كلمة الزهراء (عليها السلام) خطبة الزهراء في أحدث قصيدة شعرية

كلمة الزهراء (عليها السلام) خطبة الزهراء في أحدث قصيدة شعرية0%

كلمة الزهراء (عليها السلام) خطبة الزهراء في أحدث قصيدة شعرية مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 93

كلمة الزهراء (عليها السلام) خطبة الزهراء في أحدث قصيدة شعرية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عباس المدرسي
تصنيف: الصفحات: 93
المشاهدات: 33884
تحميل: 5424

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 93 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 33884 / تحميل: 5424
الحجم الحجم الحجم
كلمة الزهراء (عليها السلام) خطبة الزهراء في أحدث قصيدة شعرية

كلمة الزهراء (عليها السلام) خطبة الزهراء في أحدث قصيدة شعرية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

كَلِمَةُ الزَّهراء (ع)

خُطْبة الزَّهراء في أحدث قصيدة شِعْريّة

السيّد عبّاس المدرسّي

١

كَلِمَةُ الزَّهراء (ع)

خُطْبة الزَّهراء في أحدث قصيدة شِعْريّة

السيّد عبّاس المدرسّي

مؤسّسة عاشوراء

Ashura Foundation

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

الإهداء

أنا للزّهراء أُهدي قلمي

هي وحي وشعوري ودمي

أنا لا أعرف إلاّ حبّها

وإلى دِفءِ ولاَهَا أَحتَمِي

هي من روح النبيّ المصطفى

وإليها أنا روحي تنتمي

وهي الجوهرةُ الفردُ التي

خصّها الله بكلِّ القِيَمِ

إن تسدْ مريمُ في أُمّتها

فلقد سادت جميعَ الأُممِ

نسبي منها ومنها حَسَبي

وكفاني العِزّ أنّي فاطمي

٥

٦

الفصل الأوّل

بين يَدَي الخطاب العظيم

٧

٨

بين يَدَي الخطاب العظيم

بقدّها النحيل، وصوتها المضمّخ بالألم، وبعقلها النيِّر الكبير، وقلبها الشجاع البصير.. وقفت فاطمة الزهراء تلقي خطابها العظيم في مسجد أبيها رسول الله (ص) بالمدينة؛ لتجلو درب الرسول الذي رشّ النور على درب الإنسان، وضوّى برسالته أبعاد الزمان والمكان، ولكي ترفع عن كاهل الإسلام ظلم الظالمين وعدوان المغتصبين، ولتهزّ الأرض من تحت أقدام المستبدّين الحاكمين وحتى قيام الساعة.

إنّ خطاب الزهراء فاطمة (ع) في مسجد أبيها محمد (ص) احتجاجاً على غصب ( فدك ) لم يكن مجرّد صرخة في وجه الظلم، بل كان بالدرجة الأُولى (تعرية) لمنهج خاطئ، و (إنذاراً) لمستقبل خطير

٩

تترقّبة الجزيرة العربية، جزاء زحزحة الوصي عن زعامة الأُمّة بعد الرسول الأعظم.

لقد جاء الخطاب في المسجد النبوي، وبجوار قبر المصطفى محمد (ص) ليسجل اعتراض المسجد النبوي، الذي كان دائماً محور الهدى الديني - على ( سقيفة بني ساعدة ) الذي جرى تحت سقفه أوّل مؤامرة على خط المسجد، وخط باني المساجد رسول الله محمد (ص).

لم تكن فاطمة من النوع الذي يقيم لحطام الدنيا وزناً - وهي التي أهدت حتّى ثياب عرسها لسائلة مسكينة ليلة الزفاف - وهي التي شهد القرآن لها ولآلها في سورة ( هل أتى ) بالإيثار في سبيل الله ولو كان بهم خصاصة، وهي التي شهدت لها آية التطهير: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) بالصدق والعفّة، ولكنّ اغتصاب ( فدك ) كان حجّة على الذين غصبوا الخلافة، وسنداً واضحاً يدين فعل (المغتصِبين).

لقد أثبتت الزهراء (ع) للتاريخ كلّه: أنّ خلافةً تقوم في أوّل خطوة لها بالاعتداء على (أملاك رسول الله) ليست امتداداً للنبي، بقدر ما هي انقلاب عليه، كما هو شأن كلّ (الانقلابات) الّتي تتمّ في الدنيا، حيث يصادر الرئيس الجديد ممتلكات الرئيس السابق الذي انقلب عليه، بحجةٍ أو بأُخرى، حتّى لا يستطيع أعوانه وأقربائه من الدفاع عن أنفسهم، والعودة إلى مراكز الحكم والسلطة.

إنّ أيّ شخص يتجرّد من العصبيّة المذهبيّة ويفهم أوّليّات السياسة؛ يدرك مغزى مصادرة ( فدك )

١٠

وإخراج عمّال فاطمة منها وبالقوّة، أو كما يعبّر صاحب الصواعق المحرقة: (انتزاع فدك من فاطمة). كما يدرك مغزى إصرار فاطمة الزهراء (ع) على المطالبة بحقّها حتّى الموت... فلم تكن فدك هي المطلوبة بل ( الخلافة الإسلامية ) - ولم يكن إصرار الخليفة على موقفه، إلاّ لكي يقطع المدد عن المطالبين بالخلافة.

من هنا قامت فاطمة (ع) تطالب حقّها المغتصب باعتباره (نِحْلة) من رسول الله إليها، فطالبها الخليفة بالشهود.. وشهد على ذلك ( عليّ ) و ( أُمّ أيمن ) و ( الحسنان ) فُردّت شهادة أُم أيمن بحجّة أنّها امرأة - علماً بأنّ الرسول قد شهد لها بأنّها من أهل الجنّة، - ورُدّت شهادة عليّ - بحجّة أنّه يجر النار إلى قرصه!! ورُدّت شهادة سيّدا شباب أهل الجنّة: الحسن والحسين بحجّة أنّهما صغيران!! علماً - بأنّ صاحب اليد على الملك، لا يُطالب بالشهود في أيّ مذهب من مذاهب الإسلام، ولا في أيّ قانون من قوانين الأرض أو السماء، فلا يحقّ لأيٍّ كان أن ينتزع يد أحدٍ على ملك، ثمّ يطالبه بإثبات ملكيّته له.

ولمّا رفضت شهود فاطمة بالنِّحْله.. قالت إذن: فهي (ملكي) بالإرث، فرتَّبوا على الفور حديثاً على لسان النبي الأكرم يقول: (نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ذهباً ولا ديناراً..) ناسين أنّه مخالف لصريح القرآن الكريم في آيات كثيرة ومتفرّقة (مذكورة في خطاب الزهراء).

ولم يكن أمام فاطمة الزهراء (ع) إلاّ لتلقي حجّتها في المسجد وعلى رؤوس الأشهاد.. فجاء خطابها قاصفاً قامعاً دامغاً لا يدع مجالاً للريب عند أحد..

١١

المناورة

ولم يجد (الخصم) المهزوم بمنطق الزهراء المؤزّر بآيات الذكر الحكيم، إلاّ أن يناور باسم الجماهير، ويعتذر عمّا فعل بأنّه استجابةً لطلب الناس! ولا أدري متى كان طلب (الاغتصاب) مبرّراً (للاغتصاب) أيّاً كان الطالب، وأيّاً كان المغتصِب، فكيف والغصب لأملاك النبي الأعظم التي انتقلت إلى فاطمة نِحْلةً أو إرثاً.. (وذلك بنصّ الكتاب العزيز الذي يعطي الأنفال - وهي كلّ أرض لم يحرّرها الجيش الإسلامي للنبي الأكرم (ص)، وفدك أرض صالح عليها أهلها رسول الله، وسُلّمت صلحاً لا حرباً -).

وفي الأخير.. وبعد أخذ ورد صرّح الخليفة أمام الجماهير بعدم شرعيّة انتزاع فدك من الزهراء.. ولم يجد بدّاً من الاعتراف، ولكنّه حاول الالتفاف على حجّتها برمي الكرة في مرمى الجماهير الحاضرة في المسجد.. فصار حقّ الزهراء المسلّم رهناً برضى قوم يعرفون تماماً وجه الحقّ، ومقصد الخليفة من هذه المناورة، ولكنّ سيف الإرهاب الذي شُهر في السقيفة ما كان يدع لأحد مجالاً للاعتراض..

ولم يكن يخفى على أحد حقّ فاطمة في فدك.. وما بعد ( فدك) غير أنّ البطش كان أقوى.. وما فعل بالصحابي الجليل (مالك بن

١٢

نويرة) أخمد أصوات الجميع!

فدك.. عبر التاريخ

غير أنّ ( فدك ) لم تذهب إلى (خزينة الدولة) إلاّ لفترة قصيرة.. ثمّ سلّمها عمر لأبناء فاطمة، ثمّ انتزعها عثمان ليعطيها لصهره مروان بن الحكم، ثمّ عادت لعليّ في خلافته - وكانت له معها موقف حكيم! وجاء معاوية فانتزعها من أصحابها، ولم يردّها إلى خزينة الدولة، بل قسّمها بين أقرباءه ثلاثة أقسام: فثلث لمروان، وثلث لعمر بن عثمان، وثلث لولده يزيد (قاتل الحسين بن علي (ع)) وهكذا بقيت في كفّ الأمويين حتّى خلقت لمروان وحده.. ثمّ ورثها عمر بن عبد العزيز فردّها على أولاد فاطمة، ثمّ اضطرّ تحت ضغط أعوانه إلى توزيع غلّتها عليهم فقط، واستبقاء الأصل في يده، ثمّ انتزعها يزيد بن عيد الملك لنفسه، وبقيت في يد المروانيّين حتى زالت دولتهم، وعلى زمن العباسيين.. ردّها أبو العبّاس السفّاح إلى أبناء فاطمة (عبد الله بن الحسن بن الحسن) ثمّ انتزعها أبو جعفر المنصور، ثمّ ردّها ولده المهدي بن المنصور إلى أبناء فاطمة، ثمّ انتزعها ولده موسى بن المهدي..

وبقيت في يد العبّاسيين حتّى عام 210 فردّها المأمون على أبناء فاطمة، وكتب بذلك كتاباً ضمنّه أدلّة امتلاك فاطمة لفدك (1) .. ثمّ انتزعها

____________________

1 - كتب المأمون العبّاسي الرسالة التالية إلى واليه على المدينة قثم بن جعفر: (أمّا بعد، فإنّ =

١٣

المتوكّل ووهبها لابن عمر البازيار، وكان فيها إحدى عشرة نخلة غرسها النبي (ص) بيده الكريمة، فوجّه البازيار رجلاً يقال له (بشران) فصرّم تلك النخيل، ثمّ عاد ففلج!! ولا يذكر التاريخ شيئاً عن فدك بعدما صارت في يد البازيار المعادي للنبي وآله (عليهم السلام).

وهكذا كلّما كان الحكم يميل (للإنصاف) لأهل البيت كان يعيد فدكاً إلى أبناء فاطمة، وكلّما جنح للظلم اغتصبها من جديد، ولكّن حقّ

____________________

=

أمير المؤمنين بمكانه من دين الله وخلافة رسوله (صلّى الله عليه وسلّم) والقرابة به أولى مَن استنّ سنّته، وسلّم لمَن منحه منحة، وتصدّق عليه بصدقة منحته وصدقته، وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته، وإليه في العمل بما يقرّه إليه رغبته، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) أعطى فاطمة بنت رسول الله وتصدّق بها عليها، وكان ذلك أمراً ظاهراً معروفاً لا اختلاف فيه بين آل رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، ولم تزل تدعي منه ما هو أولى به من صدق عليه، فرأى أمير المؤمنين أن يردّها إلى ورثتها، ويسلّمها إليهم تقرّباً إلى الله تعالى، بإقامة حقّه وعدله، والى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بتنفيذ أمره وصدقته فأمر بإثبات ذلك في دواوينه والكتّاب إلى عمّاله، فلئن كان ينادي في كلّ موسم بعد أن قبض نبيّه (صلّى الله عليه وسلم) أن يذكر كلّ من كانت له صدقة أو هبة أو عدّة ذلك، فيقبل قوله وتنفّذ عدّته، إنّ فاطمة (رضي الله عنها) لأولى بأن يصدق قولها فيما جعل رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لها، وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك الطبري مولى أمير المؤمنين بأمره، بردّ فدك على ورثة فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها، وما فيها من الرقيق والغلاّت وغير ذلك، وتسليمها إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن على بن الحسين بن علي بن أبي طالب، لتولية أمير المؤمنين إيّاها القيام بها لأهلها. فاعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين، وما ألهمه الله من طاعته، ووفّقه له من التقرّب إليه، وإلى رسوله (صلّى الله عليه وسلّم)، وأعلمه من قبلك وعامل محمد بن يحيى ومحمد بن عبد الله بما كنت تعامل به المبارك الطبري، وأعنهما على ما فيه عمارتها ومصلحتها، ووفور غلاّتها إن شاء الله، والسلام. (راجع ص 28 كتاب فدك).

١٤

فاطمة في فدك صار أظهر من الشمس في رابعة النهار، وأصبح حديث (نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث) مثل (قميص عثمان) في التاريخ، يستمرّ من وراءه طلاّب الحكم ليُقصوا عن الخلافة أهلها الحقيقيين، وكفى بـ ( فدك ) شهادة على صدق وطهارة وحقّ منهج، وقف على رأسه أهل البيت: عليّ وفاطمة والحسن والحسين.. الحماة الحقيقيّون للرسالة.

ومن المفارقات الطريفة: أنّ الذين استلبوا الخلافة في سقيفة بني ساعدة من (أهل البيت) كانوا يشعرون بالضعف؛ لأنّه كان ينقصهم قوّة الحقّ في خلافتهم، فراحوا يرمّمون ذلك النقص بقوّة المال المغتصب، والسيف المشتهر.. أمّا عليّ أمير المؤمنين (ع) والذي كان أزهد النّاس في الدنيا، وأحرصهم على الرسالة فما كان ليشعر بشيء من الضعف في خلافته، حتّى يغطّيه بالمال، فلا نقص (الإجماع الجماهيري) وقد تدافعت نحوه كالسيل وكأنّها تعتذر عن تقصيرها القديم.. ولا نقص (النصّ الجلي).

وقد صرّح الرسول الأكرم في غدير خمّ، وغير غدير خمّ، بخلافته له من بعده، ولا نقص ( القرابة ) إلى الرسول وهو بن عمّه وزوج سيّدة نساء أهل الجنّة ( فاطمة) ، ولا (الجهاد) والأسبقيّة إلى الإسلام، وقد كان الأوّل في كلّ تلك المناقب؛ لذلك فإنّه ما أن امتلك السلطة حتّى رفض أن يستفيد من ( فدك ) شخصيّاً، وكان ينفق جميع عائداتها على الفقراء؛ ليدلّل على أنّ مطالبة أهل البيت (بفدك) لم يكن لأجل الدنيا، وأنّ الذين اغتصبوها منهم ما فعلو ذلك.. للآخرة!

١٥

المطالبة بفَدَك.. والمطالبة بالخلافة

وممّا يكشف عن (مرمى) خطاب الزهراء في مسجد الرسول خطابها الآخر في فراش الموت، عندما جاء لزيارتها نساء المهاجرين والأنصار حيث لم تتطرّق إلى ( فدك ) من قريب أو بعيد، بل كانت ( الخلافة ) هي المحور.. أوّلاً وأخيراً..

(ويلهم أنّى زحزحوها عن مراسي الرسالة، ومهبط الوحي الأمين، والطبين بأمر الدنيا والدّين، وما الذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا منه - والله - نكير سيفه، وشدّة وقعته، وتنمّره في ذات الله).

ولقد أشار الإمام الكاظم موسى بن جعفر (ع) (حفيد فاطمة) إلى (قضيّة فدك) إذ حدّد تلك الجنينة المغروسة في خصر الصحراء، عندما طلب منه الخليفة هارون العبّاسي تحديد فدك ليردّها عليه فقال:

(الحدّ الأوّل: عدن، والحدّ الثاني: سمرقند، والحدّ الثالث: إفريقية، والرابع: سيف البحر ممّا يلي الجزر وأرمينية).

والسؤال: هل استطاعت الزهراء بخطابها أن تسترجع فدك؟

الجواب: لم تسترجع الزهراء فدكاً، ولكنّها استرجعت صوت الحقّ الذي كاد يضيع في تهريج السقيفة.

١٦

(وهكذا هُزم الخصم)

لقد سجّلت الزهراء على خصومها ( غصب الأرض ) ولم يستطع الحديث المكذوب على النبي أن يثبت الشرعيّة لاغتصاب ( فدك )، ورواية (نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث..) فِرية مفضوحة بلا ريب - فهي أوّلاً مخالفة لنصوص القرآن الكريم - في الآيات العامّة للإرث، وفي الآيات الخاصّة بخصوص إرث الأنبياء - كما تشير إليه الزهراء في خطابها.

وثانياً: لأنّ الخصم تراجع في نهاية المطاف عن التمسّك بهذا الحديث ليتشبّث بموقف (الحاضرين في المسجد)، والذين كان أغلبهم من حزبه، أو ممّن جرى تسليمهم بالقوّة أو بالتطميع.

وثالثاً: إنّ الخليفة قد ناقض نفسه. هذا الحديث عندما استأذن عائشة حصّتها من الإرث في بيت النبي، وأوصى بأن يُدفن عند رسول الله (ص) (علماً بأنّ الزوجة لا ترث من الأرض بل من البناء فقط).

كيف ترث عائشة زوجة الرسول، ولا ترث فاطمة بنت الرسول؟

وأيضاً إذا صحّ هذا الحديث، فلماذا لم يصادر الخليفة بيوت النبي من أزواجه؟ ولكنّ المشكلة أنّ الدلائل على صدق الزهراء لم تكن

١٧

تعوز الخليفة الجديد.. بل الدوافع والغايات، وإلاّ كانت تكفي شهادة النّبي (ص) عندما قال لعلي: (عليٌّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ، يدور معه حيثما دار).

وقول الله تعالى عن أهل البيت: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) .

كل ذلك كان كافياً للرضوخ للحقّ، والحكم لصالح فاطمة الزهراء، ولكن كلّ تلك الشهادات قد رُدّت، ومعها آيات الذكر الحكيم في الميراث.. وبقي الحديث - الفِرية صامداً بوجه كلّ الشهود والآيات... لماذا؟ لأنّ الخليفة لم يكن حكماً، بل كان طرفاً.

ولذلك فإنّ الزهراء - وبعد اليأس من الخليفة وحاشيته - نادت: (فنعم الحكم الله، والزعيم محمّد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون).

إنّ التناقض في مواقف الخليفة من إرث الرسول ربّما كان هو سبب شعوره بالنّدم العميق، ممّا صنعه تجاه ( فدك فاطمة ) خصوصاً في اللحظات الأخيرة من حياته، ولكن بعد أن كان كلّ شيءٍ قد انتهى..

لقد ماتت فاطمة في ريعانة العمر مقهورة متألِّمة، وهي ساخطة على الخليفة أشدّ السخط.. وعلى صاحبه أيضاً.. حتّى أنّها رفضت أن تتكلّم معهما بعد خطاب المسجد! وكانت تدعو عليهما في كلّ صلاة، وأوصت بأن لا يشهد أحدٌ منهما جنازتها.. وشدّدت في الوصيّة، حتّى أنّها أوصت أن تُدفن في مكان مجهول.. حتّى لا تتيح لأحد منهما الصلاة على قبرها.. ولكي تسجّل اعتراضها على ( سقيفة بني ساعدة ) وجميع إفرازتها والى الأبد..

١٨

تأمّلات في نصوص الخُطْبة المعجزة

إنّ تحليل خطبة الزهراء بحاجة إلى كتاب ضخم؛ لأنّه ليس مجرّد خطاب سياسي محض.. بل هو خطاب ديني، تاريخي، قانوني، سياسي، اجتماعي، ثوري.. ذات أبعاد متعدّدة..

ولكنّ ذلك لا يمنع من أن نتقرّب إلى الخطّ العام للخطبة، ونتعرّف على غايتها الكبرى..

تبدأ الخطبة بحمد الله والثناء عليه.. وتعرّج على التذكير بنعمه، ثمّ عن توحيد الله وعظمته، وفلسفة الخِلْقة، وبعث الرُّسُل، وعلّة الثواب والعقاب، ثمّ تنتقل إلى أبيها العظيم محمّد (ص)؛ ذلك الرسول الذي شرّفه الله وفضّله على جميع المخلوقات قبل ان يخلق الخلق أجمعين، ثمّ تعطي صورة سريعة عن الوضع الجاهلي، والظروف التي بُعث فيها رسول الله، ثمّ عن مقامه العظيم عند الله.. مع إشارة ذات معنى إلى خلاصة من أتعاب الدنيا ومشاكلها وأوضارها.. ثمّ تتحدّث عن ( القرآن العظيم) ودور المسلمين (الحاضرين في المسجد) في المحافظة على دساتيره وقوانينه وأحكامه.

وفي نكتةٍ جميلة تنتقل إلى أهم ما جاء في القرآن الكريم من أحكام

١٩

وشرائع.. مع بيان مقتضب وعميق لفلسفة الأحكام.. كالصلاة والصيام، والحج والجهاد والقصاص.... الخ، مع توصية الحاضرين بالالتزام بالتقوى، وخشية الله، والخضوع لأحكامه.

بعد ذلك تنتقل إلى صلب الموضوع - مع تذكير ذات معنى بشخصيّتها، وتأكيد على وعيها لما تقول، وفهمها العميق لدورها، وخطابها، وكلامها، وتأثير هذا الخطاب على مرّ التأريخ - مناديةً:

(اعلموا أنّي فاطمة.. وأبي محمّد، أقول عوداً وبدءاً، لا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً..).

وتنحدر في التعريف بدور أبيها الرسول الأعظم في إنقاذهم من الضلالة والعمى، والجهود الجبّارة التي بذلها في هذا السبيل.. حتّى خضع الجميع للسلام، بعد ضياع طويل في ظلمات الجاهلية الجهلاء.. مع وصف دقيق لحالهم اقتصاديّاً ومعيشيّاً وأمنيّاً حتّى جاء الرسول.. وأنقذهم من الضلال العريض بعد حروب مدمّرة، ومؤامرات طاحنة.. كان البطل الأوّل في إخمادها، وإبطال فتيلها، والسيطرة عليها هو الإمام الهمام ( علي بن أبي طالب (ع)) مع وصف دقيق لشخصيّة زوجها العظيم:

(مكدود في ذات الله، مجتهد في أمر الله، قريب من رسول الله، سيّد في أولياء الله).

٢٠