مطارحات في الفكر والعقيدة

مطارحات في الفكر والعقيدة0%

مطارحات في الفكر والعقيدة مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
ISBN: 964-319-046-3
الصفحات: 168

مطارحات في الفكر والعقيدة

مؤلف: مركز الرسالة
تصنيف:

ISBN: 964-319-046-3
الصفحات: 168
المشاهدات: 44949
تحميل: 3301

توضيحات:

مطارحات في الفكر والعقيدة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 168 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44949 / تحميل: 3301
الحجم الحجم الحجم
مطارحات في الفكر والعقيدة

مطارحات في الفكر والعقيدة

مؤلف:
ISBN: 964-319-046-3
العربية

ب ـ قوله تعالى :( هَذَانِ خَصْمَانِ اختَصَمُوا في رَبِّهِم ) عن الإمام عليّعليه‌السلام قال :« أنا أول من يجثو بين يدي الرحمـن للخصومة يوم القيامة » ، قال قيس : وفيهم نزلت( هَذَانِ خَصمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِم ) قال : « هم الذين بارزوا يوم بدر عليّ وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة »(2) .

ج‍ ـ قوله تعالى :( وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خيْراً وَكَفَى اللهُ المُؤمِنِينَ القِتَالَ ) (3) روى غير واحدٍ أن عبدالله بن مسعود كان يقرأ هذه الآية هكذا :( وَكَفَى اللهُ المُؤمِنِينَ القِتَالَ ) بعليّ بن أبي طالب(4) .

د ـ قوله تعالى :( يَآ أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (5) .

ذكر غير واحدٍ من الحفاظ والمحدّثين عن ابن عباس قال : هو عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام خاصةً(6) .

ه‍ ـ قوله تعالى :( وَالَّذِينَ يُؤذُونَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِنَاتِ بَغَيرِ مَا اكتَسَبُوا فَقَدِ احتَمَلُوا بُهتَاناً وَإثَماً مُبِيناً ) (7) .

__________________

(1) الحج 22 : 19.

(2) التاج الجامع للاصول 4 : 181 ، وقال رواه الشيخان ( البخاري ومسلم ) كتاب التفسير.

(3) الأحزاب 33 : 25.

(4) ما نزل من القرآن في عليٍّ ، لأبي نعيم ـ تحقيق المحمودي : 172.

(5) التوبة 9 : 119.

(6) ما نزل من القرآن في عليٍّ ، لابي نعيم : 104. والصواعق المحرقة ، لابن حجر : 152.

(7) الأحزاب 33 : 58.

٤١

وورد بعدة طرق أنها نزلت في الإمام عليّعليه‌السلام ، وذلك أنَّ نفراً من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه(1) .

إنَّ مما يؤكد أن الآيات السابقة قد جاءت لبيان منزلة الإمام عليّعليه‌السلام وعظمة شخصيته ، ودوره الكبير في حياة الرسالة والرسول ، وأنَّ المؤمنين يلزمهم وعي هذه الحقائق والانقياد إليها ؛ هو ما جاء من الأحاديث النبوية في تثبيت هذه المعاني.

فقد روى الصحابي سعد بن أبي وقاص قال : «أمرني معاوية أن أسبَّ أبا تراب ، فقلت : أمّا ما ذكرتُ ثلاثاً قالهن له رسول الله ، فلن أسبّه ، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبُّ إليَّ من حُمر النّعم ، قد خلّفه رسولُ الله في بعض مغازيه ، فقال عليٌّ :« يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان » ، فسمعتُ رسول الله يقول :« أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبوةَ بعدي » (2) ، وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الرايةَ رجلاً يحبُّ الله ورسوله ، ويُحبُّه اللهُ ورسوله ، قال : فتطاولنا لها(3) فقال :« ادعو لي عليّاً » ، فأُتي به أرمد ، [ فمسح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بريقه الشريف عينَ الإمام عليعليه‌السلام ](4) ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه ، ولما نزلت هذه الآية :( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعدِ ما جَآءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالَوا نَدعُ أبنَآءَنَا

__________________

(1) تفسير الكشاف 3 : 559.

(2) التاج الجامع للاُصول 3 : 332 قال رواه الشيخان والترمذي.

(3) عن أبي هريرة قال : قال عمر : « ما أحببتُ الإمارة إلاّ يومئذٍ فتساورت لها » التاج الجامع للاُصول 3 : 331 رواه الشيخان.

(4) ما بين القوسين أثبتناه من طرقنا تأدباً مع مقام الوصي وفي رواية مسلم وغيره من العامّة ورد التعبير بهذا المعنى ولكن بغير هذا اللفظ !!

٤٢

وَأبنَآءَكُم وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُم وَأنفُسَنَا وَأنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لعنَةَ اللهِ عَلى الكَاذِبينَ ) (1) دعا رسول الله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً ، وقال : اللّهم هؤلاء« أهلي رواه مسلم » (2) والترمذي(3) .

إنَّ هذه الرواية التي رواها سعد تؤكد أموراً منها :

أ ـ نزول آية المباهلة ـ وهي الآية المذكورة في نص الرواية ـ في الإمام عليّ وفاطمة الزهراء وولديهما الحسن والحسينعليهم‌السلام .

ب ـ تؤكد أن هؤلاء هم أهل البيت دون سواهم(4) . وبالتالي نفهم أنهم هم المقصودون في آية التطهير التي هي قوله تعالى :( إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ) (5) تلك الآية التي بينت لنا نزاهة الإمام عليّعليه‌السلام وأمانته ، وسمو ذاته وطهارته ، بل عصمته.

ومن هنا يبدأ الاستحقاق لأن يحتلَّ الإمام عليّعليه‌السلام مقام الخلافة والولاية وقيادة المسيرة ، قال الراغب الأصفهاني : « لا يصلح لخلافة الله

__________________

(1) آل عمران 3 : 61.

(2) صحيح مسلم 4 : 1873.

(3) سنن الترمذي 5 : 596. والصواعق المحرقة ، لابن حجر : 143. والتاج الجامع للاُصول 3 : 333.

(4) التاج الجامع للاُصول 4 : 207. قال روى الترمذي ومسلم عن عمر بن أُم سلمة ربيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لما نزلت هذه الآية ـ التطهير ـ في بيت أُم سلمة دعا رسول الله فاطمة وحسناً وحسيناً وعلياً ، فجللهم بكساء ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللّهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً قالت أُم سلمة ، وأنا معهم يا رسول الله. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنتِ على مكانك ، وأنتِ على خير.

(5) الأحزاب 33 : 33.

٤٣

ولا يكمل لعبادته ، وعمرة أرضه إلاّ من كان طاهر النفس قد أُزيل رجسها ونجسها ، فللنفس نجاسة كما إنّ للبدن نجاسة ، لكن نجاسة البدن قد تدرك بالبصر ونجاسة النفس لا تدرك إلاّ بالبصيرة وإنما لم يصلح لخلافة الله إلاّ من كان طاهر النفس ، لأنّ الخلافة هي الاقتداء به تعالى على الطاقة البشرية ، ومن لم يكن طاهر القول والفعل فكل إناء بالذي فيه يرشح »(1) .

يتبين لنا من ذلك أنَّ القرآن الكريم بعد أن أشادَ بفضل الإمام عليّعليه‌السلام وبفضائله ، ارتقى به إلى منزلة التزكية المطلقة « التطهير » ثم صعدَ به إلى منزلةٍ على غاية من الأهمية ، إذ جعل نفسَ الإمام عليّعليه‌السلام كنفس النبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله كما هو صريح آية المباهلة. وتأسيساً على ذلك ، أكدّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مراراً وكراراً قائلاً :« عليٌّ مني وأنا من عليّ » (2) وعندما حاول بعض الناس الشكوى من الإمام عليّعليه‌السلام بغيةَ التشويش على مقامه هذا ومنزلته ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« ما تريدون من عليّ ؟ » ردّدها ثلاثاً ، ثم قال :« إنَّ علياً مني وأنا منه » (3) .

ومن أجل قطع الطريق أمام المتشككين بهذه المنزلة الرفيعة التي أنزل الله تعالى فيها الإمام عليّعليه‌السلام ، ولترسيخ وتأكيد ولايته وخلافته بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في كلِّ ما يهم المسلمين من أجل ذلك جاء قوله تعالى :

__________________

(1) الذريعة إلى مكارم الشيعة ، لابن المفضل الراغب الأصفهاني : 29. والاستدلال على العصمة بآية التطهير ـ الاُصول العامّة للفقه المقارن ، لمحمّد تقي الحكيم : 174.

(2) التاج الجامع للاُصول ، للشيخ منصور عليّ ناصف 3 : 334. وتاريخ الخلفاء ، للسيوطي : 169.

(3) سنن الترمذي 5 : 594.

٤٤

( إنَّمَا وَلَيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكاةَ وَهُم رَاكِعُون ) (1) فقد ذكر الزمخشري أن هذه الآية المباركة نزلت في الإمام عليّعليه‌السلام حين سأله سائل ، وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه(2) ولإزالة الالتباس ، وقطعاً لدابر أيّ تأويل في المراد بالولي وتشخيصه في مثل هذه الموارد ، صرّح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في أكثر من مناسبة قائلاً :« إنَّ عليّاً مني ، وأنا منه ، وهو ولي كلّ مؤمن بعدي » (3) ولتأكيد ولاية الإمام عليّعليه‌السلام ، ودوره الهام بالنسبة إلى الرسالة الإسلامية قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «عليٌ مني وأنا من عليّ ولا يؤدي عني ـ أي بصفته نبيّاً رسولاً ـإلاّ أنا أو عليّ »(4) ثم رسّخ هذا المفهوم عمليّاً جهاراً نهاراً في قصة تبليغ سورة براءة ، كما أخرج هذه الرواية الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي بكر أنه قال : « إنَّ النبي بعثه ببراءة إلى أهل مكة ، فسارَ ثلاثاً ثم قال لعليٍّ : الحقه ، فردَّ عليٌّ أبا بكر وبلّغها ، فلما قدم أبو بكر على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا رسول الله حدثَ فيَّ شيء ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« ما وجدتُ فيك إلاّ خيراً ، لكنني اُمرت أن لا يبلّغ إلاّ أنا أو رجلٌ مني » (5) وفي الكشاف : روي أنَّ أبا بكر لما كان ببعض الطريق ـ أي

__________________

(1) المائدة 5 : 55.

(2) الكشاف ، للزمخشري 1 : 649 قال في الهامش في تخريج الحديث : رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن كهيل : قال : تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع فنزلت ـ أي الآية ـ. ولابن مردويه عن سفيان الثوري عن ابن سنان عن الضحاك عن ابن عباس مثله. وقال الواحدي في أسباب النزول : 134 ـ أن الآية نزلت في عليّ.

(3) سنن الترمذي 5 : 594 ـ باب فضائل الإمام عليّ. والتاج الجامع للاُصول 3 : 335.

(4) سنن الترمذي 5 : 594 ـ باب فضائل الإمام عليّ. والتاج الجامع للاُصول 3 : 335.

(5) مسند الإمام أحمد بن حنبل 1 : 3. وسنن الترمذي 5 : 594. وتفسير الكشاف ، للزمخشري 2 : 243.

٤٥

لتبليغ سورة براءة ـ هبط جبرئيلعليه‌السلام ، فقال :« يا محمّد : لا يبلّغنَّ رسالتك إلاّ رجلٌ منك ، فأرسل عليّاً » (1) .

وأخيراً ختم القرآن الكريم هذا الموضوع الحيوي والمهم أي عملية الإعداد الفكري والتربوي في آخر ما نزل منه في آية التبليغ ثم في آية إكمال الدين بعد حديث الغدير المشهور ، وعنده لم يعد هناك عذرٌ لمعتذر. وقصة الغدير ـ كما تناقلها الرواة مع بعض الاختلاف ـ هي كما يأتي :

لما رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حجة الوداع ، نزل عليه الوحي مُشدِّداً( يآ أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (2) فحط الركبُ عندَ غدير خمّ ، وجمع الناس في منتصف النهار ، والحرُّ شديد ، وخطب فيهم قائلاً ،« كأني قد دُعيت فأجبتُ وإني تركتُ فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتابَ الله وعترتي ـ وفي رواية مسلم(3) وأهل بيتي ـفانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض » ثم قال :« إنَّ الله مولاي ، وأنا مولى كلِّ مؤمن » ، ثم أخذ بيد عليٍّ فقال :« من كنتُ مولاه فهذا وليُّه ـ فهذا مولاه (4) ـ اللّهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، واخذُل من خذله ،

__________________

(1) الكشاف 2 : 243.

(2) المائدة 5 : 67 ، قال الواحدي في أسباب النزول : 135 ، نزلت في غدير خم.

(3) صحيح مسلم 4 : 1874.

(4) سنن الترمذي 5 : 591. والتاج الجامع للاُصول 3 : 333 ، أخرجه عن زيد بن أرقم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤٦

وانصر من نصره (1) وأدر الحقَّ معه حيثما دار » (2) وقد أعقبَ هذا الحدث الكبير نزول الوحي مرة أُخرى بقوله تعالى :( اليَومَ أَكمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتمَمتُ عَلَيكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ) (3) .

وقد ورد في بعض الروايات أن الرسول القائدصلى‌الله‌عليه‌وآله قال بعد نزول هذه الآية في ذلك اليوم المشهود وهو يوم الثامن عشر من ذي الحجة(4) يوم الغدير قال : اللهُ أكبر ، الحمدُ لله على اكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي وبالولاية لعلي بعدي(5) .

وفي رواية لأحمد : « فلقيه عمر بن الخطاب ـ أي لقي الإمام عليّ ـ بعد ذلك ، فقال له هنيئاً أصبحت وأمسيتَ مولى كلّ مؤمن ومؤمنة »(6) .

ومما يؤسف له حقاً أن بعض الناس كان لا يرضيهم أن يُعطى الإمام عليّعليه‌السلام مثل هذه الامتيازات والمقامات ، وكان بعض الناس يكثر لغطه واعتراضه عندما يخصُّ الرسول القائد الإمام عليّاًعليه‌السلام بذلك ، فيضطر الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يذكرّهم بأنه رسول ربِّ العالمين الذي يصدع بما

__________________

(1) مسند الإمام أحمد بن حنبل 4 : 281 ، 368. وسنن ابن ماجة ، المقدمة 1 : باب 11. وتفسير ابن كثير 1 : 22. والبداية والنهاية ، لابن كثير أخرجه بعدة طرق 7 : 360 ـ 361.

(2) التاج الجامع للاُصول 3 : 337 ، رواه مستقلاً « رحم الله عليّاً اللّهم أدر الحق معه حيثُ دار ».

(3) المائدة 5 : 3.

(4) الاتقان ، للسيوطي 1 : 75 في رواية نزول الآية يوم الغدير وأنه يوم الثامن عشر من ذي الحجة. وأسباب النزول ، للواحدي : 135.

(5) مناقب أمير المؤمنين ، للحافظ محمّد بن سليمان الكوفي القاضي 1 : 119.

(6) مسند الإمام أحمد بن حنبل 4 : 281 ، وقد أشهدَ عليٌّ جمعاً من الناس ، فشهد له ثلاثون أنهم سمعوا هذا الحديث من رسول الله. والبداية والنهاية ، لابن كثير 7 : 360.

٤٧

يؤمر وأنه :( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى *إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌّ يُوحَى ) (1) .

ومن الشواهد على ذلك ، ما رواه الترمذي وحسّنه ، عن جابر بن عبدالله قال : « دعا رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً يوم الطائف فانتجاه ـ أي كلّمه سرّاً ـ فقال الناس : لقد طال نجواه مع ابن عمّه ، فقال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله :« ما انتجيته ولكن الله انتجاه » (2) .

وعن ميمون عن زيد بن أرقم قال : «كان لنَفرٍ من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبواب شارعة في المسجد قال : فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً : سدّوا هذه الأبواب إلاّ باب عليّ ، قال : فتكلّم في ذلك الناس ، قال : فقام رسول الله فحمدَ اللهَ وأثنى عليه ، ثم قال :« أما بعدُ فإني أُمرتُ بسدِّ هذه الأبواب ، إلاّ باب عليّ ، وقال فيه قائلكم ، وإني والله ما سددتُ شيئاً ولا فتحتُهُ ، ولكني اُمرتُ بشيء فاتبعتُه » (3) .

وهكذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما يخصُّ الإمام عليّاًعليه‌السلام بموقف ـ دون سواه ـ يصرّحُ ويبين للأمة أنَّ ذلك إنما هو بأمر من الله تعالى. وقد حدث ذلك في إرسال الإمام عليّعليه‌السلام لتبليغ سورة براءة بدلاً من أبي بكر ، وحدث ذلك يوم المناجاة في الطائف ، وحدث ذلك يوم الغدير ، إلى غير ذلك من الوقائع. ومما يلاحظ أيضاً أن المواقف الحاسمة في تاريخ الإسلام ، وفي حياة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بما فيها ما يتصل بحماية

__________________

(1) النجم 53 : 3 ـ 4.

(2) سنن الترمذي 5 : 597. والبداية والنهاية ، لابن كثير 7 : 369. والتاج الجامع للاُصول 3 : 336.

(3) مسند الإمام أحمد 4 : 369. وتاريخ ابن كثير 7 : 355.

٤٨

التجربة الإسلامية ومستقبلها ، يلاحظ أن الرسول القائد كان يقدّم الإمام عليّاًعليه‌السلام ويدعوه شخصياً دون غيره لحسم تلك المواقف ودفع الخطر الداهم ، حدث ذلك في معركة بدر الكبرى ، إذ كان الإمام عليّ صاحب الراية ، وقتل من صناديد المشركين من قتل ، وحدث ذلك يوم اُحد ، روى الطبري قال : « لما قتلَ عليٌّ بن أبي طالب أصحاب الالوية ، أبصرَ رسولُ الله جماعةً من المشركين فقال لعلي :« احمل عليهم » ، فحمل عليهم ففرق جمعهم ، وقتل عمرو الجمحي ، ثم أبصرَ رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جماعةَ من المشركين ، فقال لعلي :« احمل عليهم » ، فحمل عليهم ففرق جمعهم وقتل شيبة بن مالك ، فقال ( جبريل ) :« يا رسولَ الله إنَّ هذه للمواساة » ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنه منّي وأنا منه ، فقال ( جبريل ) وأنا منكما ، قال الطبري ثم سمعوا صوتاً يهتف :

« لا سيف إلاّ ذو الفقار

ولا فتى الا علي »(1)

ويكفي ما رواه جملة من الصحابة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّه قال يوم خيبر :« لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله » . وكان عليعليه‌السلام ـ بعد ان بات الناس يدركون أيُّهم يعطاها ـ صاحبها إلى أن فتح الله على يديه(2) .

وقد يكون من المناسب أن نذكر هنا ما أخرجه الطبراني وابن أبي حاتم

__________________

(1) تاريخ الطبري 2 : 25 ، 65 ـ 66.

(2) مسند أحمد 6 : 8. ومغازي الواقدي 2 : 654 ـ 655. وتاريخ الطبري 3 : 12 ـ 14. وسيرة ابن هشام 3 : 349 ـ 350. ومناقب الخوارزمي : 172 / 207. وفرائد السمطين 1 : 253 / 196 و 261 / 201.

٤٩

عن ابن عباس قال : « ولقد عاتبَ اللهُ أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غير موضع وما ذكر علياً إلاّ بخير »(1) وفي ذلك ما فيه من الكناية التي هي أبلغ من التصريح عن أحقية الإمام عليّعليه‌السلام ، وأهليته دون غيره لمنصب الخلافة ، وقد صرّح بذلك القرآن الكريم :( قَالَ إنّي جَاعِلُك للنَّاسِ إمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيّتي قَالَ لا يَنَالُ عَهدي الظَّالِمينَ ) (2) .

__________________

(1) تاريخ الخلفاء ، للسيوطي : 171.

(2) البقرة 2 : 124.

٥٠

المبحث الثاني

ثبوت تواتر النصّ على الأئمةعليهم‌السلام

إنَّ المتتبع المنصف والطالب للحقيقة ، يستطيع أن يتبين من خلال ما عرضناه ، أنَّ عملية تثبيت النصّ وترسيخه في أحقية الإمام عليّعليه‌السلام بالخلافة والإمامة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة قد تمَّ معه في عين الوقت النصّ على الأئمة من بعده ، وأنّ ما تواتر عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الأمر كاشف عن هذه الحقيقة ، وإليك البيان :

إنَّ اثبات تواتر إمامة أئمتناعليهم‌السلام والنصّ عليهم لم يتمّ عن طريقٍ واحدٍ بل كان ذلك بطرق نوجز لك بعضها باختصار :

أولاً : الطرق الإجمالية لإثبات إمامة الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام :

وتتمثل بالأحاديث المنقولة في أصح كتب السُنّة من الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها ، وسوف نختار منها حديثين لا أكثر ، وهما :

الحديث الأول : حديث« من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية » وما يفيد معناه ويكون بمضمونه ، كحديث :« من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية » ، وحديث« من مات وليس عليه إمام فإن موتته موتة جاهلية » ، وحديث« من مات بغير إمام مات ميتةً جاهلية » وإليك بعض من أخرجه من العامّة :

٥١

مصادره :

1 ـ البخاري في باب الفتن من صحيحه : 5 : 13.

2 ـ مسلم في صحيحه 6 : 21 ـ 22 / 1849.

3 ـ أحمد بن حنبل في مسنده 2 : 83 ، 3 : 446 ، 4 : 96.

4 ـ ابن حبان في صحيحه ، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7 : 49 / 4554.

5 ـ الطبراني في المعجم الكبير 10 : 350 / 10687 طبعة بغداد.

6 ـ الحاكم النيسابوري في المستدرك 1 : 77.

7 ـ أبو نعيم الاصفهاني في حلية الأولياء 3 : 224.

8 ـ ابن الأثير الجزري في جامع الاصول 4 : 70.

9 ـ الطيالسي في مسنده : 259.

10 ـ الدولابي في الكنى والاَسماء 2 : 3.

11 ـ البيهقي في سننه 8 : 156 و 157.

12 ـ السرخسي في المبسوط 1 : 113.

13 ـ ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي في شرح النهج 9 : 155.

14 ـ النووي في شرح صحيح مسلم 12 : 440.

15 ـ الذهبي في تلخيص المستدرك 1 : 77 و 177.

16 ـ ابن كثير في تفسيره 1 : 517.

٥٢

17 ـ التفتازاني في شرح المقاصد 2 : 275.

18 ـ الهيثمي في مجمع الزوائد 5 : 218 و 219 و 223 و 225 و 312.

19 ـ المتقي الهندي في كنز العمال 3 : 200.

20 ـ ابن الربيع الشيباني في تيسر الوصول 2 : 39.

21 ـ القندوزي الحنفي في ينابيع المودة : 117.

22 ـ الاسكافي المعتزلي في خلاصة نقض كتاب العثمانية للجاحظ : 29.

دلالته :

أما دلالته فلا تستقيم إلاّ على أصول الإمامية الاثني عشرية ، ولا تنطبق إلاّ على أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، فمن ادعى أن المراد بالإمام الذي من لا يعرفه سيموت ميتةً جاهلية هو السلطان أو الحاكم أو الملك مهما كانت صفته ولو كان فاسقاً ظالماً فاجراً ، فعليه أنْ يثبت بالدليل أن معرفة الظالم الفاسق من الدين أولاً ، وثانياً أن يبيّن الثمرة المترتبة على هذه المعرفة بمثل هؤلاء الذين كان منهم من سبى ذراري رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقتلهم ومنهم من قتل حجر بن عدي وأصحابه ظلماً وعدواناً ، كمعاوية فويل له من أصحاب حجر على ما قاله الحسن البصري ، فكيف يكون إماماً يا تُرى ؟!

إنّ الشرع المقدس الذي أكّد على وجوب توفر العدالة في شاهد الدعوى واعتبرها أساساً لقبول شهادته ، هو أرفع من أن يأتمن خائناً يتحكم في نفوس رعيته وفي مقدرات الاَمّة ، ثمّ يأمر بلزوم طاعته ،

٥٣

ويحذر من مخالفته ، ويجعله إماماً من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية !

اتهام زرارة بعدم معرفته لإمام زمانه :

ومن الجهل العجيب بحال زرارة بن أعْين رضي الله تعالى عنه هو ما زُعم من أنّه مات ولم يعرف إمام زمانه ، ثم تقوّلهم : بأنه لو كان النص متواتراً عند الشيعة بإمامة الأئمة لما جهله من مثل زرارة.

الردّ على هذا الاتهام وبيان زيفه :

إعلم أن اتّهام زرارة بهذا ، هو اتهام للإمام الصادقعليه‌السلام ؛ لأنّ الثّابت عنهعليه‌السلام وبأصح أسانيد الشيعة أنّه قال بحق زرارة ونظرائه :« والله إنَّهم أحبّ النّاس إليّ أحياءً وأمواتاً » (1) .

وقد تواتر عن الإمام الصادق قولهعليه‌السلام :« من مات وليس له إمام ، فميتته ميتة جاهلية » (2) .

وهل يعقل أن يفرِّط الإمام الصادقعليه‌السلام بزرارة ، ويتركه هملاً فيموت ميتة جاهلية ؟

ثم كيف يقولعليه‌السلام : إنّه أحب الناس إليّ حياً وميتاً ، ولا يخبره بمن هو الإمام ـ إن كان لا يعلم ذلك ـ ويدعه على ضلالةٍ بعدهعليه‌السلام ؟

ثم ما بال زرارة لا يسأل الإمام الصادق في حياته عمن سيكون إماماً

__________________

(1) كمال الدين ، للصدوق 1 : 76.

(2) اُصول الكافي 1 : 303 / 5 و 1 : 308 / 1 و 2 و 3 و 1 : 327 / 1 وقد ورد في 1 : 38 ـ 142 أربعة عشر حديثاً بهذا المعنى.

٥٤

بعده إن كان لا يعرف حقاً من هو الإمام ؟ كما نجده في مبادرة من جهل هذا من الرواة ، أو أحبّ التأكّد من سلامة الروايات في مُسآئلة إمام زمانه عمن سيكون بعده في جملة من الأخبار ؟

هذا مع أنَّ زرارة روى عن الإمام الصادقعليه‌السلام قوله :« إعرف إمامك فإنَّك إذا عرفته ، لم يضرك تقدّمَ هذا الأمر أو تأخر » (1) .

ترى ، هل يرى هؤلاء أنّ زرارة كان عالماً بوقوع وفاته قبل وفاة إمام زمانه ( الصادقعليه‌السلام ) ؟ فلأجل ذلك استغنى عن معرفة من سيكون بعده !

وهل من مثل زرارة ، وهو في مقدمة فقهاء مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ، يجهل أو يتجاهل مثل هذا الأمر الخطير ، على فرض عدم علمه المسبق بالنص ؟!

إنّه جهلٌ بحال زرارة ، وبمكانته عند أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم ، وافتراء عليه عظيم ، وهل يعلم أنَّ من زعم أن زرارة مات ولم يعرف إمامة الإمام الكاظمعليه‌السلام ، أن زرارة يعلم بالإمام المهدي في زمان الإمام الصادقعليهما‌السلام ، وله في ذلك أبيات شعرية معروفة نقلها الجاحظ في كتاب الحيوان(2) .

فهل يعقل من رجل شيعي يعلم بالإمام المهدي قبل ولادته بقرنين من الزمان ثم يجهل آباءهعليهم‌السلام !! ولا يتتبع ماورد من آثار في تشخيصهم بالاسم والوصف والعنوان ؟

__________________

(1) اُصول الكافي 1 : 303 / 1.

(2) كتاب الحيوان 7 : 49 ـ 50.

٥٥

وأما كونه افتراء على زرارة فهو من الواضح جداً ؛ لأنّ لسان الروايات الواردة في هذا الشأن برجال الكشي ، خلاصتها : أنّ زرارة أرسل ابنه عُبيداً من الكوفة إلى المدينة على أثر وفاة الإمام الصادقعليه‌السلام ، ليسأل عن الخبر ، إذ ورد الخبر إلى الكوفة بوفاة الصادقعليه‌السلام سنة 148 ه‍ ، واختلف بعض عوام الشّيعة في معرفة الإمام بعده.

وهذا ليس شيئا نُكْراً ، ولا يقول أحد من الشيعة أنَّ جميع الشّيعة في جميع عصور الأئمةعليهم‌السلام يعلمون بتواتر النص على إمامة الأئمة الاثني عشر وبأسمائهمعليهم‌السلام .

وإنما نقول : إنَّ الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخبر بأنَّ الخلفاء من بعده اثنا عشر ـ كما سيأتي في الحديث الثاني ـ ، ثمَّ عيّن لجابر الأنصاري ، وسلمان الفارسي ، وحذيفة ( رضي الله عنهم ) وغيرهم. بأنَّ هؤلاء هم الأئمة الاثنا عشر ، كما روى ذلك القندوزي في ينابيع المودة ، والزرندي في نظم درر السمطين ، والخوارزمي الحنفي في مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، وتواتر ذلك عند علماء الشيعة ، فرووا النصّ بأسمائهمعليهم‌السلام ، وليس من المُنْكَرِ أن يجهله بعضهم؛ لظروف الأئمةعليهم‌السلام في ذلك العصر ، لا سيما في عصر الإمام الكاظمعليه‌السلام الذي اشتدت فيه البلية على الشيعة بزج فرعون هذه الاُمّة هارون إمام الاُمّة في ظلمات السجون ، حتى قضى نحبه شهيداً ينادى على جثمانه الطاهر ـ من على جسر بغداد ـ : هذا إمام الرافضة !!

أوَ ينكر هذا ؟!

فلا غرو إذن أن يحصل لبعض الشيعة في المدينة المنورة وغيرها شيء من الجهل المؤقت في إمامة الإمام الكاظمعليه‌السلام ، بل وقد حصل أكثر منه

٥٦

في إمامة غيرهعليه‌السلام كما هو معلوم في عقائد فرق الشيعة المنحرفة عن جادة الصواب ، للسبب المذكور ، وأسباب اُخرى يطول شرحها ، كحبهم للعاجلة دون الآجلة ، وخلطهم أضغاث الحقّ بأضغاث الباطل ، ونحوها كما هو مسطور في المطوّلات وأُمّهات كتب الشّيعة.

وإذا ما علمت هذا ، فاعلم أنّ في شيعة الكوفة أيضاً مَنْ لم يصل إليه النصّ بالإمام بعد جعفر الصادقعليه‌السلام ، وإنْ عَلِم إجمالاً بأنّه لابد وأنْ يكون من ولده. وهؤلاء لا تثريب عليهم أن يسألوا بعد ورود الخبر بوفاة إمامهمعليه‌السلام ، عن الإمام الذي سيليه ، ولا شكّ أنهم لا يسألون غير علماء الشيعة وثقاتهم المقربين من الأئمةعليهم‌السلام كزرارة وأضرابه.

ومن هنا ابتلي زرارةرضي‌الله‌عنه ، إذ كان يُسأل في ذلك الحين ـ كما يظهر من الخبر الصحيح التالي ـ عن الإمام بعد أبي عبد اللهعليه‌السلام ؟ فيمتنع من الإجابة دون أمر من الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام ؛ لشدة التقية في ذلك الحين ، فأرسل ابنه ـ من الكوفة إلى المدينة ـ ليرى رأي الإمام الكاظمعليه‌السلام في ذلك.

ويدلّ عليه ، ما رواه الشيخ الصدوق بسند معتبر قال : « حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيرضي‌الله‌عنه (1) ، قال : حدثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم(2)

__________________

(1) قال بحقه الصدوق : « وكان رجلاً ثقة ، ديّناً ، فاضلاً رحمة الله عليه ورضوانه » كمال الدين 2 : 369 ذيل الحديث / 6 باب 34 ( ما أخبر به الكاظمعليه‌السلام من وقوع الغيبة ) وقد وثقه سائر علماء الشيعة.

(2) قال بحقه النجاشي : « ثقة في الحديث ثبت معتمد ، صحيح المذهب ، سمع فأكثر ، وصنف كتباً » رجال النجاشي : 260 / 680 وقد وثقه سائر علماء الشيعة.

٥٧

قال : حدثني محمّد بن عيسى بن عبيد(1) ، عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيرضي‌الله‌عنه (2) . قال : قلت للرضاعليه‌السلام : يابن رسول الله ! أخبرني عن زرارة ، هل كان يعرف حقَّ أبيكعليه‌السلام ؟ قال : نعم ، فقلت له : فلم بعثَ ابنه عُبيداً ليتعرف الخبر إلى من أوصى الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام ؟ فقالعليه‌السلام :« إن زرارة كان يعرف أمر أبي عليه‌السلام ، ونصَّ أبيه عليه ، وإنما بعث ابنه ليتعرف من أبي عليه‌السلام ، هل يجوز له أن يرفع التقية في اظهار أمرهِ ، ونص أبيه عليه ، وأنّه لما أبطأ عنه ابنه ، طولب باظهار قوله في أبي عليه‌السلام ، فلم يُحب أن يُقْدِم على ذلك دون أمره ، فرفع المصحف ، وقال : اللّهم إنّ إمامي من أثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمّد عليهما‌السلام » (3) .

ولنا فيما يؤيد التزام زرارة بالتقية في ذلك الظرف دليلان :

أحدهما : وصية الإمام الصادقعليه‌السلام بعد وفاته ، فعن أيّوب النحوي قال : « بعث إليّ أبو جعفر المنصور في جوف الليل ، فأتيته ، فدخلت عليه وهو جالس على كرسي وبين يديه شمعة وفي يده كتاب فقال لي : هذا كتاب محمّد بن سليمان يخبرنا أنّ جعفر بن محمّد قد مات ثم قال لي : اكتب ، قال : فكتبت صدر الكتاب ، ثم قال : اكتب إن كان أوصى إلى رجل واحد بعينه فقدّمه واضرب عنقه ، قال : فرجع إليه الجواب : أنّه قد أوصى

__________________

(1) قال بحقه النجاشي : « أبو جعفر ، جليل في أصحابنا ، ثقة عين ، كثير الرواية ، حسن التصانيف روى عن أبي جعفر الثانيعليه‌السلام مكاتبة ومشافهه » رجال النجاشي 333 / 896 ووثقه سائر علماء الشيعة.

(2) من أصحاب الإمام الرضا والجواد والهادي وكان وكيلاً لهمعليهم‌السلام حج أربعين حجة ، وقد أورد الكشي ست روايات فيها تصريح الأئمةعليهم‌السلام بجلالته والاشادة بفضله وأمر الناس باطاعته ، رجال الكشي : الاحاديث رقم 1009 ، 1053 ، 1135 ، 1136 وغيرها.

(3) كمال الدين ، للصدوق 1 : 75.

٥٨

إلى خمسة وأحدهم أبو جعفر المنصور ، ومحمّد بن سليمان ، وعبد الله ، وموسى ، وحميدة »(1) .

وقد وردت الرواية هذه بطريق آخر ثابت الصحّة ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النضر بن سُويد بنحو من هذا ، إلا أنه ذكر أنّه أوصى إلى أبي جعفر المنصور ، وعبد الله ، وموسى ، ومحمّد بن جعفر ، ومولى لأبي عبد اللهعليه‌السلام . فقال أبو جعفر : «ليس إلى قتل هؤلاء سبيل »(2) .

ويستفاد من هذه الرواية أمران مهمان للغاية :

الأول : احتراز الإمام الصادقعليه‌السلام من فتك المنصور بالإمام الكاظمعليه‌السلام فيما لو كانت الوصيّة له فقط ، لذا أدخل فيها ما يبطل كيد الخائنين.

الثاني : إنّ حجم التقية واضحٌ في الوصيّة ، وإلا فأيّ صلة بين صادق أهل البيتعليهم‌السلام والمنصور الدوانيقي ، حتى يجعله وصياً ؟

ومن هذا يعلم أنّ احتفاظ زرارة بمعرفة الإمام لنفسه لم تكن اعتباطاً.

والآخر : ما رواه الكشي بسنده عن زرارة ، أنّه قال : « والله لو حدّثت بكل ما سمعته من أبي عبد اللهعليه‌السلام ؛ لانتفخت ذكور الرجال على الخشب »(3) كناية عن صَلْبهم على جذوع النخيل ، كما هو فعل الطّغاة مِنْ قَبلُ كزياد بن سميّة وأسياده وأتباعه.

__________________

(1) اُصول الكافي 1 : 310 / 13.

(2) اُصول الكافي 1 : 310 ـ 311 / 14.

(3) رجال الكشي : 134 / 212.

٥٩

وأخيراً لا بدّ من التذكير بأمرين :

الأول : شهادة الشيخ المتفق على جلالته أبي القاسم الحسين بن روح ( رضي الله تعالى عنه ) لآل زرارة ـ مطلقاً ـ بكلِّ خير ، ابتداء من عميدهم زرارة ، ثم أولاده وأحفاده وصولاً إلى زمان الشيخ الجليل أبي غالب الزراري ، فقال عنهم : « أهل بيتٍ جليل ، عظيم القدر في هذا الأمر »(1) .

ترى ، وهل يعنيقدس‌سره ب‍ ( هذا الأمر ) غير أمر الإمامة ؟ وهل يكون الرجل جليلاً وعظيم القدر في أمر الإمامة ، وهو لا يعرف إمام زمانه ؟!!

الثاني : التّنبيه على أن زرارة هو من أصحاب الإمام الكاظمعليه‌السلام (2) وأنه مات بعد سنتين من إمامة الإمام الكاظمعليه‌السلام (3) .

ولو فرض أنّ زرارة لم يكن عالماً بالنص على إمامة الإمام الكاظم في حياة أبيه الصادقعليهما‌السلام ، وأنّه علم بذلك خلال السنتين اللتين أمضاهما في عهد الإمام الكاظمعليه‌السلام . فإنّ هذا لا يلغي النصّ ، خصوصاً وأنّ اعتقاد من مثل زرارة به ـ ولو في وقت غير مبكر ـ يكشف عن اعتقاد زرارة بوجود النص بنحو قاطع وهذا يكفي لاثبات ما نحن فيه ، وهو لا يضر بزرارة على الفرض المذكور.

هذا ما وسعنا أن نقوله بشأن زرارة رضي الله تعالى عنه ، لا بقصد الإيضاح لما خفي على الزاعم ؛ لأنّ ما في هذا البحث يكفي لطالب الحق معرفته ، وللنصّ إثباته ، ونحن نرجوا تأثيره في القلوب المنصفة إذْ لم

__________________

(1) كتاب الغيبة ، للشيخ الطوسي : 183.

(2) رجال الشيخ الطوسي : 337 / 1. ورجال البرقي : 47.

(3) رجال النجاشي : 175 / 463. ورجال الشيخ : 210 / 90.

٦٠