كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٧

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 286

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 286
المشاهدات: 39847
تحميل: 4249


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 286 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39847 / تحميل: 4249
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 17

مؤلف:
العربية

فدنا منه أصحابه فقالوا يا رسول الله ما ينفعنا سيرنا مخافة أن تنهشك دابة أو تصيبك نكبة فركب و دنوا منه و قالوا قلت قولا لا ندري ما هو قال و ما ذاك قالوا كنت تقول جندب و ما جندب، و الأقطع زيد الخير

فقال رجلان يكونان في هذه الأمة يضرب أحدهما ضربة يفرق بين الحق و الباطل و تقطع يد الآخر في سبيل الله ثم يتبع الله آخر جسده بأوله و كان زيد هو زيد بن صوحان و قطعت يده في سبيل الله يوم جلولاء و قتل يوم الجمل مع علي بن أبي طالب ع و أما جندب هذا فدخل على الوليد بن عقبة و عنده ساحر يقال له أبو شيبان يأخذ أعين الناس فيخرج مصارين بطنهم ثم يردها فجاء من خلفه فضربه فقتله و قال:

العن وليدا و أبا شيبان

و ابن حبيش راكب الشيطان

رسول فرعون إلى هامان

قال أبو الفرج و قد روي أن هذا الساحر كان يدخل عند الوليد في جوف بقرة حية ثم يخرج منها فرآه جندب فذهب إلى بيته فاشتمل على سيف فلما دخل الساحر في البقرة قال جندب( أفتأتون السحر و أنتم تبصرون ) ثم ضرب وسط البقرة فقطعها و قطع الساحر معها فذعر الناس فسجنه الوليد و كتب بأمره إلى عثمان قال أبو الفرج فروى أحمد بن عبد العزيز عن حجاج بن نصير عن قرة عن

٢٤١

محمد بن سيرين قال انطلق بجندب بن كعب الأزدي قاتل الساحر بالكوفة إلى السجن و على السجن رجل نصراني من قبل الوليد و كان يرى جندب بن كعب يقوم بالليل و يصبح صائما فوكل بالسجن رجلا ثم خرج فسأل الناس عن أفضل أهل الكوفة فقالوا الأشعث بن قيس فاستضافه فجعل يراه ينام الليل ثم يصبح فيدعو بغدائه فخرج من عنده و سأل أي أهل الكوفة أفضل قالوا جرير بن عبد الله فذهب إليه فوجده ينام الليل ثم يصبح فيدعو بغدائه فاستقبل القبلة و قال ربي رب جندب و ديني دين جندب ثم أسلم قال أبو الفرج فلما نزع عثمان الوليد عن الكوفة أمر عليها سعيد بن العاص فلما قدمها قال اغسلوا هذا المنبر فإن الوليد كان رجلا نجسا فلم يصعده حتى غسل قال أبو الفرج و كان الوليد أسن من سعيد بن العاص و أسخى نفسا و ألين جانبا و أرضى عندهم فقال بعض شعرائهم:

و جاءنا من بعده سعيد

ينقص في الصاع و لا يزيد

و قال آخر منهم:

فررت من الوليد إلى سعيد

كأهل الحجر إذ فزعوا فباروا

يلينا من قريش كل عام

أمير محدث أو مستشار

لنا نار تحرقنا فنخشى

و ليس لهم و لا يخشون نار

قال أبو الفرج و حدثنا أحمد قال حدثنا عمر عن المدائني قال قدم الوليد بن

٢٤٢

عقبة الكوفة في أيام معاوية زائرا للمغيرة بن شعبة فأتاه أشراف الكوفة فسلموا عليه و قالوا و الله ما رأينا بعدك مثلك فقال أ خيرا أم شرا قالوا بل خيرا قال و لكني ما رأيت بعدكم شرا منكم فأعادوا الثناء عليه فقال بعض ما تأتون به فو الله إن بغضكم لتلف و إن حبكم لصلف قال أبو الفرج و روى عمر بن شبة أن قبيصة بن جابر كان ممن كثر على الوليد فقال معاوية يوما و الوليد و قبيصة عنده يا قبيصة ما كان شأنك و شأن الوليد قال خير يا أمير المؤمنين إنه في أول الأمر وصل الرحم و أحسن الكلام فلا تسأل عن شكر و حسن ثناء ثم غضب على الناس و غضبوا عليه و كنا معهم فإما ظالمون فنستغفر الله و إما مظلومون فيغفر الله له فخذ في غير هذا يا أمير المؤمنين فإن الحديث ينسي القديم قال معاوية ما أعلمه إلا قد أحسن السيرة و بسط الخير و قبض الشر قال فأنت يا أمير المؤمنين اليوم أقدر على ذلك فافعله فقال اسكت لا سكت فسكت و سكت القوم فقال معاوية بعد يسير ما لك لا تتكلم يا قبيصة قال نهيتني عما كنت أحب فسكت عما لا أحب قال أبو الفرج و مات الوليد بن عقبة فويق الرقة و مات أبو زبيد هناك فدفنا جميعا في موضع واحد فقال في ذلك أشجع السلمي و قد مر بقبريهما:

مررت على عظام أبي زبيد

و قد لاحت ببلقعة صلود

فكان له الوليد نديم صدق

فنادم قبره قبر الوليد

و ما أدري بمن تبدو المنايا

بحمزة أم بأشجع أم يزيد

قيل هم إخوته و قيل ندماؤه قال أبو الفرج و حدثني أحمد بن عبد العزيز عن محمد بن زكريا الغلابي

٢٤٣

عن عبد الله بن الضحاك عن هشام بن محمد عن أبيه قال وفد الوليد بن عقبة و كان جوادا إلى معاوية فقيل له هذا الوليد بن عقبة بالباب فقال و الله ليرجعن مغيظا غير معطى فإنه الآن قد أتانا يقول علي دين و علي كذا ائذن له فأذن له فسأله و تحدث معه ثم قال له معاوية أما و الله إن كنا لنحب إتيان مالك بالوادي و لقد كان يعجب أمير المؤمنين فإن رأيت أن تهبه ليزيد فافعل قال هو ليزيد ثم خرج و جعل يختلف إلى معاوية فقال له يوما انظر يا أمير المؤمنين في شأني فإن علي مئونة و قد أرهقني دين فقال له أ لا تستحيي لنفسك و حسبك تأخذ ما تأخذه فتبذره ثم لا تنفك تشكو دينا فقال الوليد أفعل ثم انطلق من مكانه فسار إلى الجزيرة و قال يخاطب معاوية:

فإذا سئلت تقول لا

و إذا سألت تقول هات

تأبى فعال الخير لا

تروي و أنت على الفرات

أ فلا تميل إلى نعم

أو ترك لا حتى الممات

و بلغ معاوية شخوصه إلى الجزيرة فخافه و كتب إليه أقبل فكتب:

أعف و أستعفي كما قد أمرتني

فأعط سواي ما بدا لك و ابخل

سأحدو ركابي عنك إن عزيمتي

إذا نابني أمر كسلة منصل

و إني امرؤ للنأي مني تطرب

و ليس شبا قفل علي بمقفل

ثم رحل إلى الحجاز فبعث إليه معاوية بجائزة و أما أبو عمر بن عبد البر فإنه ذكر في الإستيعاب في باب الوليد قال إن له أخبارا فيها شناعة تقطع على سوء حاله و قبح أفعاله غفر الله لنا و له فلقد كان من رجال قريش

٢٤٤

ظرفا و حلما و شجاعة و جودا و أدبا و كان من الشعراء المطبوعين قال و كان الأصمعي و أبو عبيدة و ابن الكلبي و غيرهم يقولون إنه كان فاسقا شريب خمر و كان شاعرا كريما قال و أخباره في شربه الخمر و منادمته أبا زبيد الطائي كثيرة مشهورة و يسمج بنا ذكرها و لكنا نذكر منها طرفا ثم ذكر ما ذكره أبو الفرج في الأغاني و قال إن خبر الصلاة و هو سكران و قوله أ أزيدكم خبر مشهور روته الثقات من نقلة الحديث قال أبو عمر بن عبد البر و قد ذكر الطبري في رواية أنه تغضب عليه قوم من أهل الكوفة حسدا و بغيا و شهدوا عليه بشرب الخمر و قال إن عثمان قال له يا أخي اصبر فإن الله يأجرك و يبوء القوم بإثمك قال أبو عمر هذا الحديث لا يصح عند أهل الأخبار و نقلة الحديث و لا له عند أهل العلم أصل و الصحيح ثبوت الشهادة عليه عند عثمان و جلده الحد و أن عليا هو الذي جلده قال و لم يجلده بيده و إنما أمر بجلده فنسب الجلد إليه قال أبو عمر و لم يرو الوليد من السنة ما يحتاج فيها إليه و لكن حارثة بن مضرب روى عنه أنه قال ما كانت نبوة إلا كان بعدها ملك

٢٤٥

و من كتاب له ع إلى أبي موسى الأشعري

و هو عامله على الكوفة و قد بلغه عنه تثبيطه الناس عن الخروج إليه لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل مِنْ عَبْدِ اَللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ قَيْسٍ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ قَوْلٌ هُوَ لَكَ وَ عَلَيْكَ فَإِذَا قَدِمَ عَلَيْكَ رَسُولِي رَسُولِي عَلَيْكَ فَارْفَعْ ذَيْلَكَ وَ اُشْدُدْ مِئْزَرَكَ وَ اُخْرُجْ مِنْ جُحْرِكَ وَ اُنْدُبْ مَنْ مَعَكَ فَإِنْ حَقَّقْتَ فَانْفُذْ وَ إِنْ تَفَشَّلْتَ فَابْعُدْ وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَتُؤْتَيَنَّ مِنْ حَيْثُ أَنْتَ وَ لاَ تُتْرَكُ حَتَّى يُخْلَطَ زُبْدُكَ بِخَاثِرِكَ وَ ذَائِبُكَ بِجَامِدِكَ وَ حَتَّى تُعْجَلُ عَنْ قِعْدَتِكَ وَ تَحْذَرَ مِنْ أَمَامِكَ كَحَذَرِكَ مِنْ خَلْفِكَ وَ مَا هِيَ بِالْهُوَيْنَى اَلَّتِي تَرْجُو وَ لَكِنَّهَا اَلدَّاهِيَةُ اَلْكُبْرَى يُرْكَبُ جَمَلُهَا وَ يُذَلُّ يُذَلَّلُّ صَعْبُهَا وَ يُسَهَّلُ جَبَلُهَا فَاعْقِلْ عَقْلَكَ وَ اِمْلِكْ أَمْرَكَ وَ خُذْ نَصِيبَكَ وَ حَظَّكَ فَإِنْ كَرِهْتَ فَتَنَحَّ إِلَى غَيْرِ رَحْبٍ وَ لاَ فِي نَجَاةٍ فَبِالْحَرِيِّ لَتُكْفَيَنَّ وَ أَنْتَ نَائِمٌ حَتَّى لاَ يُقَالَ أَيْنَ فُلاَنٌ وَ اَللَّهِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مَعَ مُحِقٍّ وَ مَا يُبَالِي أُبَالِي مَا صَنَعَ اَلْمُلْحِدُونَ وَ اَلسَّلاَمُ المراد بقوله قول هو لك و عليك أن أبا موسى كان يقول لأهل الكوفة إن عليا إمام هدى و بيعته صحيحة ألا إنه لا يجوز القتال معه لأهل القبلة و هذا القول بعضه حق و بعضه باطل

٢٤٦

و قوله فارفع ذيلك أي شمر للنهوض معي و اللحاق بي لنشهد حرب أهل البصرة و كذلك قوله و اشدد مئزرك و كلتاهما كنايتان عن الجد و التشمير في الأمر قال و اخرج من جحرك أمر له بالخروج من منزله للحاق به و هي كناية فيها غض من أبي موسى و استهانة به لأنه لو أراد إعظامه لقال و اخرج من خيسك أو من غيلك كما يقال للأسد و لكنه جعله ثعلبا أو ضبا قال و اندب من معك أي و اندب رعيتك من أهل الكوفة إلى الخروج معي و اللحاق بي ثم قال و إن تحققت فانفذ أي أمرك مبني على الشك و كلامك في طاعتي كالمتناقض فإن حققت لزوم طاعتي لك فانفذ أي سر حتى تقدم علي و إن أقمت على الشك فاعتزل العمل فقد عزلتك قوله و ايم الله لتؤتين معناه إن أقمت على الشك و الاسترابة و تثبيط أهل الكوفة عن الخروج إلي و قولك لهم لا يحل لكم سل السيف لا مع علي و لا مع طلحة و الزموا بيوتكم و اكسروا سيوفكم ليأتينكم و أنتم في منازلكم بالكوفة أهل البصرة مع طلحة و نأتينكم نحن بأهل المدينة و الحجاز فيجتمع عليكم سيفان من أمامكم و من خلفكم فتكون ذلك الداهية الكبرى التي لا شواة لها قوله و لا تترك حتى يخلط زبدك بخاثرك تقول للرجل إذا ضربته حتى أثخنته لقد ضربته حتى خلطت زبده بخاثره و كذلك حتى خلطت ذائبه بجامده و الخاثر اللبن الغيظ و الزبد خلاصة اللبن و صفوته فإذا أثخنت الإنسان ضربا كنت كأنك

٢٤٧

خلطت ما رق و لطف من أخلاطه بما كثف و غلظ منها و هذا مثل و معناه لتفسدن حالك و لتخلطن و ليضربن ما هو الآن منتظم من أمرك قوله و حتى تعجل عن قعدتك القعدة بالكسر هيئة القعود كالجلسة و الركبة أي و ليعجلنك الأمر عن هيئة قعودك يصف شدة الأمر و صعوبته قوله و تحذر من أمامك كحذرك من خلفك يعني يأتيك من خلفك إن أقمت على منع الناس عن الحرب معنا و معهم أهل البصرة و أهل المدينة فتكون كما قال الله تعالى( إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ) . قوله و ما هي بالهوينى التي ترجو الهوينى تصغير الهونى التي هي أنثى أهون أي ليست هذه الداهية و الجائحة التي أذكرها لك بالشي‏ء الهين الذي ترجو اندفاعه و سهولته ثم قال بل هي الداهية الكبرى ستفعل لا محالة إن استمررت على ما أنت عليه و كنى عن قوله ستفعل لا محالة بقوله يركب جملها و ما بعده و ذلك لأنها إذا ركب جملها و ذلل صعبها و سهل وعرها فقد فعلت أي لا تقل هذا أمر عظيم صعب المرام أي قصد الجيوش من كلا الجانبين الكوفة فإنه إن دام الأمر على ما أشرت إلى أهل الكوفة من التخاذل و الجلوس في البيوت و قولك لهم كن عبد الله المقتول لنقعن بموجب ما ذكرته لك و ليرتكبن أهل الحجاز و أهل البصرة هذا الأمر المستصعب لأنا نحن نطلب أن نملك الكوفة و أهل البصرة كذلك فيجتمع عليها الفريقان ثم عاد إلى أمره بالخروج إليه فقال له فاعقل عقلك و املك أمرك و خذ نصيبك

٢٤٨

و حظك أي من الطاعة و اتباع الإمام الذي لزمتك بيعته فإن كرهت ذلك فتنح عن العمل فقد عزلتك و ابعد عنا لا في رحب أي لا في سعة و هذا ضد قولهم مرحبا ثم قال فجدير أن تكفى ما كلفته من حضور الحرب و أنت نائم أي لست معدودا عندنا و لا عند الناس من الرجال الذين تفتقر الحروب و التدبيرات إليهم فسيغني الله عنك و لا يقال أين فلان ثم أقسم إنه لحق أي إني في حرب هؤلاء لعلى حق و إن من أطاعني مع إمام محق ليس يبالي ما صنع الملحدون و هذا إشارة إلى قول النبي ص اللهم أدر الحق معه حيثما دار

٢٤٩

64 و من كتاب له ع إلى معاوية جوابا عن كتابه

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا كُنَّا نَحْنُ وَ أَنْتُمْ عَلَى مَا ذَكَرْتَ مِنَ اَلْأُلْفَةِ وَ اَلْجَمَاعَةِ فَفَرَّقَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ أَمْسِ أَنَّا آمَنَّا وَ كَفَرْتُمْ وَ اَلْيَوْمَ أَنَّا اِسْتَقَمْنَا وَ فُتِنْتُمْ وَ مَا أَسْلَمَ مُسْلِمُكُمْ إِلاَّ كَرْهاً وَ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَنْفُ اَلْإِسْلاَمِ كُلُّهُ لِرَسُولِ اَللَّهِ ص حَرْباً حِزْباً وَ ذَكَرْتَ أَنِّي قَتَلْتُ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَيْرَ وَ شَرَّدْتُ بِعَائِشَةَ وَ نَزَلْتُ بَيْنَ اَلْمِصْرَيْنِ وَ ذَلِكَ أَمْرٌ غِبْتَ عَنْهُ فَلاَ عَلَيْكَ وَ لاَ اَلْعُذْرُ فِيهِ إِلَيْكَ وَ ذَكَرْتَ أَنَّكَ زَائِرِي فِي جَمْعِ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ قَدِ اِنْقَطَعَتِ اَلْهِجْرَةُ يَوْمَ أُسِرَ أَخُوكَ فَإِنْ كَانَ فِيكَ فِيهِ عَجَلٌ فَاسْتَرْفِهْ فَإِنِّي إِنْ أَزُرْكَ فَذَلِكَ جَدِيرٌ أَنْ يَكُونَ اَللَّهُ إِنَّمَا بَعَثَنِي إِلَيْكَ لِلنِّقْمَةِ مِنْكَ وَ إِنْ تَزُرْنِي فَكَمَا قَالَ أَخُو بَنِي أَسَدٍ

مُسْتَقْبِلِينَ رِيَاحَ اَلصَّيْفِ تَضْرِبُهُمْ

بِحَاصِبٍ بَيْنَ أَغْوَارٍ وَ جُلْمُودِ

وَ عِنْدِي اَلسَّيْفُ اَلَّذِي أَعْضَضْتُهُ بِجَدِّكَ وَ خَالِكَ وَ أَخِيكَ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ فَإِنَّكَ وَ إِنَّكَ وَ اَللَّهِ مَا عَلِمْتُ اَلْأَغْلَفُ اَلْقَلْبِ اَلْمُقَارِبُ اَلْعَقْلِ وَ اَلْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَكَ إِنَّكَ رَقِيتَ سُلَّماً أَطْلَعَكَ مَطْلَعَ سُوءٍ عَلَيْكَ لاَ لَكَ لِأَنَّكَ نَشَدْتَ غَيْرَ ضَالَّتِكَ وَ رَعَيْتَ غَيْرَ سَائِمَتِكَ وَ طَلَبْتَ أَمْراً لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَ لاَ فِي مَعْدِنِهِ فَمَا أَبْعَدَ قَوْلَكَ مِنْ فِعْلِكَ

٢٥٠

وَ قَرِيبٌ مَا أَشْبَهْتَ مِنْ أَعْمَامٍ وَ أَخْوَالٍ حَمَلَتْهُمُ اَلشَّقَاوَةُ وَ تَمَنِّي اَلْبَاطِلِ عَلَى اَلْجُحُودِ بِمُحَمَّدٍ ص فَصُرِعُوا مَصَارِعَهُمْ حَيْثُ عَلِمْتَ لَمْ يَدْفَعُوا عَظِيماً وَ لَمْ يَمْنَعُوا حَرِيماً بِوَقْعِ سُيُوفٍ مَا خَلاَ مِنْهَا اَلْوَغَى وَ لَمْ تُمَاشِهَا اَلْهُوَيْنَى وَ قَدْ أَكْثَرْتَ فِي قَتَلَةِ عُثْمَانَ فَادْخُلْ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ اَلنَّاسُ ثُمَّ حَاكِمِ اَلْقَوْمَ إِلَيَّ أَحْمِلْكَ وَ إِيَّاهُمْ عَلَى كِتَابِ اَللَّهِ تَعَالَى وَ أَمَّا تِلْكَ اَلَّتِي تُرِيدُ فَإِنَّهَا خُدْعَةُ اَلصَّبِيِّ عَنِ اَللَّبَنِ فِي أَوَّلِ اَلْفِصَالِ وَ اَلسَّلاَمُ لِأَهْلِهِ

كتاب معاوية إلى علي

أما الكتاب الذي كتبه إليه معاوية و هذا الكتاب جوابه فهو من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فإنا بني عبد مناف لم نزل ننزع من قليب واحد و نجري في حلبة واحدة ليس لبعضنا على بعض فضل و لا لقائمنا على قاعدنا فخر كلمتنا مؤتلفة و ألفتنا جامعة و دارنا واحدة يجمعنا كرم العرق و يحوينا شرف النجار و يحنو قوينا على ضعيفنا و يواسي غنينا فقيرنا قد خلصت قلوبنا من وغل الحسد و طهرت أنفسنا من خبث النية فلم نزل كذلك حتى كان منك ما كان من الإدهان في أمر ابن عمك و الحسد له و نصرة الناس عليه حتى قتل بمشهد منك لا تدفع عنه بلسان و لا يد فليتك

٢٥١

أظهرت نصره حيث أسررت خبره فكنت كالمتعلق بين الناس بعذر و إن ضعف و المتبرئ من دمه بدفع و إن وهن و لكنك جلست في دارك تدس إليه الدواهي و ترسل إليه الأفاعي حتى إذا قضيت وطرك منه أظهرت شماتة و أبديت طلاقة و حسرت للأمر عن ساعدك و شمرت عن ساقك و دعوت الناس إلى نفسك و أكرهت أعيان المسلمين على بيعتك ثم كان منك بعد ما كان من قتلك شيخي المسلمين أبي محمد طلحة و أبي عبد الله الزبير و هما من الموعودين بالجنة و المبشر قاتل أحدهما بالنار في الآخرة هذا إلى تشريدك بأم المؤمنين عائشة و إحلالها محل الهون متبذلة بين أيدي الأعراب و فسقة أهل الكوفة فمن بين مشهر لها و بين شامت بها و بين ساخر منها ترى ابن عمك كان بهذه لو رآه راضيا أم كان يكون عليك ساخطا و لك عنه زاجرا أن تؤذي أهله و تشرد بحليلته و تسفك دماء أهل ملته ثم تركك دار الهجرة التي

قال رسول الله ص عنها إن المدينة لتنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد فلعمري لقد صح وعده و صدق قوله و لقد نفت خبثها و طردت عنها من ليس بأهل أن يستوطنها فأقمت بين المصرين و بعدت عن بركة الحرمين و رضيت بالكوفة بدلا من المدينة و بمجاورة الخورنق و الحيرة عوضا من مجاورة خاتم النبوة و من قبل ذلك ما عبت خليفتي رسول الله ص أيام حياتهما فقعدت عنهما و ألبت عليهما و امتنعت من بيعتهما و رمت أمرا لم يرك الله تعالى له أهلا و رقيت سلما وعرا و حاولت مقاما دحضا و ادعيت ما لم تجد عليه ناصرا و لعمري لو وليتها حينئذ لما ازدادت إلا فسادا و اضطرابا و لا أعقبت ولايتكها إلا انتشارا و ارتدادا لأنك الشامخ بأنفه الذاهب بنفسه المستطيل على الناس بلسانه و يده و ها أنا سائر إليك في جمع

٢٥٢

من المهاجرين و الأنصار تحفهم سيوف شامية و رماح قحطانية حتى يحاكموك إلى الله فانظر لنفسك و للمسلمين و ادفع إلي قتلة عثمان فإنهم خاصتك و خلصاؤك و المحدقون بك فإن أبيت إلا سلوك سبيل اللجاج و الإصرار على الغي و الضلال فاعلم أن هذه الآية إنما نزلت فيك و في أهل العراق معك( وَ ضَرَبَ اَللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اَللَّهِ فَأَذاقَهَا اَللَّهُ لِباسَ اَلْجُوعِ وَ اَلْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ ) . ثم نعود إلى تفسير ألفاظ الفصل و معانيه قال ع لعمري إنا كنا بيتا واحدا في الجاهلية لأنا بنو عبد مناف إلا أن الفرقة بيننا و بينكم حصلت منذ بعث الله محمدا ص فإنا آمنا و كفرتم ثم تأكدت الفرقة اليوم بأنا استقمنا على منهاج الحق و فتنتم ثم قال و ما أسلم من أسلم منكم إلا كرها كأبي سفيان و أولاده يزيد و معاوية و غيرهم من بني عبد شمس قال و بعد أن كان أنف الإسلام محاربا لرسول الله ص أي في أول الإسلام يقال كان ذلك في أنف دولة بني فلان أي في أولها و أنف كل شي‏ء أوله و طرفه و كان أبو سفيان و أهله من بني عبد شمس أشد الناس على رسول الله ص في أول الهجرة إلى أن فتح مكة ثم أجابه عن قوله قتلت طلحة و الزبير و شردت بعائشة و نزلت بين المصرين بكلام مختصر أعرض فيه عنه

٢٥٣

هوانا به فقال هذا أمر غبت عنه فليس عليك كان العدوان الذي تزعم و لا العذر إليك لو وجب على العذر عنه فأما الجواب المفصل فأن يقال إن طلحة و الزبير قتلا أنفسهما ببغيهما و نكثهما و لو استقاما على الطريقة لسلما و من قتله الحق فدمه هدر و أما كونهما شيخين من شيوخ الإسلام فغير مدفوع و لكن العيب يحدث و أصحابنا يذهبون إلى أنهما تابا و فارقا الدنيا نادمين على ما صنعا و كذلك نقول نحن فإن الأخبار كثرت بذلك فهما من أهل الجنة لتوبتهما و لو لا توبتهما لكانا هالكين كما هلك غيرهما فإن الله تعالى لا يحابي أحدا في الطاعة و التقوى( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى‏ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) . و أما الوعد لهما بالجنة فمشروط بسلامة العاقبة و الكلام في سلامتهما و إذا ثبتت توبتهما فقد صح الوعد لهما و تحقق و قوله بشر قاتل ابن صفية بالنار فقد اختلف فيه فقال قوم من أرباب السير و علماء الحديث هو كلام أمير المؤمنين ع غير مرفوع و قوم منهم جعلوه مرفوعا و على كل حال فهو حق لأن ابن جرموز قلته موليا خارجا من الصف مفارقا للحرب فقد قتله على توبة و إنابة و رجوع من الباطل و قاتل من هذه حاله فاسق مستحق للنار و أما أم المؤمنين عائشة فقد صحت توبتها و الأخبار الواردة في توبتها أكثر من الأخبار الواردة في توبة طلحة و الزبير لأنها عاشت زمانا طويلا و هما لم يبقيا و الذي جرى لها كان خطأ منها فأي ذنب لأمير المؤمنين ع في ذلك و لو أقامت في منزلها لم تبتذل بين الأعراب و أهل الكوفة على أن أمير المؤمنين ع أكرمها و صانها و عظم من شأنها و من أحب أن يقف على ما فعله معها فليطالع كتب السيرة و لو كانت فعلت بعمر ما فعلت به و شقت عصا الأمة عليه ثم ظفر بها لقتلها و مزقها إربا إربا و لكن عليا كان حليما كريما

٢٥٤

و أما قوله لو عاش رسول الله ص فبربك هل كان يرضى لك أن تؤذي حليلته فلعلي ع أن يقلب الكلام عليه فيقول أ فتراه لو عاش أ كان يرضى لحليلته أن تؤذي أخاه و وصيه و أيضا أ تراه لو عاش أ كان يرضى لك يا ابن أبي سفيان أن تنازع عليا الخلافة و تفرق جماعة هذه الأمة و أيضا أ تراه لو عاش أ كان يرضى لطلحة و الزبير أن يبايعا ثم ينكثا لا لسبب بل قالا جئنا نطلب الدراهم فقد قيل لنا إن بالبصرة أموالا كثيرة هذا كلام يقوله مثلهما فأما قوله تركت دار الهجرة فلا عيب عليه إذا انقضت عليه أطراف الإسلام بالبغي و الفساد أن يخرج من المدينة إليها و يهذب أهلها و ليس كل من خرج من المدينة كان خبثا فقد خرج عنها عمر مرارا إلى الشام ثم لعلي ع أن يقلب عليه الكلام فيقول له و أنت يا معاوية فقد نفتك المدينة أيضا عنها فأنت إذا خبث و كذلك طلحة و الزبير و عائشة الذين تتعصب لهم و تحتج على الناس بهم و قد خرج عن المدينة الصالحون كابن مسعود و أبي ذر و غيرهما و ماتوا في بلاد نائية عنها و أما قوله بعدت عن حرمة الحرمين و مجاورة قبر رسول الله ص فكلام إقناعي ضعيف و الواجب على الإمام أن يقدم الأهم فالأهم من مصالح الإسلام و تقديم قتال أهل البغي على المقام بين الحرمين أولى فأما ما ذكره من خذلانه عثمان و شماتته به و دعائه الناس بعد قتله إلى نفسه و إكراهه طلحة و الزبير و غيرهما على بيعته فكله دعوى و الأمر بخلافها و من نظر كتب السير عرف أنه قد بهته و ادعى عليه ما لم يقع منه و أما قوله التويت على أبي بكر و عمر و قعدت عنهما و حاولت الخلافة بعد رسول الله ص فإن عليا ع لم يكن يجحد ذلك و لا ينكره و لا ريب

٢٥٥

أنه كان يدعى الأمر بعد وفاة رسول الله ص لنفسه على الجملة أما لنص كما تقوله الشيعة أو لأمر آخر كما يقوله أصحابنا فأما قوله لو وليتها حينئذ لفسد الأمر و اضطرب الإسلام فهذا علم غيب لا يعلمه إلا الله و لعله لو وليها حينئذ لاستقام الأمر و صلح الإسلام و تمهد فإنه ما وقع الاضطراب عند ولايته بعد عثمان إلا لأن أمره هان عندهم بتأخره عن الخلافة و تقدم غيره عليه فصغر شأنه في النفوس و قرر من تقدمه في قلوب الناس أنه لا يصلح لها كل الصلاحية و الناس على ما يحصل في نفوسهم و لو كان وليها ابتداء و هو على تلك الحالة التي كان عليها أيام حياة رسول الله ص و تلك المنزلة الرفيعة و الاختصاص الذي كان له لكان الأمر غير الذي رأيناه عند ولايته بعد عثمان و أما قوله لأنك الشامخ بأنفه الذاهب بنفسه فقد أسرف في وصفه بما وصفه به و لا شك أن عليا ع كان عنده زهو لكن لا هكذا و كان ع مع زهوه ألطف الناس خلقا ثم نرجع إلى تفسير ألفاظه ع قوله و ذكرت أنك زائري في جمع من المهاجرين و الأنصار و قد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك هذا الكلام تكذيب له في قوله في جمع من المهاجرين و الأنصار أي ليس معك مهاجر لأن أكثر من معك ممن رأى رسول الله ص هم أبناء الطلقاء و من أسلم بعد الفتح و قد قال النبي ص لا هجرة بعد الفتح و عبر عن يوم الفتح بعبارة حسنة فيها تقريع لمعاوية و أهله بالكفر و أنهم ليسوا من ذوي السوابق فقال قد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك يعني يزيد بن أبي سفيان أسر يوم الفتح في باب الخندمة و كان خرج في نفر من قريش يحاربون و يمنعون

٢٥٦

من دخول مكة فقتل منهم قوم و أسر يزيد بن أبي سفيان أسره خالد بن الوليد فخلصه أبو سفيان منه و أدخله داره فأمن لأن رسول الله ص قال يومئذ من دخل دار أبي سفيان فهو آمن

ذكر الخبر عن فتح مكة

و يجب أن نذكر في هذا الموضع ملخص ما ذكره الواقدي في كتاب المغازي في فتح مكة فإن الموضع يقتضيه لقوله ع ما أسلم مسلمكم إلا كرها و قوله يوم أسر أخوك قال محمد بن عمر الواقدي في كتاب المغازي كان رسول الله ص قد هادن قريشا في عام الحديبية عشر سنين و جعل خزاعة داخلة معه و جعلت قريش بني بكر بن عبد مناة من كنانة داخلة معهم و كان بين بني بكر و بين خزاعة تراث في الجاهلية و دماء و قد كانت خزاعة من قبل حالفت عبد المطلب بن هاشم و كان معها كتاب منه و كان رسول الله ص يعرف ذلك فلما تم صلح الحديبية و أمن الناس سمع غلام من خزاعة إنسانا من بني كنانة يقال له أنس بن زنيم الدؤلي ينشد هجاء له في رسول الله ص فضربه فشجه فخرج أنس إلى قومه فأراهم شجته فثار بينهم الشر و تذاكروا أحقادهم القديمة و القوم مجاورون بمكة فاستنجدت بكر بن عبد مناة قريشا على خزاعة فمن قريش من كره ذلك و قال لا انقض عهد محمد و منهم من خف إليه و كان أبو سفيان أحد من كره ذلك و كان صفوان بن أمية و حويطب بن عبد العزى و مكرز بن حفص

٢٥٧

ممن أعان بني بكر و دسوا إليهم الرجال بالسلاح سرا و بيتوا خزاعة ليلا فأوقعوا بهم فقتلوا منهم عشرين رجلا فلما أصبحوا عاتبوا قريشا فجحدت قريش أنها أعانت بكرا و كذبت في ذلك و تبرأ أبو سفيان و قوم من قريش مما جرى و شخص قوم من خزاعة إلى المدينة مستصرخين برسول الله ص فدخلوا عليه و هو في المسجد فقام عمرو بن سالم الخزاعي فأنشده:

لا هم إني ناشد محمدا

حلف أبينا و أبيه الأتلدا

لكنت والدا و كنا ولدا

ثمت أسلمنا و لم ننزع يدا

إن قريشا أخلفوك الموعدا

و نقضوا ميثاقك المؤكدا

هم بيتونا بالوتير هجدا

نتلو القران ركعا و سجدا

و زعموا أن لست تدعو أحدا

و هم أذل و أقل عددا

فانصر هداك الله نصرا أيدا

و ادع عباد الله يأتوا مددا

في فيلق كالبحر يجري مزبدا

فيهم رسول الله قد تجردا

قرم لقوم من قروم أصيدا

ثم ذكروا له ما أثار الشر و قالوا له إن أنس بن زنيم هجاك و إن صفوان بن أمية و فلانا و فلانا دسوا إلينا رجال قريش مستنصرين فبيتونا بمنزلنا بالوتير فقتلونا و جئناك مستصرخين بك فزعموا أن رسول الله ص قام مغضبا يجر رداءه و يقول لا نصرت إن لم أنصر خزاعة فيما أنصر منه نفسي

٢٥٨

قلت فصادف ذلك من رسول الله ص إيثارا و حبا لنقض العهد لأنه كان يريد أن يفتح مكة و هم بها في عام الحديبية فصد ثم هم بها في عمرة القضية ثم وقف لأجل العهد و الميثاق الذي كان عقده معهم فلما جرى ما جرى على خزاعة اغتنمها قال الواقدي فكتب إلى جميع الناس في أقطار الحجاز و غيرها يأمرهم أن يكونوا بالمدينة في رمضان من سنة ثمان للهجرة فوافته الوفود و القبائل من كل جهة فخرج من المدينة بالناس يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان في عشرة آلاف فكان المهاجرون سبعمائة و معهم من الخيل ثلاثمائة فرس و كانت الأنصار أربعة آلاف معهم من الخيل خمسمائة و كانت مزينة ألفا فيها من الخيل مائة فرس و كانت أسلم أربعمائة فيها من الخيل ثلاثون فرسا و كانت جهينة ثمانمائة معها خمسون فرسا و من سائر الناس تمام عشرة آلاف و هم بنو ضمرة و بنو غفار و أشجع و بنو سليم و بنو كعب بن عمرو و غيرهم و عقد للمهاجرين ثلاثة ألوية لواء مع علي و لواء مع الزبير و لواء مع سعد بن أبي وقاص و كانت الرايات في الأنصار و غيرهم و كتم عن الناس الخبر فلم يعلم به إلا خواصه و أما قريش بمكة فندمت على ما صنعت بخزاعة و عرفت أن ذلك انقضاء ما بينهم و بين النبي ص من العهد و مشى الحارث بن هشام و عبد الله بن أبي ربيعة إلى أبي سفيان فقالا له إن هذا أمر لا بد له أن يصلح و الله إن لم يصلح لا يروعكم إلا محمد في أصحابه و قال أبو سفيان قد رأت هند بنت عتبة رؤيا كرهتها و أفظعتها و خفت من شرها قالوا ما رأت قال رأت كان دما أقبل من الحجون يسيل حتى وقف بالخندمة مليا ثم كان ذلك الدم لم يكن فكره القوم ذلك و قالوا هذا شر قال الواقدي فلما رأى أبو سفيان ما رأى من الشر قال هذا و الله أمر لم أشهده

٢٥٩

و لم أغب عنه لا يحمل هذا إلا علي و لا و الله ما شوورت و لا هونت حيث بلغني و الله ليغزونا محمد إن صدق ظني و هو صادق و ما لي بد أن آتي محمدا فأكلمه أن يزيد في الهدنة و يجدد العهد قبل أن يبلغه هذا الأمر قالت قريش قد و الله أصبت و ندمت قريش على ما صنعت بخزاعة و عرفت أن رسول الله ص لا بد أن يغزوها فخرج أبو سفيان و خرج معه مولى له على راحلتين و أسرع السير و هو يرى أنه أول من خرج من مكة إلى رسول الله ص قال الواقدي و قد روى الخبر على وجه آخر و هو أنه لما قدم ركب خزاعة على رسول الله ص فأخبروه بمن قتل منهم قال لهم بمن تهمتكم و طلبتكم قالوا بنو بكر بن عبد مناة قال كلها قالوا لا و لكن تهمتنا بنو نفاثة قصرة و رأسهم نوفل بن معاوية النفاثي فقال هذا بطن من بكر فأنا باعث إلى أهل مكة فسائلهم عن هذا الأمر و مخيرهم في خصال فبعث إليهم ضمرة يخيرهم بين إحدى خلال ثلاث بين أن يدوا خزاعة أو يبرءوا من حلف نفاثة أو ينبذ إليهم على سواء فأتاهم ضمرة فخيرهم بين الخلال الثلاث فقال قريظة بن عبد عمرو الأعمى أما أن ندي قتلى خزاعة فإنا إن وديناهم لم يبق لنا سبد و لا لبد و أما أن نبرأ من حلف نفاثة فإنه ليس قبيلة تحج هذا البيت أشد تعظيما له من نفاثة و هم حلفاؤنا فلا نبرأ من حلفهم و لكنا ننبذ إليه على سواء فعاد ضمرة إلى رسول الله ص بذلك و ندمت قريش أن ردت ضمرة بما ردته به قال الواقدي و قد روي غير ذلك روي أن قريشا لما ندمت على قتل خزاعة و قالت محمد غازينا قال لهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح و هو يومئذ كافر مرتد

٢٦٠