كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٧

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 286

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 286
المشاهدات: 39854
تحميل: 4250


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 286 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39854 / تحميل: 4250
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 17

مؤلف:
العربية

و كما لا يصلح الملك إلا بمن يستحق الملك كذلك لا تصلح الوزارة إلا بمن يستحق الوزارة و كان يقال الوزير الصالح لا يرى أن صلاحه في نفسه كائن صلاحا حتى يتصل بصلاح الملك و صلاح رعيته و أن تكون عنايته فيما عطف الملك على رعيته و فيما استعطف قلوب الرعية و العامة على الطاعة للملك و فيما فيه قوام أمر الملك من التدبير الحسن حتى يجمع إلى أخذ الحق تقديم عموم الأمن و إذا طرقت الحوادث كان للملك عدة و عتادا و للرعية كافيا محتاطا و من ورائها محاميا ذابا يعنيه من صلاحها ما لا يعنيه من صلاح نفسه دونها و كان يقال مثل الملك الصالح إذا كان وزيره فاسدا مثل الماء العذب الصافي و فيه التمساح لا يستطيع الإنسان و إن كان سابحا و إلى الماء ظامئا دخوله حذرا على نفسه قال عمر بن عبد العزيز لمحمد بن كعب القرظي حين استخلف لو كنت كاتبي و ردءا لي على ما دفعت إليه قال لا أفعل و لكني سأرشدك أسرع الاستماع و أبطئ في التصديق حتى يأتيك واضح البرهان و لا تعملن ثبجتك فيما تكتفي فيه بلسانك و لا سوطك فيما تكتفي فيه بثبجتك و لا سيفك فيما تكتفي فيه بسوطك و كان يقال التقاط الكاتب للرشا و ضبط الملك لا يجتمعان و قال أبرويز لكاتبه اكتم السر و اصدق الحديث و اجتهد في النصيحة و عليك بالحذر فإن لك علي ألا أعجل عليك حتى أستأني لك و لا أقبل فيك قولا حتى أستيقن و لا أطمع فيك أحدا فتغتال و اعلم أنك بمنجاة رفعة فلا تحطنها و في

٨١

ظل مملكة فلا تستزيلنه قارب الناس مجاملة من نفسك و باعدهم مسامحة عن عدوك و اقصد إلى الجميل ازدراعا لغدك و تنزه بالعفاف صونا لمروءتك و تحسن عندي بما قدرت عليه احذر لا تسرعن الألسنة عليك و لا تقبحن الأحدوثة عنك و صن نفسك صون الدرة الصافية و أخلصها إخلاص الفضة البيضاء و عاتبها معاتبة الحذر المشفق و حصنها تحصين المدينة المنيعة لا تدعن أن ترفع إلى الصغير فإنه يدل على الكبير و لا تكتمن عني الكبير فإنه ليس بشاغل عن الصغير هذب أمورك ثم القني بها و احكم أمرك ثم راجعني فيه و لا تجترئن علي فأمتعض و لا تنقبضن مني فأتهم و لا تمرضن ما تلقاني به و لا تخدجنه و إذا أفكرت فلا تجعل و إذا كتبت فلا تعذر و لا تستعن بالفضول فإنها علاوة على الكفاية و لا تقصرن عن التحقيق فإنها هجنة بالمقالة و لا تلبس كلاما بكلام و لا تبعدن معنى عن معنى و أكرم لي كتابك عن ثلاث خضوع يستخفه و انتشار يهجنه و معان تعقد به و اجمع الكثير مما تريد في القليل مما تقول و ليكن بسطة كلامك على كلام السوقة كبسطة الملك الذي تحدثه على الملوك لا يكن ما نلته عظيما و ما تتكلم به صغيرا فإنما كلام الكاتب على مقدار الملك فاجعله عاليا كعلوه و فائقا كتفوقه فإنما جماع الكلام كله خصال أربع سؤالك الشي‏ء و سؤالك عن الشي‏ء و أمرك بالشي‏ء و خبرك عن الشي‏ء فهذه الخصال دعائم المقالات إن التمس إليها خامس لم يوجد و إن نقص منها واحد لم يتم فإذا أمرت فاحكم و إذا سألت فأوضح و إذا طلبت فأسمح و إذا أخبرت فحقق فإنك إذا فعلت ذلك أخذت بجراثيم القول كله فلم يشتبه عليك واردة و لم تعجزك صادرة أثبت في دواوينك ما أخذت و أحص فيها ما أخرجت و تيقظ لما تعطي و تجرد لما تأخذ و لا يغلبنك النسيان عن الإحصاء و لا الأناة عن التقدم و لا تخرجن

٨٢

وزن قيراط في غير حق و لا تعظمن إخراج الألوف الكثيرة في الحق و ليكن ذلك كله عن مؤامرتي : ثُمَّ اِسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِي اَلصِّنَاعَاتِ وَ أَوْصِ بِهِمْ خَيْراً اَلْمُقِيمِ مِنْهُمْ وَ اَلْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ وَ اَلْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ اَلْمَنَافِعِ وَ أَسْبَابُ اَلْمَرَافِقِ وَ جُلاَّبُهَا مِنَ اَلْمَبَاعِدِ وَ اَلْمَطَارِحِ فِي بَرِّكَ وَ بَحْرِكَ وَ سَهْلِكَ وَ جَبَلِكَ وَ حَيْثُ لاَ يَلْتَئِمُ اَلنَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا وَ لاَ يَجْتَرِءُونَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لاَ تُخَافُ بَائِقَتُهُ وَ صُلْحٌ لاَ تُخْشَى غَائِلَتُهُ وَ تَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَ فِي حَوَاشِي بِلاَدِكَ وَ اِعْلَمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً وَ شُحّاً قَبِيحاً وَ اِحْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ وَ تَحَكُّماً فِي اَلْبِيَاعَاتِ وَ ذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ وَ عَيْبٌ عَلَى اَلْوُلاَةِ فَامْنَعْ مِنَ اَلاِحْتِكَارِ فَإِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ص مَنَعَ مِنْهُ وَ لْيَكُنِ اَلْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً بِمَوَازِينِ عَدْلٍ وَ أَسْعَارٍ لاَ تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ اَلْبَائِعِ وَ اَلْمُبْتَاعِ فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ بِهِ وَ عَاقِبْهُ مِنْ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ خرج ع الآن إلى ذكر التجار و ذوي الصناعات و أمره بأن يعمل معهم الخير و أن يوصى غيره من أمرائه و عماله أن يعملوا معهم الخير و استوص بمعنى أوص

٨٣

نحو قر في المكان و استقر و علا قرنه و استعلاه و قوله استوص بالتجار خيرا أي أوص نفسك بذلك و منه

قول النبي ص استوصوا بالنساء خيرا و مفعولا استوص و أوص هاهنا محذوفان للعلم بهما و يجوز أن يكون استوص أي اقبل الوصية مني بهم و أوص بهم أنت غيرك ثم قسم ع الموصى بهم ثلاثة أقسام اثنان منها للتجار و هما المقيم و المضطرب يعني المسافر و الضرب السير في الأرض قال تعالى( إِذا ضَرَبْتُمْ فِي اَلْأَرْضِ ) و واحد لأرباب الصناعات و هو قوله و المترفق ببدنه و روي بيديه تثنية يد و المطارح الأماكن البعيدة و حيث لا يلتئم الناس لا يجتمعون و روي حيث لا يلتئم بحذف الواو ثم قال فإنهم أولو سلم يعني التجار و الصناع استعطفه عليهم و استماله إليهم و قال ليسوا كعمال الخراج و أمراء الأجناد فجانبهم ينبغي أن يراعى و حالهم يجب أن يحاط و يحمى إذ لا يتخوف منهم بائقة لا في مال يخونون فيه و لا في دولة يفسدونها و حواشي البلاد أطرافها ثم قال له قد يكون في كثير منهم نوع من الشح و البخل فيدعوهم ذلك إلى الاحتكار في الأقوات و الحيف في البياعات و الاحتكار ابتياع الغلات في أيام

٨٤

رخصها و ادخارها في المخازن إلى أيام الغلاء و القحط و الحيف تطفيف في الوزن و الكيل و زيادة في السعر و هو الذي عبر عنه بالتحكم و قد نهى رسول الله ص عن الاحتكار و أما التطفيف و زياد التسعير فمنهي عنهما في نص الكتاب و قارف حكرة واقعها و الحاء مضمومة و أمره أن يؤدب فاعل ذلك من غير إسراف و ذلك أنه دون المعاصي التي توجب الحدود فغاية أمره من التعزير الإهانة و المنع : ثُمَّ اَللَّهَ اَللَّهَ فِي اَلطَّبَقَةِ اَلسُّفْلَى مِنَ اَلَّذِينَ لاَ حِيلَةَ لَهُمْ مِنَ اَلْمَسَاكِينِ وَ اَلْمُحْتَاجِينَ وَ أَهْلِ اَلْبُؤْسَى وَ اَلزَّمْنَى فَإِنَّ فِي هَذِهِ اَلطَّبَقَةِ قَانِعاً وَ مُعْتَرّاً وَ اِحْفَظِ اَللَّهَ لِلَّهِ مَا اِسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ وَ اِجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ وَ قِسْماً مِنْ غَلاَّتِ صَوَافِي اَلْإِسْلاَمِ فِي كُلِّ بَلَدٍ فَإِنَّ لِلْأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ اَلَّذِي لِلْأَدْنَى وَ كُلٌّ قَدِ اِسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ وَ لاَ يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ فَإِنَّكَ لاَ تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِ اَلتَّافِهِ بِتَضْيِيعِكَ اَلتَّافِهَ لِإِحْكَامِكَ اَلْكَثِيرَ اَلْمُهِمَّ فَلاَ تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ وَ لاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ وَ تَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لاَ يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ اَلْعُيُونُ وَ تَحْقِرُهُ اَلرِّجَالُ فَفَرِّغْ لِأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ اَلْخَشْيَةِ وَ اَلتَّوَاضُعِ فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ ثُمَّ اِعْمَلْ فِيهِمْ بِالْإِعْذَارِ إِلَى اَللَّهِ سُبْحَانَهُ يَوْمَ تَلْقَاهُ فَإِنَّ هَؤُلاَءِ مِنْ بَيْنِ اَلرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى اَلْإِنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَ كُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اَللَّهِ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيْهِ

٨٥

وَ تَعَهَّدْ أَهْلَ اَلْيُتْمِ وَ ذَوِي اَلرِّقَّةِ فِي اَلسِّنِّ مِمَّنْ لاَ حِيلَةَ لَهُ وَ لاَ يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ وَ ذَلِكَ عَلَى اَلْوُلاَةِ ثَقِيلٌ وَ اَلْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ وَ قَدْ يُخَفِّفُهُ اَللَّهُ عَلَى أَقْوَامٍ طَلَبُوا اَلْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ وَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اَللَّهِ لَهُمْ انتقل من التجار و أرباب الصناعات إلى ذكر فقراء الرعية و مغموريها فقال و أهل البؤسى و هي البؤس كالنعمى للنعيم و الزمنى أولو الزمانة و القانع السائل و المعتر الذي يعرض لك و لا يسألك و هما من ألفاظ الكتاب العزيز و أمره أن يعطيهم من بيت مال المسلمين لأنهم من الأصناف المذكورين في قوله تعالى( وَ اِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبى‏ وَ اَلْيَتامى‏ وَ اَلْمَساكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ ) و أن يعطيهم من غلات صوافي الإسلام و هي الأرضون التي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و كانت صافية لرسول الله ص فلما قبض صارت لفقراء المسلمين و لما يراه الإمام من مصالح الإسلام ثم قال له فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى أي كل فقراء المسلمين سواء في سهامهم ليس فيها أقصى و أدنى أي لا تؤثر من هو قريب إليك أو إلى أحد من خاصتك على من هو بعيد ليس له سبب إليك و لا علقة بينه و بينك و يمكن أن يريد به لا تصرف غلات ما كان من الصوافي في بعض البلاد إلى مساكين ذلك

٨٦

البلد خاصة فإن حق البعيد عن ذلك البلد فيها كمثل حق المقيم في ذلك البلد و التافه الحقير و أشخصت زيدا من موضع كذا أخرجته عنه و فلان يصعر خده للناس أي يتكبر عليهم و تقتحمه العيون تزدريه و تحتقره و الإعذار إلى الله الاجتهاد و المبالغة في تأدية حقه و القيام بفرائضه كان بعض الأكاسرة يجلس للمظالم بنفسه و لا يثق إلى غيره و يقعد بحيث يسمع الصوت فإذا سمعه أدخل المتظلم فأصيب بصمم في سمعه فنادى مناديه أن الملك يقول أيها الرعية إني إن أصبت بصمم في سمعي فلم أصب في بصري كل ذي ظلامة فليلبس ثوبا أحمر ثم جلس لهم في مستشرف له و كان لأمير المؤمنين ع بيت سماه بيت القصص يلقي الناس فيه رقاعهم و كذلك كان فعل المهدي محمد بن هارون الواثق من خلفاء بني العباس : وَ اِجْعَلْ لِذَوِي اَلْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ وَ تَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلَّهِ اَلَّذِي خَلَقَكَ وَ تُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَ أَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَ شُرَطِكَ حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ ص يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ اَلْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ

٨٧

ثُمَّ اِحْتَمِلِ اَلْخُرْقَ مِنْهُمْ وَ اَلْعِيَّ وَ نَحِّ عَنْهُمُ اَلضِّيقَ وَ اَلْأَنَفَ يَبْسُطِ اَللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ وَ يُوجِبُ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَ أَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وَ اِمْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَ إِعْذَارٍ ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لاَ بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ وَ مِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ اَلنَّاسِ عِنْدَ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ وَ أَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ هذا الفصل من تتمة ما قبله و قد روي حتى يكلمك مكلمهم فاعل من كلم و الرواية الأولى الأحسن و غير متتعتع غير مزعج و لا مقلق و المتتعتع في الخبر النبوي المتردد المضطرب في كلامه عيا من خوف لحقه و هو راجع إلى المعنى الأول و الخرق الجهل و روي ثم احتمل الخرق منهم و الغي و الغي و هو الجهل أيضا و الرواية الأولى أحسن ثم بين له ع أنه لا بد له من هذا المجلس لأمر آخر غير ما قدمه ع و ذلك لأنه لا بد من أن يكون في حاجات الناس ما يضيق به صدور أعوانه و النواب عنه فيتعين عليه أن يباشرها بنفسه و لا بد من أن يكون في كتب عماله الواردة عليه

٨٨

ما يعيا كتابه عن جوابه فيجيب عنه بعلمه و يدخل في ذلك أن يكون فيها ما لا يجوز في حكم السياسة و مصلحة الولاية أن يطلع الكتاب عليه فيجيب أيضا عن ذلك بعلمه ثم قال له لا تدخل عمل يوم في عمل يوم آخر فيتعبك و يكدرك فإن لكل يوم ما فيه من العمل : وَ اِجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اَللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلَ تِلْكَ اَلْمَوَاقِيتِ وَ أَجْزَلَ تِلْكَ اَلْأَقْسَامِ وَ إِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا اَلنِّيَّةُ وَ سَلِمَتْ مِنْهَا اَلرَّعِيَّةُ وَ لْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلَّهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ اَلَّتِي هِيَ لَهُ خَاصَّةً فَأَعْطِ اَللَّهَ مِنْ بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ وَ نَهَارِكَ وَ وَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَى اَللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ ذَلِكَ كَامِلاً غَيْرَ مَثْلُومٍ وَ لاَ مَنْقُوصٍ بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ وَ إِذَا قُمْتَ فِي صَلاَتِكَ لِلنَّاسِ فَلاَ تَكُونَنَّ مُنَفِّراً وَ لاَ مُضَيِّعاً فَإِنَّ فِي اَلنَّاسِ مَنْ بِهِ اَلْعِلَّةُ وَ لَهُ اَلْحَاجَةُ وَ قَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اَللَّهِ ص حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى اَلْيَمَنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ فَقَالَ صَلِّ بِهِمْ كَصَلاَةِ أَضْعَفِهِمْ وَ كُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً لما فرغ ع من وصيته بأمور رعيته شرع في وصيته بأداء الفرائض التي

٨٩

افترضها الله عليه من عبادته و لقد أحسن ع في قوله و إن كانت كلها لله أي أن النظر في أمور الرعية مع صحة النية و سلامة الناس من الظلم من جملة العبادات و الفرائض أيضا ثم قال له كاملا غير مثلوم أي لا يحملنك شغل السلطان على أن تختصر الصلاة اختصارا بل صلها بفرائضها و سننها و شعائرها في نهارك و ليلك و إن أتعبك ذلك و نال من بدنك و قوتك ثم أمره إذا صلى بالناس جماعة ألا يطيل فينفرهم عنها و ألا يخدج الصلاة و ينقصها فيضيعها ثم روى خبرا عن النبي ص و هو قوله ع له صل بهم كصلاة أضعفهم و قوله و كن بالمؤمنين رحيما يحتمل أن يكون من تتمة الخبر النبوي و يحتمل أن يكون من كلام أمير المؤمنين ع و الظاهر أنه من كلام أمير المؤمنين من الوصية للأشتر لأن اللفظة الأولى عند أرباب الحديث هي المشهور في الخبر : وَ أَمَّا بَعْدَ هَذَا بَعْدُ فَلاَ تُطَوِّلَنَّ اِحْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّ اِحْتِجَابَ اَلْوُلاَةِ عَنِ اَلرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ اَلضِّيقِ وَ قِلَّةُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ وَ اَلاِحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا اِحْتَجَبُوا دُونَهُ فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ اَلْكَبِيرُ وَ يَعْظُمُ اَلصَّغِيرُ وَ يَقْبُحُ اَلْحَسَنُ وَ يَحْسُنُ اَلْقَبِيحُ وَ يُشَابُ اَلْحَقُّ بِالْبَاطِلِ وَ إِنَّمَا اَلْوَالِي بَشَرٌ لاَ يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ اَلنَّاسُ بِهِ مِنَ اَلْأُمُورِ وَ لَيْسَتْ عَلَى اَلْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ اَلصِّدْقِ مِنَ

٩٠

اَلْكَذِبِ وَ إِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ إِمَّا اِمْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي اَلْحَقِّ فَفِيمَ اِحْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيهِ أَوْ فِعْلٍ كَرِيمٍ تُسْدِيهِ أَوْ مُبْتَلًى بِالْمَنْعِ فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ اَلنَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيِسُوا مِنْ بَذْلِكَ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ اَلنَّاسِ إِلَيْكَ مَا مِمَّا لاَ مَئُونَةَ فِيهِ عَلَيْكَ مِنْ شَكَاةِ مَظْلِمَةٍ أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ نهاه عن الاحتجاب فإنه مظنة انطواء الأمور عنه و إذا رفع الحجاب دخل عليه كل أحد فعرف الأخبار و لم يخف عليه شي‏ء من أحوال عمله ثم قال لم تحتجب فإن أكثر الناس يحتجبون كيلا يطلب منهم الرفد و أنت فإن كنت جوادا سمحا لم يكن لك إلى الحجاب داع و إن كنت ممسكا فسيعلم الناس ذلك منك فلا يسألك أحد شيئا ثم قال على أن أكثر ما يسأل منك ما لا مئونة عليه في ماله كرد ظلامة أو إنصاف من خصم

ذكر الحجاب و ما ورد فيه من الخبر و الشعر

و القول في الحجاب كثير حضر باب عمر جماعة من الأشراف منهم سهيل بن عمرو و عيينة بن حصن و الأقرع بن حابس فحجبوا ثم خرج الآذن فنادى أين عمار أين سلمان أين صهيب

٩١

فأدخلهم فتمعرت وجوه القوم فقال سهيل بن عمرو لم تتمعر وجوهكم دعوا و دعينا فأسرعوا و أبطأنا و لئن حسدتموهم على باب عمر اليوم لأنتم غدا لهم أحسد و استأذن أبو سفيان على عثمان فحجبه فقيل له حجبك فقال لا عدمت من أهلي من إذا شاء حجبني و حجب معاوية أبا الدرداء فقيل لأبي الدرداء حجبك معاوية فقال من يغش أبواب الملوك يهن و يكرم و من صادف بابا مغلقا عليه وجد إلى جانبه بابا مفتوحا إن سأل أعطي و إن دعا أجيب و إن يكن معاوية قد احتجب فرب معاوية لم يحتجب و قال أبرويز لحاجبه لا تضعن شريفا بصعوبة حجاب و لا ترفعن وضيعا بسهولته ضع الرجال مواضع أخطارهم فمن كان قديما شرفه ثم ازدرعه و لم يهدمه بعد آبائه فقدمه على شرفه الأول و حسن رأيه الآخر و من كان له شرف متقدم و لم يصن ذلك حياطة له و لم يزدرعه تثمير المغارسة فألحق بآبائه من رفعة حاله ما يقتضيه سابق شرفهم و ألحق به في خاصته ما ألحق بنفسه و لا تأذن له إلا دبريا و إلا سرارا و لا تلحقه بطبقة الأولين و إذا ورد كتاب عامل من عمالي فلا تحبسه عني طرفة عين إلا أن أكون على حال لا تستطيع الوصول إلي فيها و إذا أتاك من يدعي النصيحة لنا فلتكتبها سرا ثم أدخله بعد أن تستأذن له حتى إذا كان مني بحيث أراه فادفع إلي كتابه فإن أحمدت قبلت و إن كرهت رفضت و إن أتاك عالم مشتهر بالعلم و الفضل يستأذن فأذن له فإن العلم شريف و شريف صاحبه و لا تحجبن عني أحدا من أفناء الناس إذا أخذت مجلسي مجلس العامة فإن الملك لا يحجب إلا عن ثلاث عي يكره أن يطلع عليه منه أو بخل يكره أن يدخل عليه من يسأله أو ريبة هو مصر عليها فيشفق من إبدائها

٩٢

و وقوف الناس عليها و لا بد أن يحيطوا بها علما و إن اجتهد في سترها و قد أخذ هذا المعنى الأخير محمود الوراق فقال:

إذا اعتصم الوالي بإغلاق بابه

و رد ذوي الحاجات دون حجابه

ظننت به إحدى ثلاث و ربما

رجمت بظن واقع بصوابه

أقول به مس من العي ظاهر

ففي إذنه للناس إظهار ما به

فإن لم يكن عي اللسان فغالب

من البخل يحمى ماله عن طلابه

و إن لم يكن لا ذا و لا ذا فريبة

يكتمها مستورة بثيابه

أقام عبد العزيز بن زرارة الكلابي على باب معاوية سنة في شملة من صوف لا يأذن له ثم أذن له و قربه و أدناه و لطف محله عنده حتى ولاه مصر فكان يقال استأذن أقوام لعبد العزيز بن زرارة ثم صار يستأذن لهم و قال في ذلك:

دخلت على معاوية بن حرب

و لكن بعد يأس من دخول

و ما نلت الدخول عليه حتى

حللت محلة الرجل الذليل

و أغضيت الجفون على قذاها

و لم أنظر إلى قال و قيل

و أدركت الذي أملت منه

و حرمان المنى زاد العجول

و يقال إنه قال له لما دخل عليه أمير المؤمنين دخلت إليك بالأمل و احتملت جفوتك بالصبر و رأيت ببابك أقواما قدمهم الحظ و آخرين أخرهم الحرمان فليس ينبغي للمقدم أن يأمن عواقب الأيام و لا للمؤخر أن ييأس من عطف الزمان و أول المعرفة الاختبار فابل و اختبر إن رأيت و كان يقال لم يلزم باب السلطان أحد فصبر على ذل الحجاب و كلام البواب و ألقى الأنف و حمل الضيم و أدام الملازمة إلا وصل إلى حاجته أو إلى معظمها

٩٣

قال عبد الملك لحاجبه إنك عين أنظر بها و جنة أستلئم بها و قد وليتك ما وراء بابي فما ذا تراك صانعا برعيتي قال أنظر إليهم بعينك و أحملهم على قدر منازلهم عندك و أضعهم في إبطائهم عن بابك و لزوم خدمتك مواضع استحقاقهم و أرتبهم حيث وضعهم ترتيبك و أحسن إبلاغهم عنك و إبلاغك عنهم قال لقد وفيت بما عليك و لكن إن صدقت ذلك بفعلك و قال دعبل و قد حجب عن باب مالك بن طوق:

لعمري لئن حجبتني العبيد

لما حجبت دونك القافيه

سأرمي بها من وراء الحجاب

شنعاء تأتيك بالداهيه

تصم السميع و تعمي البصير

و يسأل من مثلها العافيه

و قال آخر:

سأترك هذا الباب ما دام إذنه

على ما أرى حتى يلين قليلا

فما خاب من لم يأته مترفعا

و لا فاز من قد رام فيه دخولا

إذا لم نجد للإذن عندك موضعا

وجدنا إلى ترك المجي‏ء سبيلا

و كتب أبو العتاهية إلى أحمد بن يوسف الكاتب و قد حجبه:

و إن عدت بعد اليوم إني لظالم

سأصرف وجهي حيث تبغي المكارم

متى يفلح الغادي إليك لحاجة

و نصفك محجوب و نصفك نائم

يعني ليله و نهاره استأذن رجلان على معاوية فأذن لأحدهما و كان أشرف منزلة من الآخر ثم أذن للآخر فدخل فجلس فوق الأول فقال معاوية إن الله قد ألزمنا تأديبكم

٩٤

كما ألزمنا رعايتكم و أنا لم نأذن له قبلك و نحن نريد أن يكون مجلسه دونك فقم لا أقام الله لك وزنا و قال بشار:

تأبى خلائق خالد و فعاله

إلا تجنب كل أمر عائب

و إذا أتينا الباب وقت غدائه

أدنى الغداء لنا برغم الحاجب

و قال آخر يهجو:

يا أميرا على جريب من الأر

ض له تسعة من الحجاب

قاعد في الخراب يحجب عنا

ما سمعنا بحاجب في خراب

و كتب بعضهم إلى جعفر بن محمد بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب:

أبا جعفر إن الولاية إن تكن

منبلة قوسا فأنت لها نبل

فلا ترتفع عنا لأمر وليته

كما لم يصغر عندنا شأنك العزل

و من جيد ما مدح به بشر بن مروان قول القائل:

بعيد مراد الطرف ما رد طرفه

حذار الغواشي باب دار و لا ستر

و لو شاء بشر كان من دون بابه

طماطم سود أو صقالبة حمر

و لكن بشرا يستر الباب للتي

يكون لها في غبها الحمد و الأجر

و قال بشار:

خليلي من كعب أعينا أخاكما

على دهره إن الكريم يعين

و لا تبخلا بخل ابن قرعة إنه

مخافة أن يرجى نداه حزين

إذا جئته للعرف أغلق بابه

فلم تلقه إلا و أنت كمين

فقل لأبي يحيى متى تدرك العلا

و في كل معروف عليك يمين

٩٥

و قال إبراهيم بن هرمة:

هش إذا نزل الوفود ببابه

سهل الحجاب مؤدب الخدام

و إذا رأيت صديقه و شقيقه

لم تدر أيهما ذوي الأرحام

و قال آخر:

و إني لأستحيي الكريم إذا أتى

على طمع عند اللئيم يطالبه

و أرثي له من مجلس عند بابه

كمرثيتي للطرف و العلج راكبه

و قال عبد الله بن محمد بن عيينة:

أتيتك زائرا لقضاء حق

فحال الستر دونك و الحجاب

و رأيي مذهب عن كل ناء

يجانبه إذا عز الذهاب

و لست بساقط في قدر قوم

و إن كرهوا كما يقع الذباب

و قال آخر:

ما ضاقت الأرض على راغب

تطلب الرزق و لا راهب

بل ضاقت الأرض على شاعر

أصبح يشكو جفوة الحاجب

قد شتم الحاجب في شعره

و إنما يقصد للصاحب

ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وَ بِطَانَةً فِيهِمُ اِسْتِئْثَارٌ وَ تَطَاوُلٌ وَ قِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ فَاحْسِمْ مَئُونَةَ مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ اَلْأَحْوَالِ وَ لاَ تُقْطِعَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ حَاشِيَتِكَ وَ حَامَّتِكَ قَطِيعَةً وَ لاَ يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اِعْتِقَادِ عُقْدَةٍ تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ اَلنَّاسِ فِي

٩٦

شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ يَحْمِلُونَ مَئُونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ وَ عَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي اَلدُّنْيَا وَ اَلآْخِرَةِ وَ أَلْزِمِ اَلْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ اَلْقَرِيبِ وَ اَلْبَعِيدِ وَ كُنْ فِي ذَلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وَ خَوَاصِّكَ خَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ وَ اِبْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْهُ فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذَلِكَ مَحْمُودَةٌ وَ إِنْ ظَنَّتِ اَلرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ وَ اِعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ وَ رِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ وَ إِعْذَاراً تَبْلُغُ بِهِ حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى اَلْحَقِّ نهاه ع عن أن يحمل أقاربه و حاشيته و خواصه على رقاب الناس و أن يمكنهم من الاستئثار عليهم و التطاول و الإذلال و نهاه من أن يقطع أحدا منهم قطيعة أو يملكه ضيعة تضر بمن يجاورها من السادة و الدهاقين في شرب يتغلبون على الماء منه أو ضياع يضيفونها إلى ما ملكهم إياه و إعفاء لهم من مئونة أو حفر و غيره فيعفيهم الولاة منه مراقبة لهم فيكون مئونة ذلك الواجب عليهم قد أسقطت عنهم و حمل ثقلها على غيرهم ثم قال ع لأن منفعة ذلك في الدنيا تكون لهم دونك و الوزر في الآخرة عليك و العيب و الذم في الدنيا أيضا لاحقان بك ثم قال له إن اتهمتك الرعية بحيف عليهم أو ظنت بك جورا فاذكر لهم عذرك

٩٧

في ذلك و ما عندك ظاهرا غير مستور فإنه الأولى و الأقرب إلى استقامتهم لك على الحق و أصحرت بكذا أي كشفته مأخوذ من الإصحار و هو الخروج إلى الصحراء و حامة الرجل أقاربه و بطانته و اعتقدت عقدة أي ادخرت ذخيرة و المهنأ مصدر هنأه كذا و مغبة الشي‏ء عاقبته و اعدل عنك ظنونهم نحها و الإعذار إقامة العذر

طرف من أخبار عمر بن عبد العزيز و نزاهته في خلافته

رد عمر بن عبد العزيز المظالم التي احتقبها بنو مروان فأبغضوه و ذموه و قيل إنهم سموه فمات و روى الزبير بن بكار في الموفقيات أن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز دخل على أبيه يوما و هو في قائلته فأيقظه و قال له ما يؤمنك أن تؤتى في منامك و قد رفعت إليك مظالم لم تقض حق الله فيها فقال يا بني إن نفسي مطيتي إن لم أرفق بها لم تبلغني إني لو أتعبت نفسي و أعواني لم يكن ذلك إلا قليلا حتى أسقط و يسقطوا و إني لأحتسب في نومتي من الأجر مثل الذي أحتسب في يقظتي إن الله جل ثناؤه لو أراد أن ينزل القرآن جملة لأنزله و لكنه أنزل الآية و الآيتين حتى استكثر الإيمان في قلوبهم ثم قال يا بني مما أنا فيه آمر هو أهم إلى أهل بيتك هم أهل العدة و العدد و قبلهم ما قبلهم فلو جمعت ذلك في يوم واحد خشيت انتشارهم علي و لكني أنصف من الرجل

٩٨

و الاثنين فيبلغ ذلك من وراءهما فيكون أنجع له فإن يرد الله إتمام هذا الأمر أتمه و إن تكن الأخرى فحسب عبد أن يعلم الله منه أنه يحب أن ينصف جميع رعيته و روى جويرية بن أسماء عن إسماعيل بن أبي حكيم قال كنا عند عمر بن عبد العزيز فلما تفرقنا نادى مناديه الصلاة جامعة فجئت المسجد فإذا عمر على المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإن هؤلاء يعني خلفاء بني أمية قبله قد كانوا أعطونا عطايا ما كان ينبغي لنا أن نأخذها منهم و ما كان ينبغي لهم أن يعطوناها و إني قد رأيت الآن أنه ليس علي في ذلك دون الله حسيب و قد بدأت بنفسي و الأقربين من أهل بيتي اقرأ يا مزاحم فجعل مزاحم يقرأ كتابا فيه الإقطاعات بالضياع و النواحي ثم يأخذه عمر بيده فيقصه بالجلم لم يزل كذلك حتى نودي بالظهر و روى الفرات بن السائب قال كان عند فاطمة بنت عبد الملك بن مروان جوهر جليل وهبها أبوها و لم يكن لأحد مثله و كانت تحت عمر بن عبد العزيز فلما ولي الخلافة قال لها اختاري إما أن تردي جوهرك و حليك إلى بيت مال المسلمين و إما أن تأذني لي في فراقك فإني أكره أن اجتمع أنا و أنت و هو في بيت واحد فقالت بل أختارك عليه و على أضعافه لو كان لي و أمرت به فحمل إلى بيت المال فلما هلك عمر و استخلف يزيد بن عبد الملك قال لفاطمة أخته إن شئت رددته عليك قالت فإني لا أشاء ذلك طبت عنه نفسا في حياة عمر و أرجع فيه بعد موته لا و الله أبدا فلما رأى يزيد ذلك قسمه بين ولده و أهله و روى سهيل بن يحيى المروزي عن أبيه عن عبد العزيز عن عمر بن عبد العزيز قال لما دفن سليمان صعد عمر على المنبر فقال إني قد خلعت ما في رقبتي من بيعتكم فصاح الناس صيحة واحدة قد اخترناك فنزل و دخل و أمر بالستور فهتكت

٩٩

و الثياب التي كانت تبسط للخلفاء فحملت إلى بيت المال ثم خرج و نادى مناديه من كانت له مظلمة من بعيد أو قريب من أمير المؤمنين فليحضر فقام رجل ذمي من أهل حمص أبيض الرأس و اللحية فقال أسألك كتاب الله قال ما شأنك قال العباس بن الوليد بن عبد الملك اغتصبني ضيعتي و العباس جالس فقال عمر ما تقول يا عباس قال أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد و كتب لي بها سجلا فقال عمر ما تقول أنت أيها الذمي قال يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله فقال عمر إيها لعمري إن كتاب الله لأحق أن يتبع من كتاب الوليد اردد عليه يا عباس ضيعته فجعل لا يدع شيئا مما كان في أيدي أهل بيته من المظالم إلا ردها مظلمة مظلمة و روى ميمون بن مهران قال بعث إلي عمر بن عبد العزيز و إلى مكحول و أبي قلابة فقال ما ترون في هذه الأموال التي أخذها أهلي من الناس ظلما فقال مكحول قولا ضعيفا كرهه عمر فقال أرى أن تستأنف و تدع ما مضى فنظر إلي عمر كالمستغيث بي فقلت يا أمير المؤمنين أحضر ولدك عبد الملك لننظر ما يقول فحضر فقال ما تقول يا عبد الملك فقال ما ذا أقول أ لست تعرف مواضعها قال بلى و الله قال فارددها فإن لم تفعل كنت شريكا لمن أخذها و روى ابن درستويه عن يعقوب بن سفيان عن جويرية بن أسماء قال كان بيد عمر بن عبد العزيز قبل الخلافة ضيعته المعروفة بالسهلة و كانت باليمامة و كانت أمرا عظيما لها غلة عظيمة كثيرة إنما عيشه و عيش أهله منها فلما ولي الخلافة قال لمزاحم مولاه و كان فاضلا إني قد عزمت أن أرد السهلة إلى بيت مال المسلمين فقال مزاحم أ تدري كم ولدك إنهم كذا و كذا قال فذرفت عيناه فجعل يستدمع و يمسح الدمعة بإصبعه الوسطى و يقول أكلهم إلى الله أكلهم إلى الله فمضى مزاحم فدخل على عبد الملك بن عمر فقال له أ لا تعلم ما قد عزم عليه أبوك إنه يريد أن يرد السهلة قال فما قلت

١٠٠