دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة

دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة0%

دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 116

دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة

مؤلف: أبو بكر بن محمّد بن عبد المؤمن تقي الدين الحصني الدمشقي
تصنيف:

الصفحات: 116
المشاهدات: 35328
تحميل: 3529

توضيحات:

دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 116 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35328 / تحميل: 3529
الحجم الحجم الحجم
دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة

دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة

مؤلف:
العربية

يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيمُوتُوا ولا يُخَفَّفُ عَنْهم مِنْ عَذابِهْا كذلك نجزي كلَّ كَفُور ) (١) .

وعلى العليم الحكيم في قوله تعالى :( يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَ مَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَ لَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ‌ ) (٢) .

والايات في ذلك كثيرة عموماً وخصوصاً.

ومنها قوله تعالى :( رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا کَانَ غَرَاماً ) (٣) والغرام المستمّر الذي لا ينقطع، فلو انقطع قدر نَفَس لا يسمى غراماً.

ومن ذلك قوله تعالى :( وجاء رَبُّك ) (٤) .

قال الامام أحمد : معناه جاء أمر ربك. قال القاضي أبو يعلى : قال الامام أحمد : المراد به قدرته وأمره، وقد بيّنه في قوله تعالى :( أو يأتي أمر رَبِّكَ ) (٥) .

يُشير إلى حمل المُطلق على المُقيَّد، وهو كثير في القرآن والسنّة والاجماع وفي كلام علماء الاُمة، لانّه لا يجوز عليه الانتقال سبحانه وتعالى.

ومثله حديث النزول.

ومّمن صرّح بذلك الامام الاوزاعي والامام مالك ; لانّ الانتقال والحركة من

____________________

(١) سورة فاطر : ٣٦.

(٢) سورة المائدة : ٣٧.

(٣) سورة الفرقان : ٦٥

(٤) سورة الفجر : ٢٢.

(٥) سورة النحل : ٣٣.

٢١

صفات الحَدَث، والله عزّ وجلّ قد نزّه نفسه عن ذلك.

ومن ذلك قوله تعالى( اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) (١) .

فإذا سأل العامّي عن ذلك فيقال له : الاستواء معلوم، والكَيْف مجهول(٢) ، والايمان به واجب، والسؤال عنه بدعة(٣) .

وسنوضّح ذلك إن شاء الله تعالى.

وإنّ-ما أجاب الامام ربيعة بذلك، وتبعه تلميذه مالك ; لانّ الاستواء الذي يفهمه العوامّ من صفات الحدث، وهو سبحانه وتعالى - نزّه نفسه عن ذلك بقوله تعالى( لَيْسَ کَمِثْلِهِ شَيْ‌ءٌ ) (٤) ، فمتى وقع التشبيه ولو بزنة ذَرّة جاء الكفر بالقرآن.

قال الائمة : وإنّما قيل : السؤال بِدعة ; لانّ كثيراً مّمن يُنسب الى الفقه والعلم، لا

____________________

(١) سورة الاعراف : ٥٤.

(٢) في (دفع شبه التشبيه) لابن الجوزي : والكيف غير معقول.

وعلّق محقّقه : أن «الكيف مجهول» غلط لانه يثبت لله تعالى كيفاً مجهولاً إلى آخر ما قال.

ولعل المراد بقولهم «الكيف؟» هو السؤال عن كيفية الاستواء؟ الذي يزعم الحشوية والمجسّمة بثبوته لله، حسب ظاهره وبلا تأويل !

وهو الذي تهرّبوا منه بالبلكفّة، أي بقولهم : بلا كيف! فليلاحظ.

(٣) قاله ابن الجوزي في (دفع شبه التشبيه) ص١١٠.

(٤) سورة الشورى : ١١.

٢٢

يُدركون الغوامض في غير المتشابه، فكيف بالمتشابه؟!

فآيات المتشابه وأحاديثه لا يعلمها إلاّ الله سبحانه، والقرآن والسُنّة طافحان بتنزيهه عزّ وجلّ.

ومن أسمائه القُدّوس، وفي ذلك المبالغة في التنزيه ونفي خيال التشبيه.

وكذا في قوله تعالى :( قُلْ هُو الله أحد. . الى آخره) (١) لما فيها من نفي الجنسيّة والبعضيّة، وغير ذلك مّما فيه مبالغة في تنزيهه سبحانه وتعالى.

وكان الامام أحمدرضي‌الله‌عنه يقول : أمِرّوا الاحاديث كما جاءت(٢) .

وعلى ما قال جرى كبار أصحابه كإبراهيم الحربي وأبي داود والاثرم، ومن كبار أتباعه أبو الحسين المنادي، وكان من المحقّقين، وكذلك أبو الحسن التميمي، وأبو محمد رزق الله بن عبدالوهاب، وغيرهم من أساطين الائمة في مذهب الامام أحمد(٣) .

وجروا على ما قاله في حالة العافية وفي حالة الابتلاء.

فقال تحت السياط : «فكيف أقول ما لم يقل».

وقال في آية الاستواء : «هو كما أراد».

فمن قال عنه : إنّه من صفات الذات، أو صفات الفعل، أو إنّه قال : إنّ ظاهره مراد، فقد افترى عليه، وحسيبه الله تعالى فيما نسب إليه مّما فيه إلحاقه - عزّ وجلّ -

____________________

(١) سورة الاخلاص : ١.

(٢) سنن الترمذي ٤/٦٩٢، لاحظ دفع شبه التشبيه ص١١١.

(٣) نفس المصدر والموضع.

٢٣

بخلقه الذي هو كفر صراح ; لمخالفته كلامه فيما نزّه نفسه به سبحانه وتعالى عمّا يقولون.

[القائلون بالتجسيم من أئمة الحنابلة !]

ومنهم ابن حامد(١) والقاضي تلميذه(٢) وابن الزاغوني(٣) ، وهؤلاء مّمن ينتمي الى الامام، ويتبعهم على ذلك الجهلة بالامام أحمد وبما هو معتمده مّما ذكرت بعضه، وبالغوا في الافتراء ; إمّا لجهلهم، وإمّا لضغينة في قلوبهم، كالمغيرة بن سعيد وأبي محمّد عبدالله الكرامي ; لانهم أفراخ السامرة في التشبيه ويهود في التجسيم.

____________________

(١) الحسن بن حامد البغدادي الورّاق (توفي ٤٠٣) كان من أكبر مصنفي الحنابلة وشيخهم، له شرح اُصول الدين، ردّ عليه ابن الجوزي في (دفع شبه التشبيه) ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء ج١٧.

(٢) هو القاضي أبو يعلى، محمد بن الحسين بن الفرّاء الحنبلي (توفي ٤٥٨) هو صاحب كتاب الصفات نقل ابن الاثير في الكامل ١٠/٥٢ قول التميمي فيه : لقد شان أبو يعلى الحنابلة شيناً لا يغسله ماء البحار. وقال في حوادث عام (٤٢٩) فيها أنكر العلماء على ابن الفرّاء ما ضمنه كتابه من الصفات المشعرة بأنه يعتقد التجسيم.

وقال في حوادث (٤٥٨) اتى في كتابه بكل عجيبة وترتيب أبوابه يدل على التجسيم المحض.

وقد طبع هذا الكتاب بعض الوهابيّة الموحّدين! في هذا العصر !

(٣) علي بن عبيدالله بن نصر الحنبلي (توفي ٥٢٧) صاحب كتاب الايضاح، وهو من كتب التجسيم.

ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء ١٩/٦٠٧.

٢٤

وحُرِق المغيرة ومعه خمسة من أتباعه، كما أذكره(١) من بعد.

قال ابن حامد في قوله تعالى :( وَ يَبْقَى وَجْهُ رَبِّکَ ) (٢) ، وفي قوله تعالى :( کُلُّ شَيْ‌ءٍ هَالِکٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) (٣) : «نُثبت لله وجهاً، ولا نثبت له رأساً»، وقال غيره : «يموت إلاّ وجهه».

وذكروا أشياء يَقْشَعِرُّ الجسد من ذكر بعضها.

قال أبو الفرج بن الجوزي(٤) : رأيت من تكلّم من أصحابنا في الاُصول بما لا يصلح وانتدب للتصنيف، وهم ثلاثة : ابن حامد، وصاحبه القاضي، وابن الزاغوني، صنّفوا كُتباً شانوا بها المذهب.

وقد رأيتهم نزلوا الى مرتبة العوامّ، فحملوا الصفات على مقتضى الحسّ.

فسمعوا أنّ الله - سبحانه وتعالى - خلق آدم على صورته، فأثبتوا له صورة ووجهاً زائداً على الذات، وعينين وفماً ولهوات وأضراساً ويدين وأصابع وكفّاً وخنصراً وإبهاماً وصدراً وفَخِذاً وساقين ورِجلين.

وقالوا : ما سمعنا بذكر الرأس.

____________________

(١) في ص ؟؟.

(٢) سورة الرحمن : ٢٧.

(٣) سورة القصص : ٨٨.

(٤) دفع شبه التشبيه بأكفّ التنزيه ص٩٧ - ١٠٤.

٢٥

وقالوا : يجوز أن يُمَسّ ويَمُسّ ويُدني العبد من ذاته.

وقال بعضهم : ويتنفّس.

ثمّ إنّهم يُرضُون العوامّ بقولهم : لا كما يُعقل.

وقد أخذوا بالظواهر في الاسماء والاضافات، فسمّوا الصفات تسمية مُبتدعة ; لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل.

ولم يلتفتوا الى النصوص الصارفة عن الظواهر الى المعاني الواجبة لله سبحانه وتعالى، ولا الى إلغاء ما توجبه الظواهر من سِمات الحَدَث.

ولم يقنعوا أن يقولوا : صفة فعل ; حتّى قالوا : صفة ذات.

ثمّ لمّا أثبتوا أنّها صفات [ذات] قالوا : لا نحملها على ما توجبه اللغة، مثل اليد على النعمة أو القدرة، ولا المجيء على معنى البِرّ واللطف، ولا الساق على الشدّة، ونحو ذلك.

بل قالوا : نحملها على ظواهرها المتعارفة.

والظاهر هو المعهود من نعوت الادميّين، والشيء إنّما يُحمل على حقيقته إذا أمكن، فإن صرف صارف حُمل على المجاز.

وهم يتحرّجون من التشبيه، ويأنفون من إضافته إليهم، ويقولون : نحن أهل السُّنّة وكلامهم صريح في التشبيه.

وقد تبعهم خلق من العوامّ على ذلك لجهلهم ونقص عقولهم، وكفروا تقليداً، وقد نصحتُ للتابع والمتبوع.

[عتاب المؤلّف مع الحنابلة!]

ثمّ أقول لهم على وجه التوبيخ : ياأصحابنا أنتم أصحاب نقل وأتباع، وإمامكم الاكبر أحمد بن حنبل يقول ]وهو تحت السياط[ : «كيف أقول ما لم يقل؟!».

٢٦

هل بلغكم أنّه قال : إنّ الاستواء من صفة الذات المقدّسة، أو صفة الفعل؟

فمن أين أقدمتم على هذه الاشياء؟!

وهذا كلّه ابتداع قبيح بمن ينكر البِدْعة ؟

ثمّ قلتم : إنّ الاحاديث تُحمل على ظاهرها، وظاهر القدم الجارحة.

وإنّما يقال : تُمرّ كما جاءت، ولا تقاس بشيء.

فمن قال : «استوى بذاته»، فقد أجراه مجرى الحسّيّات، وذلك عين التشبيه.

فاصرفوا بالعقول الصحيحة عنه سبحانه ما لا يليق به من تشبيه أو تجسيم.

وأمِرّوا الاحاديث كما جاءت من غير زيادة ولا نقص.

فلو أنكم قلتم : نقرأ الاحاديث ونسكت، لما أنكر عليكم أحد.

ولا تُدخِلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي - أعني الامام أحمد - ما ليس منه، فلقد كسوتم هذا المذهب شيناً قبيحاً ; حتّى لا يقال عن حنبليّ إلاّ مجسّم.

ثمّ زيّنتم مذهبكم بالعصبيّة ل- «يزيد بن معاوية»، وقد علمتم أنّ صاحب المذهب أجاز لعنته.

وقد كان أبو محمّد التميمي يقول في بعض أئمتكم : لقد شان المذهبَ شيناً قبيحاً لا يُغسل الى يوم القيامة(١) .

____________________

(١) إلى هنا المنقول عن ابن الجوزي في (دفع شبه التشبيه) وبين المنقول والمطبوع هناك اختلاف، أثبتنا بعضه بين المعقوفات.

٢٧

فالحاصل من كلام ابن حامد والقاضي وابن الزاغوني - من التشبيه والصفات التي لا تليق بجناب الحقّ - سبحانه وتعالى - هي نَزْعة سامرية في التجسيم، ونزعة يهودية في التشبيه، وكذا نزعة نصرانية.

فإنّه لمّا قيل عن عيسىعليه‌السلام : إنّه روح الله سبحانه وتعالى، اعتقدت النصارى أنّ لله صفة هي روح ولجت في مريمعليها‌السلام .

وهؤلاء وقع لهم الغلط من سوء فهمهم، وما ذاك إلاّ أنّهم سمّوا الاخبار أخبار صفات، وإنّما هي إضافات، وليس كلّ مضاف صفة.

فإنّه - سبحانهوتعالى - قال:( ونَفَخْتُ فيه مِن روحي ) (١) ، وليسلله صفة تسمّى روحاً، فقد ابتدع من سمّى المضاف صفة، ونادى على نفسه بالجهل وسوء الفهم.

[تأرجح الحنابلة مع الهوى في التجسيم والتأويل]

ثمّ إنّهم في مواضع يؤوّلون بالتشهّي.

وفي مواضع أغراضِهم الفاسدة يُجرون الاحاديث على مقتضى العرف والحسّ، ويقولون ينزل بذاته، وينتقل ويتحرّك، ويجلس على العرش بذاته.

ثم يقولون : لا كما يُعقل، يغالطون بذلك من يسمع من عامّي وسيّء الفهم.

وذلك عين التناقض، ومكابرة في الحسّ والعقل ; لانّه كلام متهافت يدفع آخره أوّله وأوّلُه آخره.

____________________

(١) سورة الحجر : ٢٩، سورة ص : ٧٢.

٢٨

وفي كلامهم : «نُنزّهه غير أنّنا لا ننفي عنه حقيقة النزول».

وهذا كلام من لا يعقل ما يقول.

ومثل قول بعضهم : المفهوم من قوله :( هُو اللهُ الحيّ القيُّومُ ) (١) في حقه هو المفهوم في حقّنا إلاّ أنّه ليس كمثله شيء.

فانظر - أرشدك الله - كيف حكم بالتشبيه المساوي، ثمّ عقّبه بهذا التناقض الصريح؟!

وهذا لا يرضى أن يقوله من له أدنى رَويّة.

ولهم من مثل هذه التناقضات ما لا يحصى.

[تناقض دعواهم]

ومن التناقض الواضح في دعواهم في قوله تعالى :( الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‌ ) (٢) أنّه مستقرّ على العرش.

مع قولهم في قوله تعالى :( أأمِنتُم مَنْ في السماءِ ) (٣) إنّ من قال : إنّه ليس في السماءِ فهو كافر. ومن المحال أن يكون الشيء الواحد في حيِّزينِ في آن واحد وفي زمن واحد، ومن المعلوم أنّ «في» للظرفية، ويلزم أنّه - سبحانه وتعالى - مظروف تعالى عن ذلك

____________________

(١) البقرة : ٢٥٥، آل عمران : ٢.

(٢) سورة طه : ٥.

(٣) سورة الملك : ١٦.

٢٩

وفي البخاري(١) من حديث أنس : (أنّهعليه‌السلام رأى نُخامة في القبلة، فشقّ ذلك عليه حتّى رُؤي في وجهه، فقال فحكّها بيده، فقال : إنّ أحدكم إذا قام في صلاته، فإنّه يُناجي ربّه، أو إنّ ربّه بينه وبين القبلة)(٢) . وفيه من حديث ابن عمررضي‌الله‌عنه : أنّهعليه‌السلام رأى نخامة في جدار الكعبة فحكّها، ثمّ أقبل على الناس، فقال : إذا كان أحدكم يصلّي فلا يبصق قِبَل وجهه، فإنّ الله قِبَل وجهه إذا صلى». وفي «صحيح مسلم»(٣) وغيره من حديث أبي هريرةرضي‌الله‌عنه : أنّهعليه‌السلام رأى نُخامة في القبلة فقال : (ما بال أحدكم يستقبل ربّه فيتنخّع أمامه، أيُحبّ أحدكم أن يستقبل فيُنخَّع في وجهه). وفي الصحيحين(٤) من حديث أبي موسى الاشعريرضي‌الله‌عنه : أنّهعليه‌السلام قال : (يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم ; إنّكم ليس تدعون أصمّ ولا غائباً ; إنّكم تدعون سميعاً قريباً، وهو معكم).

____________________

(١) صحيح البخاري : ١ / ١٥٩ح ٣٩٧ كتاب الصلاة / أبواب المساجد. ولاحظ فتح الباري (١/٥٠٨)، وقال : فيه الردّ على من زعم أنّه على العرش بذاته.

(٢) نفس المصدر السابق ح٣٩٨. ولاحظ فتح الباري (١/٥٠٩).

(٣) صحيح مسلم : ٢ / ٧٦ كتاب الصلاة.

(٤) صحيح البخاري : ٤ / ٥٤١ ح ٣٩٨٦ كتاب المغازي، صحيح مسلم : ٨ / ٧٣ كتاب الذكر والدعاء والتوبة.

(٣١ )

٣٠

وفي رواية: (والذي تدعون أقرب الى أحدكم من عُنُق راحلته)(١) .

وفي الصحيح(٢) : (أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه يذكرني).

وحديث المريض(٣) : (أما لو عدته لَوَجدتني عنده).

وقال تعالى:( وناديناهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الايمنِ ) (٤) .

وقال تعالى:( نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَکَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‌ ) (٥) .

وقال تعالى:( فأينما تُوَلّوا فَثمَّ وجهُ اللهِ ) (٦) .

وفي الترمذي(٧) في حديث العنان، وفيه ذكر الارضين السبع ; وأنّ بين كلّ أرض والاُخرى كما بين السماء والارض، قالعليه‌السلام : (والذي نفسي بيده لو دلّى

____________________

(١) مسند أحمد: ٤ / ٤٠٢، وهو في الجامع الصحيح للربيع بن حبيب ٣/٣٥.

(٢) صحيح البخاري: ٦ / ٢٦٩٤ ح ٦٩٧٠ كتاب التوحيد. ]وصحيح مسلم ٨ / ٩١ كتاب التوبة [والنص بلفظ مسلم.

(٣) كنز العمال: ١٥ / ٨٢٤ ح ٤٣٢٧٧.

(٤) سورة مريم: ٥٢.

(٥) سورة القصص: ٣٠.

(٦) سورة البقرة: ١١٥.

(٧) سنن الترمذي: ٥ / ٣٧٦ - ٣٧٧ ح ٣٢٩٨ كتاب التفسير.

٣١

أحدكم بحبل لوقع على الله سبحانه وتعالى).

ومثل هذه الادلّة كثير، وكلّها قاضية بالكون السُّفلي دون العُلوي.

[الاستواء لغة وتأويلاً]

واعلم(١) أنّ الاستواء في اللغة على وجوه، وأصله افتعال من السواء، ومعناه - أي السواء - العدل والوسط، وله وجوه في الاستعمال:

منها: الاعتدال، قال بعض بني تميم: استوى ظالم العشيرة والمظلوم ; أي اعتدلاً.

ومنها: إتمام الشيء، ومنه قوله تعالى:( وَلَمّا بَلَغَ أشُدَّه واستوى ) (٢) .

ومنها: القصد الى الشيء، ومنه قوله تعالى:( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ) (٣) ; أي قصد خلقها.

ومنها: الاستيلاء على الشيء، ومنه قول الشاعر:

ثُمّ استوى بِشرٌ على العراقِ

من غير سيف ودم مُهراقِ

____________________

(١) من هنا ذكره ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه ص١٢١ وانظر هامش ص١٢٣.

(٢) القصص: ١٤.

(٣) سورة البقرة: ٢٩.

٣٢

وقال آخر:

إذا ما غزا قوماً أباح حريمَهم

وأضحى على ما ملّكوه قد استوى(١)

ومنها: بمعنى استقرّ، ومنه قوله تعالى:( وَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ) (٢) .

وهذه صفة المخلوق الحادث، كقوله تعالى:( وَ جَعَلَ لَکُمْ مِنَ الْفُلْکِ وَ الْأَنْعَامِ مَا تَرْکَبُونَ‌ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ) (٣) .

وهو نزّه نفسه سبحانه عن ذلك في كتابه العزيز في غير ما موضع، وقطع المادّة في ذلك أنّ المسألة علميّة وكفى الله المؤمنين القتال والجدال.

[كلام ابن الجوزي الحنبلي في الردّ على المجسّمة]

قال أبو الفرج بن الجوزي: وجميع السلف على إمرار هذه الاية كما جاءت من غير تفسير ولا تأويل.

قال عبدالله بن وهب: كنّا عند مالك بن أنس ودخل رجل، فقال: يا أبا

____________________

(١) إلى هنا عن (دفع شبه التشبيه) ص١٢١.

(٢) سورة هود: ٤٤.

(٣) سورة الزخرف: ١٢.

٣٣

عبدالله( الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (١) ، كيف استواؤه؟

فأطرق مالك وأخذته الرُّحَضاء(٢) ، ثمّ رفع رأسه فقال:( الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ، كما وصف نفسه، ولا يقال له: كيف، و«كيف» عنه مرفوع، وأنت رجل سوء صاحب بِدعة أخرجوه، فأُخرج(٣) .

كان ابن حامد يقول: المراد بالاستواء القعود(٤) .

وزاد بعضهم: استوى على العرش بذاته، فزاد هذه الزيادة، وهي جُرأة على الله بما لم يقل.

قال أبو الفرج: وقد ذهب طائفة من أصحابنا الى أنّ الله - عزّ وجلّ - على عرشه ما ملاه، وأنّه يُقعِد نبيّه معه على العرش(٥) .

ثمّ قال: والعجب من قول هذا: ما نحن مجسّمة !

وهو تشبيه محض، تعالى الله - عزّ وجلّ - عن المحلّ والحيّز ; لاستغنائه عنهما، ولانّ ذلك مستحيل في حقّه - عزّ وجلّ - ولانّ المحلّ والحيّز من لوازم الاجرام، ولانزاع في ذلك، وهو - سبحانه وتعالى - منزّه عن ذلك ; لانّ الاجرام من صفات

____________________

(١) سورة طه: ٥.

(٢) العرق الكثير يغسل الجلد.

(٣) دفع شبه التشبيه ص١٢٢ وأنظر تعليقته.

(٤) دفع شبه التشبيه ص١٢٨.

(٥) دفع شبه التشبيه ص١٢٨.

٣٤

الحدث، وهو عزّ وجلّ منزّه عن ذلك شرعاً وعقلاً، بل هو أزليّ لم يسبق بعدم ; بخلاف الحادث.

ومن المعلوم أنّ الاستواء إذا كان بمعنى الاستقرار والقعود لابدّ فيه من المماسة، والمماسّة إنّما تقع بين جسمين أو جُرمين.

والقائل بهذا شبّه وجسّم، وما أبقى في التجسيم والتشبيه بقيّة، كما أبطل دلالة( لَيْسَ کَمِثْلِهِ شَيْ‌ءٌ ) (١) .

ومن المعلوم في قوله تعالى( لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ) (٢) أنّه الاستقرار على الانعام والسفن، وذلك من صفات الادميين.

فمن جعل الاستواء على العرش بمعنى الاستقرار والتمكّن، فقد ساوى بينه - عزّ وجلّ - وبين خلقه.

وذلك من الامور الواضحة التي لا يقف في تصوّرها بليد، فضلاً عمّن هو حسن التصوّر جيّد الفهم والذوق، وحينئذ فلا يقف في تكذيبه (ليس كمِثِله شيء) وذلك كفر محقّق.

ثمّ من المعلوم أنّ (الاستواء) من الالفاظ الموضوعة بالاشتراك، وهو من قبيل المجمل، فدعواه أنّه بمعنى الاستقرار في غاية الجهل ; لجعله المشترك دليلاً على أحد أقسامه خاصّة.

فالحمار مع بلادته لا يرضى لنفسه أن يكون ضُحكة ; لجعله القسم قسيماً.

فمن تأمّل هؤلاء الحمقى وجدهم على جهل مركّب ; يحتجّون بالادلّة المجملة

____________________

(١) سورة الشورى: ١١.

(٢) سورة الزخرف: ١٣.

٣٥

التي لا دليل فيها قطعاً عند أهل العلم.

ويتركون الادلّة التي ظاهرها في غاية الظهور في الدليل على خلاف دعواهم، بل بعضها نصوص، كما قدّمته في حديث النخامة وغيرها. فتنبّه لذلك لتبقى على بصيرة من جهل أولئك.

ومن المعلوم أنّه - عزّ وجلّ - واجب الوجود كان، ولا زمان ولا مكان، وهما - أعني الزمان والمكان - مخلوقان.

وبالضرورة أنّ من هو في مكان فهو مقهور محاط به، ويكون مقدّراً ومحدوداً.

وهو - سبحانه وتعالى - منزّه عن التقدير والتحديد، وعن أن يحويه شيء، أو يحدث له صفة، تعالى الله عمّا يصفون وعمّا يقولون عُلوّاً كبيراً.

فإن قيل: ففي الصحيحين(١) من حديث شريك بن أبي نمر، عن أنسرضي‌الله‌عنه : أنّه ذكر المعراج، وفيه: (فعلا بي الجبّار تعالى، فقال وهو في مكانه: ياربّ خفّف عنّا) الحديث.

فالجواب: أنّ الحافظ أبا سليمان الخطابي قال: إنّ هذه لفظة تفرّد بها شريك، ولم يذكرها غيره، وهو كثير التفرّد بمناكير الالفاظ.

والمكان لا يضاف إلى الله سبحانه وتعالى، إنّما هو مكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقامه الاوّل الذي أُقيم فيه.

وفي الحديث: (فأستأذن على ربّي وهو في داره)(٢) .

____________________

(١) صحيح البخاري: ٦ / ٢٧٣٢ ح ٧٠٧٩ كتاب التوحيد، وفي طبعة رقم ٦٩٦٣ صحيح مسلم: كتاب الايمان رقم ٢٣٤ و٢٣٥ و٢٣٦ والصلاة ٦٠٧.

(٢) رواه البخاري لاحظ فتح الباري ١٣/٤٢٢.

٣٦

يوهم مكاناً، وإنّما المعنى في داره التي دوّرها لاوليائه.

وقد قال القاضي أبو يعلى في كتابه «المعتمد»: إنّ الله سبحانه وتعالى وتقدّس لا يوصف بمكان.

فإن قيل: يلزم من كلامكم نفي الجهات، ونفيها يحيل وجوده.

فالجواب: أنّ هذا السؤال ساقط فيه تمويه على الاغبياء، يجرون الجهات المتعلّقة بالادميّين بالنسبة الى الله عزّ وجلّ عن ذلك.

وأيضاً إن كان الموجود يقبل الاتصال والانفصال فمسلم، فأمّا اذا لم يقبلهما فليس خُلوّه من طرفي النقيض بمحال.

ويوضّح هذا: أنّك لو قلت: كلّ موجود لا يخلو أن يكون عالماً أو جاهلاً.

قلنا: إنْ كان ذلك الموجود يقبل الضدّين فنعم، فأمّا إذا لم يقبلهما كالحائط - مثلاً - فإنّه لا يقبل العلم ولا الجهل.

ونحن ننزّه الذي ليس كمثله شيء - سبحانه وتعالى - كما نَزَّهَ نفسه عن كلّ ما يدلّ على الحَدَث، وما ليس كمثله شيء لا يتصوره وهم، ولا يتخيّله خيال، والتصوّر والخيال إنّما هما من نتائج المحسوسات والمخلوقات تعالى عن ذلك.

ومن هنا وقع الغلط واستدراج العدوّ، فأهلك خلقاً، وقد تنبّه خلق لهذه الغائلة فسلّموا، وصرفوا عنه عقولهم الى تنزيهه سبحانه وتعالى فسَلِموا.

٣٧

[مجموعة من الاحاديث المتشابهة]

ومن الاحاديث التي يحتجّون بها حديث عبدالرحمن بن عائش(١) ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: «رأيت ربّي في أحسن صورة، فقال لي: فيم يختصم الملا الاعلى يا محمد؟ قلت: أنت أعلم ياربّ فوضع كفّيه بين كتفي، فوجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما في السموات وما في الارض»(٢) .

وهذا الحديث قال الامام أحمد فيه: إنّ طرقه مضطربة، وقال الدارقطني: كلّ أسانيده مضطربة ليس فيها صحيح، وقال البيهقي: رُوي من أوجُه كلّها ضعيفة.

وأحسن طرقه يدلّ على أنّ ذلك كان في النوم، ويدلّ على ذلك أنّه رُوي من حديث أبي هريرةرضي‌الله‌عنه ، أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:(٣) (أتاني آت في أحسن صورة، فقال: فيم يختصم الملا الاعلى؟ قلت: لا أدري، فوضع كفّيه بين كتفي، فوجدت بردها بين ثديي، فعرفت كلّ شيء يسألني عنه).

وروي من حديث ثوبانرضي‌الله‌عنه قال(٤) : (خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد صلاة

____________________

(١) سنن الدارمي: ٢ / ١٢٦، مسند أحمد: ٤ / ٦٦ و٥ / ٣٧٨.

(٢) سنن الترمذي ٥/٣٦٩، تاريخ بغداد ٨/١٥٢، والطبراني في الكبير ١/٣١٧، وابن الجوزي في الموضوعات ١/١٢٥، واللالىء المصنوعة ١/٣١، وسير أعلام النبلاء ١٠/١١٣، وقال: وهو خبر منكر. وانظر الاسماء والصفات للبيهقي ص٣٠ ودفع شبه التشبيه لابن الجوزي ص١٤٨.

(٣) كنز العمال: ١٥ / ٨٩٧ ح ٤٣٥٤٤ عن ابن عبّاس، و١٥ / ٨٩٨ ح ٤٣٥٤٥ عن معاذ، و١٦ / ٢٤٥ ح٤٤٣٢١ عن أنس.

(٤) نفس المصدر السابق.

٣٨

الصبح، فقال: إنّ ربّي أتاني الليلة في أحسن صورة، فقال لي: يا محمّد فيم يختصم الملا الاعلى؟ قلت لا أعلم ياربّ، فوضع كفّه بين كتفي حتّى وجدت برد أنامله في صدري، فتجلى لي ما بين السماء والارض)(١) .

ورُوي من وجوه كثيرة، فهي أحاديث مختلفة، وليس فيها ما يثبت.

مع أنّ عبدالرحمن لم يسمعه من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وعلى وجه التنزّل فالمعنى راجع الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالمعنى رأيته على أحسن صفاته ; أي من الاقبال والرضا ونحو ذلك ; لانّ الصورة يعبّر بها ويراد الصفة.

كما في حديث (خلق الله آدم على صورته)(٢) .

تقول: هذه صورة هذا الامر ; أي صفته، فيكون المعنى خلق الله آدم على صفته من الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والارادة.

مع أنّ هذا الحديث فيه علل:

منها: أنّ الثوري والاعمش كانا يدلِّسان ولم يذكرا أنّهما سمعا الحديث من حبيب بن أبي ثابت.

ومنها: أنّ حبيباً كان يدلّس، ولم يعلم أنّه سمعه من عطاء.

وهذا كلّه يوجب وهناً في الحديث.

ومع ذلك فالضمير يصحّ عوده الى آدمعليه‌السلام ، فالمعنى أنّ الله - عزّ وجلّ - خلق

____________________

(١) في مجمع الزوائد ٧/١٧٧ عن البزار في كشف الاستار ٣/١٣ رقم ٢١٢٨.

(٢) البخاري: كما في فتح الباري ١١/٣، صحيح مسلم ٤/٢٠١٧ رقم ١١٥، وانظر مسند أحمد ٢/٤٣٤، وفتح الباري ٥/١٨٣، وانظر دفع شبه التشبيه لابن الجوزي ص١٤٦.

٣٩

آدم على صورته التي خلقه عليها ; تامّاً لم ينقله من نطفة الى علقة كبنيه.

قال الامام أبو سليمان الخطابي: وذكره تغلب في أماليه.

وقيل: إنّ الضمير يعود الى بعض بني آدم.

وخَلْق من العلماء سكتوا عن تفسير هذا الحديث.

فالمشبِّه لامُتمسَّك له بهذه الاحاديث لما ذكرناه، وتمسّكه بها يدلّ على جهله وزندقته عافانا الله - عزّ وجلّ - من ذلك.

ومن ذلك حديث القَدَم: (لا تزال جهنّم تقول: هل من مزيد ; حتّى يضع ربّ العزّة فيها قدمه) الحديث(١) .

وهذا يرجع الى الُمحْكم، قال الله تعالى:( وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) (٢) .

وقال الحسن البصري: القدم في الحديث هم الذين قدّمهم الله من شرار خلقه وأثبتهم لها.

وقال البيهقي: عن النضر بن شميل: القدم هنا الكفّار الذين سبق في علم الله أنّهم من أهل النار.

وقال الازهري: القدم الذين تقدّم القول بتخليدهم في النار.

وقال ابن الاعرابي: القدم المتقدّم، وكلّ قادم عليها يسمى قدماً، والقدم جمع قادم، كما يقال: عيب وعائب.

____________________

(١) البخاري: كما في، فتح الباري ٨/٥٩٤، وصحيح مسلم ٤/٢١٨٨، وانظر دفع شبه التشبيه ص١٧٠.

(٢) سورة يونس: ٢.

٤٠