روائع نهج البلاغة

روائع نهج البلاغة0%

روائع نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 237

روائع نهج البلاغة

مؤلف: جرج جرداق
تصنيف:

الصفحات: 237
المشاهدات: 91988
تحميل: 4469

توضيحات:

روائع نهج البلاغة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 237 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 91988 / تحميل: 4469
الحجم الحجم الحجم
روائع نهج البلاغة

روائع نهج البلاغة

مؤلف:
العربية

متجرّدا(١) للطلب بدم عثمان إلاّ خوفا من أن يطالب بدمه لأنه مظنّته، و لم يكن في القوم أحرص عليه منه(٢) فأراد أن يغالط بما أجلب ليلبس الأمر(٣) و يقع الشك و و اللّه ما صنع في أمر عثمان واحدة من ثلاث: لئن كان ابن عفّان ظالما، كما كان يزعم، لقد كان ينبغي له أن يؤازر قاتليه أو أن ينابذ ناصريه. و لئن كان مظلوما لقد كان ينبغي له أن يكون من المنهنهين عنه(٤) و المعذرين فيه(٥) . و لئن كان في شك من الخصلتين لقد كان ينبغي له أن يعتزله و يركد جانبا(٦) و يدع الناس معه. فما فعل واحدة من الثلاث، و جاء بأمر لم يعرف بابه و لم تسلم معاذيره

و انّى لصاحبهم

قال عبد اللّه بن العباس: دخلت على أمير المؤمنين (ع) بذي قار(٧) و هو يخصف نعله(٨) فقال لي: ما قيمة هذه النعل؟

فقلت: لا قيمة لها. فقال عليه السلام: و اللّه

____________________

(١) كأنه سيف تجرد من غمده.

(٢) أحرص عليه، أي على دم عثمان، بمعنى سفكه.

(٣) يلبس الأمر: يجعله ملبسا، أي: مشتبها.

(٤) نهنهه عن الأمر: كفّه و زجره عن إتيانه.

(٥) المعذرين فيه: المعتذرين عنه في ما نقم منه.

(٦) يسكن في جانب عن القاتلين و الناصرين.

(٧) بلد بين واسط و الكوفة، و هو قريب من البصرة.

(٨) يخرزها.

١٠١

لهي أحبّ إليّ من إمرتكم إلا أن أقيم حقّا أو أدفع باطلا. ثم خرج فخطب الناس فقال (و ذلك عند خروجه لقتال أهل البصرة في وقعة الجمل): ما ضعفت و لا جبنت، و إن مسيري هذا لمثلها(١) ، فلأنقبنّ الباطل حتى يخرج الحقّ من جنبه(٢) . ما لي و لقريش و اللّه لقد قاتلتهم كافرين و لأقاتلنّهم مفتونين، و إني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم

الام اجيب؟

من كلام له في أصحاب الجمل: ألا و إنّ الشيطان قد ذمر حزبه و استجلب جلبه(٣) ليعود الجور

____________________

(١) ضمير «لمثلها» يعود إلى المعارك التي خاضها الإمام ضد قريش في حروب الإسلام ضد المشركين، و قد أشار اليها في كلام سابق لهذا الكلام. و المعنى: أنه يسير اليوم الجهاد في سبيل الحقّ كما سار قديما.

(٢) الباطل يبادر البصيرة فيشغلها عن الحق و يقوم حجابا مانعا لها عنه، فكأنه شي‏ء اشتمل على الحق فستره. و الكلام تمثيل رائع لحال الباطل مع الحق، و حال الإمام في كشف الباطل و إظهار الحق.

(٣) ذمر: حث. الجلب: ما يجلب من بلد الى بلد.

١٠٢

إلى أوطانه و يرجع الباطل إلى نصابه(١) و اللّه ما أنكروا عليّ منكرا و لا جعلوا بيني و بينهم نصفا(٢) . و إنهم ليطلبون حقّا هم تركوه و دما هم سفكوه. فإن كنت شريكهم فيه فإنّ لهم لنصيبهم فيه، و لئن كانوا ولّوه دوني فما التّبعة إلاّ عندهم، و إنّ أعظم حجّتهم لعلى أنفسهم يا خيبة الداعي من دعا؟ و إلام أجيب؟(٣) و إني لراض بحجّة اللّه عليهم و علمه فيهم، فإن أبوا أعطيتهم حدّ السيف و كفى به شافيا من الباطل و ناصرا للحق و من العجب بعثهم إليّ أن أبرز للطّعان و أن أصبر للجلاد هبلتهم الهبول(٤) لقد كنت و ما أهدّد بالحرب و لا أرهب بالضرب، و إني على يقين من ربّي و غير شبهة من ديني.

____________________

(١) النصاب: الأصل، أو المنبت و أول كل شي‏ء. و في كلامه هذا إشارة صريحة الى رغبة من يعنيهم في إعادة الأثرة و الظلم و اقتناص المغانم إلى ادارة الدولة كما كانت في عهد بطانة الخليفة الثالث، و لا يتأتّى لهم ذلك إلا بتأليب الناس على الخليفة الجديد، و هو الإمام، الذي لا يطمعون في أيامه بأن يعود اليهم ما ألفوه في السابق من حرية التصرف بأموال الدولة و أحوال الناس.

(٢) النصف: العدل. أي: لم يحكموا العدل بيني و بينهم.

(٣) من: استفهامية. و ما (في إلام) استفهامية أيضا و قد حذفت منها الألف لدخول «إلى» عليها. و يقصد بالداعي أحد قادة خصومه في موقعة الجمل إذ دعا الإمام إلى أن يبرز للطعان و كأنه يهدده بالحرب و نتائجها. و قوله «من دعا؟» استفهام عن الداعي و دعوته، استهانة بهما.

(٤) هبلتهم: ثكلتهم. و الهبول: المرأة التي لا يبقى لها ولد. و هو دعاء عليهم بالهلاك لعدم معرفتهم بأقدار أنفسهم.. أ بالحرب يهدّد ابن أبي طالب؟

١٠٣

في لجّة بحر

من كلام له في ذمّ أهل البصرة بعد موقعة الجمل: كنتم جند المرأة و أتباع البهيمة(١) : رغا فأجبتم، و عقر فهربتم.

أخلاقكم دقاق و عهدكم شقاق و دينكم نفاق و ماؤكم زعاق(٢) ، و المقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه، و الشاخص عنكم متدارك برحمة من ربّه. و ايم اللّه لتغرقنّ بلدتكم حتى كأني أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ طير في لجّة بحر(٣) .

قتلوهم صبرا و غدرا

من خطبة له في ذكر أصحاب الجمل: فخرجوا يجرّون حرمة رسول اللّه(٤) صلى اللّه عليه و آله، متوجّهين بها إلى البصرة: فحبسوا نساءهم في بيوتهم و أبرزوا حبيس رسول اللّه (ص) لهم و لغيرهم في جيش ما منهم رجل إلاّ و قد أعطاني الطاعة و سمح لي بالبيعة طائعا غير مكره، فقدموا على عاملي بها و خزّان بيت مال المسلمين و غيرهم من أهلها: فقتلوا طائفة صبرا(٥) و طائفة غدرا فو اللّه لو لم يصيبوا من

____________________

(١) يريد الجمل.

(٢) دقة الأخلاق: دناءتها. زعاق: مالح.

(٣) الجؤجؤ: الصدر.

(٤) حرمة رسول اللّه كناية عن زوجته، و أراد بها السيدة عائشة.

(٥) القتل صبرا: أن تحبس الشخص ثم ترميه حتى يموت.

١٠٤

المسلمين إلاّ رجلا واحدا معتمدين لقتله بلا جرم جرّه، لحلّ لي قتل ذلك الجيش كلّه

الّذين قاتلوني

من كلام له في معنى وقعة الجمل: بليت في حرب الجمل بأشدّ الخلق شجاعة، و أكثر الخلق ثروة و بذلا، و أعظم الخلق في الخلق طاعة، و أو فى الخلق كيدا و تكثّرا: بليت بالزّبير لم يردّ وجهه قط. و بيعلى بن منيّة يحمل المال على الإبل الكثيرة و يعطي كلّ رجل ثلاثين دينارا و فرسا على أن يقاتلني. و بعائشة ما قالت قط بيدها هكذا إلا و اتّبعها الناس. و بطلحة لا يدرك غوره و لا يطال مكره

بكم ذوو كلام

من خطبة له في تقريع أصحابه بالكوفة: و لئن أمهل الظالم فلن يفوت أخذه و هو له بالمرصاد على مجاز طريقه.

أما و الذي نفسي بيده ليظهرنّ هؤلاء القوم عليكم، ليس لأنهم أولى بالحقّ منكم، و لكنّ لإسراعهم إلى باطل صاحبهم و إبطائكم عن حقي. و لقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها، و أصبحت أخاف ظلم رعيتي: استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا، و أسمعتكم فلم تسمعوا، و دعوتكم سرا و جهرا فلم تستجيبوا، و نصحت لكم فلم تقبلوا. أ شهود كغيّاب(١)

____________________

(١) شهود، جمع شاهد و هو الحاضر.

١٠٥

و عبيد كأرباب؟ أتلو عليكم الحكم فتنفرون منها، و أعظكم بالموعظة فتتفرقون عنها، و أحثّكم على جهاد أهل البغي فما آتي على آخر القول حتى أراكم متفرّقين أيادي سبا ترجعون إلى مجالسكم و تتخادعون عن مواعظكم.

أيها الشاهدة أبدانهم الغائبة عقولهم المختلفة أهواؤهم المبتلى بهم أمراؤهم، صاحبكم يطيع اللّه و أنتم تعصونه، و صاحب أهل الشام يعصى اللّه و هم يطيعونه لوددت و اللّه أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم، فأخذ مني عشرة منكم و أعطاني رجلا منهم.

يا أهل الكوفة، منيت منكم بثلاث و اثنتين: صمّ ذوو أسماع، و بكم ذوو كلام، و عمي ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء و لا و لا إخوان نقة عند البلاء

لا تنتقم من عدوّ

من كتاب له الى عبد اللّه بن عباس عامله على البصرة، و كان عباس قد اشتدّ على بني تميم لأنهم كانوا مع طلحة و الزبير يوم الجمل، فأقصى كثيرا منهم، فعظم ذلك على الإمام عليّ الذي يأبى قلبه الكبير الانتقام، فكتب الى عباس يردعه و يؤنبه و يقرر حقيقة نتجاهلها اليوم.. و هي أن رأس الدولة مسؤول هو أيضا عن أعمال موظفيه الذين ولاّهم أمور الناس.. قال: حادث أهلها بالإحسان إليهم و احلل عقدة الخوف عن قلوبهم

١٠٦

و قد بلغني تنمّرك لبني تميم(١) و غلظتك عليهم، فاربع(٢) أبا العباس، رحمك اللّه، في ما جرى على لسانك و يدك من خير و شرّ، فإنّا شريكان في ذلك، و كن عند صالح ظنّي بك، و لا يفيلنّ(٣) رأيي فيك

النّساء

من خطبة له بعد حرب الجمل في ذم النساء: فاتّقوا شرار النساء و كونوا من خيارهنّ على حذر. و لا تطيعوهنّ في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر

ارباب سوء

من خطبة له في التحذير من بني أمية: ألا إنّ أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أميّة، فإنها فتنة عمياء مظلمة. و ايم اللّه لتجدنّ بني أمية لكم أرباب سوء بعدي كالنّاب

____________________

(١) تنمرّك: تنكر أخلاقك.

(٢) اربع: ارفق وقف عند حدّ ما تعرف. يريد الإمام أمره بالتثبّت في جميع ما يعتمده فعلا و قولا من خير و شر و ألا يعجل به لأنه شريكه به، فإنه عامله و نائب عنه.

(٣) فال رأيه: ضعف.

١٠٧

الضروس(١) : تعذم بغيها و تخبط بيدها و تزبن برجلها(٢) و تمنع درّها، لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلاّ نافعا لهم. و لا يزال بلاؤهم حتى لا يكون أنتصار أحدكم منهم إلا كانتصار العبد من ربّه و الصاحب من مستصحبه(٣) ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشيّة(٤) و قطعا جاهلية

لا مدر و لا وبر

من كلام له في بني أمية: و اللّه لا يزالون حتى لا يدعوا للّه محرّما إلا استحلّوه، و لا عقدا إلاّ حلّوه، و حتى لا يبقى بيت مدر و لا وبر إلاّ دخله ظلمهم(٥) و حتى يقوم الباكيان يبكيان: باك يبكي لدينه و باك يبكي لدنياه، و حتى تكون نصرة أحدكم من أحدهم كنصرة العبد من سيده، إذا شهد أطاعه، و إذا غاب اغتابه

____________________

(١) الناب: الناقة المسنّة. الضروس: السيئة الخلق تعضّ حالبها.

(٢) تعذم: تأكل بخفاء و تعض. تزبن: تضرب.

(٣) التابع من متبوعه، أي: انتصار الأذلاّء، و ما هو بانتصار.

(٤) شوهاء: قبيحة المنظر. مخشيّة: مرعبة.

(٥) بيوت المدر: المبنية من طين. و بيوت الوبر: الخيام.

١٠٨

رحب البلعوم

من كلام له لأصحابه: أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحق البطن(١) يأكل ما يجد و يطلب ما لا يجد أ لا و إنه سيأمركم بسبّي و البراءة مني. أمّا السبّ فسبّوني، فإنه لي زكاة و لكم نجاة. و أمّا البراءة فلا تتبرّأوا مني، فإني ولدت على الفطرة و سبقت إلى الايمان و الهجرة

نهم الاثرياء

من كتاب له الى معاوية، و فيه نظرة الإمام الصائبة الى أصحاب الثراء الذين لا يزيدهم المال إلا نهما و حرصا على الاستزادة منه: أمّا بعد، فإنّ الدنيا مشغلة عن غيرها، و لم يصب صاحبها منها شيئا إلا فتحت له حرصا عليها و لهجا بها(٢) . و لن يستغني صاحبها بما نال فيها عما لم يبلغه منها. و من وراء ذلك فراق ما جمع و نقض ما أبرم. و لو اعتبرت بما مضى حفظت ما بقي، و السلام.

____________________

(١) مندحق البطن: عظيم البطن بارزه كأنه لعظمه مندلق من بدنه يكاد يبين عنه.

و الواضح أن المقصود بهذا الكلام هو معاوية.

(٢) لهجا: ولوعا و شدّة حرص.

١٠٩

مع الحقّ

كتب معاوية إلى الإمام علي يطلب اليه أن يترك له الشام، فكتب اليه الإمام جوابا جاء فيه: فأمّا طلبك إليّ الشام، فإني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس و أمّا قولك «إن الحرب قد أكللت العرب إلاّ حشاشات أنفس بقيت» أ لا و من أكله الحقّ فإلى الجنّة، و من أكله الباطل فإلى النار. و أمّا استواؤنا في الحرب و الرجال فلست بأمضى على الشك منّي على اليقين

ناقل التّمر الى هجر

من كتاب له الى معاوية أيضا جوابا: أمّا بعد، فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء اللّه محمدا صلى اللّه عليه لدينه، و تأييده إياه بمن أيّده من أصحابه، فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا إذ طفقت تخبرنا ببلاء اللّه عندنا و نعمته علينا في نبيّنا، فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر أو داعي مسدّده إلى النضال(١) .

____________________

(١) هجر: مدينة في البحرين كثيرة النخيل. المسدّد: معلم رمي السهام. النضال: المراماة. يقول: كنت في ذلك كمن ينقل التمر إلى مصدره و يدعو معلمه في الرمي الى المناضلة، و هما مثلان لناقل الشي‏ء الى معدنه و المتعالم على معلّمه.

١١٠

ثم ذكرت ما كان من أمري و أمر عثمان، فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه(١) فأيّنا كان أعدى له و أهدى إلى مقاتله(٢) : أ من بذل له نصرته فاستقعده و استكفّه(٣) ؟ أم من استنصره فتراخى عنه و بثّ المنون إليه(٤) حتى أتى قدره عليه؟

و ما كنت لأعتذر من أنّي كنت أنقم عليه أحداثا(٥) ، فإن كان الذنب إليه إرشادي و هدايتي له، فربّ ملوم لا ذنب له.

اتّق اللّه

من كتاب له الى معاوية ايضا: فاتّق اللّه في ما لديك، و انظر في حقّه عليك، و ارجع إلى معرفة ما لا تعذر بجهالته. و إن نفسك قد أولجتك شرا و أقحمتك غيّا(٦) و أوردتك المهالك و أوعرت عليك المسالك.

____________________

(١) أي لقرابتك منه يصح الجدال معك في أمره.

(٢) أعدى: أشد عدوانا. المقاتل: وجوه القتل.

(٣) استقعده و استكفه: طلب اليه أن يقعد عن نصرته و أن يكفّ عن مساعدته. و الذي بذل النصرة هو الإمام. و الذي استقعد الإمام و استكفّه هو عثمان.

(٤) المعنى هو أن عثمان استنصر بعشيرته من بني أمية كمعاوية، فخذلوه و خلّوا بينه و بين الموت فكأنهم أفضوا بالموت إليه.

(٥) نقم عليه: عاب عليه. الأحداث: جمع حدث، و هو هنا البدعة.

(٦) أولجتك: أدخلتك. أقحمتك غيّا: رمت بك في الضلال.

١١١

ارديت جيلا من النّاس

من كتاب له الى معاوية أيضا: و أرديت جيلا من الناس كثيرا: خدعتهم بغيّك و ألقيتهم في موج بحرك تغشاهم الظلمات و تتلاطم بهم الشبهات، فجازوا عن وجهتهم(١) و نكصوا على أعقابهم(٢) و تولّوا على أدبارهم و عوّلوا على أحسابهم إلاّ من فاء من أهل البصائر(٣) .

خدعة الصّبيّ

و من كتاب له الى معاوية جوابا: و ذكرت أني قتلت طلحة و الزبير و شرّدت بعائشة و نزلت المصرين(٤) و ذلك أمر غبت عنه فلا عليك، و لا العذر فيه إليك.

و قد أكثرت في قتلة عثمان فادخل في ما دخل فيه الناس(٥) ثم حاكم

____________________

(١) جازوا عن وجهتهم: بعدوا عن جهة قصدهم، أي كانوا يقصدون حقا فمالوا إلى باطل.

(٢) نكصوا: رجعوا.

(٣) عولوا: اعتمدوا. أي: اعتمدوا على شرف قبائلهم فتعصبوا تعصّب الجاهلية و نبذوا نصرة الحق. فاء: رجع (إلى الحق).

(٤) شرد به: طرده و فرّق أمره. المصران: الكوفة و البصرة.

(٥) ما دخل فيه الناس هو: البيعة.

١١٢

القوم إليّ أحملك و إياهم على كتاب اللّه تعالى. و أمّا تلك التي تريد(١) فإنها خدعة الصبيّ عن اللبن(٢) .

سبحان اللّه يا معاوية

من كتاب له الى معاوية أيضا: فسبحان اللّه ما أشدّ لزومك للأهواء المبتدعة، مع تضييع الحقائق.

فأمّا إكثارك الحجاج في عثمان و قتلته(٣) ، فإنك إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لك، و خذلته حيث كان النصر له(٤) و السلام؟

يغدر و يفجر

من كلام له في مسلكه و مسلك معاوية: و اللّه ما معاوية بأدهى مني، و لكنه يغدر و يفجر. و لو لا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس

____________________

(١) تلك التي تريد: ولاية الشام. و كان الإمام يأبى أن يبقي معاوية في هذه الولاية.

(٢) خدعة يصرف بها الصبي أول فطامه عن اللبن. و المقصود هنا: ما تصرف به عدوّك عن قصدك به في الحروب و ما إليها من أحوال الخصومة.

(٣) الحجاج: الجدال.

(٤) نصرت عثمان بعد مقتله.. حيث كان في الانتصار له فائدة لك تتّخذه ذريعة لجمع الناس إلى أغراضك. أما و هو حي، و كان انتصارك له يفيده، فقد خذلته و أبطأت عنه.

١١٣

ثمن البيعة

من خطبة له: و لم يبايع حتى شرط أن يؤتيه على البيعة ثمنا(١) فلا ظفرت يد البائع، و خزيت أمانة المبتاع. فخذوا للحرب أهبتها و أعدّوا لها عدّتها

كلة الرّشا

و قد ورد مثل المعنى السابق أيضا في كتاب بعث به الإمام الى جماعة من أصحابه. قال: إنّما تقاتلون أكلة الرّشا و عبيد الدنيا و البدع و الأحداث. لقد نمي إليّ أن ابن الباغية(٢) لم يبايع معاوية حتى شرط عليه أن يأتيه أتاوة هي أعظم ممّا في يديه من سلطان، فصفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا، و تربت يد هذا المشتري نصرة غادر فاسق بأموال الناس

____________________

(١) ضمير «يبايع» يعود إلى عمرو بن العاص، فإنه شرط على معاوية أن يوليه مصر لو تمّ له الأمر. و هذا ما كان بعد ذلك.

(٢) المقصود هو عمرو بن العاص.

١١٤

اذهبت دنياك و آخرتك

من كتاب له الى عمرو بن العاص يوم لحق بمعاوية: فإنك قد جعلت دينك تبعا لدنيا المرى‏ء ظاهر غيّه مهتوك ستره يشين الكريم بمجلسه و يسفّه الحليم بخلطته، فاتّبعت أثره و طلبت فضله اتّباع الكلب للضرغام(١) : يلوذ إلى مخالبه و ينتظر ما يلقي إليه من فضل فريسته، فأذهبت دنياك و آخرتك و لو بالحقّ أخذت أدركت ما طلبت. فإن يمكّنّي منك و من أبي سفيان أجزكما بما قدّمتما.

لاشدّنّ عليك

من كتاب له الى زياد بن أبيه و هو على البصرة: و إني أقسم باللّه قسما صادقا لئن بلغني أنك خنت من في‏ء المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا(٢) لأشدّنّ عليك شدّة تدعك قليل الوفر(٣) ثقيل الظهر ضئيل الأمر، و السلام.

____________________

(١) الضرغام: الأسد.

(٢) الفي‏ء: المال من غنيمة أو خراج.

(٣) لأشدن عليك شدة: لأحملنّ عليك حملة. الوفر المال.

١١٥

متمرّغ في النعيم

و من كتاب له إلى زياد بن أبيه أيضا: أ ترجو أن يعطيك اللّه أجر المتواضعين و أنت عنده من المتكبّرين؟ و تطمع، و أنت متمرّغ في النعيم تمنعه الضعيف و الأرملة، أن يوجب لك ثواب المتصدّقين؟ و إنّما المرء مجزيّ بما أسلف(١) و قادم على ما قدّم.

احذر معاوية

من كتاب له الى زياد بن أبيه أيضا و قد بلغه ان معاوية كتب اليه يريد خديعته باستلحاقه: و قد عرفت أن معاوية كتب إليك يستزلّ لبّك و يستفلّ غربك(٢) فاحذره، فإنما هو الشيطان يأتي المؤمن من بين يديه و من خلفه، و عن يمينه و عن شماله، ليقتحم عليه غفلته و يستلب غرّته(٣) .

____________________

(١) أسلف: قدّم في سالف أيامه.

(٢) يستزل: يطلب به الزلل، و هو الخطأ. الغرب: الحدّة و النشاط. يستفل غربك: يطلب ثلم حدّتك.

(٣) يقتحم غفلته: يدخل غفلته بغتة فيأخذه فيها. و تشبيه الغفلة بالبيت يسكن فيه الغافل، من روائع التشببه. الغرة: خلوّ العقل من ضروب الحيل، و المراد منها العقل الغر و الساذج.

١١٦

النّاس عندنا اسوة

من كتاب له الى سهل بن حنيف الأنصاري، و هو عامله على المدينة، في معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية: أمّا بعد، فقد بلغني أن رجالا ممّن قبلك(١) يتسلّلون إلى معاوية، فلا تأسف على ما يفوتك من عددهم و يذهب عنك من مددهم، فكفى لهم غيّا و لك منهم شافيا(٢) . و قد عرفوا العدل و رأوه و سمعوه و وعوه، و علموا أن الناس عندنا أسوة فهربوا إلى الأثرة(٣) فبعدا لهم و سحقا(٤) إنهم و اللّه لم ينفروا من جور و لم يلحقوا بعدل

يا اشباه الرّجال

من خطبة له بعد أن غزا سفيان بن عوف من بني غامد، بلدة الأنبار على الشاطى‏ء الشرقي للفرات. و قد بعثه معاوية لشنّ الغارات على أطراف العراق تهويلا على أهله.

____________________

(١) قبلك: عندك.

(٢) يتسللون: يذهبون واحدا بعد واحد. غيا: ضلالا. يقول: فرارهم كاف في الدلالة على ضلالهم. و الضلال داء شديد في بنية الجماعة، و قد كان فرار هؤلاء الضالين شفاء للجماعة من هذا الداء.

(٣) الأثرة: اختصاص النفس بالمنفعة و تفضيلها على غيرها بالفائدة

(٤) السحق، بضم السين: البعد البعيد.

١١٧

و هذا أخو غامد و قد وردت خيله الأنبار و قد قتل حسّان بن حسان البكري و أزال خيلكم عن مسالحها(١) . و قتل منكم رجالا صالحين.

و لقد بلغني أنّ الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة، و الأخرى المعاهدة(٢) فينتزع حجلها(٣) و قلبها(٤) و قلائدها و رعاثها(٥) ما تمنع منه إلا بالاسترجاع(٦) و الاسترحام ثم انصرفوا وافرين(٧) ما نال رجلا منهم كلم و لا أريق لهم دم. فلو أن امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما بل كان به جديرا. فيا عجبا، و اللّه، يميت القلب و يجلب الهمّ اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم و تفرّقكم عن حقكم، فقبحا لكم و ترحا(٨) حين صرتم غرضا يرمى: يغار عليكم و لا تغيرون، و تغزون و لا تغزون، و يعصى اللّه و ترضون فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الصيف قلتم: هذه حمارّة القيظ(٩) أمهلنا يسبّخ عنّا الحرّ(١٠) و إذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم: هذه صبارّة القرّ(١١) أمهلنا

____________________

(١) جمع مسلحة، و هي: الثغر و المرقب حيث يخشى طروق الأعداء.

(٢) المعاهدة: الذمية، أي الداخلة في ذمة المسلمين و في حمايتهم. و أهل الذمة هم أهل الكتاب من غير المسلمين.

(٣) الحجل: الخلخال.

(٤) القلب، بالضم، كقفل: السوار.

(٥) الرعاث جمع رعثة: القرط.

(٦) الاسترجاع: ترديد الصوت بالبكاء.

(٧) وافرين: تامين على كثرتهم لم ينقص عددهم.

(٨) ترحا: هما و حزنا.

(٩) حمارّة القيظ، بتشديد الراء: شدة الحر.

(١٠) يسبخ: يخفف و يسكّن.

(١١) صبارّة الشتاء، بتشديد الراء: شدة برده. و القر: البرد، و في كتب فقه اللغة ان «القر» هو برد الشتاء خاصة، أما «البرد» فعامّ فيه و في بقية الفصول.

١١٨

ينسلخ عنّا البرد كلّ هذا فرارا من الحرّ و القرّ، فأنتم و اللّه من السيف أفرّ، يا أشباه الرجال و لا رجال حلوم الأطفال، و عقول ربّات الحجال(١) لوددت أني لم أركم و لم أعرفكم معرفة و اللّه جرّت ندما و أعقبت سدما(٢) قاتلكم اللّه لقد شحنتم صدري غيظا و أفسدتم عليّ رأيي بالعصيان و الخذلان، حتى قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع و لكن لا علم له بالحرب للّه أبوهم و هل أحد منهم أشدّ لها مراسا و أقدم فيها مقاما مني؟ لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين، و ها أنا ذا قد ذرّفت على الستين(٣) ، و لكن لا رأي لمن لا يطاع

لو ضربته بسيفى

من كلام له: لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني. و لو صببت الدنيا بجمّاتها(٤) على المنافق على أن يحبّني ما أحبّني

____________________

(١) ربات الحجال: النساء.

(٢) السدم: الهمّ مع الأسف و الغيظ.

(٣) ذرفت على الستين: زدت عليها.

(٤) جمّات، جمع جمة، بفتح الجيم، و هي من السفينة مجتمع الماء المترشح من ألواحها، أي: لو كفأت عليه الدنيا بجليلها و حقيرها.

١١٩

ا قولا بغير علم

من خطبة له في تأنيب المتخاذلين من أصحابه: أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصمّ الصّلاب و فعلكم يطمع فيكم الأعراء(١) ما عزّت دعوة من دعاكم و لا استراح قلب من قاساكم أيّ دار بعد داركم تمنعون؟ و مع أيّ إمام بعدي تقاتلون؟ المغرور و اللّه من غررتموه، و من فاز بكم فقد فاز بالسهم الأخيب أصبحت و اللّه لا أصدّق قولكم و لا أطمع في نصركم و لا أوعد العدوّ بكم ما بالكم؟ ما دواؤكم؟ ما طبّكم؟ القوم رجال أمثالكم أ قولا بغير علم؟ و غفلة من غير ورع؟ و طمعا في غير حق؟

لا اصلحكم بافساد نفسي

و من كلام له في تأنيب المتخاذلين من أصحابه أيضا: كم أداريكم كما تدارى الثياب المتداعية كلّما حيصت من جانب

____________________

(١) الصم، جمع أصم، و هو من الحجارة الصلب. و الصلاب: الشديدة، أي تقولون من الكلام ما يفلق الحجر بشدّته و قوته، ثم يكون فعلكم من الضعف و الاختلال بحيث يطمع فيكم العدوّ.

١٢٠