غير جهة الإمام يجوز فجعلوا الحاكم نائبا عن المسلمين أجمعين لا عن الإمام

١٩٠

و إن وقف تصرفه على اختياره و صار ذلك عندهم بمنزلة أن يختار المسلمون واحدا يحكم بينهم ثم يموت من رضي بذلك فإن تصرفه يبقى على ما كان عليه و قال قوم من أصحابنا ينعزل و إن هذا النوع من التصرف لا يستفاد إلا من جهة الإمام و لا يقوم به غيره و إذا ثبت أن أسامة قد بطلت ولايته لم تبق تبعة على أبي بكر في الرجوع من بعض الطريق إلى المدينة و خامسها أن أمير المؤمنين ولى أبا موسى الحكم و ولى رسول الله ص خالد بن الوليد السرية إلى الغميصاء و هذا الكلام إنما ذكره قاضي القضاة تتمة لقوله إن أمره ع بنفوذ بعث أسامة كان مشروطا بالمصلحة قال كما أن توليته ع أبا موسى كانت مشروطة باتباع القرآن و كما أن تولية رسول الله ص خالد بن الوليد كانت مشروطة بأن يعمل بما أوصاه به فخالفا و لم يعملا الحق فإذا كانت هذه الأوامر مشروطة فكذلك أمره جيش أسامة بالنفوذ كان مشروطا بالمصلحة و ألا يعرض ما يقتضي رجوع الجيش أو بعضه إلى المدينة و قد سبق القول في كون الأمر مشروطا و سادسها أن أبا بكر كان محتاجا إلى مقام عمر عنده ليعاضده و يقوم في تمهيد أمر الإمامة ما لا يقوم به غيره فكان ذلك أصلح في باب الدين من مسيره مع الجيش فجاز أن يحبسه عنده لذلك و هذا الوجه مختص بمن قال إن أبا بكر لم يكن في الجيش و إيضاح عذره في حبس عمر عن النفوذ مع الجيش

١٩١

فأما قول المرتضى فإن ذلك غير جائز لأن مخالفة النص حرام فقد قلنا إن هذا مبني على مسألة تخصيص العمومات الواردة في القرآن بالقياس و أما قوله أي حاجة كانت لأبي بكر إلى عمر بعد وقوع البيعة و لم يكن هناك تنازع و لا اختلاف فعجيب و هل كان لو لا مقام عمر و حضوره في تلك المقامات يتم لأبي بكر أمر أو ينتظم له حال و لو لا عمر لما بايع علي و لا الزبير و لا أكثر الأنصار و الأمر في هذا أظهر من كل ظاهر و سابعها أن من يصلح للإمامة ممن ضمه جيش أسامة يجب تأخرهم ليختار للإمامة أحدهم فإن ذلك أهم من نفوذهم فإذا جاز لهذه العلة التأخر قبل العقد جاز التأخر بعده للمعاضدة و غيرها فأما قول المرتضى إن ذلك الجيش لم يضم من يصلح للإمامة فبناء على مذهبه في أن كل من ليس بمعصوم لا يصلح للإمامة فأما قوله و لو صح ذلك لم يكن عذرا في التأخر لأن من خرج في الجيش يمكن أن يختار و لو كان بعيدا و لا يمكن بعده من صحة الاختيار فلقائل أن يقول دار الهجرة هي التي فيها أهل الحل و العقد و أقارب رسول الله ص و القراء و أصحاب السقيفة فلا يجوز العدول عن الاجتماع و المشاورة فيها إلى الاختيار على البعد و على جناح السفر من غير مشاركة من ذكرنا من أعيان المسلمين فأما قوله و لو صح هذا العقد لكان عذرا في التأخر قبل العقد فأما بعد إبرامه فلا عذر فيه فلقائل أن يقول إذا أجزت التأخر قبل العقد لنوع من المصلحة فأجز التأخر بعد العقد لنوع آخر من المصلحة و هو المعاضدة و المساعدة

١٩٢

هذه الوجوه السبعة كلها لبيان قوله تأخر أبي بكر أو عمر عن النفوذ في جيش أسامة و إن كان مأمورا بالنفوذ ثم نعود إلى تمام أقسام الفصل و منها قول قاضي القضاة لا معنى لقول من قال إن رسول الله ص قصد إبعادهم عن المدينة لأن بعدهم عنها لا يمنعهم من أن يختاروا واحدا منهم للإمامة و لأنه ع لم يكن قاطعا على موته لا محالة لأنه لم يرد نفذوا جيش أسامة في حياته و قد اعترض المرتضى هذا فقال إنه لم يتبين معنى الطعن لأن الطاعن لا يقول إنهم أبعدوا عن المدينة كي لا يختاروا واحدا للإمامة بل يقول إنما أبعدوا لينتصب بعد موته ص في المدينة الشخص الذي نص عليه و لا يكون حاضرا بالمدينة من يخالفه و ينازعه و ليس يضرنا ألا يكون ص قاطعا على موته لأنه و إن لم يكن قاطعا فهو لا محالة يشفق و يخاف من الموت و على الخائف أن يتحرز مما يخاف منه و كلام المرتضى في هذا الموضع أظهر من كلام قاضي القضاة و منها قول قاضي القضاة إن ولاية أسامة عليهما لا تقتضي كونهما دونه في الفضل كما أن عمرو بن العاص لما ولي عليهما لم يقتض كونه أفضل منهما و قد اعترض المرتضى هذا بأنه يقبح تقديم المفضول على الفاضل فيما هو أفضل منه و إن تقديم عمرو بن العاص عليهما في الإمرة يقتضي أن يكون أفضل منهما فيما يرجع إلى الإمرة و السياسة و لا يقتضي أفضليته عليهما في غير ذلك و كذلك القول في أسامة

١٩٣

و لقائل أن يقول إن الملوك قد يؤمرون الأمراء على الجيوش لوجهين أحدهما أن يقصد الملك بتأمير ذلك الشخص أن يسوس الجيش و يدبره بفضل رأيه و شيخوخته و قديم تجربته و ما عرف من يمن نقيبته في الحرب و قود العساكر و الثاني أن يؤمر على الجيش غلاما حدثا من غلمانه أو من ولده أو من أهله و يأمر الأكابر من الجيش أن يثقفوه و يعلموه و يأمره أن يتدبر بتدبيرهم و يرجع إلى رأيهم و يكون قصد الملك من ذلك تخريج ذلك الغلام و تمرينه على الإمارة و أن يثبت له في نفوس الناس منزلة و أن يرشحه لجلائل الأمور و معاظم الشئون ففي الوجه الأول يقبح تقديم المفضول على الفاضل و في الوجه الثاني لا يقبح فلم لا يجوز أن يكون تأمير أسامة عليهما من قبيل الوجه الثاني و الحال يشهد لذلك لأن أسامة كان غلاما لم يبلغ ثماني عشرة سنة حين قبض النبي ص فمن أين حصل له من تجربة الحرب و ممارسة الوقائع و قود الجيش ما يكون به أعرف بالإمرة من أبي بكر و عمر و أبي عبيدة و سعد بن أبي وقاص و غيرهم و منها قول قاضي القضاة إن السبب في كون عمر في الجيش أنه أنكر على عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة تسخطه إمرة أسامة و قال أنا أخرج في جيش أسامة فخرج من تلقاء نفسه تعظيما لأمر رسول الله ص و قد اعترضه المرتضى فقال هذا شي‏ء لم نسمعه من راو و لا قرأناه في كتاب و صدق المرتضى فيما قال فإن هذا حديث غريب لا يعرف و أما قول عمر دعني أضرب عنقه فقد نافق فمنقول مشهور لا محالة و إنما الغريب الذي لم يعرف كون عمر خرج من تلقاء نفسه في الجيش مراغمة لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة حيث أنكر ما أنكر و لعل قاضي القضاة سمعه من راو أو نقله من كتاب إلا أنا نحن ما وقفنا على ذلك

١٩٤

الطعن الخامس

قالوا إنه ص لم يول أبا بكر الأعمال و ولى غيره و لما ولاه الحج بالناس و قراءة سورة براءة على الناس عزله عن ذلك كله و جعل الأمر إلى أمير المؤمنين ع و قال لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني حتى يرجع أبو بكر إلى النبي ص أجاب قاضي القضاة فقال لو سلمنا أنه لم يوله لما دل ذلك على نقص و لا على أنه لم يصلح للإمارة و الإمامة بل لو قيل إنه لم يوله لحاجته إليه بحضرته و إن ذلك رفعة له لكان أقرب لا سيما و قد روي عنه ما يدل على أنهما وزيراه و أنه كان ص محتاجا إليهما و إلى رأيهما فلذلك لم يولهما و لو كان للعمل على تركه فضل لكان عمرو بن العاص و خالد بن الوليد و غيرهما أفضل من أكابر الصحابة لأنه ع ولاهما و قدمهما و قد قدمنا أن توليته هي بحسب الصلاح و قد يولى المفضول على الفاضل تارة و الفاضل أخرى و ربما ولى الواحد لاستغنائه عنه بحضرته و ربما ولاه لاتصال بينه و بين من يولى عليه إلى غير ذلك ثم ادعى أنه ولى أبا بكر على الموسم و الحج قد ثبتت بلا خلاف بين أهل الأخبار و لم يصح أنه عزله و لا يدل رجوع أبي بكر إلى النبي ص مستفهما عن القصة على العزل ثم جعل إنكار من أنكر حج أبي بكر في تلك السنة بالناس كإنكار عباد و طبقته أخذ أمير المؤمنين ع سورة براءة من أبي بكر و حكي عن أبي علي أن المعنى كان في أخذ السورة من أبي بكر أن من عادة العرب أن سيدا من سادات قبائلهم إذا عقد عقد القوم فإن ذلك العقد لا ينحل إلا أن يحله هو أو بعض سادات قومه فلما كان هذا عادتهم و أراد النبي ص أن ينبذ إليهم عقدهم و ينقض ما كان بينه و بينهم علم

١٩٥

أنه لا ينحل ذلك إلا به أو بسيد من سادات رهطه فعدل عن أبي بكر إلى أمير المؤمنين المقرب في النسب ثم ادعى أنه ص ولى أبا بكر في مرضه الصلاة و ذلك أشرف الولايات و قال في ذلك يأبى الله و رسوله و المسلمون إلا أبا بكر ثم اعترض نفسه بصلاته ع خلف عبد الرحمن بن عوف و أجاب بأنه ص إنما صلى خلفه لا أنه ولاه الصلاة و قدمه فيها قال و إنما قدم عبد الرحمن عند غيبة النبي ص فصلى بغير أمره و قد ضاق الوقت فجاء النبي ص فصلى خلفه اعترض المرتضى فقال قد بينا أن تركه ص الولاية لبعض أصحابه مع حضوره و إمكان ولايته و العدول عنه إلى غيره مع تطاول الزمان و امتداده لا بد من أن تقتضي غلبة الظن بأنه لا يصلح للولاية فأما ادعاؤه أنه لم يوله لافتقاره إليه بحضرته و حاجته إلى تدبيره و رأيه فقد بينا أنه ع ما كان يفتقر إلى رأي أحد لكماله و رجحانه على كل أحد و إنما كان يشاور أصحابه على سبيل التعليم لهم و التأديب أو لغير ذلك مما قد ذكر و بعد فكيف استمرت هذه الحاجة و اتصلت منه إليهما حتى لم يستغن في زمان من الأزمان عن حضورهما فيوليهما و هل هذا إلا قدح في رأي رسول الله ص و نسبته إلى أنه كان ممن يحتاج إلى أن يلقن و يوقف على كل شي‏ء و قد نزهه الله تعالى عن ذلك فأما ادعاؤه أن الرواية قد وردت بأنهما وزيراه فقد كان يجب أن يصحح ذلك قبل أن يعتمده و يحتج به فإنا ندفعه عنه أشد دفع فأما ولاية عمرو بن العاص و خالد بن الوليد فقد تكلمنا عليها من قبل و بينا أن ولايتهما تدل على صلاحهما لما ولياه و لا تدل على صلاحهما للإمامة لأن شرائط الإمامة لم تتكامل فيهما و بينا أيضا لأن ولاية المفضول على الفاضل لا تجوز فأما تعظيمه

١٩٦

و إكباره قول من يذهب إلى أن أبا بكر عزل عن أداء السورة و الموسم جميعا و جمعه بين ذلك في البعد و بين إنكار عباد أن يكون أمير المؤمنين ع ارتجع سورة براءة من أبي بكر فأول ما فيه أنا لا ننكر أن يكون أكثر الأخبار واردة بأن أبا بكر حج بالناس في تلك السنة إلا أنه قد روى قوم من أصحابنا خلاف ذلك و أن أمير المؤمنين ع كان أمير الموسم في تلك السنة و أن عزل الرجل كان عن الأمرين معا و استكبار ذلك و فيه خلاف لا معنى له فأما ما حكاه عن عباد فإنا لا نعرفه و ما نظن أحدا يذهب إلى مثله و ليس يمكنه بإزاء ذلك جحد مذهب أصحابنا الذي حكيناه و ليس عباد لو صحت الرواية عنه بإزاء من ذكرناه فهو ملي‏ء بالجهالات و دفع الضرورات و بعد فلو سلمنا أن ولاية الموسم لم تفسخ لكان الكلام باقيا لأنه إذا كان ما ولي مع تطاول الزمان إلا هذه الولاية ثم سلب شطرها و الأفخم الأعظم منها فليس ذلك إلا تنبيها على ما ذكرناه فأما ما حكاه عن أبي علي من أن عادة العرب ألا يحل ما عقده الرئيس منهم إلا هو أو المتقدم من رهطه فمعاذ الله أن يجري النبي ص سنته و أحكامه على عادات الجاهلية و قد بين ع لما رجع إليه أبو بكر يسأله عن أخذ السورة منه الحال

فقال إنه أوحي إلي ألا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني و لم يذكر ما ادعاه أبو علي على أن هذه العادة قد كان يعرفها النبي ص قبل بعثه أبا بكر بسورة براءة فما باله لم يعتمدها في الابتداء و يبعث من يجوز أن يحل عقده من قومه فأما ادعاؤه ولاية أبي بكر الصلاة فقد ذكرنا فيما تقدم أنه لم يوله إياها فأما فصله بين صلاته خلف عبد الرحمن و بين صلاة أبي بكر بالناس فليس بشي‏ء لأنا إذا كنا قد دللنا على أن الرسول ص ما قدم أبا بكر إلى الصلاة فقد

١٩٧

استوى الأمران و بعد فأي فرق بين أن يصلي خلفه و بين أن يوليه و يقدمه و نحن نعلم أن صلاته خلفه إقرار لولايته و رضا بها فقد عاد الأمر إلى أن عبد الرحمن كأنه قد صلى بأمره و إذنه على أن قصة عبد الرحمن أوكد لأنه قد اعترف بأن الرسول صلى خلفه و لم يصل خلف أبي بكر و إن ذهب كثير من الناس إلى أنه قدمه و أمر بالصلاة قبل خروجه إلى المسجد و تحامله ثم سأل المرتضىرحمه‌الله نفسه فقال إن قيل ليس يخلو النبي ص من أن يكون سلم في الابتداء سورة براءة إلى أبي بكر بأمر الله أو باجتهاده و رأيه فإن كان بأمر الله تعالى فكيف يجوز أن يرتجع منه السورة قبل وقت الأداء و عندكم أنه لا يجوز نسخ الشي‏ء قبل تقضي وقت فعله و إن كان باجتهاده ص فعندكم أنه لا يجوز أن يجتهد فيما يجري هذا المجرى و أجاب فقال إنه ما سلم السورة إلى أبي بكر إلا بإذنه تعالى إلا أنه لم يأمره بأدائها و لا كلفه قراءتها على أهل الموسم لأن أحدا لم يمكنه أن ينقل ع في ذلك لفظ الأمر و التكليف فكأنه سلم سورة براءة إليه لتقرأ على أهل الموسم و لم يصرح بذكر القارئ المبلغ لها في الحال و لو نقل عنه تصريح لجاز أن يكون مشروطا بشرط لم يظهر فإن قيل فأي فائدة في دفع السورة إلى أبي بكر و هو لا يريد أن يؤديها ثم ارتجاعها منه و هلا دفعت في الابتداء إلى أمير المؤمنين ع قيل الفائدة في ذلك ظهور فضل أمير المؤمنين ع و مرتبته و أن الرجل الذي نزعت السورة عنه لا يصلح لما يصلح له و هذا غرض قوي في وقوع الأمر على ما وقع عليه

١٩٨

قلت قد ذكرنا فيما تقدم القول في تولية الملك بعض أصحابه و ترك تولية بعضهم و كيفية الحال في ذلك على أنه قد روى أصحاب المغازي أنه أمر أبا بكر في شعبان من سنة سبع على سرية بعثها إلى نجد فلقوا جمعا من هوازن فبيتوهم فروى إياس بن سلمة عن أبيه قال كنت في ذلك البعث فقتلت بيدي سبعة منهم و كان شعارنا أمت أمت و قتل من أصحاب النبي ص قوم و جرح أبو بكر و ارتث و عاد إلى المدينة على أن أمراء السرايا الذين كان يبعثهم ص كانوا قوما مشهورين بالشجاعة و لقاء الحروب كمحمد بن مسلمة و أبي دجانة و زيد بن حارثة و نحوهم و لم يكن أبو بكر مشهورا بالشجاعة و لقاء الحروب و لم يكن جبانا و لا خوارا و إنما كان رجلا مجتمع القلب عاقلا ذا رأي و حسن تدبير و كان رسول الله ص يترك بعثه في السرايا لأن غيره أنفع منه فيها و لا يدل ذلك على أنه لا يصلح للإمامة و أن الإمامة لا تحتاج أن يكون صاحبها من المشهورين بالشجاعة و إنما يحتاج إلى ثبات القلب و إلا يكون هلعا طائر الجنان و كيف يقول المرتضى إنه ص لم يكن محتاجا إلى رأي أحد و قد نقل الناس كلهم رجوعه من رأي إلى رأي عند المشورة نحو ما جرى يوم بدر من تغير المنزل لما أشار عليه الحباب بن المنذر و نحو ما جرى يوم الخندق من فسخ رأيه في دفع ثلث تمر المدينة إلى عيينة بن حصن ليرجع بالأحزاب عنهم لأجل ما رآه سعد بن معاذ و سعد بن عبادة من الحرب و العدول عن الصلح و نحو ما جرى في تلقيح النخل بالمدينة و غير ذلك فأما ولاية أبي بكر الموسم فأكثر الأخبار على ذلك و لم يرو عزله عن الموسم إلا قوم من الشيعة.

١٩٩

و أما ما أنكره المرتضى من حال عباد بن سليمان و دفعه أن يكون علي أخذ براءة من أبي بكر و استغرابه ذلك عجب فإن قول عباد قد ذهب إليه كثير من الناس و رووا أن رسول الله ص لم يدفع براءة إلى أبي بكر و أنه بعد أن نفذ أبو بكر بالحجيج أتبعه عليا و معه تسع آيات من براءة و قد أمره أن يقرأها على الناس و يؤذنهم بنقض العهد و قطع الدنية فانصرف أبو بكر إلى رسول الله ص فأعاده على الحجيج و قال له أنت الأمير و علي المبلغ فإنه لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني و لم ينكر عباد أمر براءة بالكلية و إنما أنكر أن يكون النبي ص دفعها إلى أبي بكر ثم انتزعها منه و طائفة عظيمة من المحدثين يروون ما ذكرناه و إن كان الأكثر الأظهر أنه دفعها إليه ثم أتبعه بعلي ع فانتزعها منه و المقصود أن المرتضى قد تعجب مما لا يتعجب من مثله فظن أن عبادا أنكر حديث براءة بالكلية و قد وقفت أنا على ما ذكره عباد في هذه القضية في كتابه المعروف بكتاب الأبواب و هو الكتاب الذي نقضه شيخنا أبو هاشم فأما عذر شيخنا أبي علي و قوله إن عادة العرب ذلك و اعتراض المرتضى عليه فالذي قاله المرتضى أصح و أظهر و ما نسب إلى عادة العرب غير معروف و إنما هو تأويل تأول به متعصبو أبي بكر لانتزاع براءة منه و ليس بشي‏ء و لست أقول ما قاله المرتضى من أن غرض رسول الله ص إظهار أن أبا بكر لا يصلح للأداء عنه بل أقول فعل ذلك لمصلحة رآها و لعل السبب في ذلك أن عليا ع من بني عبد مناف و هم جمرة قريش بمكة و علي أيضا شجاع لا يقام له و قد حصل في صدور قريش منه الهيبة الشديدة و المخافة العظيمة فإذا حصل مثل هذا الشجاع البطل و حوله من بني عمه و هم أهل العزة و القوة و الحمية

٢٠٠