كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٨

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 417

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 417
المشاهدات: 41794
تحميل: 7971


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41794 / تحميل: 7971
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 18

مؤلف:
العربية

فينبغي أن يكون ضدهم جاهلا عندهم قال كذاك هو قلت فقد بقيت أنت جاهلا بإجماع الناس و الناس جهال بقولك وحدك و مثل هذا المعنى قول الشاعر:

إذا كنت تقضي أن عقلك كامل

و أن بني حواء غيرك جاهل

و أن مفيض العلم صدرك كله

فمن ذا الذي يدري بأنك عاقل

الفصل الثاني الصدقة دواء منجح قد جاء في الصدقة فضل كثير و ذكرنا بعض ذلك فيما تقدم و في الحديث المرفوع تاجروا الله بالصدقة تربحوا و قيل الصدقة صداق الجنة.و قيل للشبلي ما يجب في مائتي درهم فقال أما من جهة الشرع فخمسة دراهم و أما من جهة الإخلاص فالكل.و روى أبو هريرة عن النبي ص أنه سئل فقيل أي الصدقة أفضل فقال أن تعطي و أنت صحيح شحيح تأمل البقاء و تخشى الفقر و لا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا و لفلان كذا.و مثل قوله ع الصدقة دواء منجح

قول النبي ص داووا مرضاكم بالصدقة.الفصل الثالث قوله أعمال العباد في عاجلهم نصب أعينهم في آجلهم هذا من قوله تعالى( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ

١٠١

لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ) و قال تعالى( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) .و من كلام بعضهم إنما تقدم على ما قدمت و لست تقدم على ما تركت فآثر ما تلقاه غدا على ما لا تراه أبدا.و من حكمة أفلاطون اكتم حسن صنيعك عن أعين البشر فإن له ممن بيده ملكوت السماء أعينا ترمقه فتجازي عليه

١٠٢

8

وَ قَالَ ع اِعْجَبُوا لِهَذَا اَلْإِنْسَانِ يَنْظُرُ بِشَحْمٍ وَ يَتَكَلَّمُ بِلَحْمٍ وَ يَسْمَعُ بِعَظْمٍ وَ يَتَنَفَّسُ مِنْ خَرْمٍ هذا كلام محمول بعضه على ظاهره لما تدعو إليه الضرورة من مخاطبة العامة بما يفهمونه و العدول عما لا تقبله عقولهم و لا تعيه قلوبهم.أما الإبصار فقد اختلف فيه فقيل إنه بخروج شعاع من العين يتصل بالمرئي و قيل إن القوة المبصرة التي في العين تلاقي بذاتها المرئيات فتبصرها و قال قوم بل بتكيف الهواء بالشعاع البصري من غير خروج فيصير الهواء باعتبار تكيفه بالشعاع به آلة العين في الإدراك.و قال المحققون من الحكماء إن الإدراك البصري هو بانطباع أشباح المرئيات في الرطوبة الجلدية من العين عند توسط الهواء الشفاف المضي‏ء كما تنطبع الصورة في المرآة قالوا و لو كانت المرآة ذات قوة مبصرة لأدركت الصور المنطبعة فيها و على جميع الأقوال فلا بد من إثبات القوة المبصرة في الرطوبة الجلدية و إلى الرطوبة الجلدية وقعت إشارته ع بقوله ينظر بشحم.و أما الكلام فمحله اللسان عند قوم و قال قوم ليس اللسان آلة ضرورية في الكلام لأن من يقطع لسانه من أصله يتكلم و أما إذا قطع رأسه لم يتكلم قالوا و إنما الكلام

١٠٣

باللهوات و على كلا القولين فلا بد أن تكون آلة الكلام لحما و إليه وقعت إشارة أمير المؤمنين ع و ليس هذه البنية المخصوصة شرطا في الكلام على الإطلاق لجواز وجوده في الشجر و الجماد عند أصحابنا و إنما هي شرط في كلام الإنسان و لذا قال أمير المؤمنين اعجبوا لهذا الإنسان.فأما السمع للصوت فليس بعظم عند التحقيق و إنما هو بالقوة المودعة في العصب المفروش في الصماخ كالغشاء فإذا حمل الهواء الصوت و دخل في ثقب الأذن المنتهي إلى الصماخ بعد تعويجات فيه جعلت لتجري مجرى اليراعة المصوتة و أفضى ذلك الصوت إلى ذلك العصب الحامل للقوة السامعة حصل الإدراك و بالجملة فلا بد من عظم لأن الحامل اللحم و العصب إنما هو العظم.و أما التنفس فلا ريب أنه من خرم لأنه من الأنف و إن كان قد يمكن لو سد الأنف أن يتنفس الإنسان من الفم و هو خرم أيضا و الحاجة إلى التنفس إخراج الهواء الحار عن القلب و إدخال النسيم البارد إليه فجعلت الرئة كالمروحة تنبسط و تنقبض فيدخل الهواء بها و يخرج من قصبتها النافذة إلى المنخرين

١٠٤

9

وَ قَالَ ع إِذَا أَقْبَلَتِ اَلدُّنْيَا عَلَى قَوْمٍ أَعَارَتْهُمْ مَحَاسِنَ غَيْرِهِمْ وَ إِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُمْ سَلَبَتْهُمْ مَحَاسِنَ أَنْفُسِهِمْ أَحَدٍ أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ وَ إِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ كان الرشيد أيام كان حسن الرأي في جعفر بن يحيى يحلف بالله أن جعفرا أفصح من قس بن ساعدة و أشجع من عامر بن الطفيل و أكتب من عبد الحميد بن يحيى و أسوس من عمر بن الخطاب و أحسن من مصعب بن الزبير و كان جعفر ليس بحسن الصورة و كان طويل الوجه جدا و أنصح له من الحجاج لعبد الملك و أسمح من عبد الله بن جعفر و أعف من يوسف بن يعقوب فلما تغير رأيه فيه أنكر محاسنه الحقيقية التي لا يختلف اثنان أنها فيه نحو كياسته و سماحته و لم يكن أحد يجسر أن يرد على جعفر قولا و لا رأيا فيقال إن أول ما ظهر من تغير الرشيد له أنه كلم الفضل بن الربيع بشي‏ء فرده عليه الفضل و لم تجر عادته من قبل أن يفتح فاه في وجهه فأنكر سليمان بن أبي جعفر ذلك على الفضل فغضب الرشيد لإنكار سليمان و قال ما دخولك بين أخي و مولاي كالراضي بما كان من الفضل ثم تكلم جعفر بشي‏ء قاله للفضل فقال الفضل اشهد عليه يا أمير المؤمنين فقال جعفر فض الله فاك يا جاهل إذا كان أمير المؤمنين الشاهد فمن الحاكم المشهود عنده فضحك الرشيد و قال يا فضل لا تمار جعفرا فإنك لا تقع منه موقعا.

١٠٥

و اعلم أنا قد وجدنا تصديق ما قاله ع في العلوم و الفضائل و الخصائص النفسانية دع حديث الدنيا و السلطان و الرئاسة فإن المحظوظ من علم أو من فضيلة تضاف إليه شوارد تلك الفضيلة و شوارد ذلك الفن مثاله حظ علي ع من الشجاعة و من الأمثال الحكمية قل أن ترى مثلا شاردا أو كلمة حكمية إلا و تضيفها الناس إليه و كذلك ما يدعي العامة له من الشجاعة و قتل الأبطال حتى يقال إنه حمل على سبعين ألفا فهزمهم و قتل الجن في البئر و فتل الطوق الحديد في عنق خالد بن الوليد و كذلك حظ عنترة بن شداد في الشجاعة يذكر له من الأخبار ما لم يكن و كذلك ما اشتهر به أبو نواس في وصف الخمر يضاف إليه من الشعر في هذا الفن ما لم يكن قاله و كذلك جود حاتم و عبد الله بن جعفر و نحو ذلك و بالعكس من لا حظ له ينفى عنه ما هو حقيقة له فقد رأينا كثيرا من الشعر الجيد ينفى عن قائله استحقارا له لأنه خامل الذكر و ينسب إلى غيره بل رأينا كتبا مصنفة في فنون من العلوم خمل ذكر مصنفيها و نسبت إلى غيرهم من ذوي النباهة و الصيت و كل ذلك منسوب إلى الجد و الإقبال

١٠٦

10

وَ قَالَ ع خَالِطُوا اَلنَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ وَ إِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ و قد روي خنوا بالخاء المعجمة من الخنين و هو صوت يخرج من الأنف عند البكاء و إلى تتعلق بمحذوف أي حنوا شوقا إليكم.و قد ورد في الأمر بإحسان العشرة مع الناس الكثير الواسع و قد ذكرنا طرفا من ذلك فيما تقدم.و في الخبر المرفوع إذا وسعتم الناس ببسط الوجوه و حسن الخلق و حسن الجوار فكأنما وسعتموهم بالمال.و قال أبو الدرداء إنا لنهش في وجوه أقوام و إن قلوبنا لتقليهم.و قال محمد بن الفضل الهاشمي لأبيه لم تجلس إلى فلان و قد عرفت عداوته قال أخبئ نارا و أقدح عن ود.و قال المهاجر بن عبد الله:

و إني لأقصى المرء من غير بغضة

و أدنى أخا البغضاء مني على عمد

ليحدث ودا بعد بغضاء أو أرى

له مصرعا يردي به الله من يردي

و قال عقال بن شبة التميمي كنت ردف أبي فلقيه جرير بن الخطفى على بغلة

١٠٧

فحياه أبي و ألطفه فلما مضى قلت له أ بعد أن قال لنا ما قال قال يا بني أ فأوسع جرحي.و قال محمد بن الحنفية ع قد يدفع باحتمال المكروه ما هو أعظم منه و قال الحسن ع حسن السؤال نصف العلم و مداراة الناس نصف العقل و القصد في المعيشة نصف المئونة.و مدح ابن شهاب شاعرا فأعطاه و قال إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر.و قال الشاعر:

و أنزلني طول النوى دار غربة

متى شئت لاقيت أمرا لا أشاكله

أخا ثقة حتى يقال سجية

و لو كان ذا عقل لكنت أعاقله

و في الحديث المرفوع للمسلم على المسلم ست يسلم عليه إذا لقيه و يجيبه إذا دعاه و يشمته إذا عطس و يعوده إذا مرض و يحب له ما يحب لنفسه و يشيع جنازته إذا مات و وقف ص على عجوز فجعل يسألها و يتحفاها و قال إن حسن العهد من الإيمان إنها كانت تأتينا أيام خديجة

١٠٨

11

وَ قَالَ ع إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ اَلْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ قد أخذت أنا هذا المعنى فقلت في قطعة لي:

إن الأماني أكساب الجهول فلا

تقنع بها و اركب الأهوال و الخطرا

و اجعل من العقل جهلا و اطرح نظرا

في الموبقات و لا تستشعر الحذرا

و إن قدرت على الأعداء منتصرا

فاشكر بعفوك عن أعدائك الظفرا

و قد تقدم لنا كلام طويل في الحلم و الصفح و العفو.و نحن نذكر هاهنا زيادة على ذلك شجر بين أبي مسلم و بين صاحب مرو كلام أربى فيه صاحب مرو عليه و أغلظ له في القول فاحتمله أبو مسلم و ندم صاحب مرو و قام بين يدي أبي مسلم معتذرا و كان قال له في جملة ما قال يا لقيط فقال أبو مسلم مه لسان سبق و وهم أخطأ و الغضب شيطان و أنا جرأتك علي باحتمالك قديما فإن كنت للذنب معتذرا فقد شاركتك فيه و إن كنت مغلوبا فالعفو يسعك فقال صاحب مرو أيها الأمير إن عظم ذنبي يمنعني من الهدوء فقال أبو مسلم يا عجبا أقابلك بإحسان و أنت مسي‏ء ثم أقابلك بإساءة و أنت محسن فقال الآن وثقت بعفوك.و أذنب بعض كتاب المأمون ذنبا و تقدم إليه ليحتج لنفسه فقال يا هذا قف

١٠٩

مكانك فإنما هو عذر أو يمين فقد وهبتهما لك و قد تكرر منك ذلك فلا تزال تسي‏ء و نحسن و تذنب و نغفر حتى يكون العفو هو الذي يصلحك.و كان يقال أحسن أفعال القادر العفو و أقبحها الانتقام.و كان يقال ظفر الكريم عفو و عفو اللئيم عقوبة.و كان يقال رب ذنب مقدار العقوبة عليه إعلام المذنب به و لا يجاوز به حد الارتفاع إلى الإيقاع.و كان يقال ما عفا عن الذنب من قرع به.و من الحلم الذي يتضمن كبرا مستحسنا ما روي أن مصعب بن الزبير لما ولي العراق عرض الناس ليدفع إليهم أرزاقهم فنادى مناديه أين عمرو بن جرموز فقيل له أيها الأمير إنه أبعد في الأرض قال أ و ظن الأحمق أني أقتله بأبي عبد الله قولوا له فليظهر آمنا و ليأخذ عطاءه مسلما.و أكثر رجل من سب الأحنف و هو لا يجيبه فقال الرجل ويلي عليه و الله ما منعه من جوابي إلا هواني عنده.و قال لقيط بن زرارة:

فقل لبني سعد و ما لي و ما لكم

ترقون مني ما استطعتم و أعتق

أ غركم أني بأحسن شيمة

بصير و أني بالفواحش أخرق

و أنك قد ساببتني فقهرتني

هنيئا مريئا أنت بالفحش أحذق

و قال المأمون لإبراهيم بن المهدي لما ظفر به إني قد شاورت في أمرك فأشير علي بقتلك إلا أني وجدت قدرك فوق ذنبك فكرهت قتلك للازم حرمتك فقال إبراهيم يا أمير المؤمنين إن المشير أشار بما تقتضيه السياسة و توجيه العادة إلا أنك أبيت أن

١١٠

تطلب النصر إلا من حيث عودته من العفو فإن قتلت فلك نظراء و إن عفوت فلا نظير لك قال قد عفوت فاذهب آمنا.ضل الأعشى في طريقه فأصبح بأبيات علقمة بن علاثة فقال قائده و قد نظر إلى قباب الأدم وا سوء صباحاه يا أبا بصير هذه و الله أبيات علقمة فخرج فتيان الحي فقبضوا على الأعشى فأتوا به علقمة فمثل بين يديه فقال الحمد لله الذي أظفرني بك من غير ذمة و لا عقد قال الأعشى أ و تدري لم ذلك جعلت فداك قال نعم لانتقم اليوم منك بتقوالك علي الباطل مع إحساني إليك قال لا و الله و لكن أظفرك الله بي ليبلو قدر حلمك في فأطرق علقمة فاندفع الأعشى فقال:

أ علقم قد صيرتني الأمور

إليك و ما كان بي منكص

كساكم علاثة أثوابه

و ورثكم حلمه الأحوص

فهب لي نفسي فدتك النفوس

فلا زلت تنمي و لا تنقص

فقال قد فعلت أما و الله لو قلت في بعض ما قلته في عامر بن عمر لأغنيتك طول حياتك و لو قلت في عامر بعض ما قلته في ما أذاقك برد الحياة.قال معاوية لخالد بن معمر السدوسي على ما ذا أحببت عليا قال على ثلاث حلمه إذا غضب و صدقه إذا قال و وفاؤه إذا وعد

١١١

12

وَ قَالَ ع أَعْجَزُ اَلنَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اِكْتِسَابِ اَلْإِخْوَانِ وَ أَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ قد ذكرنا قطعة صالحة من الإخوانيات فيما تقدم و في الحديث المرفوع أن النبي ص بكى لما قتل جعفر بمؤتة و قال المرء كثير بأخيه و قال جعفر بن محمد ع لكل شي‏ء حلية و حلية الرجل أوداؤه.و أنشد ابن الأعرابي:

لعمرك ما مال الفتى بذخيرة

و لكن إخوان الصفاء الذخائر

و كان أبو أيوب السختياني يقول إذا بلغني موت أخ كان لي فكأنما سقط عضو مني.و كان يقال الإخوان ثلاث طبقات طبقة كالغذاء لا يستغني عنه و طبقة كالدواء يحتاج إليه عند المرض و طبقة كالداء لا يحتاج إليه أبدا.و كان يقال صاحبك كرقعة في قميصك فانظر بما ترقع قميصك.

١١٢

و كان يونس بن عبيد يقول اثنان ما في الأرض أقل منهما و لا يزدادان إلا قلة درهم يوضع في حق و أخ يسكن إليه في الله.و قال الشاعر:

أخاك أخاك إن من لا أخا له

كساع إلى الهيجا بغير سلاح

و إن ابن عم المرء فاعلم جناحه

و هل ينهض البازي بغير جناح

و قال آخر:

و لن تنفك تحسد أو تعادى

فأكثر ما استطعت من الصديق

و بغضك للتقي أقل ضرا

و أسلم من مودة ذي الفسوق

و أوصى بعضهم ابنه فقال يا بني إذا نازعتك نفسك إلى مصاحبة الرجال فاصحب من إذا صحبته زانك و إذا خدمته صانك و إذا عرضت لك مؤنة أعانك و إن قلت صدق قولك و إن صلت شد صولك و إن مددت يدك لأمر مدها و إن بدت لك عورة سدها و إن رأى منك حسنة عدها و إن سألته أعطاك و إن سكت ابتدأك و إن نزلت بك ملمة واساك من لا تأتيك منه البوائق و لا تحتار عليك منه الطرائق و لا يخذلك عند الحقائق.و من الشعر المنسوب إلى علي ع:

إن أخاك الحق من كان معك

و من يضر نفسه لينفعك

و من إذا ريب الزمان صدعك

شتت فيك شمله ليجمعك

١١٣

و من الشعر المنسوب إليه ع أيضا:

أخوك الذي إن أجرضتك ملمة

من الدهر لم يبرح لها الدهر واجما

و ليس أخوك بالذي إن تشعبت

عليك أمور ظل يلحاك لائما

و قال بعض الحكماء ينبغي للإنسان أن يوكل بنفسه كالئين أحدهما يكلؤه من أمامه و الآخر يكلؤه من ورائه و هما عقله الصحيح و أخوه النصيح فإن عقله و إن صح فلن يبصره من عيبه إلا بمقدار ما يرى الرجل من وجهه في المرآة و يخفى عليه ما خلفه و أما أخوه النصيح فيبصره ما خلفه و ما أمامه أيضا.و كتب ظريف إلى صديق له أني غير محمود على الانقياد إليك لأني صادقتك من جوهر نفسي و النفس يتبع بعضها بعضا.و في الحديث المرفوع إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه.و قال الأحنف خير الإخوان من إذا استغنيت عنه لم يزدك ودا و إن احتجت إليه لم ينقصك.و قال أعشى باهلة يرثي المنتشر بن وهب:

إما سلكت سبيلا كنت سالكها

فاذهب فلا يبعدنك الله منتشر

من ليس في خيره شر ينكده

على الصديق و لا في صفوه كدر

و قال آخر يرثي صديقا له:

أخ طالما سرني ذكره

و أصبحت أشجى لدى ذكره

و قد كنت أغدو إلى قصره

فأصبحت أغدو إلى قبره

و كنت أراني غنيا به

عن الناس لو مد في عمره

إذا جئته طالبا حاجة

فأمري يجوز على أمره

رأى بعض الحكماء مصطحبين لا يفترقان فسأل عنهما فقيل صديقان قال فما بال أحدهما غنيا و الآخر فقيرا

١١٤

13

وَ قَالَ ع فِي اَلَّذِينَ اِعْتَزَلُوا اَلْقِتَالَ مَعَهُ خَذَلُوا اَلْحَقَّ وَ لَمْ يَنْصُرُوا اَلْبَاطِلَ قد سبق ذكر هؤلاء فيما تقدم و هم عبد الله بن عمر بن الخطاب و سعد بن أبي وقاص و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل و أسامة بن زيد و محمد بن مسلمة و أنس بن مالك و جماعة غيرهم.و قد ذكر شيخنا أبو الحسين في الغرر أن أمير المؤمنين ع لما دعاهم إلى القتال معه و اعتذروا بما اعتذروا به قال لهم أ تنكرون هذه البيعة قالوا لا لكنا لا نقاتل فقال إذا بايعتم فقد قاتلتم قال فسلموا بذلك من الذم لأن إمامهم رضي عنهم.و معنى قوله خذلوا الحق و لم ينصروا الباطل أي خذلوني و لم يحاربوا معي معاوية و بعض أصحابنا البغداديين يتوقف في هؤلاء و إلى هذا القول يميل شيخنا أبو جعفر الإسكافي

١١٥

14

وَ قَالَ ع إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْكُمْ أَطْرَافُ اَلنِّعَمِ فَلاَ تُنَفِّرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ اَلشُّكْرِ قد سبق القول في الشكر و نحن نذكر هاهنا زيادة على ذلك.قال بعضهم ما شيبتني السنون بل شكري من أحتاج أن أشكره.و قالوا العفاف زينة الفقر و الشكر زينة الغنى.و قالوا من سعادة المرء أن يضع معروفه عند من يشكره.و من جيد ما قيل في الشكر قول أبي نواس:

قد قلت للعباس معتذرا

من ضعف شكريه و معترفا

أنت امرؤ حملتني نعما

أوهت قوى شكري فقد ضعفا

فإليك مني اليوم معذرة

جاءتك بالتصريح منكشفا

لا تسدين إلى عارفة

حتى أقوم بشكر ما سلفا

و قال البحتري:

فإن أنا لم أشكر لنعماك جاهدا

فلا نلت نعمى بعدها توجب الشكرا

١١٦

و قال أيضا:

سأجهد في شكري لنعماك إنني

أرى الكفر للنعماء ضربا من الكفر

و قال ابن أبي طاهر:

شكرت عليا بره و بلاءه

فقصر بي شكري و إني لجاهد

و ما أنا من شكري عليا بواحد

و لكنه في الفضل و الجود واحد

و قال أبو الفتح البستي:

لا تظنن بي و برك حي

أن شكري و شكر غيري موات

أنا أرض و راحتاك سحاب

و الأيادي وبل و شكري نبات

و قال أيضا:

و خر لما أوليت شكري ساجدا

و مثل الذي أوليت يعبده الشكر

البحتري:

أراك بعين المكتسي ورق الغنى

بآلائك اللاتي يعددها الشكر

و يعجبني فقري إليك و لم يكن

ليعجبني لو لا محبتك الفقر

آخر:

بدأت بمعروف و ثنيت بالرضا

و ثلثت بالحسنى و ربعت بالكرم

و باشرت أمري و اعتنيت بحاجتي

و أخرت لا عني و قدمت لي نعم

و صدقت لي ظني و أنجزت موعدي

و طبت به نفسا و لم تتبع الندم

فإن نحن كافأنا بشكر فواجب

و إن نحن قصرنا فما الود متهم

١١٧

15

وَ قَالَ ع مَنْ ضَيَّعَهُ اَلْأَقْرَبُ أُتِيحَ لَهُ اَلْأَبْعَدُ إن الإنسان قد ينصره من لا يرجو نصره و إن أهمله أقربوه و خذلوه فقد تقوم به الأجانب من الناس و قد وجدنا ذلك في حق رسول الله ص ضيعه أهله و رهطه من قريش و خذلوه و تمالئوا عليه فقام بنصره الأوس و الخزرج و هم أبعد الناس نسبا منه لأنه من عدنان و هم من قحطان و كل واحد من الفريقين لا يحب الآخر حتى تحب الأرض الدم و قامت ربيعة بنصر علي ع في صفين و هم أعداء مضر الذين هم أهله و رهطه و قامت اليمن بنصر معاوية في صفين و هم أعداء مضر و قامت الخراسانية و هم عجم بنصر الدولة العباسية و هي دولة العرب و إذا تأملت السير وجدت هذا كثيرا شائعا

١١٨

16

وَ قَالَ ع مَا كُلُّ مَفْتُونٍ يُعَاتَبُ هذه الكلمة قالها علي ع لسعد بن أبي وقاص و محمد بن مسلمة و عبد الله بن عمر لما امتنعوا من الخروج معه لحرب أصحاب الجمل و نظيرها أو قريب منها قول أبي الطيب:

فما كل فعال يجازى بفعله

و لا كل قوال لدي يجاب

و رب كلام مر فوق مسامعي

كما طن في لفح الهجير ذباب

١١٩

17

وَ قَالَ ع تَذِلُّ اَلْأُمُورُ لِلْمَقَادِيرِ حَتَّى يَكُونَ اَلْحَتْفُ فِي اَلتَّدْبِيرِ إذا تأملت أحوال العالم وجدت صدق هذه الكلمة ظاهرا و لو شئنا أن نذكر الكثير من ذلك لذكرنا ما يحتاج في تقييده بالكتابة إلى مثل حجم كتابنا هذا و لكنا نذكر لمحا و نكتا و أطرافا و دررا من القول.فرش مروان بن محمد و قد لقي عبد الله بن علي أنطاعا و بسط عليها المال و قال من جاءني برأس فله مائة درهم فعجزت الحفظة و الحراس عن حمايته و اشتغلت طائفة من الجند بنهبه و تهافت الجيش عليه لينتهبوه فغشيهم عبد الله بن علي بعساكره فقتل منهم ما لا يحصى و هزم الباقون.و كسر إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن جيش أبي جعفر المنصور بباخمرى و أمر أصحابه باتباعهم فحال بينهم و بين أصحاب أبي جعفر ماء ضحضاح فكره إبراهيم و جيشه خوض ذلك الماء و كان واسعا فأمر صاحب لوائه أن يتعرج باللواء على مسناة كانت على ذلك الماء يابسة فسلكها صاحب اللواء و هي تفضي بانعراج و انعكاس إلى الأرض اليبس فلما رأى عسكر أبي جعفر أن لواء القوم قد تراجع

١٢٠